الخميس، 26 يناير 2023

في حجم بعض الورد

 

في حجم بعض الورد



الوطن موطن يسكننا ونسكنه، يحيينا ونحياه، اننا والوطن لحمة واحدة لا انفصال لها، فمواجعه وافراحه هي مواجعنا وافراحنا، لذلك كانت قيم الانتماء للوطن هي في حقيقتها انتماء لانفسنا ولاحلامنا ودفاعنا عنه هو دفاع عن أنفسنا.


تقوم الاناشيد والاغاني الوطنية بتكريس الشعور الوطني وتساهم بتشكيل هويتنا وثقافتنا و انتمائنا، ولذلك اختصت كل شعوب العالم بأناشيد وأغان وطنية تزرعها في شجرة طفولة أبنائها ولما يشتد بهم العود يصبحون جزءا أصيلا من وطن احتضنهم ويدافعون عنه بالدم والروح.

تسعفني ذاكرتي حنينا للماضي وأيام الطفولة والمدرسة فأحن لأناشيد الوطن في طابور الصباح المدرسي، وكيف كانت هذه الاناشيد تملأنا حماسة وهمة وحبا للوطن.

واليوم فان حنيني لهذا الطابور وأناشيده يوقظ بداخلي كل مشاعر الحب والعزة والفخر والكرامة تصل احيانا في البعد الى حد البكاء

فحين استمع الى هذا النشيد تتحرك بدمائي الكرامة التي تشربتها في العيش بوطن يحترم قيمة الانسان.

قد أحببناهُ، وبايعناهْ

وزرعْنا الرّاية في يُمناهْ

وحَلَفْنا بترابِ الأردنّ

بأنْ يبقى.. فالكُلُّ فداهْ

فَلْتشهد يا شجرِ الزيتونْ

أَنّا معه، وبه، ماضونّ!

والانتماء الوطني وغرسه في الأجيال لها العديد من التجليات الاخرى غير الاغاني الوطنية والأهازيج الشعبية الوطنية التي يرددهـا المجتمـع، وتشكل رافدا مهما في تكوين ثقافتهم، وتوحيد الجماعـات واذابة الفوراق بينهم وتحقيق التقـارب فيما بينهم، وحفز طاقات الحماس فيهم للدفاع عن وطنهم والفخر بحضارتهم وتاريخهم.

وكل الاجيال في الاردن تشبعت بالعديد من الاغاني الوطنية التي بثت فيهم روح الأمــل والكفــاح والتعاون لصد المعتدي، والصمود في مواجهة التحديات، والمضامين التي احتوتها هذه الأغاني تضيئ الطريق بالامل في المستقل وتطهير الانفس من ظلام اليأس والخوف من اعاصير الحياة. وتنمي مشاعر حب الخير والعدل والكرامة والعزة وشرف الانتماء للوطن في نفوس الصغار والناشئة، وبث قيم الشجاعة للدفاع عن الوطن، وتنمية الذائقة الوطنية بمعاني رفعة الوطن ورفعة مواطنيه.

ومن اروع القصائد الوطنية قصيدة الشاعر الأردني الكبير حيدر محمود «أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين» والتي شدت بها الفنانة المصرية نجاة الصغيرة من الحان الموسيقار الأردني الراحل جميل العاص وكم تراقصت قلوب أهل الاردن عندما شدت الفنانة اللبنانية دلال الشمالي بأغنية، أردن يا مهد العلا نسبا،

بينما شدت الفنانة القديرة فيروز بأغنية عـمان في القلب أنتِ.. وأنشد شاعر الأردن الراحل حبيب الزيودي، عشرات القصائد والأغاني الوطنية ومنها:

«هذي بلدنا وما نخون عهودها» التي غنتها الفنانة سميرة العسلي، وأيضا أغنية حنة على حنة التي شدت بها الفنانة المصرية أنغام.

ولدينا قصائد حيدر محمود التي تهز الكيان بالحنين مثل قصيدة رايتك تخفق في القمة

و لدينا اغنية عمر العبدالات الرائعة

جيشنا جيــش الــوطن سمينا باسم الله

وأمام التحديات التي يواجهها الوطن و لتأكيد الهوية الوطنية و غرسها في قلوب الاجيال القادمة، المطلوب انتاج قصائد و اناشيد وطنية جديدة و احياء الاناشيد القديمة فهذا حاجة ماسة تفرضها علينا ضرورات التربية والتنشئة لمزيد من تكريس حب الوطن والذود عنه والفداء له، والانتماء لارضه وتاريخه وقيمه وثقافته ومليكه.

الأحد، 22 يناير 2023

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

 مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة  




بقلم / سارة السهيل

تتمتع شعوبنا العربية بفطرة شاعرية لطيفة، فتحب التودد والمجاملة اللطيفة والتقارب مع ناسها واهلها وعشيرتها وجيرانها  ويعبرون عن ذلك بالفاظ تجمع ولا تفرق تحنن القلوب على بعضها دونما مصلحة مادية، وانما من أجل التعايش بسلام ورحمة  ومودة .

ومع خضوع منطقتنا العربية لحكم المماليك والاتراك فانها قد تشربت مجموعة من الالقاب التشريفية والنعوت التي تفخم الحكام والرؤساء والوزراء والاعيان ، مثل بك وباشا، ومعالي وغيرها كما يحصدها من يستحقها من العلماء المجتهدين والاطباء وحتى المشايخ .

رمزت هذه الالقاب الي تمييز  الصفوة  الحاكمة من قيادات الجيش والعلماء و الادباء وكبار المهندسين والاطباء والفنانين وغيرهم وتقديرهم وتبجيلهم لما يقدموه من خدمات لشعوبهم  .

ومع تحول منطقتنا العربية الى التحديث فان هذه التراكيب التفخيمية  والتشريفية لم تمت او تختفي من حياتنا بل ظلت حية متداولة فيما بيننا، لكنها مع الوقت أفرغت من مضمونها كقيمة عملية او اخلاقية تضبطها المعايير اللازمة لمنحها من يستحق ، وصارت مبتذلة لانها ضلت طريق الصدق الى غش الناس وتضليلهم بدعاية اعلامية ممجوجة  . 

والطامة الكبرى ان عامة الناس باتت تسخدم اسلوب  التفخيم والمجاملة مع بعضها دونما حساب موضوعي لدلالات الكلمة، فنجد كلمة دكتورة يطلقها العامة على بائعة في محل للعطور من باب اللطافة وهي لم تتحصل على الدكتوراة  مثل كلمة اميرة قد تطلق على راقصة تجيد فن الاثارة، ولقب أديب على كاتب بالفيس بوك شخبط كلمتين ، ولقب علامة او محدث صار من السهل ان تطلق على مجرد دارس للفقه ، وهو يستكمل جهوده العلمية في الترقي العلمي الديني

ان الامر مثير للدهشة والاستنكار بقوة ، فكيف أساواي المجتهد والموهوب الذي أفنى عمره بالعلم  وخدمة الناس، بمن قرأ سطرين في كتاب وأطلق عليه لقب علامة؟! هذا بخس للناس حقها في التقدير والاحترام ، واختلاط  للحابل بالنابل وهدم فكرة الاجتهاد من أساسه .

فقد نشأنا وتربينا على ان حائز اللقب التكريمي قد حصده بكده واجتهاده في مجال تخصصه الفني العلمي الادبي السياسي وهكذا ، كامير الشعراء احمد شوقي ، كوكب الشرق ام كلثوم ، عميد الادب العربي طه حسين ، موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ،  سيدة الشاشة العربية  فاتن حمامة، فمثل هذه القامات صدقها الجمهور ، لانها تعكس قيمة ما قدموه اصحابها من اعمال عبر تاريخ طويل من العطاء .

اما نحن اليوم فلانجد من معاني القيمة في هذه الالقاب الا الزيف واللعب بعقول الناس وتعليمهم  الكذب والنفاق لتحقيق مصالح يومية رخيصة، فالالقاب صارت مجانية على قارعة الطريق تقدم بدون شهادة معتمدة لشخص عادي ياباشا ،او لمحبي الشهرة يقول لهم المنافق يا كاتب يا اديب طيب وين كتاباته؟ او لمطرب يا ملك كيف يعني ملك هي الالقاب ليس لها بواب.

وفي ساحة الفن والرياضة والمذيعيين حدث ولا حرج ، فالالقاب في قرطاس جاهز

ومعظم نجوم الفن اختاروا لانفسهم القاب وروجوها اعلاميا للبيع و اشباعا لحاجتهم الداخلية للاطراء وتعظيم الذات ، وايضا لترويج أنفسهم لدى المنتجين والجمهور معا وتحقيق شعبيتهم واستمرارها .

فوجدنا  القاب يحزن لها عبدالحليم و يلطم ناظم الغزالي و تشنق نفسها فيروز ، ومثل هذه الالقاب الوهمية لن تعش ولا تدوم لانها ليست نابعة من الجمهو ر نفسه بوصفه ناقدا وحكم على ما يصدره الفنان من اعمال .  

وفي الساحة الفكرية والادبية  نجد  شيوع ألقاب المفكر والفيلسوف على بعض الكتاب  في حين انتاجهم الفكري والابداعي لا يجافي تماما حقيقة ما اطلق عليهم من ألقاب ، وغالبا ما يتم اطلاق هذه الالقاب على اشخاص تتم صناعتهم من جانب مؤسسات النشر بهدف تسويق كتبهم وتحقيقا لكسب مادي دون النظر لقيمة ما قدمه الكاتب من فكر او عمل يتسحق عنه التقدير والتفخيم مثل قصة مبيعات الكتب التي تضحكني كثيرا .

ناهيك عن احد البلدان العربية لا يعرفون معنى الكلمات لغويا فيطلقون كلمة راقية على انسانه تعمل اعمال معيبه اخلاقيا و اعتقد انهم يقصدون جمال الشكل فتخونهم لغتهم لاستخدام كلمة راقية التي يجب ان تطلق على صاحبة أصل و فصل و اخلاق و يطلقونها على بنات التيك توك

ناهيك عن جارة غارت من جارتها الطبيبة فأستأجرت ناس يكتبوا عنها طبيبة و دكتورة و سيدة غارت من قريبتها و دفعت فلوس من اجل ان يطلق عليها لقب كاتبة و رجل اعجب بفنان قدير فنزل بوست على وسائل التواصل انه هو ايضا فنان و هو اصلا صوته ما يوصل لأنفه 

الى متى هذا التزييف و المجتمع صامت و يقبل اي شيء

في حين ان الساحة  العربية مليئة بالمبدعين الحقيقيين والعلماء والفلاسفة  والطب والكيمياء وكافةالمجالات ولكنهم محجبون عن الضوء الاعلامي الذي يبرز موهبتهم ، ولم يجدوا ايضا دعما مؤسسيا يطلق العنان لنجاحاتهم وابتكاراتهم .

أظن انه آن الاوان لكي نفيق من دوامات الكذب والتدليس والالقاب المكذوبة ، ونضع الكلمات في نصابها ، ونقيس الامور بميزان العدل ، وليس بميزان المزاجات والاهواء المصالح الشخصية الضيقة ، فالمجاملات الفضفاضة بين عامة الناس وحتى خاصتهم قلبت موازين الحق لصالح أي باطل، تسبيح شرف الكلمة وقدسيتها احيانا اشباعا لتعظيم وهي للذات ، فهل نستفيق لنعيد بناء اخلاقنا وقيمنا؟ لا أفقد الامل أبدا في التغيير .

 

سارة السهيل 

شهادات ومذكرات صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم

 

شهادات ومذكرات

صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم

تمتعت المرأة العربية في العصر الجاهلي بقوة الشخصية والذكاء والفطنة وقدرة التأثير على الرجال وتحريك الامور الى حد اشعال الحرب بين القبائل انتصارا لحظ الكرامة والعزة خاصة لدى قبيلة بني تميم.

فنساء قبيلة بني تميم عبر العصور المختلفة من الجاهلية وحتى عصر الاسلام ولا يزال في زماننا يمتلكن من الجينات الوراثية ما جعلهن محل احترام وتقدير المجتمعات اللواتي يعشن فيها وحفلت القبيلة بالكثير من الشخصيات النسائية المؤثرة في المجتمع ممن تميزن بالمواقف البطولية، وقوة الشخصية والشجاعة والأدب والبلاغة وفي الحشمة والقدوة الحسنه واشتهرن بانهن يلدن النجباء، وتَميَّزَ هؤلاء بالحِلم والحكمة وإظهار كل ما لديها من علم وفكر وتميز .

ولذلك حرص الكثير من مشاهير العرب على مصاهرة بني تميم  وسجل التاريخ أسماء اشهر نساء بني تميم  في الجاهلية والاسلام ومنهن الصحابيات اسماء بنت سلامه، اسماء بنت عمر، خوله بنت القعقاع، سلمى بنت صخر والدة ابو بكر الصديق، زينب بنت الحارث، رقيه السعديه وام هيثم السعديه اللتان  كانتا مرجعا لعلماء السنه.

والحمراء عقيلة زرارة بن عدس التي كان لها مناظرة مع ملك المناذره وهو يهم بقتلها وقال لولا خشيتي ان تلدي مثلك لعفوت عنك.

ففي العصر الجاهلي كان للمرأة صوت مسموع لدى قبيلة بني تميم، خاصة اذا امتلكن سلاح الشعر وهو يرمي بسهام الكلمة فتقع الحروب او تندمل جراح وهو ما قد تجلى في قصة سعاد بنت منقذ التميمية، والتي اندلعت بسببها حرب استمرت اربعين عاما  فقد استخدم شعر النساء محرضا على حفظ الكرامة والنخوة والانتصار لشرف القبيلة، والثأر والانتقام من تجاوز كرامتها حتى ولوكان ابناء عمومة وحتى لوكان بسبب ناقة.

وهو ماحدث تماما في قصة سعاد التي لقبت بالبسوس وحرب البسوس التي قد يعجز كبار كتاب السيناريو في العالم عن ان يبدع تفاصيلها ويعبر عن دمويتها لكن شعراء الجاهلية كانوا اكثر ابداعا في وصفها والتعبير عن مآسيها .

وسعاد بنت المنقذ، سيدة وشاعرة كبيرة من أدباء الجاهلية، تنتمي لقبيلة بني تميم التي كانت تسيطر على شبه الجزيرة العربية في الجاهلية. واشتهرت بزرقة العيون وعند العرب ربما يدل هذا على جمال وملاحة وجهٍ عندها لان ذوات العيون الزرقاء قلة نادرة في المجتمع العربي، و كانت سعاد صاحبة أكبر معركة في التاريخ وجعلت قبائل العرب يتقاتلون طيلة أربعين عامًا، وسميت الحرب على اسمها. وقتلت البسوس على يد جحدر بن ضبيعة فكانت أول من يقتل في حرب البسوس بعد كليب بن ربيعة.

اندلعت الحرب عندما  اطلقت البسوس وهى فى جوار بكر ناقة لها تدعى سراب لترعى فى حما  كليب فلما راى كليب الناقة ترعى في حماه رماها فشق ضرعها بسهم وادمى راعيها. فعلمت البسوس بما حدث للناقة، فخرجت تصرخ قائلة: "واذلاه وا غربتاه"، وقيل انها قالت أبياتاً تسميها العرب أبيات الفناء – فسمعها ابن أختها جساس فقال لها: أيتها الحرة ! اهدئي فو الله لأقتلن بلقحة جارك كليباً ثم ركب فخرج إلى كليب فطعنه طعنة أثقلته فمات منها.

استطاعت سعاد ان تثير في نفس ابن اختها جساس مشاعر الثأر والانتقام  بأبياتها الشهيرة.

لَعَمْرُكَ لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقِذٍ

لَمَا ضِيْمَ سَعْدٌ وَهْوَ جَارٌ لأَبْيَاتِي

ولكِنَّنِي أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ

مَتَى يَعْدُ فِيها الذِّئبُ يَعْدُ على شَاتي

فَيَا سعدُ لا تَغْرُر بِنَفْسِكَ واِرتَحل

فإنَّكَ في قَوْمٍ عنِ الجارِ أَمْوَاتِ

وَدُونَكَ أَذوادِي فَإنّي عَنْهُمُ

لَرَاحِلَةٌ لا يَفْقِدُونِي بُنَيَّاتِي

فرأت قبيلة بكر في قولها المهانة والذلة اذ انهم عجزوا عن حماية ناقة لمن فى جوارهم فاقسم عمرو بن مرة ويسمى (جساس) بأن يثأر لها وهي خالته فالتقى كليبا فقتله لتبدأ ملاحم الثار طوال اربعين عاما بين القبائل والتي لم تؤد فيها دية لقتلى ولذلك سمت العرب هذه الحرب: البتراء

الجمعة، 20 يناير 2023

صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم بقلم / سارة السهيل

 صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم

بقلم / سارة السهيل

تمتعت المرأة العربية في العصر الجاهلي بقوة الشخصية والذكاء والفطنة وقدرة التأثير على الرجال وتحريك الامور الى حد اشعال الحرب بين القبائل انتصارا لحظ الكرامة والعزة خاصة لدى قبيلة بني تميم

فنساء قبيلة بني تميم عبر العصور المختلفة من الجاهلية وحتى عصر الاسلام ولا يزال في زماننا يمتلكن من الجينات الوراثية ما جعلهن محل احترام وتقدير المجتمعات اللواتي يعشن فيها وحفلت القبيلة بالكثير من الشخصيات النسائية المؤثرة في المجتمع ممن تميزن بالمواقف البطولية، وقوة الشخصية والشجاعة والأدب والبلاغة وفي الحشمة  والقدوة الحسنه واشتهرن بانهن يلدن النجباء، وتَميَّزَ هؤلاء بالحِلم والحكمة وإظهار كل ما لديها من علم وفكر وتميز .

ولذلك حرص الكثير من مشاهير العرب على مصاهرة بني تميم  وسجل التاريخ أسماء اشهر نساء بني تميم  في الجاهلية والاسلام ومنهن  الصحابيات اسماء بنت سلامه، اسماء بنت عمر، خوله بنت القعقاع، سلمى بنت صخر والدة ابو بكر الصديق، زينب بنت الحارث، رقيه السعديه وام هيثم السعديه اللتان  كانتا مرجعا لعلماء السنه

و الحمراء عقيلة زرارة بن عدس التي كان لها مناظرة مع ملك المناذره وهو يهم بقتلها وقال لولا خشيتي ان تلدي مثلك لعفوت عنك

ففي العصر الجاهلي كان للمرأة صوت مسموع لدى قبيلة بني تميم، خاصة اذا امتلكن سلاح الشعر وهو يرمي بسهام الكلمة فتقع الحروب او تندمل جراح وهو ما قد تجلى في قصة سعاد بنت منقذ التميمية، والتي اندلعت بسببها حرب استمرت اربعين عاما  فقد استخدم شعر النساء محرضا على حفظ الكرامة والنخوة والانتصار لشرف القبيلة، والثأر والانتقام من تجاوز كرامتها حتى ولوكان ابناء عمومة وحتى لوكان بسبب ناقة

وهو ماحدث تماما في قصة سعاد التي لقبت بالبسوس وحرب البسوس التي قد يعجز كبار كتاب السيناريو في العالم عن ان يبدع تفاصيلها ويعبر عن دمويتها  لكن شعراء الجاهلية كانوا اكثر ابداعا في وصفها والتعبير عن مآسيها .

وسعاد بنت المنقذ، سيدة وشاعرة كبيرة من أدباء الجاهلية، تنتمي لقبيلة بني تميم التي كانت تسيطر على شبه الجزيرة العربية في الجاهلية. واشتهرت بزرقة العيون وعند العرب ربما يدل هذا على جمال وملاحة وجهٍ عندها لان ذوات العيون الزرقاء قلة نادرة في المجتمع العربي، و كانت سعاد صاحبة أكبر معركة في التاريخ وجعلت قبائل العرب يتقاتلون طيلة أربعين عامًا، وسميت الحرب على اسمها. وقتلت البسوس على يد جحدر بن ضبيعة فكانت أول من يقتل في حرب البسوس بعد كليب بن ربيعة.

اندلعت الحرب عندما  اطلقت البسوس وهى فى جوار بكر ناقة لها تدعى سراب لترعى فى حما  كليب فلما راى كليب الناقة ترعى في حماه رماها فشق ضرعها بسهم وادمى راعيها. فعلمت البسوس بما حدث للناقة، فخرجت تصرخ قائلة: "واذلاه وا غربتاه"، وقيل انها قالت أبياتاً تسميها العرب أبيات الفناء – فسمعها ابن أختها جساس فقال لها: أيتها الحرة ! اهدئي فو الله لأقتلن بلقحة جارك كليباً ثم ركب فخرج إلى كليب فطعنه طعنة أثقلته فمات منها

استطاعت سعاد ان تثير في نفس ابن اختها جساس مشاعر الثأر والانتقام  بأبياتها الشهيرة.

لَعَمْرُكَ لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقِذٍ

لَمَا ضِيْمَ سَعْدٌ وَهْوَ جَارٌ لأَبْيَاتِي

ولكِنَّنِي أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ

مَتَى يَعْدُ فِيها الذِّئبُ يَعْدُ على شَاتي

فَيَا سعدُ لا تَغْرُر بِنَفْسِكَ واِرتَحل

فإنَّكَ في قَوْمٍ عنِ الجارِ أَمْوَاتِ

وَدُونَكَ أَذوادِي فَإنّي عَنْهُمُ

لَرَاحِلَةٌ لا يَفْقِدُونِي بُنَيَّاتِي

فرأت قبيلة بكر في قولها المهانة والذلة اذ انهم عجزوا عن حماية ناقة لمن فى جوارهم فاقسم عمرو بن مرة ويسمى (جساس) بأن يثأر لها وهي خالته فالتقى كليبا فقتله لتبدأ ملاحم الثار طوال اربعين عاما بين القبائل والتي لم تؤد فيها دية لقتلى ولذلك سمت العرب هذه الحرب: البتراء

سارة طالب السهيل


الجمعة، 13 يناير 2023

العذراء الصعيدية في سويسرا … القديسة فيرينا التي علمت أوروبا الطب وفنون النظافة بقلم / سارة السهيل

 

العذراء الصعيدية في سويسرا … القديسة فيرينا التي علمت أوروبا الطب وفنون النظافة بقلم / سارة السهيل

العالم الان – يحتفل مسيحيو العالم بعيد الميلاد المجيد ونشاطرهم فرحتهم متمنين لهم عاما مشرقا بالآمال والسعادة و الانسانية . ولم أجد في هذه المناسبة سوى استعادة ذكرى القديسة القبطية فيرينا ابنة صعيد مصر الغالي التي خلدها التاريخ لما قدمته للإنسانية من عطاء وعلم وشفاء وخدمة قبل اكثر من خمسة عشر قرنا.
فالتاريخ  لا يخلد الا العظماء الذين خدموا البشرية ونفعوها بجهدهم وعلمهم وعطاءهم كالقديسة فيرينا عبر رحلتها في العطاء والعمل الانساني من صعيد مصر وانتهاءا بسويسرا التي علمت سكانها الاستحمام بالماء والطهارة وتشميط الشعر للتخلص من الحشرات ، كما اخرجت الكثير منهم من الوثنية ، مقدمة أنموذجا رائعا لنفع الناس بالعلم والعمل وطهارة القلب .
ولكم ان تتخلوا كيف كانت اوروبا في عهد ظلماتها وانتشار الاوبئة فيها ،لم تكن تعرف استخدام الماء في غسل الجسد وتطهيره ، حتى جاءت القديسة فيرينا الي سويسرا ، فلا غرابة اذا ان يحتفي العالم بذكراها العطرة في سبتمبر من كل عام.
فقد نشأت القديسة فيرينا وتعني الثمرة الطيبة ، في قرية فقيرة تابعة لمركز قوص بصعيد مصر، لأبوين مسيحيين، وتربت على الأخلاق والعفة والطهارة، وكانت هذه المنطقة مشهورة بالتطبيب وصناعة الدواء من الأعشاب توزعها على أنحاء مصر .
و استثمرت القديسة فيرينا هذه الخبرة ونقلتها للسويسريين ،والمدهش أن نرى السويسريين بمدينة تسورتساخ بزيورخ هم الذين يحتفلون بذكراها سنويا ويرمزون إليها بالمشط المزدوج (الفلاية ) وإبريق المياه .
و صفت القديسة «فيرينا» بعد موتها بأم الراهبات، وبنيت فوق جسدها كنيسة في مدينة تمبورتاخ بسويسرا، فيما صنعت لها المجسمات الفنية لتخلد ذكرى عذراء الصعيد التي علمت السويسريين أهمية الطهارة والعفة والنظافة الشخصية في محاربة الأمراض، وانتقلت هذه الثقافة بفضلها الي انحاء أوروبا .
وشاءت الاقدار أن تكون “فيرينا” ضمن كوكبة من العذارى القبطيات بصحبة الكتيبة المعروفة باسم الكتيبة الرومانية الطيبية (نسبة إلى مدينة طيبة)، لاخماد ثورة الغال في اوروبا ، وبطلب من الإمبراطور مكسيميان، يقمن بإعداد الطعام ورعاية الجرحى.وبعد استشهاد كل أفراد الكتيبة من الرجال ، تم تسريح الممرضات، إلا فيرينا وبعض العذارى رفضن الرجوع، وأقمن في كهف واقع على الحدود الألمانية السويسرية كانت فيرينا تتعبد فيه وتواصل الصوم والصلاة وتقتات من عمل يدها .
وكانت تخرج من هذا الكهف إلى القرى المحيطة ببلاد الغال الوثنيين لتقدم أعمال الرحمة والمحبة للفلاحين والفقراء، وتقوم بتعليمهم أصول النظافة الشخصية ، والعلاج بالأعشاب الطبية ، وتغسـل جـروح البـرص وتـدهنها بالأدويـة ، وتعلمهم الاغتسال بالماء.
فقد استفادت القديسة فيرينا في ذلك بمعرفتها الواسعة بأصول الطب القديم الموروث من أيام الفراعنة، وهو ما أعانها على مساعدة المرضى.
بينما تحتفي الكنيسة المصرية في أدبياتها بالقديسة فيرينا، بإقامة احتفال سنوي تذكارا لها في 24 هاتور،(هاتور بالتقويم المصري يبدأ من 11 نوفمبر إلى 9 ديسمبر)
. فان الكتب تذكر لفيرينا عدة كرامات، منها معجزة توسلها إلى الله كي ينظف المكان التي حلت به من الحيات التي تسعى فيه، فاستجاب الله لرجائها وهربت الحيات، وأَمِنَ الناس.
وتركز المصادر التاريخية على “معجزة أكياس الخبز”، حينما لم يكن لدى فيرينا وزميلاتها أي خبز، ففي الوقت الذي كانت المخاوف تجوب قلب صديقاتها، لم تشك هي في كرم الرب، فقامت للصلاة وناجته قائلة:
“يا الله، يا من تهب صنيعة يديك ما يحتاجون إليه، أنت ترى ما ينقص بنوك وتعلم ما نحتاجه للبقاء على قيد الحياة…”، وبعدما انتهت من الصلاة، سرعان ما عثر الحضور على 40 كيسًا من الدقيق.
ستبقى ذكرى القديسة فيرينا عطرة نشتم عبقها كلما قرأنا سطرا خلد فيه التاريخ حياتها وعطائها . ولنتعلم من هذه الصفحات اهمية النظافة والطب واقترانهما ببعضها في زمننا الذي انتشرت فيه الاوبئة ، ولكن ايضا فان هذه النظافة وعلم الطب القديم او الحديث لا يتكامل دروهما في تمام عافية الانسان بمعزل عن الجانب الروحي والايماني الذي جسدته عذراء الجنوب قديسة صعيد مصر والعالم .و لنثق ايضا في قيمنا العربية والشرقية الروحية والطبية وكيف اننا أخرجنا اوريامن ظلمات الجهل والمرض الي الشفاء والطهارة ، ومن الوثنية الي العبودية .

مقال بعنوان ..مدينة البصرة العراقية تستضيف كأس الخليج في كرة القدم… حدث كروي يؤشّر إلى الأمل والتعاون

 

مدينة البصرة العراقية تستضيف كأس الخليج في كرة القدم… حدث كروي يؤشّر إلى الأمل والتعاون

سارة السهيل

تحتضن مدينة البصرة عرس الكرة الخليجية، الذي يعود إلى العراق بعد 44 عاماً، ويعود به العراق إلى حضن الخليج، ويعود الخليج إلى جزء أصيل منه وهو العراق.
متابعاتي لهذا الحدث الكروي لطالما أثلجت صدري، وأنا أرى جاهزية البصرة لاستقبال الأشقاء من دول الخليج والفرحة تكسو الوجوه وتملأ قلوب أهل العراق شوقاً وحنيناً لإخوانهم الخليجيين والعرب، وفي المقابل انتظار عشاق الدائرة المستديرة من الخليجيين بكلّ شوق وحنين الحضور إلى العراق ومتابعة كأس الخليج على أرض بلاد الرافدين .
إنه حنين متبادل ومشاعر قلبية واحدة لا تفرّق بين عراقي أو كويتي أو سعودي أو إماراتي أو بحريني أو قطري أو عُماني أو يمني، انها لحمة عربية خليجية واحدة فرّقتهم ظروف سياسية وأمنية وتحديات دولية، ولكن عندما تحين لحظة اللقاء يكون العناق وتجاوز كلّ العثراث السابقة.
فما أجمل ان نعبر الحواجز، ونفتح مغاليق الأقفال، ونمضي في طريق عربي واحد موحد، رغم تباينات عالم السياسة، خاصة أنّ العراق قد تجاوز أزمته الطائفية وعبَرها بشكل مطمئن، وحتى الفساد بدأت بوادر إطفاء شرارته من قبل رئيس الوزراء العراقي الحالي وفريق العمل معه الى جانب الجهود المبذولة لدحر الفساد، وهو ما يعني انّ الارض مهيأة ومعبّدة للتلاقي الخليجي العراقي، والعمل سوياً على دفع العراق في جهوده لاستعادة دوره الخليجي في أمن واستقرار شعبه والشعوب الخليجية معاً سياسياً واقتصادياً وامنياً.
نعم انه في ظاهره مجرد حدث كروي رياضي، لكنه يحمل في طياته العديد من علامات الأمل وبشائر الوحدة الخليجية وعودة العراق إلى حضنه الخليجي خاصة والعربي عامة، وشمل الأسرة الخليجية وجمع ضالتهم، بعد سنين عجاف من الفرقة والتشظي والمخاوف الخليجية من الصور الذهنية التي رُسمت ضدّ العراق من إرهاب او من مخلفات نظام سياسي سابق كانت بعض دول الخليج لا تتوافق معه .
لا شك انّ حضور نجوم الكرة الخليجية سيدعم هذه البطولة ويحقق نجاحها للعراق ولدول الخليج معاً، وسيدعم رسالة العراق الآمن من الإرهاب والتشظي، خاصة أنّ كلّ العراقيين بكلّ أطيافهم السياسية والحزبية يقفون خلف إنجاح هذه البطولة، وهو ما ينعكس إيجابياً لفتح آفاق العلاقات الاقتصادية الخليجية مع العراق.
صحيح انه مرت سنوات طويلة على العراق ولم تجد يد العون تمتدّ له من أشقائه، وهو يخوض معارك قاسية من الصمود في وجه تحديات أثّرت بدورها على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وانْ كان لدول الخليج العذر في مواقفها، أما اليوم فقد انفتحت طاقة جديدة من الأمل للمّ شمل العراق على الخليج عبر هذا الكأس الكروي المستمرّ من 6 حتى 19 كانون الثاني.
البشائر تتجلى ونحن نستقبل عاماً ميلادياً جديداً تشتدّ فيه عواصف دنيا المال والاقتصاد، ويسعى فيه العراق لتضميد جراحه النازفة خلال السنوات الماضية ودعم استقرار أرضه ومحاربة الفساد لتحقيق الأمن السياسي والاقتصادي لشعبه، واستثمار موراده الطبيعية من نفط وزراعة وغيرها لمواجهة أية أزمات عالمية محتملة من نقص غذاء وما شابه.
بينما تفتح دول الخليج صفحة جديدة مع العراق عبر هذا الكأس، ومن خلاله يعبرون الخلافات القديمة، ويلتقون معاً على المصالح الحيوية السياسية والأمنية والاقتصادية بما يحقق استقراراً وأمناً لشعوب الخليج جميعاً.
فالأزمات العالمية الراهنة والناتجة مؤخراً من الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من نقص في توريد الغذاء ومستلزمات الإنتاج ومن ثم ارتفاع السلع والمنتوجات المختلفة، علماً بأنّ معظم دول الخليج تستورد غذاءها من الخارج، تستدعي وحدة الصف الخليجي، والعمل معاً على تجاوز هذه الأزمة العالمية والتعاون في إقامة اقتصاد خليجي قوي قادر على تحمّل الصدمات العالمية والمنافسة ايضاً.
كنت أتمنى على منظمي البطولة في العراق، لو توسّعوا في تغطيتها ودعمها عربياً أكثر، بدعوة كتاب ومثقفين وفنانين عرب وإعلاميين من مختلف الدول العربية وهو ما يُسهم أكثر في إنجاح هذه البطولة الكروية، وإبراز الجهود العراقية المبذولة في التنظيم .
أتمنى بطولة ناجحة ومتعة شيقة لكلّ عشاق الكرة المستديرة بالخليج والدول العربية، وان تستثمر البطولة الكروية الى بطولة تجاوز خلافات الماضي والارتفاع عن أشواك تباعد المصالح، والالتقاء على وحدة المصالح ووحدة الصف الخليجي وحدة المصير.

مقال بعنوان .ابداع الخالق وتجليات جمال الطبيعة بالأردن

ابداع الخالق وتجليات جمال الطبيعة بالأردن


ابداع الخالق وتجليات جمال الطبيعة بالأردن

بقلم / سارة السهيل
من حين لآخر تصحبني أمي في جولة في ربوع الوطن استذكر بها رحلات الطفولة المبكرة عندما كنت و والديا نذهب كل جمعة نتريض في احضان الطبيعة الخلابة اتذكر جيدا رحلاتنا الى وادي شعيب و غور الأردن و جرش و جبال عجلون الشاهقه و بساتين اربد المزينة بأنواع الثمار ذكية الرائحة و كأنها الأمس القريب نلهث وراء الطبيعة الخلابة التي خلقها الله لنا لكي نتنفس هواء عليلا ، ونزيح الهموم بمشهد حبات المطر المتساقط على الجبال ،  او الندى حين يغسل النباتات و الاشجار والزهور بعد العواصف والانواء التي هاجمتها .
أمتع ناظري وأريح قلبي وأطلق روحي تهيم في ملكوت الجمال الرباني الذي وهبه الله تعالى للأردن عبر جبالها وغاباتها وطبيعتها الساحرة ومناخها الجميل ، فاستمد من اللون الأخضر للأشجار والغابات والزهور والمرتفعات طاقة روحية أزعم انها تحييني من عدم .
فسحر الطبيعة الآخذ بالاردن يسكنني وأسكنه ، فنحن نرتاح بالجمال ونشفى من العلل ويتولد الامل مجددا في أنفسنا على مواجهات تحديات الحياة عندما نعيش وسط المروج الخضراء  كأننا في جنات الله على الارض .
وما أكثر المناطق الطبيعية الخلابة بالاردن ، والتي يفوح منها عبق التاريخ ومداد الحضارات وتعاقبها ، وقدسية الأديان وتجلياتها ، مثل  جبال عجلون وغابات برقش وغيرها
فالغطاء الاخضرالنضر الذي يكسو غابات برقش ،  يسرق انظارنا وعقولنا وقلوبنا  بينما تنتعش أرواحنا بنسمات هوائها العليلة ، وما بين سحر الطبيعة وجمال الطيور البرية التي تحلق في سمائها تشعر ببكارة المشاعر الانسانية حين ترى الجمال لأول مرة فتنجذب لسحره وتذوب فيه عشقا وتأملا في بيئة لم تفسدها أيدي الانسان .
تتمتع هذه الغابات والتي تغطيها أشجار السنديان و البلوط وأشجار جار الحرجية النادرة والدائمة الخضرة ، التي يمتد عمر بعضها لأكثر من ٥٠٠ سنة بتنوع الغطاء النباتي والشجري ، حيث تنمو فيها ازهار برية نادرة مودانه بألوان بديعة مثل الدحنون والسوسنة السوداء.
فهناك 47 نوعا من الا شجار الحرجية التي تغطي بلونها الاخضر برقش مثل البلوط والملول والقيقب والبطم والزعرور والسماق والشوح والارز والصلمون والسدر والسرو والدوم والاجاص البري.
وهذه الطبيعة الساحرة لبرقش جعلت منها محمية طبيعية للحيوانات البرية وبخاصة الغزلان ، وللطيور البرية مثل الحجل والطاووس والفزنت . بجانب ما تحتضنه طبيعتها الساحرة  من ” مغارة الظهر ” والتي اكتشفت مؤخرا وتشكلت عبر ملايين السنين بسبب المياه الجوفية التي تذيب الصخور
وما ان نخرج من برقش وسحر غاباتها و مغارتها ، واذا بنا نعرج على جبال عجلون ، والتي طالما ألهمت المبدعين وهام بها الشعراء عشقا ومنهم الدكتور شفيق ربابعة ، في وصفه لها بصفو الفؤاد وأرض الجنان …
عجلون يا صفو الفؤاد     هواكِ مُشفٍ للعليلْ
إنْ قلتُ أين هي الجنانْ ؟ قالتْ أنا الروض الجميلْ

وجبال عجلون بما تمتاز به من سحر و جمال طبيعة خلاب ، فانها ايضا كانت محضن لتعاقب حضاري بسبب موقعها الجعرافي الذي جعلها بمثابة حلقة وصل بين بلاد الشام ساحل البحر المتوسط ومنطقة إستراتيجية بين ارض الفرات و النيل .
تحفل مدينة عجلون بالطبيعة الجبلية المرتفعة وتضاريسها الخلابة وغطائها من الأشجار الكثيفة وغابات اللزاب والسنديان والصنوبر ، بجانب طقسها المعتدل صيفا والبارد شتاء،.
وتمتاز عجلون بالمرتفعات الجبلية والتي يزيد البعض منها عن ارتفاع 1150 م فوق مستوى سطح البحر ، وتضم العديد من الوديان والهضاب ومجاري الأودية والينابيع دائمة الجريان طوال العام .
كما تضم محمية طبيعية تمتد على رقعة أرض دائرية من الغابات على مساحة 13 كم مربع، تتنوع فيها  فصائل النباتات والحيوانات ، وهي ايضا مرتع  لمحبّي النزهات ورياضة المشي، في فصل الربيع حين تزهر المحمية بشتّى أنواع النباتات والأزهار البرية. فهذه المناطق يعشقها السائح العربي و الاجنبي على حد سواء لانها
تضم العديد من المواقع الأثرية التاريخية الدينية المسيحية والاسلامية مثل كنيستي مار الياس وسيدة الجبل ، مما دفع الفاتيكان الي اعتمادها للحج المسيحي من كافة دول العالم ، كما تعد شاهدا حضاريا على عبقرية الهندسة المعمارية العسكرية لعرب العصور الوسطى عبر  قلعة عجلون الشامخة على المرتفع فنادرا ما تجتمع الاثار محاطه بطبيعه خلابة و طقس جميل فالاردن تمر عليه الفصول الاربعة كل منها آخذا حقه بعناية.
و بالعودة لقلعة عجلون التي بناها عز الدين بن أسامة بن منقذ أحد قادة صلاح الدين الأيوبي كانت بموقع وسطي على طرق المواصلات مع دمشق و شمال سوريا ، ومن يشاهدها يشعر وكأنه يعيش ازدهار الحضارة الاسلامية في العصور الوسطى.
وعلى القرب منها مساجد اثرية منها المسجد الأموي في مدينة جرش، ومسجد ريمون المنسوب  للعصر الأيوبي والمملوكي .
فمسار عجلون يمتد لمسافة 80 كم، يضم أهم المواقع الأثرية ومنها ، آثار مدن الديكابولس الرومانية في أم قيس وبيلا ،  وسد زقلاب ، السيد المسيح، كنيسة بيت أيدس ، وآثار الدير البيزنطي في تل مار إلياس، مسقط رأس النبي إيليا ،فتمتد حتى المناظر الطبيعية الريفية الجميلة في قرية العيون.
انها سلسلة متواصلة من الجمال الحقيقي الذي ينتظر من كل واحد منا ان يتحرك قليلا بدلا من شكوى البطالة و الكساد فيعمل على استغلال ما وهبه الله لنا من خيرات طبيعية فالمشاريع الترفيهية و السياحية يجب ان تملأ المكان بشرط ان تكون منسقه بما لا يضر البيئة و الطبيعة فوارد السياحة في بعض بلدان العالم كان كفيلا ان يغير مسارها الاقتصادي كاملة فالسياحة الداخلية و الخارجية يجب ان تكون في خريطة المستثمرين
سارة طالب السهيل

مقال بعنوان ..المرأة ليست سلعة للإغراء والترويج جوهرها إنسانيتها وهي صاحبة رأي وفكر وتأثير

 المرأة ليست سلعة للإغراء والترويج جوهرها إنسانيتها وهي صاحبة رأي وفكر وتأثير

سارة السهيل 

 https://www.al-binaa.com/archives/360495




الاثنين، 9 يناير 2023

كيف ننتصر في حرب المناخ؟

 

كيف ننتصر في حرب المناخ؟

عايشنا في السنوات الاخيرة طفرات غير مسبوقة في درجات الحرارة بمختلف بقاع المعمورة، بشكل لم نعهده من قبل وعانينا كثيرا من مشكلات الاجهاد الحراري وتلف الكثير من المحاصيل، بينما عانت شعوب كثيرة من كثرة الفيضانات والاعاصير والعواصف والامطار الغزيزة وزيادة السيول، وجفاف البحيرات والانهار.

وكل هذه المظاهر تعد من تجليات تغير المناخ، الذي يعرف بأنه تغير في أنماط درجة الحرارة والرياح خلال فترة معينة من الزمن تستمر لسنوات، بسبب تأثير الأنشطة البشريّة الصناعية والكيماوية  ومساهمتها في انبعاث الغازات الدفئية بالغلاف الجوي مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز وبروميد الميثيل وغيرها، بجانب فقدان الغابات الرطبة مما تسبب في تشكيل ظاهرة الاحتباس الحراريّ .

تم اكتشاف التغير المناخي أوائل ق ال19، عندما تمت ملاحظة التغيرات الطبيعية في المناخ القديم والتعرُّف على التأثير الطبيعي للصوبة الزجاجية. وترتب على تنامي التغير المناخي كوارث تهدد بقاء العديد من المدن الساحلية مثل الاسكندرية وغرق الدلتا في مصر بفعل ارتفاع منسوب المياه في البحر المتوسط وذوبان الانهار الجليدية.

والاختلال في مواسم سقوط الامطار وأماكنها مما قد يصيب بعض المناطق بالتصحر  ومن اختلال التوازن البيئي للزروع والحيوانات، بجانب انتشار العديد من الامراض والاوبئة  مثل الملاريا و حمى الضنك بسبب إنتشار البعوض على خطوط العرض والارتفاعات العليا.

وامام هذ الكارثة التي تهدد بقاء الانسان على الارض، فان مواجهة التغيير المناخي تعد قضية عالمية تتطلب التعاون بالاسراع في تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري باستخدام الطاقة النظيفة والتوقف عن استخدام الوقود الاحفوري.

ولاشك ان العالم بحاجة الي توسع زيادة  الغطاء النباتي وتبني سياسات زراعية جديدة تتكيف مع متغيرات المناخ لحماية المحاصيل، وتقليل الخسائر وانتاج بذور زراعية قادرة علي الصمود امام هذه التحديات .

ان هذه الازمة العالمية تحتاج الى تعاون دولي من أجل تمويل الدراسات الخاصة بالبذور المبتكرة لتحمل التغير المناخي، ووضع سياسات زراعية جديدة تقلل من تكلفة اهدار الماء في المحاصيل المستهلكة للمياة بشكل أكبر، والتوسع في زراعة الاشجار التي تقلل من التصحر في المناطق المرتفعة الحرارة .

ولعلي ادعو عالمنا العربي الي مجابهة الأمية البيئية  بوضع خطط اعلامية وتعليمية وثقافية  لنشر الوعي بالثقافة البيئية، وايضا نشر الوعي بين المزارعين بأساليب الزراعة الذكية مناخياً، وهي كتوجه عالمي يستهدف التكيف مع تغير المناخ، باستخدام أنواع المحاصيل المقاومة للجفاف أو الملوحة، وكفاءة استخدام موارد المياه ومعالجة الآفات.

وأظن امام ازمة نقص المياة في عالمنا العربي او اية مشكلات محتملة للتصحر، فاننا مطالبون بسرعة تغيير سياساتنا الزراعية بالتوقف عن آليات الرزاعة القديمة، والاستثمار الجيد للمساحة الزراعية  وفقا لكمية المياةالمتاحة .

والضرورة تفرض علينا زراعة الاشجار التي تظلل بفروعها وأغصانها الشوارع للعمل على ضبط درجة الحرارة بالصيف، وعلاج  التصحر بزرع الاشجار الكثيفة السريعة النمو ومنع الرمال والغبار وتراكمه.

فأشجار "النيم" يمكن جلبها من الهند، لمنع التصحر وعلاجه، فهي تستهلك ماء أقل وتنمو بسرعة وفي تربة مالحة، وتتحمل درجة حرارة  50 درجة، و يستخرج من ثمارها  مواد تستخدم في صناعة مواد التطهير والوقاية من امراض الجدري. وزراعة هذه الشجرة بالارض المغطاة بالرمال  تحولها الي واحة خضراء في وقت قصير  وتغذي التربة وترطبها وتمنع التصحر.

وهناك العديد من الاشجار التي تساعدنا في معالجة التغير المناخي وتقلل من درجة حرارة الصيف منها: شجرة الرماد، والزان والقيقب، والبلوط .

فنطلق حملات في بلادنا العربية لزراعة الاشجار وزيادة  الغطاء النباتي، لتنقية المياه والجو، مع حملات لنشر ثقافة ركوب الدراجات لتقليل استخدام السيارات، والتعاون المجتمعي في تركيب الالواح الشمسية على اسطح المنازل.

 ***

السبت، 7 يناير 2023

ليس الذئب يأكـل لحـم ذئـب ويأكـل بعضنـا بـعـض عيـانـا

 

ليس الذئب يأكـل لحـم ذئـب ويأكـل بعضنـا بـعـض عيـانـا

ساعات قليلة شاء لي ربي ان أخلو فيها بنفسي بعيدا عن الميديا والاصدقاء والاهل لاستعيد قدرا من الصفاء النفسي والروحي، واذا شريط سينمائي من الذكريات من حكايات امي وجدتي يفقز في مخيلتي ويعايشه وجداني مستحضرا تلك العلاقات الدافئة في المحيط الاسري والاجتماعي العام .

يا الله ...... ما أروع التلاحم والتراحم بين الناس، ما هذا الجمال الرباني في المشاعر والسلوكيات اكثر رقيا وتحضرا وانسانية، وما هذه الطمأنينة والسكينة التي تغلف مشاعرنا، فالغني لا يشعر الفقير بفقره، ولا الفقير يظهر ضعفه وحاجته للغني من باب التعفف وحفظ الكرامة، ومع هذا كان كلاهما يمد الاخر بالعطف والحنان والمودة والاحترام والتقدير.

كان الجار جزء أصيل من الاسرة، والامهات والبنات يتبادلون الحديث اليومي عبر الشرفات والبلكونات، وهذه تعزم الجارة على شاي بالميرامية وهاي تقسم على جارتها الا تذوق زعتراتها.

وأسطح المنازل كانت مسارح للسمر فلا تخشى الاسرة ان تنكشف على الجيران لان الجار كان له حرمه مقدسة كحرمته في أولاده وأهله، بينما صارت الناس اليوم تتخبى عن بعض والذكي هو من يعلي سور بيته أكثر حتى لا يلمحه جاره .

حتى الحدائق والبساتين كانوا اهل الحي يعتبروا بستان جارهم، هو بستانهم يحافظون عليه وما يخجلون من قطف بعض حبات تفاحه او لوزه، واليوم صنعت الناس أسياج حديدية حول مزرعتها، وتحوطها بأسلاك تشبه أسلاك الحرب ومرتكزات قوات الاحتلال .

و حتى الثمار تم تغطيتها بورق لمنع الناس من قطف ثمرة، ومنع العصافير المارقه من ان تنتش ثمرة تروي عطشها وتسد جوعها في حر الصيف وبرودة الشتاء .

كانت الناس قلوبها طيبة وبيوتها مفتوحه لا يتذمر أحد من ضيف ولا يتثاقل من عزيمة مهما كانت بسيطة، بينما الأنانية صارت اليوم المبدأ الوحيد الحاكم في فضاء السلوك الانساني، فلا قيمة لتراحم واخوة وجيرة، انما قيمة واحدة تتصدر المشهد النفسي والسلوكي اليومي لبني البشر وهو قيمة الأنا ونفسي .

فما الذي غيرنا وقلب طاولة اخلاقنا مائة وثمانين درجة نحو القسوة والانانيه، هل هي التربية أم زماننا ومتغيراته وطبيعة تحدياته من انترنت وحاسبات وبرامج تكرس لواقع افتراضي جعلت انسان هذه العصر بعزلة عن الواقع ورفض قيم الجماعة فيه .

فلو كانت ازمة تربية فانا امهاتنا قد ورثوا أساليب التربية عن اجدادنا، ورثوا طيبة القلب وحب الخير والناس وتلمس الاعذار لهم، فما اسباب نكبتنا الاخلاقية حاليا؟ فهل هو غياب الوعي الديني ؟ فلا أظن لأن قيمنا الدينية كانت تقدم في أساليب بسيطة سهلة التطبيق، وما ان يسرد لنا استاذ الدين احدى القصص الدينية نبكي من الخشوع والإيمان، ولو أخطأت احدانا في سلوك معين سرعان ما تراجع نفسها وضميرها وفورا تتوب وتضبط ايقاع سلوكها على الطريق المستقيم .

وكانت خطبة الجمعة مليئة بالحكم والمواعظ الدينية عن الاخلاق والايمان دون تخويف او تنفير من الدين، بل تحفزنا على التعايش بالحب والتسامح والمغفرة، بينما تعج الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم بالقنوات والمشايخ والثقافة الدينية الموسعة، ومع ذلك الاجيال لا تستقبل شروحات المشايخ بقلب مؤمن، بل ان القلوب صدأت وخربت بالحقد والحسد والعنصرية والتعصب مركزين فقط على المظهر الديني دون الجوهر وكانه جواز مرور .

قد يبرر ويلقي معظمنا أزمتنا الاخلاقية في ملعب الازمة الاقتصادية ومتطلبات الحياة من مدراس معيشية غالية واجهزة حديثة ضرورية، بينما كان اهلنا يعيشون حياة بسيطة خالية من كل الكماليات والرفاهيات التي نتمتع بها اليوم وراضيين بمعيشتهم دون منافسة لاحد او تقليد لأخرين .

لكننا اليوم لم نعد نرضى بالمقسوم وصرنا نستهلك وقتنا وعمرنا في اعمال شاقة ولساعات طويلة لجلب المزيد من وسائل الترفيه والتنافس في الدنيا لان نكون اغنى من غيرنا والتمايز على الاخرين بما نملكه فوقعنا في فخ ابليس وخضعنا للمادية المتجبرة، واذا القلوب اشد قساوة من الحجر، وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار !!

فالام انشغلت بوظيفتها ونجاحها فيه كسبا لمال أكثر ولكي توفر لطفلها ابن الثماني سنوات موبايل بمئات الدنانير دون ان تعي ان تقتل براءته، بينما لم توفر له وقت لاحتضانه واشباعه بالحنان والتربية، وكذلك الاب انشغل بجمع المال لتجديد سيارته ولاظهار صورته الراقية امام المجتمع على حساب دوره الرقابي على الاسرة .

للاسف كلنا تغيرنا وسرنا في متاهات المادية المقيتة، فبدت لنا سؤاتها وخسرنا انسانيتنا، فهل من سبيل للرجوع؟ انه قرار فردي اولا واجتماعي ثانيا المهم ان نبدأ في تصحيح طريقنا، ولنتخلى تدريجيا عن مظاهر الرفاهية والمادية، ولتكون الازمة الاقتصادية العالمية والحروب والمجاعات حافزا لنا لنغير انفسنا ولنمد يد العون لكل محتاج ونشفق على مخطئ ونرمي له طوق النجاه من الغرق

انها مهمة غير مستحيلة، فالرحمة تصنع المعجزات حين نتكافل ويكمل بعضنا نقص الاخر . ورحم الله الامام الشافعي حين عبر عن واقعنا بقوله:

نعيـب زماننـا والعيـب فيـنـا

ومـال زماننـا عـيـب سـوانـا

ونهجو ذا الزمـان بغيـر ذنـب

ولـو نطـق الزمـان لنـا هجانـا

وليس الذئب يأكـل لحـم ذئـب

ويأكـل بعضنـا بـعـض عيـانـا

الخميس، 5 يناير 2023

العقوق وحصاد الكراهية

 

العقوق وحصاد الكراهية

سارة طالب السهيل
04-01-2023 12:21 AM

الحب ثمرة نحصدها عندما نجيد زراعتها ورعايتها بالحنان والرحمة، ولكن مجتمعاتنا باتت تعاني بشدة من جفاف ثمرة الحب، نتيجة عقوق الابناء لآبائهم، بل وإظهار العنف والكره أحيانا تجاه الأبوين.

يبدو جحود الابناء في المشهد الأسري قاتل يكاد يفتك بالمجتمع وبأمانه النفسي الداخلي، فالابناء لا يعبرون لابائهم عن معاني الامتنان أو التقدير، بل أن البعض منهم يستقوي على والديهم عندما يبلغون مرحلة الكبر والضعف.

من السهل أن ندين جحود الابناء ونرميهم بأبشع الصفات، ومن الممكن أيضا مقاضاة الابناء على سوء اخلاقهم بحق الوالدين، لكن دون ايجاد حل لهذه المشكلة، فلا يبقى للاباء سوى مرارة الألم والحسرة.

وبالمقابل فإن الاباء أنفسهم قد يتورطون في جريمة عقوق ابنائهم دون أن يشعروا.

فالاباء هم المسؤولون عن غرس الزرعة الاولى في شخصية الابناء، فأي قصور في هذه الزراعة وعدم تغذيتها بالحنان والرحمة والعطف، تفضي الى ثمار العنف والجحود، خاصة إذا تربى الابناء على العنف والتمييز بين الاخوة، وامتهان كرامة الابن أمام عائلته أو جيرانه.

تمتلئ المشاهد اليومية بالكثير من مظاهر عقوق الآباء للأبناء، فبعض الآباء يفضلون الفتى على الفتاة، او العكس ويظهرون الحب وتحقيق الاحتياجات لأحد الابناء دون باقي الاخوة مما يولد مشاعر الغيرة والحقد.

ويمنح بعض الاباء ميراثه هبه لاحد الابناء دون باقي الاخوة في مخالفة صريحة للشرع.

والبعض الاخر من الاباء يتبعون مسلكا تربويا ودينيا متشددا في رعاية ابنائهم، مما ينفر الابناء لاحقا من الاسرة، ورفض الخضوع لاية قواعد سلوكية تربوية او اخلاقية في سياق من التمرد على ما يشعر به من قهر أسري.

ومع حرص الاباء على اسعاد ابنائهم، فانهم يخطئون سبل تربيتهم، وفهم حقيقة ان ابنائهم يعيشون معطيات زمن مختلف في علومه وافكاره وعلاقاته تماما عما كان زمن عليه الآباء.

كما تسبب بعض الاباء بتدمير نفسية ابنائهم من خلال استبداد الوالدين وتحكمهما في سلوك وأفكار الابناء وكأنهم آلة روبوت تنفذ الأوامر العليا دون نقاش أو فهم وإرادة. والنتيجة تنشئة شباب أما خانع او متمرد.

لقد عاينت بنفسي نماذج عديدة لابناء ضاعت احلامهم من بين ايديهم بفعل سيطرة الاباء وقهرهم لارادة الابناء.

فهاهي إحدى الامهات تسهم في تعليم بنتها تعليما جيدا وتحصيلها للماجستير والدكتوراه، لكنها حالت دون زواجها من أي رجل بوضع العراقيل أمامها حتى تجاوزت الفتاة عمر الأربعين دونما زواج بسبب أنانية الأهل، وهناك مئات الحالات التي تجبر فيها الفتاة على الزواج بمن لا تقبله رغم مخالفة ذلك للشرع الحنيف.

ان شعور الاباء أنهم دائما على حق وفهم وخبرة، في مقابل اشعارهم للأبناء بانهم على باطل وجهل وخطأ دائم، يفضي الى قطع الوصل والوصال بين الطرفين وترجمة ذلك عقوق الابناء الواقع بشدة في عالمنا المعاصر.

ولا أظن أن هناك مجالا لعلاج هذا العقوق بمعزل عن ادراك الابوين لحقيقة خطأهم في التربية الأولى، ثم العمل على إصلاح ما أفسدوه باتباع سياسية احترام ابنائهم وتكثيف الحوار معهم بحب، وتحفيزهم على استعادة تقتهم بأنفسهم، وتوثيق علاقة الصداقة الحميمة مع الابناء عبر جسر الصبر والحب والحنان بعيدا عن أسلوب التنمر عليهم ومعايرتهم بأخطائهم و تقليل ثقتهم بأنفسهم وبعيدا عن مقارنتهم بغيرهم وبعيدا عن العبوس طوال الوقت بوجوههم وبعيدا عن الصراخ والتعنيف والأذى النفسي والجسدي وبعيدا عن التقليل من شأنهم و اهانة كرامتهم

فكل هذا من عقوق الآباء للأبناء.

(الراي)