الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

مجاعة قادمة واهدار الطعام لايزال مستمرا

 بعد ان دخل العالم في الموجة الثانية لفيروس كورونا، فان مخاوف وتحذيرات المنظمات الدولية تتوالى من خطر حدوث نقص في المواد الغذائية بالسوق العالمية بفعل الاضطرابات في التجارة الدولية وتأثيرها على الإمدادات الغذائية.


تتنامي هذه المخاوف مع وجود 821 مليون إنسان يعانون من الجوع على مستوى العالم، منهم 135 مليونا يعانون من الجوع الشديد أو الفقر المدقع، وفقا لبيانات برنامج الغذاء العالمي.

ويقف عالمنا العربي على المحك بشان نقص الغذاء خاصة، وان الكثير من الدول يعتمد على استيراد غذائه الاساسي مثل دول مجلس التعاون الخليجي، والبعض الاخر انهكته الحروب والصراعات الداخلية والفقر مثل اليمن و العراق والصومال والسودان وسوريا وفلسطين، أو انهكته أزماته الاقتصادية الخانقة مثل لبنان ومصر والاردن.

وفيما يقدر البنك الدولي أن من 40 إلى 60 مليون شخص آخرين سيعيشون في فقر مدقع خلال جائحة كورونا، فان حجم الخسائر الناتجة عن هدر الطعام في العالم يقدر بنحو تريليون دولار سنويا.

فان الدول العربية تتقدم جميعها الغنية والفقيرة في قائمة الدول الاكثر هدرا للطعام بسبب كثرة الشراء والمفاهيم الاجتماعية للكرم والتباهي والتفاخر باقامة الولائم الفاخرة بالمناسبات الاجتماعية كالافراح والاعراس والاعياد وغيرها، اوتلف المحاصيل خلال مراحل حصادها و نقلها وتخزينها وسوء تعبئتها.

للأسف، فان سلوكنا الغذائي مرتهن بالتقاليد الاجتماعية وليس بالمفاهيم الدينية الوسطية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من زوال النعمة بالاسراف فيها، ومن دعائه عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك".

فقد دعانا النبي صلى الله عليه وسلم، أن نقتصد في الطعام، شكرا لله على نعمته، وأن نتجنب الإسراف، تحقيقا لقول الله تعالى في محكم كتابه: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين". فالاسراف والبذخ في الطعام تسبب معاناة مليون عربي من نقص التغذية بما يعادل 13% من السكان، ومثلهم تقريبا يعيشون تحت خط الفقر.

ويعد رمضان شهر الصوم هو اكثر الشهور اهدارا للطعام ويواكبه ارتفاع حجم الانفاق بنسبة50 في المئة مقارنة بباقي شهور السنة، خاصة في دول الخليج.

فالفرد بالمنطقة العربية بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ( فاو )، يهدر متوسط 250 كيلوغرام سنويا من الغذاء، وإن هذا الهدر يزيد في رمضان ليصل إلى 350 كيلو غرام.


الأحد، 20 ديسمبر 2020

العنف في الريف والحضر والصحراء

 يمثل العنف سلوكا حادا في كل المجتمعات وهو بوابة للانحراف والضلوع في ارتكاب الجرائم، ولكن مع انتشار العنف في كل دول العالم، ودولنا العربية الا ان نسب اقترافه وتاثيره من حيث القوة والضعف يتباين من مجتمع الريف إلى مجتمع الحضر حيث تتعدد مشكلاته وتتشابك بما بقود للانحراف والجريمة والعنف بأشكاله المتعددة كالانتحار، السرقة، البغاء، القتل، الضرب، الاغتصاب، ومعدلات أعلى في إدمان الخمور وتعاطي المخدرات والانتحار وغيرها .


وان كان مجتمع الريف يعاني من ظاهرة العنف فان تأثيره السلبي يقع على المرأة بشكل أكبر من الرجل ، بينما تكاد تتساوى نسب العنف الواقعة في المدينة بين فئات المجتمع رجل وامرأة وطفل .

والملاحظ للسلوك البشري سلما او عنفا يجد انه يتأثر بعوامل عديدة تمثل دوافع رئيسة لسلوكه ومنها محيطه البيئي الطبيعي الذي يعيش في كنفه ويؤثر في تشكيل مزاجه وهويته .

تأثير البيئة
ذهبت بعض النظريات الاجتماعية إلى تأكيد التأثير البيئي على سلوك الانسان ، حيث اكتشف علماء الاجتماع أن سكان البادية والمناطق الجبلية يتأثرون بقسوة الطبيعة وخشونة الطعام مما يكسبهم قسوة في الطباع وخشونة وجلدا وشدة لا يتصف به سكان الحضر الذين يميلون غالبا إلى النعومة والدعة والرقة واللين تبعا لتأثير المكان والمسكن والمأكل ، في المقابل رصدوا سهولة طباع أهل السهول والمناطق الساحلية وتفاعلهم مع الغريب في لين بعيدا عن الشدة والعنف. بينما غلفت الطبيعة الجبلية لسكانها حرارة طبع.

وحقق استقرار الفلاحين على ارضهم توازنا في السلوك مثل الريف المصري و الاردني و العراقي ، بينما اكتسب سكان جبل لبنان جبل كوردستان طبائع القوة و تحمل القسوة.

وفيما يغلب الطقس الحار على سكان الخليج فان مزاجهم يميل للعصبية ، فان الطقس البارد كما في أيسلندا أو السويد أو النرويج وغيرها من الاصقاع الباردة فانه نادرا ما يميل السكان للاستثار والغضب الانفعالي.

واستعاد علماء الاجتماع مقولة لأرسطو التي يذكر فيها ( أن الناس الذين يعيشون فى مناطق المناخ البارد يكونون أكثر شجاعة ولكنهم ضعفاء برغم ذلك) ..

بينما الناس الذين يعيشون فى مناطق المناخ الدافئ يكونون أكثر عمقاً فى التفكير ولكن بدون نشاط أو حيوية .

كما المؤرخ العربى إبن خلدون بين بلادة الحس ونقص الحيوية فى سكان مناطق المناخ البارد والطبيعة الإنفعالية والاستعداد للاستسلام لمشيئة الطبيعة التى يتميز بها سكان المناطق الدافئة .

مقارنات
ويرجع علماء الاجتماع انتشار العنف والجريمة في المدينة الي ضعف العلاقات والروابط الاسرية والاجتماعية ، والى ضعف صلات القربي الذي يتيح للفرد الانتقال من الحياة الجماعية إلى الحياة الفردية .

وفي المقابل ،فان الحياة في المجتمع الريفي اكثر تماسكا وترابطا اسريا بما يقلل من حدة العنف والجريمة نسبيا مقارنة بالمدينة ، وهو ما ذهب اليه عالم الاجتماع دوركايم في ذلك : "المجتمع الريفي يتسم بعلاقة التماسك حيث يتعامل أفراده بطريقة بسيطة تلقائية و يستجيبون لبعضهم ميكانيكيا عكس المدينة ، فالعلاقة فيها هي ذات طابع عضوي" .

ويربط علماء الاجتماع بين العنف والوسط الحضري ، حيث أن ظاهرة العنف أو الانحراف بمختلف أشكاله ترتبط بالوسط الحضري أكثر من ارتباطها بالوسط الريفي ، بل إن عدد الانحرافات والجرائم يتضاعف كلما انتقلنا من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية من جهة وكلما زاد حجم المدينة من جهة ثانية وباختلاف الأحياء في نفس المدينة من جهة ثالثة، حيث يرتفع عدد الجرائم في الأحياء التي ترتفع فيها نسبة من حالات اجتماعية معينة حياة الأفراد بمعزل عن عائلاتهم ، الولادات غير الشرعية،الحراك الاجتماعي الذي يصاحبه حالات عدم الاندماج الاجتماعي .

كما يرى العلماء ان العنف والانحراف في الوسط الحضري يتربط بمؤسسة الأسرة التي تفتقر للترابط فيما بينها كما يغيب الاب بحثا عن المال والسلطة كما يغيب عن دوره الرقابي وغيره من الادوار .

وعموما فان العنف في مجتمع المدينة يبدو متباينا من فئة لاخرى ، فهناك عنف تجار المخدرات ومستهلكيها، وجرائم القتل وتفجير القناب، و اعتداء الأزواج على زوجاتهن وعنف الشاب نتيجة البطالة و تعبيرا عن أوضاعه الاقتصادية ، واعتداء التلاميذ على أستاذتهم أو مدرائهم، اعتداء الأبناء على اخوتهم ،واعتداء التلاميذ على بعضهم البعض، بجانب عنف الأساتذة على تلاميذهم.

فيما يأخذ العنف أشكالا متعددة مثل ،القتل، السرقة، الضرب، الاغتصاب، تعاطي المخدرات، و تعاطي المحضور، و الانتحار.

عوامل العنف:
ويرصد الباحثون المتخصصون العديد من الاسباب المحفزة للعنف منها :

ضمور و ضياع علاقات القربى والمودة في الحياة الاجتماعية على مستوى الأشخاص والتي كان بإمكانها أن تساهم في تثقيف الفرد الثقافة المضادة للعنف.

وضمور الرعاية الأبوية ، في مقابل ضعف دور المرأة أو الأم كأفضل وسيط بين الطفل ، الشاب، الشابة، والمجتمع.و استعمال أساليب تربوية تعتمد على الضرب أو العقاب البدني. واستعمال أساليب تربوية تعتمد على التسلط والتلقين والتحيز لرأي أحادي.

كما أكدت الدراسات أن العنف تزيد نسبته عند الانتقال من الريف إلى المدينة، حيث يتميز سكان الريف بأنهم أكثر تجانسا أي تماثلا وتشابها وذلك في السمات العنصرية أو السيكولوجية أو الاجتماعية مثل: اللغة، المعتقدات، الآراء،أنماط السلوك.كما ان مجتمع الريف لا يعاني من مفهوم الطبقية بينما يظهر بوضوح في المناطق الحضرية.

وبينما يتصف الريف بقلة تنقل سكانه ماعدا الهجرة من الريف إلى المدينة بسبب الكوارث الطبيعية التي تحدث الأزمات الاقتصادية بينما تتميز المدينة بالتنقل الاجتماعي الكثيف لسكانها.

تكون التفاعلات في الريف على مستوى ضيق ولكن بدرجة ملحوظة ،واضحة وعميقة، بحيث يتميز بالبساطة والمودة و الإخلاص فالتفاعل يحدث من الزاوية الإنسانية أساس.

أما في المجتمع الحضري ، فيتميز بكثرة الاتصالات و لكن مع ذلك تسود المدينة العلاقات الشخصية التي تتسم بالسطحية و القصيرة المدى و التعقيد والشكلية والنفعية، فالإنسان يتفاعل في المدينة كرقم وكعنوان.

بينما يمتاز المجتمع الحضري بضعف علاقات القرابة و انهيار الأهمية الاجتماعية للأسرة و اختفاء علاقات الجيرة، كما تتجه معظم النساء إلى العمل ويميل الناس إلى تأجيل الزواج وتتميز الأسرة بأنها أصغر حجما من الأسرة في الريف ويميل الإنسان الحضري إلى الارتباط بالأشخاص ممن لهم مصالح مشتركة.

يسود في المدينة الضبط الاجتماعي الرسمي المتمثل في القانون و أجهزته مثل الشرطة،الدرك ومختلف أنواع الأمن بينما يسود في الريف الضبط الاجتماعي غير الرسمي الذي يتمثل في العادات و التقاليد و العرف وتلعب الشائعات دورا مهما في الرقابة على سلوكات وتصرفات الأفراد.

الانحراف
يرتبط الوسط الحضري بأشكال عديدة للانحراف ، كما يشير "هالبواشHalbwachs مؤكدا أن الحياة الحضرية تفوق الحياة الريفية في نسبة الانحراف وتتمثل عادة في الضعف ،كما أن عدد الجرائم يزيد كلما زاد حجم المدينة. حيث يتلقي في الريف قيم احترام العمل، تقدير الأسرة ، السعي إلى الارتقاء بها و بقائها، ويكافح في الأرض و المحصول لتأمين احتاجاتها،و يجد سعادته في الحياة الهادئة واتحاده مع أسرته وفي استجابته للتقاليد المتعارف عليها فينعدم الحافز إلى الانحراف إلا إذا وجد ما يهدد استقراره مثل: إتلاف المحصول.
ويمتاز رب الأسرة في الريف بأنه أكثر رعاية لأسرته و أولاده بينما سكان المدن يختلفون اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا .

اما السلوك الأبوي في المدينة يقود بالضرورة للعنف ، نتيجة نقص التربية الدينية ، ونقص الرقابة الأبوية أو عدم انتظامها ، استعمال الضرب كطريقة تربوية مع فئة المراهقين أو الشباب أو الأطفال دون العاشرة يؤدي إلى انحراف أو جنوح أو عنف الشباب أو الأبناء.
ووجد العلماء علاقة ارتباط عضوية بين أمية الوالدين بجنوح الأبناء كان أقوى في المناطق الحضرية منه في المناطق الريفية ، فالآباء الأميون و خاصة في المناطق الحضرية حيث الحياة معقدة في علاقاتها و طريقة حياة الشباب متغيرة لا يستطيعون في كل الحالات فهم احتياجات أبنائهم ومطالبهم النفسية و الشعورية ،و بالتالي فالوسائل التربية التأديبية المستعملة تجاههم يمكن أن تكون غير ملائمة في جعلهم مواطنين صالحين

العنف ضد الأنثى
ولكن العنف ضد الانثى في الريف يعد الاعلى والزواج في سن صغير بنسبة كبيرة مقارنة بالحضر ، ويبدأ العنف ضد الانثى بالاجبار على الزواج ، بل ان العنف ضد الانثي يبدأ وهي طفلة من خلال ظاهرة الختان المنتشر في الريف المصري و السوداني بالعادات والتقاليد الموروثة ، بل أن مصر مازالت هى الأعلى عالميا فى حالات ختان الاناث، على الرغم من اعلان الامم المتحده فى 6 فبراير 2005 اليوم العالمى لمناهضة ختان الاناث وصدور قانون 2008 فى مصر لتجريم عملية الختان إلا ان هذا القانون فتح المجال ان تتم عملية الختان فى سريه بعيدا عن أعين القانون وتتم عن طريق الداية أو الممرضة واحيانا حلاق الصحة.

و بالرغم من كل الجهود المبذوله وتغليظ العقوبه فى القانون المصرى وتحويلها من جنحه الى جنايه فإن القضية مازالت فى حاجة الى زيادة حملات التوعيه والتثقيف الجنسى والصحى للمرأة فى الريف والحضر سواء، وعلى كل منظمات المجتمع المدني التكاتف والتعاون للحروج من هذا المنعطف الخطير الذى يعد اول خطوات تدمير الانثى نفسيا وخلق مرأة ضعيفة محطمة.

العنف في البادية
كانت المرأة في البادية قديما اكثر الفئات اجتماعية تعرضا للعنف الاجتماعي مما كان يودي بها الى الوأد، ولكن مع التطور الزمني والثقافي ، فان النظرة الدونية للمرأة البدوية قد تقلصت الي حد بعيد ، وصارت المرأة البدوية الاقل تعرضا للعنف مقارنة بنساء الريف والمدينة.

وقد ابرز هذا التطور الاجتماعي بحث ميداني في المجتمع المغربي عام 2011 حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء وجاءت النتائج لتعلن زوال الصورة النمطية للإنسان البدوي الذي ارتبطت به ممارسة العنف كتقليد وثقافة وقيمة ، ولتصحح ، في الوقت نفسه ، نظرة المجتمع والباحثين إلى هذه الفئة المرتبطة بالنشاط الفلاحي والرعوي .

فالنتائج التي أسفر عنها البحث تؤكد أن المرأة تتعرض للعنف في الوسط الحضري بمعدل يزيد ب 7،12 في المائة عن المرأة في العالم القروي في ما يخص العنف الجسدي في الحياة الزوجية، وبـ` 4،35 في المائة في ما يخص العنف الجنسي وب` 8،7 في المائة في ما يخص العنف النفسي.

بينما جاء اللجوء للعنف ضد النساء في البادية أقل بكثير مقارنة مع المدينة ، وهو تطور ثقافي واجتماعي يستحق التقدير والدراسة لنبني عليه وتستفيد من نتائجه كل المجتمعات في الريف والحضر علي حد سواء و كوني ابنة قبيلة و اعايش بشكل مباشر ظروف العنف في القبائل فاني ارى ان العنف في البادية بعيد كل البعد عّن المراة التي يتم تكريمها و احترامها و غزل القصائد و التكنيبصفاتها انما يتمحور العنف في البادية في مسائل الثأر و الغزوات و الغارات بين القبائل و المعارك المتمحورة على النفوذ و فرض السطوة و السلطة و الانتفاع من الماء و الارض و تطورت هذه الاسباب مع الزمن لعنف هدفه التمثيل السياسي و السلطة في الدولة مع قيام دول القانون في المنطقة العربية .

الجمعة، 11 ديسمبر 2020

إياك وطائر الوقواق !!!

 اللؤم والخبث واستغلال الاخرين صفات بشرية مذمومة لدى بني الانسان في كل زمان ومكان لانها ركائز على خبث الانفس وسوء الاخلاق التي تضر بالبشر جميعا وتؤذيهم أيما أذى.


وقد تبارى الحكماء والمفكرين في مختلف الحضارات في التحذير من الشخصيات اللئيمة لتجنب الوقوع في فخاخها المدمرة وأنانيتها المهلكة واستغلالها للآخرين كي تعيش وترعرع.

ومن ذلك الحكمة اللاتينية التي تقول: لطالما أسرفت في لوم نفسك عندما منحت احد الاصدقاء ثقة لا يستحقها وكرما دفعه للتمرد، إذ ليس صحيحا أن الناس جميعهم يتأثرون بكرم الاخلاق وينتهجونها في التعامل معك.

فاللئيم لا يعرف سوى نكران الجميل، ولذلك حذر منه شاعرنا الحكيم  أبو الطيب المتنبي في بيته الشعري الرائع: إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمردا.

وهكذا ايضا يُعرف طائر الوقواق بأنانيته واستغلاله للطيور الأخرى، حيث لا يكلف الأبوين نفسيهما عناء بناء عش لوضع البيض فيه، بل تقوم الأنثى بوضع بيضها في عش طيور أخرى لتكون حاضنة للبيض، وعادة ما يفقس بيض الوقواق قبل بيض الطائر الأصلي فيقوم بمحاولات مضنية وهو مجرد قطعة لحم ضعيفة لدحرجة بقية البيض خارج العش حتى يستأثر وحده بالطعام الذي يحضره الأبوان الحاضنان اللذان لا يميزان بين صغارهما وصغار الوقواق، وهو مايعكس دناءة فراخ الوقواق تأثرا في جيناته وسلوكه بوالديه الحقيقيين.

فالاستغلال والخيانة والخديعة والمكر من أبرز ما يميز هذا الطائر في تسلقه على حياة الاخرين، ولذلك فان الأوربيين يطلقون تسمية الوقواق بالفرنسية (Cuckold) على الرجل الذي تشتهر زوجته بخيانتها له.

فالكثير من الحيوانات تشبه بصفاتها وسلوكها الكثير من البشر لهذا نقول على هذا ذئب وعلى هذا اسد ونشبه الشريرة بالحية والتحتانية بالحرباء المتلونة والتي تلدغ بالكلام العقربة واللطيفة بالقطة والجميلة بالغزال او الفرس والرقيقة بالفراشة وللأسف، فاننا قد نصادف الكثير من البشر خاصة في زماننا الذي اختلت فيه موازيين القيم الاخلاقية، يشبه طائر الوقواق في سلوكه ولؤمه وخياناته.

فالام التي تترك صغارها عند والدتها لكي ترعاهم بدلا منها تمارس اقصي درجات الانانية والتخلي عن المسئولية حتى تتفرغ لعلاقاتها مع صديقتها للفسح والتنزه، كذلك الزوج الذي يترك زوجته دون رعاية واهتمام ليفرغ الي لقاء الاصدقاء بالنوادي والكافيهات  والمقاهي بل ان كثيرا من المديرين الذين يلقون بأعباء مسؤولياتهم على صغار الموظفين مع توبيخهم وتقزيم جهودهم، وعندما ينجح العمل بجهدهم ينسب هذا النجاح لنفسه. وحتى في مجال الحروب نجد الجنود هم الذين يقاتلون بشراسة وقد يدفعون حياتهم الغالية ثمنا لشرف الجندية وقد ينسب الضباط وكبار القادة العسكرين هذا الشرف لانفسهم.

فاللئيم بطبعه دخيل نعمة يملؤه الكبر والغرور والتعالي على الاخرين مما يعكس مركبات النقص لديه، ومليء بالجحود والنكران للمعروف، بل ان خبث نفسه يقوده الى ايذاء من مد له يد العون وقت الشدة.

فاللئيم يحسب كل شيء بميزان مصلحته الشخصية الضيقة ولا يتوقف طوال الوقت عن الاستغلال والابتزاز العاطفي لمن يحيطون به، ولذلك فان علاقاته الانسانية سواء الزوجية او الصداقة لا تستمر كثيرا، فهو اذا تضاربت مصالحه الشخصية مع احدى هذه العلاقات فانها سرعان ما يدمرها ويعمل على تشويه صاحبه او زوجته او حتى زملائه بل يقاطعهم دون ان يشعر بتأنيب الضمير.

والحقيقة ان اللئيم سواء كان رجلا او أمراة، قد يتذاكى على الاخرين ويظهر عبقرته عليهم، فانه من أغبى انواع البشر لانه يعيش لنفسه فقط ويستثمر فيها دون ان يستثمر في اهله واسرته او مجتمعه، لذلك فهو يشكل خطرا على الاسرة والمجتمع معا لانه يحقق اهدافه من خلال استغلال الاخرين وعندما يفشل في تحقيق أهدافه ينسى فضل الناس عليه بل ويخون من عاهده ويفشي اسراره ويفضحه وينسى اي معروف بينهما.

يبقى علينا ان نكون متيقظين في التعامل مع اللئيم اذا ظهرت فيه عدة خصال منها الوداعة الظاهرية والتي تتطور لاحقا الى ان يكون مستلكا لا يقبل آراء الاخرين ويفرض رأيه عليهم بالقوة ويجد نفسه وحده على صواب ولا يحب النجاح الا لنفسه ويستغل الاخرين وينكر فضلهم ومعروفهم، وعلينا جميعا ان نتجاهل اللئيم ولا نصحابه الا اضطرارا، وننكس اعلام زيفه.

في هذا المجتمع الذي يسري الى الهاوية الاخلاقية كم من وقواق ووقواقة بيننا سواء من الاهل و المحيط والأصدقاء والمعارف والزملاء والمدراء الى آخره ممن يظهرون امام الناس احيانا بمظهر البريء اللطيف و احيانا يتباهون و يجاهرون بوقواقيتهم وهم الخبثاء الذين يحفرون لك كل يوم لاذيتك ومحاربتك في حياتك الخاصة و العامة و العمل و محاولة تشويه سمعتك و صورتك وترويج الاكاذيب و تلفيق القصص و اخذ حقك و الغيرة منك و تقليدك بحسد وليس بغبطة كم نعاني منهم و هم يدعون المحبة امام الناس و في الباطن هم وقاوق عافانا الله واياكم منهم ومن الوقواق الطائر .