الثلاثاء، 30 يناير 2018

نشامى الاردن وفرسان الهاشمية الكرامة قبل الزاد

دفع الأردن ثمنا غاليا في انتصاره لقوميته العربية ولاحتوائه الازمات السياسية والامنية التي تعج بها المنطقة العربية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهو ما ألقى بظلاله على الاوضاع الاقتصادية في البلاد في ظل الازمة المالية العالمية والازمات العربية المتواصلة.
هذه الفاتورة الباهظة رفعت أسعار السلع والخدمات بالأردن خلال السنوات القليلة الماضية غيران الشعب الاردني صمد وتحمل حفاظا على وطنه من الانهيار، وخوفا من أن يتحول بفعل أصحاب الأجندات الخارجية الخائنة الى ليبيا اخرى اوسوريا او يمن أخر يعاني ويلات الانقسام الداخلي والتفتيت لصالح أعداء الوطن.
ويتوقع مع الموازنة المالية الجديدة للعام الجاري 2018 ان تزداد هذه الفاتورة لمواجهة العجز المالي الحاد في البلاد مثلها مثل البلدان العربية الأخرى الغنية منها والفقيرة التي تعاني عجزا في موازنتها العامة وتتراكم الديون الخارجية.
وهذا التحدي الاقتصادي الذي يواجهه الاردن من إلغاء الإعفاءات الضريبية وزيادة ضريبة المبيعات على عدد من السلع الغذائية المصنعة مما يقود الي ارتفاع معدل التضخم ومن ثم تراجع مستوي المعيشة وفقا لتأكيدات الخبراء الاقتصاديين بالبلاد.
وفي السياق نفسه فان المساعدات الخارجية للاجئين السوريين لم تسهم في خفض العجز المالي بالأردن قبل توقفها من عدة سنوات ، ولكن مما يعزو على الصبر ان هذه الازمة المالية هي نفسها التي تمر بها مصر وصمد الشعب المصري رغم زيادة عدد الفقراء بين صفوفه وتحمل تبعات الاصلاح الاقتصادي لكي يعبر بسلام الى بر الامان ان شاء الله فالوطنية ليست أبيات شعرية و خطابات عاطفية إنما الوطنية أفعال رجال و صمود النساء و مجابهة الأزمات بكل شجاعة للعبور لبر الامان لم يكن الجهاد و القتال مقتصرا على الجبهات و الحروب للدفاع عن الوطن و إنما القتال من أجل الوطن بالتعاون و التكافل و الصمود و بايدي الأبناء المخلصين و خاصة من أصحاب رؤوس الأموال لجلب المشاريع الاستثمارية و ضخ الأموال في الوطن و عدم تجميد الأموال في البنوك أو إرسالها للخارج بل استخدامها في تطوير البلد و المساهمة في حل الأزمات 
فالتحديات التي يواجهها الأردن قد يرتبط بقدره ان يكون ملاذا آمنا لدول الجوار العربية، وهو ما يكلفه بالضرورة اقتصاديا وأمنيا، و البنية التحتية و الخدمات في مقابل ما يواجهه أيضا الاردن من تقصير من الدول العظمى و الصغرى في دعمهم الاردن حتى يستطيع استيعاب اللاجئين ، سواء من جانب المحيط العربي او الدولي معا.
وفي ظني ان شعب الاردن الشامخ الذي احتوى الفلسطينيين ودمجهم في بوتقته حتى صار جزءا من نسيجه، شعبا واحدا و قلبا واحدا . كما احتوى الشعب السوري و استضاف في أوقات متفرقة الليبين و العراقيين سيكون اكثر قدرة ردع أية محاولات خبيثة لنشر الفوضى او احداث خلل أمني او اجتماعي، وسيحافظ الشعب الاردني على استقرار وطنه وسيحول دون الوقوع في فخ الدواعش ومن ينهج طريقهم الخبيث.
فالشعب الهاشمي سيحافظ على الاردن ليظل واحة الامان والاستقرار في المنطقة، وسيفشل كل مؤامرات الوقيعة والدسائس التي يدسها اعداء الوطن بين ابناء الشعب الملتحم من أصول اردنيه و فلسطينيين والعائلات التي هي من أصول سورية سكنوا الاردن من مئات السنين فكل من سكن ارض الاردن شعر بالانتماء و والتآلف و الارتباط بهذه الأرض و هذا الشعب الطيب الذي يؤثر الآخرين بكرمه و طيبته و لم يعطي وطن عربي في المنطقه كما أعطى الاردن لشعبه و ان كانوا من أصول مختلفه بحضارية و ديمقراطية حقوق متساوية حتى كان بعض الوزراء و رؤساء الوزارة و النواب من أصول فلسطينيه و سورية والاختيار دون تميز او عنصرية و بانصاف كما اختيرت إحدى السنوات عين امرأة و من أصول لبنانية فمن مثل الاردن مرحاب و مصياف و عادل بلد لم نشتم به رائحة دم او عنف او غدر بسياساته المعتدلة و السلمية .
وفي تقديري أن الشعب الاردني سينظر بعين الخبرة والاستفادة من الدروس العربية الجارية حاليا وخبرة دولة مثل مصر التي ارتفعت فيها الاسعار بشكل غير مسبوق وتحمل مواطنيها حفاظا علي استقرارهم وأمن وطنهم.
واللافت للنظر الى ان الاوضاع الاقتصادية الطاحنة في مصر او العراق او لبنان قد تدفع بعض الأنفار الى السرقة بسبب البطالة، غير انهم أناس وطنين ربما اذا زالت عنهم ظروفهم القاسية لكفوا فورا عن السرقة.

دور أزمة اللاجئين
لاشك أن القيادة الاردنية تضع نصب أعينها المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وتوفير احتياجات المواطنين وهو ما يسهم في تحقيق الاستقرار الأمني ايضا، غير ان التحديات التي فرضت على البلاد جعلتها غير قادرة علة الوفاء بتحقيق الاستقرار الاقتصادي للمواطنين، خاصة تحدي مشكلة اللاجئين؛ سواء سوريين الذين يتجاوز عددهم ملیون وربع ملیون، أو عراقيين، وهو ما شكل نقاط ضغط قوية على الأردن اقتصاديا واجتماعيا ايضا خاصة في سوق العمل ومنافسة الوافد اللاجئ لشعب الاردن على استخدام الخدمات العامة.
وواقعيا، فان السوريين قد شاركوا أبناء الاردن على مرتكزات تفاصيل حياتهم اليومية من مأكل وملبس وصحة وتعليم وفرص عمل، وادت زيادة أعداد المهارجين السوريين للاردن الي ارتفاع ملحوظ في عدد السكان مما شكل ضغطا كبيرا علي الاوضاع الاقتصادية تسبب بدوره في ضعف قدرات الناتج المحلي نتيجة زيادة الاستهلاك من ناحية ونتيجة تمتع السوري اللاجئ بفرص عمل أميز من المواطن الاردني نظرا لقبوله أجرا أقل.
وقد انسحب ذلك التنافس للاجئ السوري على كل مجريات الحياة اليومية بالأردن مما جعل الأردنيين يشعرون بضيق الحال في معيشتهم اليومية، تعاني المدارس من اكتظاظ كبیر أثر بصورة كبیرة على تعليم الأردنیین، إضافة إلى الجانب الصحي والضغط على المراكز الصحبة.
وانعكس ذلك ايضا علي فرص السكن، حيث ارتفعت أسعار الشقق السكنية بنسبة 200% ، كل هذه الظروف والتحديات خلقت اوضاعا اجتماعية أدت الي ارتفاع نسبة الجريمة والأمراض والمخدرات.
ناهيك عن أزمة زيادة استهلاك اللاجئين للمياه في الاردن الذي يعاني بالأساس من الفقر المائي، بينما يقف تحدي آخر يتمثل في التحدي الأمني الناتج عن محاولات المغرضين واعداء الوطن من استثمار الظروف القاسية لبعض اللاجئين وتوظيف بعض افرادهم في خلخلة الامن بالبلاد وهو ما يدعو شعب الأردن الاصيل ان يكون في منتهى اليقظة لاية محاولة مسمومة لجر البلاد الي الفوضى تحت ستار الازمة الاقتصادية.
كما أننا نعلم جميعا ان الأزمات في بعض البلدان العربية المجاورة كان لها بعض المؤيدين و المناصرين و الداعمين لللفوضى فأين هم من تحمل مسؤولية من ساهموا في تهجيرهم و خراب ديارهم لماذا يتركون الاردن يتحمل كل شيء دون ذنب لوحده بينما من ساهم في الخراب يتلاشون كفص ملح ذاب
جوار عربي
فمن متابعتي للأوضاع الاقتصادية بالأردن وغيرها من بلادنا العربية، وجدت ان معظم الدول العربية حتي الغنية منها تواجه ازمة مالية طاحنة اضطرتها الي اجراء اصلاحات اقتصادية لمواجهة عجز موازنتها والقدرة علي سداد ديونها الخارجية مثل مصر وغيرها، وحتي السعودية نفسها أكبر منتج للنفط تواجه ازمات اقتصادية اضطرتها لتقليص العمالة الوافدة وتسفيرها وضغط النفقات وفرض ضرائب ورسوم علي الخدمات لمواطنيها وللمقيمين فيها علي سواء في سابقة لم تحدث من قبل.

وكل الاجراءات الاصلاحية والهيكلية التي تجريها معظم الدول العربية في اقتصادها الوطني يعتمد على جلب موارد اساسية مثل فرض الضرائب وتقليص الدعم الموجه للإنتاج الزراعي والصناعي وغيره، مع رفع تكلفة اسعار الخدمات في مقابل توفير حماية اجتماعية لمحدودي الدخل.

من هنا تبدو حكومة الاردن كغيرها من الدول العربية مضطرة لهذه الاجراءات الاقتصادية الصعبة، خاصة في ظل ارتفاع حجم الدين الحكومي بنهاية الشهر الماضي (اكتوبر / تشرين الثاني) إلى ( 27.1مليار دينار)، مما يؤثر سلبا علي الاقتصادي الاردني وعلي المواطنين تحمل هذه الفترة الصعبة حفاظا علي استقرار البلاد وحمايتها من المتربصين بها.
وعلينا بالأردن ان ننتظر بعض الانفراج بعد فتح الحدود مع العراق وتوقعات المحللين الاقتصاديين بأن يؤدي ذلك الي تحريك العجلة الاقتصادية في العراق وإعادة إعمار الموصل بما ينعكس ايجابيا علي الاردن ويخفف من الاختناق الاقتصادي الذي يعاني منه الأردن بسبب إغلاق المعابر.

السبت، 20 يناير 2018

نازحو العراق بين المعاناة والعودة والاستغلال السياسي

تشكل ازمة النازحين العراقيين من ديارهم عقبة كؤودا في وجه الحكومة العراقية، فبعد تحرير البلاد من شيطان داعش، فان ازمة النازحين بقيت مشتعلة بوصفها أكبر تحدي تواجه حكومة بغداد باعتبارها أزمة انسانية واجتماعية واقتصادية كبرى، وذلك بالنظر الى عدد النازحين الذي يفوق خمسة ملايين عراقي داخل الوطن وخارجه.
ورغم ان وزارة الهجرة والمهجرين، قد أعلنت مؤخرا عن عودة نحو 45% من النازحين الى ديارهم واستقرارهم في محافظاتهم غير النسبة الأخرى وهي قرابة ثلاثة ملايين لا يزالون يواجهون ظروفا معيشية شديدة الصعوبة تدفع بعضهم للانتحار داخل مخيماتهم التي يفتقد أكثرها مقومات الحياة الآدمية الكريمة.
فأزمة حركة نزوح العراقيين قد تعمقت بشكل كبير في المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة داعش منتصف 2014، كما ازدادت عمليات النزوح بعد انطلاق العمليات العسكرية سواء هربا من داعش او من العدالة.

مأساة النازحين
في داخل العراق نفسها عانى اكثر من ثلاثة مليون عراقي مآسي في مجالات الحياة اليومية من نقص حاد في الصحة والتعليم والخدمات الضرورية خاصة ماء الشرب والصرف الصحي ، بينما تجاهل الاعلام الاستقصائي معانتهم واكتفى بنقل البيانات الرسمية وتصريحات السياسيين.
وفي ظل المعاناة اليومية التي يعيشها سكان المخيمات من النازحين العراقيين، فانهم دفعوا ثمنا باهظا للهاجس الأمني بسبب المخاوف الأمنية من إمكانية تسلل إرهابيين بين صفوفهم.
وتعددت مظاهر معاناة النازحين من تكدس العوائل الكبيرة العدد في مخيمات صغيرة دفعت بعض افرادها للانتحار نتيجة الظروف النفسية الصعبة من جراء الظروف المعيشية القاسية داخل المخيمات، كما أدى هذا التكدس لانتشار الامراض والأوبئة مثل الكوليرا في في بعض المخيمات، بينما ينقص العلاج والمستشفيات المتنقلة للمصابين وسرعة انقاذهم.
ووفقا للجمعيات الاهلية المعنية بأوضاع النازحين، فانه تم رصد العديد من المشكلات التي لم تجد طريقا للحل من بينها، ازدياد المخاوف من تفشي الأمراض المعدية بين النازحين الساكنين في حقول الدواجن والأبنية التي تشترك فيها مجموعة من العائلات بالمأكل والملبس والمشرب، بجانب انتشار مشاكل التسول والتشرد، حيث اصبحت مهنة التسول شائعة بكثرة في صفوف الأطفال والنساء وكبار السن في كل مكان.
كما اتسعت رقعة مشكلة البطالة، بسبب معيشتهم في مناطقهم الجديدة التي لا توفر لهم فرص العمل التي كانوا يشغلوها في مدنهم قبل نزوحهم والأنكى من ذلك هو ضياع فرص التعليم أمام تلامذة الابتدائية وطلبة المدارس المتوسطة والإعدادية.
وبالضرورة فان المنظمات المحلية لم تقف مكتوفة الايدي تجاه ازمات النازحين، وبذلت قصار جهدها لعلاج مشكلاتها، لكنها واجهت نقصا حاد في الامكانيات المادية اللازمة لتغطية الاحتياجات الضرورية للنازحين، فلجأت الي الميسورين والمتطوعين وغيرهم من رجال الأعمال لسد النقص الكبير في المواد الغذائية والمستلزمات الأولية، بينما ظلت المشكلة الأكبر في إيجاد مساكن للنازحين، في ظل عدم توفر أماكن لإيوائهم، بعد ان امتلأت البيوت والبنايات الفارغة والهياكل وبعض المدارس بالنازحين.

مشكلات اجتماعية
حفلت المخيمات بأنواع مختلفة من المشاكل والمشاجرات بسبب أن كل شخص يريد ان يحصل على حقوق ومكاسب اكبر من غيره داخل المخيم الواحد، ومن ثم تنشأ المشاكل على المياه ودورات المياه وعلى توزيع المواد الغذائية.
وكان شحة المياه قاسما مشتركا في كل مشكلات المخيمات، فقد يتقاسم اكثر من 16 مخيم في خزان مائي واحد، وصاحب هذا الشح المائي مشكلات كالبطالة والقلق والخوف من المستقبل والجوع والبرد وانعدام الخدمات والصدمة الناتجة عن التحول من مجتمع المدينة إلى الخيمة.
وبحسب الباحثين النفسيين فان حياة النازحين داخل المخيمات تولد أنواعا عدة من الاضطرابات الاجتماعية والمشاكل كبيرة خاصة في ظل النقص في التعليم والثقافة والمشاريع التوعوية وضعف الرعاية النفسية. مما أدى الى مشاكل عائلية و أسرية و أحيانا أدى إلى الزواج الغير متكافئ او زواج القاصرات و تعدد الزوجات و غيرها من المشاكل التي تغير في سمات العائلة العراقية المتعارف عليها بسبب حكم الظروف الطارئة و الصعبة 
فساد اداري ومالي
انتشار الفساد المالي والإداري تسبب في ضياع حقوق النازحين وساهم بشكل كبير في استمرار معاناتهم، حيث تسبب هذا الفساد في وقوع العديد من الاخطاء والعشوائية في آلية توزيع الغذاء والدواء على العائلات في المخيمات .
تعمق هذا الفساد من خلال سرقة مساعدات النازحين من جانب بعض المسئولين عن هذه المخيمات ان كنا لا نستطيع التعميم إنما حدث الكثير من الخروقات .

ورقة انتخابية
وتتواصل معاناة النازحين مع استخدامهم ورقة في أيدي النخب السياسية، خاصة مع كثرة عددهم الذي يربو على ثلاثة مليون نازح لم يعودوا حتي الان الي ديارهم. فالانتهازية بين الكتل السياسية توظف النازحين كأحد اوراق اللعبة في الانتخابات المقرر اجراؤها مايو المقبل، فبينما ترفض القوى السياسية السنية إرجاء الانتخابات حتى عودة النازحين إلى مدنهم المستعادة من داعش، إلا أن ترك المخيمات والعودة إلى مدنهم قبل رفع مخلفات الحرب منها ما يعرضهم لخطر الموت..
بينما تري الكتل السياسية الأخرى ضرورة عودة النازحين الى ديارهم حتى يشاركوا بأصواتهم في الانتخابات وحتى يتحقق لهم الاستقرار الاجتماعيّ المفقود منذ عدة سنوات، ولكن العجلة في نقل النازحين الى محافظاتهم قد يصدم بنقلهم الى مناطق غير آمنة مما يعرضهم لأخطار جسيمة.

سواء من الأطراف التي تستعجل عودة النازحين أو الجهات التي تري تأجيل عودتهم لديارهم خاصة وان بعضهم
يحقّق فائدة ماليّة من النزوح والنازحين ومن مصلحته بقاء هذه الظاهرة الفوضوية، فمن المؤسف حقا ان يجري استثمار هذا الملف الانساني الشائك للنازحين ويصبح لعبة في المزايدات السياسية الجارية الآن في العراق.
وفي تقديري انه يجب الوقف الفوري لهذه المزايدات السياسية السخيفة واللاإنسانية التي تتلاعب بمصير وحياة النازحين كما يجري الآن بصفة خاصة في الموصل والأنبار وغيرها.
وانني أناشد الحكومة العراقية ان تنحي ملف النازحين جانبا بمعزل عن الصراعات السياسية الحالية، وان تسعى إلى تشكيل هيئة خاصّة بالنازحين تكون لها المسئولية الكاملة في بحث مشكلاتهم وسبل حلها بعيدا عن الكتل السياسية المتصارعة في البلاد.
وفي تصوري ان الحكومة مطالبة بسرعة تشكيل لجنة تحقيق منجزة بحق من يثبت تورطه في سرقة أموال النازحين، وان تتحرى الدقة فيمن يتولى توزيع احتياجاتهم من المأكل والمشرب والدواء.

وتبقي المهمة الأكبر لدى حكومة بغداد هي بذل أقصى الجهود لإعادة اعمار المناطق المحررة وضمان التعايش السلمي بين مكوناتها، وتخصيص الأموال من صندوق دعم المحافظات المتضررة لبناء بيوت منخفضة التكلفة وإعادة تأهيل المشاريع الخدمية لضمان عودة النازحين لمناطقهم.

كما يجب على الحكومة الاسراع بحشد الدعم الدولي لتوفير الغطاء المالي اللازم لجهود اعادة الاعمار وتوفير فرص العمل، وذلك من خلال عقد المؤتمرات الدولية لتوضيح حجم معاناة النازحين وحاجتهم الملحة لإعادة اعمار مواطنيهم وحاجتهم الشديدة لفرص العمل وغيرها من أشكال الحياة الانسانية الكريمة.
وجميعنا يعلم التكلفة الكبيرة لعلميات إعادة الإعمار، وهو ما يؤكد ضرورة دعم المجتمع الدولي والعربي، خاصة أن بعض الأحياء دمرت بالكامل بفعل الإرهاب، كما أن 55% من الأسر لا يزالون نازحين داخل وخارج العراق.

الاثنين، 8 يناير 2018

جراحات التجميل مافيا للتجارة و القتل

تلعب وسائل الإعلام بكل أشكالها دورا بارزا في تشكيل الرأي العام وتشكيل الوجدان وتوجيه المجتمع سواء بالسلب أو الايجاب وكنت قبل عدة أيام أفكر كيف ان القضايا الساخنة سواء السياسية او الاجتماعية تأخذ دورها من الاهتمام وتنتهي بابتداء قضية اخرى أكثر حداثه او أكثر اثارة مهما كان الموضوع هاما أو مؤثرا.

ولا عجب من عدم إيجاد الحلول ولا عجب من ان اي قضية تطرح في الإعلام كمشكلة لا نجد لها حل و لا يتم استبدال الباطل بالحق و لا تغير الخطأ بالصح ولا تصحيح المفاهيم لان القضية تطرح فقط كنقد يأخذ بروباغاندا بضعة أيام وينطفئ، فتتكرر الأحداث و المظالم و المآسي و لا تؤخذ الامور على محمل الجد و لا على محمل العقاب و الثواب.

ومن هنا يفقد الإعلام الكثير من مهامه و دوره في متابعة الامور و ليس فقط طرحها للإثارة وزيادة المبيعات.

كل هذه الأفكار سرحت بها و انا في سرادق عزاء الفتاة المأسوف على شبابها التي كانت تدرس معي في مدرسة راهبات الوردية هي و أختها يوما ما.

نزلت دموعي و انا افكر بسبب موتها رغم أن الأعمار بيد الله وهو من يسبب الأسباب الا ان موت الصبية وهي في زهرة عمرها بسبب الاهمال و التجارة الطبية كان صادما لكل أفراد عائلتها خاصة والدها الذي سلمت عليه لأواسيه و عرفته بنفسي فقال لي اهلا يا ابنتي بيد ترتجف ووجه اشبه بلون السماء عندما تغيب شمسها.

ما الذي دفع شابة جميلة لإجراء عملية تجميلية ؟

لا أنكر اننا جميعا كإناث نهتم بمظهرنا و نجدد دوما بأزيائنا وبقصات الشعر و ألوانه و طريقة المكياج و لا ضير من حقنة بوتكس اذا اضطر الأمر لكن عملية جراحية أمرا ليس سهلا وليس عبثا فهناك حلول أبسط وأسهل.

ففتح هذا التساؤل امامي موضوع أخطر وهو جذر المشكلة و أساسها.

فلو عدنا بالزمن الى الخلف في زمن الأمهات لم يكن هذا الأمر دارجا و لا هاما فقد كانت النساء تهتم بالأناقة و اللياقة و الأدب و الثقافة و لم تكن الفتيات مهووسات في تغير الشكل و إنما تزامنت هذه البدعة مع ظهور الفضائيات و دخولها كل بيت فأصبحت الفتيات تعاني من المقارنة الدائمة بينها و بين النجمات مما أدى الى تنافس فيما بينهن و السر وراء ذلك القناعة الذاتية و الثقة بالنفس و ايضا تعليقات الأزواج و كثرة الخيانة و انفتاح المجتمع على الحق و الباطل و اختلاط المفاهيم الأخلاقية والتربوية
فهل نعيد النظر بما يبث على القنوات التي تأخذ حيز زمني و مجهود ذهني و بدني و يصرف عليها الأموال الطائلة دون أي فائدة على الناس نحن لا ننكر الحاجة إلى الترفيه و حاجة الناس الى السعادة و ضرورة الضحك و البسمة و لكن ليس على حساب تبديل أسس صحيحه و الحكم بهذا الأمر هي النتائج و العائد قياسا بما كان قبل وما أصبح بعد من تفكك اسري و دمار مجتمعي شبه كامل في البيئات المختلفة و الأوساط الاجتماعية و الاقتصادية المختلفة

تحرص كل امرأة علي أن تحافظ على رشاقتها وعذوبتها كأيقونة للجمال، ولكي تحافظ على هذه الايقونة جذابة ساحرة وملفتة فإنها تبذل قصاري جهدها للحفاظ على رشاقة قوامها من أي زيادة بالوزن يمكن ان يهدد عرش جمالها.

لذلك فهي تستخدم كل وسيلة مثل برامج الحمية والرجيم المختلفة، ومتابعة احدث الاجهزة الرياضية.

وفي تسعينيات القرن الماضي ظهرت عمليات التجميل وانتشرت في ألفيتنا الثالثة هذه في مختلف أرجاء العالم، فسارعت السيدات والفتيات ملهوفة علي هذه الجراحات دون وعي، و عمليات شد الجسم بعد فقد الوزن، نتيجة وعي الناس بأهمية الحفاظ على قوام سليم، كما ان هناك إقبالا على عمليات شد الجفن وعمليات الأنف وتجميل الوجه، كما يقبل الناس أيضاً على التدخلات غير الجراحية التجميلية كالليزر والتقشير والبوتكس والفرز والبلازما لعلاج نضارة البشرة وعلاج تساقط الشعر وغيرها.

ففي غمرة انتشار جراحات التجميل في عالمنا العربي وحرص السيدات على التشبه بقوام نجمات الفن واشراقتهن، فان الجميع سرعان ما نسي وفاة نجمة الكوميديا سعاد نصر بعد اجرائها عملية شفط دهون بالمستشفى قبل أكثر من عشر سنوات، و كان ذلك أدعي ان تنتبه الفتيات والسيدات لخطورة الاسراع لعيادات التجميل والجراحات التجميلية لتجنب وقوع الضحايا بكثرة علي أيدي تجار الجمال من الاطباء.

بل ما حدث هو العكس تماما، فزاد التهافت على جراحات التجميل التي يجري الترويج لها اعلاميا في موجة تجارة رائجة يمارسها أصحاب مراكز التجميل في الدول العربية والنتيجة انتشار حالات الوفاة خلال اجراء هذه الجراحات كما حدث مؤخرا عند وفاة فتاة لم يتجاوز عمرها 33 عاما، وهي أم لطفلين أجرت جراحة لشفط الدهون بإحدى المستشفيات وخرجت بعد أربع ساعات جثة هامدة بينما يتجرع الطفلان الصغيران طعم اليتم.
وفي مشهد مأساوي اخر توفيت ماريان الساحورى الأردنية نتيجة شبهة خطأ طبي أثناء إجرائها عدة عمليات يتضمنها شفط للدهون ضمن عملية واحدة، وتعود هذه الوفيات في أغلبها إلى مضاعفات التخدير الكامل، وكذلك عدم إجراء الفحوصات اللازمة قبل العملية، و عدم عمل الإجراءات الوقائية لعدم دخول فقاعات الهواء الى الجسم و ايضا عدم نقل الدم إلى المريضة لعدم توفر وحدات دم او غرف إنعاش في العيادات التي تجرى بها العمليات وانتهاءً بخطورة تغيير مسارات بعض الأجهزة الوظيفية في الجسم.

تجارة اللوك
وللأسف هذه النتائج المؤلمة لجراحات التجميل تدفعنا الى ضرورة التوقف والتأمل في خطورة هذه الجراحات التي تودي بالحياة وتيتم الاطفال الابرياء، فالضحايا وقعوا فريسة التضليل الاعلامي الذي تقدمه مراكز هذه الجراحات وتجارها من الاطباء، خاصة وان بعضها يعمل دون تراخيص طبية لمزاولة المهنة. 

فمراكز التجميل تشتري ساعات بث على الفضائيات وتعرض صور الموديلات والفنانات على انها نموذج الذي يمكن ان يصنعوه مع الزبائن، وبالطبع تقع العازبات فريسة سهلة لمثل هذا المراكز فتذهب اليها لتحصل علي الشكل والقوام المزيف حتى تنال فيما بعد نيل رضا العريس، وكذلك المتزوجات يتسابقن على هذه المراكز للحصول أيقونة جمال مزيفة لنيل رضا الزوج، وكذلك السيدات الشخصيات العامة يسارعن اليها حتى لا تكون اقل من مثيلاتها مظهرا ورشاقة وحتى تبرز حرصها أمام اقرانها على متابعة عالم الموضة والأزياء واللوك الجديد من عمليات تجميل والتي يجريها أشخاص غير متخصصين.


أرقام مفزعة 
الاحصاءات العلمية كشفت عن النمو المتزايد في جراحات التجميل، حيث أجريت نحو 20 مليون عملية جراحية تجميلية حول العالم عام 2014، وأن %90 منهم من النساء.
ورغم التاريخ القديم لجراحات التجميل نسبيا حيث بدأت هذه الجراحات قبل مائة عام بهدف تحسين التشوهات الناتجة عن الحروب، الا انها قفزت في السنوات الاخيرة بشكل مفزع وترصد الأرقام اجراء 50 ألف عملية لبعض أجزاء الجسد في البرازيل، 107 آلاف عملية توسعة للعينين في كوريا الجنوبية، 1.35 مليون نفخ للأجساد في الولايات المتحدة، وأكثر من 12 ألف

عملية لتصغير الأنف بالسعودية، والرجال يشكلون 20% من هذه النسبة.

وتأوي مدينة دبي أكبر عدد لجراحي التجميل في العالم رغم أن الولايات المتحدة هي التي تأوي أكبر عدد من العمليات وتليها البرازيل. واحتلت الإمارات المرتبة الأولى في الإنفاق على عمليات التجميل على المستوى العربي.

ويبلغ متوسط تكاليف عمليات تجميل الأنف في الإمارات 6،300 دولار، وفي الأردن 1،500 دولار ومصر تفوق 2،250 دولار، أما في قطر فالمتوسط 6 آلاف دولار، وبالنسبة لزراعة الشعر بالليزر فيتم احتسابها بعدد الجلسات وهناك عيادات تحتسب عدد البصيلات التي يجري زراعتها كما في تركيا حيث تبلغ تكلفتها بين 300 إلى 3 آلاف دولار.
تبين هذه التكاليف الباهظة لهذه الجراحات ان تجار التجميل استغلوا حاجة الناس للجمال ولاستعادة ثقتهم بأنفسهم مجددا، ظناً منهم أن هؤلاء التجارة سيساعدونهم على أن يكونوا نسخة شبيهة بأحد الفنانين أو الفنانات من خلال عمليات بيع الوهم للزبون.

كلمة أخيرة
في تقديري، ان المؤسسات الثقافية والتعليمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل بمجال التنمية الثقافية والفكرية، وكذلك مسئولو الانشطة الثقافية بالنوادي لا بد وان يضعوا برامج توعية لإبراز مخاطر هذه المراكز، وان تعلم الناس كيف يسألون أولا عن المستشفى ومدى توافر شروط النظافة والتعقيم، وكذلك السؤال عن الطبيب الذي سيقوم بإجراء العملية التجميلية

وهل هو متخصص أم لا، وهل يحمل ترخيصا بمزاولة هذه المهنة أم لا ؟ ، وان المرأة العربية في أشد الحاجة الى التأني في اتخاذ اي قرار مصيري بشان جراحات التجميل، وعليها ان تسأل نفسها هل هي بحاحة لهذه الجراحة فعليا ام انها تجري وراء صيحات الموضة بلا تروي او تعقل؟

وانني لأدعو المؤسسات القانونية والتشريعية لتغليظ العقوبة ضد مراكز جراحات التجميل غير المرخصة، وسحب أي ترخيص بمزاولة المهنة من المراكز التي لا تلتزم بشروط الخدمة الطبية والرعاية الصحية الشاملة لمن تجري لهم هذه الجراحات، وليسلم الله الجميع.