الأربعاء، 31 مايو 2023

حسيننا أردني هاشمي طاهر القلب مضيء الفكر

 

حسيننا أردني هاشمي طاهر القلب مضيء الفكر


سارة طالب السهيل
29-05-2023 09:15 AM

يعيش شعبنا الأردني أفراح كم نشتاق اليها بزفاف الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي عهد الأردن ، على الآنسة رجوة آل سيف ، فأسمى التهاني والتبريكات القلبية بالزواج السعيد للأمير فأميرنا غالي علينا وثمين وسعيدة الحظ من ناسبت أهلها بهاشمي سليل قريش وسبط الرسول .

هذا الزواج الميمون باذن الله تعالى ، مناسبة للحديث عن الأمير الحسين الذي هو أكبر أنجال الملك عبدالله الثاني و الملكة رانيا ، وهو السليل الثاني والأربعون للنبي محمد، عليه الصلاة والسلام ، وهو الشاب الفارس المقاتل برتبة نقيب بالقوات المسلحة الاردنية .

والامير نموذج مشرف للشباب العربي في حرصه علي التسلح بالعلم وبالعمل معا ،أنهى تعليمه الثانوي بمدرسة كينغز أكاديمي 2012 ، وواصل رحلته التعليمية بدراسة التاريخ الدولي من جامعة جورج تاون بأمريكا و تخرج منها عام 2016 ، وفي العام التالي تخرج من الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست ، وصار وليا للعهد منذ يوليو 2009 .

وتدرب على مختلف صنوف المهارات والعمليات القتالية ، حيث حصل على دورة قيادة الزوارق ودورة الغطس التعبوي في القوة البحرية الملكية الأردنية وشارك مجموعة الزوارق المقاتلة في الواجبات والدوريات والتمارين عام 2019 ، وشارك أيضا في تمارين القفز المظلي بامريكا ، وشارك القوات المسلحة الأردنية بالعديد من الدورات التدريبية العسكرية.

يحمل ولي العهد في جيناته الوراثية شيم الاخلاق العربية الاصيلة من حيث التواضع والأدب الجم مع الناس وزملاء الدراسة والعمل ، والتعامل مع الاخر بروح الود والقرب اللذان يعكسان طيبة القرب والصفاء النفسي والروحي ، وهذه القيم الاخلاقية رصدها زملائه بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية ورصدها الشباب الاردني في مبادراته اتجاههم .

وبين القيم الاخلاقية لولي العهد والذكاء الفطري المتوارث عن ابيه وجده الحسين بن طلال ،والتحليق في سموات النجاح والحافظ علي تراب الوطن وأمن الشعب ، نجد ولي العهد عاشقا للطيران كجده ، ويعلق شعب الادرن عليه آمالا عريضة في النهوض بالوطن اقتصاديا وعسكريا وأمنيا .

ينطلق الرهان الشعبي على ولي العهد من حرصه علي التمسك بمقومات الهوية العربيه لوطنه ، والقدرة السياسية على اقامة تحالفات دولية واقليمية من شأنها الحفاظ على الامن القومي الاردني من مخاطر التحديات الاقليمية .

مشاريعه وانشطته
ذكاء ولي العهد السياسي والاجتماعي ظهر في بواكير صباه ، حيث اقترب من جيله وجيل الشباب الصاعد بالاردن و متابعة شؤونهم بسوق العمل و التعليم ، فهو يؤمن بأن الشباب الاردني هو ثروة الوطن ورواد المستقبل وفرسانه .

وقد ترجم ولي العهد هذا المنظور الوطني تجاه الشباب في العديد من المواقف منها كوكبة من المؤسسات والمبادرات الرامية الى رفع الوعي لدى الشباب وتحسين ظروف حياتهم، وأنشأ مؤسسة تحمل اسمه عام 2015 لتعظيم دور الشباب في بناء الوطن .

تبرز شخصية ولي العهد وتوجهه الوطني من خلال التمسك بالاصالة العربية للحفاظ على هوية الاردن الثقافية الحضارية العربية ، والاخذ بأساب النهوض العلمي والتقني عبر مبادراته وتأسيس جامعة الحُسين التقنية المعنية بتقديم التعليم التقني وتعزيز المهارات الخاصة بسوق العمل ، ودعمُ التعليم النوعي بمجالات الرياضيات والهندسة والعلوم .

ومن المشرف ، ان يقود ولي العهد حملة المحافظ على الهوية العربية عبر مبادرة "ض" الساعية لإبراز هوية الشباب بالمحافظة على اللغة العربية.وجاء "مصنعُ الأفكار " ضمن مبادرات ولي العهد لاطلاق العنان لدعم المخترعين والمبتكرين بالاردن وغيرها ، ومنح براءات الاختراع ومساعدة الشباب على تقديم مشاريعهم المبتكرة لدعم اقتصاد دولتهم .

وفتح ولي العهد أمام شباب الادرن ، الباب للتدريب في "ناسا"،و المشاركة بأبحاث مركز أيمز التابع لوكالة ناسا في برنامج مكثَّف على مدى 10 أسابيع تحت إشراف الخُبراء المُختصين .

توجه ولي العهد للشباب كان ركيزة اساسية لعمله الوطني وتجلى ذلك في العديد من الانشطة الرامية الى متابعة شؤون الشباب وتعزيز أدوارهم في التعليم وسوق العمل.

أخذت هذه الانشطة شكل مبادرات عملية على الارض مثل مبادرة "سمع بلا حدود" الخاصة بتقديم الدعم الطبي وزراعة أجهزة القواقع لفاقدي السمع ، و إعادة تأهيلهم ليتمكنوا من الاندماج مع المجتمع .

وأيضا مبادرة "نوى" المختصة بدعم دور المجتمع المدني وربط المتطوعين والمُتبرعين بالجمعيات المُختصة والخيرية إلكترونيا .

مظاهر كثيرة في توجهات وسلوك ولي العهد عكست حرصه وقربه من الشعب الأردني ومنها نزوله الى موقع الاحتجاجات الشعبية بعمان قبل عدة سنوات مكالبا قوات الامن بحمايةالمحتجين حول مقار الحكومة ، وقيامه بتوزيع المساعدات ومساندة الطواقم الأمنية والطبيّة خلال أزمة كرونا .

وعلى الصعيد الاقتصادي ، فان اهتمام ولي العهد ينصب ايضا على تعظيم دور الشباب في النهوض الاقتصادي وتجاوز الازمات الاقتصادية ، وهو ما تجلى في خطابه عام 2017 بجلسة المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في البحر الميت ، حيث طالب السياسيين وقادة الأعمال من أكثر من 50 دولة ، بحقوق الشباب العربي في صناعة المستقبل ، وبالفرص العادلة لهم .

الشجاعة والنبوغ السياسي
يتمتع ولي العهد بنبوغ سياسي مبكر تجلى في عامه العشرين حين كان اصغر سياسي يرأس جلسة لمجلس الأمن الدولي في نيويورك . وألقى خطابا جريئا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة متناولا التطرف والإرهاب .

وتبنى ولي العهد بنفسه بـ”إعلان عمّان“ مع مدخلات من أكثر من عشرة آلاف من بناة السلام الشباب في المنتدى العالمي الأول للشباب والسلام والأمن .

و أشرف ولي العهد على إعداد برنامج “رفاق السلاح” لدعم المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى ، وغيرها من الانشطة التي تؤكد انغماس ولي العهد مبكرا بالعمل السياسي الوطني الواعي.

ومن أكثر ما شد انتباهي قبل عدة ايام حين كنت أشاهد فيديو سجل لجلالة الملك عبدالله الثاني يصطحب الأمير الحسين و الأميرة ايمان لزيارة والدتهم الملكة رانيا العبدالله في المستشفى حين انجبت الاميرة الحبوبة سلمى فقد لفت انتباهي دماثة اخلاق الأمير الطفل آنذاك وكيف جلس على الكرسي يقرأ فهو منذ نعومة اظافره يشده الكتاب و يهوى القراءة، وحكت لي شقيقتي التي كان ابنها مع الأمير في المدرسة ان ولي العهد الحسين كان يحمل اخلاق الهاشميين من التواضع و الأدب مع كل الاطفال و المدرسين و اهالي الطلاب وكان يتمتع منذ طفولته بذوق راق وقرب من الناس و بالفعل حين تتابع ولي العهد في مواقع التواصل الاجتماعي في الانستجرام وغيرها تشعر بأنك تعرف ما يجول في قلبه فهو طبيعي و غير متكلف و لا متصنع يتصرف بتلقائية شديدة و طيبة قلب واضحة و منشوراته صادقه تشعرك انه واحد من الجميع فكل واحد يشعر ان هذا الشاب الطيب النبيل يخصه لدرجة ان تعليقات الناس تحت صوره تشعرك بأن كل المعلقين اهله واخوته و احبابه و هم ملايين .

و يلفت نظري محبته و رعايته لاخوته و تعامله الراقي مع اخواته اضافة لروح الدعابة و خفة الدم التي يمتلكها خاصة مع الأميرة سلمى فهو رزين و قوي حين اللزوم و لطيف بمشاعر جياشة في المواقف العاطفية حين يقول الجميع رأيه في الامير الحسين فنحن لا نقول الا الحقيقه ويشهد الشعب الاردني .

وختاما ادعو من كل قلبي لحسيننا الاردني كل التوفيق و الخير و السعادة و اليمن و البركات.

الأحد، 28 مايو 2023

الثقافة و الصحافة الأردنية

 

 الثقافة و الصحافة الأردنية


سارة طالب السهيل
27-05-2023 01:00 PM

كانت الصحافة الاردنية ولا تزال مرآة عاكسة لنبض الشعب ومعبره عن طموحاته وأحلامه ومحافظه على موروثه وزاده الحضاري والثقافي ، وجسرا للتلاقح الفكري والابداع محليا وعربيا وعالميا.

عنيت الصحافة الأردنية بنقل المورث الثقافي والإنساني ، و اصطبغت منذ نشأتها عام 1920 وحتى خمسينات القرن الماضي بالطابع الثقافي الأدبي في التعبير عن مضمونها الفكري والادبي ، وبسببها  نشطت الحركة الشعرية ، فلم تعد ذائقة المتلقي الاردني قاصرة على تلقي ابداع  الشعر البدوي فحسب بل تعداه الى تذوق شعر التشطير  والمعارضات غيرها.

كما حظي الإبداع النثري والنقد الأدبي باهتمام الصحافة الأردنية ، فعرفت  الرواية والقصة بشكليها القصيرة والطويلة ، بجانب تناول الأدب العربي والعالمي والمقالات  عن قادة الفكر والابداع العربي والعالمي. 

واشتهرت حقبة خمسنيات القرن الماضي ببزوغ شمس الصحافة المتخصصة بالادب والثقافة  مثل مجلة الحمامة ، وجريدة جزيرة العرب ، و الحكمة وصوت الجيل ، و الوعي ، و القلم الجديد ، و الرابطة الفكرية ، لكنها عانت من مشكلات عدم الانتظام في الصدور ، و ضعف الإمكانات المادية.

ولما كان الإنتاج الأدبي مسيطرا على المنتج الصحفي آنذاك ، فكان معظم  كتابها من الادباء والمثقفين  وليسوا من السياسيين أو الصحفيين المهنيين ، وهو ما انعكس في غلبة الطابع الادبي على كتابة  المقالات والتقارير السياسية.

تمازجت الصحافة مع الادب في هذه الحقبة و ساهمت في تشكيل الوعي الفكري  والبناء الثقافي للمجتمع الاردني  , وكلاهما ساهم في تطوير الاخر وانتشاره.

أما حقبة الستينات فقد شهدت تراجع الصحافة الادبية للمجلات ، وبزوغ نجم  الصحافة اليومية كالرأي وغيرها فعملت على تقديم تغطيات للانشطة الثقافية والأدبية و تخصيص جزء من مساحتها للشؤون الثقافية والأدبية ، وتطورت التجربة بإصدار ملاحق أسبوعية متخصصة تعنى بالشأن الثقافي.

مثلت الملاحق الثقافية بالصحف جسرا مهما لعبور المبدعين الى الجمهور بسلاسة ، وقامت بالعديد من عمليات التبشير  بكتب وكتابات أدبية وفكرية وفلسفية ، وتقديم أسماء شابة نضجوا ومع الوقت صاروا نجوما لامعة في المشهد  الثقافي العربي ، وفتحت الباب للباحثين والنقاد لطرح فكرهم مع فتح الباب للمشاركة العربية فاستقطبت اقلام أعلام الثقافة العربية.

حققت الصفحات الثقافية والملاحق بالصحف الاردنية نجاحات كبيرة في جذب جمهور القراء بفعل عوامل عديدة  أهمها ان مسئولي هذه الصفحات ومديري تحريرها في معظمهم كانوا من الكتاب الادباء والمبدعين ، ومنهم ابراهيم العلوجي المشرف على الملحق الثقافي الاسبوعي لصحيفة الرأي ، فهو أحد ابرز مؤسسي الصحافة الثقافية بالاردن والعالم العربي ، وصاحب أشهر كاتب عامود ثقافي يمزج بين التأمل الفكري والثقافي بالواقع السياسي ، وتتلمذ الكثيرون على يديه.

استفادت صحيفة  الرأي من خبرات الرواد الصحفيين والادباء ، مثل جمعة حماد عميد الصحافة الاردنية الذي تولي ادراتها علي مدار اثنتي عشر عاما ، و ايضا استفادت من خبرات الاديب عبد الرحيم عمر الذي ساهم في تأسيس الصحيفة منذ البداية وهو من كبار مبدعي الاردن وله جائزة باسمه لافضل ديوان شعر عربي أطلقتها رابطة الكتاب.

كذا أسهمت الصفحات الثقافية بالجرائد الاردنية وعلى رأسها " الرأي " في وضع  رواد الحركة الثقافية في صدراة المشهد الثقافي واستكتابهم بمقالات أسبوعية مثل الكاتب الراحل حسني فريز  ، اسثثمارا لتجاربه الابداعية وتوجهاته الفكرية وعطائه الممتد بين الشعر والقصة والترجمات.

وحملت ذاكرة القراء العامود الاسبوعي"  سواليف " بصحيف الرأي ، للكاتب الصحفي والمسرحي أحمد حسن الزعبي ومعالجته لقضايا المجتمع الاردني السياسية والاجتماعية والفكرية.

ولما كان مديروا الصفحات الثقافية والملاحق الاسبوعية بالصحف الاردنية  مثقفين ومبدعين فغلب الطابع الثقافي علي الاعلامي لديهم ومن ثم أثري المشهد الفكري والابداعي الاردني علي مستوى الابداع والتلقي معا ، واكتسبت الملاحق الثقافية ألقا وزخما في الحياة الثقافية الاردنية الى حد صار النشر فيها علامة على تميز الادباء مثل
رؤساء الصفحه الثقافيه احمد المصلح . ابراهيم العجلوني.سميحه خريس.حسين نشوان.رسمي الجراح.محمد العوايشه.ابراهيم السواعير جعفر العقيلي.

وعلى الرغم من الاتجاه المحافظ نسبيا في السياسة التحريرية لصحيفة الرأي وانشغالها بالهم الثقافي الوطني اولا ثم العربي والدولي ، فانها كانت تتبني الاتجاهات الفكرية والثقافية الحديثة وحققت من خلالها نجاحات انقرائية كبيرة. 
تجلى ذلك عندما وقعت " الرأي " اول اتفاقية صحفية مع اليونسكو ضمن 14 دولة عربية لاصدار مشروع  " كتاب في جريدة " والذي بموجبه يتم اختيار احد اهم النصوص العربية قديما او حديثا واصداره في كتاب ، ولاقت هذه التجرية الثقافية نجاحا كبيرا بالادرن والدول  العربية.

في تقديري ان الصحافة الثقافية بالجرائد الاردنية نجحت في تكريس الموروث الحضاري والثقافي الوطني وتعزيزه والفخر به ، و توسيع الافاق المعرفية لجمهور القراء وتنشيط  أخيلتهم وتنمية ذائقتهم  وتشكيل رؤاهم نحو الواقع والمستقبل ، لكنها اليوم تواجه  تحديات كبيرة مثل غيرها من الصحف العربية  يتطلب منها ابتكار اشكال جديدة.


للتغطيات الصحفية ، والتوسع في اثارة الجدل والنقاش حول القضايا الفكرية والثقافية التي تهم الشارع الاردني ، وفتح الابواب أكثر مما سبق لقبول المعارضات الفكرية والشعرية والادبية ما من شأنه ان يخلق حالة من الوهج الفكري بالمشهد الثقافي الاردني

السبت، 20 مايو 2023

الإبداع لا ينتشر بلا نشر (2-2)

 

الإبداع لا ينتشر بلا نشر (2-2)


سارة طالب السهيل
18-05-2023 12:18 AM

وكما يرصد الباحثون المتخصصون، فان المخطوط الإسلامي كان هو أطول مخطوطات العالم عمرًا؛ حيث امتد به العمر نحو اثني عشر قرنًا، تأرجحت فيها صناعة النشر الإسلامية (الوراقة) بين ازدهار وانحسار؛ حتى دخلت الطباعة إلى الوطن العربي، وخرج منها صناعة النشر الحديث.

حقائق مريرة

وأود الإشارة انه رغم ما نعانيه نحن الكتاب من أزمات في التعاطي مع دور النشر، الا ان دور النشر نفسها باتت تعاني هي الأخرى من أزمات مالية طاحنة جعلتها غير قادرة على القيام بدورها الرئيسي في الاقبال على الابداع ونشره مثلما كانت تفعل بالماضي بسبب عمليات قرصنة الكتب وما يتم فيها من سرقة حقوق النشر واعادة طباعة الكتب في دول أخرى وبيعها، مما يؤثر على إيرادات دور النشر التي تكون قد تكفلت بالدفع للمؤلف والمترجم والمدقق والإخراج والطباعة.

وهذه الازمة الخطيرة حتى الآن لم تجد حلا عمليا يحفظ حقوق المؤلفين من هذه السرقات،وانني لأدعو الى ضرورة التوصل الى آلية قانونية عربية توفر سبلا عملية لملاحقة قراصنة الكتب وتغليظ العقوبات القانونية بحقهم.

والحقيقة التي نقرها جميعا بأن الشهرة الأدبية التي تسهم في بيع مؤلفات الكتاب في عالم اليوم لم تعد تأتي نتيجة القيمة الأدبية او الفكرية لمضمون الكتب، بقدر ما ترتبط بالميديا وتحكمها بذوق القارئ، ومحسوبيات اخرى وذلك دون النظر لأهمية كتبه ومحتواها الإبداعي والإنساني.

والكاتب العربي لا يمكن له ان يدفن رأسه في الرمال كما النعامة، لكنه يقر بحقيقة أزمات اقتصادية طاحنة تمر بها بلادنا العربية كلها من المشرق للمغرب نتيجة تأثيرات الحروب والتفجيرات الإرهابية هنا او هناك وتقلص الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية،كل هذه الكوارث بالطبع تلقي بظلال وخيمة على حركة الابداع والنشر والتوزيع للكتب بل ان من يكتب وينشر ويوزع في خضم هذه الازمات يعد بطلا حقيقا في الزمان.

تحديات مستمرة

ولعلي اقف معكم امام جملة من التحديات المستمرة التي يواجهها الكتاب قديما وحديثا فكم كان المبدعون والمفكرون يرمون بالزندقة في العصور الوسطى، وكم أحرقت المؤلفات وأصحابها من كبار العلماء بسبب سطوة الكهان، وفي عصرنا الحديث في زمن العمالقة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وخيري شلبي وغيرهم من مبدعي العالم العربي يجدون نوافذ لنشر ابداعهم سواء عبر تلقف دور النشر لمؤلفاتهم او تلقف الصحف لقصصهم وقصائدهم ونشرها في حلقات أسبوعية، بينما كان القارئ شغوفا بالفكر والابداع فيقبل بنهم على هذا الأبداع عبر الصفحات الإبداعية المتخصصة او المجلات الأدبية وغيرها فيتحقق التواصل المبهر بين الكاتب والجمهور بشكل عميق جدا ربما رغم قلة دور النشر وربما عدم تطورها قياسا على ذلك العصر.

اما المبدع في عالم اليوم، ورغم اتساع حقول النشر، الا انه يواجه تحديات مستمرة خاصة بين المهتمين بالمعرفة عبر البحث على الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعله يعزف عن الكتب المطبوعة.

وهنا أصيب الكثير من المؤلفين وكل العاملين في حقول الابداع والنشر والاخراج والتوزيع بخسائر فادحة، بل انه قد يضطر بعض الشعراء والروائيين الي نشر مؤلفاتهم على الهواتف الذكية كوسيلة سريعة للنشر.

بينما الغرب الذي أنتج هذه التكنولوجيا ووسائلها، لا تزال شعوبه تكتب وتقرأ أكثر بكثير من شعوبنا وهذا واقع مؤلم علينا مواجهته وبحث سبل التصدي له.

في السنوات العجاف التي تمر بها المنطقة يعاني المبدع من تحديات حديثة وقديمة معا قد ذكرنا الحديث منها، اما القديم فهو تحد متواصل عبر الأجيال المبدعة وهي اصطدامها بدعاة الأصولية الإسلامية وبالموروثات الاجتماعية القديمة البالية التي طالما ناهضها كبار مفكرينا ومبدعينا العرب فمجرد تبني المبدع والمفكر لأطروحات جديدة فانه يصادف هجوما حادا من جانب المتمسكين بأصنام الفكر القديم البالي ومن ثم تنهال عليه تهم المساس بالأديان وخرق المنظومة الأخلاقية الثابتة، رغم ان سيد الثقلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد جاء ليحرر العقول من اصنام العقول البالية ويحارب جاهلية الأفكار والعادات والتقاليد التي لا تتفق مع سعادة الانسان وكرامته وحريته.

وفي تقديري ان الحكومات العربية مطالبة بالاهتمام بأصحاب العلم والفكر والادب مثلما كان يفعل الخليفة المأمون، حين يعطي قيمة الكتاب ذهبا فكثر عدد المبدعين في تلك الأيام أما الآن فالاهتمام منصب على محترفي كرة القدم والمواهب الغنائية و الرقص والتمثيلية فقط.

كما ان المؤسسات الثقافية الرسمية في بلادنا العربية تعاني من النقص الحاد في تمويل المشروعات الثقافية ودعم الكتاب والمساهمة في نشر ابداعهم مقارنة بنظيراتها في العالم المتقدم.

في السبعينات من القرن الماضي كان معدل طباعة الكتاب الواحد ثلاثة آلاف نسخة كمعدل اما اليوم وبعد انتشار التعليم والجامعات وزيادة السكان في العالم العربي فلم يتجاوز معدل نشر وطبع الكتاب الواحد الفي نسخة على الأكثر. وهذا واقع مؤلم يعكس ازمة الثقافة العربية الراهنة لأنها لم تكرس لأهمية ثقافة الكتاب ليكون جزءا من بيئة المجتمع الرئيسية، فالثقافة العربية لا تعطي الإمكانات المادية اللازمة والميزانيات الضرورية لقيم نشر الكتاب وترويجه عبر القنوات المختلفة ومنها المكتبات العامة ولا يحظى المؤلف ولا الناشر بالتشجيع الضروري لمواصلة رسالته

الخميس، 18 مايو 2023

اطفالنا بين القيم والوحش الرقمي

 

اطفالنا بين القيم والوحش الرقمي


سارة طالب السهيل
17-05-2023 08:41 AM

الاطفال هم احلام مستقبلنا المضيء، نجد ونتعب من أجلهم تربيتهم احسن تربية ونجاهد لنوفر لهم أحسن تعليم وأحسن نادٍ واحسن كتاب ونغرس فيهم كل القيم الاخلاقية والدينية التي ترعرعنا عليها من الايمان وفعل الخير واشكال العفو والاحسان والفداء وغيرها من القيم.

كانت هذه الاحلام المشروعة محل تحقيق عبر عقود طويلة ، ولكنها في زمن ألفيتنا الثالثة للميلاد باتت من أصعب الاماني، ليس لقصور الاسرة في التنشئة فقط، ولكن بفعل متغيرات زمنية رهيبة صارت تتحكم بشكل أكبر في تنشئة الطفل وتغذية عقله ووجدانه أكثر من المنبع الرئيسي للأسرة ، فصار الطفل تائها بين القيم التربوية والاخلاقية وبين قيم الميديا وتكنولوجيا العصر الفتاكة .

لعلي أظن ان الاسرة في كل بقاع العالم صارت محتلة من ملوك تكنولوجيا العصر ووسائط الميديا المذهلة التي سرقت عقولنا ووجداننا وباتت توجهنا في شكل حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وطرق تفكيرنا حتى صار تفكيرا معلبا جاهزا نشتريه من السوبر ماركت بضغط زر يصل الينا ويلبي احتياجاتنا بلا عناء .

فاذا كان هذا حال الاسرة الكبيرة الناضجة والتي أمضت سنوات طوال في التعلم واكتساب الخبرات والمعارف تمت سرقتها بمحض اراداتها ، فما بال الأطفال الصغار يجدون متع سريعة وجاهزة دون ان يعوا كيف يوضع السم بالعسل ؟!..

فالطفل الضعيف الباسم فجأة صار عنيفا جدا اذا لم يتم اعطائه اغنية او رقصة او لعبة حركية على الموبايل او التلفاز ، اما اطفال المدارس فقد انشغلوا عن التعليم بالالعاب الالكترونية التي تعلم مهارات مذهلة في فنون القتال وفنون السطو على البنوك ، والقتل تحت مزاعم الدفاع عن النفس او المنافسة او الاستحواذ على السلطة .

والاهل هم ايضا مشغولون اما بالكد لتوفير متطلبات ذويهم او مشغولون ايضا بالالعاب الالكترونية ، بينما يقضي الصغار معظم اوقاتهم بالمدراس الخالية من الرقابة ، ووسائل الاعلام التي تشكل تفكيرهم خاصة الالعاب الالكترونية حيث اكتساب العنف والجريمة بسهولة  تدفع الطفل الى قتل نفسه بنفسه تطبيقا لخطوات اللعبة الالكترونية، وانا اشدد انني لست ضد الاطار بل ضد المضمون وضد كمية الوقت المصروف .

الأنكى من ذلك ما تمرره افلام ديزني من تقديم شخصيات غير سوية في الفئات الصغيرة بعيدا عن قيم الأديان السماوية والاخلاقية و المفاهيم الاجتماعية والثقافية المتفق عليها عبر العصور .

بظني ان المجتمعات البشرية كلها بحاجة الى يقظة من التيه العقلي الذي صنعته التكنولوجيا بنا ، ووضع يدها على موطن الداء الذي ينتشر كالسرطان الخبيث بين أطفال العالم ويقودهم للضياع بفعل خضوعهم للوحش الرقمي الميسطر على عقولهم .

بظني ان البشرية كلها خاصة في منطقتنا العربية و الشرق اوسطية مطالبة بسرعة استعادة الوعي والحفاظ على القيم الاسرية التي تربينا عليها وغرس هذه القيمة بنفوس الصغار ، عبر  اليات متعددة منها الدور الاسري في مراقبة ابنائهم في برامج  التواصل الاجتماعي والاستفادة من برامج  الخبراء والمتخصصين في معالجة ابنائهم من التنمر  واكتساب خبرات لحماية صغارهم وابنائهم من الابتزاز الالكتروني، بجانب الادوار المهمة للتثقيف والتوعية للمدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية والتعليمية والاعلامية بتوعية النشئ من مخاطر الوحش الرقمي وضرورة تقليص نسبة مشاهدته والتواصل فيها الي اضيق الحدود .

والعالم العربي كله مطالب بالتعاون في انتاج اعمال فنية من تراثنا القديم و واقعنا الجيد الحديث وما نأمله من مستقبل متطور علميا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتقديم هذه الافكار بوسائل عصرية جاذبة تغرس كل فضائل الاخلاق والقيم اللازمة لتنشئة الصغار وصون هويتهم .

وبتقديري اننا في أشد الحاجة لوضع خطة عملية لاستثمار فترة العطلة الصيفية بالمدارس في خلق أنشطة تستهوي الطلاب من انشطة رياضية وكشافة ومسابقات في الشعر والقصص واقامة المعارض للوحات الفنية والاشغال اليدوية والحرفية وتعليم الخياطة والزراعة و البحث العلمي والاختراعات العلمية وغيرها من الانشطة التي تستقطب وقت الطلاب في اعمال مفيدة وتحقق لهم ايضا مرودا عمليا ناجحا.

استغلال المدارس فترة الصيف لاستيعاب الاطفال من خلال نشاط صيفي يلعبون ويستمتعون ويقرأون قصصاً، كذلك تنظم المدرسة معارض للوحاتهم ومشغولاتهم اليدوية التي قاموا بها من انشطتهم ومواهبهم وهو ما سيلقي ترحيباً من الاطفال . 

وبظني ان الابوين عليهما ان يقدما الأسوة الحسنة في تقليص استخدامهم للموبايل واوقات اتصالهم بقنوات التواصل الاجتماعي وان يشجعوا ابنائهم على اكتشاف مواهبهم والعمل على تنميتها داخل الاسرة قبل النادي والمدرسة .

من المهم استفادة الابوين من البرامج والتطبيقات المراقبة لحماية الاطفال، فهي تعمل بلوك على المناظر والمواقع والدعايات الغير أخلاقية، كما يبنغي على الابوين تحديد الوقت الذي يقضيه الطفل على الموبايل، وترسل اشعارات للابوين بالبرامج التي يستخدمها الطفل.

وعلى الابوين ايضا تقديم النصح المباشر وغير المباشر لابنائهم بعدم قبول صداقات غير معروفة لهم وعدم افشاء أسرارهم مع غرباء عبر الواتس اب والماسنجر وغيرها من وسائل التواصل

الابداع لا ينتشر بلا نشر (1-2)

 

الابداع لا ينتشر بلا نشر (1-2)


سارة طالب السهيل
16-05-2023 12:06 AM

الإبداع والفكر والثقافة مرادفات يكاد الفرد في حياتنا هذه أن يعتبرها كماليات وترف، بل للبعض ملل ومزايدات ليس لها فائدة، إلا أنها في الواقع هي سبيل السعادة، فلا نهوض لأية أمة بمعزل عن الفكر وتعاطيه.

ومن هنا انطلقت أهمية نشر الفكر والإبداع والعلم بتدوين الكلمة وحفظها في كتاب يقدم للقارئ ويسافر بين القارات عبر المكتبات ومعارض الكتب.

عانيت كثيرا كغيري من أزمات بالنشر والتوزيع في ظل تحديات كثيرة فرضتها علينا جميعا حضور الكتاب الرقمي، بجانب أزمة التلقي العربي بفعل انخفاض المقروئية خاصة في السنوات الأخيرة بفعل تأثيرات ما شهدته المنطقة العربية من صراعات طائفية ومذهبية سياسية، ومحاولات تقسيم وتجويع الشعوب، مما أدى إلى تراجع التلقي الإبداعي والفكري لصالح الصراعات السياسية والحروب في المنطقة التي تبحث شعوبها عن الأمان توفير رغيف الخبز.

ولا شك أن الأديب لا يقف في برج عاجي معزولا عن قضايا أمته الرئيسة، بل هو جزء أصيل منها ويساهم بطريقته في مواجهة تحديات هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها دولنا العربية، غير أن المبدع يقاوم بسلاح الكلمة ويناهض فكر التشدد والإرهاب الذي أصاب أمتنا في مقتل، بتكريس ثقافة الوسطية بالفنون الرفيعة التي تقاوم الموت بالانتصار لحق الإنسان في حياة كريمة اختارها الخالق العظيم ليعيش على أرضه معززا مكرما.

عندما أنظر لواقع أمتنا العربية اليوم أراها كما ترونها مثلي في أوهن حالاتها نتيجة غياب الاهتمام بالثقافة والإبداع، وذلك مقارنة بما كانت عليه في الأزمنة القديمة.

ففي العصور القديمة أنجزت منطقتنا العربية حضارات لا تزال أثارها خالدة باقية وقادرة على إصابة شعوب الألفية الثالثة على تقدمها التكنولوجي فائق السرعة بالدهشة والانبهار.

والمدهش أن التقدم الحضاري لشعوب منطقتنا العربية قد ارتبط منذ القدم بصناعة النشر حيث ازدهرت صناعة النشر في مصر القديمة وفي العراق القديم وبلاد الشام.

ففي مصر الفرعونية، برزت كتب العلوم الدينية، وكان كتاب «الموتى» أشهر كتاب ديني في العالم القديم؛ كما غطى العلوم الاجتماعية والإنسانيات، والعلوم الطبيعية والتطبيقية من رياضيات وفلك ونبات وكيمياء وغيرها، كذلك غطى الفنون بكافة أشكالها وفروعها.

وكان الكتاب المصري القديم يكتب وينشر على ورق البردي، ويوزع على نطاق واسع في مصر ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، ولقد تمت صياغة الكتاب المصري بلغات عديدة: الهيروغليفية – الهيراطيقية - الديموطيقية - القبطية -، فمصر هي أرض الكتابة الأبجدية.

وفي العراق القديم الذي اخترع الكتابة المسمارية بلد العلم و العلماء، ازدهرت صناعة النشر في زمن السومريين والأكاديين والبابليين والأشوريين وتناولت كتبهم موضوعات الدين والعلوم الاجتماعية والإنسانية وأشهرها كتاب القانون خاصة وعلى رأسها قانون حمورابي، الذي اتُّخذ أساسًا للقانون الروماني الذي ساد في قوانين العالم.

وبينما سجل المصريون القدماء مؤلفاتهم علي ورق البردي، فان عملية النشر في العراق القديم قد جرت باستخدام ألواح الطين بالكتابة المسمارية.

بينما عرف المسلمون صناعة النشر والتي كانت تعرف حينذاك «بالوراقة» في منتصف القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) مع ازدهار الدولة العباسية، وكانت أسس ازدهار هذه الصناعة التي استمرت على مدى خمسة قرون هي: التدوين وكتابة الكتب والعلوم التي تنتقل شفاهية بين الناس.

والترجمة: كانت الترجمة تسمى عند المسلمين النقل، والمترجم يقال له الناقل؛ فاهتمت الدولة العباسية بترجمة الكتب اليونانية واللاتينية والفارسية والهندية والمصرية القديمة والسريانية إلى اللغة العربية.

وكذا التأليف: حيث قام المؤلفون المسلمون بتمثل العلوم الأجنبية وامتصاصها والتأليف فيها، بجانب التأليف الأصيل في العلوم العربية والإسلامية؛ أي في علوم الدين واللغة والأدب والتاريخ وغيرها.

على هذه الأسس الثلاثة قامت صناعة النشر عند المسلمين (الوراقة)، وأصبح هناك مراكز للنشر في المدن الإسلامية المختلفة، وهي في نفس الوقت مراكز للتعليم والبحث العلمي وانتشرت دور النشر في المدن الكبرى الإسلامية (حوانيت الوَرَّاقين)؛ ومما يدل على ازدهار صناعة النشر (الوراقة) أن ابن النديم (محمد بن إسحاق النديم) قد حصر في كتابه(الفهرست) نحو 8500 كتاب نشرت في القرون الأربعة الأولى للهجرة، كما حصر (حاجي خليفة) في كتابه (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) نحو 20000 عنوان بمختلف فروع المعرفة حتى القرن الحادي عشر الهجري?(السابع عشر الميلادي).

لقد قدر عدد المجلدات التي نشرت في الفترة بين القرن الثاني الهجري والثالث عشر الهجري (عصر الخطاطة والوراقة الإسلامية) بنحو خمسين مليون نسخة، إلا أنه لم يصلنا منها إلا نحو خمسة ملايين فقط؛ حيث أهلكت عوامل عديدة الجزء الأكبر مما نشره الوراقون المسلمون في العصر الإسلامي.

وانهارت صناعة النشر عند المسلمين باجتياح المغول والتتار، لشرقي العالم الإسلامي وسقوط بغداد سنة 656 هجرية (1258 ميلادية).. يتبع

الأربعاء، 3 مايو 2023

ثقافة القطيع بمواقع التواصل مسخت هوية الانسان ودمرت حريته

 ثقافة القطيع بمواقع التواصل مسخت هوية الانسان ودمرت حريته




بقلم / سارة السهيل

لعبت وسائل الاعلام التقليدية بدورها قديما في تشكيل وعي الفرد وتغيير اتجاهاته الفكرية والاجتماعية لتبني افكار الحداثة وما بعدها  مع التكريس للحفاظ على الانظمة السياسية بشكل مقبول ، ومع تحول المجتمعات البشرية لعصر تكنولوجيا المعلومات وفضاء الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ، وجد انسان هذا العصر ضالته المنشودة في الحرية والتعبير عن نفسه  والتحرر من كل القيود ، فلغي دور الوالدين ، والدين والاعراف الاجتماعية ،  دون ان يعي انه قد دخل في نفق مظلم من تيه سيطرة سياسة القطيع ودوامة تلبس الافكار الموجهة من جهات لا يعلمها .

انسان هذا العصر رفض الثوابت كلها  اعتراضا وتحديا للفطرة الانسانية ، وقبل طواعية ان يكون فردا في قطيع فضائي افتراضي موجه لا يعرف من يوجهه سوى من رسائل لأشخاص مجهولين يطلقون سمومهم بأسماء مستعارة لتغير الافكار والاتجاهات الاخلاقية والدينية والاجتماعية والسياسية ، حتى بتنا لا نعرف من زماننا سوى ثقافة القطيع حيث يحتشد الجماهير ليبدون رأيهم في مباراة ، وفي الدين بأوهام تغرر بأصحاب القلوب المؤمنة وتشبع فضولهم الديني ، كرسائل دعوة دينية معينة ، ويطلب المرسل من جمهوره ان يرسلها  الى عشرة من أصحابه  مقابل ان يرى سيدنا ونبينا محمد في المنام  !

ملايين الهاشتاجات المثيرة التي تملأ الفضاء الالكتروني ويجري ورائها الشباب والصغار والكبار في لهاث يومي ودائم  للتواصل الوهمي مع النجوم والفنانيين  والسياسيين والمشهورين وتتبع أخبارهم  لحظة بلحظة وتحليلها ومناقشتها ، كأنها مادة خام يتم تفصيلها لصنع  احداث وهمية لا تغني ولا تسمن من جوع .

فالقطيع يتناقل الاخبار والهاشتجات  ويسوقها بمحض اراداته ، دون ان يدري انه يحقق اهداف من سياسة القطيع و توظيفها باحتراف في نشر الاوهام والاشاعات وشغل الناس بها ، فضمنت بذلك الحكومات العالمية سيطرتها على شعوبها ، بعد ان جردتها من نعمة التفرد والتفكر المستقل الذاتي بعيدا عن اية  تبعية لثقافة وسياسة القطيع .

البديع في الأمر ان سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم قد حذرنا قبل 1400 عاما  من يساق الانسان فكريا كالبهائم عندما يلغي عقله وينساق  لسياسة القطيع ويتبع ثقافة التقليد الاعمي في حديثه : ” لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَا تَظْلِمُوا “.

وللاسف فان سعي انسان هذا الانسان للتحرر قد جره دون وعي للانسياق وراء الاخرين ومحاكاتهم دون تفكير  وتقلديهم في المأكل والملبس والمشرب ونمط الحياة ، والنتيجة الطبيعية  ظهور شخصيات بشرية ممسوخة من الاخرين فاقدة للهوية والارداة.

وباتت مواقع التواصل الاجتماعي والترندات والبراندات والهاشتجات ادوات رئيسية لحكومات العالم الخفية والظاهرة لتنفيذ مخططات ومؤامرات لتحريك الشعوب  وتركيعها على مستوى الفرد والجماعة وتقرير مصيرهم .

بظني ان مواقع التواصل الاجتماعي ليست وسائل للتواصل بقدر ما هي وسائل لاختطاف الانسان من آدميته واختراقه في كل نفس عبر ادوات اعلامية محكمة التأثير كالتي تستخدمها الامهات في التحايل على الاطفال لقبول اخذ الحقن .

هكذا تحقن أدوات التواصل الاجتماعي الشعوب  لتخضعهم وتدربهم علي التأقلم مع اي وضع سياسي محلي او عالمي ، وكما ظهر وباء كورونا  فعلينا اتباع مجموعة تعليمات واحدة كالجلوس  بالبيت و قلة استهلاك المواد من اكل و شرب و كهرباء وغيره !!!

اما التيك توك ، فهو أداة فاعلة جدا في نشر ثقافة  التسطيح  وتفريغ الانسان من مضمونه العقلي والفكري والوجداني ، وهو فلاتر تغير ملامح الآنسان من الالف الى الياء اذا شفته بالطبيعه ما تعرفه ما لونه ؟ وما جنسه وهويته ؟ !!!

فقط لأجل مواكبة العصر نجري ونلهث وراء الترند، كأنه بحر بلا شطأن على كل البشر ان يعوم فيه دون ان تكون هناك سفينة نتعلق بها عندما نغرق . ولمجرد  ان صنع البعض فيديو مثير او مشهد فني او أغنية حتى يجري الكل وراها دون تفكر أو تعقل ، فهذا بيع الوهم  عبر سياسة القطيع للافراد والمجتمعات حتى تتعود التقليد الاعمى دون فكر ورؤية، ومن ثم تقرير مصائرها ، وهي بمعزل عن الواقع الحقيقي من ازمات مالية وصحية وسياسية ودينية واخلاقية

فهل آن الاوان لان نفيق لحجم كارثة ضياع فكر الشعوب؟ومن يقود معركة استعادة الوعي باخلاص ؟ وهل سيترك من يقود حملات الوعي ضد ثقافة القطيع  دون محاربته ؟

انها قضية العصر نكون او لا نكون فمن يملك شجاعة الحرب الفكرية على جهالة الواقع الافتراضي فليتقدم صفوف الشرفاء والمناضلين .

سارة السهيل

صناعات التدوير للمخلفات فرض عين على شعوبنا العربية

 

صناعات التدوير للمخلفات فرض عين على شعوبنا العربية


سارة طالب السهيل

أصبحت صناعات اعادة التدوير للمخلفات بكل أنواعها فرض عين علي كل شعوب ودول العالم خاصة عالمنا العربي الذي يعاني من ازمات اقتصادية ، و تحقيقا لاهداف رئيسية منها حماية البيئة من التلوث ، وعلاج مشكلات نضوب الموراد الطبيعية والمتوقع زيادتها ارتباطا بأزمة التغير المناخي ، وعلاج الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعانيها الشعوب .

ينتج العالم العربي 250 ألف طن من النفايات يومياً ، ويعاد تدوير ما نسبته 5% منها فقط ، وتهدر سنوياً كسب 122 مليار دولار ، بسبب عدم تدوير نفاياتها ، بينما دولة مثل السويد وصلت إلى نسبة 0% من النفايات التي تذهب إلى المكبات ، فكله يعاد تدويره واستغلاله حتى صارت السويد تستورد نفايات من الدول المجاورة . وهكذا تحولت النفايات بها الي مصادر مهم من مصادر الثروة القومية .

فصناعات اعادة التدوير يمكنها ان تغطي الكثير من احتياجاتنا اليومية مثل صناعات البلاستيك والورق  والبطاريات والسماد العضوي لتغذية التربة الزراعية ، وبناء المساكن وغيرها .

وتتوسع دول العالم في الصناعات التدويرية ، حيث تستخدم Apple الكوبالت المعاد تدويره بنسبة 100 % في البطاريات بحلول 2025 ، والابتكارات لا تتوقف في صناعات المعادن المعاد تدويرها  بالبطاريات والمغناطيس ولوحات الدوائر‎ البديلة ، وتحقق عوائد مالية كبيرة نظرا لقلة تكلفة انتاجها .

بحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية ، فان المصنعين بمجال إعادة التدوير ، يجنون مكاسب هائلة ، فإنتاج طن واحد من الورق من مخلفات ورقية، يوفر طاقة قدرها 4100 كيلو واط/ساعة  و28 متر3 من المياه ، ونقص فى التلوث الهوائى بمقدار 24 كيلوجراماً من الملوثات الهوائية .

والمخلفات المعدنية كالألمنيوم فيمكن إعادة تدويرها بنسبة ٪ 100 ، والزجاج الذى يحتاج تصنيعه إلى درجات حرارة عالية ، فإن إعادة تدويره تحتاج إلى طاقة أقل و انخفاض بالتكلفة، ويتحول إلى أرباح  مالية كبيرة .

ووضعت سنغافورة خطة "صفر مخلفات" لتقليص حجم النفايات30% وصولاً  إلى العام  2030 وتوسيع رقعة إعادة تدويرها . وصاحبت خطتها تنفيذ عدة مشاريع افتتاح أول منشأة بجنوب شرقي آسيا لإعادة تدوير بطاريات الليثيوم الخاصة بالهواتف المحمولة . كذلك استعادة ما يقرب من 90 % من الحديد الموجود في بطاريات الليثيوم لإعادة استخدامه في إنتاج بطاريات جديدة .

و توصل علماء في "جامعة نانيانج" للتقنية إلى تطوير طريقة جديدة في استخدام بقايا قشور الفاكهة لاستخراج المعادن الثمينة من بطاريات "الليثيوم أيون" وإنشاء بطاريات جديدة . واستطاعت سنغافورة إعادة تدوير ما يقرب من 60 % من نفاياتها .

صحوة

بتقديري ، انه حان الوقت  لوقف تصدير نفاياتنا العربية الي الهند والصين ، وان نستفيد منها في العديد من الصناعات الضرورية .

اظن اننا بحاجة لوضع خطة استراتيجية للتوسع في نشر ثقافة اعادة تدوير المخلفات ، تبدأ بنشر الوعي  بطرق جمع القمامات أدواتها التي تفصل المخلفات الزجاجية عن المعدنية عن الورقية ، والنفايات الصلبة والملابس ووضعها في سلات مختلفة عن الاخري  حتي يسهل اعادة تدويرها .

جهود عربية تحتاج التوسع

وهناك العديد من الجهود التي تقوم بها بعض الشركات العربية في مجال صناعة التدوير وهي مشكورة علي جهدها ، ونأمل ان تزيد في عددعا بالعالم العربي ، ومنها  احدي الشركات الاردنية تقوم بجمع الورق وإعادة تدويره ، من المتجر أو المكتب أو المدرسة أو الفندق أو المطعم أو المنزل . يشكل الورق ما يصل إلى 15٪ من النفايات الصلبة في عمان ويمكن إعادة تدويره إلى ورق مجددا 

وهنا فانني أثمن جهود الشاب العربي الذي قدم مبادرات رائعة بمجال الصناعات التدويرية  مثل مشروع (اقتصاد) الذي أطلقه الفلسطيني عبد المحسن محمد في مخيم نهر البارد بلبنان ،  يعيد من خلاله تدوير الأوراق المنزلية وقصاصات أوراق الجرائد القديمة والعلب الكرتونية ، وتحويلها إلى منتجات الأثاث المنزلي وألعاب الأطفال وزينة المنازل والمكاتب والتحف الفنية والأشكال الهندسية 

وكذلك مباردة الباحث الاردني صدقي صبيح لمشروع تصنيع مكبات خاصة للنفايات الإلكترونية والكهربائية في بلده و دعمه الإتحاد الأوروبي ، ومن خلاله يتم توزيع حاويات بلاستيكية وصناديق خشبية على مختلف محافطات الأردن لتجميع النفايات الإلكترونية والكهربائية ، وتجميعها لانتاج سلعة جديدة .

ونجحت ادارة نفايات لبنان في الاستفادة من مؤسسة جامعي القمامة " درايف ثرو " وفرمها وتحويلها للمصانع  فيتحول البلاستيك لثياب ، والباقي يذهب لمصانع اخري لصناعة الكراسي أو الطاولات أو صحارات الخضار  .

واقترح ان يقوم بصناعات اعادة تدوير نفايات النفط و الفوسفات و البوتاس او استخدام النفايات النفطية التي يتم رميها بعد تصفية النفط في كثير من الصناعات.

بتقديري ان اعادة تدوير المخلفات بصناعات جديدة من شانها ان يقلل كثيرا من تكلفة  واردتنا من الخارج ـ وتفتح الافاق لعديد من فرص العمل للشباب ، وزيادة الدخل القومي للاوطان وحمايةالبيئة من اخطار التلوث البيئ ، فصناعة تدوير المخلفات صارت فرض عين على شعوبنا وحكوماتنا العربية