الأحد، 31 مارس 2019

تلوث مصادر المياه العربية كارثة تدمر الإنسان والحيوان

 يجيء احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للمياه سنويا في 22 من مارس الجاري لإبراز أهمية الحفاظ على المياه وحسن إدارتها وإثارة الوعي بالحفاظ عليها وحسن إدارة مواردها تحقيقا لأهداف التنمية المستدامة بضمان إتاحتها للجميع بحلول عام 2030.


وفيما قدرت الأمم المتحدة عام 2010، الحق فى الحصول على مياه شرب مأمونة ونقية، وخدمات الصرف الصحى، هو حق من حقوق الإنسان ولا بد منه للتمتع التام بالحياة وبجميع حقوق الإنسان، فإن هذا الحق لا يصل إلى الملايين من البشر لغياب المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي نتيجة انتشار التلوث في البحار والأنهار والمحيطات بفعل التدهور البيئى وتغير المناخ والنمو السكانى والصراعات والنزوح القسرى وتدفقات الهجرة.

ولما كان الماء هو مصدر الحياة لكل المخلوقات الطبيعية كما قال الله تعالى في محكم كتابه "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" صدق الله العظيم، حيث يعد الماء بأنواعه العذب المكوّن الأساسي لتركيب مـادة الخلية الحية في الإنسان والحيوان والنبات، فإن تلوث مصادره، وما تخلفه من أمراض تنتقل من الماء إلى كل الكائنات الحية.

وقد زادت معدلات تلوث المياة في البحار والأنهار والميحطات بشكل متنامي بعد الحرب العالمية الثانيـة، نتيجـةً لزيادة الإنتاج الصناعي ومخلفاته من الأحماض والمعادن والقلويات والأملاح والزيوت بجانب المخلفات الإنسانية أو النباتية أو الحيوانية أو المعدنية أو الصناعية أو الكيماوية التي تُلقى أو تُصبّ في  المجاري المائية  كالبحار أو البحيرات أو الأنهار أو المياه الجوفية.

ويتخذ تلوث المياه  أشكال مختلفة ـ كما ذكرها العلماء المختصين، ومنها  استنـزاف كميات كبيرة مـن الأوجميلجين الذائب في مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار مما أدى إلى تناقص أعداد الأحياء المائية. وكذلك زيادة نسبة المواد الكيماوية في المياه مما يجعلها سامة للأحياء.

ويتسبب نمـو الجراثيم والطُفَيليّات والأحياء الدقيقة بالمياه تقليل قيمتها كمصـدرٍ للشـرب أو ريٍّ للمحاصيل الزراعية، أما مياه البحيرات المالحة فقد تلوثت هي الأخرى بالزئبق والزرنيخ والنحاس وغيرها، بينما انتقل التلوث إلى المياه الجوفية بفعل تسرب مياه المجاري ومياه الصرف إليها وما تحتويه من الميكروبات ومركبات كيماوية، تكسب المياه الجوفية رائحة كريهة ومذاقا غير مستساغا.
وانتقلت عدوى التلوث بدورها إلى المحيطـات والبحار نتيجة تنظيف البواخر وتسرب زيت النفط  في المحيطيين الهادي والهندي، وهو ما يؤدي إلى تكوين طبقة عازلة تمنع التبادل الغازي بـين الماء والهـواء، فتمنع وصول الأوجميلجين إلى الكائنات البحرية ويصيبها بالأمراض وقد يتسبب في نفوقها وتلف النبات.

وكما يؤكد العلماء، فإن البحار مسؤولة عن إنتاج نصف ما يحتاجه الإنسان من الأوكسجين، وتساعد على إيجاد التوازن الغذائي لثاني أجميليد الكربون، وأي تلوث في هذه البحار يؤثر في إنتاجها للأوكسجين ويخل بالتوازن البيئي.
 
تلوث المياه العربية
تتعرض العديد من البلدان العربية لكوارث بيئية تلوث مائها خاصة نهر النيل في مصر والأنهار في لبنان والعراق  تتسب انتشار الأمراض ونفوق الأسماك والكائنات البحرية الضرورية لاستمرار التوازن البيئي، وناهيك عن النقص الحاد في المياه الضرورية الصالحة للشرب والزراعة.
 
الأمرض المعوية والكبدية
ففي مصر تعددت مصادر تلوث شريان الحياة نهر النيل نتيجة القاء الناس مخلفاتهم المنزلية والحيوانات النافقة في النيل، ومصادر صناعية ناتجة عن طرح المصانع مخلفاتها بما تحتوبه من مواد سامة في النهر بما يؤثر سلبا على سلامة  الكائنات البحرية وأيضا المحاصيل الزراعية التي تروى بماء النيل.

وهناك مصادر زراعية  للتلوث تنتج  عبر استخدام  المبيدات الزراعية والأسمدة الكيماوية في  التربة وهذه العناصر تتحلل في باطن الأرض وتصل لمياه نهر النيل فتلوثها بالعديد من المركبات السامة كالتيتانيوم والمنجنيز. بجانب نمو بعض أنواع النباتات السامة في المياه، مثل نبتة وردة النيل السامة والضارة، وهي تتكاثر وتنمو بسرعة وتستهلك جزءا مهما من مياه النهر وتسبب في انتشار العديد من الأمراض مثل البلهارسيا والملاريا الكبدية، كما يعرض الثروة السمكية للموت، وخاصةً التي تتغذى على العوالق البحرية والنباتات.
 
السرطان وانعدام الطحالب
ففي لبنان أظهرت دراسة أجرتها مصلحة الأبحاث الزراعية، أن مياه لبنان بمعظمها ملوثة بنسب متفاوتة، تلوثا جرثوميا وكيميائيا وبالمعادن الثقيلة ومنها الزئبق السام، ووصلت  نسبة التلوث في بعض الشواطىء خاصة الصناعية نسبة 100%، ومنها بيروت وعكار وبعض مناطق الجبل والبقاع" .

ويطال التلوث مختلف الأنهار والشواطىء ومنها  نهر الكلب وانطلياس وبيروت والليطاني والبردوني والغزيل.

وكشفت الدراسات ايضا عن ان  تلوّث نهر الليطاني (يستفيد منه ثلث اللبنانيين) وبحيرة القرعون بلغ حد عدم إمكانية لاستعمال مياههما سواء للريّ أو الشرب. رصدت هذه الدراسة التي أعدها المجلس الوطني للبحوث العلمية بلبنان وجود 4 مصادر للتلوّث، هي النفايات المنزلية والمخلفات الطبية، ومياه الصرف الصحي، فضلاً عن المنشآت الصناعية التي تطرح نفاياتها الملوثة بالمبيدات والمخلفات المعدنية في حوض النهر، بجانب المبيدات الكيماوية الزراعية غير القابلة للتحلّل وتصل للأنهار.

وتوجد، بحسب الدراسة ذاتها ـ في بحيرة القرعون ثلاثة أنواع من الجراثيم البكتيرية الخطيرة من نوع Cyanobacteria ظهرت للمرة الأولى عام 2007، وتتغذّى من النترات والفوسفات وتفرز سموماً وتقضي على كلّ أشكال الحياة، فيما أكدت التجارب العالمية التي أجريت عليها صعوبة التخلّص منها. وهو ما أدى إلى انعدام وجود الطحالب في القرعون بعدما كان يوجد نحو 160 نوعاً منها، كذلك تراجعت أنواع الأسماك من 110 أنواع إلى نوع واحد. فيما تراكمت الرسوبيات في قعر البحيرة. وتسبب هذا التلوث في ظهور وارتفاع نسبة الإصابة بمرض السرطان وسط سكان هذه المنطقة.
 
كما ترددت اخبار عن رمي المخلفات الطبية الملوثة في الأنهار و البحار مثل الحقن الطبية وغيرها مما ينقل الجراثيم و الأمراض بخطر شديد على البشرية
التسمم ونفوق الاسماك

أما حال التلوث المائي في العراق فقد بلغ مستويات شديدة الخطورة، خاصة بعد انخفاض منسوب المياه، عقب إقامة السدود التركية والإيرانية والتي أدت إلى ارتفاع نسب التلوث في نهاية الأنهار، مما تسبب في تسمم آلاف الحالات إثر تلوث مياه الشرب في محافظة البصرة.
كما شهدت العراق في الأشهر الأخيرة ظاهرة نفوق الأسماك بشكل لافت للنظر، وكشفت منظمة الصحة العالمية عن سبب ظاهرة نفوق الأسماك، والمتمثل في ارتفاع نسب المعادن الثقيلة والأمونيا والبكتيريا القولونية (coliform bacteria) في مياه نهر الفرات.
 
ناهيك عن رمي المخلفات الصناعية او مخلفات المطاعم اضافة لعدم وعي المواطنين بالحفاظ على نظافة النهرين

اضافة لما مرت به العراق من حروب و تلوث حربي كان من الممكن إنقاذ ما يمكن انقاذه من البيئة
انقاذ حياتنا

لما كان الماء بأنواعه عذب ومالح هو اساس في استمرار حياتنا على الكرة الارضية، فالمحافظة على نقائه وتوزانه الطبيعي يمثل ضرورة لحياة الانسان، ولكن بعد ان و قعت الفأس الرأس ـ كما يقال في الاثر الشعبي ـ وتلوثت مصادر المياه فليس أمامنا سوى معالجة الامر و محاولة تنقية المياه و تنظيف الأنهر و البحار والمحافظة على ما تبقى من مياه صالحة للاستهلاك الادمي، ومحاولة انقاذ المياه الملوثة بمعالجتها باحدث النظم العلمية العالمية، مع العمل الحازم لوقف استمرار مصادر تلوث المياه ووضع قوانين صارمة و عقوبات مشدده لمن يفعل مثل هذه الأفعال
وفي تقديري ان الحكومات خاصة فى بلادنا العربية التي ارتفعت فيها نسبة الملوثات في المياه لدرجات مخيفة، مطالبة بالاسراع في وضع خطط واسترتيجيات قصيرة وطويلة الاجل لانقاذ ما يمكن انقاذ في حياتنا المائية، على ان تكون هذه الخطط جاهزة للتطبيق الفعلي على الارض لتؤتي ثمارها بأسرع وقت وهو ما يستلزم معه سن تشريعات وطنية حاسمة ورادعة لكل ما يمس الامن المائي من التلوث.
   
تغيير الثقافة
في تقديري ان مشكلة تواجه البشر تنبع من سيطرة رؤى وافكار تدفعه لاستغلال الطبيعة ومياهها لتحقيق مكاسب مادية سريعة، وهذه الرؤية قد اهلكت الطبيعة وانهكتها وقد تقضي على أية احلام في التنمية البشرية مستقبلا كما في الزراعة .

وهنا اتصور ان المجتمع الانساني بعامة والعربي بخاصة في اشد الحاجة الى تغير رؤيته الثقافية وفلسفتها في التعاطي مع الطبيعة ونعمة مياهها، لتتحول الى نظرة اكثر رفقا بلامياه واكثر محافظة عليها من نظرة الاستغلال الاقنصادي والمكسب المادي السريع الذي يفتك بالبشرية والكونية وخيراتها.

فالحكومات العربية، مطالبة بتبني فلسفة ترعى صحة الانسان قبل ان ترعى منظومة اقتصاده، هذا يعني وقف اي نشاط اقتصادي من مصانع وغيره بجوار مجاري الانهار والبحار ، ونقل ما هو قائم من هذه المصانع الى اماكن بعيدة عن الانهار، و الاسراع بممارسة رقابة مشدد على المصانع التي لا تقوم بمعمل معالجات صحية لمخلفاتها الصناعية وتشديد العقوبة على مخالفيها.

ونشر الوعي الثقافي الكامل عبر كل وسائل الاتصال الحديثة والقديمة كالمؤسسات التربوية والتعيلمية والدينية والرياضية بأهمية الحفاظ على المياه من التلوث وشن حملات توعوية باهمية النظافة في المجتمع الاسري بصفة عامة، والوعي بمخاطر القاء مخلفات المنازل  ومخلفات الانسان او النبات في مياه الانهار والبحار، وشن حملات توعوية اخرى لعدم إلقاء المواد البلاستيكية في المياه وتوضيح نتائجه الضاره حيث تقتل الأسماك والطيور.

وإيجاد توصيـلات لنقل المياه الملوثة مـن أماكن تواجدها إلى المنخفضات مع الإكثار من حملات التشجير التي لا تحتاج إلى ري بالماء إذ إنها تصل بجذورها إلـى المياه الجوفية الموجودة فـي باطن التربة.

ولابد للحكومات العربية ان تمارس دورها الرقابي على المزارعين وتحدد أماكن رشّ المبيدات التي تستعمل للمحاصيل الزراعية في الاماكن البعيدة عن البحيرات و السدود والقنوات والأنهار.
وفي تقديري ان ازمة تلوث المياه تمثل كازمة انسانية عامة لابد وان تتعاون فيها الشعوب والحكومات معا في انقاذ ماء الحياة، ومن ذلك التعاون في معالجة مياه الصرف الصحي قبل أن تصل إلى المسطحات المائية، وكذلك التخلص من النفط ومخلفات السفن في الصحراء عن طريق الحرق، بعيد عن طرحها في المسطحات المائية حفاظا على مياه البحر وثروته السمكية وكائناته البحرية.

وكذلك التعاون في مجال إعادة تدوير النفايات بدل من إلقائها في مياه البحر، ومنع  تصريف المياه الحارة الناتجة عـن المفاعلات النووية أو مراكز التحلية أو توليد الطاقة، إلى الأنهار والبحار، وهو ما يتطلب عقد اتفاقيات دولية لتحقيق هذا الهدف الضروري.


الأربعاء، 20 مارس 2019

عياد الربيع فرحة بالخصب والنماء وسط تغير مناخي كارثي

 تحتفل العديد من شعوب العالم في الحادي والعشرين من مارس الجاري بأعياد الربيع، حيث الاعتدال المناخي وتفتح الازهار، وخروج الانسان والحيوان وكل الملخوقات من كآبة الشتاء وقسوة طقسه، الي الطبيعة ودفئها وعبيرها وحريتها وانطلاقتها بعد بياتها الشتوي.


وتتنوع مظاهر احتفال الشعوب بأعياد الربيع وهي اعياد قديمة ومتوارثة عبر الحضارات بحسب معطياتها الثقافية والتراثية، سواء فى مصر الفرعونية أو فى بلاد مابين الرافدين العراق وسوريا أو فى  إيران وفى آسيا الصغرى (تركيا) وفى باقى دول آسيا الوسطى الإسلامية. وكذلك هو فى الأجندة الغربية الرومانية.

فالربيع  كان اهم أعياد السنة  لدى الشعوب قديما باعتباره رمزا لأمان الطبيعة ورمز لجلب خيراتها حيث الخصب والنسل والألوان. ولذلك مثلت  بداية الربيع هى بداية السنة لدى عدد من الأقوام القديمة وعلى رأسهم البابلييين الذين اشتهروا بعلوم الفلك والآشوريين الذين كانوا اول من احتف بالنيروز عيدا لرأس السنة الشمسية.
 
الاضطربات المناخية
غير ان هذا الاعتدال المناخي السنوي للربيع باعتباره فصال يقع بعد انتهاء الشتاء بظلمته وبرده، وبين الصيف اللاحق بحرارته القائظة، قد تغير موعده ومظاهره خلال السنوات الماضية حيث ارتفعت درجات الحرارة فيه لنسب غير مسبوقة في السنوات القليلة الماضية، بينما جاء  الربيع هذا العام  قبل موعده بأسبوعين في بعض مناطق العالم، ويجيئ للبعض الاخر من دول العالم ومنها منطقتنا العربية مصحوبا ببرودة في الطقس وكأننا لا نزال نعيش في الشتاء.
فما الذي حدث لفصول السنة من تغيير؟ وما هو التغير المناخي وكيف يربط المتخصصون هذه التغيرات في الفصول بالتغيرات المناخية والكوراث البيئية؟ وهل سيأتي يوما يختفي فيه فصل الربيع بطقسه البديع والوانه الزاهية وتفتح ازاهيره؟
تعر ف التغيرات المناخية بأنها اختلاف المناخ الذي اعتدنا عليه، وهو ما تجلى في اختلاف بداية الفصول عن مواقيتها الرسمية، فأصبح فصل الصيف أطول مما اعتدنا عليه، وفصل الشتاء أقصر بكثير من الماضي، أما فصل الربيع فباتت درجة حرارته مرتفعة ليلا ونهارا على عكس المتعارف عليه.
فظاهرة تغير المناخ تعني اختلاف في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والمتساقطات التي تميز كل منطقة على الأرض، ويؤدي حجم التغيرات المناخية الي حدوث تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية.
وهذا قد يفسر لماذا بدأ الربيع مبكرا في مصر هذا العام، بحسب ما أكده المتخصصون في المناخ والارصاد الجوية، موضحين ان الربيع يوم 13 مارس في مصر، في سابقة مناخية لم تشهدها البلاد  من قبل، بينما نشعر في الاردن ببرودة الطقس  في هذا التوقيت، وذلك  بفعل التغيرات المناخية.
لأول مرة يأتي فصل الربيع في مصر بدون هبوب رياح الخماسين، وهي ظاهرة معروفة منذ أيام الفراعنة، بجانب ظواهر ارتفاع شديد في درجات الحرارة يعقبها انخفاض موازي في درجة الحرارة مباشرة نتجة تداخل الفصول.
الدراسات الحديثة كشفت عن ان الاحتباس الحراري الناجم عن التغير المناخي سيؤدي الى حلول فصل الربيع قبل ثلاثة سابيع من موعده الاعتيادي في العقود المقبلة في الولايات المتحدة، من الجانب نفسه قال مكتب الأرصاد الجوية البريطاني في تقرير إن درجات الحرارة القياسية وتغير الأنماط المناخية في محيطات العالم من بين المؤشرات التي تؤكد انتهاء فترة هدوء في الاحترار العالمي.
فيما قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إن العام الماضي كان الأكثر حرارة منذ بدء تدوين مثل هذه السجلات في القرن التاسع عشر وشهدت دول منها صربيا وبنجلادش وباكستان وجنوب افريقيا والمغرب والبرازيل فيضانات عارمة.
كما أثبت العلماء ان تغير المناخ يؤثر على نمو النباتات، مع بداية النمو في فصل الربيع، في وقت مبكر من كل عام، وحتى الآن.
هذا يعني ببساطة ان العالم يعبش كوارث بيئية لابد وان يتكاتف في ايجاد حلول عملية سريعة لمواجهتها، وهذا ما بدأ بالفعل، ولكن علي أيدي ناشطين صغار من طلاب المدراس في مناطق مختلفة من العالم، حيث نظموا أكثر من 1600 فعالية في اكثر من مائة دولة احتجاجا علي تغير المناخ وكوارثه، وانطلقت اولي  في 15 مارس الجاري بخروج آلاف التلاميذ في إضراب مدرسي عالمي ضد تغير المناخ في نيوزيلندا لحث الحكومة على اتخاذ إجراءات ضد التغير المناخي.
 
احتفالات الربيع
وبالعوة الي احتفالات العالم بأعياد الربيع نجد انها احتفالات قديمة ومتوراثة ومتواصلة حتي اليوم، فلا يزال النيروز لدى العراقيين بكل طوائفهم   عيدا رامزا لضوء الصباح يحتفلون به في أشكال مختلفة منها حضور الحفلات والصالونات الثقافية ومشاهدة البرامج التثقيفية وأكل الحلويات العراقية الشهيرة.
أما  الشعب الكوردي، فيحتفل بين 18-21 مارس وينطقونه ( نوروز) ويعتبرونها أحد الأعياد القليلة القديمة التى ظلت حتى الآن يحتفل بها. وترتدى النساء فيه ثيابا شديدة البهجة وتضع أغطية رأس ملونة زاهية  بينما يلوح الشباب بأعلام ملونة أمام النار التى يوقدونها بقية من تراث قديم.
كما ان لأكراد يعتبرونه عيدا قوميا وطنيا ويصفونه بعيد الربيع وعيد الارض، حيث بدأ الكرد في هذا اليوم تقويمهم.  فهذا اليوم عند الكرد قد اتحد فيه أسلافهم الأكراد وثاروا  ضد القوة العظمى الممثلة بالامبراطورية الآشورية والتى كانت آنذاك هى المسيطرة على المنطقة كلها من فارس وحتى فلسطين وقام أحدهم ويدعى " كاوه" وقبض على عنق الملك "ضحاك" الشرير الظالم، فى يوم رأس سنة 612 قبل الميلاد بعد أن اخترق الحرس ودق رأسه بشاكوش وجره بعيدا عن العرش  فانهارت المملكة الاشورية وانتصر الكورد وحصلوا على استقلالهم و(أضرمت نار عظيمة فوق الجبال) ومازالت النار الكبيرة من معالم الاحتفال الكردى بالمناسبة.
وفى أفغانستان يحتفلون بالنوروزو شعبيا لمدة أسبوعين ويبدأ التحضير له بعد آخر أربعاء قبل رأس السنة، ومثل باقى الشعوب يقوم الأفغان والأكراد والتركمان والقازاق والإيرانيون وباقى الشعوب بنتظيف البيوت تنظيفا دقيقا، وذلك اعتقادا بأنه  قد تزورهم ارواح ذويهم الموتى فيعرفون أنهم على أحسن حال.
ترتدي هذه الشعوب جميعا الثياب الجديدة البهيجة ويتزاورون ويتبادلون الهدايا ويتناولون مأكولاتهم الشعبية القديمة الخاصة بكل منهم وان كان يغلب عليها أنواع الطعام الفارسية التى توضع على طاولة الطعام ويحرص أن تحتوى على7 أصناف تبدأ بحرف السين فتسمى (السبعة أو هفت سين) وبينها القمح والتفاح والبودنج وغيرها. وفى افغانستان يضعون السبعة من الفواكه المجففة بينها الزبيب والمشمش فى شراب واحد.
اما عيد الربيع في مصر يعود تاريخه الي 2700 سنه قبل الميلاد، وهذا يعنى أن عمره إلى الآن 4700 سنه مما يجعله اقدم عيد شعبي بالربيع يحرصون فيه علي الخروج للحدائق العامة والمتنزهات، كما تتجمع الأسر والأصحاب والعائلات لقضاء يوما اسريا جميلا.
كان الفراعنة يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان أو بدء الخلق للعالم، ولذلك أطلقوا عليه اسم "عيد شموش" أي بعث الحياة، وحُرِّف الاسم على مر العصور، حيث تحول في العصر القبطي إلى "شم"، ولارتباط العيد ببداية موسم اعتدال الجو وطيب النسيم فقد أضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله ليصير عيد شم النسيم أو عيد الربيع.
وتشير البرديات بأن قدماء المصريين كانوا يقيمون احتفالاً رسمياً وكبيراً بهذا العيد "بعث الحياة"، فيجتمعون قبل الغروب أمام الهرم من الناحية الشمالية ويترقبون قرص الشمس وهو يتجه للغروب مقترباً تدريجياً من الهرم، وبادياً للناظرين وكأنه يعتلي قمته وتبدو واجهة الهرم حينئذ كما لو أنها منشطرة نصفين جراء اختراق أشعة الشمس لها.
ويتوارث الشعب المصري الاكلات الفرعونية مثل البيض، والفسيخ (السمك المملح)، والخَس والبصل الأخضر، وكل من هذه الأطعمة كان له معنى ومدلول عند قدماء المصريين، إذ يرمز البيض إلى خلق الحياة، ويرمز البصل لديهم إلى إرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، فيما كان الخس من النباتات المقدسة.
واعتبر الفراعنة أن تناول الفسيخ (السمك المملح) في هذه المناسبة يعبر عن الخصوبة والبهجة ورمز للخير والرزق.
وفى سلطنة عُمان (بضم العين ) يحتفل  بتحضير خلطة معينة يعتقد أنها تحمى الإنسان باقى العام من الأمراض والعين .
ويحتفل التركمان فى كركوك العراقية وفى تركمنستان فى الحارات والأزقة بغناء الأطفال مع حمل المشاعل  فى الشوارع وعلى اسطحة المنازل، كما يكسرون الجرار (وراء العام الفائت) إيذانا ببدء عام جديد مع الفرح وزوال الحزن.


الثلاثاء، 19 مارس 2019

اطفال العراق بعد داعش مسؤولية انسانية عالمية

 دفع الطفل العراقي  ولا يزال يدفع فاتورة الاطماع السياسية الدولية والفتن الدينية والعرقية دون وجود مؤشرات حقيقة على وقف نزيفها الدامي، وامام مشهد عالمي مخزي يقف العالم متفرجا على هذه المآساة الانسانية.


هذا الطفل البرئ اكتوى مبكرا باليتم، و ذاق مرارة الحرمان من منزله الآمن وتشرب كأس النزوح عن موطنه الى المخيمات، ناهيك عن تعرضه لانواع مختلفة من الأذى النفسي، بل والتعذيب او الاعتداء الجسدي وغيرها من مواجع لا نقدر نحن الكبار على تحمل جزء منها كأطفال اليزيديين و المسيحيين و اطفال الموصل و غيرهم .

ففرارهم من قراهم بعدما شاهدوا بأم أعينهم  الجثث تملأ الشوارع والدماء يكسي كل مكان، بينما تتساقط القنابل كزخات المطر فوق منازلهم، فأي خوف قد تملكهم بعد هذه الجرائم الوحشية؟ لاشك ان كل مشاعر الخوف والفزع قد أصابتهم في مقتل فصاروا نهبا لكل انواع الكوابيس المفزعة حتى بعد رحيل داعش.

ولا شك ان غياب البيئة الآمنةالمحتضنة لاطفال العراق، وتعرضهم لانتهاكات صارخة جعل منهم قنابل موقوتة قد تنفجر في وجه المجتمع العراقي والاقليمي، بل والدولي في أي وقت مالم تتضافر جهود الحكومة العراقية ومؤسساتها مع مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الدولية في وضع خارطة طريق عملية لاحتواء ضحايا العراق من الاطفال.

واليوم بعد دحر ارهاب داعش، فان معالجة اوضاع اطفال العراق يجب ان تكون لها أولوية لانها مرتبطة بمستقبل العراق القريب، وأي تجاهل لاوضاع هذه الطفولة البائسة يعني تدمير مستقبل العراق نفسه.

الواقع العراقي يعكس حقيقة وجود ملفات عديدة شائكة تخص الطفولة من بينها من يسمون بأشبال الخلافة، بعضهم تعلّم القتل والذبح والاغتصاب، بعضهم الآخر وُلد في مناطق الإرهاب، وغُسلت أدمغته، وهو ما يتطلب الاسراع في معالجتهم نفسياً وتأهيلهم للاندماج في المجتمع حتى لا يتحولوا الى  خلايا نائمة تهدد أمن  واستقرار العراق مجددا.

فاطفال داعش تم استغلالهم بوحشية بدفع الى ساحات القتال بتأثيراتٍ من ذويهم الذين خدعوا بشعارات  داعش، وبعضهم الآخر ولدوا في الجبهات من زيجات غريبة أو من عمليّات اجبارية وسبيٍ وغيرها.

هؤلاء الضحايا من الاطفال يعانون، كما تذكر المؤسسات الاقليمة المتخصصة من امراض نفسية خطيرة منها اضطراب الكرب الحاد، "اضطراب الشدة النفسية مما يدفع بعضهم الى تكرار مُحاولات الانتحار.

فالعنف الذين نشأ وتربى عليه هؤلاء الاطفال الابرياء سواء كان عنفا فكريا عبر غسل ادمغتهم او عمليا تسبب في  تشوه القيم الفطرية للسكينة والسلام  لديهم، فلذلك فانهم غالبا ما يلجأون الى العنف في  معاملتهم مع الاخرين بعد ان شاخت مشاعرهم قبل الآوان من هول ما تعرضوا له.

وفي تقديري، فان المؤسسات المتخصصة في العراق يجب ان تبدا بعمليات غسيل أدمغة موازية خلال معالجاتها لافكار هؤلاء الضحايا من الصغار، سواء من خلال مفكرين قادرين على اعادة صياغة فكر هؤلاء الصغار او رجال دين وسطيين بعيدين كل البعد عن مفاهيم المذهبية والطائفية، وكذلك معالجين نفسيين واجتماعيين وتربوين متخصصين في هذا المجال من العلاج النفسي واعادة التأهيل الاجتماعي.

ولأن أعداد هؤلاء الاطفال الضحايا كبيرة جدا، في مقابل قلة عدد الاخصائيين  النفسيين والاجتماعيين، فان العراق في أشد الحاجة الى المساعدة الدولية من كافة المؤسسات المتخصصة في حقل الطفولة، بجانب حاجة العراق ايضا الى ميزانية مادية للانفاق على برامج وعمليات معالجة هؤلاء الضحايا من اضطربات ما بعد الصدمة حتى لا تنتقل عدوى عنفهم واضطراباتهم السلوكية العدوانية الى باقي اطفال العراق.

وفي تقديري ان أزمات أطفال العراق تتطلب تعاون انساني دولي باعتبارها كوارث انسانية، ومن ثم فانه يجب إعادة تأهيل الأطفال والنساء بوصفهم ضحايا داعش، وهو ما يستدعي سرعة تحرك الجهات المختصة   لحل هذه الكارثة الانسانية، وان تتعاون مع الحكومة العراقية في وضع برنامج لاعادة تأهيل هؤلاء الضحايا وتتولى الاشراف عليه وتدعمه ماديا ومعنويا لحماية حقوق الاطفال التي جزء اصيل من حقوق الانسان في حياة أمنة.

الثلاثاء، 12 مارس 2019

‎في يوم المرأة تحية للنساء العربيات

 * ‎الصامدات بمناطق الحروب وحارسات المقدسات


‎جاءت مشاهد الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس الجاري، والتي بثها الفضائيات  وقنوات التواصل الاجتماعي، عاكسة لمظاهر كرنفالية تارة مثل مشاهد تقديم الورود للنساء في روسيا وايطاليا، ومظاهر احتجاجية تارة اخرى عبرت عنها  حوالي 6 ملايين امرأة إسبانية خلال مسيرتهن للمطالبة بالمساواة في الأجور.

‎بينما عبرت نساء البرتغال  والهند وأندونيسيا في مسيراتهن، عن رفضهن للعنف والاعتداءات الجسدية والتمييز في الوظائف.

وبين الاحتفال الكرنفالي والاحتجاج لاكتساب الحقوق في المساواة وقهر التمييز، قدمت وزيرة الدولة الألمانية لشؤون الأسرة وكبار السن والمرأة، فرانسيسكا جيفى صورة ملفتة للانظار في ذلك اليوم، حيث شاركت عمال شركات النظافة فى جمع القمامة من أمام المنازل.

ورغم ان البعض قد قرأ هذه الصورة على انها اهانة للمرأة في يوم عيدها، الا انني رأيت فيها قيما عليا تتمثل اولا في ان الوزيرة الالمانية عكست صورة المرأة الواعية الاكثر تواضعا، وهو ما يحتاجه عالمنا اليوم لكي يخرج من ظلام التعالي والجبروت، ثانيا انها قامت بخدمة وطنها، وكما يقال في الاثر العربي، ان خادم القوم سيدهم فضربت بذلك أروع نموذج للتفاني في خدمة الوطن. ثالثا، فان قيام الوزيرة الأنثى بجمع القمامة يعني ان المرأة في كل مكان مهتمة  بقيمة النظافة كسلوك حضاري واخلاقي حثت عليه الاديان السماوية جميعا.
 
‎اعتراف
‎وفي سياق قرءاتنا لهذا اليوم أيضا، فان رسالة أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للمرأة 2019، تمثل اعترافا قويا بحجم المظالم التاريخية التي تعرضت لها المرأة في العالم، رابطا بين التقدم العالمي في السلام والامن والتنمية بالمساواة بين الجنسين وإعمال حقوق المرأة.

جاءت دعوة "جوتيريس" بالتصدي للمظالم التاريخية بحق المرأة انطلاقا من واقع مرير يؤكد استمرار الفجوات بين الجنسين في مجال العمل لم يشهد أي تحسن  يذكر منذ عشرين عاما، وذلك تقرير لمنظمة العمل الدولية.

والتقرير نفسه الصادر7 مارس الجاري، يحذر من أن العاملات لا يزلن يخضعن للعقاب بسبب إنجاب ورعاية أطفالهن، مشيرا  إلى أن 1.3 مليار امرأة كن يعملن في 2018 مقارنة بـملياري رجل، وهو ما يمثل تحسنا أقل من 2% خلال الـ 27 سنة الماضية.

في سياق متصل، فان البنك الدولي قد أصدر في 27 فبراير الماضي مؤشر عن دراسة "المرأة، أنشطة الأعمال والقانون، عدد من الإصلاحات" كشف فيه حقيقة ان النساء لا يحصلن سوى على ثلاثة أرباع ما يتمتع به الرجال من حقوق قانونية على مستوى العالم، مما يعوق قدرة النساء على الحصول على فرص عمل أو إنشاء الاعمال واتخاذ قرارات اقتصادية تصب في مصلحتهن ومصلحة عائلاتهن.

وهنا تؤكد كريستالينا جورجييفا القائمة بأعمال رئيس مجموعة البنك الدولي: انه " مازال هناك 2.7 مليار امرأة يواجهن قيوداً قانونية تحول دون حصولهن على نفس الخيارات الوظيفية المتاحة للرجال. وإنه من المهم إزالة القيود التي تعوق النساء ".
 
‎عربيا
‎على الصعيد العربي فان المرأة تواصل نجاحاتها في تقلد المناصب العليا كنائبة برلمانية ووزيرة وسفيرة، كما هو الحال مع الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، التي عينت مؤخرا كأول سفيرة للسعودية في واشنطن ‎وكما تناهض المرأة العربية لتبني ذاتها وتحقق طموحاتها العلمية والعملية في شتى المجالات بشق الانفس، تقف المرأة العربية في مناطق الصراعات والحروب باليمن وسوريا وبالعراق.

المرأة الكردية والعربية ‎صامدة شامخة تبذل جهدها للحفاظ ‎على الوطن، وفي ايجاد لقمة خبز تطعم به اليتامى ومأوى لحمايتهم  في زمن لا يعرف الأمان. اما المرأة في فلسطين فهي حارسة على المقدسات.

‎فتحية عطرة للنساء الصامدات في مناطق الصراعات والحارسات علي المقدسات بالقدس الشريف.

الأربعاء، 6 مارس 2019

الطفولة العربية والمستقبل

 كل الامم والشعوب تزرع أولى أشجار نهضتها او قامة حضارتها المستقبلية انطلاقا من رعاية الطفل عقليا وفكريا وثقافيا، فطفل اليوم هو المستقبل.


ومن خلال انغماسي في شؤون الطفل سواء بالكتابه له او عنه وجدت ملاحظات كثيرة بإمكاننا إنجازها او تجنبها من خلال ما يصدر للطفل من وسائل ترفيه وتعليم عبر وسائل الاتصال ، وليس فقط الاعلام المرئي والمسموع والمقروء.
ففي ظل سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي واقتحامها عالم الطفولة اصبح هناك العديد من التحديات الجسيمة التي تواجه المتخصصين في عالم الطفولة والمهتمين بتنشئة الطفل بعقل وقلب سليم ونفسية صحية.
لو أردنا ذكر اهم الأشكال الفنية الموجهه للطفل وليس حصرا الرسوم المتحركة، الأغاني، قصص الاطفال التي تشمل قصص الحديثه او التاريخيه او التراثيه، وكذلك قصص الخيال العلمي، او التي تحتوي على حكم وأمثال شعبيه ونكت وافيهات؛ كلها تحتاج الى اعادة النظر بمحتواها ومدى تأثيرها سلبا وايجابا في تكوين شخصية الطفل.
كما تشكل افكار الطفل وثقافته معطيات كثيرة منها الألعاب الالكترونية، والبرامج مثل التوك شو ، والبرامج التعليميه والتثقيفية مثل افتح يا سمسم او المناهل في السنوات الماضيه، والقنوات الفضائية المتخصصة التي تبث طوال اليوم برامج متنوعة للطفل، والمواقع الالكترونية الموجهه للطفل، مجلات الاطفال، كتب الكوميكس.
فهذه المعطيات على كثرة تنوعها وأسالبيها في جذب الطفل اليها تشكل خياله وفضائه ورؤيته للعالم سلبيا او ايجابيا، وان كانت المناهج التعليميه من اكثر الوسائل تأثيرا على الطفل باعتبارها الاوسع انتشارا وصولا للطفل عن طريق المؤسسه التعليميه التي من المفترض انها اجبارية وبالتالي تصل لكل بيت.
لا ننسى، في هذا السياق، الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وما يقدم لهم عبر هذه الوسائل ومناقشة الكم والكيف المطلوب للنهوض بحالته الصحية والنفسيه عن طريق ما بقدم له بمراعاة ظروفه وقدراته وتنميتها وتطويرها.
حشو وغياب الكيف
ومن خلال مراقبتي لكل ما سبق وجدت تأخرا ملحوظا بالنوع والكم المقدم للطفل العربي، مقارنة بدول العالم. فالمواد المقدمة للطفل العربي تعاني ترهلا وحشوا غير مبرر بما يقدم للكبار من انتاج فائض بما لا يجدي نفعا و بما يضرالذوق العام و يتسبب في تدني الاخلاقيات والسلوك والآداب العامة.
وذكري لما يقدم للكبار في موضوع عن الطفل ليس اعتباطا، بل لان هذه البرامج اقتحمت عالم الطفولة واصبح الطفل من أوائل المتابعين لها، وربما يعود السبب آلى ان الطفل لم يجد ما يجذبه وما يرضي فضوله وما يتناسب مع زمنه وتطوراته، فطفل اليوم اصبح مطلعا على كل شيء، و واعيا بكل ما يدور حوله فذهب الى ما يقدم للكبار وقفز عن الطفولة بشكل مخيف.
فمن الطبيعي ان يعيش الانسان مراحل عمره بترتيب يتناسب مع ما يمكن ان يحتمله الطفل من قدر العبء والمسؤولية التي تلقى عليه اذا اقتحم عالم ليس عالمه، و بالتالي إنقاذ الطفل من اقتحام عالم الكبار وإعادته للطفولة يجب ان تكون من أوائل الاهتمامات.
وقد يرتبط جنوح الطفال لعالم الكبار بقلة عدد الكتاب والمؤلفين المهتمين بعالم الطفولة في عالمنا العربي، كما ان الاهتمام بكتاب الطفل ضعيف على الصعيد المادي والمعنوي والانتاجي فبالتالي هجر الكتاب الابداع للاطفال وانطلقوا لعالم الكبار كي يستطيعوا تأمين حياتهم اليومية وتحقيق نجاحاتهم.
والشق الثاني المرتبط بعدد الكتاب هو عدد الانتاج وهو مرتبط بعدد الكتاب ومرتبط بشركات الانتاج التي لا تسخى ابدا لاعمال الاطفال. ومن هنا وجب تدخل الانتاج المدعوم حكوميا حتى و ان كان الانتاج موجها فلا ضرر ان كان التوجيه ثقافي واخلاقي وتربوي ووطني بعيدا عن السياسه الا فيما يخص التثقيف السياسي و ليس التوجيه.
كما يجب على المؤسسات الثقافيه المختصة ان تدعم الانتاج للطفل لسد النقص شركات الانتاج الفنية الخاصة والتي لاتهتم الا بتحقيق الارباح المادية فقط، وقد يغري نجاح تجارب الانتاج الفنية الحكومية الموجهه للطفل، شركات الانتاج الخاصة في تعديل موقفها لتدخل معترك الانتاج الفني للاطفال.
العنف والجريمة
أي متابع للاعمال المقدمة للاطفال او التي يشاهدها الطفل في الاعمال المقدمة للكبار يجد واقعا مخيفا، قد تبدأ من سماع الأغاني الركيكة التي تستخف بعقلية الطفل واستخدام الألفاظ والعبارات التي لا ترتقي بالاخلاق والتحضر.
وعلى صعيد المشاهدة، فان المواد المعروضة على الطفل تحتوي مشاهد وافكار تحض على العنف وتحفز علي الجريمة وارتكابها، ناهيك عن افكار شيطانية تعبر عن رفض الاخر وعدم قبوله.
ويلاحظ ايضا التناقض الكبير بين افكار رفض الاخر في هذه الاعمال الفنية وبين تكريس الانفتاح علي قيم اجتماعية لا تتناسب مع قيمنا الاخلاقيه التي تقرها كل الديانات الموجودة على ارض بلاد العرب بمقاييس وسطية.
وكذلك التركيز على التراث في بعض المواد الفنية تسبب في وجود فجوة بين الماضي والحاضر لدى الطفل العربي فجعله حائرا هل هو ابن الماضي و كيف يمكن له الاندماج مع الحضارة والتمدن الذي يعيش ألفيته الثالثة؟
فطفل اليوم يفتقد لقيم القدوة الصالحة، ولا يجد لها في لسان الحال واقعا في زمنه، وما يطرح من قيم القدوة الصالحة لا يراه الا في معطيات الماضي، ومن ثم فان مثل هذا الاعمال الفنيةالتي تقدم صورة المثال والقدوة الصالحة رغم أهميتها فانها تقدم رساله للطفل بأن يبقى في جلباب التاريخ ومن ثم فانه يفقد الأمل في المستقبل.

واذا ما عرجنا على البرامج الدينيه، فاننا نجد ان بعضها يحث على التعصب والعنف والتشدد، في الوقت الذي نحتاج فيه تماسك مجتمعي تجمعه الوطنيه والهوية والمواطنة بعيدا عن ثقافة الكره والعداء والتكفير، حتي نستطيع العيش في سلام ونحفظ حريات الاخرين.

فثقافة العنف التي يتعرض لها الطفل العربي تدخل في كل شيئ يعيشه اليوم بما فيها الألعاب الالكترونيه التي باتت أضرارها تكشف رويدا رويدا بدءا من اهدارها للوقت مرورا بادمانها وتحريضها علي اكتساب العنف وممارسته وصولا للقتل.

وفي تقديري، فان الاعلام الذي يخاطب الطفل لابد وان يقوم برسالته كاملة في الارتقاء بالطفل، من حيث الخيال الجمال والابداع، وخلق روح المرح بداخله، وتنمية الفكر والمواهب، وتكريس قيم المواطنة والانتماء، والحث علي اكتساب المعرفة و التزود بالعلوم السلوك والآداب العامة. كما انه مطالب بغرس قيم الضمير لدي الناشئة لكي يفرقوا بين الخير والشر، مع التوسع في البرامج التي تنمي القدرات العقلية وتنشط الذكاء والعقل الذكاء والذاكرة.