السبت، 12 يونيو 2021

العلاقات المصرية العراقية الأردنية وخطوة في بناء التكامل الاقتصادي

 العلاقات المصرية العراقية منذ فجر التاريخ وهي متجذرة ربما لتشابه الحضارتين في كونهما ينتميان الى الاستقرار الذي وفرته الطبيعة من العيش بجوار الانهار، وما استتبعه ذلك من بناء حضارات عريقة مستقرة أخذت مظاهر ثقافية ومعمارية وفكرية وسياسية واقتصادية، وايضا قانونية علما بها شعوب العالم القديم.


وانعكست هذه الروافد الحضارية على شخصية كل من الانسان المصري والعراقي في انفتاحه على الاخر وقبوله وايوائه واحتضانه ومده بالعلم والعطاء، فكان ما بين القاهرة وبغداد منذ القدم الي اليوم من الروافد التي يغذي بعضها بعضا.

فالتفاعل الحضاري قديما كان انموذجا للتكامل المعرفي والعملي، فقد أخذ العراق عن مصر نظام الهرم المدرج في بناء معابده، بينما أخذت الحضارة المصرية نظام استخدام الأختام، وفن رسم الحيوانات المجنحة.

ورغم ما شاب هذه العلاقات بين البلدين من فترات شحوب الا ان سحاباتها سرعان ما تنجلي ليعود الوئام والتعاون والمساندة بين الجانبين، هو ما تجلى في انقطاع العلاقات العربية بمصر بعد توقيع كامب ديفيد، ولكن مصر ساندت العراق ماديا ودبلوماسيا في حربها ضد إيران،  بينما سارعت العراق الى استعادة مصر عضويتها في جامعة الدول العربية 1984.

في الفترة الاخيرة شهدت العلاقات العراقية المصرية تطورا ملحوظا نابع من حاجة البلدين للتكامل السياسي والحفاظ على وحدة الدولة في مواجهة التحديات الخارجية من ارهاب او مؤامرات من بعض دول الجوار، ناهيك عن اهمية الارتباط العراقي بمصر لاستعادة العراق دوره الطبيعي في منظومة العمل العربي.

والحقيقة ووفقا لما تابعته بنفسي من حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تماسك العراق والحفاظ على ثوابته الوطنية وسيادته على ارضه باعلانه الواضح والصريح ان بلاده تدعم العراق جيشا و شعبا في مواجهة الارهاب، خاصة وان مصر عانت ولا تزال تعاني من جرائم الارهاب.

ومن ملامح مصداقية الموقف المصري في هذا الصدد، هو رفض الحكومة المصرية مقترح الكونغرس الأمريكي في أبريل 2015 بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم طائفية بين الشيعة والسنة والأكراد.

فالقيادة المصرية الحكيمة تدرك ان قوة العراق في الحفاظ على وحدة اراضيها بعيدا عن التقسيم والتشظي، كما تدرك ان الحفاظ على وحدة العراق هو حفاظ على الكيان العربي ككل من التصدع والانهيار.

في المقابل فالعراق لا يدخر وسعا للوقوف بجانب مصر في اي ازمة تستطيع مساندتها فيها، وأهمها توفير احتياجات مصر من النفط، واي قيادة عراقية تمسك بزمام الامور في البلاد تدرك تماما ان مصر هي العون والسند لها عند الشدة والازمة.

ولاشك ان توطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين من شأنه ان يحقق نهضة لكلا البلدين هما في أشد الحاجة اليها، خاصة في ظل تداعيات الأزمات الاقتصادية الناجمة عن تداعيات ثورات الربيع العربي وظهور جماعات الاسلام السياسي والجماعات الارهابية ما أحدثته من دمار اقتصادي بمعظم البلدان العربية وفي مقدمتها العراق.

ولذلك فان تطور التفاهمات المصرية العراقية الى علاقة تجارية تكاملية تقوم على منح النفط العراقي لمصر مقابل اسهام مصر في اعادة اعمار العراق، تعد خطوة مهمة جدا في تحقيق هذا التكامل الاقتصادي بين البلدين، والذي سوف يستتبعه تعاونا سياسيا وعسكريا.

ولعلي أثمن ذكاء القيادة العراقية في اختيار مصر للمساهمة في مشروعات اعمار العراق، فهى اختيار موفق للغاية لما تتمتع به شركات المقاولات المصرية من خبرة مشهود لها بالكفاءة والنجاح  في تنفيذ المشروعات المختلفة، آملة ان تتعمق هذه الخطوة فى زيادة الإستثمارات التجارية بين البلدين فى المجالات الأخرى تفيد شعبيهما بالخير العميم.

و يشمل هذا التعاون العراقي المصري تعاون عراقي مصري أردني في إطار التعاون الثلاثي الذي تحدث عنه مؤخرا سفير الأردن في مصر أمجد العضايلة أن عمان ستشهد قريبا باكورة اجتماعات متابعة وتنسيق تجمع الوزراء المعنيين من (الأردن ومصر والعراق) لضمان ديمومة التعاون المشترك وتنفيذ المشاريع المتفق عليها، والبناء على توجيهات القيادات السياسية للدول الثلاث، ضمن خطة عمل وجدول زمني لتحقيق أهداف الشراكة والتكامل.

ربما التركيز سيكون مستقبلًا على مشاريع الطاقة والكهرباء بين الأردن و مصر و العراق كمشروع أنبوب النفط الذي يربط البصرة بالعقبة، و مشاريع تجارية مختلفه عبر عودة النقل البري بين مصر و الأردن و العراق و الأردن إلا أن الدور الأبرز للأردن يجعلها في المقدمة لمحاربة الارهاب مما ينعكس على أمن المنطقة و استقرارها كما ان دعم القضية الفلسطينية من اهم العوامل التي تربط بين الدول الثلاث
و من المتوقع تعزيز العلاقات بين البلدان الثلاث بشكل كبير و سريع في الفترة المقبلة مما يصب في مصلحة الاتحاد قوة و عودة الهيبة العربية لمكانتها السابقة.


الجمعة، 4 يونيو 2021

الحب الناضج وخلوده

 الحب كالماء والهواء لا يستطيع الانسان ان يحيا بدونهم جميعا. لذلك سطر التاريخ حكايات وقصص شهيرة للمحبين والعاشقين، وان تنوعت مظاهر الحب للجمال الشكلي والروحي لارتباط هذا الحب بقيم ومعاني سامية كحب البطولة والفروسية والفداء والتضحية وغيرها.

كانت أول قصة حب للالهه عشتار وحبيبها تموز، وهي أسطورة تسجل أول قصة حب مدونة في التاريخ في بلاد الرافدين، عندما وقعت عينا الراعي البسيط دموزي اله الطعام على سيدة الأنوثة والحب والحرب والخصوبة إيناناعشتار فأحبها من أول نظرة، وتقدم لخطبتها،  لكنها كانت مغرمة بفلاح يدعى انكي، وأمام اصرار تموز وافقت عشتار زواجه بها، ورغم ما انتابت علاقتهما من مشاجرات بسسب شعور عشتار بعلو نسبها وتعاليها على تموز ولكنهما تزوجا.  

ووفقا للأسطورة فقد قتل زوجها تموز، فحزنت عليه وقررت  النزول إلى عالم الموتى لترى تموز هناك مضحية بنفسها،  فاستاءت الأحوال على الأرض وتوقفت وانقطع النسل، فأرسلت السماء أمرا إلى العالم السفلي بإخلاء سبيل عشتار وعودتها إلى الأرض  لتعود الحياة مجددا.

وفي هذه الأسطورة نرى هذا الارتباط الوثيق بين المحبين مثلما يحدث في زماننا المعاصر وأيضا عندما نجد نوازع النفس البشرية وهي تتفاخر بنسبها أو حسبها وسلطانها على حبيبها، ومعاني التضحية والفداء التي تقدمها عشتار بنزولها لعالم الموتى لترى زوجها تموز، نجد روافده بزماننا في وفاء المرأة العاشقة لزوجها وحبيبها بعد وفاته أو حتى فقدانه لأي سبب.

نموذج أخر للحب بين الاصدقاء جسدته ملحمة الملك جلجامش الذي عاش في مدينة أوروك على نهر الفرات، فبعد موت  صديقه أنكيدو حامي الحيوانات من الصيادين في الغابة، يصاب جلجامش بحزن شديد على صديقه الحميم ويرفض تصديق حقيقة موته ويأبي دفن جثته أسبوعا كاملا، حتى أخذت الديدان بالخروج منها، فيقوم جلجامش بدفن أنكيدو بنفسه وينطلق شاردا في البرية خارج أورك وقد  تخلى عن ثيابه الفاخرة وارتدى جلود الحيوانات.

خاف جلجامش ايضا من الموت، فبدأ رحلته للبحث عن الخلود والحياة الأبدية في شخصية " أوتنابشتم " والذي يعتبره البعض مشابها لشخصية نوح في الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام.

وأثناء بحث جلجامش عن أوتنابشتم يلتقي بإحدى الالهات واسمها سيدوري التي كانت آلهة النبيذ والتي بدورها أعطت  مجموعة من النصائح لجلجامش، مفادها ان يستمتع بما تبقى له من الحياة بدل أن يقضيها في البحث عن الخلود وأن عليه أن يشبع بطنه بأحسن المأكولات ويلبس أحسن الثياب ويحاول أن يكون سعيدا بما يملك لكن جلجامش كان مصرا على سعيه في الوصول إلى أوتنابشتم لمعرفة سر الخلود فتقوم سيدوري بإرسال جلجامش إلى الطَوَّافٌ أورشنبي، ليساعده في عبور بحر الأموات ليصل إلى أوتنابشتم الإنسان الوحيد الذي استطاع بلوغ الخلود، ولكن جلجامش يفشل في بلوغ هدفه ويموت.

وبرأيي لو ان جلجامش فطن الى حقيقة الخلود بمعناه الرمزي يكمن في تواصل المحبين والعاشقين وتزاوجهم وامدادهم بالذرية والابناء لما خاض غمار رحلته في بحر الاموات ولادرك حقيقة ان الخلود يكمن في الحب الخالد وان الزهرة اذا جفت فانها تنبت من داخلها زهرة أخرى حبا في الحياة وحبا في الحب نفسه.

فمن فقد صديقه المحبب لقلبه يفتح قلبه على الحياة ليلتقي بصديق حبيب اخر، لان الحياة متجددة وكذلك الحب دائم نجده اذا اخلصنا النوايا.

فدائما  نسمع عن قصة الحبيب الذي يطلب محبوبته للزواج بينما أهلها يرفضونه، ولكن اذا اخلصت الفتاة في حبها فإنها ، ستحارب من أجله، اما اذا لم تدافع عن هذا المحبوب وتتمسك به، فان حبها مجرد كذبة.

وكم من قلب عاشق احترق وجدا لأن محبوبته لم تتمسك به ولم تأخذ موقفًا مشرفا امام أهلها للارتباط به.

الحقيقة ان الكثيرين عندما يقعون في شباك الغرام قد يفقدون بعضا من توازنهم العقلي اذا فقدوا محبوباتهم، ويتناسوا حقيقة ان الله يختار لك الافضل دائما، فاذا  كانت هذه الفتاة التي تحبها هي نصيبك وهي الافضل فسيجعلها الله تحارب من اجل ان يجمعكما الله معا، فالطيبون للطبيات، واما  اذا كانت الفتاة غير مستحقة لشرف الحب والطيبة، فسيبعدها الله عنك ليرزقك بالتي تستحق حبك.

وكما أقول وأردد دائما ان الحب هو الحب الاخير الناضج، وليس الحب الاول الذي هو مجرد تجربة يتعرف فيها الشباب على عالم الجنس الاخر، ويكون عادة مع أول شخص تراه عينك  من الجيران او المحيطين بك من الاقارب او حتي زملاء العمل فقد عرفته فقط لهذا القرب المكاني، وليس لأنك اخترته او اختاره قلبك من بين هذا العالم الواسع .

فلتنبض القلوب بالحب، ولكن الحب الناضج والواعي الشريف النظيف ما أمتعه وما أدومه وما أخلده حين يشع في الانسان نوره فيدفع به لتحقيق كل الاحلام والطموحات والنجاحات.