الأحد، 24 يناير 2016

الإدمان عنف نفسي اجتماعي يدمر الفرد والمجتمع .. سارة السهيل

الإدمان عنف نفسي اجتماعي يدمر الفرد والمجتمع ..

 سارة السهيل




تتسع دائرة العنف الانساني لتشمل العنف المدمر لصحة الانسان عبر ما يعرف ب " الادمان " وهو يعني اعتياد الانسان في سلوكه اليومي على شيء ما ولا يستطيع الاستغناء عنه فيدمر صحته او أسرته او مجتمعه دون ان يهتم المدمن بالأثار الخطيرة التي يترتب عليها ادمانه من امكانية ارتكابه لكل اشكال العنف وصولا للسرقة والقتل.
ولا يقتصر الادمان ـ كما هو معروف في الاوساط الشعبية لدي مختلف الأمم بأنه ادمان التدخين والمخدرات والكحول وما شابه، لكنه يتسع ليشمل لإدمان على العمل كما في اليابان. وكذا الإدمان على الكومبيوتر ، الإنترنت، القمار، وهناك ايضا ادمان السفر والسهر ، والادمان على الدراسة.
في تحليل علماء النفس لاقبال الانسان علي الادمان، فانهم يرون ان المدمن يعتقد ان الإدمان أيا كان نوعه هو عقار قادر علي ان يمنحه سعادة مؤقتة، وان التوقف عنه يصيبه بالالم والاكتئاب فيعود اليه مستسلما حتى ولو أفضى الي موته.
ومن هنا فان للادمان  بكافة أنواعه تأثير مدمر على الصحة العضوية والنفسية للمدمن، وأيضا على نواحي حياته الإجتماعية والأسرية والعملية. كما يسبب إنحلالاً في الشخصية وانحرافاً وخللاً في المبادئ الأدبية.
الادمان في العصور السحيقة
الغريب في الامر ان معرفة الإنسان بالمواد المخدرة ترجع لأزمنة سحيقة ،حيث دلت النقوش على جدران المعابد والكتابات على أوراق البردي المصرية القديمة الأساطير المروية تدل علي المعرفة بهذه المواد المخدرة. كما كان فالهندوس كانوا يعتقدون أن الإله (شيفا) هو الذي يأتي بنبات القنب من المحيط  ثم تستخرج منه باقي الآلهة ما وصفوه بالرحيق الإلهي ويقصدون به الحشيش.
أما قبائل الأنديز فقد انتشرت بينهم أسطورة تقول بأن امرأة نزلت من السماء لتخفف آلام الناس، وتجلب لهم نوماً لذيذاً، وتحولت بفضل القوة الإلهية إلى شجرة الكوكا.
جهود علمية
 يحاول العلماء  فك شفرة  "لغز" إدمان الكحول والمخدرات وعلاقته بالجينات بعد أن أظهرت دراسة أجريت على الفئران أن الجزء الذي له علاقة بالإدمان في المخ ينتج مواداً تشبه المورفين تسمى "إندورفين" استجابة لتأثير الكحول أو الكوكايين أو الأمفتامين . وقال الباحثون :  "إن الإندورفين ربما يكون السبب الذي يروِّض الدماغ ويجعله مدمنا أو محتاجا إلى هذه المواد.
بينما يقدم فهم عمل كيمياء المخ وعلاقتها بإدمان المخدرات والكحول لنا ضوءا جديدا، حيث  تشير الأبحاث إلى أن هناك جزئين مختلفين في المخ مسؤولين عن "الميل أو الرغبة" و"الحاجة" إلى تعاطي هذه المواد . ويعتقد الباحثون أن العقاقير المدمنة تـُنشط بصورة أولية جزء "الحاجة" في المخ . ولهذا السبب يمكن أن تـسبب المخدرات درجة عالية من العوز والرغبة الشديدة عند تعاطيها.كما أشارت الأبحاث إلى أن الناس يقبـلون على تعاطي المخدرات من أجل إثارة وتنشيط ميكانيكية المخ وذلك للحصول على لحظات من المتعة و"الكيف" والإشباعأو بعبارة أخرى، يتعاطى الناس المخدرات للحصول على المتعة رغم العواقب الوخيمة الناتجة عن تعاطيها.
جرائم عنف الادمان
في عصر العولمة انتشرت  ثقافة المخدرات بين الشباب بشكل كبير، مما دفع منظمة الصحة العالمية للتحذير من أن الإدمان على الكحول والمخدرات من أكثر المشاكل الصحية التي سوف تواجه البشرية، وهي واحدة من أبشع الأمراض النفسية التي تقود إلى الانحراف والجريمة بشكل سريع .
وأكدت الاحصائيات أن 77% من المدمنين مدانين في جرائم مختلفة من العنف  ما شاهدته المجتمعات العربيه والغربيه على السواء، حيث أدى انتشار الإدمان إلى زيادة نسبة جرائم العنف فى المجتمع من سطو مسلح وسرقة واعتداءات أخلاقية
علامات المدمن
ولما كانت ظاهرة انتشار المخدرات اكثر تعقيداً والأكثر خطورة على الإنسان والمجتمع، و تعاني منها الدول الغنية والفقيرة على السواء ، فقد أجمعت كل دول العالم على اختلاف سياساتها ومعتقداتها على محاربة هذه الظاهرة، من خلال مكافحتها عالمياً. وتنظيم البرامج والمؤسسات المعنية بعلاجها، و عقد المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية .
ورصد العلماء اعراض عديد تصاحب الشخص المدمن  فيكفي ظهور عرضين او أكثر لتحديد ان الشخص يعاني من مشكلة الادمان منها الكذب بسبب وبدون سبب وعدم تحمل المسئولية ، وشرود الذهن وضعف القدرة علي التركيز والانتباه، والأنانية، وصعوبة التحكم في الانفعال. وكذلك التخلي عن معظم القيم والمعايير وتبني قيم جديدة، والعصبية الزائدة أو الانفعال السريع وغير المناسب، وعدم الثقة فى النفس مع شعور بالعظمة، بجانب سلوكيات عدوانية وكراهية للمحيطين به والمجتمع .
أسباب الظاهرة
ارجع علماء النفس والاجتماع وقوع الانسان في براثن الادمان الي العديد من العوامل  النفسية ولاجتماعية أو الاقتصادية، منها عدم الوعي بكيفية استخدام العقاقير ومخدراتها وآثارها السلبية، وضعف الوازع الديني، التفكك الأسري، والفراغ،  تقليد الغير وضعف الشخصية، حب الاستطلاع والرغبة في إثبات الذات أمام الغير، ورفقاء السوء، والاعتقاد الخاطئ بأن الإدمان يخفف الوحدة والاكتئاب.
أنواع الإدمان
ورغم تعدد اشكال الادمان، فان العلماء يحصرونه في نوعين احداهما كيمائي والاخر سلوكي  فالإدمان الكيميائيّ من تعاطي الكحول والمخدرات على أنواعها وأبرزها الهيروين والكوكايين، وتعاطي أدوية الأعصاب والمهدئات من مشتقات البنزوديازيبين . وأما الإدمان السلوكي التصرفي، فينقسم إلى إدمان القمار أي الميسر، إدمان التسوّق لدي المرأة، إدمان التلفزيون، إدمان الانترنت والإدمان الجنسي .
وعلي الصعيد البيولوجي، فقد أثبتت الدراسات أن أنواع الإدمان كلها تعمل على منطقة معينة من الدماغ هيCircuit de Recompense وتعمل بالتالي على مادة الدوبامين التي تولد الشعور بالإرتياح في الدماغ.
علاجات متنوعة
ولأن عنف الادمان تمتد آثار جرائمه علي الفرد والاسرة والمجتمع معا، فان علاجه ومن قبل ا لوقاية منه لابد وان ينطلق من استرتيجية تعمق الايمان داخل النشئ بما يوفره الايمان من طمأنينة وسلام نفسي، ويصاحب ذلك الدور الكبير للاباء في تشكيل وعي الابناء بمخاطر الادمان
وتنمية ثقة الأبناء والشباب بأنفسهم، وتحصينهم بسلاح الدين والأخلاق . مراقبة الآباء لزملاء أبنائهم، حتي يتجنبوا رفاق السوء .
ولا شك ان المؤسسات الاجتماعية والتربوية والثقافية والاعلامية لابد وان تنهض بدور فعال في جذب الشباب للثقافة المفدية والانشطة الترفيهية والرياضية التي تسهم بناء شخصايتهم، مع عقد برامج ودورات حول كيفية التعامل مع الأطفال الذين لديهم مهارات اجتماعية ضعيفة أو سلوك عدواني وتعريفهم بالضغوطات السلبية لكي يتمكنوا من تجنبها.
علاج المختصين
غير ان الخبراء المتخصيين في معالجة الادمان، يرون انه  إذا كان مسبّب الإدمان هو حالة مرضيّةلعلاج إدمان المخدرات، فيتم الفطام داخل المستشفى عبر إعطاء مواد خاصة كي ينام المدمن ولا ينفعل، كما يتمّ تنظيف الجسم من دون خلق ردات فعل  وجسدية سلبية، ثم يحال المرء إلى مركز إعادة تاهيل . أما لمدمن الكحول، فيكون الفطام دقيقاً منعاً للتسبب بحالات صرع دماغية. كما تجرى في المستشفى فحوص للجسم والكبد خاصةً، ثم يحال لإعادة التأهيل. ويبقى أنّ مدمن المهدئات يخضع أيضاً لمرحلة الفطام في المستشفى لكن لا وجود لإعادة تأهيل، بل يتم العمل مع معالج نفسيّ Psychotherapist لتخطّي المشكلة». ويعطى المدمن أنواع مواد خاصة، تخفف من الرغبة في الشرب وتعاطي المخدرات كعلاج مكمل. وأما العلاج للإدمان السلوكي، فيكون عبر إعطاء أدوية تخفّف الإندفاعية وسرعة اللجوء إلى السلوك الإدماني. كما يمكن وصف أدوية مضادة للإكتئاب. ويجب متابعة العلاج مع المعالج النفسي .
ويبقي "العلاج المعرفي السلوكي" الطرق أكثر نجاحا من غيرها والتي من خلالها يتعلـم الشخص كيفية التـعرف على المشكلة، وحلـها، وتعلـم مهارات التكيف لمنع حدوث أو تكرار المشكلة مجددا.