الأحد، 26 أبريل 2020

رسائل مفتوحة إلى الحكومات ورجال الاعمال العرب

 حفل التاريخ الانساني بالعديد من القصص المؤثرة عن اهمية الأم في حياتنا فهي التي تحتضن وتمنح الامان والسلام وتربي وتضحي وتعطي وتفني نفسها فداءا لابنائها حتى يكبروا وينجحوا ويحققوا مستقبلهم، وفي المقابل فان الابناء البررة الذين يحملون جينات الاخلاص والولاء والوفاء لأمهاتهم فاذا مرضت الأم او انهكتها السنين بالعجز او الشيخوخة او أية أزمة طارئة، فإن الابناء البررة يضحون بانفسهم وأموالهم وقد يستدينون من اجل إنقاذ امهاتهم اذا ما احتجن لعلمية جراجية او للخروج من عثرة مالية.


وهكذا هو الوطن بالنسبة لنا فهو أمنا  الحقيقية التي اذا احتاجتنا وقت شدتها فعلينا إن نفديها بارواحنا وأموالنا ولا نبخل عليها بأي جهد حتى ننقذها من ألامها ونعبر بها إلى شاطئ الامان كما كانت هي لنا بحرا للعطاء والامان والخير والرزق الطيب

واوطاننا العربية اليوم استقبلت شهر رمضان الكريم في ظل تداعيات جائحة كورونا التي أخلت بتوازن الاقتصاد العالمي وأجبرت ملايين الموظفين بالقطاع الخاص والعمال على ترك وظائفهم وفقدان مصادر قوتهم اليومي، ناهيك عن الانهاك الاقتصادي الناتج عن توفير اموال لعلاج مرضى كورونا وفحصهم ووقايةالناس من انتقال العدوى اليهم خاصة في بلادنا العربية التي تعاني اساسا من ازمات مالية خانقة مثل الاردن والعراق ومصر وغيرها.

فبحسب أحدث دراسة للإسكوا، فانه سيقع 8.3 ملايين شخص إضافي في براثن الفقر بالمنطقة العربية نتيجة انتشار كوفيد-19. كما ستخسر المنطقة حوالي 1.7 مليون وظيفة على الأقل. بفعل

حظر التجول، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية والخدماتية مما ألحق اضرارا كبرى بكثير من الفئات في الوطن العربي مما يتوقع معه ارتفاع عدد  الفقراء من 93 مليون إلى 101 مليون فقيرا في وطننا الغالي.

لذلك ومع بداية شهر رمضان أوجه رسالة لحكوماتنا العربية بالاردن ومصر والعراق بضرورة تفعيل وتطبيق كتاب الله تعالي في سورة التوبة "  خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "،  من خلال دعوة كبار رجال الاعمال والمستثمرين العرب للقيام بدورهم الاخلاقي والوطني والانساني في دعم حكومات بلادهم لتجاوز ازمات كورونا الاقتصادية الخانقة، وألا يتخلوا عن واجبهم في تحقيق التكافل الاجتماعي في بلادهم باعتبارها مسئولية اجتماعية واخلاقية ووطنية ودينية وفرض عين.

وفي تقديري انه بعد اكثر من شهرين على تحمل بلادنا تبعات كورونا، مما أحدث عجزا كبير في الميزان التجاري، فانه لابد وان يبادر رجال الأعمال إلى انقاذ الأوطان التي استفادوا من خيراتها ووفرت لهم كل عناصر النجاح بأن يمدوا يد العون للحكومات وشعوبها من خلال التبرع بالأموال  لشراء سلات رمضانية للفقراء ولمن فقدوا وظائفهم، ودعم الحكومات في دفع رواتب موظفيها وسد العجز في المستلزمات الطبية والمساهمة في بناء المستشفيات، واستيراد أجهزة تنفس وغيرها لمواجهة فيروس كورونا، وذلك في روشتة انقاذ سريعة للبلاد.

وكما استفاد رجال الاعمال والمستثمرين وحققوا ثروات طائلة من احتكار المال والأعمال وتسببوا في تآكل الطبقة الوسطى وأفقروها، وتسبب بعضهم في خلق أزمات اقتصادية كبرى للاقتصاديات الوطنية نتيجة احتكارهم المال والاعمال لصالحهم، فانه حان الاوان لترجمة انتماءهم للاوطان والتعبير عن الولاء والتخلي في شدة كورونا عن بخلهم.

وبالطبع لا يمكن تعميم البخل على طبقة المستثمرين فمنهم الشرفاء الذين تبرعوا للاوطان بالاردن ومصر والعراق، ومنهم لم يتبرع، بل ان بعض أثرياء الحرب بالعراق وممن استفادوا بالاموال مطالبين اليوم بتقديم يد العون السريع والمخلص والكبير لانقاذ العراق المنهك، ولا يكتفوا بتقديم  بعض الاغذية البسيطة لبعض الفقراء ليلتقطوا معهم صورة او فيديو يتباهون بها امام الاخرين. 

وهنا لابد وان أحيي رجال الاعمال في الكويت فقد لامست بنفسي وطنيتهم وعطائهم للفقراء والمحتاجين دون تكبر او تعالي، فأزمة كورونا أبرزت انسايتهم ووطنيتهم ، وهذا ما نحتاجه في باقي بلادنا العربية الفقيرة، نحتاح لفعل حقيقي نعطي فيه الوطن ما أعطانا من خير وأمان.

وهناك الام البديلة التي تربي اليتامى او زوجة اب حنونة او خالة أو عمة، فان المقيمين في اي بلد يصبح بالنسبة اليهم أما ووطننا خاصة اذا لم يبخل عليه هذا الوطن من الرعاية والامان وحقوق المواطنة، فاذا كنت في اي بلد أحتضنني وحماني وحفظ كرامتي الانسانية وعاملني كجزء منه، فانني أبادله نفس الحب والعطاء والتقدير والانتماء والولاء، وأره   في قلبي وعقلي وطنا وأما حانية يجب ان يجدني وقت الشدة أقف بجانبه.

وما أقوله ليس تعبيرا عن حالي فقط، ولكن عن حال كل المقيمين في البلاد العربية، يجب عليهم ان يفدوا هذه الاوطان التي حمتهم، وأنا لست سيدة أعمال ولا أملك مؤسسة تجارية ولا أتقاضى راتبا من اي دولة، ولم استغل الحروب لكي أتكسب  كما فعل البعض، ومع ذلك فاننا نفعل ما بوسعنا للحفاظ على وطننا نستثمر ثقافتنا وعطائنا الانساني بقدر ما نستطيع، ولكن هناك الكثير من المواطنين والمقيمين لديهم الكثير من الخيرات لكنهم يبخلون بالعطاء والوفاء لوطنهم او لوطن آمنهم وآواهم وساهم في تحقيق نحاجاتهم.

العالم عرف أثرياء عظماء  يتبرعون بأموالهم لصالح أعمال الخير وهم مفخرة لاوطانهم وللبشرية مثل "تيم كوك Tim Cook" رئيس شركة آبل الأمريكية، الذي تبرع بثروته لصالح الأعمال الخيرية، وهو على قيد الحياة بعد ان تبرع من قبل بمبلغ 50 مليون دولار لمستشفيات جامعة ستانفورد، و50 مليون دولار أخرى لمركز الوقاية من الأمراض RED Product .

كذلك قام "بيل جيتس" مؤسس شركة مايكروسوفت الامريكية بتأسيس منظمة خيرية عالمية مع زوجته وتبرع بنحو 30.2 مليار دولار، أي حوالي 37% من صافي ثروته وغيرهم كثيرون، وهؤلاء المتبرعون يعرفون ان تكديس الاموال لن يغني من القبر شيئا ولأن تقاسم الثروة مع الناس دون انانية او استحواذ هو مفتاح السعادة للانسان في الدنيا، فاين الاثرياء العرب من هذه المفاهيم وأداء دورهم في أشد أزمة تعيشها بلادنا الفقيرة بسبب كورونا؟!

صحيح إن من احق للاثرياء ورجال الاعمال التمتع بثرواتهم مع ذويهم وأحبابهم، وفي تأمين مستقبل ابنائهم، لكن اترك بعض المال لغيرك، وفكر بالفقير والبائس والمحروم والعاجز، وعجل بتقديم المساعدة بالتبرعات للحكومة لشراء الادوية والاجهزة للطواقم الطبية والابحاث العلمية، وساهم بدفع رواتب الموظفين في هذا الشهر الكريم ووفر اجزاء من مالك  للفقراء والمساكين والعمالة التي فقدت وظائفها بالقطاع الخاص بعد ان تم تسريحهم بفعل جائحة كورونا.

وهذا حل سريع لتدخل رجال الاعمال لانقاذ الوطن من هزاته الاقتصادية الصعبة، ويكون نواة لقيام رجال الاعمال والاثرياء بفتح المزيد من المصانع والورش واستزراع اراضي وتنمية الثروات الحيوانية والانتاجية واحياء الارياف بخلق المزيد من فرص العمل فيها من خلال تنمية المنتجات الزراعية والصناعية البسيطة، مع فتح باب لانتاج الادوية الطبية وعدم استيرادها من الخارج مما يفتح باب الارزاق للشباب، وهنا تكون الانسانية قد تحققت والرحمة والعدالة الاجتماعية والتطهير الانساني من الانانية الموحشة، وصدق الثائر المصري الراحل مصطفى كامل حين قال مقولته الشهيرة: " ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط".


الأربعاء، 22 أبريل 2020

سدا من عند أنفسهم أم جهلا بنعم ربهم؟

 غالبا ماتكون الشائعات

،ممنهجة و مقصودة، و في حالات أخرى تكون نابعة عن جهل و عدم معرفة بالأمور، و عدم تقدير لتبعاتها و ابعادها. فيتحول مروجو الإشاعات الي
طابور خامس يعمل دون وعي لخدمة العدو و الحاسد و كأنه يجند نفسه مجانا لخراب دياره،
وزرع التباغض بين الناس خاصه الذين تنالهم الإشاعة وغالبا ما يكونون من الشخصيات العامة
فمن من المشاهير و الشخصيات العامه لم تطاله الشائعات الكاذبة و الديباجات الغير منطقية.
لاتتوقف الاعتداءات بالاشاعة عند حدود الاشخاص و الرموز لكنها وصلت لتنالمن الدولة برمتها، خاصة في هذة الايام التي اطرح فيها سؤالا:
من منا لم يشعر بالفخر لما قدمته الدولة الأردنية و على رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني و جيشه الوفي لكل لوطن و المواطنين بل للمقيمين على أرضه من خدمات عجزت دول العالم الكبرى عن تقديمه حتى لأقل عدد مممكن عندهم.

لقداثبت الاردن قدرته و قوته و جاهزيته و خاصة بجيشيه العربي و جيشه الطبي و لا نبخس المسؤولين عن التموين وتأمين المواد الغذائية و المستلزمات الضرورية جهودهم في هذه الأزمة، مما حال دون نفاذ او استغلال من قبل التجار او غيرها من المشاكل التي واجهت العديد من الدول في محيطنا او خارج المحيط ،
فاتقوا الله في بلدكم رعاكم الله فمن لا يشكر لا يشكر
ومن لا يقدر النعمه لن تدوم نعمه ولنتذكر جميعآ قوله تعالى(يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)

و بكل تاكيد هذا الكلام موجه لفئة قليلة ضالة مارست التضليل لكننا جميعا فخورين بأخوتنا و اهلنا المنتمين قولا و فعلا لهذا الوطن الكبير قلبًا و عطاء.

الأحد، 19 أبريل 2020

حقوق المرأة العربية بين العدل والثورة الفكرية


حقوق المرأة العربية بين العدل والثورة الفكرية
مقال بقلم .. سارة طالب السهيل 

 رغم ما تحقق للمرأة من نهضة تعليمية وثقافية ومهنية في مختلف مجالات الوظائف والمناصب القيادية في العالم كله ومنه عالمنا العربي، الا انها ثقافة العنف والتمييز بحقوقها العادلة لا تزال مسيطرة في ألفية الميلاد الثالثة.
فالمرأة لا تزال ضحية القهر واغتصاب الحقوق واكثر الفئات تعرضا للاجحاف في الرواتب والترقي الوظيفي والاستغلال بأبشع صوره عندما تكون مادة رخيصة في سوق الترويج الإعلاني وغيره.
وبحسب احدث تقرير للأمم المتحدة  2020، فإن نحو ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي، وانهن يشغلن 24% فقط من المقاعد البرلمانية بالعالم، كما تجني النساء أقل مما يجنيه الرجال من العمل بنسبة 23% عالميا.

حيث شهد المجتمع العراقي حالات عنف أسري متصاعدة سجل أعلى مستوياتها عام 2016 إذ بلغ عدد الحالات 8552 حالة عنف أسري وبلغ عدد النساء اللاتى تعرضن  للاختطاف والاغتصاب او البيع والشراء بسبب العمليات الإرهابية (4000) امرأة.
أما في مصر فالمرأة بالدولة محترمة و مكرمة وهذا ما لمسته على ارض الواقع الا ان المجتمع احيانا يجحفها خاصة في وضع الكثير من المسؤوليات على كاهلها فهي في اغلب الأحيان تعمل لتعاون الزوج في مصاريف البيت ليس فقط تحقيقا لذاتها، 44.5% نسبة السيدات في الجهاز الإداري للدولة، 13 محافظة بها نسبة إناث من العاملين تتخطى الـ 50%.
أما في الاردن عينت أول امرأة كسفيرة عام 1969، وحصلت النساء على حقوقهن السياسية بالإنتخاب والترشح عام (1974)، وعينت عام 1979 أول وزيرة أردنية، وشهد عام 1993 فوز أول امرأة أردنية بعضوية مجلس النواب، وعام 1996 تم تعيين أول قاضية.
أما عن العنف الأسري في الأردن وفقا لدراسة اعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة وعرضها حكم مطالقه يقول ان : 592 حالة عنف أسريّ من الحالات المسجلة لدى أقسام إدارة حماية الأسرة في محافظات المملكة وذلك من خلال استمارة اعدت لهذه الغاية وقال ان أعلى نسبة ممارسة للضرب باليد أو الرجل (76.6%). والسب والشتم والتحقير (51.4%). والصراخ (20.3%). ومنع المصروف عن أفراد الأسرة (18.5%). إضافة إلى إهمال الزوج لمتطلبات الزوجة (18.1%). 
تحديات
أما في عالمنا العربي، فحدث ولا حرج ـ حيث تنتشر ثقافة العنف الأسري والجسدي بحق المرأة بنسبة 37% كما تذكر الامم المتحدة، وتأخذ ثقافة العنف بحق المرأة اشكال متعددة بدءا من الطفولة عندما تتعرض لعمليات الختان في بعض الدول العربية كمصر والسودان،  وبطريقة التربية للأنثى على انها خاضعة وليس لها من الحقوق ما لأخيها الذكر  مرورا بالعنف الذي يتوالى صادرا من الأب او الاخ او الزوج وزميل العمل، ناهيك عن العنف الاجتماعي بحق الأرامل والمطلقات وما يتعرضن لها من تهميش واقصاء وابتزاز خاصة عندما يطالبن بحقوقهم المادية والانسانية.
وتتعدد مظاهر العنف بحق المرأة العربية، وهو عنف متوارث نتيجة سيطرة الأعراف والتقاليد البالية التي تسلب المرأة مصادر قوتها حتى تظل ضعيفة مهيضة الجناح وتحت سيطرة الرجل وخاضعة بلا رأي ولا سند يحميها رغم ثقافتها وفكرها ومالها.
ومما يترجم ذلك عمليا، هو حرمان المرأة من حقها بالميراث الشرعي بكثير من دولنا العربية ومنها مصر خاصة في الصعيد، حيث يرفض الاخ الاكبر منح شقيقته حقها في الميراث مخالفين بذلك ما نصت عليه الشرائع الاسلامية والمسيحية و كذلك الأمر في العراق و الأردن و لبنان ، وقد تلجأ المرأة للقضاء لكن الفصل في هذه القضايا قد يستغرق عشر سنوات، ولذلك بعضهن تستسلم للاعراف والتقاليد وتقبل بالقليل من الميراث فيما يعرف بالتراضي، وبعضهن لا يأخذ شيئا البتة.
وفي الاردن كفلت القوانين حق المرأة في الميراث لكن التقاليد المتوارثة تجعل المرأة تتنازل عن حقها لأخيها الذكر. اعتقد اننا في أشد الحاجة الى تدشين حملات توعية ثقافية ودينية وتعليمية لتغيير ثقافة ظلم النساء في الارث وكافة الحقوق.

العنف الأسري والاجتماعي
تتعرض الملايين من النساء إلى أشكال متعددة من العنف الأسري والاجتماعي خاصة في عالمنا العربي اعتقادا مغلوطا بأن تأديب المرأة وتعنيفها أمر طبيعي، ومنه ما هو نفسي مثل التحقير والسخرية والإهانة والشتائم، وفي حقل العمل تتعرض للتمييز والابتزاز والتحرش ومحاولة تلويث شرفها بنسج الإشاعات للنيل من سمعتها إما حسدا وإما انتقاما خاصة اذا متفوقة في عملها.ويتفاقم تأثير هذه الإساءات وتختزن ألما داخل المرأة ما يدفعها إلى ارتكاب أعمال عنف خطيرة او تدفعها للانتحار.
ويبلغ العنف بحق المرأة العربية اقصاه  بالضرب داخل الاسرة، وصولا الى القتل عبر جرائم الشرف، ومع ذلك حاولت كثير من الدول العربية حماية المرأة عبر تعديل القوانين مثل الغاء المغرب المادة 475 من قانون العقوبات، التي كانت تسمح للمغتصبين بتجنب الملاحقة القضائية، إذا تزوجوا من ضحاياهم. وكذلك ألغى مجلس النواب الأردني، مادة بقانون العقوبات، تمكن المغتصب من الإفلات من العقاب في حال زواجه من الضحية.
 ورغم إرتفاع جرائم القتل الأسرية بحق الإناث بالأردن الى  22 جريمة منذ بداية 2019 وفقاً للرصد الذي تقوم به "تضامن" ، فان استطلاع الباروميتر العربي حول العنف الأسري، قد كشف عن أن لبنان وتونس والأردن كانت أقل الدول العربية في نسب للعنف الأسري بواقع 6% مقارنة باليمن 26% و المغرب 25% ومصر 23% .
ورغم معظم الدول العربية سنت في السنوات الأخيرة قوانين تجرم العنف ضد المرأة، إلا أن هذه القوانين مازالت عاجزة عن توفير الحماية اللازمة للنساء نتيجة غياب الرقابة الذاتية والاخلاقية والعملية.
وأعتقد اننا كما نقاوم الفيروسات والاوبئة التي تفتك بانسان العصر الامصال والادوية، فاننا مطالبين اكثر بمقاومة ورفض ومحاربة كل اشكال التقاليد البالية التي تكرس للعنف بحق المرأة عن طريق تكريس الوعي بأهمية الأخلاق والمبادئ التي تحقق للمرأة العدالة والشرف وهو ما يمكن تحقيقه بنشر الوعي بضرورة تعديل السلوك تجاه المرأة، بدءاً من الأسرة، مروراً بالمدرسة والجامعة، وانتهاء بوسائل الإعلام وواضعي القوانين.

استغلال المرأة
رغم الدور الإيجابي الذي حققته المرأة  في المجتمع لكن وسائل الاعلام تعرضها كسلعة لترويج المنتجات التجارية، كما يركز على مظهرها وجمالها عبرالاهتمام بالموضة والتجميل والأزياء وغيرها، في مقابل إهمال الموضوعات والبرامج التي تخاطب عقلها وفكرها الا نادراً وحتى في هذا المجال يقع الاختيار و التصنيف وفقا للمظهر وهذا نوع من التمييز بناء على الشكل او العمر وكأن المراة جسد فقط وهذا ما يشيع ثقافة التسطيح في المجتمع ويجحف بحق امرأة اجتهدت في تطوير نفسها وأدواتها ليكون التقييم على المظهر مما يؤكد النظرة الذكورية للمرأة على انها شكل دون جوهر واقتصار دورها على الزواج و الإنجاب وهو الامر الوحيد الذي من الممكن ان يتضمن شروطه المظهر كما ان المظهر أساساً نسبي فكل الناس جميلة فأي مقاييس تلك التي يتبعها المجتمع ليجعل الناس شكلاً واحداً وفق المقاييس التي وضعها الاعلام و هذه نقطه ليست هامشية لان مخاطرها كبيرة وملموسة على المفاهيم حولنا.
يقدم الاعلام المرأة  في صورة مستهلكة وليست منتجة، والاخطر من ذلك هو قولبة المرأة في نموذجين احدهما إطار اجتماعي والثاني إطار عملى، حيث يكرس الاعلام صورة ذهنية على المرأة للاختيار بين أن تكون ناجحة عمليا، أو ناجحة أسريا، بينما تندر النماذج الدرامية التي تبرز قدرة المرأة على تحقيق النجاح العملي والأسري.
واتصور ان الدولة عليها دور رئيسي في احكام سيطرتها على الاعلام تضع قوانين لضبط الإعلانات التجارية، وان يهتم صانعو الدراما والفنون بترسيخ القيم الاخلاقية كالحياء، وغرس قيمة الثقة بالنفس، والاهتمام بالجانب الذهني والنفسي والروحي، الاهتمام بالجانب الديني والأخلاقي وذلك بالإرشاد والقدوة للمرأة طفلة ومراهقة وزوجة وام.

تمكين المرأة
اتصور ان تمكين المرأة يجب ان يتم وفق رؤية شاملة بحيث يكون تمكينا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا  واقتصاديا وعلميا وقانونيا، فعلى الصعيد السياسي فالمرأة وصلت  ببعض الدول العربية ومنها الاردن والعراق ومصر الى مجلس الامة عن طريق (الكوتا)، وبرأيي فان الكوتا أجحف بحق المرأة وقدرتها علي العمل النيابي، ولذلك أدعو لالغاء هذا النظام مع تمكين المرأة من اثبات كفاءتها السياسية مع نشر الوعي بهذه الكفاءات ودعم المؤسسات لها في اثبات قدراتها، وكذلك تمكينها الثقافي والعلمي لم يتحقق الا بنسبة محدودة في العالم كله ومنه الاردن  حيث نسبة الأكاديميات في الأردن التي لا تتعدى 11%، نتيجة العوامل الثقافية والاجتماعية التي تعرقل تقدم المرأة في المناصب الاكاديمية المرأة الأكاديمية.
أما المرأة في الريف والبادية فتعاني من التهميش مقارنة بالمرأة في المدينة، وعلي ذلك فان تمكين المرأة اقتصاديا يجب ان يتم تفعليه في كل المناطق الجغرافية بما يتناسب ايضا مع ثقافتها وطبيعة بيئتها من خلال مشروعات صغيرة تحتاجها هذه البيئة، هو ما يتطلب وضع برامج تدريبية خاصة بكل منطقة جغرافية على ان تراعي هذه المشروعات التي ستعمل بها المرأة خصائص الثقافية والعادات والتقاليد السائدة.
فالمرأة الريفية يمكن وضع لها برامج تدريب في القطاع الزراعي لتحسين إنتاجياتها وفتج مجالات جديدة أمامها، والتوسع في مشروعات تسهل تشغيل النساء في مواقع مختلفة من سلاسل الانتاج والتصنيع الزراعي؛ وإتاحة مصادر للتمويل للمرأة العاملة في القطاع الزراعي بكل أنشطته لتوسيع دورها فيه، ويمكن وضع برامج تنموية للمرأة البدوية توفر لها فرص للمشروعات الصغيرة الخاصة بالنسيج وتربية الاغنان وتصنيع الأجبان من البانها وغيرها.

صراع الادوار
رغم أهمية العمل للمرأة في تحقيق استقلالها المادي وتحسين لياقتها النفسية والاجتماعية واكتساب خبرات حياتية مهمة، الا انها تعاني من صراع الادوار بين وظيفتها وما سببه لها من ارهاق ومسؤوليات، وبين احساسها العميق بالذنب نتيجة غيابها عن صغارها فترة العمل، وشعورها الدائم  بالتقصير بحقهم وانها لم  تحقق لهم الاشباع العاطفي الذي يحتاجونه وهو ما جعلها في توتر دائم لن ينتهي دون مشاركة الزوج في بعض المهام التي باستطاعته المشاركة بها بجانب مساهمة الجدات إذا كانوا كفؤ ومتفرغين.
وفي تقديري ان المجتمع الانساني ومنه العربي بحاجة الي ثورة فكرية تعمل على تغيير طرق تفكير المجتمع تجاه المرأة بما يحافظ على كيانها كأنسانة وزوجة وأم مسئولة عن تنشئة الاجيال وصنع الحضارات. وفي عالمنا العربي علينا ان نجاهد رجالا ونساء من أجل الحفاظ على هوية المرأة العربية من الانزلاق نحو بعض الافكار الغربية التي تطلق الافكار الشاذة عن قيمنا الدينية والاخلاقية مثل المساكنة او العلاقات خارج منظومة الشرائع السماوية او الانحراف البيولوجي وغيرها مع الاستفادة من تجارب النساء الغربيات في تحقيق الذات والتفوق المهني والانساني والحضاري.
في تقديري ان تمكين المرأة العربية يبدأ من البيت باحترام أسرتها ومجتمعها لذاتها وطموحها وتشجيعها على التعلم والابتكار لحل مشاكلها ومشاكل أسرتها وتربية ابنائها وفقا لقيم اخلاقية وروحية تستطيع بها مواجهة تحديات فضاء إلكتروني وما يبثه من تحلل قيمي يوقع الابناء تحت سيطرته.
أخيرا فانني أدعو  لاقامة العدل بين الرجل والمرأة وليس المساواة في كافة مجالات الحياة، لان هذه المساواة قد تجحف بحقوق المرأة نظرا لاختلاف تركيبة وقدرات كل منهما، ويبقى دور المرأة كمربية وام من اهم أدوارها الانسانية والتي تحتاج الى  دعم لتطوير ادائها وخبراتها

السبت، 18 أبريل 2020

قائد عظيم لشعب شامخ

 استمعت إلى خطاب الأب القائد وكلي فخر بالملك الهاشمي الذي كان يتحدث لأبناءه كما كان يفعل ابيه المغفور له الأب الباني الملك الحسين المعظم، لقد استرجعت طفولتي حين كنت مع سائر ابناء وبنات الوطن نهتف هاشمي هاشمي..


فها هو التاريخ يعيد نفسه، ففي كل حدث يمر بوطننا يرتبط الأردنيون بقائدهم أكثر فأكثر، ثقة واعتزازا بهذا الطهر المتوارث، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فهذا الطهر الداخلي هو السنة التي اتبعها الهاشميون في رعاية شعبهم وهذا النقاء الداخلي هو الذي جعلهم يتميزون عن قادة العالم حلمًا وعطاء وحبا ورحمة، ومن زرع الحب سيحصد الحب والولاء..

في هذه الازمة تحديدًا حيث لم يمر الأردن بأزمات مفتعلة، كما سائر الدول من الجيران وحتى الأقطار البعيدة وهذا بفضل القيادة الحكيمة التي جنبت ابنائها البؤس والحرب والدمار واللجوء والنزوح والصراعات الداخلية والخلافات الطائفية فظل الاردن مستقرا هادئا هانئا ينعم بالأمن والأمان الذي يميزه عن كل قطر من أقطار العالم رغم قلة موارده المادية وصغر مساحته صار بفضل قيادته وشعبه وتلاحمهما كبير المقام مما شكل دافعًا لابنائه للحفاظ عليه وتقديم التضحيات من اجله وكأنما أراد الله ان يحول نقاط ضعفنا الى قوة فأصبح الأردن بيتًا كبيرًا يديره قائد تميز بطيبة القلب ورقة المشاعر يحتضن شعبه برعاية أبوية قل نظيرها .ليظل شامخا مرفوع الرأس.

لقد كان خطاب جلالته مليئا بعبارات الثقة والتشجيع والحث على الاستمرار في حمل الصفات التي عرف بها الاردني النشمي من الشجاعة والكرم والإيثار والعطاء واغاثة الملهوف واستقبال عابر السبيل وجبر الخواطر.

كما شد جلالته على أيادينا لنبقى متكاتفين نتعلم ونعلم الأجيال الالتزام والاحترام بالقانون من اجل مصلحتنا ومصلحة الوطن وتقديرًا لجهود كل من كرس حياته للحفاظ على هذا الوطن من جيش واجهزة امنية وجهاز طبي علينا أن نقف ملتفين حول قيادتنا الرشيدة في كل الظروف لنكون نموذجًا مشرفا نفاخر به ونباهي الأمم.

لقد علمتنا هذه الازمة الكثير وقربتنا من بعضنا اكثر لان التجربة خير برهان فمابالك بتجربة ضمن ازمة دولية لم تستطيع تجاوزها كبرى البلدان ولكن نحن بفضل الله والقيادة الحكيمة وعزيمة الشعب تجاوزناها فالحمد لله.

الجمعة، 10 أبريل 2020

كورونا وبيان القدرة وكشف العورة

 يقف أساطين العلم والعلماء عاجزين امام فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة يدخل وحيداً للخلية وبعد 24 ساعة أصبح  1000000000 وينتقل محمولاً بقطيرات الرذاذ المتطاير أثناء السعال أو العطاس ليقتل اكثر من سبعين ألف انسان حول العالم ويصيب أكثر من مليون والاعداد في تزايد.

وهذا الفيروس ليس ضمن حرب بيولوجية  كما يذكر العلماء، لكنه تحور جيني يدل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى الذي بيده شفاء البشرية، هذا الكائن منتهي الصغر اوقف الحياة على الكوكب الأرضي، أصاب سكان المعمورة بالهلع والفزع والخوف والذعر؛ ووقفت أعتى الحكومات والدول التي تصنف بالعظمى عاجزة وهي التي طالما صنعت القنابل النووية، وشردت شعوب منطقتنا بالعراق وسوريا وفلسطين حولت النساء لأرامل والأطفال ليتامى واصابت المنطقة كلها بالفقر والجوع والمرض، هي تحكم قبضتها على الاقتصاد العالمي.
هذه الدول العظمى تولول بالجائحة خاصة عندما ارتفعت اعداد المتوفين فيها، وجاء الفيروس عادلا جدا لم يفرق بين غني وفقير وعظيم الجاه او قليل الشأن، وأصاب حركة اقتصاد الدول الكبرى بالشلل مثلها في ذلك مثل الدول الصغرى والناشئة في عالمنا العربي، واستتبعه اتخاذ كافة الدول إجراءات صارمة فتوقفت المدارس والجامعات والمطارات والسياحة، وأغلقت الحدود، ومعظم البشرية لزم المنازل في محاولة لتقليل انتشارالفايروس.
انه السكون الذي غلف البشرية بعد حركة دائبة وأقعدها حبيسة منازلها مثل السجناء تماما في السجون، ولكنه هذه المرة سجن كوني، اثبت لكل منكر للخالق العظيم آيات قدرته وجنوده عندما يستخدم خلقا صغيرا من خلقه ليؤدب البشر على استفحال شرهم وفسادهم وانتهاكهم لحقوق الشعوب والأديان.
مشاهد كثيرة تابعناها عبر الشاشات الفضائية، كيف تخلو الشوارع من المارة وفي بعض الدول العربية وجدت الحيوانات ضالتها للخروج في نفس العواصم الكبرى التي كانت تكتظ بالبشرّ! ، وفجأة تعالت أصوات الأذان في عدد من العواصم الاوربية وبسر الله اكبر في الآذان استصراخا للمولى كي يكشف الشر ويرفع الوباء.
وبينما ينشغل معظم البشر باخبار كورونا وصيحات التداوي المتاحة لرفع جهاز المناعة، يقف علي الجانب الاخر أهل التدبير والتأمل ليرون تجليات قدرة الخالق العظيم في قوله تعالى بسورة الانعام " وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " وكما قال المفسرون، فان السكون هو استقرار الجسم في مكان، أي حيّز لا ينتقل عنه مدّة، فهو ضدّ الحركة، وهو من أسباب الاختفاء، لأنّ المختفي يسكن ولا ينتشر، وهنا سكن الانسان وانتشر الفيروس، وكما يقول المولى جل شانه في سورة النور " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ".
 
"كورونا" فرصة عظيمة لأولي البصائر من بني البشر لكي يعيدوا حساباتهم ويتطهروا من غرورهم إما بالمال او الجاه او السلطة او حتى العلم. وفرصة لكل واحد فينا لكي يفتش داخل نفسه ويبحث مخلصا عن اي غرور انساني لا يجدي ولا ينفع، فقد أثبت كورونا كم نحن ضعفاء، وكما تأخذنا العزة بالاثم لاثبات قدراتنا وتفوقنا على الأخرين.
في حين ان المولى عز وجل قال في محكم كتابه بسورة الانبياء " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " وهي سنة كونية في خلقه، فالارض اليوم ليست صالحة للحياة بعد ان تفشت في الاوبئة والتلوث والفساد ولذلك فان الله يصلحها ويطهرها بما يشاء من الكائنات الصغيرة حتى يورثها للصالحين.
اتصور اننا في أشد الحاجة لاعادة قراءة القرآن الكريم بتأمل وتدبر، خاصة ان القرأن حكى لنا العديد من قصص الاقوام السابقة كعاد وثمود واصحاب الناقة وفرعون وقارون وغيرهم الذين اهلكهم الله بذنوبهم واستبدل غيرهم اقواما صالحين.
وعلينا ان نثق في رحمة ربنا وهدي نبينا صل الله عليه وسلم، لاننا في امتحان صعب  لايمكننا تجاوزه بالتدبر والتأمل والرجوع الى الله والصبر وكما قال الله تعالى في سورة البقرة : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )
هذه الكورونا أكدت بما لا يدع مجالا للشك، بأننا جميعا مملوكون لله وحده، وانه القادر على رفع البلاء عنا اذا ما رجعنا اليه وادركنا حقيقة " وما أوتيتم من العلم الا قليلا "  وكما نأخذ بالاسباب الطبية والاجراءات الاحترازية، فان اللجوء الى المولى عند المصائب هو الملاذ المنقذ للبشرية.
أتمنى ان تفيق البشرية وتتحرر من عبوديتها للدولار والدينار والاسترليني، وتعرف ان قيمة الانسان في اخلاقه ودينه وقيمه ورحمته وليس في منصبه وجاهه وتسلطه وقهره وظلمه لاخيه الانسان. وأظن ان لم يدرك ذلك، فان كرورونا تنتظره بمزيد من الدروس.

السبت، 4 أبريل 2020

كورونا تعيدنا لفلسفة الحياة السعيدة

الحياة، خاصة اذا ادرك نعم الله التي لاتحصى عليه، وفهمه لفلسفة الحياة كما عبر عنها شاعرنا الكبير ايليا أبو ماضي في قصيدته الرائعة " كن جميلا تري الوجود جميلا ".

أيّهذا الشّاكي وما بـــــــك داء          كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟

إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس          تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا

وترى الشّوك في الورود وتعمى         أن ترى فوقها النّدى إكليلا

فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه              لا تخف أن يزول حتى يزولا

وإذا ما أظلّ رأسك هـــــمّ                قصّر البحث فيه كيلا يطولا

أدركت كنهها طيور الرّوابي           فمن العار أن تظل جهولا

ما تراها_ والحقل ملك سواها         تخذت فيه مسرحا ومقيلا

تتغنّى، والصّقر قد ملك  الجوّ        عليها ، والصائدون السّبيلا

تتغنّى، وقد رأت بعضها يؤخذ         حيّا والبعض يقضي قتيلا

تتغنّى، وعمرها بعض عام            أفتبكي وقد تعيش طويلا؟

ووفقا لفلسفة الحياة كما فهمها ايليا أبو ماضي، فان هذا الفيروس قد جردنا بالكلية من كل المفاهيم الرأسمالية المتوحشة التي قتلت انسانية الانسان، وعرى  الانماط الثقافية الاستهلاكية للرأسمالية العالمية حين حولت الانسان الى طاحونة تدور في الهواء للعمل ليل نهار لكي يذهب كل مجهوده في شراء سلع كمالية ورفاهية وتخلى عن دوره في الحفاظ على مؤسسة الاسرة التي تغربت وتشظت وضاعت في جزر التيه.

اليوم كورنا يلعب دور البطولة في دراما حياتنا  البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وأيضا الروحية، وكما قيل في الأثر الشعبي " رب ضارة نافعة " فان كورونا تسبب في تغيير نمط حياة ملايين البشر، وفرض التباعد الاجتماعي بتجنب الاتصال المباشر بالأشخاص أو الأشياء في الأماكن العامة، لكنه اطلق العنان لانفسنا كي تستعيد ليقاتها وقدرتها على التأقلم عند أي أزمة، وخلق بداخلنا الحاجة الماسة للتعاون والتكاتف في مواجهة التداعيات الجائحة، فظهرت في بلادنا وبدول العالم العديد من مبادرات الاعمال الخيرية وحتى من البسطاء حين تقدم النساء الدعم لجاراتهم .

وكلنا شاهدنا المبادرات و التبرعات بل ان التباعد الاجتماعي، أتاح الفرصة لتوطيد علاقات الحب والترابط الاسري، بل واكتشاف الطباع السيئة لبعض افراد الاسرة مما يتطلب اعادة تقييم العلاقات والتعاون على تصحيحها، وأجبر الرجال والنساء على المكوث في المنازل بصحبة الابناء لرعايتهم ولإحياء العادات الأسرية التي اندثرت مثل مشاهدة التلفاز معا،  والتجمع حول مائدة الطعام.

وعلى الصعيد البيئي، فان تقلص النشاط البشري للمطاعم والكافيهات والفنادق والمصانع والمحاجر، وقلة عدد المركبات التي تسير في الشوراع وانخفاض تلوث الهواء وبدت السماء أكثر صفاءا والمياة أكثر نقاء.

وقال جاكسون أستاذ علوم نظم الأرض بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا لرويترز  “لن أندهش من رؤية انخفاض بنسبة خمسة% أو أكثر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هذا العام وهو شيء لم نشهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.

و حتى الحيوانات كان لها نصيب من فوائد كورونا فقد أعتقها الناس من التعذيب و الأذى و أخذت حقها في التجوال براحتها كما ان الناس التي تحبس الحيوانات عرفت معنى الحبس و جربت مره  وفي الاقتصاد تسبب كورونا في تغيير من عادتنا الاقتصادية السيئة، فتخلصنا من استيراد المنتجات الرفاهية والكمالية من انواع الملابس  ومساحيق التجميل وغيرها وكذلك الخدمات الترفيهية العديدة، ولكننا لم نكن نقدر هذه النعم حتى أفاقنا كورونا عليها، وبتنا نتعلم جميعا نعمة الصبر على البلاء  ونعم الشكر للخالق على أنعمه التي لا تحصى، تحرر الانسان من رهن ثقافة الاستهلاك والاسراف الذي يضر ولا ينفع.

فقد توقفنا عن تناول الغذاء بالمطاعم ووجبات التيك أواي المتخمة بالدسم وغيرها من الاطعمة التي تضر بأجسادنا، وأتيحت الفرص للاجساد البشرية لتدخل في حمية صحية يتخلص فيها من كل السموم.

اليوم كلنا نهتم بشراء الحاجيات الاساسية والصحية فقط ونستغني عن المنتجات غير الضرورية عبر عملية تقنين اقتصادي داخل الاسرة من شأنه ان يدعم اقتصاد بلادنا.

ويبقي لكورنا الفضل في الاهتمام بصحتنا والاهتمام لتقوية جهازنا المناعي عبر الاهتمام بالنظافة والتعقيم بالمطهرات وتناول الاغذية المدعمة و الفيتامينات  كما انها ساعدت في تعليم من لم يكن يهتم بالنظافة من استحمام و غسل الأيدي و النوم بملابس الخروج و غيرها من العادات السيئة فكلها غابت بحضور كورونا .

كما تعلم الاطفال النظام و الانضباط كما اظهر المراهقين أيضًا الالتزام و التخلي عن بعض السذاجات من بعضهم .

كما كانت فرصة الحجر المنزلي لمن لديه أعمال منزلية او كتابية عالقة لإتمامها او مواضيع تحتاج الى تفكير و بحث و عززت هذه الأزمة حب القراءة في أوقات الفراغ الطويلة 

كما أوجدت ايضآ تقدم في التثقيف الصحي المجتمعي وكشفت هذه الأزمة أيضا عن مروجي الإشاعات فأصبح لدى الناس وعي تام بأن لا يصدقوا كل ما قرأوا فأكثر ما ينشر بين الناس تلفيق بالصورة و الصوت و المعلومة فتعلم الناس البحث عن الحقيقة من مصادرها الموثوقة كما جعلنا كورونا نفكر بالاكتفاء الذاتي المحلي من الطعام و الشراب فنفكر بتطوير الزراعة و ما ينتج منها للصناعة تحسبًا لأي ازمة فيكون لدينا ما يكفينا من ارضنا و من اهلنا و مزارعينا كما عاش الناس في ازمة كورونا اجواء تجعلهم يشكرون الله انها ليست حرب عالمية فهل يفكر الناس بهجر الحروب و القضاء على تجارة السلاح و منح الحب و العون لخلق الله دون تفرقة دين او قومية او لون ؟!

ومن فوائد كورونا الوطنية انه عرف كل شعب قدره عند قائده و حكومته و انكشفت الأقنعة وبان اصحاب القلوب الطيبة من اصحاب الضمائر الميتهو ظهرت استعدادية بعض الدول العربية التي فاقت الدول الأجنبية ودحضت المزاعم بأن الغرب اكثر تطورًا و استعدادًا في هذه النواح و حتى من ناحية الإنسانية  فارتبطت الشعوب بحكوماتها و التحم الشعب مع قياداته الحكيمة في البلدان التي احترمت المواطن مثل الأردن و السعودية و الكويت و مصر كما اعادت كورونا ترتيب الأولويات و ترتيب أهمية الأشخاص و المهن و ربما اعادة النظر في المهيات و المرتبات و التكريمات من الدولة و الناس لمن يستحق فغاب عن المشهد المشاهير الذين اشتهروا بسبب الترويج للبضائع الكمالية الغير ضرورية و ربما المضرة و غاب عن المشهد اصحاب الفيديوهات التافهه التي تروج السخف و تدمر القيم و تصدر المشهد من يستحق الصدارة من الأطباء و الكوادر الطبية و الجيش و الشرطة و كل من يخدم الوطن و الناس ليس من يتبجح عليهم و يسترزق على أكتافهم شكرا كورونا لقد كنت كالمرآة للمجتمع عكست لنا الواقع .

وأخيرا، كورنا أعادنا الى الله تعالى لكي نتحرر من اشباع حاجاتنا الجسدية والتحول الى اشباع حاجتنا النفسية والروحية عبر الاتصال بالخالق العظيم وتقديسه وتعظيمه والانابة اليه.