الأربعاء، 31 يناير 2024

ملكات صنعن الحضارات وخلدهن التاريخ

 


     كليوباترا الملكة الأشهر في التاريخ
    الجمعة/السبت 13 مارس 2020



    بما أننا مع احتفال العالم بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار الماضي فلا بد أن نتحدث عن النساء فقد خطر ببالي أن أتناول في هذا التقرير المرأة الملكة من خلال دورها في صنع الحضارات، وكيف خلّدن الملكات في التاريخ.

    وقد سجّل التاريخ الإنساني حياة كوكبة من النساء اللواتي حكمن العالم القديم وصنعن حضارات خالدة متحديات كل صعب، وبقيت قصص نجاحهن منهلاً خصباً للدارسين علوم التاريخ والإنسانيات، كما ظلت مصدراً خصباً لإلهام الشعراء والأدباء والرسامين، وبقي نبوغهن الفكري والسياسي والحربي حلماً لكل امرأة في عالمنا المعاصر طامحة في القيادة والحكم.

    ورغم أن الوقائع التاريخية قد امتزجت بالأساطير في تجارب هذه الشخصيات النسائية الممتدة شرق العالم وغربه، إلا أن دخول الأسطورة لم يلغ قدرات هؤلاء النسوة في صنع العالم وقيادته بما امتلكنه من قدرات خاصة كقوة العقل والدهاء والقدرة على الإدارة السياسية والاقتصادية والحربية بجانب الأنوثة التي وظّفت أحياناً في مواجهة ألاعيب السياسة ودحر الخصوم.

    كليوباترا القائدة

    كيلوباترا أشهر النساء في تاريخ الإسكندرية، ملكة جمعت بين قوة الشخصية والقيادة والأنوثة وتباينت كتابات المؤلفين في تحليل مفاتيح شخصيتها بين كونها رمزاً لأسطورة الحب الخالد كما في مخيلة الشعراء العالميين، ومصدر إلهام للأوبريتات العالمية التي لا تزال تقدّم حتى اليوم وبين الملكة القائدة الحربية.

    فكيلوباترا الملكة عاشت بروح وفكر القائد لاستعادة مجد الأسرة البطلمية وعملت على تقوية مملكتها المصرية عسكرياً وعلمياً في مواجهة روما، وشكلت خطراً حقيقياً على الجيش الروماني، حتى هزيمتها هي وانطونيوس.

    وحفاظاً على عرشها وحياتها، فلم تتورَّع كليوباترا عن قتل العديد من أفراد أسرتها، كما حافظت على كرامتها حتى النهاية وخشيت من تقديمها كغنيمة نصر للرومان المنتصرين وتعرضها للإذلال فقتلت نفسها عن طريق لدغة ثعبان.

    واهتمام كليوباترا بأنوثتها لم يحل بينها وبين قدراتها كمفكرة سياسية وإستراتيجية خططت لجعل ابنها بطلميوس حاكماً قوياً في المستقبل وقدرتها على التنبؤ بنتائج الحروب، وذلك بفضل حرصها على التعلّم، حيث تعلَّمت اللغات والعلوم وإستراتيجيات الحرب. وذكاء كليوباترا المقدونية قادها لبذل مجهود كبير لدراسة وفهم الثقافة المصرية فتعلمت كليوباترا اللغة المصرية ولذلك أحبها المصريون خاصة بعد أن وفرت لهم الأمان والرخاء.

    بلقيس وفنون الحكمة

    وهي من أشهر الملكات في العالم، فقد خلّدها القرآن الكريم في قصتها مع نبي الله سليمان، ويبرز القرآن حكمتها السياسية وشجاعتها وخبرتها في اتخاذ أمر الشورى مع رجال بلاطها وخبرتها بشؤون الملوك وقدرتها على اختبار نواياهم إذا ما أردوا الاستيلاء على مملكة أخرى. وربما تكون قد اكتسبت الملكة بلقيس هذا الدهاء السياسي من انتسابها لأبوها الملك الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر، لكن هذا النسب لم يحميها من استنكار قومها لولايتها عليهم، ولم يمنع الطامعين في مملكة سبأ، ومنهم الملك «عمرو بن أبرهة» الملّقب بذي الأذعار، لكنها بما امتلكته من قوة شخصية وشجاعة وفطانة عقل ودهاء سياسي وأنثوي قهرت كل هذه التحديات وحافظت على عرشها.

    وحسب ما تذكر الروايات، فإن الملكة بلقيس استخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار من هجوم الملك ذي الأذعار على مملكتها وعادت بخطة للتخلّص منه فدخلت قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه، استلت سكيناً وذبحته بها. وازدهرت مملكة سبأ في زمن حكم بلقيس وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية، كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة، ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب.

    سميراميس الملهمة

    وبين الأسطورة التاريخ يسلتهم المبدعون شرقاً وغرباً حياة الملكة الآشورية «سميراميس»، فهي حاضرة ليومنا هذا في العديد من الفنادق العالمية التي تحمل اسمها، وفي أعمال خالدة موسيقية ومسرحية والتشكيليين، كما في النصوص التاريخية لهيرودوتس - الذي تحدث عنها في نصوصه التاريخية المؤسسة والأدباء مثل فولتير والأوبرات الإيطالية التي تحمل اسمها.

    تمتعت سميراميس بسمات شخصية أهلتها لتخليد اسمها في الذاكرة الإنسانية فقد تمتعت بفطنة وذكاء وجمال، بجانب قدرتها علي الإدارة وقيادة مملكتها وخوض المعارك الحربية الشرسة خارج الحدود لتوسيع رقعة مملكتها، وهو ما ممكَّن لها أن تستمر ملكة لأكثر من اثنين وأربعين عاماً.

    ومثّلت سميراميس أنموذجاً للوفاء للزوج، فحسب الروايات أنها أقامت في نينوى ضريحاً كبيراً لزوجها الملك، كما تذكر الأسطورة أنها هي التي أقامت مدينة (بابل) العريقة وأنها استخدمت ببنائها أكثر من مليوني عامل. وحققت سميراميس نهضة كبيرة لمملكتها بإقامة كثير من المدن على ضفاف نهري دجلة والفرات، وأنها أخضعت مصر، والحبشة. كما تذكر الأساطير أنها احتلت معظم آسيا وأقامت في عدد منها بعضاً من النصب التذكارية والأبنية.

    تمارا تخضع القوقاز

    ويحتفي التاريخ الإنساني بملكة جورجيا «تمارا» التي حكمت بلادها وهي في عمر الرابعة عشرة، حينما توّجها والدها في القرن الثاني عشر، تجنباً لوقوع حروب داخلية لتصبح أول امرأة تحكم هذا البلد وفي هذه السن الصغيرة! وامتلكت الملكة الصغيرة من المقومات الإنسانية كالدهاء السياسي والقدرة على دحر الخصوم وكسب المعارضين وتكوين نخبة عسكرية قوية وكسب احترام الممالك المجاورة، مما مكَّنها أن تبسط سيطرتها كاملة على جورجيا في العصر الذهبي خلال القرون الوسطى. ولم يكن الوصول للعرش سهلاً فقد واجهت مقاومة عنيفة من الطبقة الأرستقراطية عند تقلّدها لسلطات الحكم لكنها نجحت في تحييدهم ثم اتجهت لبسط الهيمنة السياسية على بلادها في آسيا الصغرى وعلى توسيع الحدود الجورجية حتى سادت إمبروطوريتها منطقة القوقاز بحكمتها السياسية ورعايتها للآداب والفنون.

    عشتار النار والحب والخلود

    تبقي عشتار رمز الحب في بلاد الرافدين، مسيطرة على عقول وخيال الأدباء والعشاق والمحلِّلين النفسيين وفي حضارات مختلفة يونانية وعربية وغيرهما. فهي أسطورة أنثوية تجسد تسلط الأنثى وطغيانها.

    وقد برزت في عهد ابنها مردوخ منذ زمن حمورابي، فقد كانت سيدة بابل بلا منازع، وهي أيضاً تلك المرأة الفاتنة الجميلة الداهية، الماكرة الساحرة القاتلة هي نفسها الخارقة في الحب والحرب لدى الآشوريين، وكان لها معبدان، الأول في نينوى باعتبارها رمز الحب، والثاني في أربا إيلو باعتبارها رمز الحكمة والحرب. وبذلك تكون جمعت آشتار لدي العراقيين التناقض العجيب بين آشتار العاشقة والأخرى الحربية، حيث كان معظم قادة وملوك الآشوريين يزورونها في معبدها قبل توجههم في حملات جديدة لتلقي النصح والموافقة، ولكي تتنبأ ماذا يخبئ لهم المستقبل. هذا التناقض سجله التاريخ الإنساني لإبراز قدرات المرأة الخارقة في الحب والحرب والسياسة.

    دهيا رمز الدهاء الحربي

    وسجَّل تاريخ شمال إفريقيا اسم أقوى شخصية نسائية في صفحاته وهي الملكة الأمازيغية «ديهيا» التي كانت رمزاً للدهاء البشري ومع ذلك، فقد كانت ساحرة الجمال وحادة الذكاء وقوية الإرادة، وهذه السمات الشخصية جعلتها فارسة تركب حصاناً وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها» كما صورها المؤرِّخ ابن خلدون.

    وقادت الملكة دهيا الحملات العسكرية الناجحة وحكمت الأمازيغ وشمال إفريقيا طوال 35 سنة، وتذكر المصادر التاريخية، أن جميع الأمازيغيين كانوا يخافون من ديهيا ويطيعونها بسبب جرأتها وشجاعتها. لقبت «ديهيا» بالمرأة الحديدة لقدرتها على مقاومة الروم والبيزنطيين والعرب، وتمكنها من توحيد القبائل الأمازيغية، وتوفيت في معركة حامية الوطيس أثناء مجابهتها لجيش حسان بن النعمان في موقع بالجزائر سُمي فيما بعد ببئر الكاهنة.

    زنوبيا الطامحة

    وتظل «زنوبيا» ملكة تدمر، رمزاً للطموح السياسي الذي يتملك أدوات تحقيقه بما توافر لها من سمات شخصية مثل رجاحة العقل وشدة الطموح ومعرفة جيدة بالأوضاع السياسية في الشرق وروما، بجانب الشجاعة والجمال والقدرة على الجمع بين اللغة اليونانية والمصرية. فمع مقتل زوجها أذينة القائد الأعلى للجيوش الرومانية في الشرق، سعت زنوبيا لتولية ابنه الصغير وهب اللات مقاليد الحكم تحت وصايتها، وجعلته في البدء يحمل ألقاب والده، مع اعترافه بالإمبراطور الروماني الجديد أورليانوس.

    وسعت زنوبيا لتأسيس دولة تسيطر على التجارة الدولية من منافذها في العراق حتى مصباتها في موانئ البحر المتوسط فسكت النقود تحمل رأس صوتها وصة ابنها بما يعني أنها أسقطت سلطان روما ولم تعد تعترف بالإمبراطور الروماني.

    وسيطرت قواتها على مصر وآسيا الصغرى حتى مضيق البوسفور إضافة إلى سورية، وضعت زنوبيا تحت سلطتها سائر منافذ طرق مواصلات طريق الحرير، إضافة إلى تموين روما بالحبوب وغيرها من البضائع والمواد الضرورية لسد حاجات روما. لاودفعت الميول الفلسفية والأدبية لزنوبيا، في ازدهار الحياة الفكرية، واستقدمت مشاهير رجال الفكر إلى عاصمتها لتجمع بذلك بين قوة السلطان السياسي والعسكري والاقتصادي والفكري.

    اليسار رمز الوفاء والتحدي

    هذه الملكة حققت حلم يصعب على أعتى الرجال تحقيقه، فقد بنت مدينة قرطاجة على شاطئ تونس، متحدية كل العقبات التي صادفتها في رحلة حياتها وخلد صمودها ونجاحها ووفاؤها اسمها في سطور التاريخ الإنساني.

    واليسار، هي ابنة حيرام ملك صور، أوصى أبوها لها ولأخيها «بغماليون» بالملك بعد وفاته لكن سرعان ما أظهر أخيها أطماعه في العرش، فاستغلت الثروات التي تركها زوجها وجمعت كنوزها وأخذت أسطول زوجها التجاري ومعها عدد من الأمراء والأثرياء راحلة في عرض البحر لتحقق حلم تكوين إمبراطورية خاصة بها إفريقيا.

    وفتنت بجمالها ودبلوماسيتها وذكائها ملك البربر فاحتفي بها، وأجاب طلبها في تحديد قطع أرض على ساحل البحر تمثِّل موقعاً إسترتيجياً بنت عليها مدينتها الأسطوريه قرطاجة التي أدهشت بجمال معمارها ونقوشها ومسارحها ومراقصها وترفها ملوك المنطقة وقياصرة الروم. وسرعان ما حققت الملكة اليسار نهضة تجارية مما جعلها مطمعاً للممالك المجاورة فتقدَّم ملوكها للزواج منها مثل ملك البربر وقيصر الروم لكنها رفضت هذه الزيجات وفاءً لزوجها، غير أن ملك البرر أصابه رفضها بغضب عارم فهددها الملك بتدمير قرطاج وسبي كل أهاليها إن لم تقبل فآثرت الانتحار ملقية بنفسها في المحرقة بين اللهب، وقد هزت تضحيتها هذه الشعب، فأقام لها معبداً لتلخيدها.

    ** **

    - سارة السهيل

    الاثنين، 29 يناير 2024

    السينما والمستقبل بين الخيال العلمي والمخططات

     

    السينما والمستقبل بين الخيال العلمي والمخططات


    سارة طالب السهيل
    28-01-2024 08:03 AM

    استشرفت السينما العالمية وبعض المسلسلات الأجنبية جوانب من أحداث المستقبل، والتي كنا نظنها محض خيال علمي، ولكن الكثير منه قد تحقق على أرض الواقع خاصة فيما يتصل بالأوبئة والكوارث الطبيعية والفضاءات والمجالات الكهرومغناطيسية وإرسال الأطفال إلى الجزر النائية وغيرها.

    ولكن قبل الشروع في تحليل علوم المستقبل كما تنبأت به أفلام الخيال العلمي، وهي كثيرة جداً، استدعت ذاكرتي حديث قديم يعود لسنوات بيني وبين إحدى الصديقات المصريات التي أعربت عن دهشتها من معرفة الأجيال السابقة علينا ببعض علوم المستقبل، وسلوك البشر في الأزمنة المستقبلية عليها.

    فذكرت الصديقة عن أمها لجدة أمها أي قبل مئتي عام يا بنتي والحديث لجدة الجدة: «هيجي زمن يكون فيه الناس أقصر طولاً وأقدامهم كبيرة، والولد يروح المشوار ما يرجع، ويأكل ما يشبع، والحديد هيتكلم».

    إذا ما تأملنا في المقولة لهذه الجدة وهي تتنبأ بالمستقبل لوجدنا أنه قد تحققت، فالكثير من الابناء يهربون من منازل ذويهم دون ابداء أسباب وقد لا يرجعون، كذلك النهم في تناول الطعام دون الإحساس بالشبع موجود عند الكثير من الشباب، وتكلم الحديد قد تمثل مبكراً في اختراع الهاتف الأرضي والراديو والتلفاز، وتطوره لاحقاً في أجهزة الموبايل والتابلت وغيرها.

    وهذا يعني أن التنبؤ بالمستقبل موجود لدى الأجيال السابقة، لكن هل هذا التنبؤ كان صادراً عن شفافية محضة، وهبها الله لبعض عباده الصالحين، أم هو نتاج مرويات قديمة تحدث بها أيضاً رجال الله الصالحين ونقلتها الأجيال عنهم؟ لا أملك إجابة!!.

    أعود لموضوعنا الرئيس وهو تنبؤ الأفلام والمسلسلات بأحداث صعبة تحدث في العالم، وبالفعل تحقق معظمها، فهل هذا يرجع إلى محض قدرة المبدعين على قراءة

    المستقبل أم أنه مخططات يجري تنفيذها بجرعات معينة لتهيئة البشرية على وقوع هذه الكوارث والتفاعل معها ومعايشتها كأمر عادي وطبيعي ولو أدى إلى موت الملايين، وانتهاك حرمة الأطفال وتقديمهم قرابين للشياطين تحقيقاً لمآرب عبدة ابليس أعاذنا الله وإياكم منهم؟ّ!!

    لنقر أولاً أن بعض البشر من الناس العاديين، يتمتعون بقدرات خارقة كان يطلق عليها في بلادنا العربية بأسماء مختلفة، في حين أن الحضارات القديمة امتلكت قدرات خارقة نتيجة استخدامها لعلوم ربانية مثلاً علوم نبي الله إدريس الذي كان أول من خط بالقلم وشيد المباني وعلم الزراعة والصناعة، وهي العلوم التي بنى بها القدماء المصريون حضارتهم القديمة وشيدوا بها الأهرامات التي هي ألغاز علمية كل يوم يتم اكتشاف الجديد من أسرارها، بجانب الأسرار الموجودة في حضارة ما بين النهرين وحضارة البترا والفراعنة وغيرها، فكل الشواهد التاريخية الباقية من أثر هذه الحضارات تعكس القوى الخارقة التي كان يمتلكها أصحاب هذه الأزمنة دون ان نكتشف أسرارها ومصادرها الحقيقية حتى اليوم.

    مسلسلات نهاية سبعينيات وثمانينات القرن الماضي اتجهت بقوة لتجسيد القوى الخارقة داخل الإنسان، كما في مسلسل «الرجل الأخضر» و“المرأة الحديدية وغيرها من المسلسلات.

    هذه النماذج نقطة في بحر من مسلسلات وأفلام الخيال العلمي التي تحولت إلى واقع، واعتمدت بشكل كبير على فكرة تزويد الجسد البشري بشرائح معدنية تمنحه قوى خارقة يتم توظيفها في النهاية لصالح إجهزة الامن وتحت شعارات براقة طبعاً محاربة الاشرار والارهابين من وجهة نظر القوى العظمي طبعاً..!

    هذه الشرائح المعدنية وظفت لاحقا في أجهزة التجسس التي تغطي معظم دول العالم، ووظفت في الطائرات المسيرة للقتل والتدمير والطائرات بدون طيار في عمليات اغتيال رموز سياسية عبر انظمة التتبع بأجهزة الموبايل وغيرها وما خفي كان أعظم، بدأنا نسمع عن الشرائح التي توضع في جسد الإنسان التي مهمتها توجيه سلوكه وفقاً لأهداف صانع هذه الشرائح، بحيث يفقد الإنسان أية قدرة ذاتيه على تحديد أهدافه الشخصية، بل أنه ينفذ فقط ما توجهه إليه هذه الشرائح دونما إرادة منه..

    فيا رب سترك علينا، وللحديث بقية..

    السبت، 6 يناير 2024

    الزجل الفلسطيني .. الحمام الزاجل الناقل للرسائل المقدسة

     

    الزجل الفلسطيني .. الحمام الزاجل الناقل للرسائل المقدسة


    سارة طالب السهيل
    06-01-2024 12:33 AM

    وسط لهيب النيران، وعلى إيقاع طلقات الرصاص المنطلق، بسواعد المقاومة الباسلة في فلسطين العربية المحتلة بمختلف فصائلها، يبدو أن كتاب الزجل الفلسطيني يستعد لفتح فصل جديد، بسطور من نور ونار، وبمداد الدماء الزكية للشهداء الأبرار، ليسطر سير الأبطال المحاربين، ليستلهم منهم جيل فلسطيني قادم روحا جديدة، تحمل عبء المسئولية وشرف النضال المقدس، من أجل تحرير الأرض المقدسة.

    .. ولمن يسمع عنه لأول مرة !، فإن الزجل الفلسطيني كان ولازال إحدى وسائل المقاومة الثقافية التي أبقت الوعي العروبي حيا لأبناء الأرض المحتلة، خالصة للأجيال التي تلت عصر النكبة.

    النساء هن الوصيات على التراث الشفهي الفلسطيني، وبالإضافة إلى دورهن في تغذيةالجوانب الرومانسية للمقاومة، فإنهن يساهمن أيضًا في تعميم الصور النمطية الذكورية فقط مثل سامر وشوبا والزهار. أصواتهم تصل إلينا الآن صرخة، ونأمل أن تعود الموسيقى قريباً، قبل أن تفنى الأرض وأهلها.

    وبلغ تألق «الزجل الفلسطيني» ذروته ما بين الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي.. وبحلول أوائل الألفية الجديدة، بدأ بريقه في الأفول تدريجيا.. لكن جذوته لم تنطفئ في ضمائر المبدعين بالأرض المحتلة، ومازالت مفرداته حاضرة في فعاليات المهرجانات الثقافية العربية، وبخاصة مهرجانات الشعر.

    أنشودة شدو بعضكم يا أهل فلسطين

    (شدوا بعضكم يا أهل فلسطين.. شدوا بعضكم، ما ودعتكم، ما ودعتكم، رحلت فلسطين، ما ودعتكم، على ورق صينى لأكتب بالحبر على ورق صينى، يا فلسطين، على اللىجرى لك يا فلسطين)..

    تلك الانشودة التي تغنت بها حليمة سليمان الكسواني غادرت قريتها «بيت إكسا» في محافظة القدس عندما كانت في العاشرة من عمرها. تعيش في مخيم الزرقاء بالأردن منذ عام 1961. ومع ذلك، تذكرت تفاصيل حول الأرض والجغرافيا. وجارتها ومعلمتها واسم شيخ القرية (الجزار) كانت تردد تلك الأغاني القديمة التي تتلو اللحن الذي كان هو نفسه في كل بيت، وكان يسمى «ترويت» لأنه يكرر نفس اللحن. شيء مثل ألحان الصاح يتعلق بأسلوب ميل، وهو أسلوب ينسب إلى وسط فلسطين وجنوبها

    وتاريخ هذا النوع من التراث الشعبي يعبر بعمق عن تاريخ البلاد، فهو كسائر الأغاني الشعبية يتميز بالبساطة والعفوية مما يسمح له بالاستمرار لقرون، فهو قادر على استيعاب الكلمات والمصطلحات الجديدة، ويسجل الأحداث والمواقف لأنه يستجيب لاحتياجات الناس في لحظات محددة. ويقول الباحثون إنه من الصعب تحديد متى ظهرت هذه الأغنية المليئة بالحزن والشوق والحب بالضبط، لكن من المرجح أن أصولها تعود إلى نهاية العصر العثماني وبداية الانتداب البريطاني. اخترع الفلسطينيون تغريدات تحتوي على كلمات مشفرة قد تبدو في بعض الأحيان وكأنها تعويذات غير مفهومة لخداع المستعمرين البريطانيين وجعلهم قادرين على تمرير الرسائل بين المعتقلين وعائلاتهم، أو بين السجناء والمقاتلين القادمين لتحريرهم. اعتمد السرد على لغة جديدة تتضمن قلب الكلمة، وترك الحرف الأخير سليمًا، أو قلبه دون إسقاطه.

    وفي هذه الفترة بدأ نضال المرأة الفلسطينية، عام 1932، والتي مارست الكفاح المسلح. وكان لها بدور في القتال، وبناء على الوعي وجمع التبرعات، غادرت المجال الاجتماعي إلى ساحة المعركة. وبعد سنوات طويلة، تأسست في يافا جمعية «زهرة الأقحوان»، التي تحولت في عامي 1947 و1948من جمعية نسوية اجتماعية وخيرية إلى حركة مقاومة عسكرية نشطة.

    في مثل هذا الجو الصعب المتصاعد في فلسطين، كان من الطبيعي أن تغنى الترويدةمن قبل النساء المتميزات. من خلاله، عبرت النساء والفتيات عن مشاعرهن بالحب وانخراطهن في المقاومة في المجتمع المحافظ.

    بعض سكان المخيم لا يزالوا يستخدمون هذه اللغة المشفرة، كما يعتمد فنانون فلسطينيون مثل الراحلة ريم البنا وغيرها من الفنانات المميزات على هذا التقليد الشفهي، ونحن نسعى جاهدين للحفاظ على تراثناوإحيائه. بالإضافة إلى الغناء، قامت بجمع وتأليف الترانيم القديمة منذ مسيرتها المهنيةفي عام 2003. إنها تتولى المهام التي تتطلب وكالات متخصصة بنفسها. وفي قرية بتير، بالقرب من بيت لحم، اكتشف ترنيمة مريمية وترنيمة بدوية تلقاها من امرأة جليلية ماتتقبل سنوات عديدة. ولذلك، فإنه يحاولالتمسك بذاكرة المتحدث. فكما أن ما لم يُكتب في الكتاب لا يُبطله انتصار المنتصر، كذلك لا يختفي النشيد. كما هو الحال مع الموسيقىالساحلية، اختفت بعد النكبة مع مقتلالصيادين، لكن كان من الصعب الاستمرار علىهذا النمط المرتبط بالعمل البحري بعد الإخلاء.

    سجلت أبيات الزجل الفلسطيني ما عجزت كثير من كتب التاريخ أن تسجله من ملامح الوجدان العروبي في هذه البقعة المباركة من أرض المشرق العربي.

    مبكرا جداً اتخذ المقاوم الفلسطيني من الشعر والزجل سلاحا له يواجه به قوى الاستعمار الغاشم، حيث عبرت أبياته التلقائية عن التمسك بالأرض حتي بعد تهجير كثير من أهلها قسريا، أو حكمهم بالاحتلال الصهيوني لاحقا.

    أما عبر التاريخ الحديث، فقد شهد الزجل الفلسطيني تطورًا كبيرًا في ظل الأحداث السياسية والاجتماعية التي شكلت حياة الشعب الفلسطيني، بالتزامن مع مراحل معاصرة من النضال الفلسطيني ضد المستعمر الصهيوني، كما في المواجهات التاريخية للمقاومة مثل «معركة الفرقان» عام 2008، ومثل طوفان الأقصي في السابع من أكتوبر بعامنا الحالي.. والتي ستشكل وحدها جانبا كبيرا من الوعي العروبي والفلسطيني ومصدر إلهام للأديب والزجال الفلسطيني الساعي لاستنشاق عبير الحرية ولو بعد حين، ومهما كان الثمن.

    وفقا لمراجع التاريخ، تعود جذور فن الزجل بشكل عام إلى الأندلس في زمان خضع لحكم الأسرة «الموحدية» امتداد لممالك الحشاشين والقرامطة والفاطميين، فارسية الأصل، شكلت جزءا من التاريخ الإسلامي في عصوره الوسيطة وصولاً الى بلاد الشام.

    ويوصف الزجل بأنه نوع من الشعر العامي الارتجالي غير المتقيد بقواعد اللغة، كالإعراب وصيغ المفردات، يمكن نظمه بأوزان البحور الشعرية قديمة، أو المشتقة منها، وكثيرا ما تصاحبه إيقاعات موسيقية شعبية، تزيده بريقا والتصاقا بالأذن والقلب والذاكرة.

    أصل كلمة «التطريب بالصوت».. مصحوباً بإيقاع لحني بمساعدة بعض الآلات الموسيقية.. وللزجل أطياف متعددة من القوالب الموسيقية والغنائية والأوزان المتنوعة، مع اختلاف طرق النظم والصياغة.

    يعتبر الزجل الفلسطيني جزءًا لا يتجزأ من التراث الشعبي الفلسطيني، وبه تم توثيق الكثير من أبواب تراثه من قصائد ومجموعات شعرية وحتي الكتب، ما يجعله معينًا لا ينضب لفهم الثقافة الشعبية والتاريخ الفلسطيني.

    وبنظرة أكثر تدقيقا، لهوية الطبعة الاستثنائية من ذاك الإبداع الشرقي، نجد أن الزجل الفلسطيني نوع من الشعر الشعبي التقليدي، تميز بقوة التعبير والعاطفة والروح الوطنية.

    كما امتلك جذورًا عميقة في تاريخ وثقافة الشعب الفلسطيني، وقد تم تطويره وتناقلته الأجيال واحدًا تلو الآخر في صورة مدونة أحيانًا، أو شفاهة أحيانًا اخرى.. يوصف بأنه تقليد حي يُعبَّر عنه بالعربية العامية، يتسم بالتلقائية.. ومع أنه لا يتّبع القواعد النحوية للغة العربية الفصحى، إلّا إن له أعرافه الخاصة.

    وهو لغة خاصة يعبر بها المبدع الفلسطيني عن آماله وأحلامه وذكرياته وهمومه، عن الحب والهجر والمعاناة الإنسانية بشكل عام.. وكثير من أبيات الزجل أصبحت مخصصة لاحتفالات الخطبة والزفاف، يشتهر بأدائها فنانون وفنانات متخصصات في أداء هذا اللون الإبداعي الشعبي ذي الخصوصية الشامية والفلسطينية تحديدا..

    يتنوع في قوالبه، ما بين «السياسي» المقاوم للاستعمار.. إلى «الرومانسي» بشاعرية رصينة، متمسكة بطابع الحشمة في التعبير عن الحب والمشاعر الدافئة.

    وعلى الرغم من التحديات الكبرى التي واجهها، ويواجهها الشعب الفلسطيني، وتأثيرها على الثقافة والفن، إلا أن الزجل استمر نابضا بالحياة، مواكبا لمستجدات الأحداث، حيث واصل الشعراء المعاصرون إبداعهم وتجديد الزجل بأساليب ومواضيع تتناسب مع الزمان والمكان الحاليين.

    واستمرارًا لاستخدام الزجل للتعبير عن قضايا الهوية والانتماء والثقافة الفلسطينية.. واصل أدباء فلسطين، خط منظومات الزجل بروح معاصرة، مع الحفاظ على الأصالة ممثلة في أبجديات التراث الشعبي، حرصا منهم على دور الزجل ورمزيته التي تتسع لأبعد من حدود الكلمات، لتوثيق تاريخ الشعب الفلسطيني.

    وهكذا عبر عقود وعقود، أثرت الأحداث السياسية والاجتماعية في الأدب الفلسطيني عامة، وفي «الزجل» خاصة، في فترة الانتفاضة الفلسطينية في الثمانينات والتسعينات، انتشر الزجل كوسيلة لتوحيد الشعب وزيادة الوعي الوطني، ورمزًا للهوية والصمود والمقاومة.

    وكتب الشعراء الفلسطينيون قصائد تعبر عن الغضب والصمود والأمل في تحقيق الحرية والاستقلال.

    في فلسطين، تمتلك كل مدينة ومحافظة طابعًا ثقافيًا فريدًا، وهو ما يخلق تنوعا وثراء متجددا وفق كل قطاع من الأراضِ الفلسطينية..