السبت، 31 ديسمبر 2022

كأس الخليج يلم شمل العراق على أشقائه بالخليج

 

كأس الخليج يلم شمل العراق على أشقائه بالخليج


سارة طالب السهيل
31-12-2022 07:03 PM

أيام قليلة باقية على احتضان مدينة البصرة لعرس الكرة الخليجية ، والذي يعود للعراق بعد 44 عاما ، وتعود بها العراق لحضن الخليج ، ويعود الخليج لجزء أصيل منه وهو العراق.

متابعاتي لهذا الحدث الكروي كم أثلجت صدري، وأنا أرى جاهزية البصرة لاستقبال أشقائهم من دول الخليج والفرحة تكسو الوجوه وتملأ قلوب أهل العراق شوقا وحنينا لاخوانهم الخليجيين والعرب، وفي المقابل انتظار عشاق الدائرة المستديرة من الخليجيين بكل شوق وحنين للحضور للعراق ومتابعة كأس الخليج على أرض بلاد الرافدين.

انه حنين متبادل ومشاعر قلبية واحدة لاتفرق بين عراقي أو كويتي او سعودي او امارتي او بحريني او قطري او عماني ، انهم لحمة عربية خليجية واحدة فرقتهم ظروف سياسية وامنية وتحديات دولية ، ولكن عندما تحن لحظة اللقاء فيكون العناق وتجاوز كل العثراث السابقة.

فما أجمل ان نعبر الحواجز ، ونفتح مغاليق الاقفال ، ونمضي في طريق عربي واحد موحد ، رغم تباينات عالم السياسة ، خاصة وان العراق قد تجاوز أزمته الطائفية وعبرها  بشكل مطمئن حتى الفساد فبدأت بوادر اطفاء شرارته رئيس الوزراء العراقي الحالي وكوكبة العمل معه بجانب الجهود المبذولة لدحر الفساد ،  وهو ما يعني ان الارض مهيئة ومعبده للتلاقي الخليجي العراقي ، والعمل سويا على دفع العراق في جهوده لاستعادة دوره الخليجي في امن و استقرار شعبه والشعوب الخليجية معا سياسيا واقتصاديا وامنيا.

نعم انه في ظاهره مجرد حدث كروي رياضي ، لكنه يحمل في طياته العديد من علامات الامل وبشائر الوحدة الخليجية وعودة العراق لمحضنها الخليجي خاصة و العربي عامة ، وشمل الاسرة الخليجية وجمع ضالتهم ، بعد سنين عجاف من الفرقة  و التشظي والمخاوف الخليجية من الصور الذهنية التي رسمت ضد العراق من ارهاب او من مخلفات نظام سياسي سابق كانت بعض دول الخليج لا تتوافق معه.

ولاشك ان حضور نجوم الكرة الخليجية سيدعم هذه البطولة ويحقق نجاحها للعراق  ولدول الخليج معا ، وسيدعم رسالة العراق الامن من الارهاب والتشظي ، خاصة وان كل العراقيين بكل أطيافهم السياسية والحزبية يقفون خلف انجاح هذه البطولة ، وهو ما ينعكس ايجابيا لفتح أفاق العلاقات الاقتصادية الخليجية مع العراق.

صحيح انه قد مرت سنوات طويلة على العراق ولم تجد يد العون تمتد لها من أشقائها ، وهي تخوض معارك قاسية من الصمود في وجه تحديات أثرت بدورها على الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي ، وان كان لدول الخليج العذر في موقفها ، اما اليوم فقد انفتحت طاقة جديدة من الأمل للم شمل العراق على الخليج عبر هذا الكأس الكروي المستمر من 6 حتى 19 يناير.

البشاير تتجلى ونحن نستقبل عاما ميلاديا جديدا تشتد فيه عواصف دنيا المال والاقتصاد ، ويسعى فيه العراق لضمد جراحه النازفة خلال السنوات الماضية ودعم استقرار أرضه ومحاربة الفساد لتحقيق الامن السياسي والاقتصادي لشعبه ، واستثمار موراده الطبيعية من نفط وزراعة وغيرها لمواجهة أية أزمات عالمية محتملة من نقص غذاء وما شابه.

بينما تفتح دول الخليج صفحة جديدة مع العراق عبر هذا الكأس ، ومن خلاله يعبرون الخلافات القديمة، ويلتقون  معا على المصالح الحيوية السياسية والامنية والاقتصادية بما يحقق استقرارا وأمن شعوب الخليج جميعا.

فالازمات العالمية الراهنة والناتجة مؤخرا من الحرب الروسية الاوكرانية وما نتج عنها من نقص في توريد الغذاء ومستلزمات الانتاج ومن ثم ارتفاع السلع والمنتوجات المختلفة ، علما بأن معظم دول الخليج تستورد غذائها من الخارج  تستدعي وحدة الصف الخليجي، والعمل معا على تجاوز هذه الازمة العالمية والتعاون في اقامة اقتصاد خليجي قوي قادر على تحمل الصدمات العالمية والمنافسة ايضا.

كنت أتمني على منظمي البطولة بالعراق ، لو توسعوا في تغطيتها ودعمها عربيا اكثر ، بدعوة كتاب ومثقفين وفنانين عرب واعلاميين من مختلف الدول العربية وهو ما يسهم أكثر في انجاح هذه البطولة الكروية ، وابراز الجهود العراقية المبذولة في التنظيم.

اتمنى بطولة ناجحة  ومتعة شيقةلكل عشاق الكرة المستديرة بالخليج والدول العربية ، وان تستثمر البطولة الكروية الى بطولة تجاوز خلافات الماضي والارتفاع عن أشواك تباعد المصالح ، والالتقاء على وحدة المصالح ووحدة الصف الخليجي وحدة المصير.

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

ليس الذئب يأكـل لحـم ذئـب .. ويأكـل بعضنـا بـعـض عيـانـا

  

  ليس الذئب يأكـل لحـم ذئـب ..  ويأكـل بعضنـا بـعـض عيـانـا

سارة طالب السهيل
30-12-2022 12:09 PM

ساعات قليلة شاء لي ربي ان أخلو فيها بنفسي بعيدا عن الميديا والاصدقاء والاهل لاستعيد قدرا من الصفاء النفسي والروحي ، واذا شريط سينمائي من الذكريات من حكايات امي وجدتي يفقز في مخيلتي ويعايشه وجداني مستحضرا تلك العلاقات الدافئة في المحيط الاسري والاجتماعي العام .

يا الله... ما أروع التلاحم والتراحم بين الناس، ما هذا الجمال الرباني في المشاعر والسلوكيات اكثر رقيا وتحضرا  وانسانية ، وما هذه الطمأنينة والسكينة التي تغلف مشاعرنا ، فالغني لا يشعر الفقير بفقره ، ولا الفقير يظهر ضعفه وحاجته للغني من باب التعفف وحفظ الكرامة، ومع هذا كان كلاهما يمد الاخر بالعطف والحنان والمودة والاحترام والتقدير.

كان الجار جزء أصيل من الاسرة ، والامهات والبنات  يتبادلون الحديث اليومي عبر الشرفات والبلكونات، وهذه تعزم الجارة على شاي بالميرامية و هاي تقسم على جارتها الا تذوق زعتراتها.

وأسطح المنازل كانت مسارح للسمر فلا  تخشى الاسرة ان تنكشف على الجيران لان الجار كان له حرمه  مقدسة كحرمته في أولاده و أهله، بينما صارت الناس اليوم  تتخبى عن بعض و الذكي هو من يعلي سور بيته أكثر حتى لا يلمحه جاره .

حتى الحدائق والبساتين كانوا اهل الحي يعتبروا بستان جارهم ، هو بستانهم يحافظون عليه وما يخجلون من قطف بعض حبات تفاحه او لوزه ، واليوم صنعت الناس أسياج حديدية حول مزرعتها ، وتحوطها بأسلاك تشبه أسلاك الحرب ومرتكزات قوات الاحتلال.

وحتى الثمار تم تغطيتها بورق لمنع الناس من قطف ثمرة ، ومنع العصافير المارقه من ان تنتش ثمرة تروي عطشها وتسد جوعها في حر الصيف وبرودة الشتاء.

كانت الناس قلوبها طيبة و بيوتها مفتوحه لا يتذمر أحد من ضيف و لا يتثاقل من عزيمة مهما كانت بسيطة ، بينما الأنانية صارت  اليوم المبدأ الوحيد الحاكم  في فضاء السلوك الانساني، فلا قيمة لتراحم واخوة وجيرة ، انما قيمة واحدة تتصدر المشهد النفسي والسلوكي اليومي لبني البشر وهو قيمة الأنا ونفسي .

فما الذي غيرنا وقلب طاولة اخلاقنا مائة وثمانين درجة نحو القسوة والانانيه ، هل هي التربية أم زماننا ومتغيراته وطبيعة تحدياته  من انترنت وحاسبات وبرامج تكرس لواقع افتراضي جعلت انسان هذه العصر بعزلة عن الواقع ورفض قيم الجماعة فيه .

فلو كانت ازمة تربية فانا امهاتنا قد ورثوا أساليب التربية عن اجدادنا ، ورثوا طيبة القلب وحب الخير والناس وتلمس الاعذار لهم ، فما اسباب نكبتنا الاخلاقية حاليا؟  فهل هو غياب الوعي الديني ؟ فلا أظن لأن قيمنا الدينية كانت تقدم في أساليب  بسيطة سهلة التطبيق ، وما ان يسرد لنا  استاذ الدين احدى القصص الدينية نبكي من الخشوع و الإيمان ، و لو أخطأت احدانا  في سلوك معين سرعان ما تراجع نفسها و ضميرها وفورا تتوب وتضبط ايقاع سلوكها على الطريق المستقيم .

وكانت خطبة الجمعة مليئة بالحكم والمواعظ الدينية عن الاخلاق والايمان دون تخويف او تنفير من الدين ، بل تحفزنا على التعايش بالحب والتسامح والمغفرة ، بينما تعج الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم بالقنوات والمشايخ والثقافة الدينية  الموسعة ، ومع ذلك الاجيال لا تستقبل شروحات المشايخ بقلب مؤمن ، بل ان القلوب صدأت وخربت بالحقد والحسد والعنصرية والتعصب مركزين فقط على المظهر الديني دون الجوهر و كانه جواز مرور.

قد يبرر ويلقي معظمنا أزمتنا الاخلاقية في ملعب الازمة الاقتصادية ومتطلبات الحياة من مدراس معيشية غالية واجهزة حديثة ضرورية ، بينما كان اهلنا يعيشون حياة بسيطة خالية من كل الكماليات والرفاهيات التي نتمتع بها اليوم وراضيين بمعيشتهم دون منافسة لاحد او تقليد لأخرين.

لكننا اليوم لم نعد نرضى بالمقسوم وصرنا نستهلك وقتنا وعمرنا في اعمال شاقة ولساعات طويلة لجلب المزيد من وسائل الترفيه والتنافس في الدنيا  لان نكون اغنى من غيرنا والتمايز على الاخرين بما نملكه فوقعنا في فخ ابليس وخضعنا للمادية المتجبرة ، واذا القلوب اشد قساوة من الحجر ، وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار !!

فالام انشغلت بوظيفتها ونجاحها فيه كسبا لمال أكثر ولكي توفر لطفلها ابن الثماني سنوات موبايل بمئات الدنانير دون ان تعي ان تقتل براءته، بينما لم توفر له وقت لاحتضانه واشباعه بالحنان والتربية، وكذلك الاب انشغل بجمع المال لتجديد سيارته ولاظهار صورته الراقية امام المجتمع على حساب دوره الرقابي على الاسرة.

للاسف كلنا تغيرنا وسرنا في متاهات المادية المقيتة ، فبدت لنا  سؤاتها  وخسرنا انسانيتنا ، فهل من سبيل للرجوع ؟ انه قرار فردي اولا واجتماعي ثانيا المهم ان نبدأ في تصحيح طريقنا، ولنتخلى تدريجيا عن مظاهر الرفاهية والمادية، ولتكون الازمة الاقتصادية العالمية والحروب والمجاعات حافزا لنا لنغير انفسنا ولنمد يد العون لكل محتاج ونشفق على مخطئ ونرمي له طوق النجاه من الغرق

انها مهمة غير مستحيلة، فالرحمة تصنع المعجزات حين نتكافل ويكمل بعضنا نقص الاخر . ورحم الله الامام الشافعي حين عبر عن واقعنا بقوله :  

نعيـب زماننـا والعيـب فيـنـا       ومـال زماننـا عـيـب سـوانـا
ونهجو ذا الزمـان بغيـر ذنـب     ولـو نطـق الزمـان لنـا هجانـا
وليس الذئب يأكـل لحـم ذئـب     ويأكـل بعضنـا بـعـض عيـانـا


الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022

ماذا يأكل بعضنا بعضا عيـانا؟

 

ماذا يأكل بعضنا بعضا عيـانا؟

سارة طالب السهيل
27-12-2022 11:51 PM

ساعات قليلة شاء لي ربي ان أخلو فيها بنفسي لأستعيد قدرا من الصفاء النفسي والروحي، وإذا شريط سينمائي من حكايات امي وجدتي يفقز إلى مخيلتي ويعايشه وجداني مستحضرا تلك العلاقات الدافئة في المحيط الاسري والاجتماعي العام.

يا الله.. ما أروع التلاحم والتراحم بين الناس، ما هذا الجمال الرباني في المشاعر والسلوكيات الاكثر رقيا وتحضرا وانسانية، وما هذه الطمأنينة والسكينة التي تغلف مشاعرنا، فالغني لا يشعر الفقير بفقره، ولا الفقير يظهر ضعفه وحاجته للغني من باب التعفف وحفظ الكرامة، يمد كلا منهما الآخر بالعطف والحنان والمودة والاحترام والتقدير.

كان الجيران يتبادلون الحديث اليومي عبر الشرفات والبلكونات، وهذه تعزم الجارة على شاي بالميرمية وتلك تقسم على جارتها أن تذوق زعتراتها.

كانت أسطح المنازل مسارح للسمر فلا تخشى الاسرة تلصص الجيران عليها فقد للجار حرمه، بينما صار الناس اليوم يختبئون عن بعضهم، والاشطر هو من يعلي سور بيته أكثر حتى لا يلمحه جاره.

حتى الحدائق والبساتين كان اهل الحي يعتبرون بستان جارهم، هو بستانهم يحافظون عليه و لا يخجلون من قطف بعض ثماره، اما اليوم فقد صنع الناس جدرانا حول حدائقهم، حيث يتم تغطية ثمارها لمنع الناس من قطف ثمرة، ومنع الطيور من ان تروي عطشها اوتسد جوعها في حر الصيف وبرودة الشتاء.

كانت قلوب الناس طيبة و بيوتها مفتوحه لا يتذمر أحد من ضيف و لا يتثاقل من دعوة مهما كانت بسيطة، بينما صارت الأنانية المبدأ الوحيد الحاكم في فضاء السلوك الانساني، فلا قيمة لتراحم واخوة وجيرة، انما قيمة واحدة تتصدر المشهد النفسي والسلوكي اليومي لبني البشر هي قيمة الأنا.

فما الذي غيرنا وجعل اخلاقنا تتبدل مئة وثمانين درجة نحو القسوة والأنانية، هل هي التربية أم زماننا ومتغيراته وطبيعة تحدياته من انترنت وحاسبات وبرامج تكرس لواقع افتراضي جعلت انسان هذه العصر يعيش عزلة عن الواقع ويرفض قيم الجماعة فيه.

فلو كانت ازمة تربية فانا امهاتنا قد ورثن أساليب التربية عن اجدادنا، كما ورثن طيبة القلب وحب الخير والناس وتلمس الاعذار لهم، فما اسباب نكبتنا الاخلاقية حاليا؟ هل هو غياب الوعي الديني؟ لا أظن لأن قيمنا الدينية كانت تقدم باساليب بسيطة سهلة التطبيق، وما ان يسرد لنا استاذ الدين احدى القصص الدينية حتى نبكي من الخشوع و الإيمان، ولو أخطأت احدانا في سلوك معين سرعان ما تراجع نفسها وضميرها وتضبط ايقاع سلوكها.

كانت خطبة الجمعة مليئة بالحكم والمواعظ الدينية عن الاخلاق والايمان دون تخويف او تنفير من الدين، بل تحفيز على التعايش بالحب والتسامح والمغفرة، بينما تعج الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم بالمشايخ والثقافة الدينية الموسعة، ومع ذلك فإن الاجيال لا تستقبل شروحات المشايخ بقلب مؤمن، بل أن القلوب صدأت وخربت بالحقد والحسد والعنصرية والتعصب مركزين فقط على المظهر الديني دون الجوهر و كانه جواز مرور.

قد يبرر ويلقي معظمنا أزمتنا الاخلاقية في ملعب الازمة الاقتصادية ومتطلبات الحياة عالية التكاليف ثمنا للاجهزة الحديثة التي صارت ضرورية، بينما كان اهلنا يعيشون حياة بسيطة خالية من كل الكماليات والرفاهيات التي نتمتع بها اليوم وكانوا راضيين بمعيشتهم دون منافسة لاحد أو تقليد لآخرين.

لكننا اليوم لم نعد نرضى بالواقعنا وصرنا نستهلك وقتنا وعمرنا في اعمال شاقة ولساعات طويلة لجلب المزيد من وسائل الترفيه والتنافس في الدنيا لان نكون اغنى من غيرنا والتمايز على الاخرين بما نملكه فوقعنا في فخ ابليس وخضعنا للمادية المتجبرة، واذا القلوب اشد قساوة من الحجر، وأن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار!

فالام انشغلت بوظيفتها ونجاحها فيه كسبا لمال أكثر ولكي توفر لطفلها ابن الثماني سنوات موبايل بمئات الدنانير دون أن تعي أنها تقتل براءته، بينما لم توفر له وقت لاحتضانه واشباعه بالحنان والتربية، وكذلك الاب انشغل بجمع المال لتجديد سيارته ولاظهار صورته الراقية امام المجتمع على حساب دوره الرقابي على الاسرة.

للاسف كلنا تغيرنا وسرنا في متاهات المادية المقيتة، فبدت لنا سوآتها وخسرنا انسانيتنا، فهل من سبيل للرجوع؟ إنه قرار فردي أولاً واجتماعي ثانيا، المهم أن نبدأ في تصحيح طريقنا، ولنتخلى تدريجيا عن مظاهر الرفاهية والمادية، ولتكون الازمة الاقتصادية العالمية والحروب والمجاعات حافزا لنا لنغير انفسنا ولنمد يد العون لكل محتاج ونشفق على مخطئ ونرمي له طوق النجاة من الغرق انها مهمة غير مستحيلة، فالرحمة تصنع المعجزات حين نتكافل ويكمل بعضنا نقص الآخر.

الخميس، 22 ديسمبر 2022

حماية الأوطان فرض عين

 

حماية الأوطان فرض عين

سارة طالب السهيل
21-12-2022 12:20 AM

حب الاوطان غريزة فطرية، فهو موطن ولادتنا ونشأتنا ومحضن طفولتنا وشبابنا، ومرتكز هويتنا وشخصيتنا، وجسرا آمناً لأحلامنا وتطلعاتنا، بما يوفره لنا من أمان. وأمن الوطن واستقراره وحمايته من أية افكار هدامة واعمال تخريبية، مقدم على الرزق، فبدون الوطن لا يوجد عمل ولا بيع ولاشراء، ولا تجارة ولا اقتصاد ولا تعليم. وشهدته بعض الدول من دمار اقتصادي نتيجة ما فعله بها الفكر المتطرف خير مثال على مانقول حيت دمرت مصادر قوتها واقتصادها وصارت نهبا للصراعات السياسة والحزبية والطائفية الممجوجة والنتيجة التشظي واستباحة دماء الابرياء وانهيار الاقتصاد وضياع الامن والامان وهلاك الانسان والزرع والضرع.

الاوطان هي بيوتنا ومزارعنا ومدارسنا ومساجدنا وكنائسنا ومصانعنا وسماؤنا تملكنا ونملكها، هي نحن، ونحن هي بلا فصل ولا انفصال، تحمينا من الغربة والتشرد ومن الاعادي الغاصبين، تحفظ قيمنا واعرافنا ومنظومتنا العقائدية وهويتنا الحضارية، فحقها علينا وحقنا على انفسنا معا ان نحافظ عليها ونفديها بمالنا وانفسنا.

والاصطفاف خلف قيادتها أحد مرتكزات حماية الوطن مما يحاك ضده من مؤامرات خارجية تستخدم بعض ابنائه دون وعي منهم، لاثارة الفوضى تحت ذرائع الفقر والعوز وغلاء المعيشة وما شابه لينتهكوا حرماته وليضعفوا من قوته فيكون لقمة سريعة سائغة لاعدائه المتربصين لحظة ضعفه والانقضاض عليه وهنا لا اعني ابدا الاستخفاف بمطالب ومظالم المواطنين وحقهم في التطلع الى الافضل والسعي نحو عيش كريم كما قال المغفور له الحسين بن طلال في خطاب له شرح به الآية (الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف) حيث انه حق من حق المواطن بلا ادنى شك ولكن فليعي المواطن وليكن حريصا على الا يتغلغل في صفوف المطالبين بتحسين الاوضاع والظروف عابثين بأمن المواطن والوطن.

وبقدر ما توفره الاوطان لابنائها من خدمات ومصالح وحقوق، فان على المواطن ان يدافع عن هذه الاوطان بدمه وروحه، وهو دفاع عن النفس والاموال والاعراض والعقول والمعتقدات.

تتعدد الطرق لحماية الأوطان أمنيا وسياسيا واقتصاديا وعلميا وصحيا، فكل فرد منا يستطيع حمايه وطنه في مجال تخصصه وعمله، وبقدر أهمية حمل السلاح اذا لزم الامر للدفاع عنه لمواجهة اي عدوان يقع بحقه، فان وحدة الصف والتماسك الداخلي لابناء وطن يقف حائط سد ضد محاولات التغرير به والايقاع به في شباك الفتن.

وهنا تتجلى أهمية التعاون المجتمعي في الحفاظ على ممتلكات الوطن، والتعاون في صد اية محاولات لبث الفتن فيه داخلية او خارجية، وعدم السماح لاي فرقة او دعوة للمساس به والعبث باستقراره وترويع اهله.

كل منا يستطيع حفظ وطنه بالاخلاص كل منا في عمله وتطويره وتنميته، والتعاون المجتمعي في نشر التعليم والوعي بقيمة الوطن الذي هو تعبير عن قيمتنا، وبذل الجهود لتطوير الوطن وتنميته عمليا واقتصاديا واخلاقيا كما تعمل الدولة على توفير الفرص والتسهيل للناس وفتح ابواب الاستثمار من الداخل والخارج وخفض الضرائب والمستحقات وتشجيع القطاع الخاص.

كل منا ملزما التزاما شرعيا واخلاقيا بالحفاظ على ممتلكات الوطن والعمل على وحدة صفه، واحترام قوانينه و دفع مقابل هذه الخدمات من فواتير مطلوبة، وعلى الجانب الاخر فان الحكومات الوطنية مطالبة بتوفير المناخ السياسي والاقتصادي اللازم للتطوير وحفز مناخ الاستثمار وخلق فرص العمل، وسن تشريعات قانونية عملية لمنع الغش والاحتكار واستغلال حاجات الفقراء.

ولا شك ان حماية الوطن تبقى مرهونة بتكريس الحكومة لقيم العدل والمساواة في الحقوق والواجبات وتحفيز القيم الاخلاقية التي تحفز المواطنين على التراحم والتعاون ومد الغني يده للفقير. ولعل التحرر من الانانينة والمصالح الشخصية الضيقة يبقى عنصرا فاعلا في الحفاظ على الوطن من أجندات اصحاب المصالح، ويجب ان يقف لها بالمرصاد اصحاب العقول المستنيرة، والذين بدورهم عليهم دور اساسي في الحفاظ على البناء الفكري السليم لابناء الوطن، والعمل على تنمية العقول وتصحيح المفاهيم المغلوطة، حماية المجتمع من أصحاب الدعوات الهدامة والأفكار المتطرفة.

(الراي)


الثلاثاء، 20 ديسمبر 2022

كيف ننتصر في حرب المناخ؟

 

كيف ننتصر في حرب المناخ؟

سارة طالب السهيل
16-12-2022 10:33 AM

عايشنا في السنوات الاخيرة طفرات غير مسبوقة في درجات الحرارة بمختلف بقاع المعمورة ، بشكل لم نعهده من قبل وعانينا كثيرا من مشكلات الاجهاد الحراري وتلف الكثير من المحاصيل، بينما عانت شعوب كثيرة من كثرة الفيضانات والاعاصير والعواصف والامطار الغزيزة وزيادة السيول، وجفاف البحيرات والانهار.

وكل هذه المظاهر تعد من تجليات تغير المناخ، الذي يعرف بأنه تغير في أنماط درجة الحرارة والرياح خلال فترة معينة من الزمن تستمر لسنوات، بسبب تأثير الأنشطة البشريّة الصناعية والكيماوية  ومساهمتها في انبعاث الغازات الدفئية بالغلاف الجوي مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز وبروميد الميثيل وغيرها، بجانب فقدان الغابات الرطبة مما تسبب في تشكيل ظاهرة الاحتباس الحراريّ .

تم اكتشاف التغير المناخي أوائل ق ال19، عندما تمت ملاحظة التغيرات الطبيعية في المناخ القديم والتعرُّف على التأثير الطبيعي للصوبة الزجاجية. وترتب على تنامي التغير المناخي كوارث تهدد بقاء العديد من المدن الساحلية مثل الاسكندرية وغرق الدلتا في مصر بفعل ارتفاع منسوب المياه في البحر المتوسط وذوبان الانهار الجليدية.

والاختلال في مواسم سقوط الامطار وأماكنها مما قد يصيب بعض المناطق بالتصحر  ومن اختلال التوازن البيئي للزروع والحيوانات، بجانب انتشار العديد من الامراض والاوبئة  مثل الملاريا و حمى الضنك بسبب إنتشار البعوض على خطوط العرض والارتفاعات العليا.

وامام هذ الكارثة التي تهدد بقاء الانسان على الارض، فان مواجهة التغيير المناخي تعد قضية عالمية تتطلب التعاون بالاسراع في تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري باستخدام الطاقة النظيفة والتوقف عن استخدام الوقود الاحفوري.

ولاشك ان العالم بحاجة الي توسع زيادة  الغطاء النباتي وتبني سياسات زراعية جديدة تتكيف مع متغيرات المناخ لحماية المحاصيل، وتقليل الخسائر وانتاج بذور زراعية قادرة علي الصمود امام هذه التحديات .
ان هذه الازمة العالمية تحتاج الى تعاون دولي من أجل تمويل الدراسات الخاصة بالبذور المبتكرة لتحمل التغير المناخي، ووضع سياسات زراعية جديدة تقلل من تكلفة اهدار الماء في المحاصيل المستهلكة للمياة بشكل أكبر ، والتوسع في زراعة الاشجار التي تقلل من التصحر في المناطق المرتفعة الحرارة .

ولعلي ادعو عالمنا العربي الي مجابهة الأمية البيئية بوضع خطط اعلامية وتعليمية وثقافية  لنشر الوعي بالثقافة البيئية، وايضا نشر الوعي بين المزارعين بأساليب الزراعة الذكية مناخياً، وهي كتوجه عالمي يستهدف التكيف مع تغير المناخ، باستخدام أنواع المحاصيل المقاومة للجفاف أو الملوحة، وكفاءة استخدام موارد المياه ومعالجة الآفات.

وأظن امام ازمة نقص المياة في عالمنا العربي او اية مشكلات محتملة للتصحر ، فاننا مطالبون بسرعة تغيير سياساتنا الزراعية بالتوقف عن آليات الرزاعة القديمة، والاستثمار الجيد للمساحة الزراعية  وفقا لكمية المياةالمتاحة .

والضرورة تفرض علينا زراعة الاشجار التي تظلل بفروعها وأغصانها الشوارع للعمل على ضبط درجة الحرارة بالصيف، وعلاج  التصحر بزرع الاشجار الكثيفة السريعة النمو ومنع الرمال والغبار وتراكمه.

فأشجار " النيم "  يمكن جلبها من الهند، لمنع التصحر وعلاجه، فهي تستهلك ماء أقل وتنمو بسرعة وفي تربة مالحة، وتتحمل درجة حرارة  50 درجة، و يستخرج من ثمارها  مواد تستخدم في صناعة مواد التطهير والوقاية من امراض الجدري. وزراعة هذه الشجرة بالارض المغطاة بالرمال  تحولها الي واحة خضراء في وقت قصير  وتغذي التربة وترطبها وتمنع التصحر.

وهناك العديد من الاشجار التي تساعدنا في معالجة التغير المناخي وتقلل من درجة حرارة الصيف منها : شجرة الرماد، والزان والقيقب، والبلوط .

فنطلق حملات في بلادنا العربية لزراعة الاشجار وزيادة  الغطاء النباتي، لتنقية المياه والجو ، مع حملات لنشر ثقافة ركوب الدراجات لتقليل استخدام السيارات، والتعاون المجتمعي في تركيب الالواح الشمسية على اسطح المنازل.

الخميس، 15 ديسمبر 2022

مواقع التواصل وثقافة القطيع

مواقع التواصل وثقافة القطيع

سارة طالب السهيل
14-12-2022 12:18 AM

لعبت وسائل الاعلام التقليدية دورها بتشكيل وعي الفرد وتغيير اتجاهاته الفكرية والاجتماعية لتبني افكار الحداثة وما بعدها، ومع تحول المجتمعات البشرية لعصر تكنولوجيا المعلومات وفضاء الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وجد انسان هذا العصر ضالته المنشودة في حرية التعبير عن نفسه والتحرر من كل القيود، فلغى دور الوالدين، والدين والاعراف الاجتماعية، دون ان يعي انه قد دخل في نفق مظلم من تيه سيطرة سياسة القطيع ودوامة تلبس الافكار الموجهة من جهات لا يعلمها.

انسان هذا العصر صار يرفض الثوابت كلها اعتراضا وتحديا للفطرة الانسانية، وقبل طواعية ان يكون فردا في قطيع فضائي افتراضي موجه لا يعرف من يوجهه سوى من رسائل لأشخاص مجهولين يطلقون سمومهم بأسماء مستعارة لتغير الافكار والاتجاهات الاخلاقية والدينية والاجتماعية والسياسية، حتى بتنا لا نعرف من زماننا سوى ثقافة القطيع حيث تحتشد الجماهير لابداء رأيها في مباراة رياضية، وفي الدين بأوهام تغرر بأصحاب القلوب الضعيفة وتشبع فضولهم الديني، كرسائل دعوة دينية معينة، ويطلب المرسل من جمهوره ان يرسلها الى عشرة من أصحابه مقابل ان يرى سيدنا ونبينا محمد في المنام!

ملايين الهاشتاجات المثيرة التي تملأ الفضاء الالكتروني ويجري وراءها الشباب والصغار والكبار في لهاث يومي ودائم للتواصل الوهمي مع النجوم والفنانين والسياسيين والمشهورين وتتبع أخبارهم لحظة بلحظة وتحليلها ومناقشتها، كأنها مادة خام يتم تفصيلها لصنع احداث وهمية لا تغني ولا تسمن من جوع.

فالقطيع يتناقل الاخبار و"الهاشتجات" ويسوقها بمحض ارادته، دون ان يدري انه يحقق اهداف من يقف وراء سياسة القطيع وتوظيفها باحتراف بنشر الاوهام والاشاعات وشغل الناس بها، فضمنت بذلك الحكومات العالمية سيطرتها على شعوبها، بعد ان جردتها من نعمة التفرد والتفكير المستقل الذاتي بعيدا عن اية تبعية لثقافة وسياسة القطيع.

البديع في الأمر ان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذرنا قبل 1400 عام من ان يساق الانسان فكريا كالبهائم عندما يلغي عقله وينساق لسياسة القطيع ويتبع ثقافة التقليد الاعمي في حديثه: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَا تَظْلِمُوا».

وللاسف فان سعي الانسان للتحرر قد جره دون وعي للانسياق وراء الاخرين ومحاكاتهم دون تفكير وتقلديهم في المأكل والملبس والمشرب ونمط الحياة، والنتيجة الطبيعية ظهور شخصيات بشرية ممسوخة من الاخرين فاقدة للهوية والارادة.

وباتت مواقع التواصل الاجتماعي والترندات والبراندات والهاشتجات ادوات رئيسية لحكومات العالم الخفية والظاهرة لتنفيذ مخططات ومؤامرات لتحريك الشعوب وتركيعها على مستوى الفرد والجماعة وتقرير مصيرهما.

بظني ان مواقع التواصل الاجتماعي ليست وسائل للتواصل بقدر ما هي وسائل لاختطاف الانسان من آدميته واختراقه في كل نفس عبر ادوات اعلامية محكمة التأثير كالتي تستخدمها الامهات في التحايل على الاطفال لقبول اخذ الحقن.

هكذا تحقن أدوات التواصل الاجتماعي الشعوب لتخضعهم وتدربهم علي التأقلم مع اي وضع سياسي محلي او عالمي، وكما ظهر وباء كورونا فعلينا اتباع مجموعة تعليمات واحدة كالجلوس بالبيت وقلة استهلاك المواد من اكل وشرب وكهرباء وغيره!

اما «التيك توك»، فهو أداة فاعلة جدا في نشر ثقافة التسطيح وتفريغ الانسان من مضمونه العقلي والفكري والوجداني، وهو فلاتر تغير ملامح الانسان من الالف الى الياء اذا رأيته بالطبيعة لا تعرفه ما لونه؟ وما جنسه وهويته؟!

فقط لأجل مواكبة العصر نجري ونلهث وراء الترند، كأنه بحر بلا شطآن على كل البشر ان يعوم فيه دون أن تكون هناك سفينة نتعلق بها عندما نغرق. ولمجرد أن يصنع البعض فيديو مثير او مشهدا فنيا او أغنية حتى يجري الكل وراءها دون تفكر أو تعقل، فهذا هو بيع الوهم عبر سياسة القطيع للافراد والمجتمعات حتى تتعود التقليد الاعمى دون فكر ورؤية، ومن ثم تقرير مصائرها، وهي بمعزل عن الواقع الحقيقي من ازمات مالية وصحية وسياسية ودينية واخلاقية.

فهل آن الاوان لان نفيق لحجم كارثة ضياع فكر الشعوب؟ ومن يقود معركة استعادة الوعي باخلاص؟ وهل سيترك من يقود حملات الوعي ضد ثقافة القطيع دون محاربته؟

انها قضية العصر نكون او لا نكون فمن يملك شجاعة الحرب الفكرية على جهالة الواقع الافتراضي فليتقدم صفوف الشرفاء والمناضلين.

(الراي)


الخميس، 8 ديسمبر 2022

نحو ثقافة شجرية مثمرة

 

نحو ثقافة شجرية مثمرة

سارة طالب السهيل
07-12-2022 12:29 AM

الحاجة هي أم الاختراع هذا الاثر الانجليزي، يدعونا الى التعامل مع واقعنا وتحدياته بعقل لابتكار حلول علمية لمشكلاتنا، ومنها أزمة شبح الجوع الذي يواجه شعوب العالم اليوم، ويدفعنا إلى تغيير ثقافتنا الاستهلاكية إلى ثقافة مفيدة وعملية كاستبدال أشجار الزينة في الشوراع بأشجار مثمرة.

وقد أثبت العلم أن أشجار الزينة بالشوراع لا تسمن ولا تغني من جوع، وأنها تستهلك الكثير من الماء، بينما الاشجار المثمرة أكثر فائدة للإنسان والحيوان والطير، فهي تحافظ على التنوع البيولوجي، حيث تعيش فيها الكثير من أنواع الطيور وتتغذى منها، وتقاوم الجفاف والملوحة.

كما أنه و في ظل الارتفاع الجنوني للاسعار بالعالم، بات شراء الفاكهة للفقراء أمرًا صعبا، لذلك بتنا في أشد الحاجة لتغيير ثقافتنا الشجرية باستبدال اشجار الزينة، بأشجار مثمرة فهي أيضا تحقق البعد الجمالي والإيماني معا. فقد حث نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم على الزرع والغرس، في حديثه «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ»، تخيل لو ان كل واحد منا زرع شجرة مثمرة بنية الصدقة الجارية ونفع الناس، فكيف سيكون شكل الشوراع من الجمال والبهاء والخير العميم للانسان والطير والحيوان؟!

فالأشجار المثمرة تمد الإنسان والحيوان بالثمار المليئة بالعناصر الغذائية الضرورية، وهي جزء أصيل من دورة حياة بعض الحيوانات، وتشع بالجمال وتسعدنا برائحتها الذكية، ويمكن للمارة الاستفادة من ثمارها وقطفها كصدقه لكل محتاج، بل إن مجرد قطف ثمرة يجلب السعادة ويعلم الاطفال حب النبات وعشق الطبيعية والحفاظ عليها، كما أننا نربى أجيالا على الجمال وحل مشاكلهم النفسية من العنف والتنمر وغيرها.

زراعة الاشجار المثمرة لا يحتاج إلى أموال طائلة، بل يحتاج الى قرار من المسؤولين فقط في بلادنا ليصبح قيد التنفيذ، علماً بأن هناك العديد من الاشجار المثمرة التي يمكن زراعتها بالشوراع وامام المنازل و المحال التجارية مثل أشجار الموالح وهي اشجار موفرة للمياه تتحمل العطش وملوحة التربة.

فشجرتا الليمون والبرتقال تقاومان الامراض ولهما مظهر جمالي ورائحة عطرة، والتمتع بنظام الحماية الذاتي من خلال الشوك الذي يحافظ على استدامة الإنتاج بما يحقق العوائد الاقتصادية من ورائه على المدى الطويل مثل إنتاج حمض السيتريك الذي يستخلص منه فيتامين «سي»، الذي يدخل في صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية والتجميلية.

وكذلك شجرة الرمان فثمارها الشهية تعالج الكثير من الأمراض، بجانب اشجار التين والتوت والزيتون بفوائدها الغذائية و شجرة السنط المنتجة للأخشاب وأفضل أنواع العسل.

في تصوري أن العمل على زيادة الغطاء النباتي بالاشجار المثمرة يجب ان تكون مسؤوليتنا جميعا حكومات ومؤسسات وأفرادا باعتبارها قضية حياة او موت، فالشجرة الواحدة تنقي الماء والهواء، وتمتص الشجرة حوالي 20Kg غبار سنويا وَ تبتلع 80Kg من ترسبات المعادن السامة، وتطهر حوالي 100 ألف متر مكعب هواء ملوث بالسنة. وتنتج 700Kg أكسجين، وتستوعب 20 طن ثاني أكسيد الكربون. وتخفض درجة حرارة الجو صيفا حتى 4 درجات.

فلنحيي ثقافة غرس الأشجار المثمرة لنفع الناس ولتذوق الجمال وكسبا للثواب والآجر من الله تعال.

إذن فلنبدأ حكومة وشعبا جماعة وأفرادا بتطبيق هذا الأمر فعلا وليس قولا و كل يبدأ من أمام بيته.

(الراي)

الخميس، 1 ديسمبر 2022

مونديال قطر يحيي العروبة

 

مونديال قطر يحيي العروبة

سارة طالب السهيل
01-12-2022 08:48 AM

ولأننا نعيش في عصر الصورة وتجلياتها في التأثير والادراك، فقد استوعبت قطر الشقيقة مفاهيم العصر وأدوات التأثير فيه، واستخدمته في تقديم صورة اكثر اشراقا للحضارة العربية والاسلامية وبحرفية عالية في تنظيم مونديال كأس العالم .

انه التحدي الكبير ان تقام مناسبة دولية هي محل انظار مئات الملايين من البشر في دولة صغيرة، شُنت ضدها العديد من الحملات الغربية للتشكيك في اقامة المونديال بسبب حرب روسيا واكرانيا، تارة بعلة عدم القدرة على التنظيم الجيد، غير ان قطر حملت سلاحي الثقة بالنفس والقدرة على الإنجاز وفاجئت العالم بقدرة غير مسبوقة على تنظيم المونديال .

ونجحت قطر بعزيمة في تحويل المونديال من مجرد مسابقات دولية على أرضها الى حالة دولية وعالمية وانسانية تتخللها فضاءات السياسة والثقافة والدين والحضارة والابهار الفني في مزيج مبدع استطاع ان يثير دهشة شعوب العالم شرقا وغربا، وهذا يعني من جانب الامل الكبير في استعادتنا لحيوية الامة مجددا بعد ما عانته من تشظي وتمزيق وفتن طائفية .

اتنزعت قطر فرصة تنظيم المونديال من فم الاسد قبل 11 عاما، واثبتت للعالم جدارتها تنظيما وادارة وفنا وثقافة وحضارة، ولم تقدم قطر في تجربة مونديالها صورة مكررة من مونديالات سابقة، بل قدمت صورة العربي والمسلم على الوجه الذي يمثلها ويمثلنا جميعا دون تقليد أو محاكاة لأحد، فحققت معنى التفرد والابداع والدهشة .

في تقديري ان تنظيم هذا المونديال بقطر في هذا التوقيت الدولي وتحدياته السياسية والدينية والاجتماعية، هبة من الخالق العظيم لكشف حقيقة الجينات العربية وقدرتها على الحفاظ على هويتها رغم نجاح الغرب في تصدير ثقافته الينا والباسنا اياها، لكننا مع اول فرصة لخلع هذا القناع المزيف كشفنا عن معدنا وحقيقة ثقافتنا الغارقة في الانسانية والفضيلة .

قطر اكدت عمليا حقيقة انه اذا كان الغرب قد نجح في تقديم حضارته وثقافته وتصدرها للمشهد العالمي وهذا حقه ، فإننا نحن ايضا كعرب من حقنا ان نوظف حدثا دوليا في تقديم هويتنا وازالة كل الصورة الذهنية السلبية التي صنعها أعداؤنا لتصويرنا متخلفين او ارهابيين .

فالرسالة التي قدمتها قطر تقول فيها للغرب بوضوح ان شروطك الثقافية والاجتماعية في المأكل والملبس واختيار الهوية والجنس ليست ملزمة لنا، وان ما تعتقده في بلادك من قوانين اجتماعية وحضارية من الصحة، فانها بالنسبة لنا كرعب ومسلمين ومسيحين ليست صحيحة، وانه من حقي على أرضي العربية ان أقدم للعالم هويتي وثقافتي ومرتكزاتي الحضارية .

والحقيقة الواضحة للعيان ان قطر قد نجحت في تقديم هذا النموذج للعالم عبر المونديال بشكل راقٍ ومحترم جدا ودون اية اساءات للفكر الغربي، على منهج لكم دينكم ولي دين، فوجدنا منع لمجتمع الميم، في مقابل آراء تؤيد حق مجتمع الميم من التعبير عن نفسه .

والمتابع للمونديال يجد ان قطر تحولت الى ساحة تختلط وتشتبك فيها الافكار والثقافات والحضارات، ولكن الملفت بحق ان الغرب قد رأوا الوجه الحقيقي للإسلام على أرض الواقع وليس على شاشات التلفاز . 

شاهدوا كيف نربي اطفالنا حتى يشبوا عن الطوق ، كيف نصنع المستقبل ونخلق قيادات قادرة على المنافسة العالمية ، وتعرفوا على فكرنا الاقتصادي ، وكل ذلك قد انعكس في الفكر الهندسي التي تم به تصميم المباني والمنشآت الخاصة بالمونديال، وكافة الفعاليات الثقافية والفنية من اغاني وفنون يدوية ومستوى الخدمة المقدمة لضيوف المونديال وغيرها من تجليات البيئة العربية الحضارية التي افرزتها .

أثبتت قطر للعالم ان كاتالوج الغرب ليس هو الاصلح لقيادة العالم، وان هناك كاتالوجا آخرا عربيا واسلاميا جديرا بالتعرف عليه واحترامه واحتذائه بحفاظه على فطرة الانسان وكرامته ودينه الذي يتمم له مكارم الاخلاق .

واذا لم تحصد قطر جائزة المونديال الكروية فانها قد حصدت جائزة شرف الدفاع عن الدين والهوية واثبات حق العربي في صون معتقده وثقافته وفخره بها، من خلال النموذج الحضاري الذي قدمته قطر في احترام الخصوصية الذاتيه لوطنها وعروبتها مع احترام خصوصية الاخر وثقافته .

ومن الوهلة الاولى عمدت قطر على اضفاء الروح العربية على المونديال من خلال اختيار التميمة التي تدعى "لاعيب" فهي عبارة عن العمامة العربية الشهيرة، تداعب كرة قدم.

والحماس والدعم العربي والاسلامي لاقامة البطولة في قطر قد ترجمه حضور الرؤساء والملوك والزعماء العرب كما ترجمته الشعوب في لحمة واحدة بحضور جلالة الملك عبدالله ملك الاردن، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي و الفلسطيني محمود عباس رئيس دولة فلسطين، والرئيس التركي طيب أردوغان، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي كان له حضورا مبهرا لتمثيل السعودية .