الاثنين، 19 نوفمبر 2018

فنون إدارة ازمة الكوارث الأخلاقية بالمدارس


فنون إدارة ازمة الكوارث الأخلاقية بالمدارس
سارة طالب السهيل 


كانت المدراس قديما نوافذ مفتوحة للعلم والتربية معا دون انفصال لاحدهما عن الاخر باعتبارهما وجهان لعملة واحدة في تشكيل وعي الإنسان أخلاقيا ومعرفيا، كما هناك تكامل في الأدوار التربوية والاجتماعية لكل من المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية والاسرية في تنشئة الأجيال علي المفاهيم الحضارية والسلوكية القويمة.

وسرعان ما تبدلت الأحوال ونسيت المجتمعات العربية الحكمة في بناء الأمم وبقائها وسر خلودها كما قال الشاعر العظيم أحمد شوقي:

" و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ....و إذا أصيب القوم في أخلاقهم * فأقم عليهم مأتما وعويلا صلاح أمرك للأخلاق مرجعه * فقوّم النفس بالأخلاق تستقم".
فباتت العناية بالأخلاق امرا ثانويا لا تهتم به المنظومة الاسرية ولا التعليمية وترك الحبل على الغارب للأبناء يتلقون المفاهيم المغلوطة للحرية ويفعلوا ما يشاءون داخل المدارس

يقف المجتمع العربي موقف المتفرج من أطفال هذه المدراس وهم يتدنسون بأفكار الحرية المغلوطة من تدخين وتعاطي مسكرات او رقصات ماجنة، بينما الغرب قد وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لحماية النشء من الضياع، ومنها ان الغرب لا يسمح للطفل بالشرب للمسكرات والتدخين والمخدرات قبل سن ٢١.
وتحفل سجلات الحوادث بالصحف العربية بكوارث أخلاقية تكشف عن حقيقة ان المدراس باتت مصدر للجريمة والانحراف السلوكي، فالطفل يذهب للمدرسة ويتشرب كل أنواع السلوك المنحرف، وان المخدرات تجتاح المدراس في مصر ولبنان والإمارات وغيرها من البلدان العربية.
اعتقد ان الاسرة تتحمل الجزء الأكبر من المسئولية وغياب الوعي لديها بأهمية ممارسة دور الرقيب على سلوك أبنائها، بل ان الام تعد عنصر رئيسي في تنشئة الصغارعلى القيم الأخلاقية ومقاومة أي سلوك منحرف لديهم مصداقا لقول الشاعر:
" الأم مدرسة ان اعددتها.. اعددت شعبا طيب الأعراق "
فقد انصرفت الام الى الانشغال عن متابعة أبنائها وغرس القيم الأخلاقية في نفوسهم أما بالعمل او متابعة خطوط الموضة، او محادثة صديقاتها بالموبايل او النت، بينما انشغل الأب هو الاخر بعمله وبأصدقائه دوره الأهم في اعتباره راعي وكل راعي مسئول عن رعيته فغاب الاب الموجه والمرشد و الحامي والمدقق لسلوك أبنائه وتقويمهم.

مصادر الخطورة
رغم الانفلات الأخلاقي قد انتشر في المدراس الوطنية والأجنبية على حد سواء، غير الخطورة تشتد فجائعها في المدراس الأجنبية لأن طلابها عادة و بلا تعميم من اصحاب الدخل المرتفع و ابناء العائلات المتنفذة ،و في وقتنا الحاضر على عكس السابق ؛كلما زادت الأموال و السلطة في يد الاسرة زاد معها الإهمال و التسيب و التراخي في تربية الأولاد و يكون ذلك بزيادة تدليلهم و سهولة حصولهم على الأموال و كل احتياجاتهم سواء الأولية او الثانوية مما يشعر الطفل او المراهق بالسيطرة الكاملة على نفسه و من حوله و كأنه محور الكون و يبدا بفرد عضلاته و إثبات ذاته بداية من خلال مشترياته و مقتنياته و من ثم يتحول الى مجرب لكل ما هو جديد وكل ما يبث في الاعلام ووسائل التواصل من صرعات تجعل منه بطلا وتشعره بالثقة بنفسه و انه اصبح كبيرا ولم يعد طفلا من وجهة نظره فكلما اشعل سيجارة يشعر وكأنه كبر عام! هذه العقلية جاءت من فراغ عقله فلو ملأت أسرته عقله بما نفع لما وجد مساحة لهذه الترهات في عقله
و لو زرع اهله ثقته بنفسه لما اضطر للجوء الى هذه الموبقات لإثبات ذاته
و لو اشغل اهله وقته بنشاطات كركوب الخيل و تعلم الموسيقى و الاشتراك بمكتبة او ناد رياضي او اللعب بحديقة في الهواء الطلق او اَي هواية نافعه لما وجد الوقت لممارسة التفاهات و مشاهدة ابطال الوهم من فناني ارصفة أوروبا و امريكا
أتمنى دوما التواصل الحضاري و الفني بين الشعوب و حول القارات و اشجع على هذا التواصل و لكن التواصل الثقافي و الحضاري و بين قوسين (فني) و ليس فن هابط لاحد المتعاطين و المدمنين لينقل تجاربه التي هدمت حياته الى ابنائنا و نحن نتفرج
فيذهب هذا الطفل او المراهق الى المدرسة لينشر بين التلاميذ حبه و متابعته لهذه الشخصيات و يبدا التقليد الأعمى بين الطلبة
وهو ما جعل الكثير من الاسر المحترمة و ان كانت مقتدرة ماديا تخشى ارسال أبنائها الي هذه المدارس، فهل سيفهم حديثي النعمه ممن لم يتعب بالحصول على أمواله انه لا يدمر ابناءه فقط بل مجتمع بأسره فهل يستوعبون انهم يصنعون جيلا من الاتكاليين الأنانيين الماديين فكيف لاتكالي و يحب المال (مادي ) في ان واحد ان يحصل على المال و هو أناني ؟
فنحن لا نصنع الفشل بل نجرهم للفساد و الانحراف و الجريمة

المدارس الأجنبية
———————
للأمانة هناك مدارس اجنبية رائعه بكل المعاني و اكثر التزاما من بعض المدارس العربية من حيث التربية و التعليم و التثقيف و التركيز على بناء الشخصيه و الثقة بالنفس و البحث عّن المعلومة و معرفة الذات و الاهتمام بالسلوك و الاداء و خوض الحياة الواقعية و التاهيل للمرحلة اللاحقة من جامعة و ما بعدها و تابعت بنفسي بعض المدارس الأجنبية بمناهج قديرة ترتقي لبناء انسان من الناحية النفسيه و الثقافية و العلمية
حيث ان بعض المدارس الاخرى الأهلية ربما تركز على الجانب الأخلاقي الا انها تفتقر لباقي المميزات
الا انني و انا اقرا عّن تاريخ المدارس الأجنبية وقعت عيني على هذا النص
تقرير ل(روبرت ساتلوف ) مدير قسم السياسة والتخطيط في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حيث قال: " إن المدارس الأمريكية في البلاد العربية والإسلامية ليست مجرد صروح تعليمية رفيعة المستوى، بل هي سلاحنا السري في معركة أمريكا الأيديولوجية لأمركة المجتمعات العربية والإسلامية " .
فهذه المدارس انها تنحي قيم الدين الإسلامي والمسيحي والقيم الثقافية العربية الاصيلة عن الطلاب الاجتماعية والفكرية والسياسية خلال العملية التربوية والتعلمية.
،.
فهل كان هذا سابقا أم انه مازال مستمرا يحتاج الأعتراف هذا وقفه للنقاش..

الاسرة ودورها
لاشك ان الاسرة هي الأساس في حماية النشء ولا يقتصر دورها في ممارسة الرقابة فقط بل يمتد كما يؤكد خبراء الاجتماع بل مشاركة ابناءها في الحوار و تبادل الثقة، لإشعارهم بضرورة إشراك ذويهم في معرفة كل ما يتعرضون له من دون خوف من رد الفعل.
فاستخدام أساليب الترهيب أو بث الخوف في نفوس الأبناء بصفة مستمرة، يدفعهم إلى احتراف الكذب واللجوء إلى سلوكيات سلبية، من بينها تعاطي المواد المخدرة وادمانها.
ووفقا لتأكيدات علماء الطب النفسي وعلاج الإدمان، فأكثر الحالات عرضة للإدمان تكون لأشخاص لديهم أمهات اما افرطن في تدليل صغارهن، أو انهن بالغن في استخدام القسوة ضدهم، مما احدثا بداخلهم خللا نفسيا.

إدارة الازمة
في تقديري ان الكوارث الأخلاقية التي يعيشها طلاب المدارس العامة والأجنبية المختلطة تتطلب رفع حالة الاستنفار الأمني الاجتماعي، وهو ما يعني ان كل مؤسسات الدولة تستنفر لكي تتعامل مع هذه القضية وفقا لعلم إدارة الأزمات في إدارة المشاريع والمخاطر، فالمجتمع في هذه الحالة مطالب بمعالجة المسبب والبحث عن حل مؤقت وحل آخر جذري في ذات الوقت.
وتنطلق إدارة هذه الازمة من الاسرة لكي تفعل دورها الرقابي وتعزز القيم الدينية والروحية في نفوس أبنائها، كما الاعلام كفاعل رئيسي في تشكيل الوعي، وذلك بوضع خطط ممنهجة للسلوكيات الأخلاقية فيما تبثه من قيم واخلاقيات بشكل فني رفيع المستوي وشيق للناشئة ونشر برامج توعوية للأبوين والابناء معا للتحذير من رفقاء السوء وللتحذير من مخاطر الإدمان.

دور الامهات
برأيي، ان الأمهات تقع عليهن العبء الأكبر في إدارة هذه الازمة الأخلاقية، لانها المنبع الذي يخرج للمجتمع مواطنا صالحا او طالحا، ومن ثم فان الأمهات مطالبات بالوعي في تربية صغارهن من خلال اشغال الأبناء بالتفكير في العابهم ومشاركة الأمهات فيها ثم مراقبة على تصرف غريب يصدر عنهم ومناقشتهم فيه. كما يجب علي الأمهات ان يوسعن صدورهن للصغار ليقولوا كل ما في نفوسهم من احاديث واسئلة لكي يتم تصحيح ما يقولونه أولا بأول. كما يجب على الأمهات استغلال كل فرصة لتنمية الوازع الاخلاقي و الروحاني لدى الأبناء، وتربية الضمير اليقظ داخلهم. مع مساعدة الأبناء على ملء أوقات فراغهم في أنشطة اجتماعية في الجمعيات الخيرية وغيرها بجانب حفزهم على ممارسة الأنشطة الرياضية و النشاطات الاجتماعية و اصدقاء القدوة الحسنة .

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2018

المؤسسات والمجتمع مسئولان عن ضحايا البحر الميت


المؤسسات والمجتمع مسئولان عن ضحايا البحر الميت

سارة طالب السهيل

عاش ويعيش شعب الأردن وشعوب العالم التي شاهدت فاجعة الموت وهي تحصد أرواح الأبرياء الشهداء من الأطفال والذي لا ذنب لهم في الحياة سوى رغبتهم في الاستمتاع برحلة مدرسية والترفيه تتحقق فيها الصحبة الجميلة والتمتع بالطبيعة.
رحلة السعادة والهناءة للصغار تتحول الى رحلة الموت التي تحيا آلامها قرابة ٢١ أسرة أردنية،
كنت خارج الوطن حينما سمعت بالفاجعة التي وقعت علي كالصاعقة (يا الاهي انهم اطفال ) احباب الله و احبابي كيف يفارقون الدنيا بهذه القسوة تجرفهم السيول وهم في حالة من الخوف الشديد و ربما الجوع والعطش و البرد
تعودنا ان راينا ضحايا من الاطفال ان يكون القاتل عدو او ارهابي في حرب او شبه حرب إنما هذه المرة ضحايانا لم يرحلوا على يد مجرم او غاصب او محتل إنما سرقتهم ثورة الطبيعة و إهمال الأحباب
ففي غمضة عين فقدت أسرة ابنها الوحيد، وأخرى فقدت اثنين من فلذات أكبادها بسبب الإهمال، والجهل وعدم الاخذ بأسباب العلم ومعرفة المناطق الخطرة التي تجرفها السيول ومن ثم عدم الذهاب اليها في توقيتات السيول، وهو ما تبينه الأرصاد الجوية يوميا فهل من متابع، وهل من قارئ وهل من عاقل ؟ّ!!!
ومما يثير الدهشة المؤلمة هو تسرب هذا الجهل داخل المؤسسات التعليمية، فقد خرج 37 طالبًا و7 مرافقين بمدرسة فكتوريا في رحلة إلى منطقة البحر الميت، وبينما كان الطلاب أسفل أحد الجسور القريبة من البحر الميت، طالتهم السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة، وجرفتهم إلى البحر.
فأين مسئولي مدرسة فيكتوريا من علم الأرصاد ومن علوم الجغرافيا ومن التنسيق مع مسئولي البلديات؟ وإذا كانت هذه الرحلة معدة سلفا فلماذا لم يتم تأجيلها فور علم إدارة المدرسة بتوقيتات السيول؟
كما تداول الناس ان السد كان قد فتح يومها لتغيير مياهه التي أصبحت عفنه وتحتاج الى تبديل و لا ادرى مدى صحة هذا التداول
علامات استفهام عديدة حول هذه الفاجعة الإنسانية التي لا معنى لها بمعزل عن الجهل العلمي وغياب الثقافة العلمية داخل المجتمع وعلى رأسه المؤسسة التعليمية، وأيضا الإعلامية والثقافية التي تنشر الوعي بمخاطر هذه المناطق الخطرة والوعي بأفضل توقيتات السنة سلاما وامانا في قصدا سياحيا.

مآسي متواصلة
فجرت كارثة أطفال البحر الميت كل ما في مشاعر الشعب الأردني من ألم حزن لن يغيب بحجم هول الفاجعة وما أفرزته من اهمال، وهل لنا ندخل في قلب الأب منذر العزة وهو يتمزق من هول صدمة نبأ وفاة ابنته "ريم " في فاجعة حادث الرحلة المدرسية، فكيف لنا ان نستقرأ تمزق قلبه عندما فوجئ بأن ابنته الثانية "هند " فقدها عندما تعرف على جثمانها لاحقا بعدما تمكنت فرق الإنقاذ من إخراجها من البحر الميت.
وجاءت مشاهد الأسر المنكوبة في ذويها، أكثر ايلاما، وهي تقف امام قسم الطب الشرعي في مستشفى البشير الحكومي، ما بين الذهول وعدم التصديق، وبين انهمار الدموع كالأمطار الغزيرة تروي الأرض بجراح نازفة، وبين انهيارات نفسية أصابت بعض الاسر بحالات اغماء وصراخ وعويل دون استثناء لا سيما أب الطفل العراقي سعد الذي فقد والدته قبل شهر ليلحق بها تاركا ابيه بحالة من الانهيار الكامل.

إنسانية غواص
ما بين الإهمال والجهل وعدم الارتكان للعلم، فان فاجعة أطفال البحر الميت، قد أثبتت انه في قلب الظلمة دائما يكون هناك نور يفتح لنا أبواب الأمل في الإنسانية، وهو ما تجلي في قصة البطل الأردني الرقيب زاهر سعد، الذي لم تنتظر اذنا حتى يحارب الموت ويواجهه بكل شجاعة لإنقاذ ضحايا رحلة الموت.
فقد كان الرقيب زاهر حصل إجازة لحضور حفل زفاف احد أقربائه، وبينما هو في الطريق يسمع بالفاجعة فيغير طريقه مسرعا ويرتدي بدلة الغوص متجها للبحر الميت لينقذ ببطولة إنسانية أربعة أطفال من الغرق المحقق والهلاك، حظي بها على تقدير شعب الأردن كله.
ولا غرابة أيضا ان تثمن الجالية الأردنية في أوكرانيا شجاعة زاهر وتتبرع له ولأسرته برحلة عمرة .
هذا النموذج المشرق للمواطن الأردني الشريف الذي جسده سعد يعرف معنى الواجب واهمية الإسراع لنجدة المنكوبين يمثل حسا إنسانيا لو توافر في مجتمعاتنا العربية لاستعدنا معنى يقظة الضمير مجددا، ولرحمنا أنفسنا من تداعيات الكثير من الازمات والكوارث في حياتنا.


جريمة
في تقديري ان فاجعة أطفال البحر الميت تمثل جريمة متكاملة الأركان، وقع فيها الأردن حكومة ومؤسسات ومجتمع في شراك الإهمال وعدم تحمل المسئولية، حتى تفرق دم الأطفال الشهداء بين القبائل .
فمن الممكن ان نلقي باللائمة على المدرسة التي اطلقت اطفالها لهذه الرحلة المشؤومة ومن ثم المؤسسة التعليمية و المديرة و المعلمات و وزارة التربية لكننا في هذه الحالة نكون كالنعامة تدفن رأسها في الرمال اذا لم نلم ايضا المسؤولين عن السياحة بدأ من الوزارة و شركة السياحة و التراخيص ومن ثم فقد تتكرر هذه المأساة ما لم نقف على ابعادها وخطورة المتسبب فيها من كل الجهات بدءا من المؤسسة الاسرية التي تسمح لأطفالها بالذهاب لرحلات خطرة في توقيتات السيول، ومما يبرهن على ذلك ان بعض الأهالي رفضوا ارسال أبنائهم في اللحظات الأخيرة عندما عملوا بخطورة الطقس، وان الرحلة تحركت بحافلة واحدة بدلا من اثنين بعد ان خاف الأهالي على أطفالهم ، وذلك حسبما ذكرت بعض وسائل الاعلام.
وللأسف ان الشركة السياحية المنفذة لهذه الرحلة لم تستوعب سوء الأحوال الجوية ولم تدرك عدم قدرة الطلاب الصغار على مواجهة مخاطر مناطق وعرة. و كيف يذهب اطفال آو حتى كبار لمنطقة خطرة دون وجود كل مستلزمات السلامة و فرق إنقاذ احتياطية
كما اين دور وزارة الأشغال في معالجة انهيار أحد الأنفاق وعدم إجراء صيانة لطرق المنطقة؟ وأين دور نقاط التفتيش في الغور في مراجعة التصاريح الخاصة بالرحلات في هذه المنطقة؟ ولماذا غابت شرطة السياحة عن رعاية هذه المناطق والتفتيش على السيارات السياحية.
ومن ثم فان وقوع فاجعة أطفال البحر الميت تمثل مسئولية مشتركة بين مؤسسات الدولة والمجتمع معا فكلاهما مدان ومقصر وغاب عن الوعي والعلم والرقابة.
وفي تقديري، فان فجاعة المصاب في فقد طلابنا فلذات اكبادنا تدفعنا دفعا الى أهمية تعلم الدروس القاسية من هذه التجربة، والنظر اليها باعتبارها قضية امن قومي تتطلب منا تفعيل دور الأجهزة الرقابية على مدارسنا وعلى انشطتهم الترفيهية، كما تتطلب تأهيل المجتمع ثقافيا عبر مؤسساته الثقافية والتعليمية والإعلامية لمعرفة جغرافيا الوطن والمناطق الخطرة فيه وتوقيتات السيول وتجنب خروج أية رحلات ترفيهيه خلالها، ومحاسبة كل المتورطين في هذه الكارثة حتى يتشكل وعي مجتمعي بثقافة الثواب والعقاب كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني الذي ألغى رحلته التي كانت مقرره الى البحرين بقلب أب لكل الأردنيين غاضبا و حزينا لم جرى لأولاده الأطفال الاردنيين.

الأحد، 28 أكتوبر 2018

الحب فرض عين في زمن الحرب


الحب فرض عين في زمن الحرب

سارة طالب السهيل

في لقاء ثقافي ممتع باتحاد كتاب الأردن، كان لي شرف القاء محاضرة حول الحب في زمن الحرب، استمتعت انا والحضور من كتاب ومبدعين ومثقفين فيه باستحضار قيمة الحب في حياتنا واهمية احيائه في زمن الحرب بصفة خاصة ليكون لنا سندا نفسيا وروحيا نضمد جراحنا في موجهة آلام فراق الاحباب وخراب الأوطان، وليكون لنا طاقة خلاقة تعيد بناء ذواتنا مجددا ، نخلق به الامل ونصنع مستقبلا جديدا يعيد بناء الانسان والاوطان بقدسية الحب في قلوبنا وارواحنا.
وودت ان اكتب هذه المقالة عن هذا اللقاء لأتيح الفرصة لمن لم يستطع الحضور، ان يشاركنا فكريا وثقافيا في هذه الندوة، ولتشاركوني أيضا بالحب في تقديم التحية لكل شهداء الامة العربية والشهداء الابطال في العالم كله، وهم يقدمون ارواحهم فداءا لأوطانهم لكي نعيش نحن في أمان وسلام، فلولا الحب في أعماق قلوب هؤلاء الشهداء لما هانت عليهم
انفسهم وألقوا بها في اتون نيران الحروب المشتعلة، لكنهم قدموا ارواحهم الطاهرة لكي
نواصل نحن رسالتهم في اعمار الكون ونشر السلام من بعدهم.
والحب بهذا المعني يصبح فرض عين علينا في كل وقت خاصة في زمن الحرب باعتباره ملاذ وحيد لتجاوز ويلات هذه الحروب وعبور مراراتها بأقل الخسائر الإنسانية الممكنة، وان حاجة الانسان للارتواء للحب ضرورية كحاجته للماء والهواء.
فهذا الحب الساحر الذي يغزو قلوبنا ايسري في الأرواح مختزلا حواجز المكان والزمان والظروف والأوضاع والدمار، كما نسمة حانية تهل علي اغصان الأشجار الظامئة في نهار قيظ الصيف، فتحنو عليها وتلفها وتراقصها رقصة عاشق بمعشوق فيذوبان معا في لحظة أبدية هي أولا وأخيرا من صنع الله اللطيف بعباده.
ولذلك يرصد أصحاب التجارب والخبرات الإنسانية حقيقة ان العلاقات التي تنشئ خلال المحن والحروب تعد من أشد العلاقات تماسكا وترابطا وانفتاحا، وكأنها النور يولد من قلب الظلام فيحيل حياتنا الي أمل ورحمة وتمسك بالحياة في مواجهة الموت.
فها هو عنترة بن شداد يخوض غمار المعارك بمناجاة حبيبته قائلا لها " فوددت تقبيل السيوف لأنّها لمعت كبارق ثغرك المبتسم" فحبه يمنحه قوة نفسية وروحية تشعره بالطمأنينة والثقة بالنفس والقدرة علي تحمل قسوة الحرب.

أدب الحروب
اذا ما جاز هذا التعبير، فان أدب الحروب كما سجلته الاعمال الإبداعية قد تعانق فيه الحب برائحة الدخان والبارود وصوت الرصاص ولهيب النيران تناولت الحب بوصفه قيمة رئيسية يضمد جراح الانسان ويمنحه السكينة والأمان في مواجهة فزع الحرب وأهوالها، كما في ملحمة الأوديسة التي كتبها هوميروس، وتحكي رحلة أوديسيوس ملك إيثاكا، وعودته إلى زوجته بعد انتهاء حرب طروادة، ليكتشف أن المنزل ليس هو المنزل الذي تركه، وزوجته ليست هي التي رحل عنها وابنه لا يستطيع التعرف عليه، ليكتشف أن هناك ثمنًا آخر للحرب غير القتلى.
وهناك رواية "الحرب والسلام" ليو تولسيتوي وهي من أروع الكلاسيكيات التي تتناول مشروعية الحرب، وحياة الإنسان ورؤية للحب والدين، وكيف ان الحرب في الرواية جريمة حتى لو كان هدفها نبيلا.
وتأتي رواية " لمن تدق الأجراس " وهي من أهم الأعمال الأدبية للكاتب إرنست هيمنغواي
وتحكي قصة جوردن الذي ينضم إلى الميليشيات المناهضة للفاشية خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وبينما هو ينتظر الموت في كل لحظه خلال مهامه القتالية، فانه يستعيد الشغف بالحياة، من خلال علاقته مع ماريا التي حولت الحرب حياتها الي جحيم.
أما رواية "جميلة" للكاتب الروسي جنكيز إيتماتوف فتوصف بأنها أجمل قصة حب في العالم فهي ترسم صوروة شديدة الإنسانية عن الحبّ في زمن الحرب من خلال علاقة قوية تجمع بين جميلة ودانيار في قريةٍ نائية في سهوب كازاخستان. في غياب زوجها الذي يحارب بعيداً على الجبهة، تقضي جميلة حياة عادية في قريتها الصغيرة في القوقاز. نعمل على نقل أكياس الحنطة من البَيْدَر إلى محطّة القطار بمعيّة سعيد، شقيق زوجها الأصغر، ودانيار، الوافد الجديد إلى القرية، بعدما أُصيب فى أرض المعركة.
ولاشك ان كل الابداعات الأدبية عن الحب في زمن الحرب قد أكدت حقائق إنسانية خالدة مفادها ان الفناء في الحروب يخلق الرغبة القوية في البقاء، والبقاء قرين الحب، والحب يحافظ علي الوجود الإنساني من الاندثار.
وان الحب هو الحقيقة المؤكدة والباقية في الحياة وما عداه زائف وراحل دون بقاء، ولذلك جمعت لكم في هذ المقال أشهر ما قيل عن الحب في زمن الحرب علي لسان كبار المبدعين والمفكرين.
* الحبُ هو الحدث الشخصي الوحيد للإنسان في الحرب، وكل ما عداه أحداث مشتركة حتى الموت - سفيتلانا أليكسييفيتش
* اهم مشغولون بالدماء، بالفناء .. أما نحن فمشغولون بالبقاء .. هم يدقون طبول الحرب، نحن لا ندق إلا طبول الحب. - جلال الدين الرومي
* لدينا القدرة على الاختيار اما ان نحرم الاسلحة الذرية او نواجه الابادة الشاملة، والقومية هي من امراض الطفولة وهي حصبة الجنس البشرى، وكتبنا المدرسية تمجد الحروب وتخفي فظائعها وتغرس الكراهية في شرايين الاطفال .. وانا افضل تدريس السلام على تدريس الحرب وتدريس الحب على تدريس الكراهية. - ألبرت أينشتاين

الاثنين، 22 أكتوبر 2018

أزمات الكتاب بين التلقي والنشر


أزمات الكتاب بين التلقي والنشر 

سارة طالب السهيل

سيظل الابداع والفكر والثقافة هو سبيل السعادة للأمم والشعوب، فلا نهوض لأية امة بمعزل عن الفكر وتعاطيه كتعاطي الماء والهواء غذاء للجسد، بينما الثقافة هي غذاء ارواحنا وتنمية عقولنا تسري بداخلنا كنسيم صيف بارد في نهار صيف حارق، نسيم يواجه بسلاح الكلمة المبدعة الشفافة فكر الإرهاب والتطرف الذي ابتليت به امتنا العربية.
غير ان الكتاب في بلادنا العربية، وأنا بينهم، يعانون من أزمات طاحنة بالنشر والتوزيع في ظل تحديات كثيرة فرضتها علينا جميعا حضور الكتاب الرقمي، بجانب ازمة التلقي العربي بفعل انخفاض المقروئية بفعل تأثيرات ثورات الربيع العربي وما تبعها من صراعات طائفية ومذهبية وسياسية ومحاولات تقسيم وتجويع الشعوب، وهو ما أدي بالطبع الي تراجع التلقي الإبداعي والفكري لصالح الصراعات السياسية والحروب في المنطقة التي تبحث شعوبها عن الأمان وتوفير رغيف الخبز.

واقع مرير
للأسف فان المشهد الثقافي العربي اليوم يعد في أدنى مستوياته نتيجة غياب الاهتمام بالثقافة والابداع، وذلك مقارنة بما كانت عليه في الازمنة القديمة. ففي العصور القديمة أنجزت منطقتنا العربية حضارات لا تزال أثارها خالدة باقية حتى اليوم، فعرفت صناعة النشر بمصر القديمة وفي العراق والشام، بينما عرف المسلمون صناعة النشر المعروفة باسم "الوراقة" منتصف القرن الثاني الهجري في الدولة العباسية واستمرت لمدة خمسة قرون معتمدة على أسس ثلاث هي ، التدوين والترجمة والتأليف.
ومما يدل على ازدهار صناعة النشر (الوراقة) ان عدد المجلدات التي نشرت في الفترة بين القرن الثاني والثالث عشر الهجري بنحو خمسين مليون نسخة، إلا أنه لم يصلنا منها إلا نحو خمسة ملايين فقط، وانهارت صناعة النشر عند المسلمين باجتياح المغول والتتار، لشرقي العالم الإسلامي وسقوط بغداد سنة 656 هجرية.

تجربة ومعاناة
شاءت الاقدار الإلهية ان أكون ممن يشتغلون بالكتاب والتأليف الادبي، ومن ثم فإنني قد مررت بظروف شديدة الصعوبة في بداياتى ككاتبة بدات في سن صغيرة جدا وغير معروفة في اوساط الناشرين، وكلنا يعرف ان العالم العربي عامة يعاني من غياب تبني المواهب الأدبية، لكن اصراري على نشر اعمالي من أجل ن ترى اعمالي النور بما يحفزني على مواصلة رحلة الابداع ادخلني وقتها في دوامات لازلت اذكر تفاصيلها بحرقه حيث كنت اعمل بشكل انفرادي بلا شللية ولا اَي دعم مؤسسي او حكومي وهذا صعب جدا خاصة فيما يخص اعمال الاطفال و اعتقد الكتاب يفهمون ما اعزي اليه ، ناهيك عن أزمات سبل توزيع الكتب بشكل يحقق للكاتب ما يستحقه من مكانة أدبية تقديرا لجهده وفكره على الأقل و كلنا يعلم ان بعض الكتاب يشترون نسخ كتبهم ليقال انها باعت ٣٠٠ الف نسخة اما الكاتب الصادق فستأخذه الصعوبات للوصول الى ذلك في عالمنا العربي الذي لم يعد يقرأ كما كان في السابق .
الكتابة للطفل
لا ادري لماذا اخترت الطريق الصعب وهو الكتابة للأطفال ام ان الطريق هو الذي اختارني؟، لكن المحصلة النهائية هي ان شرعت للكتابة للاطفال دونما وجود رعاية من دور النشر ظللت اكافح لأثبت وجودي في هذا المجال لإيماني بدوره في تنمية النشء الصغير بأهمية القراءة وتنمية خياله وذوقه ووجدانه، وللأسف فان كاتب الأطفال يصطدم في عالمنا العربي بقلة المقروئية، فبحسب منظمة اليونيسكو فإن الطفل العربي يقرأ بمعدل سبع دقائق سنويا، خارج المنهج الدراسي، فيما يقرأ الطفل الأميركي ست دقائق يوميا.
فكتاب الأطفال لا يجدون من يروج لأعمالهم من ناحية كما انهم يفتقرون الى وجود نقاد متخصصين ينيرون الطريق ويعملون على تنميته واثرائه، بجانب ان الساحة الثقافية تتعامل مع كتاب الأطفال على انهم كتاب من الدرجة الثانية.
ولعله مما ساهم في تعقد الكتاب للأطفال وعزوف الأطفال عن قراءة كتبهم القصص المخصصة لهم رغم احتوائها على كافة عناصر الاثارة والتشويق والألوان والاسطورة والألعاب وغيرها، هو تأثرهم بالثقافة الإلكترونية والألعاب الاليكترونية المختلفة على الشبكة العنكبوتية وعلى أجهزة الهواتف المحمولة. اضافة الى ان الكثير من الاطفال في عالمنا العربي ودعوا طفولتهم و قفزوا الى عالم الكبار عبر مشاهدة برامج الكبار او حتى قراءة كتب الكبار و بعض الاطفال فقدوا طفولتهم بسبب الحروب و النزوح والظروف السيئة و لا ننسى ان بعض اطفال العائلات من الطبقة (العليا من الناحية المادية )فقدوا طفولتهم لأسباب تربوية و بيئية و كل هذا يصب في خانة تردي أدب الطفل بعلاقة طردية

وهنا لا سبيل للنهوض بثقافة الطفل والكتابة اليه بدون دعم المؤسسات الثقافية الإعلامية المتخصصة على توفر له أيضا حضورا كبيرا في المكتبات اسوة بكتب الكبار.

أزمات دور النشر
ورغم معناة الكتاب في نشر أعمالهم الا ان دور النشر نفسها باتت تعاني هي الأخرى من أزمات مالية طاحنة جعلتها غير قادرة على القيام بدورها الرئيسي في نشر الابداع مقارنة بالماضي بسبب عمليات قرصنة الكتب مما يؤثر على إيرادات دور النشر.
ولعلي أدعو في هذا الصدد الى ضرورة التوصل الى آلية قانونية عربية توفر سبلا عملية لملاحقة قراصنة الكتب وتغليظ العقوبات القانونية بحقهم، وانني لأدعو الحكومات العربية ورجال الاعمال بتخصيص جزء مهم من استثماراتهم في بناء الانسان العربي عبر دعم مشروعات الابداع والفكر بما يساعد المؤلف على مواصلة رحلته في الابداع.
فرغم اتساع حقول النشر، الا ان المبدع العربي يواجه تحديات مستمرة، خاصة بين الجيل الجديد من الشباب المهتم بالمعرفة عبر البحث على الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعله يعزف عن الكتب المطبوعة، الامر الذي أصاب المبدعين وكل العاملين في حقل النشر بخسائر فادحة.
وفي تقديري ان الحكومات العربية مطالبة بالاهتمام بأصحاب العلم والفكر والادب مثلما كان يفعل الخليفة المأمون، حين يعطي قيمة الكتاب ذهبا فكثر عدد المبدعين في تلك الأيام، أما الآن فالاهتمام منصب على محترفي كرة القدم والمواهب الغنائية والتمثيلية فقط.
كما ان المؤسسات الثقافية الرسمية في بلادنا العربية تعاني من النقص الحاد في تمويل المشروعات الثقافية ودعم الكتاب والمساهمة في نشر ابداعهم مقارنة بنظيراتها في العالم المتقدم.

الخميس، 20 سبتمبر 2018

صرخة لأصحاب الضمائر الحية لإنقاذ حق 4 ملايين طفل لاجىء

صرخة لأصحاب الضمائر الحية لإنقاذ حق 4 ملايين طفل لاجىء

 
سارة طالب السهيل

لا تزال المقولة الشهيرة لعميد الادب العربي طه حسين "إن التعليم كالماء والهواء" التي لخصت أهمية التعليم وتوفيره كحق أساسي من حقوق الانسان هي الأساس المعتمد في حماية البشرية من ظلام الجهل والأفكار الهدامة والارهابية.

فالتعليم يحقق لكل الشعوب والمجتمعات قيم التنوير والتعايش السلمي ويسهم في القضاء على الفقر والبطالة، بينما يقود الجهل الى انتشار التطرف والإرهاب.
ولذلك فان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ اعتماده في باريس في 10 ديسمبر 1948 قد حدد حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا ومنها الحق في التعليم وفقا للمادة ( 26)، وكذلك اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، واتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين فقد اكدتا على ان التعليم حق أساسي من حقوق الانسان، فالتعليم يحمي الأطفال والشباب اللاجئين من التجنيد القسري في الجماعات المسلحة وعمالة الأطفال والاستغلال الغير أخلاقي وزواج الأطفال، كما انه يمنح اللاجئين المعرفة والمهارات اللازمة ليعيشوا حياة منتجة ومثمرة ومستقلة.

غير ان الواقع المعاش يبرز وقائع مريرة يعيشها اللاجئون ويكشف عن حرمان الكثيرين من اللاجئين من حق التعليم، وهو ما تؤكده الإحصاءات الدولية وأن نسبة أطفال اللاجئين المحرومين من التعليم حول العالم تتجاوز نسبة أقرانهم من غير اللاجئين بخمس مرات. وهناك أطفال لم يدخلوا المدارس، وكل ذلك بسبب أزمات نقص التمويل.
واليوم أرى أثرياء العالم يزدادون ثراءا ومع ذلك لا يهبون لنجدة اللاجئين وتخصيص ولو1% من ارباحهم في دعم تعليم اللاجئين عبر تمويل المؤسسات الدولية المعنية بذلك، ولا أدري لماذا لا يشعر هؤلاء الأثرياء بالمرارة التي يعيشها اللاجئون وحرمانهم من التعليم وهي كارثة كشف عنها مؤخرا التقرير السنوي الثالث للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أن 4 ملايين طفل لاجئ، لا يرتادون المدارس، وبزيادة بلغت نصف مليون طفل، خلال عام واحد فقط.

ولاشك ان زيادة الحروب والنزاعات في المنطقة العربية خلال السنوات السبع الماضية قد ساهم بشكل كبير في زيادة عدد اللاجئين ومن زيادة حاجتهم للتعلم في دول اللجوء، ولذلك أوضحت المنظمة الدولية، في تقريرها، أنه رغم الجهود التي تبذلها هي والحكومات، إلا أن تسجيل الأطفال اللاجئين في المدارس، فشل مع تزايد أعداد اللاجئين.
ففي نهاية العام الماضي، كان هناك أكثر من 25.4 مليون لاجىء حول العالم، منهم 19.9 مليون تحت رعاية المفوضية، وأكثر من نصف هؤلاء وبنسبة تصل إلى 52 % هم من الأطفال وبينهم نحو 7.4 مليون طفل في سن المدرسة.
وهذا يعني بالطبع إن مستقبل هؤلاء الأطفال ومجتمعاتهم، سيواجه مخاطر اجتماعية واقتصادية جمة، خاصة وانه وفق لهذا التقرير الدولي، فانه يلتحق 61% فقط من الأطفال اللاجئين، بالمدارس الابتدائية، مقارنة بـ 92% من الأطفال على مستوى العالم.

تصاعد الازمة

تصاعدت ازمة اللاجئين في الحرمان من التعليم بعد توقف خدمات التعليم التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الاونروا " بعد تخفيض الولايات المتحدة الامريكية لمساهمتها في تمويل الاونروا بنسبة 83%، وهو ما دفع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية الى وصف هذا الامر" بالكارثة".

وهو أمر كارثي فعلا، لأن المساعدات المالية الإضافية التى تلقتها الأونروا لتعويض خفض الدعم الأمريكي، لا يكفي لسد العجز الحاد في الاحتياجات المالية لهذه الوكالة، حيث قدرت حجم حاجتها الى أكثر من 200 مليون دولار لإكمال السنة. وغياب تأمين هذه المخصصات المالية سيؤدي الى توقف الكثير من المدراس الفلسطينية.

وانني أضم صوتي لكل الشرفاء في العالم ومنهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، برفض القرار الأمريكي بمنع الدعم عن (الأونروا) والتأكيد على مخالفته لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) لسنة 1949، الذى ينص على وجوب قيام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بتقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين.

وهنا يجب التوجه بالتحية الى المملكة الأردنية الهاشمية لدعوتها الى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية في القاهرة مع انعقاد الدورة العادية لمجلس الوزراء لبحث سبل مساعدة أونروا ماليا وسياسيا، بجانب تنظيم الأردن بالتعاون مع الوكالة والسويد واليابان وغيرهم مؤتمرا لدعم الأونروا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الجاري؛ لحشد الدعم المالي والسياسي لأنروا ودورها.

وعلى الشرفاء من رجال الاعمال في العالم شرقا وغربا ان يسرعوا في تقديم تبرعاتهم للمؤسسات الدولية المعنية بإغاثة اللاجئين وكذا لوكالة الاونروا لتوفير التعليم لكل أطفال اللجوء تصديقا لحق الانسان في التعليم.

الاثنين، 10 سبتمبر 2018

احتجاجات اهل البصرة مشروعة .. ولكن !


احتجاجات اهل البصرة مشروعة .. ولكن !

سارة طالب السهيل

بالرغم من ان محافظة البصرة هي المنتج الأول للنفط في العراق ومن ثم خيراتها كثيرة غير انها لم تستفد من هذه الخيرات والعوائد المالية للنفط في حل مشكلاتها المتفاقمة منذ سنوات خاصة ازمة شح المياه والكهرباء ونقص الخدمات.
فمعاناة اهل البصرة من شح المياه والخدمات ليس وليد اليوم، بل هذه ازمة ترجع لسنوات طويلة، ومع استمرار الصراعات السياسية والحروب فيها فقد زادت معاناة أهلها، في الوقت الذي لم يهتم فيه المسئولون على اختلاف الحكومات بحل مشكلاتها المتواصلة عاما بعد أخر بشكل يقلص ـ على الأقل ـ من معاناة سكانها.
فاليوم اهل البصرة يعانون من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي، بل وأصيب الكثير منهم بالأمراض نتيجة تلوث المياه وغياب كبير للخدمات في الكهرباء والرعاية الصحية، ناهيك عن أزمات البطالة الناتجة عن تأثيرات سنوات الحرب والإرهاب الداعشي، وكانت النتيجة الطبيعية ان ينفجر الناس من الداخل، وعبروا عن انفجارهم الداخلي بما شهدناه من احتجاجات وتظاهرات.
ورغم انني أؤيد حق اهل البصرة بالمطالبة بحقوقهم في حياة كريمة من مأكل مشرب ورعاية صحية وخدمات كالكهرباء والاتصالات غيرها، ولا اعترض اطلاقاعلى خروجهم في هذا التظاهرات لدق ناقوس الخطر ودفع المسئولين الإسراع في إيجاد حلول عملية لأزماتهم الصحية والمائية الا انني أقف امام تجاوز التعبير بالاحتجاج السلمي الى اثارة اية اعمال شغب من شأنها ان تدمر أي منشأة او مصلحة حكومية او خاصة مملوكة لأي مواطن عراقي والا تحولت العراق مجددا الي نيران من الفتنة طالما عانينا منها، والي فوضي نسعي جاهدين للتخلص من أثارها ونرفض اشتعالها.كما ان هذه المنشآت هي ملك للعراقيين و ان لم ينتفعوا منها سابقا فبالمطالبات الشرعية للحقوق سينتفع منها المواطنين عاجلا ام اجلا لهذا ليس من الصحيح تدمير اموالكم و ماهو ملك لمواطنين
نعم الناس في البصرة غاضبون يعانون يتألمون يطالبون بحقوقهم المشروعة في وطنهم المحرر حديثا من إرهاب الدواعش، وعبرت غضبتهم عن صراخ ألم المعاناة اليومية التي يعيشونها، وتدمي قلبي وقلب كل عراقي مخلص، خاصة اذا ما أضيف لهذه المعاناة ما يشعرون به من احباط ناتج عن الفساد الذي يجب ان تسرع الحكومة العراقية في اقتلاعه من جذوره.
وفي تقديري ان كل المسئولين بالعراق مطالبون بالإسراع لإخماد نيران فتن الفساد، ومحاسبة كل من يتورط فيه بالأحكام العقابية المشددة. واتصور ان المسئولين مطالبين بإعلان حالة الطوارئ في البصرة خطة عمل شاقة أولا لعلاج من أصيبوا بتلوث المياه، والتعاون مع دول الجوار العربية و الغير عربية عبر اتفاقيات تعاون لإيجاد حلول سريعة وعملية لإنقاذ اهل البصرة من العطش وتلوث المياه.
كما ان اهل البصرة في حاجة ماسة لتوفير فرص عمل لتقليص نسب البطالة بين شبابها، وهنا ادعو رجال الاعمال الشرفاء الوطنيين للإسراع في إقامة مشروعات اقتصادية عاجلة لتوظيف قدرات الشباب العاطل عن العمل حتي ولو في مهن بسيطة حتى يستعيد العراق عافيته الاقتصادية.
ولعلي أؤكد ان انفجار اهل البصرة في شكل تظاهرات يظل حقا مشروعا، ولكنه ليس مشروعا ولا مقبولا ان يتجاوزوا حدود الاحتجاج السلمي الي قيام البعض بأعمال فوضي اقتحام مؤسسات نفطية والاضرار ببعض المبانٍ والممتلكات الحكومية والاقتصادية.
ولا شك ان سقوط جرحى ومصابين في صفوف المحتجين المواطنين العزل خلال عمليات فض هذه التظاهرات يعد شيئا مؤسفا لا نتمنى وقوعه في أي وقت، فدم الموطن العراقي غالي واصابة أي فرد فيه وجرحه هو جرح للوطن كله، لكن هناك ضرورات أمنية تدفع الأجهزة الأمنية لوقف الاحتجاجات الفوضوية التي تدمر المصالح العامة الا انها يجب ان تكون محكومة بمعايير حقوق الانسان و الالتزام بقوانين حرية التعبير و حق المواطن بالمطالبة بحقوقه الشرعية التي تاخرت عليه كثيرا.
في تقديري انه كان بمقدورنا تجنب ما وصلنا اليه من انفجار شعبي، لو ان المسئولين استجابوا لحقوق سكانها المشروعة في توفير الخدمات الأساسية اللازمة لحياتهم اليومية، وعلى ذلك فان اول خطة ينبغي اتخاذها في معالجة هذه الازمة هي محاسبة المتورطين فيها وهم المقصرين في أداء وجباتهم بحق اهل البصرة.
واظن ان القرارات السريعة التي اتخذتها الحكومة الاتحادية لاحتواءها عبر تشكيل لجنة وزارية لمتابعة الأوضاع في المحافظة، خطوة على طريق الإصلاح تبعها اعلان وزارة النفط عن توفير10 آلاف درجة وظيفية على قطاع النفط لأبناء المحافظة في أسرع وقت اتمني ان يتم التوظيف اليوم قبل الغد.
اعتقد ان الأوضاع المأزومة بالعراق خاصة بالبصرة تحتاج أكثر من أي وقت مضي الى التحلي بالحكمة واعمال القانون، والإسراع بحل مشكلات الناس وانهاء معاناتهم قدر الاستطاعة في محاولة سريعة لامتصاص الغضب الشعبي من ناحية، ولتطبيق حقوق الانسان في حياة كريمة في وطنه الذي لا يعرف غيره.قبل ان تتزايد نسبة المهاجرين بلا عودة الى بلاد الغربة هربا من الظلم المادي و الاجتماعي و الخدمي
ولعل اسراع الحكومة العراقية بإعلان التحقيق في حادث إصابة بعض المتظاهرين من البصرة خطوة مهمة في سياق الحفاظ على كرامة المواطن العراقي وحفظ دمه وروحه.
كما ان الحكومة العراقية مطالبة ببذل اقصى جهدها وتسخير طاقتها وعلاقاتها وخبرائها المتخصصين في حل مشكلة ملوحة المياه بالبصرة، ولعل بشائر الخير قد تحقق قربيا بعد اتفاق العراق مع جارته ايران في يوليو الماضي على انشاء سدّ على شطّ العرب لمواجهة أزمة ملوحة المياه، في منطقة أبو فلوس.
نعم انها خطوة عملية لحل ازمة المياه لكنها للأسف تأخرت كثيرا ولولا الضغط الشعبي لما تم التوصل لهذا الاتفاق. وهنا ادعو كل المسئولين بالعراق الى ضرورة الإسراع بحل مشكلات البلاد في جانب من جوانب الحياة اليومية للمواطنين قبل ان تنفجرالأوضاع وان نستفيد من أخطائنا السابقة ونحول دون انفجار الغضب الشعبي في اية منطقة من مناطق العراق الحبيب

الاثنين، 3 سبتمبر 2018

السينما والدراما العراقية واشراقات الامل في استعادة نهضتهما


السينما والدراما العراقية واشراقات الامل في استعادة نهضتهما
سارة طالب السهيل

يمثل الفن السابع والدراما حلقتان مهمتان من حلقات تشكيل الوعي والوجدان والاستنارة في المجتمع العراقي، و قد انفتح العراق على فنون العصر الحديث ارتباطا بتطوير ثقافته وتنوع مصادر فنونه، ولا غرابة في ذلك خاصة وان العراق هو مهد الحضارات القديمة البابلية والسومرية والآشورية، وقد انفتح عصريا على الفضاء السينمائي مطلع القرن العشرين، وعلى الفضاء الدرامي منتصف القرن العشرين.
بل ان العراق شهد انشاء تلفزيون في بغداد عام 1956، ليكون اول تلفاز في العالم العربي والشرق الأوسط، واعتمد في خطواته الاولى على تقديم تمثيليات على الهواء مباشرة كانت تقدمها الفرق المسرحية الشهيرة في البلاد أنذاك.
ارتبط الإنتاج الدرامي بدعم الدولة التي وظفته بدورها لخدمة توجهاتها مما أدى الى غلبة الخطاب الفني المباشر في توجيه مشاهديه خاصة في أوقات الحروب، ورغم ذلك فقد عمل انجازات فنية كبيرة في حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي والتي لا تزال حاضرة في ذاكرة العراقيين حتي اليوم مثل مسلسل "الدهانة"، ومسلسل " ابو طبر"، بجانب مسلسلات:" سامكو "، "امطار النار" "عالم ست وهيبة"، " حب وحرب"، "وتحت موس الحلاق، " ، " النسر والذئب وعيون المدينة "، " حكايات المدن الثلاث "، "فتاة في العشرين "، " رائحة القهوة"، ... وغيرها ، بجانب بعض الاعمال الحديثة مثل : " فاتنة بغداد " و"أعماق الأزقة ".... وغيرها.
أما دراما العراق في الماضي القريب تعاني الكثير من تراجع الحضور في المشهد العربي، وربما كانت لسنوات الحروب الراهنة تأثير كبير على تطور حركة الدراما العراقية وعجزها عن المنافسة في الساحة المحلية والاقلمية.
وللأسف فانه بعد ان كانت الدراما العراقية اكثر تميزا وكانت تحتل المركز الثالث بعد مصر وسوريا خاصة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما كانت الدولة تمول إنتاجها، إلا أنه بعد أن رفعت الدولة يدها عن الإنتاج الدرامي فقد أخذت في التراجع والتدني خاصة خلال السنوات الأخيرة التي كان العراق يعاني من ويلات الاٍرهاب و داعش و الفتن المحلية الخارجية أصابها الشلل والجمود.
فقد لبست الدراما العراقية خلال السنوات الأخيرة (و لا نعمم )ثوب التهريج وافتعال الضحكة في مقابل اغفال أهمية تنمية الذوق والأخلاق وتحقيق المتعة الفنية والمعرفية فغاب عنها الابداع والمتعة معا

أمل جديد
وسط ضبابية المشهد الدرامي العراقي جاءت اشراقات أمل جديد بفتح الباب امام النهوض بالدراما العراقية واحيائها مجددا من خلال المبادرة التي اطلقت مؤخر لدعم الدراما العراقية تحت شعار " الدراما حياة " بدعم من رئيس الوزراء وبالتعاون مع رابطة المصارف العراقية الخاصة والبنك المركزي العراقي وشركتي زين وأسياسيل.


و قد تابعت هذه المبادرة عبر وسائل الاعلام و انا اتابع المثقف النشط و المنتمي الى بلده و ثقافته الشاعر مجاهد ابو الهيل رئيس شبكة الاعلام العراقي مما أسعدني بأننا بدأنا كما يقال بالأثر الشعبي نعطي الخبز الى خبازه فعندما يتملك المثقف و الكاتب زمام أمور الاعلام و الثقافة سنجد اثرا واضحا في التطور و الإنجازات بسبب صدق المسعى و الجهود المبذولة بأمانة بلا كلل للنهوض بالمشهد الثقافي العراقي .



فهذه المبادرة فتحت أبواب الامل امام الكتاب والمخرجين والممثلين في ضخ الدماء في شرايين الفن العراقي عبر صندوق دعم واسناد الدراما العراقية وهي خطوة من شأنها إعادة الاعتبار لدور الفنون في النهوض بالأمة وتعزيز مكانة الفنانين والفن في الارتقاء بالمواطن العراقي عبر تقديم اعمال فنية راقية تسمو به وتداوي جراحه وتنير طريقه وعقله وتنمي وجدانه.
ولعل الإسراع عمليا بإنتاج ثلاثة مسلسلات متنوعة وطنية وكوميدية واجتماعية دفعة واحدة وهي "جفن الردى "، والكوميدي "عائلة خارج التغطية " والمسلسل الاجتماعي "يسكن قلبي " يعني اننا نقف علي ارض صلبة من العمل الجاد لتجاوز محن الماضي وسلبياته.
أتمنى من كل قلبي ان تفتح هذه المبادرة الباب واسعا لاستعادة الدراما العراقية تألقها او يتم التوسع في انشاء الشركات الفنية المتخصصة في مجال الانتاج والتوزيع .

الشاشة الذهبية
اما السينما العراقية فلطالما حققت حضورها في المشهد العربي والعالمي المتميزة في العديد من الاعمال السينمائية منذ انطلاقها قبل ستين عاما، وهذا السنوات تعني انها تمتلك تاريخا وضعها في المركز الرابع في فن صناعة السينما العربية، ويعد فيلم " وعدّ عباس "عام 1946 البداية الحقيقية للسينما العراقية، لأنها سنة انتاج اول فيلم عراقي لعادل عبد الوهاب فيلم ( القاهرة بغداد ) الذي عرض عام 1947 وهو انتاج مشترك وحقق في وقته نجاحاً كبيرا.
غير ان النقاد المتخصصون يعتبرون ان التاريخ الحقيقي للسينما العراقية يبدأ بفيلم " عالية وعصام" باعتباره من انتاج ان الكوادر العراقية كاملا هو فيلم "عالية وعصام " وقد عرض في القاهرة، وعليه فقد تكونت شركة دنيا الفن لصاحبها ياس علي الناصر والتي انتجت فيلم "فتنة وحسن " الذي يتحدث عن الريف العراقي من قبل شركة عراقية مئة بالمئة وهو من انجح الافلام العراقية وقد حصد واردات وصلت الى خمسة اضعاف كلفة انتاجه.
ومع تأسيس مصلحة السينما والمسرح 1959، دخلت الدولة رسميا في الإنتاج لزيد حجم الإنتاج السينمائي العراقي، وانتجت فيلم " الجابي " الذي عرض في عام 1968 ثلاثة افلام كـ "شايف خير" و"جسر الاحرار ".
وحصد فيلم " الحارس " جائزة دولية حينذاك في مهرجان قرطاج وهو من بطولة زينب ومكي البدري، وفيلم "المنعطف " في عام 1975 والذي يعد من آخر افلام القطاع الخاص واهمها وقد عرض في موسكو.
وتوالت الأفلام العراقية المتميزة مثل : " المنعطف، الاسوار، القناص، الجابي، الظامئون، الرأس، المسألة الكبرى، كما حصدت العديد من الجوائز مثل الفيلم العراقي القصير " ميسي بغداد " على الجائزة الفضية في مهرجان بيروت السينمائي بدورته الـ13 وقبلها في اميركا كأفضل فيلم اجنبي قصير على هامش مهرجان الأوسكار، وكذلك الفيلم العراقي "ابن بابل" الذي حصد العديد من الجوائز.


و قد قال لي الفنان المصري سمير صبري عندما التقينا في مهرجان السينما الكاثوليكي المصري حيث كنا أعضاء في لجنة تحكيم الأفلام قبل عدة سنوات ان التعاون المصري العراقي الفني يعود لعام
١٩٤٦عند تأسيس شركة عراقية مصرية باسم شركة افلام الرشيد التي انتجت ابن الشرق الفيلم من اخراج المصري نيازي مصطفى و تمثيل مديحة يسري ونورهان وبشارة واكيم ومن العراق المطرب الريفي حضيري ابو عزيز وعزيز علي وعادل عبد الوهاب و قد حقق نجاحا رهيبا حيث عرض في سينما غازي




لم يكن اهتمام العراقيين بالسينما أمرا حديثا فقد كان والدي الشيخ طالب السهيل احد المساهمين في سينما النصر في بغداد في العهد الملكي رغم اصوله و انتمائاته العشائرية المحافظة الا ان الشعب العراقي بفطرته مجبول على حب الفنون و الثقافة و الآداب
وفي تقديري ان السينما العراقية بحاجة هي الأخرى الي تقديم الدعم المادي والفني لها لاستعادة تألقها ومنافساتها عربيا وعالميا، وذلك من خلال دعم القطاع السينمائي الخاص وتحفيزه على انتاج أفلام جديرة بالتقدير، مع الاستفادة من المخزن الروائي والقصصي العراقي وتحويله الى أفلام، ومن المعروف ان الاعمال السينمائية المأخوذة عن اعمال روائية تحقق نجاحات كبيرة عند تحويلها لسيناريو سينمائي وعرضها على الشاشة الذهبية.
وفي ظني اننا بحاجة ماسة الى التوسع في انشاء معاهد للتمثيل وورش لكتابة السيناريو بجانب الحاجة الى بناء المزيد من الاستديوهات السينمائية الحديثة، كذلك انشاء دور العرض السينمائية، مع نشر الثقافة السينمائية بالنوادي ومراكز الشباب حتى يتشكل لدينا جيلا واعيا بأهمية السينما لا سيما في المدارس و الكليات

الجمعة، 31 أغسطس 2018

رحلة الحج قديما و حديثا


رحلة الحج قديما و حديثا

سارة طالب السهيل

استيقظت صباح الْيَوْمَ على أصوات الطبل والزمر، وكما يقال باللهجة المصرية الزيطة والزنبليطة، فخالجتني مشاعر الغبطة والسرور ودب في أوصالي النشاط والحيوية، فانا بطبعي محبة للبهجة، وان اجد المكان يعم بالفرح والناس سعيدة، فركضت مسرعة نحو النافذة لأرى العروس كما كنت اظن و أردد معهم أهازيج الاعراس المبهجة من مدح للعروس ووصايا للعريس خاصة في المجتمع الاردني و في عمان تحديدا حيث أعيش الا انني لم اجد شيئا مما ظننت، فقلت في نفسي لعل العرس في الجهة الاخرى من الطريق، و لكن الصوت بدأ يزداد وضوحا شيئا فشيئا وبدأت اركز في كلمات الزافيين يا الله انها زفة حجاج عائدين من اداء فريضة الحج.
زادت فرحتي، وكيف لا، فمازالت الطقوس الدينية مستمرة و ان الدين مصدر بهجة وفرح وحياة وامل، وليس موت و إرهاب كما يصوره البعض.
جلست مع والدتي تحت (العريشة) في الحديقة وكانت سعيدة جدا بزفة الحجاج هي الأخرى، حيث أهاجت بداخلها ذكريات الطفولة عندما كانت في سن الثامنة و بدأت تروي لي قصة الحاجة ياسمين أم حسن السيدة الكبيرة في السن التي تسكن في الحي المجاور لمنزل والدتي وذهبت للحج بعدما ودعت اَهلها وجيرانها بسعادة بالغة وتركت منزلها في عهدة الأهل والجيران كما كان امرا مشاعا سابقا.
فالأصدقاء والجيران كانوا هم الأهل والأمان والثقة وكان أهل الحي يرعون بيت السيدة ياسمين في غيابها حتى تعود ولكن ذهب الحجيج وعاد الحجيج و أم حسن ما عادت يوما بعد ويوم الناس تنتظر عودتها ولا خبر ولا جفية لا حامض حلو لا شربت على قولة الاغنية العراقية الشهيرة.
عاد الحجاج جميعهم الا أم حسن، ومن شدة قلق أهل المدينة عليها أصبحوا يتجمهرون كل يوم امام بيتها ينتظرونها ويقيمون الصلوات والدعوات ومعهم اطفالهم واطفال المدينة كلها ومن بينهم والدتي التي ذهبت مع صديقة العائلة وقد كانت طفلة آنذاك تلعب مع الأطفال وتمرح في بستان أم حسن بينما يعيش الكبار في مهرجان يومي بانتظار الحاجة الغائبة.
وبعد ايّام ليست قلية أُشيع الخبر بان الحاجة ياسمين أم حسن على مشارف المدينة فعم الفرح وضج الخبر واتجهت الأهالي لاستقبال الغائبة التي ظنوا ان اصابها مكروه ولن تعود واستقبلوها بزفة ومزامير وتراتيل حتى وصلوا بيتها فصرخت أم حسن صرخة مدوية وصمت الجميع !
ياريتني ما رجعت من الحج وشفت بيتي خرابة، احباب الله ما قصروا لا خلوا بالبيت زرع ولا شجر الا ما دمروه وهم يلعبوا بانتظار الحجة تعود بالسلامة.
قصة جميلة تبين لنا كم كانت الناس تعظم الشعائر الدينية وكيف كان للحج قيمة كبيرة روحية في المجتمع وكيف كان الذهاب والاياب من الحج أمرا ليس بالسهل أو اليسير بين طول المسافة وصعوبة الطريق وترجي السلامة وكيف تغير الحال الان بكل التسهيلات المهيئة للحجيج.
فتذكرت المثل الشعبي (يطعمك الحج والناس راجعه) لم يكن هذا المثل وليد الصدفة وإنما ضرب حتما من حادثه أو احداث وقعت في زمنه فلا بد انه كان هناك حجاج يصلون الحج بعد انتهاء المراسم ومن الممكن بعد ما الناس عيدت أصلا، قبل عصر التكنولوجيا بل قبل اختراع الطائرات.
وبالطبع ام حسن العكس رجعت الناس من الحج و أم حسن بعدها بالطريق، انه طريق الانابة الي الله ليس سهلا كله مشقة وتعب لكن كل هذا التعب يهون من اجل قصد باب رحمة الله وغفرانه وان يعود الحاج بعد وقوفه بعرفة كما ولدته امه طاهرا نقيا من الذنوب والمعاصي. يعود الحاج بعد الفريضة كما طفل برئ من ادناس الدنيا الفانية واطماعها، هنا يفرح المجتمع بالفطرة ويعبرون عن فرحتهم بهذا الطهر والتطهر بما نعيشه من زغاريد واغاني وربما اقامة الولائم، وكأن المجتمع يشارك الحاج طهره وتوبته وانابته الي الله بهذه الأغاني .
فالنفس البشرية مجبولة بطبعها علي الخير، ولا خير اكثر من قبول توبة تائب عن الذنب وعند العبد، فالحج قبل ان يكون مناسك شاقة وهي ضرورية لانها توبة من القلب الى الخالق وبراء ذمة من النفس والولد والعمل اخلاص لوجه الله الكريم، علي ذلك فان المشاق التي يصادفها الحاج في رحلته وادائه مناسكه وخوف قلبه وجوراحه من الله يمثل في جوهره اعلى الرياضات الروحية التي ترتقي بالنفس البشرية وتربيها علي طاعة الله والخوف منه والتماس الرجاء في غفرانه وقربه وحبه وأيضا عشقه والهيام به، فالله هو المحبوب والمعشوق في قلوب موحدينه.
وهذه المعاني قد توجد في قلوب العباد دونما ان يدركوا فنون التعبيرعنها الا بكلمات بسيطة واغاني واهازيج ورموز ومنها الرسوم التي يرسمها الأهل علي بيت الحاج في قريىمصر تخليدا لهذه الذكري حيث يرسمون الكعبة المشرفة والنخيل والجمال وغيرها وكأنهم يوثقون بعقلهم الباطن رحلة الحج ويعكسون ما بداخلهم من تقديس لهذه الرحلة الى الله عز وجل.
وقد عكست الأفلام القديمة رحلة الحج وظهرت العديد من الأغاني الخالدة لهذه الذكري، لعل من أشهرها أغنية " يا رايحين للنبى الغالى" للفنانة الراحلة ليلى مراد، ضمن أحداث فيلم "ليلى بنت الأكابر" والتي عندما يتم عرضها علي الشاشات فهذا يعني اننا دخلنا موسم الحج الأكبر، خاصة وانها تعكس بالتفصيل مناسك الحج كما في كلماتها:
يا رايحين للنبى الغالى.. هنيالكم وعقبالى
يا ريتنى كنت وياكم.. وأروح للهدى وأزوره
وأبوس من شوقى شباكه.. وقلبى يتملى بنوره
أحج وأطوف سبع مرات.. وألبى وأشوف منى وعرفات
وأقول ربى كتبها لى.. يا رايحين للنبى الغالى
أمانة الفاتحة يا مسافر لمكة.. تأدى فرض الله
حترجع والإله غافر ذنوبك.. لما نلت رضاه
يا ريتنى معاك في بيت الله.. وأزور وياك حبيب الله
هنيالك وعقبالى.. يا رايحين للنبى الغالى
كما المطربة اللبنانية نور الهدى هي أول من قدمت أغنية عن الحج في فيلمها "أفراح" عام 1950 "مبروك يا حاج وعقبالنا"، وبعدها عام 1951 غنى محمد الكحلاوى أغنية " الصبر جميل" عن الحج من تلحينه.

مشاق الرحلة
كان الاستعداد للحج قديما على ظهور الجمال يبدأ بعد انتهاء عيد الفطر المبارك حيث يجهز الراغبون في الحج قافلة تشمل الجمال والإبل ومأكلهم ومشربهم وحتى أكفانهم وكانت الرحلة تستغرق أربعة شهور والطريق كان وعر ومحفوف بالمخاطر وقطاع الطرق، كما تذكر مصادر التاريخ الإسلامي.
فقد كان السفر الى مكة لاداء الفريضة "قطعة من العذاب" يمنع المسافر طعامه وشرابه ونومه، كما وصفه بذلك رسول الله صل الله عليه وسلم، من كثرة ما كانت تكتسي رحلة الحج من صعوبات سواء كانت بالسفن والبواخر والإبل أو السير على الأقدام.
فالرحلة كانت طويلة والسفر شاقا والطريق غير مألوف وكان أهل الحجاج يودعونهم وهم غير واثقين تماماً من عودتهم المخاطر التي كانوا يتعرضون لها خاصة في عهود بداية الفتن في الدولة الاسلامية واختلال الامن بسبب الحروب وتعديات القبائل على الطرق وأعمال النهب والسلب والقتل وقطع الطرق منذ نهاية القرن الثالث الهجري الأمر الذي ادى الى انقطاع الحج لسنوات متصلة.
كما الحجاج يواجهون مخاطر الجوع والعطش في سفرهم ويتعرضون لبعض الكوارث الطبيعية ومن ذلك العواصف والبرد القارس والامطار الغزيرة والسيول الجارفة.. ويذكر ابن الجوزي صاحب كتاب "مرآة الزمان " في حوادث سنة 692 هـ تعرض قافلة الحجاج الشامية الى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، واشتغل كل امرىء بنفسه، وحصلت لهم مشقة عظيمة، وكثيراً ما كانت السيول تداهم قوافل الحج، ففي سنة 1196هـ اجتاحت قافلة الحج المصرية أثناء سيرها في الطريق بين مكة والمدينة سيل أتى على نصف الحجاج المصريين، وكان الحجاج اليمنيون ايضاً يفضلون الحج عن طريق البحر، على الرغم من مخاطره، حتى لا يتعرضوا لمهاجمة العربان وقطاع الطرق البرية."
وعلى طرق الحج أقيمت منشآت كثيرة مثل المحطات والمنازل والمرافق الاساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات( فنادق) ومساجد وأسواق كما اقيمت علي هذه الطرق الأعلام لإرشاد الحجاج إلى الطرق الواجب اتباعها.
وكان من يقود الحملة يحسب شهر للذهاب وشهر آخر للإياب وشهر يتم قضاؤه في الأقطار الحجازية المقدسة ويأخذ الحجاج معهم المئونة والماء بكميات بسيطة وخلال رحلة الذهاب وأثناء مرورهم على مدن في بلاد نجد يتزودون بالمياه من الآبار في طريقهم.
بينما النساء كن يركبن الهودج وهو عبارة عن مقصورة صغيرة يتم وضعها على ظهر الذلول والظعينة أو المطية وتسمى أيضا الكواجة وتوضع فوق السرج وتكون مغطاة بغطاء مزركش مع وجود شال صوفي أحمر لامع وتستطيع المرأة أن تجلس مع طفلها داخلها بأمان.
ويتقدم حملة الحج شخص كانوا يسمونه (دليلة) وهو الذي يدل الحملة ويقودها إلى أماكن التزود بالمياه والزاد كما يحدد المسافات من مدينة إلى أخرى ويعين للحملة أوقات الراحة واستكمال المسير وكان الحجاج من الكويت يزورون المدينة المنورة أولا ومع اقتراب موسم الحج يذهبون إلى مكة بينما الحجاج من باقي الأقطار العربية يزورون مكة أولا وبعد ذلك يذهبون إلى المدينة المنورة .
أما المسعى بين الصفا والمروى، فكان عبارة عن سوق وليس كما هو الآن وكان الحجاج في سعيهم ذهابا وإيابا يشترون من المحال على جانبي المسعى، توافر ماء زمزم فقط في زقاق البخارية، وكان عبارة عن شارع ضيق بجوار الحرم فيه روس مسلمون يصنعون من مادة تشبه القصدير حافظة للمياه يسمونها زمزمية ويملئونها بماء زمزم ويشتريها الحجاج منهم.
ورغم ما كان يتعرض له الحجاج من مصاعب، فإنهم طالما واصلوا على السفر إلى الحج، ولم ينقطعوا عنه تلبية لنداء الله تعالى في محكم كتابه بقوله تعالي: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق | ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير | ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق | ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه..)
وفي عصرنا الحديث حتى يسر الله الرحمن الرحيم على خلقه السفر بالوسائل الحديثة من الطائرات، والعبارات البحرية والحافلات والسيارات على أنواعها المختلفة، فتمكن كبار السن والعجزة من أداء المناسك. فما يقدمه القائمون على الحج من رعاية للحجاج و تنظيم منقطع للنظير شمل المأكل و المشرب و الامن و الأمان و توفير كافة المرافق التي يحتاجها الحاج في رحلته و تهيئة الحرم المكي من حيث المكيفات و السجاد و المرافق الصحية و العيادات الطبية وخدمة ضيوف الرحمن حتى اصبح الحج فريضه سهله و ممتعه من الممكن ان تفضى باربعة ايام فقط حتى انه لفت نظري خبر امراة وضعت مولودها اثناء اداء فريضة الحج وسط رعاية الهيئات المشرفةعلى خدمة الحجاج في المملكة العربية السعودية من حكومة و شعب وأمن
ولاحظت في وسائل التواصل الاجتماعي الكم الهائل من المتطوعين السعوديين لخدمة بيت الله الحرام و ضيوفه

فرحة
ان المجتمع الإسلامي المجبول على الخير والفطرة يفرح برزق الجنة التي سيرزقها الله للحاج بعد قبول حجته كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم " الحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ قيل : وما بِرُّهُ ؟ قال : إطعامُ الطَّعامِ وطِيبُ الكلامِ ".
ولذلك فقد ارتبطت مظاهر الاحتفال الإسلامي بعودة الحاج بإقامة الولائم يسمونها " ذبيحة للحجاج " أو " فرحة بالحجاج " أو " سلامة الحجاج "، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي، أو لحوم ذبائح جديدة. فهنيئا للحجاج وعقبالنا جميعا و لا يسعني في هذه الفرصه الا ان اتذكر اهلي و اخوتي و أصدقائي المسيحيين اتباع يسوع المسيح الذي ولد في فلسطين كم يتوقون للحج في الناصرة و كنيسة المهد وكنيسة القيامة و تمنعهم الجسور و الحدود و المعابر اطعمنا الله و اياهم زيارة هذه الاماكن المقدسة في فلسطين

الاثنين، 20 أغسطس 2018

تنوع المناخ من معجزات الله في تلون خلقه


تنوع المناخ من معجزات الله في تلون خلقه

تعيش شعوب العالم في السنوات الاخيرة تداعيات تقلبات جوية تتباين فيه درجات الحرارة من الارتفاع المفاجئ او الانخفاض المفاجئ . وعانى الكثير من سكان الكرة الارضية من سيول اغرقت المدن والعواصم و القرى وخلفت ورائها خسائر مادية فادحة في الاوراح والممتلكات وعطلت حركة الحياة فيها لدرجة قصوى، بينما أصيبت مناطق أخرى بعواصف ترابية خانقة أصابت الناس بالكآبة ومنعتهم من الخروج من المنزل وقضاء مصالحهم او الترفيه عن أنفسهم واجتاحت الاعاصير مناطق ثالثة من العالم مخلفة ورائها االعديد من الحرائق في الغابات المختلفة.
وهذا المشهد اليومي الذي نعيشه حاليا مع المناخ المتقلب نتيجة تتابع الفصول، كانه يبعث لنا برسالة حقيقة مفادها، اذا نطقت الطبيعة فعلى الانسان ان يصمت حتى تنهي كلمتها لانها اولا واخيرا تنفذ مشيئة الله في كونه الواسع والذي لا يلم بكامل أسراره أحد من البشرحتى العلماء عرفوا شيئا و غابت عنهم اشياء
فخسوف الشمس وكسوف القمر، وزوابع الريح وزخات المطر ولمعان البرق وصوت الرعد ونيران الصواعق كلها جنود من جنود الله،، لانها تؤثر في حياة الانسان سلبا وايجابا.

وبما لا يدع مجالا للشك ان البيئة المناخية تؤثر تأثيرا مباشرا في حياة الانسان وسلوك البشر حسبما البيئة التي يعيشون فيها. وقد أثبتت الدراسات العالمية ان سلوك الانسان
الحضري وتفكيره يختلف عن نظيره في الريف وعنه في المناطق الجبلية او الساحلية او الزراعية وغيره
فالطبيعة المكانية والجغرافية تلقي بظلالها على ثقافة وعادات وتقاليد وفنون قاطينيها، وهو الأمر الذي يكشف لنا حقيقة لماذا تتمايز الفنون من شعب إلى شعب ومن جنس إلى جنس وفقا لهذا الاختلاف البيئي والمناخي، فالفنون والثقافات الاسيوية تختلف عن نظيرتها الافريقية او اللاتينية وغيرها.

آيات دالة
حفل النص القرآني بالعديد من الآيات والمعجزات التي تناولت الظواهر المناخية وتوظيفها من لدن الخالق العظيم بوصفها اما رزقاً من الله أو عقوبة أو تخويفاً. ومن ذلك انواع الريح فتارة تكون نسيم ريح خفيف تجلب الخير كما في قوله تعالى: "فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ"، وكذلك قوله تعالي "حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ"
وهناك الريح المبشرات كما في قوله تعالي "وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ"، وهناك الريح اللواقح كما في قوله تعالى: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ".
وفي المقابل ، فاهناك ريح للعذاب كما في قوله تعالى: "جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ"،و اخرى للهلاك والتدمير تتلف المباني كما في قوله تعالى "وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىَ كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ". وهناك الاعصار التي تزيد سرعته عن 119 كم/ساعة ويسبب دمار متباين الشدة تبعا لسرعته وربما حرائق، وعبر عنه القرآن الكريم بقوله: "فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت"،وهناك الآيات المعبرة عن المطر وما يصاحبه من ظواهر خاصة بالبرق والسحاب والصواعق، كما في قوله تعالي : " ومن اياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لايات لقوم يعقلون ". وكذلك قوله " والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور " ومنها أيضا قوله تعالي " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ".

المناخ والملامح الشكلية
يعد تاثير المناخ في الاجواء الحارة او الاصقاع الباردة أيات عظيمةعلى قدرة الله تعالى نظرا لتأثيره الشديد في تحديد ملامح سكانها واختلاف ألوانهم وتباين ملامحهم وصفاتهم الجسدية، فمن حيث تأثيره في الصفات الجسدية نجد أن سكان أوروبا وهم يعشون في صقيع وبرودة قاسية نجد بشرتهم بيضاء وشعرهم أشقر و أنوفهم رفيعة تساعدهم على تسخين الهواء قبل استنشاقه، بينما سكان أواسط إفريقيا يرتبطون بالطقس الحار، فجلودهم سوداء كي تحميهم من حرق الشمس، وسود الشعر، فطس الأنوف واسعة لا تأبه لسخونة الهواء.

المناخ والحالة المزاجية
فقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن تغيرات المناخ لها تأثير قوي ومباشر على الحالة المزاجية للإنسان وعلى تصرفاته، فالحرارة المرتفعة تجعل الشخص أكثر عصبية وتوترا يؤدي به الى ارتكاب الجرائم، أو السلوك العنيف كارتفاع معدلات الطلاق في هذه الأوقات وخاصة إذا كان مفتقدا للوازع الأخلاقي او التوازن النفسي السوي نتيجة ارتفاع افرازات الادرينالين. فيما يساعد البرد على هدوء الأعصاب؛ فتكثر جرائم السرقة والسطو والاحتيال.
وقد يصاب بعض الأشخاص ذوي المزاج الحساس في فصول الشتاء والخريف وفترة مابين الفصول بالاكتئاب والرغبة في الانعزال عن الآخرين أو الرغبة غير المبررة للبكاء، ويرجع بعض المتخصصين هذه الانعكاسات الى ما يسببه طول الليل وقصر النهار في فصل الشتاء من شعور بالغموض أو الوحدة وعدم النشاط. كما تؤدي فترة العواصف والرياح؛ الى تشتت المزاج لدى البشر الذين تميل شخصيتهم إلى الصفاء والتركيز والنظام وهذا مايشعرون بعكسه في فترة إثارة الأتربة والعواصف، ما يؤدي بهم إلى الشعور بعدم التركيز وتشويش الأفكار وردود أفعالهم الغاضبة بشكل مفاجئ ولاشك أيضا ان الطقس والظواهر المناخية تؤثر بشكل كبير على بيئة العمل والإنتاج، وأكثر تلك الأعمال تأثراً هي الأعمال الزراعية في الحقول، وكثافة الضوء وحركة الهواء والحرارة، تؤثر كثيراً في النشاط الإنساني، خاصة عند إنجاز الأعمال التي تجري داخل المباني. كما يؤكد الباحثون المتخصصون، فضلا عن تأثيرات الطقس المتباينة على الملبس والمسكن والحالات المعيشية، وفي الثقافة، خاصة الشعر والفنون.

المناخ طبائع الشعوب
مبكرا جدا، ربط العلماء بين المناخ وتأثيراته الجغرافية على طبائع الشعوب وسولكها النفسي والاجتماعي، ومنهم أرسطو طاليس (384-322 ق.م) في كتابه "السياسة" حيث ربط بين المناخ والجغرافيا من جهة وبين طبائع الشعوب. وكذلك أشار ابن خلدون (1332-1406م) في مقدمة كتابه المعروف" العبر وديوان المبتدأ والخبر "، الي أثر المناخ في طبائع الشعوب. وكذلك فعل جان بودان (1530-1596م) بين طبائع الناس والمناخ، حيث اعتبر أنّ أهل الأقاليم الشمالية الباردة قساة مخاطرون، بينما يتّصف أهل الأقاليم الجنوبية الحارّة بالمكر والأخذ بالثأر، أمّا أهل الأقاليم المعتدلة فهم أكثر فطنة ونشاطاً ولديهم القدرة على القيادة.
وعبر شارل مونتسكيو في كتابه: "روح القوانين"، عن هذا الاتجاه أيضا حيث اعتبر سكان المناطق الباردة أكثر قوة وشجاعة وأقل ريبة ومكراً من سكان المناطق الحارة الذين يتّصفون بالوهن الجسمانيّ والسلبية.
وقال " مونتسكيو " فكما نستطيع تمييز أنواع المناخ بخطوط العرض نستطيع بواسطتها أيضا تمييز طبائع الشعوب (وأمزجتها)؛ فالمناخ له تأثير مادي مباشر على الأعصاب والعضلات ومن ثم على تصرفات الناس وأخلاقهم العامة فحيوية الناس تكون أكبر في المناطق الباردة مما يؤدي لنتائج جيدة حيث ينجزون اكثر وتكون لديهم ثقة بإمكاناتهم وشعورا أكبر بتفوقهم وإحساسا أقل بالغيرة والشك والرياء السياسي، أما في المناطق الحارة فتبلغ الحرارة من الارتفاع حدا يصبح الجسم معه بلا حول ولا قوة فينتقل ذلك إلى العقل نفسه فينتج عنه سلبية الأفراد فلا حب للعمل ولا الاطلاع ولا قدرة على إكمال المشروعات الجبارة مع عدم التأثر بالعقاب وميل للاستعباد والخضوع السياسي. والكسل المسيطر على شعوب المناطق الحارة يجعلها تتخذ مواقف سلبية ينتج عنها روح المحافظة والخوف من التجديد في حين يسود حب التغيير والتجديد المناطق الباردة.

المسعودي
كذلك تناول علماء المسلمين هذا التأثير للمناخ على طبائع الشعوب ومنهم أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في كتابه " التنبيه والإشراف" وتناول فيه بابا عن الرياح الأربع ومهابها وأفعالها وتأثيراتها وما اتصل بذلك من تقريظ مصر والتنبيه على فضلها وما شرفت به على غيرها يرى المسعودي أن الربع الشرقي للأرض يتميز بـ: «طول الأعمار، وطول مدد الملك والتذكير وعزة الأنفس وقلة كتمان السر وإظهار الأمور والمباهاة بها، وما لحق بذلك، وذلك لطباع الشمس وعلمهم الأخبار والتواريخ والسير والسياسات والنجوم. وأما أهل الربع الغربي، فـأهله أهل كتمان للسر وتدين وتأله، وكثرة انقياد إلى الآراء والنحل، وما لحق بهذه المعاني إذ كان من قسم القمر.
أما أهل الربع الشمالي الذي تقل فيه الشمس ويغلب عليه البرد فطباعهم وأمزجتهم وأحوالهم تتأثر بذلك. والأكثر من هذا فعملية الفهم والإدراك وطريقة الكلام هي نتيجة حتمية لغلبة مناخ معين في هذه المناطق: «قل مزاج الحرارة فيهم فعظمت أجسامهم وجفت طبائعهم وتوعرت أخلاقهم وتبلدت أفهامهم وثقلت ألسنتهم، وابيضت ألوانهم حتى أفرطت فخرجت من البياض إلى الزرقة ورقت جلودهم وغلظت لحومهم، وازرقت أعينهم أيضاً، فلم تخرج من طبع ألوانهم وسبطت شعورهم، وصارت صهباً لغلبة البخار الرطب ولم يكن في مذاهبهم متانة. وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة ومن كان منهم أوغل في الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاء والبهايمة وتزايد ذلك فيهم في الأبعد فالأبعد إلى الشمال».
وفي ما يتعلق بأهل الربع الجنوبي ويقصد بهم المسعودي اصحاب البشرة الغامقة وسائر الأحابش فإن نوعية الرياح والهواء الموجودين عندهم تؤثر في بشرتهم وطباعهم ونفوسهم: «فاسودت ألوانهم واحمرت أعينهم وتوحشت نفوسهم وذلك لالتهاب هوائهم وإفراط الأرحام في نضجهم حتى احترقت ألوانهم وتفلفلت شعورهم لغلبة البخار الحار اليابس.
ناقل الكفر ليس بكافر هذا رأيه و ان اختلفنا معه
ابن خلدون
قسم ابن خلدون في نظرياته " المقدمة " الأقاليم إلى أقاليم معتدلة وأقاليم منحرفة ويربط بين المناخ كالهواء وأخلاق البشر مدللا على ذلك بسكان السودان، وقال «: "ولما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار واستولى الحر على أمزجتهم وفي أصل تكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم وإقليمهم فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرابع أشد حراً فتكون أكثر تفشياً فتكون أسرع فرحاً وسروراً وأكثر انبساطاً ويجيء الطيش على أثر هذه وكذلك يلحق بهم قليلاً أهل البلاد البحرية لما كان هواؤها متضاعف الحرارة بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر وأشعته كانت حصتهم من توابع الحرارة في الفرح والخفة موجودة أكثر من بلاد التلول والجبال الباردة".
ويقارن ابن خلدون بين سكان السودان وسكان مدينة فاس المغربية. فبينما يميل سكان السودان إلى الطرب فإن سكان فاس يجتهدون في الادخار بسبب الجو البارد الذي يسود في المنطقة: «ولما كانت فاس من بلاد المغرب بالعكس منها في التوغل في التلول الباردة كيف ترى أهلها مطرقين إطراق الحزن وكيف أفرطوا في نظر العواقب حتى أن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة ويباكر الأسواق لشراء قوته ليومه مخافة أن يرزأ شيئاً من مدخره".
ويرى ابن خلدون أن الأقاليم ذات المناخ المعتدل يكون فيها كل شيء معتدلاً بما في ذلك الفكر والتدين وتعج أرضها بالخيرات.

المناخ والشعر
اهتم المفكرين المسلمين بتاثير البيئة المناخية والجغرافية على الانسان في البيئة الصحراوية الحارة وعلى تكوينه الثقافي وكيف انها دفعتهم الى ابداع الخيال الشعري أبو إسحاق الزجّاج وهو ما أورده الجاحظ في كتابه "الحيوان"، حيث نظر أبو إسحاق الزجّاج إلى الظاهرة الشعرية كنتاج للبيئة الوحشية والخلاء التي أدخلت الوسواس إلى عقول ساكني هذه المناطق ودفعتهم إلى إلقاء شعر مليء بالاستعارات والصور الشعرية والخيال واختلاق الأحداث والقصص. ويضيف أبو إسحاق الزجّاج أن تلك الظاهرة يتم توارثها من جيل إلى آخر بين سكان تلك البيئة. لكن أبناء تلك البيئة يحبذون اختلاق القصص ويقدرون من كان خياله/ كذبه أوسع : «ونشأ عليه الناشئ، وربى به الطفل، فصار أحدهم حين يتوسط الفيافي، وتشتمل عليه الغيطان في الليالي الحنادس- فعند أول وحشة وفزعة، وعند صياح بوم ومجاوبة صدى، وقد رأى كل باطل، وتوهم كل زور، وربما كان في أصل الخلق والطبيعة كذاباً نفاجاً، وصاحب تشنيع وتهويل، فيقول في ذلك من الشعر على حسب هذه الصفة… وما زادهم في هذا الباب، وأغراهم به، ومد لهم فيه، أنهم ليس يلقون بهذه الأشعار وبهذه الأخبار إلا أعرابياً مثلهم، وإلا عامياً لم يأخذ نفسه قط بتمييز ما يستوجب التكذيب والتصديق، أو الشك، ولم يسلك سبيل التوقف والتثبت في هذه الأجناس قط، وإما أن يلقوا راوية شعر، أو صاحب خبر.
فالبيئة الصحراوية تختلف عن البيئة الساحلية أو الجبلية والبيئة الريفية تختلف عن الحضرية فعن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: ﴿من سكن البادية جفا﴾ ما يدل على أن أهل البادية أو البدو يمتازون بالجفاء عكس ساكني المدن الذين نجدهم ألطف من الأعراب لما بطباع الأعراب من جفاء أيضا المناطق الجبلية معروف عنها قسوة المناخ نجد سكانهم يتصفون بالذات القوية القادرة على الصبر والمقاومة والاعتماد على النفس، وغيرها أما سكان المدن نجدهم يميلون إلى الانفرادية وسرعة الانفعال وبالتالي ينتج عنها اختلاف العقليات بسبب اختلاف البيئات.
وفي عصرنا الحديث لاحظ العلماء شيوع روح المحافظة والكسل لدى شعوب الجنوب الذين يمارسون لعبة الشطرنج في المنازل والاماكن المكيفة، في مقابل شيوع روح المبادرة والتمرد والنشاط البدني لدى شعوب أوروبا وشمال أمريكا الذين يميلون الى ممارسة الالعاب الرياضة في الهواء الطلق.
ويرجع المتخصصون ذلك الى تأثير الطقس، حيث يدفع الطقس البارد في الدول الغربية الانسان على الخروج والحركة من أجل الدفء والاستمتاع بضوء الشمس، أما في الشرق، فإن حرارة المناخ تدعو الناس إلى الاسترخاء وممارسة أعمالهم وهم جلوس لأن ارتفاع درجات الحرارة قد تمنع الانسان من الحركة المتزايدة حتى لا يفقد الجسم قوته وحيويته ويصاب بالاجهاد الحراري والإرهاق..
و يبقى الجو المعتدل دائما هو الأفضل و ان كان من نظرية خير الامور أوسطها

الأحد، 5 أغسطس 2018

وسائط الاعلام و فطرة المجتمع الاخلاقية

وسائط الاعلام و فطرة المجتمع الاخلاقية
سارة السهيل
 #الاعلام #اعلام #صحف #صحافة #قناة #تلفزيون #برنامج #برامج #سينما #سوشيال_ميديا #فاشيونيستا


الفساد الاخلاقي بأشكاله يتم تمريره في بعض الأعمال الفنية والاعلامية بأشكال مختلفة ليعتاد عليها المجتمع الذي طالما اعتاد الوسطية في أعرافه وعاداته وتقاليده واخلاقياته العامة، وهذه الوسطية جعلته منفتح فكريا وعمليا كما تعودنا بأفلام زمن الجدات والأمهات زمن افلام الأبيض والأسود.
فلم يكن المجتمع في الماضي منغلقا إلى حد التخلف، بل كان مجتمعا منفتحا بحدود أخلاقياته لا تقبل الإفراط والتفريط، ولكننا الان نرى فرقا موسيقية تدعو للرذيلة ومسلسلات درامية ومسرحيات وتحاول تبسيط أي جريمة اجتماعية وغير أخلاقية ويجري تمريرها كأنها شيء عادي وواقعي متجاهلين في ذلك ما تتركه من آثار سلبية تتمثل في زعزعة الاسرة العربية بقيم واخلاقيات سيئة ، لأن هذه الاشكال من الفنون تخالف الطبيعة البشرية والفطرة السليمة.
والمؤسف، اننا قد نجد بعض البرامج الإعلامية تستضيف شخصيات اشتهرت بالأكثر فسادا واجراما، وكأن هذه البرامج تعمل بطرق غير مباشرة على تعزيز هذه الفئة وتحاول ان تجعلها مقبولة لدى المجتمع.
ويتملكني الاحراج من ذكر التفاصيل الا ان الجميع يدرك ما اقصده، ولكننا لا يمكننا بأي حال من الأحوال ان نقف موقف المتفرج الصامت الذي يشاهد الأخطاء ولا يصرخ في مواجهتها ويناهض في إيقاف مدها او استمرارها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس وعلينا ان ننصر الحق  والعدل والفضيلة عبر هذه القنوات والأبواق التي تدخل البيوت ويشاهدها الصغار، خاصة ان الأمم تنهض بالأخلاق كما قال الشاعر:
" انما الأمم الاخلاق ما بقيت ... فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا "
ورغم ايماني بالحب الشريف واهميتة كقاعدة أساسية في حياتنا تهون علينا الصعاب وتحقق وجودنا الإنساني، ولكن قيمة هذا الحب تنجلي في طهره وعفافه وشرفه وقيمه الروحية السامية، وان من قيم الحب أيضا ان نعلمه لصغارنا دون ابتذال ، ومن الحب أيضا ان نربي الولد على كونه رجل المستقبل ولا يمكن ان نقبل ان يتشبه بالنساء او ان تتشبه البنت بالأولاد  في الملبس او طريقة الكلام  حتى لا تضيع ملامح شخصيتهما و خصوصية أدوراهما في الحياة.
وكم هالني ما يتعرض له الأطفال من انتهاك لأدميتهم وخصوصية براءتهم عبر بعض أفلام الكرتون، فقد تابعت على احدى البرامج  على اليوتيوب عملا يمرر بعض المشاهد المخلة في بعض رسومات افلام الكرتون، ومنها مشهد لصبي وهو يضع مستحضرات التجميل ويرتدي فستان إناث، وهذا أمر غير مقبول  خاصة وأن الطفل الطبيعي ، سيعتقد ان هذا الامر طبيعي  وربما يقدم على تقليده ، وكذلك البنت التي ستشاهد مسلسلا للكبار البطلة تتعاطى المخدرات وتمارس تعدد العلاقات  تعتقد ان هذا طبيعي. و السرقة و الكذب و خيانة الوطن و خيانة الصديق و الفتنه و الوقيعه بين الناس و قطع الارزاق و أخذ مال اليتيم و الاستقواء على الضعيف و إظهار المراة انها شر مطلق كل هذا يتم تمريره . 
السؤال .. هل الاعلام يعكس الحالة التي وصل اليها المجتمع من تردي أخلاقي أم ان المجتمع جرى تغيير مفاهيمه الأخلاقية تأثرا بما تبثه وسائط الاعلام من أفلام وبرامج؟
وان كان جواب هذا التساؤل ان الاعلام يجسد المتغيرات الطارئة بالمجتمع وينقل واقعها باعتباره مرآة للمجتمع، ومن ثم فان الاعلام بريئ من جريمة تغيير المفاهيم الاجتماعية الوسطية للأسوأ، فان الاعلام تقع عليه مسئولية اجتماعية واخلاقية بالقيام بدور رئيسي وفعال في معالجة هذه الانحرافات الأخلاقية، بل هو مسئول مسئولية كبرى بقدرته على احداث التأثير والتغيير في المجتمع  من خلال معالجة هذه القضايا واهمية ابراز الفرق بين الرذيلة والتنفير منها والانفتاح بحكمة وتعقل ووسطية محترمة.
وأثناء متابعتي أحد البرامج سمعت ضيفه تقول انها تسعى  الى ان نشر بعض الافكار الغريبة على المجتمع بجعلها فكاهية و مضحكه فتبسط بعين الناس تدريجيا و يستقبلونها  بقبول حسن دون رفض.
السؤال هنا هو :لماذا تريد ان يتقبلها الناس اذا كانت هذه الامور غير فطرية وغير سوية وما هي دوافعها والنتائج التي تتحق من القيام بمثل هذا الدور الذي يغير من فطرة الناس التي تقوم على الحب والتفاهم والتعاون والاخلاق الحميدة؟
ان الاعلام يقتحمنا في البيت والشارع وعلى وسائل التواصل ويبث الأفكار والاطروحات والتي من بينها  المخالف للفطرة الإنسانية السوية والتي تقدم في قوالب جذابة ومفعمة بانسانية كاذبة دون ان تعمل بعض الوسائل الإعلامية  على  فرز الغث من السمين مما نتلقاه . فبعض  هذه المواد الإعلامية السامة قد تلدغ أبنائنا كالثعبان في لحظة غير مواتيه وتشربه سمها ببطء دون ان يدري  فيصبح من الهالكين.
سلم الله مجتمعاتنا من هذه السموم، وانني لأدعو كل صاحب ضمير يقظ ان يقوم بدوره التوعوي للتحذير من مخاطر هذه البرامج وان تفعل التشريعات القانونية التي تجرم وتحاسب منتج أي عمل اعلامي يدمر فطرة الانسان ووسطية المجتمع وقيمه وأخلاقه.

    السبت، 4 أغسطس 2018

    إعمار العراق وتأهيل النازحين مسؤوليتان دوليتان

    لا يغفل عاقل في العالم عن حجم الكوارث التي خلفتها حروب العراق منذ سقوط النظام السابق ان أردنا الا نفتح الدفاتر القديمة لما قبل التغيير، وحجم الأهوال والمصائب التي حلت على هذا البلد المنكوب صاحب التاريخ
    والحضارة.
    فتوالي أزمات الحروب ولعل اخرها الإرهاب الذي اجتاح البلاد على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية داعش، قد حول ارض الرافدين الى ارض محروقة ومنكوبة وتحتاج لعشرات السنين لإعادة الحياة الكاملة اليها.
    ولكن العراق الجريح الصامد يظل بلدا غنيا  بموارده، ولطالما ارسل المعونات للدول المحتاجة ولكن اليوم قد انهكته الحروب والحصار والاحتلال وانواع العذاب والمؤامرات وايضا الفساد، كما ان العراق قد حارب نيابة عن العالم ليدحر الإرهاب الداعشي ودفع من دماء أبنائه البسلاء ما يغني التذكير به، غير ان أبناء العراق النازحين والفارين من جحيم هذه الأرض المحروقة لا يزالون يدفعون ثمن هذا الإرهاب بحرمانهم حتى اليوم من حقوق الانسان  الطبيعية من مأكل وملبس وصحة وتعليم ومسكن يأوي أجسادهم الضعيفة ويحتضنهم من مآسي التشرد والضياع الذي عانوا من ويلاته بجانب حاجتهم الى علاج نفسي يضمد جروح التهجير والفقد والحرمان لأكثر من سبعة ملايين شخص يحتاجون الحصول على المساعدات اللازمة
    للحياة.
     بلد الخيرات و النفط و الماء و الارض الخصبة و المعادن و الذهب، بل ارض العلماء والمفكرين و الأدباء، الارض التي أخذت أهميتها من الحضارات السبع و الموقع الجيو سياسي المميز، فهل اصابتنا اللعنة و غضب الله، ام انها عين اصابت ام ان دروس الوطنية ماعادت تدرس في البيوت و المدارس ام ان الياس تملكنا، فلم نعد نكترث نبايل، ام انها مؤامرات امتزجت بالفساد؟ انا لا افهم بالسياسة ولن اجزم بشيء و إنما ما يهمنا حال الناس و ان عدنا للمستقرين في مدنهم فهم امهات الشهداء او ايتام تركهم ابطال حاربوا من اجل الوطن و ان مررنا بالنازحين و المهجرين من ديارهم فنرى ظلما و بؤسا لمن فر من ظلم الاٍرهاب  فكل هؤلاء متربصون ينتظر ما سيحل بهم و بوطنهم  لست أؤمن بأن المال كل شيء ربما أتكلم بلغة يوتوبيّة الا انني رأيت نماذج من النجاح 
    اعتمدت على الإصرار و الانتماء و الذكاء الذي كان احيانا فطريا، فالإنسان الاول عندما بنى الارض بناها بالسواعد و الابتكار  وان تركت الابحار اليوتوبي قليلا و عدت الى الأموال المطلوبة لاعمار العراق اذا تناسينا موارد الطاقة و النفط و غيرها وأحببنا ان نعتمد على الاخرين او مشاركتهم مثلا بمؤتمر اعادة اعمار العراق فبالرغم من نظرة التفاؤل النسبية بالجهود التي بذلتها الكويت الشقيقة في حشد الطاقات الدولية في مؤتمر إعادة اعمار العراق ونجاحه في تعهدات بمساهمات دولية تقدر بنحو 30 مليار دولار، فان اجمالي هذه المساهمات الدولية لا تفي حتى بنصف الاحتياجات المالية الأساسية لعلميات إعادة الاعمار والتي تقدر بنحو88.2 مليار دولار  وفقا لما أعلنته وزارة التخطيط العراقية بالاستناد الى دارسة أجراها خبراء عراقيون ودوليون، وقياسا على حجم الدمار الذي خلفته عمليات الحرب ضد
    داعش.
    فاذا كانت تكلفة اعمار المدن العراقية المدمرة نتيجة العمليات العسكرية تزيد عن 88 مليار دولار فان حصيلة 30 مليار دولار لا تسد الرمق الرئيس من احتياجات العراق الأساسية في عمليات الاعمار، ولذلك فان من أولىي ان تسد الولايات المتحدة الأمريكية هذا النقص الكبير من الدعم لأنها هي من قاد عمليات تدمير العراق مباشرة او غير مباشرة، فمن جاء لإنقاذ الشعب وإصلاح  احواله لا يجدر به استخدام الأساليب التدميرية من فتن و دمار يعلمه الحميع ، فكان لزاما عليها ان تتحمل العبء الأكبر من جهود اعمار هذا الوطن
    المنكوب.
    بل ان حجم الـ 88 مليار دولار نفسه يبقى صغيرا قياسا على ما شهدته الموصل من تدمير على ايدي الذين احتلوها ودمروها تدمير يعجز وصفه لذلك فلا غرابة ان نجد ان بعض المختصين العراقيين يرون ان الموصل لوحدها تحتاج الى مئة مليار دولار لإعادة اعمار مساكنها الصالحة لإعادة توطين النازحين منها 
    والفارين.
    وفي تصوري أيضا ان بقدر ما يحتاج العراق لدعم مالي لجهود إعادة تعمير مدنه المدمرة فانه يحتاج أيضا الى تعاون دولي في مجالات تطهير المساكن والأرض من الألغام والمتفجرات التي زرعها تنظيم الدولة الإسلامية في الشوارع
    والمنازل.

     ضرورات إنسانية
    في تقديري ان الازمات النفسية العصيبة التي عصفت بالنازحين والمآسي التي عاشوها ولايزال بقاياها قائما يحتاج أيضا الى تضافر دولي من متخصصين دوليين في علوم النفس وإعادة التأهيل لحياة سلمية نفسيا وجسديا 
    ومعنويا.
    ولذلك، فان عمليات إعادة الاعمار لابد  من أن تضع  في أولوياتها البعد الإنساني خلال عمليات إعادة الاعمار لتعويض ما عاناه النازحون من مآس تقشعر لها الابدان وتدمى لها القلوب، فالمؤسسات التمويلية لا ينبغي ان تركز في عملها على إعادة اعمار المناطق المتضررة من الحرب فحسب، بل ينبغي ان تراعي ضرورة مساعدة النازحين في توفير حياة آمنة وكريمة لهم من تعليم وصحة وإيجاد فرص عمل لمواجهة كوارث البطالة في صفوفهم .
    ولعله من اهم الجوانب الإنسانية التي ينبغي لجهات التمويل الدولية مراعاتها هي الإسراع في طرح مبادرات لقروض صغيرة تمكن النازحين من العمل بسرعة في مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر يكون عائدها الاقتصادي سريعا ويلبي احتياجات الانسان الضرورية والاساسية.

     إعادة التأهيل
    بالطبع فان هناك حاجات ضرورية في اعادة اعمار المناطق المنكوبة بالعراق وتعويض من خسر بيته ولا مأوى ولا مال له من المظلومين الذين  لم ينتموا او يستقبلوا او يشجعوا داعش والارهابيين، غير ان إعادة الاعمار لابد من ان تكون منظومة شاملة تغطي اعمار المدارس والزراعة والصناعة والمباني الحكومية والمستشفيات وهيئات الموظفين والمهن، ولكن لا تخرج عن الضروريات أيضا اعادة اعمار نفسية الناس من الداخل وعلاج مشكلاتهم النفسية الناتجة عن الكوراث التي عاشوها.
    فهناك اكثر من 2.6 مليون مشرد عراقي لا يزالون في المخيمات بسبب تدمير منازلهم، ومخاطر الألغام، والبطالة، والمشكلات المحلية.
    ورغم عودة اكثر من  3 ملايين عراقي الى منازلهم  فانه كما يرصد المختصون نحو 70 في المئة من أولاد المدارس لم يلحقوا بالدراسة عاماً دراسياً واحداً على الأقل وما زالوا ينتظرون إعادة دمجهم في النظام التعليمي، بينما قد أجبر  نحو مليون منهم على دراسة المناهج التعليمية لـتنظيم داعش خلال فترة الاحتلال، ويحتاجون الى إعادة التأهيل خاص
    جدا.
    ولاننسى أبناء الطائفة الأيزيدية التي تكبدت من المخاسر و الآلام النفسية ما لا يمكن وصفه، افكر دوما كيف يمكننا الاعتذار من كل أبناء الوطن، لا سيما المسيحية الذين اضطروا للهجرة، فكيف نعيدهم لأراضيهم المنكوبة و منازلهم المنهوبة فبدون نسيجنا المتكامل، لا يكون  العراق عراقنا، فخروج مكون من مكوناتنا سيهدم الفسيفساء الوطنية المترابطة. 

    أولويات الحياة  
    المسكن الصالح للعيش و فرص عمل تدر الدخل و مدارس و مراكز تأهيل نفسي
    لا سيما ان بعض الاهالي ممن هدمت منازلهم مازالوا يعيشون مهجرين 
    ومع شدة الحاجة لإعادة الاعمار والتأهيل للنازحين الذين يفوق تعدادهم 7 ملايين نسمة ، وان التعهدات الدولية بالمساعدات خلال مؤتمر المانحين بالكويت لم تزد عن 30 مليار دولار، فان هناك تخوفات لدى المانحين من سوء إدارة هذه التدفقات المالية ووضعها في نصابها الصحيح، مما قلص نسبة التعهدات المالية الي هذا القدر غير الكافي لإعادة الاعمار بسبب مشكلات الفساد في العراق، وفشل المؤسسات الحكومية حتى الآن في علاجها والقضاء 
    عليه.
    أتصور ان مبررات الجهات المانحة لها كل الحق في مخاوفها من مشكلات الفساد المستشري بالعراق والذي يجب ان يوليه كبار القادة في البلاد أهمية قصوى لاقتلاعه من جذوره مع ضرورة اقتلاع الفتن الطائفية التي تزال تلقي بظلالها من آن لاخر على هذا الوطن
    الجريح.
    فمحاربة الفساد تسهم بشكل كبير في اقناع واستقطاب الجهات المانحة بما يعود بالنفع علي البلاد، في زيادة التدفقات المالية التي من شأنها انعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل ومكافحة
    البطالة.
    وفي تقديري ان التحدي الرئيس الآن امام المسؤولين الشرفاء في البلاد يكمن في دقة ونزاهة اختيار الكفاءات الإدارية ذات المواصفات العالمية لتولي الاشراف على عمليات إعادة الاعمار وذلك للحفاظ علي هذه المنح الدولية من تؤول الى أهل الفساد ويخسرها الشعب العراقي الأكثر احتياجا اليها اكثر من أي وقت مضى ..
    واعتقد اذا تمت عملية الاشراف بنزاهة على هذه المنح الدولية وصرفها في أوجهها المشروعة وفق انضباط اداري سيؤدي اكتساب ثقة المانحين بما يحفزهم الحقا الى تقديم المزيد من الدعم في عمليات إعادة 
    الاعمار.

    الأربعاء، 25 يوليو 2018

    التفكك الأسري و المجتمع

    الأنانية وغلبة مزاجية الطاووس على النفس البشرية تدمر أسمى ما في العلاقات الإنسانية من وشائج وميثاق غليظ خاصة في العلاقات الزوجية التي تنهار بفعل انانية أحد طرفي معادلتها وشراكتها وانتصارأ لهوى النفس ورغبتها في ان تكون لها الغلبة والسيطرة على حساب سلامة الأسرة وأمنها الاجتماعي والنفسي والنتيجة الحتمية هي التفكك الاسري.

    ان زماننا المعاصر يشهد ارتفاعا غير مسبوق في نسب الطلاق - الغير مبرر- في الدول العربية وما يستتبعه من كوارث التفكك الاسري وتدمير الصغار او تشردهم. نسبة ٧٠٪؜ طلاق تستدعي التساؤل عن الأسباب هل اصبح ٧٠٪؜ من الناس سيئين و لا يُطاق العيش معهم ام اصبح ٧٠٪؜ من الناس قليلي الصبر و التحمل سريعي الانفعال و اتخاذ القرارات، ام ان طرق الزواج و اختيار الشريكين لبعضهم البعض اختلف عما قبل عندما كان الاختيار مبني على الود و الرحمه و التفاهم ، بينما حاليا يتم الاختيار وفقا لمصالح مشتركة و معايير مادية و احيانا تعصب و عنصرية تفرض الزواج من الاقارب او جنسية معينه حتى لو لم يتم التفاهم و التواد و التوافق بين الزوجين 

    كل ما ذكرت من اسباب أدت للطلاق هي بالأساس باب من أبواب التفكك الاسري لدي قناعة بأنه ليس بالضرورة المسئولية تقع على الرجل -كما تدعي بعض النساء- فهناك ايضا سيدات صعبات المراس كئيبات المزاج ، غير لطيفات المعشر يعشقن النكد و التسلط و الشك و يمارسن هواياتهم بالقال و القيل و يظلمن الزوج و اهله فيصبح الطلاق هنا حل مشروع للفرار ، بعد محاولات إيجاد حلول و تواصل و تفاهم باءت بالفشل .

    وأرى انه كما الطلاق سيء، فان الحياة مع هكذا نماذج اسوء ، لان الأضرار بالنفس و تعذيبها حرام و الحياة لا تقف عند غلطة يمكن تصحيحها ، فأنا ضد الطلاق لاسباب ليست جوهرية ، و ضد الاستمرار في الحياة الزوجية رغم عمق المشاكل ، فالزواج يجب ان يقوم على روابط قوية من ضمنها السعادة و العيش بكرامة .

    ان المجتمعات العربية في الأزمنة السابقة ، تمسكت بالمؤسسة الزوجية حفاظا على سلامة الاسرة والمجتمع ككل من التشظي والانقسام، وان كانت هذه المحافظة تحققت على حساب حقوق المرأة وحريتها وكرامتها وعزتها، وعندما نالت المرأة في العصر الحديث حظا اكبر من التعلم واكتسبت المزيد من خبرات الحياة وفهم معطيات وتحديات حاضرها، فانها لم تعد قادرة على تحمل ما كانت تتحمله اسلافها في الماضي من صبر على انانية الزوج واهتمامه بنفسه على حساب مسئوليات أسرته.

    كما ان بعض الرجال مازالوا عند محطات اسلافه القدامى لم يغادروها متصورين ان كل ما يفعله من باب ان الذكر يحق له كل شيء سيكون كما كان بالسابق مقبولا بالاكراه لدى بعض النساء اللواتي لم يحظين بفرص التعليم و الوظيفه والاعتماد على النفس او على الأقل الاعتماد على أسرة تحترم كرامة المراة و تستقبل بناتها عند اللزوم. 

    والخلاصة انه في حالات عدم تفاهم الازواج و توافقهم فان طرفي المعادلة داخل المؤسسة الزوجية لا ينظر الا لهواه الشخصي وحقوقه ومكتسباته الشخصية بمعزل عن حقوق الطرف الاخر وايضاً الأبناء في حياة مستقرة آمنة تحت جناحي الأبوين او تفريق باحسان وبالتراضي بين الأطراف على طرق رعاية الصغار وتوفير رعاية كاملة لهم في بيت الام او بيت الجدات في بيئة حاضنة آمنة ومستقرة نسبيا تعوضهم فقدان مظلة الأبوين.

    غير ان الأبناء ضحية انفصال الابوين في ألفيتنا الثالثة يعانون الأمرين لان مفهوم الجدة الحاضنة قد تقلص بشكل كبير، فقد تكون الجدة في محافظة بعيدة عن عمل الام او الاب، بينما الأم تتولى رعاية أبنائها في الوقت الذي هي فيه مشغولة بعملها في الخارج، او العكس عندما تؤول حضانة الصغار للأب فانه يكون مشغول بعمله كما لم يعتاد الرجل في مجتماعاتنا الاهتمام بالاطفال سواء عمدا او دون قصد ، فالأطفال الضحايا حيث يفتقدون لحقوقهم في الحاجة للاحتضان والرعاية النفسية الكافية لتنشئتهم اجتماعيا بشكل سوي.

    وقد يتعرض هؤلاء الصغار لصنوف عديدة من العنف الابوي او المجتمعي فيتحولون مع الوقت الى قنابل اجتماعية موقوتة تنفجر في وجه المجتمع بأسره في شكل سلوك اجرامي عنيف كنتيجة حتمية لما لاقوه من قسوة وتصدع اسري، خاصة عندما يحاول الأب الانتقام من الأم او العكس او يسعى احدهم لحرمان الاطفال من الام او الاب فتتحول حياة الصغار الى جحيم.

    عوامل أخرى للتفكك

    غير ان التفكك الاسري في زماننا المعاصر قد ساهم في انتشاره وتوسعه عوامل عديدة ومنها هجرة الاب للعمل خارج وطنه فيفقد الأبناء الإحساس بالأمان والاستقرار، ومنها انتشار الحروب في منطقتنا العربية وفقدان الأب بالموت خلال هذه الحروب او اثناء التهجير، ومنها انشغال الابوين اما بالعمل او الاصدقاء والتحرر بعيدا عن مؤسسة الاسرة الحاكم بضوابطها الاجتماعية، ناهيك عن انتشار الازمات المالية التي تهدم الكثير من الاسر نتيجة عدم التوصل لحلول عملية لها في ظل اختناق المنطقة اقتصاديا بفعل الحروب وعدم الاستقرار الاقتصادي.
    ويلعب صراع الأدوار بين الابوين ولمن تكن له السطوة على المؤسسة الاسرية دورا كبيرا في تفشي ظاهرة التفكك الاسري، حيث يتنافس كلا الابوين على قيادة السفينه وما يولده ذلك من مشكلات تولد غضبا جما وعصبية وتوتر تؤثر سلبا على الأبناء، وهذا ما يدخل في نطاق التفكك الأسري المعنوي، حيث ينطبق على الأسر التي تعيش تحت سقف واحد، لكن أفرادها يعانون من غياب جسور التواصل فيما بينهم .

    ولاشك أيضا ان ثورة تكنولوجيا الاتصال والعالم الافتراضي الذي صنعه لنا الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قد جعلت الافراد داخل المؤسسة الاسرية بعيدون عن بعضهم نفسيا وروحيا في ظل انشغالهم لساعات طويلة ينسى كل واحد فيهم مسؤولياته وواجباته تجاه الاسرة.

    آثار وخيمة
    لاشك ان الجو العائلي المشحون بالتفكك الأسري سواء بالطلاق او التقصير او الهجرة او الخلافات الاسرية وغيرها تسبب في آثار اجتماعية ونفسية وخيمة على فلذات الاكباد الصغار الذين يتقلص شعورهم بالأمان والاستقرار داخل الأسرة والمجتمع معا، وقد يؤدي ذلك أيضا الى تراجع منظومة القيم الأخلاقية لديهم ليصبح أي سلوك اجرامي أمرا مشروعا من وجهة نظرهم.
    كما يؤدي انعدام شعور هؤلاء الأطفال بالأمان الى اصابتهم باضطراب وقلق دائمين ونزوعهم للعنف والعدوان نتيجة غياب احد الأبوين، او المشاكل المتكرره بين الأبوين وقد يتحولون بسهولة الى أطفال شوارع، وهو ما أكدته الدراسات العلمية المتخصصة في هذا الشأن، حيث أثبتت هذه الدراسات وجود علاقة وثيقة بين تشرد الأطفال والتفكك الأسري، وأوضحت أن أغلب الأطفال الذين كان مصيرهم الشارع، كانوا في الأساس يعانون من التفكك الأُسري.
    فالتفكك الأسري يصيب افرادها بالإحباط واليأس، مما يخلق لديهم شعور بالنقمة على المجتمع ويطلق مدافع انتقاده وسهام اللوم الجارح بحق المجتمع، بل ان الازمة تتطور لديهم بالتمرد على كل القيم الاجتماعية من حب ومودة واحترام وتعاون ومساعدة للآخرين .

    الوعي والانقاذ
    ان التفكك الاسري بمثابة خنجرا مسموما في قلب المجتمعات فهو سلاح فتاك لتدمير المجتمع التي تشكل الأسرة احدى نواتها الأساسية، ولذلك فان المجتمع لابد وان يعي خطورة هذا الخنجر المسموم ويسعى لاستخراجه وبحث سبل العلاج من امراضه.

    وفي تصوري ان الوعي الثقافي والمجتمعي يشكل ركيزة أساسية لتجنب وقوع هذه الظاهرة المؤسفة، وهذا الوعي لابد وان يتشكل لدى الابوين قبل إتمام زفافهما وتكوينهما لعش الزوجية، فكلاهما لابد وان يتسلح بثقافة الاسرة المستقرة ومقومات نجاحها وبقائها وهذا في تقديري أيضا مرهون بتخلي اطراف المؤسسة الزوجية عن العناد والانانية والتشبه بإبليس في غواية النفس والانتصار لرغبتها الجامحة في السيطرة والقهر، وعليهم بالتخلي عن الانانية والتمسك بقيم الصبر واعلاء شأن الحوار والتفاهم من اجل الحفاظ على المؤسسة الأسرية.
    واتصور اننا بحاجة لاعلاء قيمنا الروحية والدينية التي تنتصر لمؤسسة الاسرة وضرورة الحفاظ عليها من الانهيار من خلال تعلم فنون التعامل بالحسنى، والتغاضي عن عيوب الاخر وسعي الابوين بإخلاص لتقوية العلاقة بينهما بعيدا عن العنف، والتواصل مع الأبناء والحوار معهم واسباغ الحنان عليهم وحل مشاكلهم.
    وتقع على المجتمع بمؤسساته التثقيفية والتعليمية والتربوية والإعلامية والدينية مسئوليات كبيرة في التوعية بأهمية الاسرة في حياتنا والحفاظ عليها حفاظا على العقد الاجتماعي الثمين حتي لا تنفرط حبات لآئلئه الثمينة هباء في الأرض.
    وانني أدعو الاعلام بكل وسائطه ان يقوم بالدور الأكبر في مهمة تثقيف الأسرة والمجتمع عبر البرامج التربوية والاجتماعية والدينية، كما ان الاعلام مطالب بالقيام بدور فاعل لنشر الوعي بضرورة الترابط الأسري والتربية الصحيحة من خلال الدورات المجانية والبرامج التلفزيونية.