الأحد، 28 أكتوبر 2018

الحب فرض عين في زمن الحرب


الحب فرض عين في زمن الحرب

سارة طالب السهيل

في لقاء ثقافي ممتع باتحاد كتاب الأردن، كان لي شرف القاء محاضرة حول الحب في زمن الحرب، استمتعت انا والحضور من كتاب ومبدعين ومثقفين فيه باستحضار قيمة الحب في حياتنا واهمية احيائه في زمن الحرب بصفة خاصة ليكون لنا سندا نفسيا وروحيا نضمد جراحنا في موجهة آلام فراق الاحباب وخراب الأوطان، وليكون لنا طاقة خلاقة تعيد بناء ذواتنا مجددا ، نخلق به الامل ونصنع مستقبلا جديدا يعيد بناء الانسان والاوطان بقدسية الحب في قلوبنا وارواحنا.
وودت ان اكتب هذه المقالة عن هذا اللقاء لأتيح الفرصة لمن لم يستطع الحضور، ان يشاركنا فكريا وثقافيا في هذه الندوة، ولتشاركوني أيضا بالحب في تقديم التحية لكل شهداء الامة العربية والشهداء الابطال في العالم كله، وهم يقدمون ارواحهم فداءا لأوطانهم لكي نعيش نحن في أمان وسلام، فلولا الحب في أعماق قلوب هؤلاء الشهداء لما هانت عليهم
انفسهم وألقوا بها في اتون نيران الحروب المشتعلة، لكنهم قدموا ارواحهم الطاهرة لكي
نواصل نحن رسالتهم في اعمار الكون ونشر السلام من بعدهم.
والحب بهذا المعني يصبح فرض عين علينا في كل وقت خاصة في زمن الحرب باعتباره ملاذ وحيد لتجاوز ويلات هذه الحروب وعبور مراراتها بأقل الخسائر الإنسانية الممكنة، وان حاجة الانسان للارتواء للحب ضرورية كحاجته للماء والهواء.
فهذا الحب الساحر الذي يغزو قلوبنا ايسري في الأرواح مختزلا حواجز المكان والزمان والظروف والأوضاع والدمار، كما نسمة حانية تهل علي اغصان الأشجار الظامئة في نهار قيظ الصيف، فتحنو عليها وتلفها وتراقصها رقصة عاشق بمعشوق فيذوبان معا في لحظة أبدية هي أولا وأخيرا من صنع الله اللطيف بعباده.
ولذلك يرصد أصحاب التجارب والخبرات الإنسانية حقيقة ان العلاقات التي تنشئ خلال المحن والحروب تعد من أشد العلاقات تماسكا وترابطا وانفتاحا، وكأنها النور يولد من قلب الظلام فيحيل حياتنا الي أمل ورحمة وتمسك بالحياة في مواجهة الموت.
فها هو عنترة بن شداد يخوض غمار المعارك بمناجاة حبيبته قائلا لها " فوددت تقبيل السيوف لأنّها لمعت كبارق ثغرك المبتسم" فحبه يمنحه قوة نفسية وروحية تشعره بالطمأنينة والثقة بالنفس والقدرة علي تحمل قسوة الحرب.

أدب الحروب
اذا ما جاز هذا التعبير، فان أدب الحروب كما سجلته الاعمال الإبداعية قد تعانق فيه الحب برائحة الدخان والبارود وصوت الرصاص ولهيب النيران تناولت الحب بوصفه قيمة رئيسية يضمد جراح الانسان ويمنحه السكينة والأمان في مواجهة فزع الحرب وأهوالها، كما في ملحمة الأوديسة التي كتبها هوميروس، وتحكي رحلة أوديسيوس ملك إيثاكا، وعودته إلى زوجته بعد انتهاء حرب طروادة، ليكتشف أن المنزل ليس هو المنزل الذي تركه، وزوجته ليست هي التي رحل عنها وابنه لا يستطيع التعرف عليه، ليكتشف أن هناك ثمنًا آخر للحرب غير القتلى.
وهناك رواية "الحرب والسلام" ليو تولسيتوي وهي من أروع الكلاسيكيات التي تتناول مشروعية الحرب، وحياة الإنسان ورؤية للحب والدين، وكيف ان الحرب في الرواية جريمة حتى لو كان هدفها نبيلا.
وتأتي رواية " لمن تدق الأجراس " وهي من أهم الأعمال الأدبية للكاتب إرنست هيمنغواي
وتحكي قصة جوردن الذي ينضم إلى الميليشيات المناهضة للفاشية خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وبينما هو ينتظر الموت في كل لحظه خلال مهامه القتالية، فانه يستعيد الشغف بالحياة، من خلال علاقته مع ماريا التي حولت الحرب حياتها الي جحيم.
أما رواية "جميلة" للكاتب الروسي جنكيز إيتماتوف فتوصف بأنها أجمل قصة حب في العالم فهي ترسم صوروة شديدة الإنسانية عن الحبّ في زمن الحرب من خلال علاقة قوية تجمع بين جميلة ودانيار في قريةٍ نائية في سهوب كازاخستان. في غياب زوجها الذي يحارب بعيداً على الجبهة، تقضي جميلة حياة عادية في قريتها الصغيرة في القوقاز. نعمل على نقل أكياس الحنطة من البَيْدَر إلى محطّة القطار بمعيّة سعيد، شقيق زوجها الأصغر، ودانيار، الوافد الجديد إلى القرية، بعدما أُصيب فى أرض المعركة.
ولاشك ان كل الابداعات الأدبية عن الحب في زمن الحرب قد أكدت حقائق إنسانية خالدة مفادها ان الفناء في الحروب يخلق الرغبة القوية في البقاء، والبقاء قرين الحب، والحب يحافظ علي الوجود الإنساني من الاندثار.
وان الحب هو الحقيقة المؤكدة والباقية في الحياة وما عداه زائف وراحل دون بقاء، ولذلك جمعت لكم في هذ المقال أشهر ما قيل عن الحب في زمن الحرب علي لسان كبار المبدعين والمفكرين.
* الحبُ هو الحدث الشخصي الوحيد للإنسان في الحرب، وكل ما عداه أحداث مشتركة حتى الموت - سفيتلانا أليكسييفيتش
* اهم مشغولون بالدماء، بالفناء .. أما نحن فمشغولون بالبقاء .. هم يدقون طبول الحرب، نحن لا ندق إلا طبول الحب. - جلال الدين الرومي
* لدينا القدرة على الاختيار اما ان نحرم الاسلحة الذرية او نواجه الابادة الشاملة، والقومية هي من امراض الطفولة وهي حصبة الجنس البشرى، وكتبنا المدرسية تمجد الحروب وتخفي فظائعها وتغرس الكراهية في شرايين الاطفال .. وانا افضل تدريس السلام على تدريس الحرب وتدريس الحب على تدريس الكراهية. - ألبرت أينشتاين

الاثنين، 22 أكتوبر 2018

أزمات الكتاب بين التلقي والنشر


أزمات الكتاب بين التلقي والنشر 

سارة طالب السهيل

سيظل الابداع والفكر والثقافة هو سبيل السعادة للأمم والشعوب، فلا نهوض لأية امة بمعزل عن الفكر وتعاطيه كتعاطي الماء والهواء غذاء للجسد، بينما الثقافة هي غذاء ارواحنا وتنمية عقولنا تسري بداخلنا كنسيم صيف بارد في نهار صيف حارق، نسيم يواجه بسلاح الكلمة المبدعة الشفافة فكر الإرهاب والتطرف الذي ابتليت به امتنا العربية.
غير ان الكتاب في بلادنا العربية، وأنا بينهم، يعانون من أزمات طاحنة بالنشر والتوزيع في ظل تحديات كثيرة فرضتها علينا جميعا حضور الكتاب الرقمي، بجانب ازمة التلقي العربي بفعل انخفاض المقروئية بفعل تأثيرات ثورات الربيع العربي وما تبعها من صراعات طائفية ومذهبية وسياسية ومحاولات تقسيم وتجويع الشعوب، وهو ما أدي بالطبع الي تراجع التلقي الإبداعي والفكري لصالح الصراعات السياسية والحروب في المنطقة التي تبحث شعوبها عن الأمان وتوفير رغيف الخبز.

واقع مرير
للأسف فان المشهد الثقافي العربي اليوم يعد في أدنى مستوياته نتيجة غياب الاهتمام بالثقافة والابداع، وذلك مقارنة بما كانت عليه في الازمنة القديمة. ففي العصور القديمة أنجزت منطقتنا العربية حضارات لا تزال أثارها خالدة باقية حتى اليوم، فعرفت صناعة النشر بمصر القديمة وفي العراق والشام، بينما عرف المسلمون صناعة النشر المعروفة باسم "الوراقة" منتصف القرن الثاني الهجري في الدولة العباسية واستمرت لمدة خمسة قرون معتمدة على أسس ثلاث هي ، التدوين والترجمة والتأليف.
ومما يدل على ازدهار صناعة النشر (الوراقة) ان عدد المجلدات التي نشرت في الفترة بين القرن الثاني والثالث عشر الهجري بنحو خمسين مليون نسخة، إلا أنه لم يصلنا منها إلا نحو خمسة ملايين فقط، وانهارت صناعة النشر عند المسلمين باجتياح المغول والتتار، لشرقي العالم الإسلامي وسقوط بغداد سنة 656 هجرية.

تجربة ومعاناة
شاءت الاقدار الإلهية ان أكون ممن يشتغلون بالكتاب والتأليف الادبي، ومن ثم فإنني قد مررت بظروف شديدة الصعوبة في بداياتى ككاتبة بدات في سن صغيرة جدا وغير معروفة في اوساط الناشرين، وكلنا يعرف ان العالم العربي عامة يعاني من غياب تبني المواهب الأدبية، لكن اصراري على نشر اعمالي من أجل ن ترى اعمالي النور بما يحفزني على مواصلة رحلة الابداع ادخلني وقتها في دوامات لازلت اذكر تفاصيلها بحرقه حيث كنت اعمل بشكل انفرادي بلا شللية ولا اَي دعم مؤسسي او حكومي وهذا صعب جدا خاصة فيما يخص اعمال الاطفال و اعتقد الكتاب يفهمون ما اعزي اليه ، ناهيك عن أزمات سبل توزيع الكتب بشكل يحقق للكاتب ما يستحقه من مكانة أدبية تقديرا لجهده وفكره على الأقل و كلنا يعلم ان بعض الكتاب يشترون نسخ كتبهم ليقال انها باعت ٣٠٠ الف نسخة اما الكاتب الصادق فستأخذه الصعوبات للوصول الى ذلك في عالمنا العربي الذي لم يعد يقرأ كما كان في السابق .
الكتابة للطفل
لا ادري لماذا اخترت الطريق الصعب وهو الكتابة للأطفال ام ان الطريق هو الذي اختارني؟، لكن المحصلة النهائية هي ان شرعت للكتابة للاطفال دونما وجود رعاية من دور النشر ظللت اكافح لأثبت وجودي في هذا المجال لإيماني بدوره في تنمية النشء الصغير بأهمية القراءة وتنمية خياله وذوقه ووجدانه، وللأسف فان كاتب الأطفال يصطدم في عالمنا العربي بقلة المقروئية، فبحسب منظمة اليونيسكو فإن الطفل العربي يقرأ بمعدل سبع دقائق سنويا، خارج المنهج الدراسي، فيما يقرأ الطفل الأميركي ست دقائق يوميا.
فكتاب الأطفال لا يجدون من يروج لأعمالهم من ناحية كما انهم يفتقرون الى وجود نقاد متخصصين ينيرون الطريق ويعملون على تنميته واثرائه، بجانب ان الساحة الثقافية تتعامل مع كتاب الأطفال على انهم كتاب من الدرجة الثانية.
ولعله مما ساهم في تعقد الكتاب للأطفال وعزوف الأطفال عن قراءة كتبهم القصص المخصصة لهم رغم احتوائها على كافة عناصر الاثارة والتشويق والألوان والاسطورة والألعاب وغيرها، هو تأثرهم بالثقافة الإلكترونية والألعاب الاليكترونية المختلفة على الشبكة العنكبوتية وعلى أجهزة الهواتف المحمولة. اضافة الى ان الكثير من الاطفال في عالمنا العربي ودعوا طفولتهم و قفزوا الى عالم الكبار عبر مشاهدة برامج الكبار او حتى قراءة كتب الكبار و بعض الاطفال فقدوا طفولتهم بسبب الحروب و النزوح والظروف السيئة و لا ننسى ان بعض اطفال العائلات من الطبقة (العليا من الناحية المادية )فقدوا طفولتهم لأسباب تربوية و بيئية و كل هذا يصب في خانة تردي أدب الطفل بعلاقة طردية

وهنا لا سبيل للنهوض بثقافة الطفل والكتابة اليه بدون دعم المؤسسات الثقافية الإعلامية المتخصصة على توفر له أيضا حضورا كبيرا في المكتبات اسوة بكتب الكبار.

أزمات دور النشر
ورغم معناة الكتاب في نشر أعمالهم الا ان دور النشر نفسها باتت تعاني هي الأخرى من أزمات مالية طاحنة جعلتها غير قادرة على القيام بدورها الرئيسي في نشر الابداع مقارنة بالماضي بسبب عمليات قرصنة الكتب مما يؤثر على إيرادات دور النشر.
ولعلي أدعو في هذا الصدد الى ضرورة التوصل الى آلية قانونية عربية توفر سبلا عملية لملاحقة قراصنة الكتب وتغليظ العقوبات القانونية بحقهم، وانني لأدعو الحكومات العربية ورجال الاعمال بتخصيص جزء مهم من استثماراتهم في بناء الانسان العربي عبر دعم مشروعات الابداع والفكر بما يساعد المؤلف على مواصلة رحلته في الابداع.
فرغم اتساع حقول النشر، الا ان المبدع العربي يواجه تحديات مستمرة، خاصة بين الجيل الجديد من الشباب المهتم بالمعرفة عبر البحث على الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعله يعزف عن الكتب المطبوعة، الامر الذي أصاب المبدعين وكل العاملين في حقل النشر بخسائر فادحة.
وفي تقديري ان الحكومات العربية مطالبة بالاهتمام بأصحاب العلم والفكر والادب مثلما كان يفعل الخليفة المأمون، حين يعطي قيمة الكتاب ذهبا فكثر عدد المبدعين في تلك الأيام، أما الآن فالاهتمام منصب على محترفي كرة القدم والمواهب الغنائية والتمثيلية فقط.
كما ان المؤسسات الثقافية الرسمية في بلادنا العربية تعاني من النقص الحاد في تمويل المشروعات الثقافية ودعم الكتاب والمساهمة في نشر ابداعهم مقارنة بنظيراتها في العالم المتقدم.