الأحد، 24 يناير 2016

العنف والعنف المضاد في عالمنا العربي أخطر ما يهدد أوطاننا بقلم الكاتبة سارة السهيل

العنف والعنف المضاد في عالمنا العربي أخطر ما يهدد أوطاننا بقلم الكاتبة سارة السهيل


تنامت ظاهرة العنف في الشارع العربي من المحيط الي الخليج بشكل بات يهدد أمن واستقرار الأمن الاجتماعي العربي، خاصة وانه خلف العديد من الضحايا الأبرياء .

وفيما تبادل الشارع العربي كل أشكال العنف بين أفراده، فإنه يتبادل العنف أيضا مع مؤسسات دولته، مما يدفع المؤسسات العربية خاصة الشرطة للدخول في مواجهات موازية لردع هذا العنف الواقع عليها وعلى المجتمع سواء، لنظل في دائرة مفرغة من العنف لا تنتهي .فمن منا لا يرى يوميا صراعا على الأحقية في الشارع لسير السيارات، ولأخذ مكان لصفها على الأرصفة أو داخل الكراجات (المواقف). ومن منا لا يرى الأطفال وهم يمارسون لعبة كرة القدم وكل مجموعة تحاول السيطرة على أرض ما من أجل أن  تمارس رياضتها، ولعل العنف بين طلاب المدارس خاصة الثانوية حيث ذروة المراهقة أكبر نموذج على ذلك .

ومع تعدد آفات العنف من إساءات غير أخلاقية  للنساء وتطاول لفظي وجسدي متبادل بين أفراد المجتمع وأيضا اشتباكهم مع رجال الأمن بجانب تبادل العنف السياسي فيما بين الأحزاب السياسية وغيرها، فان ذلك يعكس من وجهة نظر إجتماعية صرفة وجود تنافر اجتماعي نتيجة العديد من العوامل يمكن اختصارها في وقوع ظلم اجتماعي يأتي العنف للتنفيس عنه إخراجه على السطح.

ورغم أن العنف الإجتماعي يعد ظاهرة عالمية إلا أنه في عالمنا العربي قد استفحل خطره وزادت معدلات جرائمه خاصة بعد ثورات الربيع العربي، التي خلقت كيانات سياسية وقتالية تحفز على الاقتتال والتناحر الداخلي تحقيقا لمكاسب خاصة، في الوقت الذي تراجعت فيه الي حد كبير منظومة القيم العربية الأصيلة فيما يعرف اصطلاحا بالأعراف الاجتماعية التي كانت تكرس للتسامح والتصالح بين الفرقاء.

ولعل ما تشهده مجتماعاتنا العربية من حمل سلاح آلي  أو أبيض او عصا يحملها الشاب، كارثة تعبر عن الإنحراف السلوكي الذي نشأ في الطفولة وجرى اهماله دونما علاج ـ بحسب خبراء علم النفس ـ فاستفحل لغياب مفهوم القدوة وغياب الدور الرقابي والتربوي والتثقيفي لمؤسسات الأسرة والمجتمع ككل .

وتنتشر ظاهرة الإنحراف السلوكي المؤدي لثقافة العنف الاجتماعي في مناطق الصراعات خاصة في العراق وفي مجتمعات الزحام مثل مصر حيث الكثافة السكانية المرتفعة، وفي البلاد التي يغيب فيها وجود الدولة ومؤسساتها مثل الصومال وليبيا  .

وبحسب دراسات المتخصصين في علم النفس الإنحراف السلوكي يبدأ لدى الإنسان منذ نعومة أظافره من سن 3 الي 6 سنوات  فيتشبعون بالعنف وعندما يصلون الى سن المراهقة يصبح لديهم ميل شديد للعنف دون معرفة أسباب لذلك، غير أن علماء النفس يصفون هذه النماذج بالشخصيات "المضادة للمجتمع"، ولعل هذا المصطلح هو أصدق وصف لهؤلاء الذين عرف عنهم سوء التوافق مع الآخرين والاصطدام بالقوانين، وهو ما يوصف أيضاً بالسيكوباتية والتى تعرف لدى العامة "بالبلطجة" أو "الإجرام" الذى يتصف به الأشخاص الذين يعرف عنهم الميل إلى ارتكاب الحوادث وتكرار ذلك دون رادع من ضميرهم أو خوف من العقاب الذى ينتظرهم.

مظاهر العنف

رصدت مؤسسة مؤشر الديمقراطية التابعة للمركز التنموي المصري وقوع 1641 حادث عنف و"إرهاب" سياسي في الأشهر الثلاثة الماضية، بمتوسط 16 حادثا يوميا، أي حادثة واحدة كل ساعة ونصف.

ووفق تقرير أصدره المؤشر، تسببت حوادث العنف في مقتل 174 شخصا، وإصابة أكثر من 600 منذ بداية العام 2015 رغم العمليات العسكرية التي تنفذ بسيناء ضد ما وصفه بالبؤر الإرهابية. وأوضح التقرير أن شهر يناير الماضي شهد 664 حادثا، بينما وقع في فبراير 419 حادثا، وجاء شهر مارس في المرتبة الثالثة بـ378 حادثا. 

وجاءت زراعة المتفجرات في الأماكن العامة والمؤسسات في الصدارة حيث سجل انفجار 286 عبوة ناسفة وصوتية، بينما تم إبطال مفعول 535 قنبلة، وفق نتائج مؤشر الديمقراطية.

وذكر التقرير أن الجهاز الأمني للدولة تورط في 228 حادث عنف، فاعتمد في مواجهة العنف بالعنف تارة وبالتعبئة الإعلامية تارة أخرى، وهو ما صنع مناخا محفزا للمزيد من العنف المتبادل .

الظلم الاجتماعي

ورغم ان ثقافة العنف تعتبر واردة الينا من الغرب عبر افلام الأكشن والبطولات الزائفة كما أن لها بعض الجذور في التاريخ العربي  لو تمعنا ببعض القصص والروايات التاريخية سنجد صورا للعنف في فئات محددة  بالمجتمع وبحقب زمنية بعينها  أحيانا من أفراد أو مجموعات  وأحيانا من السلطات أو الحاكم اتجاه  الناس ولكن بعد المدنية ودول القانون و الاستقرار السياسي الذي عاشه العالم العربي والإسلامي القرن الماضي على الأقل أمنيا  نجد تراجعا بالعنف عن ما كان في التاريخ الماضي الأبعد، الا انه العنف في مجتمعاتنا تنامى من جديد بفعل تنامي الظلم الإجتماعي وضياع الحقوق وغياب العدالة الإجتماعية نتيجة تفشي الرأسمالية المتوحشة في أوطاننا، والأزمات الإقتصادية الطاحنة التي تعاني منها معظم الدول العربية، بجانب غياب الديمقراطية، وهذا الظلم الإجتماعي يتنافي تماما مع قيم العدالة التي كرسها ديننا الإسلامي و الديانات السماوية جميعاً  وثقافتنا الداعية للتعاون والتكافل والمحبة والتسامح.

ولعب غياب منظومة هذه القيم  الإنسانية الرحيمة عن بلادنا دورا  قد أشعر الشباب بالغربة النفسية داخل اوطانهم ، وزاد الطين بلة عدم تركيز الإعلام علي تقديم النماذج القدوة التي يجب ان يحتذيها الشباب الا من نجوم الفن والرياضة.

الميديا والعزلة الاجتماعية

لعبت الميديا من موبايلات مرئية وانترنت وغيرها دورا مهما في نشر ثقافة العنف، ربما بطريقة غير مباشرة اذ انها ساهمت في معايشة الناس  لعالم افتراضي غير حقيقي في ظل عوملة كاذبة، جعلتهم  اكثر انطوائية ومن ثم غير قادرين على التفاعل الإيجابي مع المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تعيشها اوطانه، في الوقت الذي غاب فيه مفهوم الحوار الحقيقي بين افراد المجتمع ككل ومؤسساته.

لاشك ان ما نشهده في اوطاننا من عنف اجتماعي يمثل كارثة تهدد سلامة البنيان الإجتماعي العربي، خاصة في ظل استمرار تردي الحالة الاقتصادية، واختلافات الاتجاهات السياسية، وتنامي العنف من جانب الأفراد وما يقابله من عنف مضاد من جانب الاجهزة الشرطية . ومما زاد الطين بلل انتشار تعاطي المخدرات بين فئات الشباب في المجتمعات العربية مما يفقد سيطرت المتعاطين القدرة عل التحكم فى سلوكهم وضبط ادائهم العقلي مما يعني استمرار مقومات العنف الاجتماعي مستقبلا .
 عوامل عديدة للعنف

ويرفض علماء الاجتماع ارجاع ظاهرة عنف المجتمعات العربية الي عامل واحد فردي او مؤسسي، مؤكدين انه لا يرجع إلى أسباب فردية بحتة او تربوية أو سيكولوجية، وإنما يعود إلى طبيعة المؤسسات والنظم الاجتماعية والعامة، التي تكرس نظمها الاجتماعية جميعها للعنف ضد افراد المجتمع .
وأنا أميل لهذا التصور، خاصة واننا نجد المؤسسات التعليمية تقوم بضرب التليمذ كنوع من التربية، وتعاقب المرأة بالعنف الاجتماعي بالزواج حيث سلطة الزوج الفردية الظالمة أحياناً و العنف ضد المرأة  اذا ما طلقت او ترملت او فاتها قطار الزواج وعنف المؤسسات الدينية التي تكرس لفوضي الفتوي الخاصة بالقتل والتعذيب، ناهيك عن  تعرض افراد المجتمع لكل اشكال العنف عبر الدراما التي يشاهدها علي الفضائيات فتترسخ في داخله علي انه سلوك طبيعي.

روشتة علاج

ان ظاهرة العنف الاجتماعي في عالمنا العربي تحتاج الي تضافر جهود المؤسسات الفاعلة في احتواء المواطن العربي وامتصاص غضبه وثورته، عبر وضع خطط فعلية لمواجهة المشاكل والأزمات الإقتصادية الصعبة، واستيعاب طاقات الشباب واستثمارها لتحقيق التنمية وشغله بالعمل ليخرج من الاغتراب النفسي الي الانجاز والتحقق .

ولاشك ان المؤسسات العربية بحاجة لبذل المزيد من الجهود بوضع خطط جديدة لمواجهة الأفكار الرجعية وأعمال العنف والتطرف والإرهاب نشر الثقافة والتوعية بخطر فكر العنف الهدام .

ولاشك ان  المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية يقع عليها عبء أكبر في نشر بث روح وقيم التسامح والأخلاقيات والضمير الوطني اعتبارها ابرز القيم التي نصت عليها كافة الأديان السماوية . غير ان هذه المؤسسات لا تستطيع انجاز هذا الدور المهم دون ان تسهم الدول العربية اعطاء هذه المؤسسات الأدوات اللازمة لإنجازه .

وتأتي معاقبة المجرمين في جرائم العنف كأخر وسيلة لردع العنف ومحاربته، لكي يتحقق الردع، فلابد من تطبيق القوانين الرادعة علي الجميع دون تمييز بين وزير وغفير احقاقا للعدالة الاجتماعية.