الأربعاء، 25 يوليو 2018

التفكك الأسري و المجتمع

الأنانية وغلبة مزاجية الطاووس على النفس البشرية تدمر أسمى ما في العلاقات الإنسانية من وشائج وميثاق غليظ خاصة في العلاقات الزوجية التي تنهار بفعل انانية أحد طرفي معادلتها وشراكتها وانتصارأ لهوى النفس ورغبتها في ان تكون لها الغلبة والسيطرة على حساب سلامة الأسرة وأمنها الاجتماعي والنفسي والنتيجة الحتمية هي التفكك الاسري.

ان زماننا المعاصر يشهد ارتفاعا غير مسبوق في نسب الطلاق - الغير مبرر- في الدول العربية وما يستتبعه من كوارث التفكك الاسري وتدمير الصغار او تشردهم. نسبة ٧٠٪؜ طلاق تستدعي التساؤل عن الأسباب هل اصبح ٧٠٪؜ من الناس سيئين و لا يُطاق العيش معهم ام اصبح ٧٠٪؜ من الناس قليلي الصبر و التحمل سريعي الانفعال و اتخاذ القرارات، ام ان طرق الزواج و اختيار الشريكين لبعضهم البعض اختلف عما قبل عندما كان الاختيار مبني على الود و الرحمه و التفاهم ، بينما حاليا يتم الاختيار وفقا لمصالح مشتركة و معايير مادية و احيانا تعصب و عنصرية تفرض الزواج من الاقارب او جنسية معينه حتى لو لم يتم التفاهم و التواد و التوافق بين الزوجين 

كل ما ذكرت من اسباب أدت للطلاق هي بالأساس باب من أبواب التفكك الاسري لدي قناعة بأنه ليس بالضرورة المسئولية تقع على الرجل -كما تدعي بعض النساء- فهناك ايضا سيدات صعبات المراس كئيبات المزاج ، غير لطيفات المعشر يعشقن النكد و التسلط و الشك و يمارسن هواياتهم بالقال و القيل و يظلمن الزوج و اهله فيصبح الطلاق هنا حل مشروع للفرار ، بعد محاولات إيجاد حلول و تواصل و تفاهم باءت بالفشل .

وأرى انه كما الطلاق سيء، فان الحياة مع هكذا نماذج اسوء ، لان الأضرار بالنفس و تعذيبها حرام و الحياة لا تقف عند غلطة يمكن تصحيحها ، فأنا ضد الطلاق لاسباب ليست جوهرية ، و ضد الاستمرار في الحياة الزوجية رغم عمق المشاكل ، فالزواج يجب ان يقوم على روابط قوية من ضمنها السعادة و العيش بكرامة .

ان المجتمعات العربية في الأزمنة السابقة ، تمسكت بالمؤسسة الزوجية حفاظا على سلامة الاسرة والمجتمع ككل من التشظي والانقسام، وان كانت هذه المحافظة تحققت على حساب حقوق المرأة وحريتها وكرامتها وعزتها، وعندما نالت المرأة في العصر الحديث حظا اكبر من التعلم واكتسبت المزيد من خبرات الحياة وفهم معطيات وتحديات حاضرها، فانها لم تعد قادرة على تحمل ما كانت تتحمله اسلافها في الماضي من صبر على انانية الزوج واهتمامه بنفسه على حساب مسئوليات أسرته.

كما ان بعض الرجال مازالوا عند محطات اسلافه القدامى لم يغادروها متصورين ان كل ما يفعله من باب ان الذكر يحق له كل شيء سيكون كما كان بالسابق مقبولا بالاكراه لدى بعض النساء اللواتي لم يحظين بفرص التعليم و الوظيفه والاعتماد على النفس او على الأقل الاعتماد على أسرة تحترم كرامة المراة و تستقبل بناتها عند اللزوم. 

والخلاصة انه في حالات عدم تفاهم الازواج و توافقهم فان طرفي المعادلة داخل المؤسسة الزوجية لا ينظر الا لهواه الشخصي وحقوقه ومكتسباته الشخصية بمعزل عن حقوق الطرف الاخر وايضاً الأبناء في حياة مستقرة آمنة تحت جناحي الأبوين او تفريق باحسان وبالتراضي بين الأطراف على طرق رعاية الصغار وتوفير رعاية كاملة لهم في بيت الام او بيت الجدات في بيئة حاضنة آمنة ومستقرة نسبيا تعوضهم فقدان مظلة الأبوين.

غير ان الأبناء ضحية انفصال الابوين في ألفيتنا الثالثة يعانون الأمرين لان مفهوم الجدة الحاضنة قد تقلص بشكل كبير، فقد تكون الجدة في محافظة بعيدة عن عمل الام او الاب، بينما الأم تتولى رعاية أبنائها في الوقت الذي هي فيه مشغولة بعملها في الخارج، او العكس عندما تؤول حضانة الصغار للأب فانه يكون مشغول بعمله كما لم يعتاد الرجل في مجتماعاتنا الاهتمام بالاطفال سواء عمدا او دون قصد ، فالأطفال الضحايا حيث يفتقدون لحقوقهم في الحاجة للاحتضان والرعاية النفسية الكافية لتنشئتهم اجتماعيا بشكل سوي.

وقد يتعرض هؤلاء الصغار لصنوف عديدة من العنف الابوي او المجتمعي فيتحولون مع الوقت الى قنابل اجتماعية موقوتة تنفجر في وجه المجتمع بأسره في شكل سلوك اجرامي عنيف كنتيجة حتمية لما لاقوه من قسوة وتصدع اسري، خاصة عندما يحاول الأب الانتقام من الأم او العكس او يسعى احدهم لحرمان الاطفال من الام او الاب فتتحول حياة الصغار الى جحيم.

عوامل أخرى للتفكك

غير ان التفكك الاسري في زماننا المعاصر قد ساهم في انتشاره وتوسعه عوامل عديدة ومنها هجرة الاب للعمل خارج وطنه فيفقد الأبناء الإحساس بالأمان والاستقرار، ومنها انتشار الحروب في منطقتنا العربية وفقدان الأب بالموت خلال هذه الحروب او اثناء التهجير، ومنها انشغال الابوين اما بالعمل او الاصدقاء والتحرر بعيدا عن مؤسسة الاسرة الحاكم بضوابطها الاجتماعية، ناهيك عن انتشار الازمات المالية التي تهدم الكثير من الاسر نتيجة عدم التوصل لحلول عملية لها في ظل اختناق المنطقة اقتصاديا بفعل الحروب وعدم الاستقرار الاقتصادي.
ويلعب صراع الأدوار بين الابوين ولمن تكن له السطوة على المؤسسة الاسرية دورا كبيرا في تفشي ظاهرة التفكك الاسري، حيث يتنافس كلا الابوين على قيادة السفينه وما يولده ذلك من مشكلات تولد غضبا جما وعصبية وتوتر تؤثر سلبا على الأبناء، وهذا ما يدخل في نطاق التفكك الأسري المعنوي، حيث ينطبق على الأسر التي تعيش تحت سقف واحد، لكن أفرادها يعانون من غياب جسور التواصل فيما بينهم .

ولاشك أيضا ان ثورة تكنولوجيا الاتصال والعالم الافتراضي الذي صنعه لنا الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قد جعلت الافراد داخل المؤسسة الاسرية بعيدون عن بعضهم نفسيا وروحيا في ظل انشغالهم لساعات طويلة ينسى كل واحد فيهم مسؤولياته وواجباته تجاه الاسرة.

آثار وخيمة
لاشك ان الجو العائلي المشحون بالتفكك الأسري سواء بالطلاق او التقصير او الهجرة او الخلافات الاسرية وغيرها تسبب في آثار اجتماعية ونفسية وخيمة على فلذات الاكباد الصغار الذين يتقلص شعورهم بالأمان والاستقرار داخل الأسرة والمجتمع معا، وقد يؤدي ذلك أيضا الى تراجع منظومة القيم الأخلاقية لديهم ليصبح أي سلوك اجرامي أمرا مشروعا من وجهة نظرهم.
كما يؤدي انعدام شعور هؤلاء الأطفال بالأمان الى اصابتهم باضطراب وقلق دائمين ونزوعهم للعنف والعدوان نتيجة غياب احد الأبوين، او المشاكل المتكرره بين الأبوين وقد يتحولون بسهولة الى أطفال شوارع، وهو ما أكدته الدراسات العلمية المتخصصة في هذا الشأن، حيث أثبتت هذه الدراسات وجود علاقة وثيقة بين تشرد الأطفال والتفكك الأسري، وأوضحت أن أغلب الأطفال الذين كان مصيرهم الشارع، كانوا في الأساس يعانون من التفكك الأُسري.
فالتفكك الأسري يصيب افرادها بالإحباط واليأس، مما يخلق لديهم شعور بالنقمة على المجتمع ويطلق مدافع انتقاده وسهام اللوم الجارح بحق المجتمع، بل ان الازمة تتطور لديهم بالتمرد على كل القيم الاجتماعية من حب ومودة واحترام وتعاون ومساعدة للآخرين .

الوعي والانقاذ
ان التفكك الاسري بمثابة خنجرا مسموما في قلب المجتمعات فهو سلاح فتاك لتدمير المجتمع التي تشكل الأسرة احدى نواتها الأساسية، ولذلك فان المجتمع لابد وان يعي خطورة هذا الخنجر المسموم ويسعى لاستخراجه وبحث سبل العلاج من امراضه.

وفي تصوري ان الوعي الثقافي والمجتمعي يشكل ركيزة أساسية لتجنب وقوع هذه الظاهرة المؤسفة، وهذا الوعي لابد وان يتشكل لدى الابوين قبل إتمام زفافهما وتكوينهما لعش الزوجية، فكلاهما لابد وان يتسلح بثقافة الاسرة المستقرة ومقومات نجاحها وبقائها وهذا في تقديري أيضا مرهون بتخلي اطراف المؤسسة الزوجية عن العناد والانانية والتشبه بإبليس في غواية النفس والانتصار لرغبتها الجامحة في السيطرة والقهر، وعليهم بالتخلي عن الانانية والتمسك بقيم الصبر واعلاء شأن الحوار والتفاهم من اجل الحفاظ على المؤسسة الأسرية.
واتصور اننا بحاجة لاعلاء قيمنا الروحية والدينية التي تنتصر لمؤسسة الاسرة وضرورة الحفاظ عليها من الانهيار من خلال تعلم فنون التعامل بالحسنى، والتغاضي عن عيوب الاخر وسعي الابوين بإخلاص لتقوية العلاقة بينهما بعيدا عن العنف، والتواصل مع الأبناء والحوار معهم واسباغ الحنان عليهم وحل مشاكلهم.
وتقع على المجتمع بمؤسساته التثقيفية والتعليمية والتربوية والإعلامية والدينية مسئوليات كبيرة في التوعية بأهمية الاسرة في حياتنا والحفاظ عليها حفاظا على العقد الاجتماعي الثمين حتي لا تنفرط حبات لآئلئه الثمينة هباء في الأرض.
وانني أدعو الاعلام بكل وسائطه ان يقوم بالدور الأكبر في مهمة تثقيف الأسرة والمجتمع عبر البرامج التربوية والاجتماعية والدينية، كما ان الاعلام مطالب بالقيام بدور فاعل لنشر الوعي بضرورة الترابط الأسري والتربية الصحيحة من خلال الدورات المجانية والبرامج التلفزيونية.

الجمعة، 13 يوليو 2018

الحروب و النزاعات و نقص الغذاء و المجاعات

تواجه شعوب العالم تزايد مطرد في تعداد السكان يقابله نقصًا في الموارد الغذائية ما أدى لارتفاع أسعارها بينما تزيد الصراعات والحروب خاصة في منطقة الشرق الأوسط من أزمة الغذاء بل و حدوث مجاعات مفزعة قد تفضي الى الموت.

قد تزايدت مخاطر المجاعة في السنوات الأخيرة حيث تجاوز عدد ضحايا الجوع كل عام ضحايا أمراض الإيدز والملاريا والسل مجتمعه، ناهيك عما يخلفه من أمراض وعرقلة النمو المعرفي ويعوق التقدم الحضاري، كما أنه قد يؤدي حدوث خلل في التوازن الاجتماعي عبر اللجوء الى الهجرة.

ولم تعد ندرة المياه وأزمة التصحر في مناطق مختلفة من العالم هي المسببات الرئيسية لانتشار الفاقة والمجاعات، بل ان الحروب الطاحنة التي تمر بها دول الشرق الأوسط وفي القلب منها منطقتنا العربية من أكثر مناطق العالم تعرضا لمشكلات نقص الغذاء والمجاعة رغم ان كثيرا من الدول العربية تهدر الكثير من الطعام في المناسبات الاجتماعية المختلفة، وبعضها يهدره نتيجة سوء نقل وتخزين والمحاصيل الزراعية.

وان كانت هناك العديد من العوامل الأخرى التي تدخل في ازمة نقص الغذاء وحدوث المجاعات ومنها الجفاف والفيضانات والسيول وانتشار الأوبئة في المحاصيل الزراعية، وسوء إدارة وتنظيم الموارد البشرية.

الأزمة كما رصدها الخبراء تكمن في المعاناة المتوقع ان تعيشها شعوب العالم بسبب ندرة الغذاء خلال السنوات المقبلة نتيجة زيادة عدد السكان البالغ 7.4 بليون نسمة ومن المتوقع أن يصل إلى 9 بلايين نسمة في العام 2050 وفي نهاية المطاف إلى 11 بليون نسمة في العام 2100.

كما تشير الإحصائيات أن فردًا من كل تسعة أفراد في الوقت الحالي لا يحصل على الغذاء الكافي للعيش بطريقة صحية ونشطة، وتشير أيضًا أن سوء التغذية يتسبب في وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل كل عام ويعيق نمو طفل واحد من كل أربعة أطفال.

ومع استمرار الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة والتي بدأت منذ عام 2008، فان أسعار الغذاء أخذة في الزيادة التي لا تقدر عليها الكثير من البلدان العربية التي عانت ولا تزال من الحروب والصراعات كاليمن وسوريا والعراق، إلى جانب دول عربية اخري تعتمد في توفير امدادها من الغذاء على الاستيراد .

بينما تقع دول الخليج في بيئة صحرواية وتعتمد في غذائها على الاستيراد من الخارج، ولكن في حالة نشوب أي صراع أو حرب عالمية، فلا أحد يستطيع التكهن بالكوارث الناتجة عن امدادات الغذاء لشعوب الخليج ورغم توافر السيولة المالية لديها فقد لا تستطيع توفير الامن الغذائي لسكانها

نتائج خطيرة
رصدت التقارير الدولية حقيقة ان سوء التغذية مسئول عن ما يقرب من 45% من حالات الوفيات للأطفال دون سن الخامسة أي حوالي 3.2 مليون حالة وفاة سنوياً، وهناك حوالي 795 مليون شخص حول العالم يعانون من سوء التغذية أي واحد من كل تسعة أشخاص في العالم ويعد النسبة الأكبر منهم من سكان الدول النامية.

ان الدراسات والبرامج الإنمائية التابعه للمنظمات الدولية المختلفة والتي تتناول قضايا المجاعات كانت تركز على دول ربما إعتدنا على إنتشار المجاعات بها، لا سيما أنها تفتقر للموارد الإقتصادية وتعرضها للأخطار الناتجة عن التغيرات المناخية مثل أثيوبيا وكينيا والصومال حيث أن هناك حوالي 12 مليون شخص يعانون من خطر المجاعات في تلك الدول، ولكن في الوقت الراهن تعاني عدد من دول المنطقة العربية من انتشار الأزمات الإنسانية على نطاق واسع في مقدمتهم الدول التي مرت بأحداث ما يسمى الربيع العربي.

النزاعات ونقص التغذية
طبقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) الصادر العام الجاري 2018 ، فإن النزاعات تسببت في زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأدنى.
التقرير نفسه كشف عن 28% من سكان البلدان التي تشهد نزاعات في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا يعانون من نقص التغذية، وهي نسبة تزيد ست مرات عن النسبة في البلدان التي لا تشهد نزاعات في المنطقة.
وبينما لفت المدير العام للفاو، الى أنه في عام 2016، كان هناك حوالي 66 مليون شخص مشرد قسرياً في العالم، ينحدر حوالي 25 مليون منهم من خمس دول فقط تشهد نزاعات في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.
والطامة الكبرى انه بدلا من ان تتجه الحكومات لعلاج ازمة نقص الغذاء بتطوير أنظمة الري التي تعتمد على موارد مالية أقل او احدث أنظمة المتطورة في الزراعة التي من شانها زيادة إنتاجية المحصول ، فإنها تتسارع في زيادة الانفاق علي التسليح لمواجهة ما تشهده من نزاعات داخلية وحروب مما يزيد من معاناة الجوعى .

وتشتد معاناة الجوعي من اثر الحروب في اليمن خلال السنوات الأربع الماضية ، وبحسب تقديرات هيئة الأمم المتحده فان عدد سكان اليمن يبلغ حوالي 26 مليون نسمة منهم 19 مليون غير قادرين علي إطعام أنفسهم وتفاقمت حالات الوفاة للإطفال نتيجة سوء التغذية بمعدل طفل واحد كل عشر دقائق وهو أمر مفزع، ووفقاً لتقديرات الهيئة فإن حجم الموارد المالية اللازمة للتصدي لمشكلة المجاعة في اليمن تقدر بــ 2.1 مليار دولار، وبذلك أظهر تقييم الأمم المتحدة وعدة منظمات إنسانية حقوقية أن الوضع في المناطق المتضررة سيزداد سوءً مع مرور الوقت خاصة وأن هناك حوالي 19 محافظة يمنية من بين محافظاتها الـ22، تواجه انعداما حادا في الأمن الغذائي وبالتالي يمكن إعتبار اليمن دولة مجاعات بشكل رسمي.

وتمتد مأساة نقص الغذاء والجوع للوطن السوري ، ، حيث تشير تقديرات منظمة (الفاو) فهناك حوالي 13.5مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ويصل عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء إلى نحو 8.7 مليون شخص أي حوالي نصف عدد السكان الذين لم يغادروا سوريا والأعداد في إزدياد.

ولا تختلف أوضاع هذه البلاد عن الوطن العراقي الذي يعيش أجواء من شأنها ان تخلق المجاعة ، وهو ما أكده برنامج الغذاء العالمي فى تقريره مع الحكومة العراقية الذى صدر فى 10 ابريل 2017 أن أكثر من نصف الأسر العراقية معرضة للجوع نتيجة للصدمات التى تعرضت لها وعلى رأسها زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية؛ حيث أن نسبة العراقيين الذين يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي

حوالى 2.5 %, ونحو 53 % من السكان و66 % من المشردين داخلياً هم عرضة للمجاعات. وتتركز مناطق انعدام الأمن الغذائي في الجزء الجنوبي من البلاد.
ناهيك عن ازمة المجاعة لمتفاقمة منذ سنوات في الصومال ، حيث يعاني نحو 40% من سكانها يعانون من خطر المجاعات بسبب الجفاف الناتج عن ندرة الأمطار، مما أدي وفاة 260 ألف شخص وفي إبريل 2012 في عام 2011 في وصل عدد من يعانون من سوء التغذية إلي 258 ألف شخص وإزدادت الأزمة في جنوب الصومال بسبب منع دخول المساعدات الإنسانية لديها من قبل حركة الشباب المتطرفة.

ولاشك ان ازمة نقص الغذاء والمجاعات بجانب استمرار هدر الطعام في العالم وخاصة دول منطقة الشرق الأوسط يتطلب تكاتف وتعاون حكوماتها في وضع خطط استراتيجية لتوفير
الغذاء لشعوب المنطقة عبر تطوير الأبحاث والدرسات الزراعية لزيادة الإنتاج وفق موارد أقل ، والعاون أيضا فيما بينها في تحقيق التكامل الغذائي ، مع ضرورة العمل بكل السبل النزاعات والحروب الداخلية التي أتت علي الأخضر واليابس واحدثت المجاعة .

الأربعاء، 4 يوليو 2018

ثقافة الاستهلاك و ازماتنا الاقتصادية

يعيش العالم العربي أزمات اقتصادية خانقة بفعل تأثيرات ما شهدته السنوات الماضية من أتون حروب وصراعات سياسية وعسكرية لا يزال بعضها مستمرا في اليمن وليبيا وسوريا.
استمرار هذه الحروب والصراعات قد يرتبط بمخططات خارجية لتفتيت هذه الدول محل النزاع والاستفادة مما تبقي من ثرواتها الطبيعية، لكنه في المقابل أدى إلى خنق الاقتصاديات في باقي الدول العربية شبه المستقرة سياسيا.

غير ان الدول العربية وشعوبها لم تنتبه الي تأثير هذه النزاعات والحروب علي اقتصاداتها، ولم تقم بأية محاولات للحفاظ على مقوماتها الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية حتي وجدت نفسها في مأزق اضطرت فيه إلى الغاء الدعم واللجوء لفرض الضرائب والرسوم لجلب الايرادات اللازمة للانفاق الحكومي على البنيات الأساسية للدولة من تعليم وصحة وأمن وغيرها.
فجأة شعر المواطن العربي بان الحكومات العربية تخنقه وتحاصره بالضرائب ورفع أسعار المحروقات والغلاء الفاحش، دون ان تنتبه هذه الشعوب وحكوماتها إلى الخطر الأكبر والمستفحل في المجتمعات العربية والعالمية ممثلة في سعار ثقافة الاستهلاك التي غرس بذور فتنتها الرأسمالية العالمية والعولمة الامريكية.

فهذه الرأسمالية قد غذت النزعة الاستهلاكية لدى شعوب العالم وبثت فيها غرائز الترفيه بكل وسيلة مستخدمة في ذلك حاجة الناس إلى التواصل الاجتماعي والانفتاح على الاخر ومحاكاة تجارب الشعوب والتلذذ بكل ما هو جديد، فتحول انسان هذا العصر منذ تسعينيات القرن الماضي إلى كائن مستهلك لكل شيء في الأرض والفضاء ، مستهلك للزراعة والصناعة والاعلام والفنون وغيرها.
اتجه انسان العصر بفعل الرأسمالية المتوحشة إلى التملك واستخدام اكبر عدد من السلع والخدمات بعد ان غرست فيه قيم مادية جعلته يربط سعادته ونجاحه بهذا الامتلاك والافراط في استخدام السلع والخدمات، وصار كثرة امتلاك السيارات الفارهة وتجديد موديلاتها وتجديد الأجهزة الكهربائية والتكنولوجية مظهرا للعصرية والتقدم ومظهرا للتفاخر الاجتماعي وبرهانا على النجاح والمكانة الاجتماعية بين الاقران في المجتمع.

وهكذا انحصرت السعادة في الماديات الترفية والقيم الاستهلاكية بينما اشتكت الطبيعة من الضغط البشري علي هوائها وسمائها وارضها، وصرخت من استنزاف ثرواتها فعبرت عن ذلك بثقب الأوزون بالعواصف والزلازل والباركين وارتفاع درجة حرارتها نتيجة تلوثها وتغير المناخ المنذر بالمزيد من الكوارث.
هذه الكوارث حذر منه تقرير حالة الأرض 2010 State of the World الصادر عن مؤسسة مرصد الأرض World Watch Institute بواشنطن، والذي أعده أكثر من ستين عالماً ومفكراً، يبين بالأدلة العلمية أن النظام العالمي الحالي القائم على الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية غير قابل للاستمرار وأنه سيؤدي إلى كوارث مدمرة، داعيا لضرورة التحول من ثقافة الاستهلاك الي ثقافة الاستدامة.

ثقافة الاستهلاك
وقد تفاعل المفهوم الاستهلاكي المفرط مع عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية حتى صار ثقافة يومية معاشة نمارسها كشيء طبيعي كما نشرب الماء ونتنفس الهواء، كما صار جزءا رئيسيا من اقتصاديات الدول وركائزها السياسية معتمدا في ذلك على دور الاعلام في بث ثقافة الاستهلاك عبر إعادة تشكيل وعي جماهيره العريضة شرقا وغربا بحاجاته المتجددة للتغيير والتحديث.
فقد غذت الرأسمالية مفهوم الحاجة المستمرة لانسان العصر، والنزوع المتجدد للاستهلاك وخلقت بداخله الدوافع لاشباع الاحتياجات الكثيرة التي لا تنتهي حتى بات الاستهلاك عنصرا رئيسيا في منظومة حياتنا اليومية.
فلا غرابة امام عبقرية الرأسمالية المتوحشة ان تستثمر كل مناسبة في حياة الانسان لتحولها الي سلعة وتجارة موظفة قدراتها علي الضغط بالميديا والاعلان الجذاب، مثل الأعياد الدينية وأعياد الميلاد وطقوس الزواج والانجاب ومواسم الربيع، واستحدثت المهرجانات للاحتفال بالطبيعية واستحدثت كوسام دخول المدراس والاجازات الصيفية وغيرها لشراء المزيد من السلع والحصول علي كل خدمات الترفيه والتسلية.
وللأسف فان العولمة الاقتصادية، قد حولت كل الكماليات في حياتنا الي ضروريات ولكي يحظى الانسان بالمزيد من المال لإشباع هذه الكماليات فقد اضطر للعمل ساعات اكبر وجهد مضاعف علي حساب صحته وراحته النفسية والعصبية لتوفير نفقات هذه الكماليات وتغطية نفقات هذه الثقافة الاستهلاكية.

تطوير واستنزاف
لا يكف المنتجون والمصنعون عن تطوير منتجاتهم بإضافة بعض التعديلات عليها، وتدور حلقة جديدة من ماكينات الداعية للمنتج المطور والجديد، ولا تكف أيضا المجتمعات الاستهلاكية عن مواكبة التحديث وشراء السلع المطورة علما بأن المنتج نفسه في صورته القديمة لا يزال يعمل بكفاءة عالية.
فما ان يظهر موديل لأحد ماركات السيارات حتي يسارع البعض بشرائه رغم انه يركب سيارة موديل العام الفائت، وما ان نشتري هاتف خلوي من احدث الموديلات حتي يظهر تحديث له في موديل جديد حتي نسارع أيضا بشرائه بفعل تفنن أساليب الدعاية بمميزاته وخصائصه، وهوما يسري كافة السلع والخدمات التي لا نكف عن شرائها ربما في أكثر الأوقات لا نحتاج اليها فعليا سوي للهاث وراء كل جديد والتباهي في المجتمع بين الاقران.

تأصيل النزعة
أرجع الباحثون في علوم الاجتماع والاقتصاد جذور الثقافة الاستهلاكية إلى أوربا في القرن السابع عشر حين توسع إنتاج السلع نوعاً وكماً، وبدأ البحث عن أسواق جديدة لفوائض الإنتاج، ومع بداية القرن العشرين صار الاستهلاك جزءاً مهما في تحقيق المكاسب والثروات للشركات والحكومات، وساهمت المخترعات الجديدة في مجال التكنولوجيا والاتصالات كالتلفزيون والإنترنت في النصف الثاني من القرن على نشر هذه الثقافة في جميع أنحاء الكوكب الأرضي.

ونظرت الحكومات الاوربية في أربعينيات القرن الماضي الي الاستهلاك بوصفه محرك رئيسي في تحقيق النمو الاقتصادي، فاتجهت الولايات المتحدة الأمريكية عقب خروجها من الحرب العالمية وكسادها التجاري والاقتصادي الي رفع سقف الإنتاج لتعويض الخسائر وتعظيم الاستهلاك فحولت عملية بيع وشراء المنتجات إلى طقس مقدس، ونشرت قيم الثقافة الاستهلاك وغزت بها العالم.
ففن الدعاية الأمريكية نجح في اختراق عقوق ووجدان البشر وسيطرت به علي حركة التجارة العالمية ونشأت التجارة عابرة القارات عبر عولمة زادت فيها الدول الكبرى ثراءا ونفوذا سياسيا واقتصاديا بفعل كثرة انتاجها بينما تحول باقي سكان العالم الي مجرد مستهلك لما تنتجه الدول الكبرى، وخرجت شعوبها من دائرة الإنتاج الي دائرة التلقي والاستيراد والاستهلاك.

وصار انسان هذا العصر أمام وحش الدعاية في هذه القرية الكونية ضحية الاغواء بالسلع وفق نظرية الالحاح حتي يخضع الزبون لتأثيرات المنتج عاطفيا وسلوكيا، وصدق الأثر الشعبي القائل ' الزن علي الودان أمر من السحر ' هكاذ يفعل أساطين الدعاية في ممارسة التأثير بالإغواء علي الجماهير حتي يقبلوا علي شراء سلعهم التي لا تنتهي بخلق حالة من الشغف بالسلع وإقامة مهرجانات للتسوق شهيرة في العالم ليصبح التسوق وفنونه رمزا من رموز العصر لا يمكن تجاهله، لكنه في النهاية يخلق مزيد من النزعة الاستهلاكية بعد اشعار الانسان بجوعه وحاجته الضرورية لاشباع هذه الجوع بتملك السلعة ليحقق من وراء ذلك أيضا اشباعا موازيا لحاجة الفرد الي تعزيز مكانته الاجتماعية التي يصنعها لنفسه بهذا التملك ونظرة المجتمع اليه بقدرته علي منافسة الاخرين في اقتنائها حتي ولو اقترض من البنوك لتحقيق هذا الهدف الاستهلاكي الاجتماعي.

أزمة التلقي
لاشك ان مفهوم السوق الحر الذي اعتمدته العولمة الاقتصادية حققت ثروات هائلة للدول الكبرى والشركات متعدية الجنسيات التي سيطرت بسلعها ومنتوجاتها علي السوق العالمي بينما أثرت سلبا علي الدول التي تعتمد علي الاستيراد، وهذا يعني ان هذه الدول ومنها عالمنا العربي قد توقفت فيها حركة التطور الصناعي والتجاري ولم تستطع مجاراة العصر في تحدياته التكنولوجية ومنجزاته العلمية والاقتصادية، ناهيك عن تأثير ذلك علي معدلات النمو الاقتصادي ببلدان العالم النامي ومنه منطقتنا العربية التي تقلص انتاجها وأصابته نيران البطالة في صفوف شبابها فتهاوت ميزانياتها واحتاجات للقروض الخارجية لتمول النقص في عجز ميزانياتها.

التأثير الاجتماعي
للأسف الشديد فان ثقافة الاستهلاك اثرت تأثيرات سلبية خطيرة علي المجتمعات خاصة مجتمعاتنا العربية سواء علي الاقتصادي او الاجتماعي معا، حيث تسببت ثقافة الاستهلاك الي خفض معدلات الادخار ومن ثم تقليص مساهمات افراد المجتمع في تحقيق المشروعات التنموية مع حكوماتها، كما أدي ذلك الي تقلص حركة التجارة الداخلية نتيجة نقص السيولة النقدية بين افراد المجتمع.
ونجم عن انخفاض الدخل المادي عجز الكثير من الاسر عن الوفاء بالتزاماتها المعيشية واعبائها اليومية مما أدي تباعا الي تعميق الخلافات الاسرية وتعرض رب الاسرة الي الملاحقات الأمنية لعدم قدرته علي سداد مديوناته مما يؤدي لتشتت أفراد أسرته.
بل ان بعض الإباء قد هربوا من زوجاتهم وابنائهم لفشلهم في تغطية نفقات المعيشة، وانتشرت حالات الطلاق الناتجة عن هذه الازمات المالية في الكثير من البلدان العربية.
وخرجت العديد من الدراسات التي بحثت تأثيرات الافراط في الانفاق وانتشار ثقافة الاستهلاك وخلصن في مجملها الي ان ثقافة الاستهلاك قد أدت الي انتشار الجرائم سواء بين الطبقات الغنية او الفقيرة، في مصر تسببت ثقافة الاستهلاك وشراء الام للعديد من الأجهزة الغير ضرورية لتزويج ابنتها في دخول الالاف منهم أروقة السجون بتهمة عدم قدراتهن علي دفع المستحقات من الشيكات التي وقعن عليها وهو يطلق علهين باسم ' الغارمات ' وهو ما حدا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الي التكفل بسداد هذه المستحقات من صندوق تحيا مصر وإخراج هذه الأمهات الغارمات من السجون.
وحتي في البلدان العربية التي تمثل دخول الافراد فيها أعلي النسب عالميا مثل الامارات والسعودية وغيرهما، فان الكثير سكانها يعانون من الشراهة في الاستهلاك هو مرض العصر، ولم تفلح ارتفاع متوسطات رواتبهم في سد تنامي إشباع احتياجاتهم فلجأوا الي الشيكات البنكية لاستكمال دفع نفقات هذه الاحتياجات وعجز الكثيرون عن الوفاء بسداد هذه الشيكات فبرزت ظاهرة الشيكات المرتجعة في الخليج.

عجز الكوكب
كشفت الدراسات العلمية عن حقيقة ان الأغنياء مسؤولون عن جزء كبير من الاستهلاك وومن ثم فإن ضررهم البيئي أكبر بكثير. تذكر الدراسة أن 500 مليون شخص غني (أي 7% من سكان الأرض) مسؤولون عن إنتاج 50% من غازات ثاني أكسيد الكربون في العالم، في حين أن 3 بليون الأفقر ينتجون فقط 6%. وذلك بسبب استهلاك الأغنياء ي كميات أكبر من الكهرباء والطعام ويشترون المزيد من السلع الخدمات.
في الدول الغنية حيث الاستهلاك هو نمط الحياة السائد يعيش فقط 16% من سكان الأرض، فنسبة الأغنياء في العالم 16% من سكان الأرض واستهلاكهم يصل إلى 78%! من الاستهلاك العالمي، وتتصدرهم الولايات المتحدة بنسبة 32% من الاستهلاك العالمي رغم ان تعدادهم لا يتجاوز 5% من سكان الأرض.
اما الدول النامية تنظر إلى الدول المتقدمة على أنها مثال وقدوة وتحاول أن تحذو حذوها وتتبنى نمط معيشتها، وهنا فان الدراسة تحذر من انه لو أتيح لجميع سكان الأرض العيش بنفس نمط الحياة الأمريكي، فسنكون وقتها بحاجة إلى خمسة أو ستة من كواكب الأرض لكي نلبي احتياجاتهم، وذلك لأن كوكبنا سيكون عاجزاً عن تأمين الموارد الكافية لجميع سكانه.

تضامن انساني
في تصوري ان سكان الكرة الأرضية خاصة عالمنا العربي في ما يعيشه من حروب وازمات اقتصادية خانقة مطالبون الإسراع لإنقاذ كوكبنا من الإفلاس ومن تقلص ثرواته وخيراته عبر الترشيد في استخدام هذه الثروات.
وأن الحاجة هي أم الاختراع كما يقال في الأثر الإنجليزي، فاننا بحاجة التي تبني منهج علمي وعملي عالمي لنشر ثقافة الترشيد والاعتدال في كل شيء من مأكل وملبس وسلع وخدمات.
وانني لأدعو كبار مفكرينا ومثقفينا لوضع برامج لتكثيف الوعي بأهمية ضبط إيقاع الاستهلاك والتحذير من عواقبه السياسية والأمنية والاقتصادية، وان تتكاتف كل المؤسسات العربية ومنظماتها بجانب مؤسسات المجتمع المدني في عالمنا العربي وكذلك وسائط الاعلام بكل ادواتها المقروءة والمسموعة والمرئية في نشر الوعي بترشيد الاستهلاك وضغط النفقات وإبراز الازمات الاقتصادية التي تواجه مجتمعاتنا.

وأظن انه بإمكان الدول العربية ان تضع قوانين تضبط أساليب الدعاية والتي تكرس للاستهلاك، كما يمكن للدول العربية ان تضع ضوابط قانونية للبنوك حتي تقلص من القروض التي توفرها للمواطنين لشراء الكماليات غير الضرورية.

ولاشك اننا في أشد الحاجة الي إعادة الاعتماد علي انفسنا في انتاج محاصيلنا الزراعية والحيوانية، وإنتاج احتياجاتنا من السلع الضرورية دون التسرع باستيرادها من الخارج مهما كانت المغريات بانخفاض أسعارها عالميا قياسا علي الأسعار المحلية.

فلنرفع جميعا شعار الصناعة والإنتاج الوطني كرفعنا لعلم بلادنا شرفنا وعزنا وهنا سيجد شبابنا الاف الفرص من العمل ونقضي علي البطالة ونستعيد قوتنا وعافيتنا الاقتصادية والأمنية لان من لا يملك قوته لا يملك قراره ولا قوته.