الخميس، 13 فبراير 2020

بركان تال وهجرة العاملات بحث عن رزق ووطن بديل

في ليلة من ليالي الشتاء البارد في مدينة عمان الجميلة اصطحبت المساعدة المنزلية معي على العشاء بعد نزهة شتوية و جلسنا  جلسة انسانية خاصة جدا حرصت فيها على ان  اجد تفسيرا لما يحيط بعينيها من أحزان عميقة، وربما يكون هذا الحزن جزء بسيط مما يخزنه القلب مآسي وآلام خاصة و هي في غربة عن وطنها بعيدة عن أهلها و أصدقائها فوضعت نفسي مكانها وهي إنسانة طيبة و خلوقة.
تناولنا أطراف الحديث، فاذا بها  تحدثني عن أسباب هجرتها من وطنها للعمل والكفاح، وعن اهتماماتها ومشاغلها. كانت مرتبكة وحزينة على ما حدث في احدى المدن السياحية الجميلة في بلدها، حدثتني  عن البركان وعن العرس وما بينهما وما بعدهم هذا العرس الذي اشتهر بسبب البركان الذي حدث في هذه المدينة للمرة الثانية بعد مئة عام ،
مدينة تال من اهم المدن السياحية في الفلبين يأتيها السياح من كل مكان في العالم  كما تعد مكانا مفضلا وشعبيا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بعيدا عن العاصمة مانيلا. و قالت لي جنيفير ان ابنتها تجمع المال من مصروفها منذ سنة حتى تقضي عطلة الصيف في مدينة تال الجميلة لكن الحظ لم يوافيها لما حصل من مآسي 
وكيف ان الوطن في لحظة الفرح يتحول الى مكان مرعب وهلع وفرار بعد ان تحولت ارض الزفاف الى جحيم بفعل تساقط الحمم البركانية، وتحولت المنازل الى اطلال، والاستقرار والامان الى نزوح بديل لحين سكون الحمم البركانية والعودة الى مدينتهم  مجددا .
وما حدث في هذا العرس من أكبر مشاهد الدراما التي يمكن للانسان ان يراها ويفزع لها، فأهل الفلبين يقيمون حفلات زفافهم في مدينة  "تاجايتاي" استفادة من الخلفية الساحرة للبركان والبحيرة، في منطقة تال البركانية، وكذلك فعل العروسان إيزا وجيزريل أوتور، البالغان من العمر30 عاما، حيث تزوجا في حديقة بمدينة "تاجايتاي"، في نفس يوم ثوران بركان "تال"، وفي توقيت تبادل نذور الزواج أثناء الحفل، وعلى اثره ، اضطر حوالي 100 ضيف، إلى الإسراع بمغادرة المكان هربا من الرماد البركاني، وتأثيره الخطير على الجهاز الصدري والتنفسي للانسان.
وهكذا لحظة فان سعادة العروسين تبدلت بالحزن لما لحق بالمدعوين من خطر وضرر، وما لحق بالمدينة من اضرار، حيث جفت البحيرة البركانية الرئيسية نتيجة ثوران البركان ، وماتت خصوبة الجزيرة وصارت أرضا قاحلة، كما غطى الرماد البركاني بلونه الرمادي الكثيف المنازل والنباتات والحقول.
وانتشر غاز ثاني أكسيد الكبريت في الهواء، وعثر على جثث حيوانات نافقة مدفونة في الرماد، أو طافية على الشاطئ ، بينما غطى الرماد المنازل التي شقى سكانها في جمع الاموال في بنائها وتأسيسها.
وتواصل المساعدة الفلبينية، جنيفير حديثها معي  لتحكي أثار ما حدث في بركات تال، وغيره من البراكين التي تثور في  بلادها، حيث يتسبب البركان في دفع المسئولين الى اغلاق القرى والمدن وقطع الكهرباء والمياه لدفع السكان إلى مغادرة المكان حفاظا على ارواحهم، ولذلك يجري إغلاق الأسواق والمتاجر والبنوك والمدارس والمؤسسات التجارية، وتخلو الطرقات إلا من بعض سيارات عمال الطوارئ وأفراد الشرطة، الذين يقيمون نقاط تفتيش حول البلدات المتضررة، بجانب إلغاء 240 رحلة طيران دولية.
فنشاط  بركان تال خلال الايام الماضية  دفع السلطات الفلبينية الى  إجلاء كلي لما يقرب من نصف مليون شخص بالقرب من العاصمة مانيلا، بعد أن أطلق بركان "تال" رمادا يصل طوله إلى 14 كيلومترا فى الهواء، مما أثار مخاوف من إمكانية ثوران البركان.
والطامة الكبرى انه بحسب مسؤولين فلبيين، فان بركان تال لايمكن التكهن معه بانتهاء فترته، وانهم لا يعرفون ما إذا كان سيثور بصورة أكثر كارثية أم سيظل مضطربا لمدة أسابيع أو أشهر، في ظل تواجد أعداد هائلة من القرويين النازحين في ملاجئ الطوارئ.
ولعله من المثير للدهشة، ان الفلبين  تقع على طول "حلقة النار" في المحيط الهادئ، وهي سلسلة من الصدوع حول حوض المحيط تشهد الكثير من الزلازل والانفجارات البركانية في اوقات مختلفة، وهو ما يفسر اندلاع بركان " مايون " في الفلبين في15 يناير 2018، وجرى اجلاء  أكثر من 12 ألف شخص من المنطقة، وكان أعنف ثوران له وقع في 1814 عندما قتل 1200 شخص في الحمم البركانية التي دمرت بالكامل مدينة كاغساوا، ويعود آخر انفجار لهذا البركان إلى 2014، ودفع السلطات إلى إجلاء 63 ألف شخص.
ومع استمرار النشاط البركاني في الفلبين فان اهلها يهجرونها لبعض الوقت يجمعون المال خلال هجرتهم ويعودون عندما تخمد البراكين لبناء منازلهم المدمرة مجددا داخل وطنهم الذي ينتمون اليه ويوفر لهم مصدرا جيدا للدخل من خلال السياحة، حيث ان أكثر من 11 ألف من السائحين المحليين والأجانب يزورون المدن والبلدات المحيطة ببركان "تال"  ويتنزهون اعلي قمة الجبل ويستمتعون بمشاهدة البحيرة البركانية ومياهها الخضراء ويتمعون بركوب الخيول.
اخيرا، فانني اعتقد ان الاعلام لا يسلط الضوء على هذه النكبة التي هجرت مليون انسان ومنهم عائلات العاملات في بلاد الغربة الذين ذهبوا للقمة العيش لبناء منازل هدمها البركان واصبحوا نازحين، والحقيقة ان في بلادنا ماسي الحروب و لكن في بلاد اخرى حروب الطبيعة فكل البشر يأخذ قسط من الهم والحزن أتمنى ان تنتهي كل المآسي من كوكب الأرض.

الثلاثاء، 4 فبراير 2020

خواطر في عيد الحب

سارة السهيل

يحتفل العالم شرقا وغربا بعيد الحب، وهو مناسبة يتبادل فيها الاحبة مشاعر الحب كما يتبادلون الهدايا من الشوكولاته والبالونات الحمراء والقلوب. انه يوم يحاول فيه انسان هذا العصر الخروج من ماديات الحياة وروتينها اليومي من مسئوليات واعمال الى عطلة تعمل فيها المشاعر فقط وتحيا بعد موات.
قد يكون هذا مناسبا جدا لمن لا يجد وقتا للراحة او اعطاء نفسه فرصة لاعمال قلبه والنظر فيه الى ما يحتاجه ربما من سلام داخلي وطمأنينية ومشاعر عاطفية تغذي قلبه وروحه لينعم بالانسانية عبر مشاركة الاخرين مشاعر الحب.
للأسف فان الكثيريين يحولون عيد الحب الى مظاهر مادية بعيدة عن المشاعر الحقيقية من صدق و إخلاص و تضحيات و عطاء حقيقي  فالهدايا الغالية للمحبوب او الزوج، او الدعوة الى عشاء فاخر او السهرة حتى الصباح في مكان ما ليس الهدف الوحيد من عيد الحب ان لم يكن العهد الذي هو اسمى و ابقى هو عربون الحب في هذا اليوم و كل يوم .
فالحب أثمن وأغلى ما وهبه الله تعالى في قلوبنا، ولا يجب ان نختصره في مظاهر مادية او حتى نختصره في يوم واحد لأن الله نفسه محبة دائمة، كما اننا كلما اشتدت علينا نوائب الدهر احتجنا الى المزيد من الحب لنقوي به ونصبر على ابتلاءات الحياة.
فالحب ليس مجرد عاصفة تمر بحياتنا تهز كياننا لبعض الوقت او نشبع من خلال عواطفها المتأججة بعض المشاعر الوقتية، بل هو طوق نجاة لنا في كل وقت، الحب الأسمى والارقى والأبقى والاخلد، هو الحب الصادق المبني على مشاعر نقيه نظيفة تحمل بداخلها براءة و سمو بعيدة عن الماديات و المصالح و المطامع بعيدة عن حب المظهر او الشكل او الجسد هو الوفاء بقصد و بدون قصد هو العطاء من القلب و الروح ولذلك هنام حب خلد في الذاكرة الانسانية و هناك حب ذهب مع الريح لان الحب الحقيقي هو الحب الذي لا يأتي بهذه حب الحب الذي يأتي عن قناعه عن تفاهم عن توافق عّن تكافؤ عن حب ارواح و قلوب و عقول عن اندماج شخصين بقلب واحد و روح واحده و طموحات واحدة و مسيرة حياة مشتركة بانسياب و توافق و تكامل 
لا يمكن ان يكون الا مرة واحدة يأتي في اَي وقت يدق الأبواب دون استئذان 

الحب طوق النجاة
في اوطاننا العربية عمت الحرب والشحناء ارجاء كثيرة منه، فلم يجد الانسان العربي ويكابد الحرب والدماء الا طوق الحب ليكون ملاذا وحيدا لتجاوز ويلات هذه الحروب. وهنا تنجلي قدرة الخالق العظيم في منحه نعمة الحب ليجلي ظلمات أيامه ويحقق له الحنان والأمان فيبدو متماسكا امام الأهوال والصعاب قادرا على التحدي.
فكلما اشتدت أتون الحرب اشتدت في المقابل الحاجة الضرورية للحب كحاجة الانسان للماء والهواء، فالحب نعمة من الله تدخله في واحة العطف والود فيداوي جروحه ببلسم الروح المشرقة بجواره تشد من عضده وتقوي عزيمته، ويولد بداخله كل اشراقات الامل المورقة بالورود والفل والياسمين.
وسيبقي الحب يسري في الأرواح مختزلا حواجز المكان والزمان والظروف والأوضاع والدمار، كما نسمة حانية تهل على اغصان الأشجار الظامئة في نهار قيظ الصيف ، فتحنو عليها وتلفها وتراقصها رقصة عاشق بمعشوق فيذوبان معا في لحظة أبدية هي أولا وأخيرا من صنع الله الطيف بعباده.
قد يفترق في الحرب حبيبان كل منهما صار ببلد أخر، لكنهما لم يفترقا بالروح ويظلان متمسكين بأهداب الحب في قلوبهما ويبادلان بعضها المشاعر عبر الرسائل الخطية او الرسائل الاليكترونية.

الحب مقاومة
يقاوم الانسان الحرب بالحب، فوسط موجات التقاتل في بلادنا العربية، لم تجد الشعوب سوى التعايش على قصص الحب، فتنتشر مراسم حفل الزواج هنا وهناك وسط احتمالات ان تصيب كل الحضور رصاصات الغدر القاتلة او قذيفة، ولكن تبقي هذه الحفلات رمزا لصمود الانسان واقتتاله بالحب في مواجهة الموت والحرب.
ومع انتشار موجات الغضب والظلم والكراهية في العالم، فلا يمك قهر ذلك كله الا بالحب كما قال المهاتما غاندي.  وكما قال افلاكون: " في لمسة الحب الجميع يصبح من الشعراء" الحب هو النعمة، كما يقول هنري جورج بيتشر : " نعمة الله هو الزيت الذي يملأ مصباح الحب.

الحب هو الجوهرة الثمينة في حياتنا التي يجب ان نحافظ عليها حفاظنا على حياتنا، وكما قال ألفريد تنيسون الرب :  " الحب هو الذهب الحقيقي ".