السبت، 18 يوليو 2020

وباء الالعاب الالكترونية أشد فتكا من كورونا

 يحتاج الاطفال والمراهقين الى اللعب كحاجة اساسية في نمو قدراتهم العقلية والنفسية والبدنية، حيث يمنحهم اللعب متعة التسلية والترفيه والتفاعل الانساني وتنشيط ملكات الخيال الابداعي بجانب التخلص من الطاقات السلبية وتحقيق الاسترخاء.


هذه الحاجات الانسانية استغلها مبتكرو الالعاب لاشباع حاجات هذه الفئات العمرية عبر العاب الفيديو وغيرها وتطويرها عبر اشكال عديدة من الالعاب الالكترونية التي غزت شاشات المحمول والكمبيوتر لتحقق ارباحا مالية طائلة مستفيدة في ذلك مما تتضمنه هذه الالعاب من الغاز واثارة وتشويق.

حققت الألعاب الالكترونية اهدافا ممتعة  كوسيلة للتواصل والمشاركة والتفاعل الاجتماعي، مع الأصدقاء والإخوة والأشقاء، وبين الآباء والأبناء، حيث يجري اللعب ضمن إطار اجتماعي متفاعل. كما انها تنمي الذكاء عند الطفل وتوسع مداركه حيث تزيد من مستوى التركيز والتدقيق والفهم، وتنمّي التفكير بطريقة حل المشكلات، والتوجه إلى الهدف.

وعملت الالعاب الالكترونية خاصة الفنية والموسيقية علي تنمية الوظائف الإدراكية من خلال تطوير هيكل الدماغ، وخلق مسارات عصبية جديدة وأجهزة إرسال لتحسين الأداء.

الألعاب الالكترونية تشبه في معظمها الألعاب الرياضية التي يمارسها اللاعبون، لكنها تدار من خلال أجهزة التكنولوجيا، مثل: جهاز التلفاز، والهاتف المحمول، وجهاز الكمبيوتر، وغيره، لكنها تسببت في غرس الميول العدوانية والاتجاه الي القتل واشكال متعددة من الجرائم في نفوس الاطفال والمراهقين مما بات يهدد سلامة المجتمعات وامنها الداخلي.

بل وتحولت هذه الالعاب الي ادمان أقرت به منظمة الصحة العالمية عام 2018، في الوقت الذي غفل فيه معظم الاباء والمربون عن مخاطر هذه الالعاب او على الاقل قللوا من تأثيرها لانشغالهم بعملهم وربما حياتهم الخاصة وانعزالهم عن ابنائهم وغياب التواصل الاسري الفاعل والحوار المشترك او الحياة الاجتماعية المستقرة.

فرح الاباء بتعلم صغارهم بعض مفردات اللغة الانجليزية، وتفاعلهم مع تكنولوجيا العصر الرقمية، وقدرتهم علي فتح باب للحوار مع الاخرين، متغافلين بذلك عن ان صغارهم يتواصلون مع غرباء مختلفين في ثقافتهم وافكارهم وميولهم واهدافهم وعاداتهم وتقاليدهم، وان بعض الالعاب الالكترونية تدس السم في العسل حين يتشرب الابناء منها ثقافة العنف والقتل وتدمير الممتلكات ومواجهة رجال الشرطة او الدخول في حروب ناهيك عن استغلال الاطفال من جانب الجماعات الارهابية وامكانية تجنيدهم لاحقا فيقعون في فخاخ منصوبة بدقة على ايدي شياطين الانس.

ربما جاء وباء كورونا ليوقظنا علي حقيقية شديدة المرارة، وهي ان مجتمعاتنا تعيش منذ سنوات في ظل وباء الالعاب الالكترونية وان العزلة الاجتماعية في المنازل ساهمت بشكل كبير في زيادة مبيعات الالعاب الالكترونية واستخدامها بشكل مفرط، حيث ارتفعت اسهم شركات الالعاب في البورصات العالمية بسبب تزايد اللاعبين النشطين.

يؤكد ذلك  تقرير أعدته شركة الإنترنت الرائدة «تنسنت» ولعبة «ببجي موبايل»، أظهر أن قيمة سوق الألعاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبلغ نحو 6 مليارات دولار بحلول عام 2021، وذلك مقارنة بحوالي 4.8 مليار دولار في عام 2019.

ولاشك ان ذلك سيلقي بعواقب وخيمة علي حياتنا الاجتماعية والأمنية بعد انتهاء وباء كورونا حيث ستتعاظم افكار العنف والجريمة لدي الاطفال.

تعريف الالعاب الالكترونية

الالعاب الالكترونية تعرف بأنها سلعة تجارية تكنولوجية وتمثل جزءا من  الثقافة الرقمية الحديثة وتهدف للمتعة والتسلية  لكنها تخرج عن هذا الغطاء الي مضامين اخرى اكثر خطورة على الفرد والمجتمع.

بدأت الالعاب الالكترونية بين عام 1967 م وعام 1969 م  بالصندوق البني وهو أول نظام ألعاب فيديو متعدد اللاعبين و البرامج و مهد الطريق إلى تطوير العاب الفيديو حتى وصلت الى هذا الشكل الحالي.

أنواع الألعاب الإلكترونية:

تتعددالألعاب الإلكترونية حسب طبيعتها، فهناك  ألعاب المحاكاة كالتي تحاكي الواقع، مثل ألعاب سباق السيارات، أي تحاول إدخال اللاعب في أجواء تشبه الحقيقية.

وألعاب القتال: تلك التي تعتمد على النزالات والمعارك والحروب وما يندرج أسفل منها من أفكار.

وألعاب الحركة: وهي تعتمد على فنون الحركة من قفز وتسلّق وما إلى ذلك من أنشطة بدنية.

وألعاب المغامرات: ويندرج أسفل منها الألعاب التي تقوم على لغز وعلى اللاعب المساعدة في حلّه.

كما تتعدد العوالم الافتراضية، ومنها العوالم المخصّصة للتعليم التي تحاول خلق فرصة مناسبة للتعليم والتلقين، وهي من إيجابيات بعض الألعاب الإلكترونية.

العوالم المخصّصة للترفيه والتسلية، العوالم الموجّهة وهي التي تمثل مكمن الخطورة لانها تبث فكر معيّن عبر البيئات الافتراضية التي تخلقها للاعب، منها ما يعلّم المتلقّي العنف أو الإرهاب أو التفكير المنحرف يه.

خطورة الالعاب الالكترونية

خطورة الالعاب الالكترونية تكمن في جعل الصغار يعيشون في عالم افتراضي وباستخدام مستوى هائل من التطور التقني يصبح هذه العالم الافتراضي  أقرب إلى العالم الحقيقي بسبب المحاكاة والتفاعل والتأثير البصري والصوتي والحركي، بجانب تنوع هذه الألعاب وجاذبيتها الي سقف الإدمان، وتسبب الكثير منها الحاق اضرار نفسية بالصغار، وبعضها الاخر مستوحى من الصراعات والحروب وتشكل به سلوكاً عدوانياً عند الأطفال والمراهقين وقد يدفعهم الى محاكاة هذه الحروب اذا ما تم استغلالهم من جانب الجماعات الارهابية.

وللأسف فان بعض هذه الالعاب تكسب الصغار مهارات شديدة السلبية بدءا من تعلم الألفاظ السوقية والعنصرية والألفاظ البذيئة مرورا بالعاب تحتوي على مشاهد جنسية متنوعة بعضها يرتكب فيها جرائم اغتصاب والبعض الأخر جرائم تحرش جنسي وهو ما قد يعتقد الاطفال معه انه مسلي ويمكن تطبيقه علي ارض الواقع.

وللأسف فان صانعو هذه الالعاب يستعينون بعلماء نفس وخبراء في الأعصاب والسلوكيات حتى يتم تصميم لعبة أكثر جاذبية مع التركيز على تقنية الإقناع، وتدور حروب بين الشركات المصعنة لهذه الالعاب للاستحواذ على عقول الصغار والناشئة ويحققون من وراء ذلك اعلى الارباح التي قدرت بأكثر من ١٣٧ مليار دولار.

لعبة Fortnite

حقتت أرباحا عام ٢٠١٨ أكثر من ٣ مليار دولار، وهي مشهورة بين الأطفال الذين عمرهم أقل من ١٢ عام، وتحتوي على الكثير من مشاهد العنف التي لا تصلح الا للأطفال الذين يبلغ أعمارهم اكبر من ١٢ عاماً. واللعب فيها  جماعي ومع أشخاص مجهولين وداخل العوالم الافتراضية دون ان يكون هناك  سيطرة على محتواها.

وقد اثبتت الدراسات والأبحاث إن الألعاب الإلكترونية تسببت في وقوع المآسي خلال الخمسة والثلاثين عاماً الأخيرة بازدياد السلوك العنيف وارتفاع معدل جرائم القتل والاغتصاب والاعتداءات الخطيرة بالمجتمعات.

كل شعوب العالم شهدت وقوع ضحايا ابرياء لهذه الالعاب، مثل لعبة الحوت الأزرق ومريم وكذلك ببجي وغيرها، والتي دفعت مراهقين إلى الانتحار والقتل والعنف، ورغم ذلك فان هذه الجرائم تعد نقطة في بحر مخاطر الالعاب الالكترونية المتوقعة، حيث تقود تقنية الواقع الافتراضي الي زيادة نسبة العنف بين اللاعبين عبر توافر أجواء خيالية يشعر فيها اللاعب أنه داخل الحدث يقاتل بنفسه، ويسرق ويفكر بعبقرية في الهروب من الشرطة.

وقد تدفع الالعاب الالكترونية الاطفال الصغار الى السرقة وربما احترافها حتى لو بدأت بسرقة الالعاب التي يحبها من المتاجر والاسواق لتصبح عادة سلوكية منحرفة  بعد ادمانه لهذه الالعاب.

أسباب انهماك الاطفال في الالعاب الالكترونية

 للاسف، فان كثير من الاباء والامهات تسببوا في ادمان صغارهم لهذه الالعاب، بتوفير هذه الالعاب  للابناء بغية اسكاتهم، والبعض الاخر من اولياء الامور تجاهلوا اهمية القيام بدورهم الرقابي على الابناء مع غياب للغة الحوار وظهور حالة من التوحد، وكل هذه العوامل توفر للصغار بيئة غير سوية نفسيا وجعلتهم نهبا لالعاب الالكترونية وتجارها وسمومها بما تبثه من ثقافة عنف دموي وهدم للمقدسات والقيم والهوية العربية وغرس روح الانانية واللامبالاة.

وعلى ذلك فان  قتل أحد الطلبة مستخدمي لعبة" ببجي" لمعلمته، يبدو امرا طبيعيا في ظل ثقافة هذه الالعاب التي تحقق اشباعا كبير من مغذيات العنف والرغبة في التدمير.

والطامة الكبرى ان بعض هذه الالعاب تركز على تشكيل جماعات وعصابات والتواصل بين اللاعبين صوت وصورة من كافة أنحاء العالم ومن كلا الجنسين.

مشكلات صحية

وتسبب ممارسة الالعاب الالكترونية في حدوث العديد من المشكلات الصحية مثل: إجهاد العين، والسمنة والكسل، والركون إلى الراحة، وعدم ممارسة الرياضة بشكل منتظم، والادمان، وفي هذا السياق كشفت مجلة المعلم  في دراسة لها عن قياس درجة إدمان استخدام الهاتف المحمول؛ عن أن الأطفال يعجزون عن التخلي عن أجهزتهم الإلكترونية لأكثر من 30 دقيقة، وخصوصًا مع الهاتف النقال.

والمفزع ايضا ان هذه الالعاب، قد ألهت الصغار عن الدراسة وجعلتهم يعزفون عن التحصيل الدراسي، مع تراجع دور الاسرة والعالم والمؤسسات الدينية، بل انها شجعت المراهقين على الهروب من المدارس.

توصيات

وهنا يجب على الحكومة الاردنية باجهزة اتصالاتها بذل الجهد لحجب هذه الالعاب الخطرة، وتوعية مستخدميها وذويهم بخطورة هذه الالعاب.

ويجب ان يكون هناك مراقبة من الأسرة في المنزل للصغار وعدم تركهم فريسة سهلة لهذه التكنولوجيا المتطورة، والتحرّي عن الأشخاص الذين يلعبون معهم وأعمارهم.

منع الاطفال أقل من سنتين إلى 3 سنوات من استخدام الهواتف المحمولة واستبدال حاجتهم للعب بادوات التلوين والصلصال والقصص والألعاب الحركية والمكعبات والكرة.

بذل جهود خبراء التكنولوجيا الرقمية في بلادنا الى ابتكار بدائل وأنشطة لجذب الشباب والأطفال خارج تلك الألعاب الإلكترونية، مثل إنشاء محتوى للألعاب الإلكترونية الهادفة وعمل مسابقات عليها يتم من خلالها جذب مستخدمي تلك الألعاب.

تشجيع الشباب الاردني لابتكار ألعاب مماثلة تكون تحت إشراف محلي، وبدعم من بعض المستثمرين الوطنين الشرفاء.

تشريع  نصوص قانونية يجرّم الترويج للألعاب الإلكترونية التي ثبت مخاطرها الفكرية والامنية.

للاعلام والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والمدنية دور مهم جدا من خلال تنظيم حملات توعوية للاسر بمخاطر هذه الالعاب، ودفعهم الى مشاركة الأطفال هذه الألعاب ومعرفة محتواها، واختيار الألعاب المفيدة لهم والتي تحفزهم على الإبداع، وقضاء وقت أطول بين أفراد العائلة لتقوية الترابط بينهم.

يمكن نشر الوعي بين الاباء بانواع الالعاب المفيدة للأطفال، لتنمية أساسيات الكتابة والقراءة لديهم وشراؤها من المتاجر الموثوق بها.

وفي ظل كورونا، اعتقد انه من الضروري العمل علي نشر الوعي باهمية الألعاب التنموية والتي تحتاج إلى تفكير كالشطرنج والألعاب الرياضية والعاب الالغاز وغيرها والالعاب الرياضية التي يمكن ان تمارس في المنازل.

تشجيع الاباء ومؤسسات الاعلام للصغار على تنمية مواهبهم الاخرى كالموسيقى والرسم والنحت وكتابة الادب، او غرس ميول جديدة مثل تربية الحيوانات واقتنائها مثل الحمام والعصافير والقطط لشغل وقت الفراغ ولتبادل التفاعل الانساني مع الطبيعة.

وتبقى مشاركة الاباء مع ابنائهم لحظات لعبهم خطوة مهمة في تجنب مخاطر هذه الالعاب، وان لم يكن للاباء قدرة على اللعب او فهم هذه الالعاب فيمكن ان يطلبوا من ابنائهم تعليمهم اياها ليشاركوهم فيها ومعرفة ابعادها وكشف ما فيها من مخاطر وتوضيحها للابناء.

الجمعة، 10 يوليو 2020

‎ثقافة الحوار ضمان لسلام الدول والشعوب

 يعاني مجمتعنا الانساني اليوم من تناحر وحروب وتعصب وكراهية وقطيعة وعداوة بين الناس، وأدت الى جرائم الارهاب البشعة نتيجة تفشي امراض التسلط والقهر وغياب ثقافة الحوار في المجتمع رغم انتشار العلوم والمعارف، وكأننا نعيش عصر الجاهلية في زمن الالفية الثالثة للميلاد !!!


‎واظن ان قضية تفعيل الحوار بين الافراد والمجتمعات والشعوب والدول من شأنه ان يوظف قدرتنا الثقافية والمعرفية لتحقيق التفاهم والتواصل الانساني والتعاون في حل المشكلات والخلافات المشتركة بروح التسامح والصفاء بعيدا عن العنف والاقصاء.

‎وبما ان أي حوار يهدف الى معرفة وجهات النظر المختلفة لفهم القضايا الخلافية من زوايا متباينة وتوصيل الحقيقة للآخرعن اقتناع وقبول، وإقامة الحجة ودفع الشبهة والتصدي للأفكار المنحرفة كالأفكار التي تدعو إلى التحريض والتطرف وتبث أسباب الكراهية والفرقة وتهدد وحدة الأمة وتماسكها.

‎فان القبول بمبدأ الحوار يبدو صعبا للغاية خاصة في ظل انتشار الانانية والتعصب للرأي ونتيجة حتمية لغياب ثقافة الحوار كسلوك انساني نتبادله في حياتنا اليومية كما نتبادل الماء والهواء ولقمة العيش.

‎ثقافة الحوار
‎الحوار عندما تتشربه المجتمعات يكون جزءا اصيلا من تفكيرها ونمط سلوكها اليومي، وقد تجلت قيمة الحوار كثقافة انسانية ضروية ملحة في ألفيتنا الثالثة للميلاد، خاصة بعد ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وبذلك صار قبول الآخر والحوار معه ضرورية كونية فرضتها معطيات عصرنا.

‎فالثقافة الكونية التي نعيش معطياتها فرضت علينا جميعا بحث سبل العيش معا في قرية كونية صغيرة وفق حوار انساني وحضاري، وهنا فان " ثقافة الحوار" في زماننا قد اتسعت رقعتها لاقصى مدى، فهي تقوم على قاعدة رؤية تشمل المخالفين لنا وتلتمس لهم الأعذار وتعطي لهم الحق في الاختلاف والتعبير.

‎والمفهوم الواسع لثقافة الحوار يشمل كل العملية التعليمية في المدراس او الجامعات، فلم يعد التعليم قاصرا على تعلم المعرفة وتعلم التطبيق، بل امتد لتعلم كيفية ان نعيش مع الآخرين ونحاورهم.

‎ووفقا لهذا الاتساع لدائرة ثقافة الحوار، فان التقارب الفكري والثقافي بين الشعوب والحضارات صار ضرورة حياتية لتحقيق التعايش الانساني المشترك، فنحن بنو البشر محتاجين لبعضنا لفهم الحقيقة وانه لا يمكن لأحد بمفرده ان يمتلكها، مما يعني ضرورة الاعتراف بقيمة الآخر وقدرته، وان الحوار معه هو جزء اصيل من أخلاقيات التفاهم الدولي وبناء أسس التعايش السلمي.

‎ثقافة الحوار ضرورة
‎ومن هنا يجب تكريس ثقافة الحوار عبر المؤسات المختلفة بدءا من مؤسسة الاسرة عبر الحوار المتكافئ بين الوالدين وتوريثه للابناء وتوجيهم خلال مراحل التنشئة، مرورا بالمؤسسات الدينية كالمسجد والكنسية بحيث تتضمن الخطب الوعظ موضوعات تكرس لقبول الاخر وفن التفاهم معه على أسس من الحوار الراقي المقنع بالحجة والبرهان.

‎وكذلك الحال داخل المؤسسة التعليمة وصولا للجامعة فيجب ان تغرس قيم الحوار كأساس للعلاقات الانسانية التي تنفتح على الاخر وتقبل الاختلاف معه على ارضية التفاهم المشترك

‎اما بالنسبة للمؤسسة الاعلامية بكل قنواتها الحكومية وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، فلها دور كبير في توجيه الشعوب تجاه القضايا المحلية والعالمية، ولذلك يجب فيمن يتصدى للعمل الاعلامي ان يكون ملتزما بأداب الحوار وثقافته لينتقل ذلك تباعا الى الملتقي فيصبح سلوكه حضاريا.

‎وكذلك دور المؤسسات السياسية الحكومية او المعارضة، حيث يجب ان يكون لها دور كبير في ترسيخ قيم الحوار في نفوس المواطنين؛ لانهم يتكلمون بإسم الشعب. فينبغي على السياسي ان يلتزم بمبادئ النقد البناء وان يتحلى بقيم التسامح ونبذ خطاب العنف والتطرف بشكل يعزز فكرة قبول الحوار كبديل للعنف واقصاء الخصوم السياسيين ومبدأ العيش المشترك كوسيلة للتنمية والتطور. وأظن ان غياب ثقافةالحوار في بلادنا العربية حولتها الى ارض محروقة ينبت فيها النبات الشيطاني والارهابي فقضي على الامن والاستقرار، وعلى ذلك يبقى الحوار هو الضامن لمجتمعات آمنة ومستقرة.

الأربعاء، 1 يوليو 2020

توظيف كورونا في مؤامرة

 رغم وحشية الرأسمالية الجديدة فقد حافظت بعض قطاعات الطبقة الوسطى في العالم على تماسكها وعدم انزلاقها الى خط الفقر، حتى جاءت حائحة كورونا والتي لم تنته بعد وبحسب تأكيد العلماء والمختصين ان لها موجات اخرى ولا يعرف العالم اين ستنتهي في ظل عدم توافرعلاج ناجع لها حتى الآن، فان الطبقة الوسطى قد تختفي من خريطة العالم اذا ما استمرت هذه الجائحة بكل تداعياتها الاقنصادية وتسبب في غلق النشاط الاقتصادي.


يبدو في ظل هذا الواقع القاسي ان كورونا مؤامرة صنعت من أجل الاجهاز على الطبقة الوسطى في العالم وخاصة في دولنا العربية الهشة اقتصاديا ليزداد الاغنياء ثراء والفقراء فقرا مدقعا وتنزلق الطبقة الوسطى الى هاوية الفقر.

هذا الواقع أكده مؤخرا تحذير المدرسة الروسية العليا للاقتصاد من انتشار الفقر بين ممثلي الطبقة المتوسطة وبحسب ياروسلاف كوزمينوف، عميد المدرسة الروسية العليا للاقتصاد، فان دخل جميع طبقات المجتمع الروسي، والطبقة المتوسطة بصورة خاصة، قد تراجع  نتيجة أزمة الاقتصاد الوطني المتصلة بتدابير الحد من تفشي كورونا.

وأعرب عن قناعته بأن الأغنياء سيبقون أغنياء حتى بعد فقرهم، والفقراء سيبقون فقراء، أما الطبقة المتوسطة، التي تحمل الآن العبء الأكبر، فهناك مخاطر جدية من أن تنزلق نحو الفقر.

وبينما أتخذت الحكومات عدة اجراءات لدعم الفقراء ومحدودي الدخل باعانات رمزية تحفظهم من المجاعة فان الطبقي الوسطى تعرضت لازمات بخفض رواتبهم الحكومية او فقدانهم لوظائفهم في القطاع الخاص، او غلق محلات وورش اعمالهم، ناهيك الى لجوء بعض الدول لفرض ضرائب جديدة على المواطنين لتدبير اموال لمواجهة تداعيات كورونا او الغائها الدعم على بعض الخدمات كالكهرباء وغيرها كما هو الحال في مصر، أما في لبنان فقد اجهزت كورونا على الطبقة المتوسطة تماما خاصة في ظل فساد حكومي مستشري سياسي واقتصادي اضاع قيمة الليرة ورفع سعر شراء الدولار.

وفي الاردن فقد الكثيرون وظائفهم نتيجة اغلاق اصحاب الأعمال والحرف انشطتهم ودخل بعضهم في خانة الفقر.

وفي العراق التي تعاني ما تعاني من اقتصاد و فساد و قلة انتاج تاثر السوق العراقي بجائحة كورونا من حيث استيراد السلع الغذائية والمحاصيل الزراعية الذي يبلغ 12.4 مليار دولار سنويا من إجمالي الاستيراد الذي يتجاوز 40 مليارا،حيث ان الانتاج المحلي العراقي لا يصل لمستوى الاكتفاء الذاتي بسبب عدم تنفيذ قانون التعرفة الجمركية كما ان سعر صرف الدولار بصالح الاستيراد .  
مما يساهم في الازمة الاقتصادية و التنمية وبالتالي تتاثر الطبقة الوسطى و يزداد الفقر

وفي عامة البلدان تسببت جائحة كورونا في زيادة أسعار سلع الخدمات وزيادة معدلات البطالة والضرائب مما ادخلها في حالة من الركود الاقتصادي خاصة بعد ان عجزت الطبقة الوسطى عن تلبية احتياجاتها اليومية بفعل هذا التضخم.

فالتحديات الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورنا كما ظهر للجميع حتى الآن ستقضي على ما تبقّى من الطبقة الوسطى  بفعل تراجع الانتاج والدخل الشهري والقيمة السوقية نتيجة لتحديات الملف الإقتصادي وتضاؤل الإنتاجية والمدخولات وضعف القوة الشرائية نتيجة التضخم.

واذا كانت الطبقة الوسطى تمثل القوة الشرائية الاكثر قيمة وايضا اعتدالا في العالم، فلصلاح من يتم تآكلها والاجهاز عليها تارة بفعل عوامل من الفساد وأخرى بتأثيرات الرأسمالية الجديدة، وثالثة بفعل كورونا وكأنها مؤامرة وخيانة بحق هذه الطبقة؟

الخالق العظيم جل شأنه جعل الناس درجات، وجعل الافضلية في الزمان والمكان وحتى جعل في الجنة والنار درجات، وعلى ذلك فان هذه الدرجات من سنن الله في خلقه، وكل من يحاول تغيير هذه السنن يكون وبالا على العالم، وأظن العالم لم يعد يحتمل وبالا اكبر من كورونا.

على ذلك، فانني ادعو حكومات وقادة العالم شرقا وغربا الى الحفاظ على الطبقة الوسطى من الانحدار لطبقة الفقراء، باعتبارهم عامود التوازن الاجتماعي والاقتصادي بالعالم، وأي خلل لهذا العامود يؤدي الى انهيار هذه المجتمعات.