الثلاثاء، 27 يونيو 2023

حبوا أولادكم واحترموا ذواتهم

 

حبوا أولادكم واحترموا ذواتهم


سارة طالب السهيل
26-06-2023 10:36 AM

ابنائكم غرس العمر إما أن ينمو ويروى بالحب، أو ان تفقدوه وتحولوه دون قصد الى شخصية مدمرة لنفسها والمجتمع اذا اسقطوا عليهم آلامكم واضطراباتكم الداخلية ومشاكلكم اليومية .

وبحسن نية يقع الاباء في فخاخ التركيز على الخطط التربوية الصارمة وبالنظم التعليمية الحديثة المكلفة جدا، دون الاهتمام بالجانب الاهم في التنشئة وهو تنمية مشاعر الصغار وتغذيتها بالحب، فغالبية الأسر لا يعرفون كيف يعلمون ابنائهم بأنهم محبوبيين لديهم، وأن وصحتهم النفسية أهم من تحصيلهم الدراسي، حتى وإن أخطأوا فإننا لا نكره ذواتهم وانما نكره سلوكهم الخاطئ .

آلاف الاطفال قد شبوا في محيط أسري مشحون بالغضب والفظاظة والعنف والقسوة التي لا يجد لها الطفل مبررا حتى يشعر مع الوقت انه شخص غير مرغوب فيه، وتتأكد هذه المشاعر عندما يترجم الابوان سلوكهما معه الى رفض لمعظم رغباته ويضيقان على فرص التسامح عند خطئه ويؤنبانه ويعاقبانه لأتفه الأسباب، مما يبعث بداخله مشاعر الخوف وانعدام الامن والسلام الداخلي.

قد يحرص الاباء على اشباع حاجات الطفل من طعام وشراب لكنهما يغفلان عن حاجته الاساسية للحب والعطف والحنان واحترامه وعدم تحقيره وتعزيز ثقته بنفسه، بينما يخطئ الآباء كثيرا عندما يربطون حبهم للطفل بما يحققه من نجاح فاذا فشل الطفل يشعر  بتناقص حبهما له .

فالطفل الذي يشعر بنقص الحب والحنان يفتقر الى احترام ذاته ويفشل عندما يكبر في اقامة علاقات اجتماعية سوية، بل انه قد ينجذب الى العلاقات المنحرفة والمؤذية، ويعجز عن اعطاء الحب لغيره لشعوره الداخلي بعدم الأمان وسيطرة مشاعر الشك فيمن حوله .

وهناك عوامل عديدة تسرب الى داخل الطفل انه غير مرغوب فيه ومنها ظروف الطفل الذي يضطر للعيش مع زوجة والده بعد انفصاله عن أمه، فهو يشعر بالعداء والكره تجاه زوجة والده .

وقد تتحمل الأم المطلقة مسئولية تربية اطفالها والانفاق عليهم فتعيش صراع داخلي بأنها تكبدت مسئولية فوق طاقتها وتؤدي دور الاب والام معا وانها عاجزة عن الوفاء بذلك، فتحبط كثيرا وتصب احباطاتها وانفعالاتها في صغارها لا شعوريا منها، فتقوم بتوبيخهم وضربهم بقسوة، واحيانا تحميلهم مسئولية اخفاقها في حياتها الخاصة دون ذنب منهم، فيشعر الصغار بعدم الامان .

وكثيرا ما يهرب الصغار الى الشوارع هربا من جحيم البيت وقسوته، وتمتلئ مؤسسات رعاية الطفولة بالمئات من الاطفال الأحداث الذين ألقي عليهم القبض بتهمة التشرد نتيجة القسوة التي يعاملون بها داخل أسرهم .

قد يلجأ الطفل إلى التخريب ومعاكسة والديه والتمرد على سلطتهما رغبة منه في معاقبتهما على عدم حبهما له أو قد يسقط هذا العقاب على ذاته على شكل سلوك مازوخي يقوده الى إيلام والديه مثل اهمال دروسه، وتعمد الفشل لادراكه بأن فشله سيغضب والديه ويؤلمهما، وهذا الشعور يعطيه صورة سلبية عن ذاته وقد يدفعه الى الانحراف .

كما قد يلجأ الطفل إلى الصمت، كرد فعل على ما يعانيه من إحباط وتجاهل وانعدام الشعور بالأمن والحب، خاصة اذا كان يعيش في بيئة قمعية، فالعدوانية او الصمت كلاهما انعكاس لفقدان الطفل للحب والعطف والحنان.

سلاحي الحب والاحترام لعلاج شعور الطفل بانه منبوذ او غير مرضي عنه، فعلى الوالدين الاسراع باظهار مشاعر احترام شخصية الطفل ويعاملانه بحب وعطف في جميع الحالات عندما يفشل وعندما ينجح و عندما يخطئ فحب الاهل غير مشروط، وهذا لا يعني ابدا عدم توجيهه وتعليمه وارشاده ونصحه وحتى تأديبه ولكن كل هذا بحب.

والمشكلة بنظر المعالجين النفسيين ليست في كيفية تربية اطفالنا؟، ولكنها تكمن في كيفية التعامل مع من نحبهم، فلا ينبغي التعامل مع ابنائنا على انهم أشخاص تابعين لأحد، بل انهم أشخاص مستقلين لهم حياتهم الخاصة الواجب احترامها طالما هذه الحياة طيبة و مستقيمة غير مؤذية له ولغيره من افراد المجتمع او افراد الاسرة .

فعلى الوالدين احترام شخصية الطفل ودعم سلوكياته الاخلاقية وقدراته واظهار مكانته داخل الاسرة، وعدم مؤاخذته على خطأ ارتكبه أو لإخفاقه في تحقيق نتيجة إيجابية حتى لا يشعر الطفل باحتقار ذاته، بل يجب أن نشعره بأن البشر كلهم معرضون للصواب والخطأ، وان التراجع عن الخطأ سهل وبعده يمكن تحقيق النجاح .

وبتقديري، ان تكريس طاعة الوالدين واحترامها في تربية الطفل دونما تخويف او تهديد، وانما تحصيل حاصل لاحترامهما وحبهما له ، فيكفي ان تشارك طفلك لحظة غضبه وتظهر له حبك فيرتاح نفسيا وتقل نوبة الغضب والاستياء .

كذلك مدح الطفل على أي سلوك جيد يجعل هذا السلوك متكرراً مستقبلاً، ومنحه المكافآت المادية من حلوى والعاب واصطحابه برحلة ترفيهية، فتأديب الطفل يجب ان ينطلق من قاعدة الحب الراسخة وجعل القدوة الحسنة للطفل بالافعال وليس الاقوال فمهما كررت الكلام امامه فالافعال أوقع واكثر تأثيرا .

كما اود ان أنوه ان الطفل في اشهره الاولى وسنواته الاولى لا يتوقع الا كامل الحب والحنان من والديه والإسراف في رعايته و الاهتمام به وتدليله تماما كما تفعل القطه الأم مع صغارها .

لا انكر ان التربية تبدأ من اليوم الاول في عمر الطفل وربما في بطن أمه ولكن ان لم يتغذى و يكتفي بكامل الحب و العطف في هذه المرحلة سينمو طفلا غير سويا على الإطلاق.

فبهذه المرحلة مازال الطفل يأخذ كل شي ولا يستطيع العطاء فلكل مرحلة طريقتها فإن كبر قليلا نعطيه الحب كاملا وننتظر منه تحمل بعض المسؤولية والواجب حسب عمره وتحمله.

ولا شك ان إغداق مشاعر الحب على الطفل خصوصاً في مرحلة الصبا ينمّي قدراته العقلية التخيلية لاستيعاب العالم من حوله وفهمه وادراك المفاهيم المعنية التي تمكنه من اقامة علاقات اجتماعية سوية بسهولة.

أخيرا ، فان أملنا في تربية أبنائنا تربية سوية تبقى مرهونة برعاية مشاعر الطفل وبنائها وتنميتها وتعويده على ترجمتها الى سلوكيات إيجابية تفيده وتفيد مجتمعه .

وهذا يتحقق عندما نحمي الطفل من الاذى والعنف وسوء المعاملة، أو الشعور بالذل والخضوع ، وغمر الطفل بمشاعر الحب والاحترام والتقدير والفخر به، واشعاره بالامان عند اخفاقه في عمل او تعرضه لمشكلة .

الخميس، 22 يونيو 2023

شمس الدراما الاردنية بين الماضي والحاضر

 

شمس الدراما الاردنية بين الماضي والحاضر


سارة طالب السهيل
21-06-2023 11:28 AM

سطعت شمس الدراما الاردنية سابقًا، وغزت البيوت العربية بنكهات فنية متميزة عكستها عبقرية في اختيار الموضوعات البدوية والتاريخية وتراثها القيمي والاخلاقي والفكري، وحبكتها و أداء ممثليها المتميز بجدارة وقدرة لفتت نظر متابعي الدراما العربية ، بجانب عبقرية الدراما الاجتماعية الكوميدية الممتعة واعمال الكرتون للاطفال، والتي لا تزال حية في ذاكرة الجمهور العربي والاردني على حد سواء .

لاصالتها ولتعبيرها عنا كشعوب شرق اوسطية بكافة مكوناتها فتهافتت المحطات العربية على هذه الاعمال ومن شدة نجاحها وجذبها للجماهير كان بعضها يعرض في أكثر من خمس محطات في فترة واحدة مثل سلسلة "حارة أبو عوّاد" الذي نجح في خلق شخصيات درامية مازال المجتمع الاردني الى هذا اليوم يتداول العبارات الشهيرة و المواقف المضحكة والطرائف فأبو عواد "نبيل المشيني" رحمة الله عليه قدم عبقرية فذة في مسلسل كتبه فؤاد الشوملي بعدة اجزاء كان اخرها عام ٢٠٠٨ بطابعها وقيمها العائلية بظلال فكاهية باللهجة الأردنية المحلية.

ونجح المسلسل بأبطاله "أم عواد "رشيدة الدجاني"و نجوحتي "عبير عيسى" و عواد "ربيع شهاب" و سمعة "موسى حجازين" و مرزوق "حسن ابراهيم "جميعهم ابدعوا في عمل مازال الجميع يتندر به.

واعطى الفن الأردني العديد من الاعمال الدرامية المبدعة مثل "العلم نور و المناهل وأم الكروم والسقاية وقرية بلا سقوف ونمر بن عدوان ورأس غليص وسلطانة و وضحا وبن عجلان وبقايا رماد"، وغيرها من الاعمال التي لا يمل الجمهور الاردني من تكرار مشاهدتها .

هذه الحقبة كشفت عن عبقرية كوكبة من المخرجين والفنانين والكتاب ، مثل المخرج سعود الفياض خليفات و المخرج صلاح ابو هنود ، و الفنان زهير النوباني الذي امتعنا عبر 120 عملا بالتنوع في تجسيد الشخصيات التاريخية والبدوية فهو سيد الدراما البدوية ، والشخصيات الشريرة والطيبة والفكاهية و بتقديري ان الفنان زهير النوباني لم يكن محليا بل طبع شكله و اسمه و اعماله في قلوب و ذاكرة الوطن العربي انطلاقا من اعمال أردنية و هذا يعني انه ساهم في نقل الدراما الاردنية الى الخارج.

و ابدع شرير الشاشة في كل ادواره و هو امر شبه مستحيلي عالم الفن الا ان الفنان زهير النوباني كسر القاعدة و ابدع في كل دور اداه بعبقرية لا تضاهيها موهبة اخرى و من اعماله بير الطي و جروح و السيف و امرؤ القيس و سلطانة و دعاة على ابواب جهنم و وضحا وابن عجلان و راس غليص عام ٢٠٠٦ وعام ١٩٧٦ والعلم نور والضمير العربي والظاهر بيبرس وسوق الألغاز غيرها الكثير من الاعمال.

ولا يزال الجمهور الاردني يحتفظ في ذاكرته بالفنانين الذين استطاعوا رسم البسمة على الوجوه ومنهم الفنانة قمر الصفدي عبر ادوراها الدرامية المتنوعة التي تناولت قضايا اسرية و اجتماعية مهمه و ايضا دوبلاج المسلسلات الكرتونية و ابرزها دورها السيدة منشن في مسلسل سالي وهي رائدة من رواد الفن الاردني التي وصفت بالأم على الصعيد المهني و الاخلاقي فهي رمز للالتزام المهني و الاخلاقي في حياتها الخاصة و العامة و ادوارها الصعبة المختلفه التي طبعت في اذهان الاردنيين ،خاصة مسلسل باب العامود الذي كان اول مسلسل اردني عام ١٩٦٩ مع الفنان وحيد جلال الذي مثل الكثير من الادوار في مسلسلات الكرتون كدوبلاج وابرزها القبطان جون سيلفر , في جزيرة الكنز وايضا الفنانة أمل الدباس في المسرحيات الكوميدية والنقدية مع نبيل صوالحة وهشام يانس وابدع نبيل صوالحة في البرنامج الكوميدي "بيني وبينك" الذي كان يؤدي من خلاله العديد من الشخصيات في الحلقة الواحدة مثل شخصية أبو صبحي وشخصية سميح أبو جزرة.

والفنانة عبير عيسى بأعمالها الدرامية الجميلة ومشاركتها في اعمال مصرية ودورها في العلم نور الانسة وردة وبرنامج المناهل الذي كان برنامجا هادفا و فريدا والذي عرض على شاشات الوطن العربي كله، كما ان الفنانة نادرة عمران تركت اثرا كبيرا في الدراما الاردنية مثل نساء من البادية و مسلسل الحجاج و مسلسل صلاح الدين الايوبي .

وتحتفظ الذاكرة الاردنية بأحد رموز الكوميديا الاردنية وهو الفنان ربيع شهاب ، الذي قدم كوكبة من الاعمال التلفزيونية والمسرحية الرائعة مثل مسلسل "حارة أبو عواد" و"القرار الصعب" ومسرحية "عليوة درس خصوصي" .

و لن ننسى اسامة المشيني و غسان المشيني و البصمة التي تركوها في ذاكرة الفن الأردني و داوود جلاجل في ذياب هباب الريح و نشميات من البادية و ابو جعفر المنصور و الفنان القدير جميل عواد و الذي كان يحمل بفنه القضايا الهامة، ولم يكن ممثلا و مخرجا فقط بل كان ايضا كاتبا و رائدا فنيا في بدايات الدراما الاردنية و ابدع في فارس بني مروان و مسلسل الطوفان و مسلسل مخاوي الذيب و التغريبة الفلسطينية و زوجته الفنانة الكبيرة والقديرة جولييت عواد صاحبة الفكر و المبدأ و الوطنية التي لا تساوم و التي ابدعت في ادوارها المختلفة مثل زهور الكف والمخرز ،أم كامل السقاية،أم أحمد التغربية الفلسطينية،أم كايد المحروس، والفنانة رانية فهد و شقيقتها سهير فهد التي اشتهرت في مسلسل عائلي اسمه غنوا معنا و الفيلم التلفزيوني هاربة الى النور و ايضا دبلجة الرسوم المتحركة مثل ليدي ليدي بدور لين راسل ومسلسل كرتون كابتن ماجد، و الفنان ساري الاسعد في ادواره في مسلسل العقاب والصقر ومسلسل القرار يصدر غدا ومسلسل الرصيف البارد ومسلسل الإمضاء بريء ومسلسل مهما طال الزمن ومسلسل سيدي رباح ومسلسل الليل الطويل، و الفنانة شفيقة الطل التي بدأت مسيرتها في مسلسل عبدالرحمن الكواكبي و اجادت في دورها خولة في مسلسل طرفة بن العبد و مسلسل طيور بلا اجنحة و مسلسل الطي و التي ابدعت في ادوارها البدوية، و الفنان حابس العبادي الذي تميز في الادوار البدوية و خاصة الشريرة مثل راس غليص و مسلسل متعب الشقاوي و مسلسل جلوة راكان ومسلسل راعية الوضحا، و الفنانة سميرة خوري التي ابدعت في مسلسلات كثيرة مثل التغريبة الفلسطينية و قرية بلا سقوف و مسلسل عودة ابو تايه و مسلسل القرار الصعب، و الفنانة كوثر النشاشيبي التي ابدعت في مسلسل ابراهيم طوقان و مسلسل حارة ابو عواد و ساعدها في ادائها الفني كونها مذيعة اصلا و قدمت الكثير من البرامج الإذاعية المهمة، و الفنان روحي الصفدي الذي كان ابرز اعماله جلوة راكان و دوره هزاع في مسلسل دمعه على الرمال و دوره الشيخ عقيل في مسلسل عرار و عمير و مسلسل صقر الجبل، و الفنانة ريم سعادة و اسمها الحقيقي جاكلين حتر والتي تجلت في اعمال اردنية جميلة مثل مسلسل المحراث و البور و مسلسل الغريبة و مسلسل قربة مخزوقة، و ايضا في دبلجة افلام الكرتون مثل مسلسل ليدي ليدي في دور سارة و مسلسل المصاقيل بدور الساحرة منال وكان لها العديد من الدراسات الفنية و اثره على المجتمع و الاطفال .

والفنانة رفعت النجار تعتبر اول ممثلة اردنية وقفت على خشبة المسرح رغم اشتهارها بالادوار البدوية والكثير من الناس مازال يلقبها بالسيدة ملعقة نظرا لدورها كدوبلاج في هذا المسلسل الشهير و قدمت عدة مسلسلات مثل (الغريبة، وجه الزمان، عطر النار، نصف القمر)، والفنان محمود ابو غريب و هو شيخ الفنانين قدم العديد من المسلسلات الرائعه والافلام الجميلة منها (الأخرس والقلادة الخشبية، باب العمود، وفداك يا فلسطين)، و الفنان محمود صايمه وهو ممثل كوميدي قدير احبه الشعب الاردني في شخصية حمدي في مسلسل العلم نور وفي مرايا الحب و في مسلسل يوميات مرزوق و مسلسل نقطة و سطر جديد، و الفنان حسين طبيشات (العم غافل) الذي اشتهر بمسلسل يوميات العم غافل و مسلسل جحا و غافل غاوي مشاكل و سامحونا بنحبكوا و هو فنان جميل شكل ثنائيا ناجحا مع الممثل محمود صايمة، والفنان محمود الزيودي ممثل وكاتب معروف تخصص في الاعمال الدرامية البدوية كتمثيل و كتابة و ابدع في مسلسل عودة الفارس و عيال مشهور و مسلسل التبر و التراب ومسلسل عوده ابو تايه و اولاد سالم و مسلسل زيد و زيدان و مسلسل الشهاب و الرمضاء والنار و مسلسل الضمير و الممثل محمود الزيودي هو اصلا باحث في التراث الأردني و مهتمًا بالفلكلور الأردني ومتشبثا بالجذور و الاصالة و كتب العديد من المسلسلات الاردنية الرائعة ، و الفنان تيسير عطية الذي برع في ادائه المميز في الكثير من المسلسلات الأردنية منها: أبو جعفر المنصور، المناهل، شجرة الدر، الخنساء و التائه و مسلسل التائه و مسلسل الأخدود و مسلسل عروة بن الورد و ادوار الدوبلاج و اجملها المسلسل الكرتوني الرغيف العجيب والمغامرون الابطال و الرحالة الصغير .

ويبقى الفنان وليد بركات واحدا من كبار نجوم الأردن والعالم العربي ومن مؤسسي الدراما الأردنية ، عبر مشاركته في المسلسل التاريخي الرائع طلحة بن العبد ، وتحفظ له الذاكرة الاردنية تقديمه لاهم الاعمال التاريخية الفكاهية العربية عبر المسلسل التليفزيوني “الفكاهة في التراث العربي” ، الذي سرد من خلاله شخصية جحا .

الفنان نبيل صوالحة و هو الممثل الذي ابدع في ادواره الكوميدية الهادفه و معظمها اعمال تسلط الضوء على ممارسات خاطئة في المجتمع بهدف اصلاحي و برز في اهلا نبيل و هشام الذي اخذ صدى محلي و عربي واسع و مثل في الكثير من المسلسلات منها الكحتوت و الاخرس والقلادة الخشبية و مسلسل محاكم بلا سجون و ركز على المسرح الذي برع به.

والفنان هشام يانس وهو الممثل الذي برع في تقليد اهم الشخصيات السياسية العربية مثل جلالة المغفور له الملك حسين بن طلال و هو كاتب عمل في التأليف الدرامي والتمثيل الاذاعي والمسرحي، وعيّن مخرجاً ومنتجاً في الإذاعة الأردنية، و قدم العديد من الاغاني كأداء لكبار المطربين العرب .

من الصعب ان نذكر في مقال واحد كل الفنانين الاردنيين فلا بد ان هناك فنانين عظام لم يسعنا ذكرهم ولكن اعمالهم تتحدث عنهم، فهذا النجاح المدوي للدراما الاردنية للاسف الشديد بدأ من علو ولكنه تراجع حين حاول الانتقال من هذه الاعمال الفنية القديرة و الهادفه و الرائعه التي انطلقت من قلب المجتمع الاردني و عبرت عن اطيافه من بدو و حضر و فلاحين والبدواة والجذور والقيم التراثية الاصيلة التي بعضها ترفيهي فكاهي بسيط و مسلي وبعضها علمي تنويري تعليمي هادف و بعضها اجتماعي يحمل قضايا تنموية فكرية و سلوكية تساعد المجتمع على النهوض و التطور و ترك بعض العادات و الموروثات الغير مفيدة وبنفس الؤقت التشبث بالأرض و العرض و الوطن والقيم الانسانية والاجتماعية والثقافية و الاخلاقية التي تعمر بها الارض .

وانتقلت الدراما الى عالم اخر ربما القائمون عليها تصوروا انهم انتقلوا الى مجتمع ما بعد الحداثة ، فأتوا باعمال فنية لا تشبهنا ولا تعبر عن واقعنا ولا عن افكارنا وطبيعة مجتمعاتنا ، ولا عن رؤيتنا لانفسنا والعالم .و اني مع التطور و مع الحداثه ومع مواكبة العصر و مع التعبير عن واقعنا الحالي ليس فقط التاريخ و البداوة و الجذور بل ايضا تقديم كل ماهو معاصر ولكن، انه لشيء عجيب فعلا ، ان تأتي محاولات الناس في بلادنا العربية نحو التطور والتحديث المستمر و التطلع نحو الحضارة و المستقبل في اطار نظرة أحادية الجانب تنظر بعين واحدة للتحرر من القيود ومن الضوابط التي نشأنا عليها ، في حين ان التحرر هو بالاساس فكر ورأي وعمل و بناء لا ينطلق دون وجود ثوابت.

ما نراه في الدراما الجديدة غير موجود على ارض الواقع و ان وجد فهو قليل جدا، ومن ثم لا يمكن اعتباره ظاهره تدفعنا لتكريسها ودفع ثمن تبعاتها ، فلماذا نركز عليه و نجعله ظاهرة ؟.

المنظور الثقافي في تحليل العمل الفني ينطلق من اتجاهين اولهما يرى ضرورة في قيام الدراما بتسليط الضوء على المشكلة الاجتماعية او الفكرية من قبح اخلاقي او تسلط ديني جاهل او موروث ثقافي قاد الى الجهل او الانفلات السلوكي والقيمي تحت ذرائع الجشع الانساني او التمتع واللهو على حساب القيم الدينية والاخلاقية وغيرها ، للتوعية بمخاطرها والعمل على ايجاد حلول عملية لحلها.

و الاتجاه الثاني يرى بتسليط الضوء على السلوك الاجتماعي السوي والحث عليه، و تعويد العين و السمع و البصر والقلب على رؤيته و معايشته وتذوق اخلاقياته ، و بهذا تروج للقيم السلوكية الاجتماعية السوية، و تنشره و ترسخه في العقول والوجدان .

وأنا مع المدرسة الثانية، لأن الاولى ستعلم الناس فنون الانتقام مثلا او القتل اوالسرقة والانفلات السلوكي والاخلاقي و التعاليم الغير انسانية او تفكك الأسرة التي هي عماد المجتمع و اساس قوامه الصحي او التعري المبتذل الفاضح وغيرها ، و تعودهم على هذه المناظر و الاحداث المؤلمة والمشاهد القبيحة و ان تحل المشكله بتعميمها و الترويج لها ، خاصة انه عندما يتم عرضها لا يتم تجريمها في الاحداث تعرض كأمر عادي او مقبول .

أتصور ان الاعمال الدرامية التي سعت للخروج من التزمت الفكري والديني قد ضلت طريقها في توصيل رسالتها الفنية ، فالعمل الفني أدب وذوق وارتقاء بالانسان يسمو بمشاعره ويعمل على تهذيبها واسعادها بالجمال وليس بالقبح ، فليس مقبولا ان نسعى لتغيير المجتمع من الافكار المتشددة التي تخنق المرأة والمجتمع بالانفتاح الذي يقود الى الانفلات بعيدا عن الوسطية التي هي المنقذ للمجتمع و الأسرة، فالوسطية هي العمود الذي نستند عليه فنضرب به التطرف البغيض او الانفلات الشبيه بغابة الحيوانات المفترسة، بل العكس تماما يمكنك ان تثبت للمتزمت والمتطرف فكريا.

إن الاخلاق و الادب ليسا حكرا على طبقة او طائفة دينية او اجتماعية معينة، بل هي مغروسة في فطرتنا الانسانية التي فطرنا الله عليها، وأي عمل فني يخالف هذه الفطرة لابد وان يجني ثمار الرفض والانتقاد والعداء أيضا .

الأربعاء، 21 يونيو 2023

التعدد العرقي واللغوي وأثره على ثقافة التعايش في المغرب

 

التعدد العرقي واللغوي وأثره على ثقافة التعايش في المغرب


سارة طالب السهيل
20-06-2023 08:59 AM

ما أن تطأ قدم أي مواطن عربي لارض المغرب ويتجول في مناطقها المختلفة، حتى يستشعر الثراء الثقافي والحضاري ، والجمال الآخاذ الذي يشع من جنابات البيوت ،القصور ، والجوامع والصوامع ، والبساتين الفسيحة ، والحدائق .

القادم لبلاد المغرب سرعان ما يتذوق جماليات فنونها وطقوسها وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية والدينية المتنوعة ، والذي تتميز به كل منطقة ومدينة وقرية عن الاخرى رغم الرابط الوطني الذي يجمعهم .

يظل للتعدد العرقي والديني واللغوي بالمغرب نكهته الخاصة في اصباغ الحياة الثقافية  والاجتماعية والفكرية بطابع قبول الاخر والتفاعل معه ومعايشته على ارضية من التسامح والتعاون مع احتفاظ كل مكون عرقي بمكوناته الثقافية المتوارثة في نسيج يكمل بعضه بعضا وينصهر في فسيفساء بديع التكوين والجمال .

وكان للموقع الجغرافي للمغرب دور في اشاعة هذا التنوع الثقافي بمدلولاته العرقية والدينية واللغوية، فالمغرب جغرافيا يعد معبرا لتلاقي الغرب والشرق معا، حيث يتقارب مكانيا مع شبه جزيرة ايبيريا ويتماس مع الصحراء الكبرى وأفريقيا ودول المشرق العربي .

ولذلك عبرت الى المغرب العديد من الحضارات واللغات والثقافات القديمة  كالفينيقية واللاتينية واليهودية والمسيحية والعربية والإسلام ، وايضا الفرنسية والإسبانية والبرتغالية .

وهذه الثقافات مع انحسار بعضها بفعل تقادم الازمنة، الا ان اثارها قد انصهرت بالثقافة المغربية وامتزجت بها لتشكل هويتها الخاصة ، وهو ما يتجلي في العديد من المظاهر الحضارية، منها على ـ  سبيل المثال لا الحصر ـ  الاثر الاندلسي  في الموسيقى والمعمار ، خاصة مدينة تطوان وطرازها المعماري الغرناطي . 

وتعكس فنون المعمار بالذات عبقرية التلاقح الثقافي والحضاري المغربي ، وتبرز  في روعة العمارة الفنون الإسلامية التقليدية ، مثل الصوامع التي تحذب السياح  صومعتي الكتبية بمراكش ، وحسّان بالرباط ، وشبيهتهما “لاخيرالدا ” بمدينة إشبيلية بإسبانيا والتي هي من بناء الموحّدين .

وايضا روعة الحصون، والأبواب الشامخة ، والأضرحة ، والمساجد المشهورة بالأسقف الخشبية المنقوشة  والأعمدة الرخامية ، والزلّيج الملوّن ، الموزاييك ذي الرسوم والألوان والخطوط البديعة الزاهية .

ويتجلى التعايش اللغوي والعرقي من خلال اللغة العربية واللغة الامازيغية ، والتلاقح بينهما قد لعب دورا في تشكيل الهوية الثقافية للمغرب ، بجانب الثقافة الحسانية الشفهية  والتي يمتزج فيها ثقافة عرب المغاربة بموريتانيا ، ولا تزال تحافظ على ذاكرتها الجماعية عبر اللغة العربية العامية حتى اليوم عبر جلسات السمر واحتساء الشاي ، بجانب حضور اللغات الأجنبية الفرنسية والإسبانية والإنجليزية .

والبصمة الافريقية لا يزال حضورها في المشهد الثقافي المغربي انطلاقا من دورها في نشر الدين الاسلامي باالمغرب والعلاقات القديمة مع الزنوج ومع السودان تجاريا وثقافيا واجتماعيا، قد ترك ارثه الثقافي بالمشهد المغربي وانعكس بالعديد من الطقوس المغربية التي تزال حية خاصة في مدينة مراكش وما تذخر به من فنون الحكايات والطرز المعمارية الافريقية .

وللثقافة العبرية حضورها بالمشهد الثقافي والاجتماعي المغربي كجزء أصيل من مكونات المجتمع عبر اليهود المغاربة ، والتي تتجلى في العديد من الشواهد الحضارية  كالمخطوطات المكتوبة بالعبرية على الطريقة المغربية ، وصناعات الملابس ، وأحياء الملاح السكنية التي يسكنون بها ، والمعابد والمواقع الاثرية ، كما ساهم اليهود المغاربة في تنشيط حركة الصناعة خاصة الحرف اليدوية وصناعاة الذهب والفضة .

وألقى التنوع العرقي والحضاري بتأثيراته القوية على المطبخ فشهد تنوعا واسعا وابتكارات في أصنافه ارتباطا بانفتاح المغاربة منذ القدم بالحضارات المجاروة او التي هربت اليه واستوطنته، او التي حكمته .

فنجد ابداعات للمطبخ الامازيغي والاندلسي والتركي والمغاربي والشرق أوسطي والافريقي تتمازج فيما بينها لتقديم هوية خاصة للطبخ والذائقة المغربية .

الثراء والتنوع في الفلكور المغربي يفتح شهية عشاق الفنون حيث تتعدد الايقاعات في الفنون الشعبية ارتباطا بتعدد البيئات بالقرى والبوادي ، والمداشر ، والأرباض ، ونجد انعكاس الثقافات في الطرب الأندلسي ، والغرناطي ، والمدائح والفنون الأمازيغية ، ورقصات اكناوة ، ورقصات أحيدوس ، والركادة ، والدقّة المرّاكشية ، والطقطوقة الجبليّة وغيرها.

وللازياء خصوصية تاريخية بالمغرب  وعلى رأسه "القفطان" الذي يرجعه  المؤرخون الى عصر المرينييّن ، فان للتبادل والتنوع الثقافي للمغرب أثره في نبوغ مبدعيه وفلاسفته مثل الفيلسوف والفقيه العلاّمة إبن طفيل صاحب ”حيّ ابن يقظان” ، وتلميذه قاضي إشبيلية ، وعالمها ، وطبيبها ، أبو الوليد محمّد بن رشد.

هذا الغنى الثقافي والحضاري التي يعيشه المغرب نتاج طبيعي لتعايش انساني بديع لكل المكونات الثقافية واللغوية والعرقية التي تحيا على هذه الارض الطيبة فهل كان هذا التمازج الثقافي الحضاري وقبول الآخر وعدم نبذ الثقافات والحضارات والديانات الاخرى و المختلقة سببا في التعايش السلمي السياسي والمجتمعي، وهل كان عدم تصنيف و توصيف المواطن بناء على دينه وعرقه سببا في الاستقرار السياسي؟، ادامه الله عليهم و وهبه لجميع خلقه (آمين) وهل كان هذا التعايش و التبادل و الانسجام سببا في تنوع مصادر التجارة و الصناعة، بل والسياحة في المغرب مما ادى لاستقرار اصحاب الثقافات المختلفة والديانات المتنوعة في وطنهم وحال دون هجرتهم وانقراض نوع معين او عدة انواع عن الساحة الوطنية؟، وهل كان لكل هذا دور في عدم تعرض المغرب لهجوم خارجي من قبل اصحاب المؤامرات او اصحاب اجندات الانتقام التاريخي؟، وهل المواطنة والانتماء مبني على عرق او لون او دين ام مبني على المساواة في الحقوق والواجبات واعطاء الفرص وهل سيأخذ باقي العرب المغرب نموذجا للآحتذاء به للمحافظة على مكوناته كل هذه اسئلة تطرح وربما اجوبة تستدعي النظر اليها ودراستها من قبل من يحب وطنه ويتمنى له الاستقرار والتقدم.

السبت، 17 يونيو 2023

ثورة الذكاء الاصطناعي تهدد بقاء المنظومة الاخلاقية والدينية

 

ثورة الذكاء الاصطناعي تهدد بقاء المنظومة الاخلاقية والدينية  


سارة طالب السهيل
16-06-2023 10:52 AM

الذكاء الاصطناعي مصطلح خرج للحياة في عام 2018  وصار يعم  معطيات حياتنا اليومية مستحوذا على النسبة الاكبر من طرق حياتنا وافكارنا ولبسنا ومأكلنا ومشربنا بل ويكاد يتداخل مع معتقداتنا واخلاقياتنا ، بعد ان تمت برمجة عقولنا وحياتنا بهذه الثورة العلمية .

كان الذكاء خبيئا بالمختبرات العلمية وبين سطور روايات الخيال العلمي حتى صار جزءا من حياتنا العلمية والعملية ، و يخشى من سيطرته الكاملة على ثوابتنا الاخلاقية والدينية.

نجح الذكاء الاصطناعي في مجالات عديدة في حياتنا  عبر تطبيقاته في التعليم ، وعالم التجارة والتسويق وغيرها ، ومع التطور اليومي لهذا الذكاء ستتحول الروبوتات الى كائنات بشرية مماثلة تشبه الكائنات المستنسخة ، خاصة بعد ان تعرفت على اللغات البشرية .

والمختصون بالشأن الاخلاقي يتخوفون من تطوير الروبوتات بادخال الجوانب العاطفية عليها ومن ثم فانها تقضي على مميزات العنصر البشري ، وتوقع خلق مشاكل أخلاقية واجتماعية واقتصادية غير قابلة للعلاج ، كأن يتحول الروبوتات الى ألهة والبشر عبيد لها حسبما أشار عالم النفس ، إريك فروم ، في كتابه المجتمع العاقل .

والقدرات الفائقة للروبوتات قتلت بدم بارد الالاف عبر انظمتها القادرة على تحديد الأهداف واستخدام القوة المميتة من دون سيطرة بشرية ، مثل  الطائرات من دون طيار . ونجح هذا الروبوت في تطبيقات دينية لمختلف الاديان في عالمنا اليوم ، الى حد يخشي منه الغاء دور رجال الدين بالاديان المختلفة من اجل الغاء الدين نفسه و لا ننسى ان الدين هو توازن نفسي وانضباط مجتمعي اذا كان وسطيا ومستخدم للبناء لا للهدم و الخوف من تحوير مباديء الديانات .

ومع صعوبة رفض ثورة الذكاء الاصطناعي وتغييرها انماط حياتنا في الأمن والبيئة والبحث والتعليم والصحة والثقافة والتجارة بسرعة هائلة ، فان المخاوف لتأثير الذكاء الاصطناعي على الاخلاقيات قائمة مما يتطلب معه ، الالتزام بالمعايير الاخلاقية و التربوية و التركيز على الجوانب الانسانية ، اكرر دائما ان العلم دون اخلاق و انسانية كان هداما و المثال هو اختراع الاسلحة الكيماوية والقنابل الذرية بل وكل الاذية اخترعها علماء بلا انسانية وقيم اخلاقية بينما العلماء اصحاب الفكر النير و الاخلاق السامية اخترعوا الدواء و الطائرة و كافة ادوات البناء و خدمة الانسان والحيوان و البيئة

وبالتبعية فان مستقبل الاديان هو الاخر صار محلا  للتهديد . فدور العبادة صارت تأتي للانسان بعد ان كان يذهب اليها  عبر نقل شعائر العبادة على شاشات التلفاز وتلقي الوعظ الديني عبر وسائط التواصل الاجتماعي ، وظهور الكنيسة السبرانية ، و استبدال معبد كودايجي البوذي باليابان تمثال إله الرحمة ميندار ب " روبوت " مزود بجهاز استشعار ، لاعطاء طلابهم  محاضرات روحية .

وابرزت تقارير عالمية فكرة استبدال رجال الدين  في المسيحية واليهودية بروبوتات صناعية ، تخزن في ذاكراتها المواعظ للمؤمنين ، والمسلمون لم يكونوا بمنأى عن توظيف الروبوت لشعائرهم ، فاستخدموا تطبيقات تكنولوجية ذكية تحفظ لهم اتجاه القبلة في الصلاة .

رجال الدين بدورهم اعترضوا على قيام الروبوتات بأعمالهم الوعظية مستندين في ذلك على عجز هذه المنظومة الاصطناعية عن التواصل مع الجوانب الروحية للاديان .ربما البعض سيفرح على فكرة خلاصنا من بعض مّدًعي التدين ولابسي اثواب رجال الدين بفكر تكفيري تدميري ارهابي متعصب وهم موجودين في معظم الاديان لكن الخوف ليس من خلاصنا من هؤلاء و انما ابعادنا حتى عن الوعاظ الحقيقيون الذي يجب ان يكونوا لسان المحبة و الهدي و ارشاد المجتمع للخلق السليم البعيد عن المبالغات في اقصى اليمين او اقصى اليسار

وفي هذا حذر البروفيسور يوفال نوح هراري ، المؤرخ والمتخصص في تاريخ الجنس البشري من النتائج البيوتكنولوجية التي ستخلق عالماً يتفوق فيه الذكاء الاصطناعي على الطبيعة البيولوجية التي خلقها الله ، ومن ثم قيام دين جديد ، خاصة بعد ان أتقن الروبوت لغتنا البشرية وصار قادرا على استخدامها في تشكيل الثقافة البشرية.

تركزت تحذيرات هراري من برمجيات مثل "تشات جي بي تي"، التي بامكانها جذب الناس الى كتابة نصوص مقدسة ، ومن ثم القدرة على خلق دين جديد بالمستقبل القريب.

وقد طبق هذه الفكرة عام 2017 "أنتوني ليفاندوفسكي" المهندس  السابق بشركة جوجل ، بتقديم  أوراق لولاية كاليفورنيا والحصول علي ترخيص كنيسة لعبادة إله الذكاء الاصطناعي .

ولذلك فان الفاتيكان قد حذر في وثيقة " نداء روما " عام 2020 ، من أن  يكون الابتكار الرقمي والتقدم التكنولوجي خصماً للبشرية ، ودعت ان يكون في خدمتها

فأين المنظمات والمؤسسات الاسلامية الكبرى من هذا التهديد ؟ !!!  

وقد فاقم  العلماء مخاوفهم المستقبلية من  انه إذا تجاوز الذكاء الاصطناعي الإنسانية في الذكاء العام وأصبح ذكاؤه فائقا ، فقد يصعب على الانسان التحكم ، ومن ثم يقضي على البشرية .  اللهم سلم ، اللهم سلم، اللهم سلم.

الأربعاء، 14 يونيو 2023

لمجلة الهلال فضل الريادة وللعربي الاحتذاء والتطوير

لمجلة الهلال فضل الريادة وللعربي الاحتذاء والتطوير


سارة طالب السهيل
13-06-2023 08:23 AM

ساهمت المجلات العربية العريقة في اثراء المشهد الثقافي العربي وتغذية القارئ بكل ما يحتاجه من ابداع فكري وفني وادبي وجمالي ، كما ساهمت في ربط القارئ العربي بتاريخه القديم والحديث ووصلته بأبرز المعطيات العلمية والسياسية بالمنطقة وتأثيرها عليه كمواطن اصيل فيها ، ومنها مجلتي الهلال المصرية ومجلة العربي الكويتية .

ومع تعاظم دور مجلة العربي بكل تقنياتها وامكانياتها المادية ، فان دور الريادة دائما ينطلق من مصر المحروسة ، فكان لمجلة الهلال المصرية التي أسسها الكاتب اللبناني جورجي زيدان عام 1892 الركيزة الاساسية والرائدة في تثقيف القارئ العربي ، فهي أقدم مجلة ثقافية فى العالم العربى ، وتعد الوحيدة التى تصدر بصفة منتظمة منذ أكثر من مائة سنة ، وكانت رائدة فى تحديث الفكر العربى وربط ثقافة مصر بالخليج وبلاد الشام والمغرب العربي وبالعالم كله.

ولا تزال الهلال منفردة من بين المجلات العربية في الصدور بلا انقطاع منذ 127 عاما، وكان صدورعددها الاول بعد مرور عشرة سنوات على هزيمة الثورة العرابية والاحتلال البريطانى لمصر ، بمثابة اشراق نور الثقافة بمصر ومقاومة اية مشاعر للانهزامية بلقاح الفكر والثقافة عبر نشر ثقافة العصر والعلوم والمخترعات ، والحفاظ ايضا على المنجز الفكري العربي القديم.

وقد أسهمت مجلة الهلال كمجلة تاريخية علمية أدبية في توثيق الثقافة العربية الشامية والمغاربية  والخليجية بمرويات ووثائق عربية بعدما كانت المعلومات الثقافية عن الدول العربية مستقاة  من وثائق غربية .

في مختلف الدول العربية ومنها فقد نقلت مجلة الهلال مظاهر الحياة الادبية والفكرية والسياسية والاجتماعية والملامح التاريخية للدول العربية  ومنها دول الخليج ، وعملت على نشر قصائد الفصحى والشعر الشعبي معا ، ونشر عشرات المواضيع الادبية والتاريخية عن الخليج وغيره من المناطق العربية بجانب الكتب المؤلفة باللغات الأجنبية، كذلك تحدثت المجلة عن كتاب ( العرب ) لبرترام توماس ، وهو كتاب كان في الأصل مجموعة محاضرات ألقاها المؤلف في معهد لويل بمدينة بوسطن عن العرب . كما نشرت كتاب ( نهضة العرب ) لجورج أنطونيوس ، وهو كتاب تاريخي يتحدث عن المسألة العربية في شبه الجزيرة العربية ، وغيرها من الكتب والدوريات .

ونقلت " الهلال " مظاهر الحياة  الاجتماعية الثقافية بمختلف الاقطار العربية وأفردت المجلة عدة صفحات تحكي فيها عن أخلاق العرب وصفاتهم ، ثم تطرقت إلى تاريخ الحجاز وحوادث استقلاله من الجاهلية حتى الآن، مروراً باستقلال الحجاز عن اليمن، وتاريخ الحجاز قبل الإسلام ، وتاريخه في عهد دولة الأشراف الحالية، فكانت الوجبة الثقافية التي تقدمها مجلة الهلال شافية ومشبعة لكل متعاطي الثقافة العربية من المحيط الى الخليج ، ولا تزال تقوم بدورها الثقافي مع نقص الامكانات المادية المتوفرة اكثر بمجلات الخليج خاصة مجلة العربي.

استفاد مؤسسو مجلة العربي، بلا شك، من اشراقات مجلة الهلال المصرية ومن انفتاحها شرقا وغربا في تغذية عقول ووجدان الشعب العربي ، وأضافوا اليه معطيات عصرنا الحديث ، ووظفوا قدراتهم المالية في تأسيس مجلة صارت هي الاخرى ركيزة للعمل الثقافي العربي منذ نشأتها عام 1958 توافرت فيها الي جانب القضايا والموضوعات المهمة التي تشغل اهتمام القراء ، فنون الكتابة الصحفية الراقية مع الطباعة الجيدة  والصور الملونة وسعرها المناسب  وتحمّل الكويت مصاريف شحنها إلى كل الأقطار العربية .

ولاشك ان مجلة العربي الكويتية قد استندت في تجربته الرائعة على ميراث مجلة الهلال المصرية وعبرت على سفينتها حتى استطاعت ان تكون لها شخصية ثقافية مهمة اجتذبت بها القارئ العربي .

ومما ساهم في استمرارها حتى  اليوم بالرغم من تأثرها كغيرها قليلا هو تجنبها الخوض في معارك السياسة  ، واهتمامها بتغطية الجوانب العلمية والثقافية فعملت على ترسيخ علوم الطب وأخبار الاكتشافات وسير علماء الفيزياء والرياضيات وعلم النفس ، في ثقافة القراء .

وعلى نهج مجلة الهلال ، سارت مجلة العربي في طريق تقديم ثقافة متنوعة لجمهورها ونقلت لهم صور للحياة الثقافية والاجتماعية العربية ، فنون القص و التراث ، وكذلك  المبدعين الغربيين مثل فيكتور هوجو ، وبرنارد شو ، وأوغست كانت ، وكارل ماركس ، وهيجل ، وباستور ، وألفريد نوبل .

ويبقى لمجلة الهلال المصرية فضل الريادة وصمود الابطال رغم ضعف الامكانيات المادية، ولمجلة العربي قدرة الاستفادة من الصرح الثقافي الذي أسسته الهلال والبناء عليه تطويرا وتحديثا

الأربعاء، 7 يونيو 2023

قرية بعجة الأردنية تنطق بعبقرية وابداع عصرها الحجري

 

قرية بعجة الأردنية تنطق بعبقرية وابداع عصرها الحجري


سارة طالب السهيل
06-06-2023 08:16 AM

يعود الفضل للعلماء وخبراء الاثار في كشف النقاب عن المجتمعات البشرية السحيقة وانماط حياتها الاقتصادية والاجتماعية وكيف وظفوا معطيات الطبيعة في صنع الجمال من أدوات وأدوات زينة وغيرها.

وتكشف لنا المسوح الاثرية واكتشافاتها عن الوسائل التي كان يتخذها البشر من الطبيعة نفسها لحماية انفسهم والدفاع عنها ضد أية مخاطر محتملة، ولعل المتعة التي يجدها خبراء الآثار، ومن بعدهم عشاق التراث الانساني والثقافة التاريخية والحضارية لا تضاهيها أية متعة اخرى، اذ تسمح لنا هذه الكشوف بالسياحة عبر أزمنة موغلة في القدم، حيث الانسان الاول والعصور الحجرية وما قبلها وكيف تطور الانسان من مرحلة لأخرى.

يزخر الاردن بالعديد من الكشوف الاثرية المذهلة، التي يخرج لنا كنوزها العلماء من آن لآخر، وكل كشف منه يأخذنا الى أصالة وعمق تاريخ الاردن و حضارته، ومن ذلك قرية بعجة بالاردن التي تقع شمال البترا، وعثر بها على عقد لؤلؤ ومجموعة اصداف اللؤلؤ، ومجمع سكني مكون من طابقين يعكس فنون المعمار بهذه القرية قبل تسعة آلاف عام، ويقع المجمع على ارتفاع 1155 مترا، حيث يطل على جرف عال أعلى الجبال الوعرة.

فلنتخيل قدرة انسان ذاك العصر على العيش أعلى الجبال الوعرة، ورغم ذلك قد استطاع ان يوفر لنفسه قوت يومه ويصنع ادواته ويبدع في فنون القلائد وغيرها، فما هذه العظمة والقدرة على التكيف مع تحديات الطبيعة واستثمارها لصالح الانسان؟!..

فقلادة الطفلة جميلة المصنوعة من حبات اللؤلؤ وتضم الفين وخمسمئة حبة، والتي عثر عليها مدفونة معها تعد من أهم الاكتشافات بموقع قرية بعجة، تم نقلها للعرض بمتحف البترا.

هذه القلادة تعكس ابداع الانسان بالعصر الحجري الحديث، ورؤيته للجمال، وان الانسان لا يستطيع العيش بدون الجمال والابداع، وان قدرات سكان هذه الارض بعجة كانوا يتمتعون بالتسلق عبر الوادي الضيق للوصول للقرية، مثلما يتمتع عشاق التسلق في عصرنا الحديث بتسلق الجبال حيث روح المغامرة والاقدام.

وبحسب خبراء الاثار، فان بعجة، قرية من العصر الحجري الحديث تقع على بعد 14 كم شمال البتراء، وقد كشفت الرسوم والنقوس بالقرية عن حياة سكانها القائمة على الزراعة ورعي الغنم والقرية محل دراسات متعددة لمعرفة اذا كان سكانها يتحدثون اللغة الاكادية أم لا، واذا كانوا قد نطقوا بها فان أصلهم وجذورهم ترتبط بالبدو العرب الساميين؟.

عبقرية سكان هذه القرية تجلت في شواهد أثرية طريفة وممتعة مثل انهم كانوا أول من صنع ابرة الخياطة من العظم لخياطة الملابس وصناعة السلال، وأن الابرة المستخدمة في عصرنا الراهن لا تختلف شكلها عما صنعوه الاجداد بقرية بعجة.

وقبل ان يتوجه الانسان للمدراس والجامعات والاكاديميات للتعلم واكتساب خبرات حماية نفسه من آية مخاطر، فان انسان العصر الحجري الحديث بقرية بعجة كان أكثر ذكاء في توظيف قدراته العقلية في البحث عن حماية نفسه وأسرته ومجتمعه، وتجلى في دقة اختياره للعيش بقرية منطقتها وعرة وجبلية لتكون حصنا طبيعيا ضد اية تهديدات محتملة.

ورغم صعوبة الحياة بالجبال فقد اشتغل سكان البعجة بالعصور الحجرية بالزراعة وبالصناعات المناسبة لعصرهم وبصناعة الأساور المصنوعة من خامات البيئة لديهم مثل انواع من الحجارة الرملية.

أتمنى أن تولي السلطات المختصة مزيدا من الاهتمام بهذه القرية، وأن تعمل على تنشيط البرامح السياحية عنها

الثلاثاء، 6 يونيو 2023

بعضها قنابل موقوتة في بيوتا

 

بعضها قنابل موقوتة في بيوتا


سارة طالب السهيل
05-06-2023 11:59 AM

حكايات الجدات المليئة بالخيال والمتعة والمغامرة لعبت دورا محوريا في تنشئة الطفل العربي والشرقي بشكل أوسع قديما، وغرست في نفسه كل القيم الأخلاقية التي يتوجب غرسها في هذه السن الصغيرة. والجميل في الأمر أن هذه الحكايات قدمتها الجدات بعناصر جذب مسلية ومتعة للأطفال لأنها كانت تحكي شبه مغناة.

ومع تطور العصور اختفت حكايات الجدات وحلت مكانها برامج وعرائس متحركة وسينما الأطفال التي كانت تقدم في بداياتها كفن راقٍ وجذاب للأطفال لتحل الثقافة البصرية المشاهدة محل نظيرتها الشفهية للجدات .

وبرزت برامج راقية عملت على تعليم الأطفال منظومة القيم الأخلاقية والدينية ورفعت مستوى التلقي للفنون والثقافة للطفل العربي في بدايات الاذاعة العربية وبابا شارو و" أبلة فضيلة" في مصر، ثم البرامج التليفزيونية الناجحة مثل "افتح يا سمسم" في الخليج والمناهل في الأردن وبرنامج كيف وليش وغيرها كلها تجارب ناجحة .

ومن يفتش في التاريخ المعاصر ويرجع الزمن للوارء في ثلاثنيات القرن الماضي وتحديدا عام 1936، حيث شهدت مصر ولادة أول فيلم للرسوم المتحركة وهو "مفيش فايدة " للإخوة فرانكلين، واللذين انتجا 30 فيلما للرسوم المتحركة فى مصر واخترعوا شخصية "مشمش أفندي"، وهاجروا لفرنسا وحرفوا اسم مشمش وجعلوه "مميش" في الأفلام الفرنسية .

وكذلك كانت تجربة تلفزيون بغداد في تقديم تجارب رائدة في فنون الطفل عبرالعديد من البرامج الشيقة التي تربت عليها أجيال مختلفة بدءا من اول برنامج "عمو زكي" في خمسينيات وستنيات القرن الماضي ثم تطورها بالعديد من البرامج في العقود اللاحقة مثل برنامج "افتح ياسمسم " وبرنامج " حكايات الجمعة " الذي كان يقدم قصص شيقة تربوية وجمالية للاطفال ومسلسلات الكرتون مثل "سينان" و"بسمة وعبده" و"سينما الاطفال" بجانب شخصية "قراقوز" تلك اللعبة التي تمسك بالاصابع ويقدم من خلالها نقدا اجتماعيا للسلوك الانساني .. وغيرها .

فلماذا لم يبنِ العرب على شخصية (مشمش) او"قراقوز" أو يطورهما منذ ذلك التاريخ؟، ولماذا انتظرنا كل هذه السنوات حتى تغزونا امريكا واوربا والمترجمة عن الكورية بافلامهم التي بعضها رائع وبعضها دمرت اخلاق اطفالنا؟، خاصة وان معظم شركات انتاج الكرتون لا تعتني بالقيم والمفاهيم الشرقية سواء الإسلامية أو المسيحية لأن أكثر من 90% من أصحابها من أصحاب الأجندات العدائية، ولا تهتم إلا بالربح المادي.

محاولة المجلس العربي للطفولة
انتبه المجلس العربي للطفولة والتنمية لخطورة الافلام الكرتونية والمدبلجة الغربية على قيم الطفولة العربية، فنظم في التسعينات مسابقة لابتكار وتصميم شخصية كرتونية للطفل العربي تستمد مقوماتها من البيئة العربية والشرق اوسطية ويجد فيها الطفل ما يشبع متعته النفسية وتلبي حاجاته الإجتماعية يكتسب من أبطالها المثل العليا والمعاني الإنسانية وتكون بديلا عن الشخصيات الكرتونية الأجنبية بما تحمله من قيم مغايرة للمجتمع العربي الإسلامي والعربي المسيحي، ولكن للأسف فإن التجربة لم يكتب لها الاستمرار والنجاح، ورغم كثرة الفنانيين والفنانات والمخرجين المتخصصين في افلام التحريك والكرتون الا انهم يقفون عاجزين عن تقديم أعمال فنية تشبع احتياجات الطفل العربي، والسبب ـ كما يقول المتخصصون في الصناعة ـ هو قلة الانتاج العربي نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب التمويل اللازم لتطوير صناعته وفشلنا في ابتكار وسائل تسويقه .

اليونسكو يحذر
أما الدرسات التي أجرتها منظمة اليونسكو العالمية علي تأثير التليفزيون على عقلية الطفل فقد اكدت نتائجها على أن الكرتون إذا زادت مدة مشاهدته عن الحد المعقول قد يمنع الأطفال من ممارسة الأنشطة الحركية والثقافية الأخرى وتحرمهم من التفاعل والتواصل الاجتماعي وتزداد احتمالات إصابتهم بالبدانة وبالانطواء النفسي، إلا أنني أضيف من وجهة نظري أنها بالمقابل تقوي اللغة وتضيف بعدا إنسانيا للطفل كما تزيد من معلوماته وايضا حسه الفني والموسيقي وايضا تعرفه على الفنيات والجماليات بالرسوم والألوان والديكور فكل شيء حسب استخدامه.

وبالدفة الثانية اثبتت الدراسات أن الطفل يتأثر بالشخصيات التي تعرض أمامه الى حد الإدمان والتعلق الشديد به ولهذا يجب اختيار الشخصيات بحرص كقدوة ونموذج يحتذى به؛ لأن قضاء الطفل أطول فترة أمامه يجعله يتقمص هذه الشخصيات ومن ثم احتمال التمرد على أوامر الوالدين التي قد تحرمهم من متابعته، والانفصال عن الواقع والقيم والتقاليد .. نتيجة العيش في عالم مبهر بعيد عن الواقع وتسارع التقنية الحديثه والإعلام الحديث، كما أثبتت معظم الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة أن الإدمان على مشاهدة الرسوم المتحركة يؤدي -حتما- إلى انحراف الطفل فكريا وسلوكيا. وقد يتجاوز ذلك إلى تمييع أخلاقه وصرفه عن عادات مجتمعه وتقاليده الاجتماعية .

ومن هنا أقول انه يجب انتقاء ما يشاهده طفلك على شاشة التلفزيون وتحديد مدة الجلوس أمام هذه الشاشة.

تخريب اخلاقي
يذكر د. عبد العزيز الاحمد وهو أحد المتخصصين في هذاالمجال، أنه بعد دراسة 500 فيلم طويل وجد أن 73% من الأفلام تكون في الغالب رعب وجريمة وعلاقات غير سوية، وانها تقدم في قالب برئ وجذاب ويكمن بداخله الشر كله .

فهذه الافلام الكرتونية تعمل على زعزعة عقيدة الطفل في الله وكدارسة في علم النفس أؤكد على ضرورة شعور الطفل بالأمان والاطمئنان النفسي من خلال ارتباطه الوجداني والروحاني بفكرة الإيمان وان الله هو الحامي ولهذا ليس فقط من مفهوم ديني، بل ونفسي أيضا يحتاج الطفل إلى الإيمان، للأسف في بعض افلام الكرتون مثل (البوكيمون) تنشر الأفكار الباطلة مثل النشوء والتطور التي تزعم بأن الانسان خلق في بدايته قردا ثم تطور لصورته الانسانية الراهنة، حيث يتحد البوكيمون مع الحيونات لينتج كائنا جديدا، وهو فكر يخالف تكريم البارئ جل شأنه لبني آدم .

كما نجد مثلا في فيلم (سندريلا) والتي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة تساعد سندريلا على حضور حفلة الملك، شخصية السندريلا المبهرة التي قدمت بها وما قدم من خلالها قصة حب راقية بين السندريلا والأمير بشكل رومانسي جذاب في قالب محترم لعلاقة عاطفية صادقة تتفق مع تقاليدنا الشرقية وعاداتنا أيضا تزرع الخير في القلوب وتؤكد أن الله ينصف المظلوم ولو بعد حين، فسندريلا ابنة رجل من النبلاء كريمة الأصل جميلة الشكل والقلب تعذبت كثيرا في حياتها لكنها لم تفقد طيبتها وبرائتها مع الناس والحيوانات ولهذا اكرمها الله بالنهاية، لكن بعض افلام الكرتون الأخرى الحديثة تروج للأطفال قصص حب لا تتناسب مع عاداتنا وقيمنا واخلاقياتنا عكس قصة السندريلا.

وتحفل برامج وافلام الكرتون الغربية بالعديد من عناصر نشر الرعب والخوف في نفوس الصغار من خلال مادة درامية مليئة بالاجرام والعنف لكنها تقدم في قالب مشوق جذاب يستمتع بها الطفل العربي وتغرس في تنشئته وتكوينه النفسي فيما بعد، كل هذا لا يعني رفض لأفلام الكرتون والأعمال والبرامج التي تقدم من خلالها ولكن يجب علينا ان نركز فيما يقدم، احيانا يقدم السم في العسل علينا ان ندقق ونعرف كل ما يقدم لأطفالنا وهل هو متفق مع عاداتنا وتقاليدنا الشرق اوسطية ويتفق مع ما جاء في كافة الشرائع السماوية والكتب المتفق عليها كمراجع اخلاقية ومناهج حياة سوية يتفق مع مجتمعاتنا الشرق اوسطية، وعلينا ان نعترف ان الكرتون عمل فني جميل يبهر ويجذب الطفل وممكن من خلاله ان نوصل رسائلنا وما نريد ان نعلمه لأجيال المستقبل من اطفالنا وان ننشأهم النشئة السليمة بثقافة مستنيرة لنخلق اجيال تستطيع ان تتحمل وتتسلم الراية من بعدنا لتواصل البناء .

ورفضي لبعض افلام الكرتون التي تعمل على تحريف القدوة، عبر جعل الأبطال الأسطوريين رمز القدوة، بدلا من أبطال واقعين، فبعد الشخصية الكرتونية عن الواقع يجعل الطفل يستبعد أن يصل لهذه الشخصية فيفقد فكرة القدوة، فالأطفال صاروا يقلدون الرجل الخارق Super man، والرجل الوطواط Batman والرجل العنكبوت Spider man، وغيرها من الشخصيات الوهمية ، فتضيع القدوة في عالم القوة الخيالية.

أنا مع الخيال وهو مطلوب فنحن ننادي ان نطلق لأطفال آفاق اوسع للتخيل وقد قدمت الخيال في عدد من اعمالي الأدبية مثل "المكعب الأسود" والذي سيطبع قريبا من خلاله اوجدت شخصية خيالية تسرد الأحداث من خلالها كوسيلة جذب لتوصيل رسالتي وهدفي من العمل الأدبي، فأنا اطالب بالخيال ولكن يجب ان نعرف العمر الذي يقدم له العمل الذي يعتمد على الخيال فكل عمل لا بد ان يكون لفئة عمرية مختلفة فمثلا لو قدمت شخصية باتمان لطفل عمره 5 سنوات فهي غير مناسبة له وخطرا عليه لأنه ممكن ان يقوم بتقليدها مما يعرض حياته للخطر، ولكن لو قدت العمل الفني "باتمان" للفئة العمرية اكبر من 13عاما ستكون مناسبة له ولن يقوم بتقليدها لإدراكه ومعرفته بانها شخصية خيالية غير قابلة للتقليد .

أغلب القوانين بالدول الغربية تطالب ان يكتب على العمل الأدبي المرحلة العمرية التي يوجه لها العمل وانا اتفق مع ذلك، ولكني أرى انه من باب اولى أن يكتب على العمل الفني من الأفلام والبرامج والأعمال الكرتونية المرحلة العمرية التي يخاطبها العمل للخطورة الكبيرة لأنه يوجد اعمال يمكن ان تكون مناسبة لأعمار ولا تناسب أعمار اخرى وهذا مهم بدرجة كبيرة فى رأيي .

فأبطال بعض الافلام يوقفون الزمن، ويذهبون إلى المستقبل، جريا وراء أفكار غريبة فيُحاول الطِّفل تقليدهم، ويفشل فيضغط على أعصابه ليصاب بالفشل، أو يُصِر على تقليدِهم فيلجأ للعنف فيعرض حياته للخطر؛ لأنه قد يطير أو يقفز مِن النافذة دون وعْيٍ بما يفعله .

وخلصت نتائج الدرسات الاجتماعية التي اجريت على الاطفال الذين يشهدون أفلام الكرتون، الى ان هذه الافلام والبرامج تُنَمِّي لدى الطفل نزعات عنفٍ وعدوانية؛ والانفصال عن الواقع؛ نتيجة العيش في عالم مبهر جذَّاب غير واقعي، وان الأطفال دون سن الـ ٨ سنوات لا يفرقون بين الخيال والواقع فيشاهدون الكرتون ليقتدوا به، ويقلدوه وهو ما ذكرته انه يوجد اعمالا تناسب الاعمار الصغيرة التي تقل عن 8 سنوات مثل الرجل العنكبوت والرجل الخارق .

وتسبب كثرة مشاهدة العنف في هذه الافلام الى اصابة الاطفال باضطراباتٍ كثيرةً في النوم؛ وتعرضهم لكوابيس، قلق فيفقدون النشاط بجانب تعرضهم لمخاطر العزلة وتقليل الاحتكاك بالأسرة، وتكوين علاقات خارجيَّة يتعلم من خلالها الكذب، ويتعوَّد على الكسل لجلوسه لفترات طويلة أمام التلفاز بدون حركة، ممايصيبه بالسمنة أو النحافة .

سلاح الكارتون .. درس أمريكي!
في المقابل نجد امريكا رغم انها صانعة لأغلب أفلام الكرتون قد حددت عدد الساعات المسموح بها لمشاهدة الكرتون للاطفال وهي ساعتين اسبوعيا فقط.

لا يغفل عاقل حقيقة أن فن الكرتون حقيقة فنية لا يمكن تجاوزها او منع الاطفال من مشاهدتها خاصة وان لها ايضا فوائد مهمة في التنشئة اذا ما نجحنا في استثمارها، ومنها: انها توسع أفق التفكير لدي الأطفال وتكرس بعض القيم الإيجابية في نفوس الأطفال مثل التعاون، والصداقة، والأمانة والأخوة وتوضيح بعض المفاهيم التي يركز عليها الطفل في هذه المرحلة، مثل: الخير والشر، والصدق والكذب، وأيضا تنمية المعرفة والقدرة على الابتكار والتفكير، كما تساعد بعض الرسوم المتحركة الحديثة الطفل على اكتساب الصفات الإنسانية الجيدة وتنمي شخصيته، ومن سلبيات الكثير من أفلام الكرتون أن يكتسب الطفل بعض الصفات ولكنها تتحول ايضا لسلاح قاتل اذا ما شاهد الطفل في افلامها الجريمة والعنف والاقتتال .

الأمل..
لا أمل لدينا في الحفاظ على الطفولة العربية الشرقية من المحو الحضاري الذي تبثه افلام الكرتون الغربية سوى بذل الجهود الحكومية والاجتماعية على مستوى المجتمع والافراد والمؤسسات في تبني مشروعات فنية عربية شرقية لانتاج افلام كرتون تستطيع المنافسة عالميا وهو ما يمكن تحقيقه باعطاء حوافز لمنتجي افلام الكبار لتشجيعهم على دخول هذه الصناعة مثل الاعفاء من الضرائب وحفز دور العرض لتقديم كرتون عربي للاطفال يقبل رياض الاطفال طلاب المدراس الصغار عبر تنظيم رحلات اسبوعية او شهرية لهم وتشجيع الفضائيات العربية على انتاج هذا اللون الفني وحفز الرعاة والمعلنين بخفض نسبة الاعلان في برامج الاطفال وغيرها من الوسائل التي تسهم في انتاج كرتون عربي يحمل قيم تراثنا العربي والاسلامي وتشجيع الكتاب والمبدعين على كتابة اعمال ادبية بها شخصيات تكون قدوة نقدم من خلالها رسالة التى نريد ان نعلمها لأطفالنا بعيدا عن الأعمال المدبلجة والمترجمة البعيدة عن قيمنا واخلاقياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وان نحدد المرحلة العمرية لكل عمل فني نقدمه مثلما نحدد على كتاب الطفل تماما .

وكما ينصح المتخصصون فان الاسرة مطالبة بتحديد ساعات مشاهدة الطفل للتلفاز الى ساعتين متقطعين في اليوم، على ان تتابع الأم ما يشاهده الطفل من أفلام، والتحاور معه لتصحح له لافكار المغلوطة وتبرز له الفرق بين الخيال والواقع وتجيب عن كل ما يدور في عقل الطفل من اسئلة تحتاج لإجابات شافية بصورة مبسطة وسليمة .

أما المؤسسات التربوية والاجتماعية المحتلفة، فهي مطالبة بتحفيز الطفل لاكتساب الهوايات والمهارات الحياتية مع تشجيع الطفل على اللعب مع اقرانه داخل رياض الاطفال ومع ابناء الجيران وفي النوادي وفي المدراس لتكوين علاقات انسانية اكثر تفاعلا، لا سيما في القراءة والمطالعة