الاثنين، 29 يوليو 2019

غياب الاب عن الطفل يصنع قنبلة انسانية موقوتة

 تعاني مجتمعاتنا العربية في السنوات الاخيرة من غياب ملحوظ لوجود الأب داخل المؤسسة الاسرية، اما نتيجة الحروب والنزعات المشتعلة في المنطقة والتي حصدت أوراح الكثير من الرجال، او بسبب الطلاق الذي تزيد معدلاته بشكل سرطاني مخيف.


لاشك ان الاسرة يتوافر فيها مقومات الصحة النفسية من وجود الاب والام معا ورعايتهما للصغار يسهم بشكل ايجابي وكبير في التنشئة السليمة والتربية القويمة للأبناء خلال مراحل نموهم العقلي والنفسي والوجداني والاخلاقي.

وعند غياب احد اطراف معادلات الاسرة من اب او أم، فان ميزان التنشئة التربوية سوف يصيبه الخلل، خاصة وان توافر الابوين يشعر الصغار بالامان النفسي والثقة وتقدير الذات وكلها عوامل مهمة في التنشئة الاجتماعية الصحية.

ورغم اهمية وجود الام المعروف بحنانها وعطفتها الجياشة على الصغار، الا ان وجود الاب لاغنى عنه داخل المؤسسة الأسرية، فوجود الاب ضروري للصغار في عملية التقويم السلوكي والتربوي،وفي بعث مشاعر الطمأنينة والامان ويحد من شعور الطفل بالعدائية، بجانب ما يمثل الاب من قدوة يحتذيها الصغار ومن خلال توجيه الاب للأبناء عبر النصح والارشاد وتقويم الاخطاء يتشكل الضمير والمثل الاعلى لدى الطفل.

أما غياب الأب عن الطفل بشكل دائم، فانه ـ كما تؤكد الدراسات العلمية المتخصصة ـ يؤدي الى إعاقة فى النمو الفكرى والعقلى والجسمى، خاصة فى الفئة العمرية التى تتراوح ما بين الثانية والسادسة، يصعب على الطفل رؤية الحياة وفقاً لجنسه فى حال غياب الأب ، لذلك نجد الطفل المحروم من الأب أكثر حساسية فى مشاعره ويعاني من التردد في سلوكه والالتباس في تحديد دوره الذكوري او الأنثوي ، حيث يستمد الطفل الذكر صفات الذكورة من الأب فى ملبسه وطريقة كلامه ومعاملته للآخرين، بينما يساهم الأب فى تعميق شعور الفتاة بدورها الأنثوى، عن طريق معاملته المميزة لابنته عن إخوتها الذكور، مما يرسخ شعور الأنثى لديها ويدعم تقبلها لذاتها والنجاح في تحقيق التوافق النفسي والإجتماعي، ويعلمها الحياة و يضعها على طريق النجاح المهني كما يعلمها ما يجب أن يكون عليه سلوكها مع زوج المستقبل.

أثر الغياب
ويحدث غياب الاب بالطلاق أو بالوفاة شرخاً مؤلما فى نفسية الطفل يتواصل معه مدى الحياة، حيث يشعر الطفل أنه فقد أباه الذى يحبه بدون أى ذنب، وان أباه قد تخلى عنه مما يجعله ساخطا على الحياة وعلى والده نفسه الذى تخلى عنه.

ينشئ الطفل المفارق لابيه بالطلاق بمشاعر أكثر عدائية وانفعالاً وغضباً، بينما يصاب الطفل الفاقد لأبيه بالموت، بالانكسار والحزن الدائم ويميل إلى العزلة ويشعر بالنقص دائماً.

وتتعدد الآثار السلبية لغياب الأب لدى الأطفال، حسبما توصلت اليه الدراسات العلمية، حيث يؤثر حرمان الطفل من حنان أبيه وعطفه، في نموه ثقافته وشخصيته، ويعاني الطفل من انعدام التوازن العاطفي عند الطفل وتولد صراعات نفسية، كما يؤدي هذا الحرمان الى الاضطرابات السلوكية والجنوح، وضعف الثقة بالنفس وأقل التزاماً بالنظام، وقلة الانتباه والتركيز وضعف تحصيلهم الدراسي.

سن الخطورة
حدد بعض علماء النفس السن الخطرة في عمر الطفولة التي يؤثر غياب الاب عن الطفل بالسلب في الاثنتي عشرة سنة الأولى من عمره، حيث قام العديد من العلماء بإجراء دراسات ميدانية على مجموعات متنوعة من الأطفال ذوي الأب الغائب. أعطت العالمة الأمريكية سيرز، مجموعتين من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 3- 5 سنوات عدداً من الدمى فكان الأطفال ذوو الأب الغائب أقل شجاعة وسلوكاً مغامراً من أولئك ذوي الأب الموجود، كما أبدوا سلوكاً ذكرياً واختاروا دمى ذكرية الصفات أقل من أقرانهم ذوي الأب المتواجد.

كوراث مستقبلية
ووجد العلماء ايضا ان الأطفال ذوي الأب الغائب أقل رغبة من المبادرة أو المغامرة وكانوا أكثر اعتماداً على غيرهم وأقل اندماجاً في الألعاب أو الرياضيات الجسمية.

وهكذا نجد ان الطفل المحروم من وجود الاب يحرم من فرص المباشرة لتنمية سلوكه الاجتماعي وصقله. وتشير دراسة علم النفس ـ في هذا الصددـ بأن الطفل ذا الأب الغائب، يواجه فعلياً صعوبة كبيرة في عملية تطور سلوكه الاجتماعي العام. وجد جولدستابين مثلاً أن أطفال هذا النوع أقل استقلالية وأضعف قدرة ذاتية على ضبط سلوكهم الفردي. وأضاف آخرون بأن غياب الأب كان سبباً في وجود مشاكل سلوكية وخلقية لدى بعض الأطفال, بحيث تميز سلوك هؤلاء العام بالفجاجة ( عدم النضج ) والعصبية والانحراف، وإن ثقتهم بغيرهم من الأطفال كانت غالباً متزعزعة أو ضعيفة ربما لتعودهم خلال غياب الأب أن يثقوا بالكبار من النساء دون الرجال.

والخلل النفسي للطفل فاقد ابيه، يفتقر الى القدرة على اكتساب مهارة التوقيت في الحياة اليومية في مقابل سرعة اكتسابه عادات عمل سيئة أو غير نظامية، بجانب وجود علاقة بين حالات غياب الأب وارتفاع نسبة ارتكاب السرقة أو الجريمة من قبل الأفراد في بعض المجتمعات العالمية.

ولاحظ فريق من الباحثين بأن غياب الأب قد يزيد من القلق النفسي والاضطراب العاطفي لدى الأطفال كما أن هناك ارتباطاً بينه وبين بعض حالات الانتحار والشعور بخيبة الأمل بوجه عام.

الام ومسئولية التعويض
لاشئ يمكنه تعويض غياب الاب، ولكن يمكن التخفيف من أثاره نسبيا من خلال الدور الكبير التي تقوم به الام في تعويض النقص الذي يصيب الابناء بغياب ابيهم، وذلك عبر ذكائها في تقديم نموذج بديل للاب ممثلا في الجد او الخال وأحد الاقارب الذي يرتاح اليه الطفل.

كما ان ملازمة الام للصغير تحقق قدرا من الامان اللازم لتعويض الاب شروطة ان يمتزج حنان الام وعطفها بالحزم في المواقف والقيم الاخلاقية الثابتة التي يتربى عليها الطفل لتنشئته اخلاقيا واجتماعيا بشكل صحي وسليم.

فدور الام هنا يبدو مهما في التعويض عن الاب الغائب، ولذلك اوصانا رسول الله صل الله عليه وسلم بذلك قائلا في حديث شريف له: "المرأة أحق بولدها مالم تتزوج"، وقد ثبت أن الطفل الملتصق بأمه يكون نموه الجسمي والعقلي والنفسي أسرع من غيره الذي لايجد ملازمة امه.

ويمكن للمؤسسات التعليمية والدينية من مساجد وكنائس وفرق الكشافة ان تقدم اشكالا من الرعاية النفسية والتربوية والصحية للطفل فاقد أبيه. ولكن يبقى عامل مهم في تجنيب صغارنا ويلات الازمة النفسية، ويقع على عاتق الاب والام معا من خلال تخليهما عن العناد والكبر وتجاوز الانانية، بتجنب الطلاق واقامة حوار دائم لحل المشكلا ت بينهما لحماية الكيان الاسري من التفكك والانهيار والحفاظ على السلامة النفسية والاجتماعية للصغار من ان يتحولوا الى قنابل نفسية موقوتة تنفجر في وجه المجتمع في اية لحطة.

الخميس، 25 يوليو 2019

التنمر وباء قاتل

 يموج مجتمعنا الانساني المعاصر بأمواج متلاطمة من ثقافة العنف الذي يأخذ اشكال متعددة وخرج من رحمها الارهاب والتنظيمات الدولية المختلفة، وقد تستطيع الدول مكافحة ارهاب هذه المنظمات الدولية بصعوبة بالغة.


وقد يستعصي على الدول مواجهة اشكال العنف المتنامي في المجتمعات خاصة وانه عنف مجتمعي يترجمه سلوك الافراد وبعض الجماعات ومتشرب من السلوك المجتمعي الخاطئ في التنشئة الاسرية وفكر تسلط الكبير على الصغير والقوي على الضعيف مما أوجد ظاهرة التنمر، والفهم الخاطئ للقوة.

فهذه الظاهرة العدوانية تجتاح العالم شرقا وغربا وتتنامى بفعل تأثير القرية الكونية التي يمارس فيها العنف الاليكتروني والفكري والبدني والنفسي ايضا، رغم اننا جميعا نخرج من رحم أمهاتنا كائنات شفافة طاهرة بريئة حتى يتولى الابوان تربيتا ومن ثم المجتمع المحيط ، فنمتص كالاسفنجة كل ما في البيئة الاسرية والاجتماعية من اشراقات او ظلمات.

ومع طغيان المادية والثقافة الاستهلاكية في عالمنا المعاصر زادت احتياجات هذا العصر، فبات لا يرضى الانسان بالقليل ويسعى لتطوير قدراته المادية بأية وسيلة، وانشغل الابوان في تحقيق ذواتهما مهنيا وماديا ولم يبق لديهما الوقت الكافي للاسترخاء والهدوء النفسي، وحملا بضغوط عصبية ونفسية شديدة نتيجة انهماكها في معترك الحياة والنجاح فيها وسط قسوة وقهر مجتمعات الاعمال.

والنتيجة ان الابوين يفرغان طاقتهما المشحونة بالغضب والارهاق النفسي على صغارهما، ويتعاملان معهم بالعنف السلوكي الفوقي بين الاوامر والنواهي الغليظة دونما استخدام طاقة الحب السحرية في التربية او الرحمة في الازمات، ونتاجا لذلك يكتسب الطفل ثقافة العنف والعند كرد فعل للغلظة التي يصادفها اما في مجتمع الاسرة او
مجتمع المدرسة او المحيط الاجتماعي الذي يستقوي فيه الكبير على الصغير.

وقبل ان يشب الطفل عن الطوق يجد ان الثقافة المجتمعية تكرس كلها لمعطيات العنف والعدوان، وهو ما يتجلى في بعض افلام الكارتون والالعاب الاليكترونية المميتة، ناهيك عن الدراما التليفزيونية التي يتابعها الطفل مع ذويه او الافلام التي تفيض مشاهدها بالاجرام والعدوان.

مما ادى الى سوء التربية فتجد الاطفال بلا حب او رحمه او تهذيب فاستسهلوا ردود الأفعال الغير لائقه و تمادوا على أنفسهم بل اعتدوا على غيرهم بالألفاظ و الأفعال من همز و لمز و معايرة و تجريح فتفشت ظاهرة التنمر و اصبحت نوعا من المرح و المزاح و إظهار القوة ظنا منهم ان القوي يتهكم على غيره الا ان الواقع غير ذلك فعلم النفس يؤكد ان الشخص الصحي من الناحية النفسيه لا يمكن ان يؤذي الآخرين بكلامه و افعاله و ان الشعور بالنقص و الدونيه هو الذي يقود الناس للتهكم و السخرية من الآخرين سواء جادين او بحجة المزح و الدعابة

وهذا يؤكد ان التنمر ظاهرة اجتماعية سريعة الانتشار، تقع داخل الاسرة والمدرسة والعمل، ومن ثم فهي تحتاج الى تضافر مجتمعي وطني ودولي لمكافحتها كما تتعاون الدول في مكافحة الارهاب بانواعه، خاصة وان قد تسبب في تدمير الافراد والمجمعات، ومن أمثلة ذلك ان بعض الطلاب في المدراس الامريكية قد بلغ العنف والتنمر في صفوفهم مبلغ حمل احدهم السلاح ليقتل زملائه بالمدرسة.

تعريف التنمر ومخاطره
يعرف التنمر بوصفه سلوكا عدوانيا متكررا يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً، جسديا أو نفسيا من أجل اكتساب السلطة على حساب شخص آخر. وقد ينطلق التنمر من مجموعة قوية ضد مجموعة أضعف لتهديدها وتخويفها وفرض السيطرة عليها.

يأخذ التنمر أشكالا مباشرة متعددة منها الاساءة الجسدية مثل الضرب والركل وشد الشعر والعض والخدش، والنفسي، وقد يعتمد علي التنابز بالألقاب، أو الإساءات اللفظية كالسب أو كلمات السخرية المكتوبة، وكذلك الايذاء النفسي والاجتماعي من خلال الاستبعاد من النشاطات ومن المناسبات الاجتماعية ودفع الضحية الى العزلة الاجتماعية من خلال تجريحه بالنقد الدائم في ملبسه او عجزه او زيادة وزنه، وكذلك اطلاق الشائعات حوله.

ويؤدي تعرض الطفل للتنمر الى مشاكل نفسية واجتماعية خطيرة، ويمكن للاسر ان تتعرف عليها في سلوك ابنائها، ومنها: تراجع المستوى الدراسي وعدم قدرته على الحفاظ على ادواته المدرسية بضياعها أو تلفها، وميل الطفل للانطواء والوحدة وتجنب الاحتكاك بأقرانه وبالمجتمع، بجانب شعوره بالتوتر عند الذهاب لأماكن تجمعه بالناس مثل المدرسة، وظهور بعص الكدمات بجسده، وحدوث خلل في نظامه الغذائي ونومه. وقد يكتسب الطفل الضحية عادات ممقوته مثل الكذب او السرقة او الميل الى السلوك العدواني، وشعوره بالاكتئاب نتيجة الضغط النفسي الذي يقع عليه نتيجة التنمر.

وهكذا يقود التنمر الى كوراث اجتماعية ومرضية وقد تفضي الى الموت، وذلك حسبما ما ذكرت "موناى أومور " الحاصلة على الدكتوراه في مركز مكافحة التنمر، كلية ترينيتي في دبلن، أن هناك هيكل نامي من الأبحاث توضح أن الأفراد، سواء كانوا أطفال أو بالغين والذين يتعرضون باستمرار للسلوك التعسفي، يكونون معرضين لخطر الأمراض المتعلقة بالضغط النفسي والتي من الممكن في بعض الأحيان أن تؤدي إلى الانتحار.

فضحايا التنمر قد يعانون من مشاكل عاطفية وسلوكية على المدى الطويل نتيجة ما قد يسببه التنمر من شعور بالوحدة، الاكتئاب القلق، كما يؤدي ايضا إلى تدني تقدير الذات، وزيادة التعرض للمرض.

هذه الاخطار أكدت عليها أيضا دراسة كندية حديثة، اوضحت أن المراهقين الذين عانوا تنمرا ومضايقات من أقرانهم أثناء فترة الطفولة قد يكونون أكثر ميلا للاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية ممن لم يقعوا ضحية لمثل هذا السلوك.
وأظهرت الدراسة أن المراهقين الذين عانوا من ترويع أقرانهم في الصغر أكثر عرضة بمرتين للاكتئاب وبثلاث مرات للقلق أو الأفكار الانتحارية بالمقارنة بالأطفال الذين لم يواجهوا تنمرا في الصغر.

في السياق نفسه كشف تقرير صادر عن المخابرات الأمريكية عام 2002 ، عن أن التنمر لعب دورا هاما في اطلاق النار في العديد من المدارس، وينبغي بذل الجهود للقضاء على هذا السلوك العدواني.

ورصدت الدراسات المتخصصة في هذا المجال وجود رابط قوي بين التنمر ووقوع حوادث الانتحار سنويا، ويقدر أن ما بين 15 و 25 طفلا ينتحرون سنويا في بريطانيا وحدها، لأنهم يتعرضون للمضايقات.

تشير البحوث إلى أن المتنمرين البالغين يكون لهم شخصيات استبدادية، مع حاجتهم القوية للسيطرة أو الهيمنة.
وكشفت بعض الدراسات عن أن المتنمرين يعانون من أي نقص في تقدير الذات، أو يكونون متكبرين ونرجسيين، وقد يستخدم التنمر كوسيلة لإخفاء العار أو القلق أو لتعزيز احترام الذات عن طريق إهانة الآخرين.

والعام الماضي 2018 ، كشفت إحصائيات حديثة لليونسكو أن ربع مليار طفل في المدارس يتعرضون للتنمر في المدارس من إجمالي مليار طفل يدرسون حول العالم.

وأجريت الدراسة على 19 دولة، وأسفرت نتائجها عن نسب مذهلة منها أن 34% من الطلاب تعرضوا للمعاملة القاسية و أن 8% منهم يتعرضون للبلطجة يوميا.

وأوصت الدراسة بضرورة معالجة العنف المدرسي والبلطجة، كما أوصت بإشراك الأطفال والمراهقين وبناء قدرات المعلمين وإنشاء نظم إعداد التقارير لتحسين جمع البيانات والأدلة

ويواجه عدد من الأطفال ظاهرة التنمر بكل أشكالها النفسية والجسدية، بعضهم سجل موقفه ورفض ما سلط عليه من تنمر عبر إعلام المدرسين والآباء في حين استسلم آخرون لهذه المعاناة وأصيبوا بحالة من الاكتئاب والحزن.

التنمر عربيا
وفي مصر ترتفع نسب الاطفال الذين يتعرضون للتنمر من زملائهم في المدارس وما حولها من بيئة الي 70% من الأطفال في مصر حسبما ذكرت هالة أبو خطوة، مدير قسم الإعلام في مكتب اليونيسيف بمصر، التابع للمنظمة العالمية للأمم المتحدة الطفولة.

وكشفت د. مها المنيف الرئيس التنفيذي لبرنامج الامان الاسري الوطني بالسعودية عن ان 25 %من المراهقين يتعرضون للتنمر، بينما عكست دراسة لمركز الامان الاسري حول "مدى انتشار العنف وسوء معاملة الاطفال في المدارس ان " 47 % من أطفال المدارس يتعرضون للتنمر، وهو ما يعني ان طفلا او اثنين من كل اربعة اطفال
يتعرضون للتنمر.

وكشفت جامعة زايد، خلال حملة توعوية حول «التنمر في المدارس»، بمناسبة يوم الطفل الإماراتي، عن أن نسبة الطلبة الذين يتعرضون للمضايقات كل شهر في دولة الإمارات، تبلغ 31%، وهي أعلى قليلاً من المتوسط الدولي.
وتصل نسبة التنمر في بعض المدراس اللبنانية نسبة 23.9 وفق دراسة حديثة نشرت في احدي المجلة العلمية وشلمت 330 طالباً من ثلاث مدارس في محافظة بيروت.

اما العراق فحصل على اعلى نسب تنمر نسبيا و اعتقد ان السبب في تغير ثقافة المجتمع بسبب الحروب و النزاعات الطائفية و العرقية فعدم الاستقرار الأمني له اثار على بناء شخصية الطفل و شعوره بالامان الداخلي و الرضا مما يجعله ساخطا على كل من حوله و عدم تحقيق الذات يلعب دورا بارزا من وجهة نظري في تبني شعور السخط على كل من حوله اضافة الى الفوضى التي تجعله يشعر بعدم وجود العقاب و اعتقد ان بعض النكات و الفكاهة أدت الى تعزيز فكرة التنمر و تسهيلها على الجاني بحجة الضحك و اللهو فكثرة التنمر يقلل من الشعور مع الآخرين و يقسي القلب و قد لمست هذا بنفسي عندما حاولت مراقبة احوال أفراد و مجموعات من مختلف الشرائح و اكتشفت ان التنمر و المعايرة يقابل بصدر رحب (صوريا فقط ) في المجتمع العراقي مما ادى الى صلافة التعامل بين التلاميذ و استخدام العبارات الجارحة و كأنها لا شيء يذكر

اما في الاْردن فقد لمست من مشاهداتي و زياراتي للكثير من المدارس و المكتبات و تجمعات الاطفال و حتى من شكاوى أهالي الاطفال لي مباشرة بما يعانيه أطفالهم من تنمر يخص احيانا اختيارهم للملابس او وزن الطفل او الفتيات في سن المراهقة عندما تعاني من ظهور حب الشباب و ايضا من يستخدم النظارات الطبية فيتعمد زملائهم التعليق الجارح علو هذه الامور اضافة للتعليق الساخر على مستوى ذكاء الطفل او تحصيله الدراسي كما يحصل احيانا من قبل المعلمات انفسهم ليس فقط الطلاب

ان التنمر ظاهرة انتشرت بين الاطفال بعضهم بعضا او التنمر من قبل بالغ نحو صغير مثلا اهله أو مدرساته
و ايضا التنمر من قبل طفل لم يتعلم الادب و الاحساس مع الآخرين فيتنمر هو على والدته او احد أقاربه او مدرساته اَي من قبل طفل لبالغ او التنمر بين البالغين بعضهم بعضا

يتصيد المتنمر نقط ضعف في الضحية سواء كان منتبها لها ام متعايش معها و يبدا اتخاذها وسيلة لتحقير الشخص بدرجات و وسائل مختلفه مثل ضعف بدني او مشكله نفسيه او إعاقة جسدية او صفات شكلية و خلافها

انواع التنمر
برز مفهموم التنمر مطلع الالفية عندما التفت المجتمع الانساني اليه مؤخرا وهذا لا يعني انه لم يكن موجودا في الامم السابقة، لكن بات اكثر حضورا مع انتشار لغة العنف في البيت والمدرسة والعمل.

والتنمر في المدارس بلغ خطورته ان اطلق الطلبة بعض الاعيرة النارية في احدى المدراس الامريكية ليلفت المجتمع وأجهزته الاعلامية لظاهرة التنمر، خاصة بعد التحقيقات التي قام بها جهاز الخدمة السرية بالولايات المتحدة، وأوضحت أن أكثر من ثلثي المهاجمين في حوادث إطلاق النار في المدرسة، قد شعروا بالاضطهاد والمضايقات والتهديدات والاعتداءات، أو تم جرحهم من قبل الآخرين قبل الحادث.

ولكن قبل التنمر كان التنمر الاسري موجودا في قهر واستقواء كثير من الازواج علي زوجاتهم او العكس وهو ما تشربه الصغار من سلوك عدواني داخل مؤسسة الاسرة، وكذلك التنمر الوظيفي الذي يمارساه بعض المديريين بحق الموظفين وما يدفع بعض الموظفين للعنف كرد فعل مساوي لتنمر المدير.

وهناك التنمر الإلكتروني، وهو منتشر في صفوف المراهقين والشباب المدمنين لوسائل التواصل الاجتماعي، فهم كثيرا ما يتعرضون لهجوم لفظي أو التسلط عليهم وحجر آرائهم، بل وإرسال التهديدات بإيذائه وإيذاء أحد أفراد أسرته عند احتدام الاختلاف بينهم، عن طريق انشاء مدونات لترهيب الضحايا على مستوى العالم.
ويوجد أيضا التنمّر العرقي، وهو التنمّر على عرق أو دين أو لون أو جنس الشخص الآخر، وقد يصل هذا النوع في خطورته الى حدّ القتل.

تفسير علماء النفس
تعددت تفسيرات علماء النفس للسلوك العدواني والتنمر، وفق المدراس المختلفة. فالنظرية السلوكية تنظر الى سلوك التنمر على انه سلوك تتعلمه العضوية، فاذا ضرب الولد شقيقه مثلا وحصل على ما يريد، فانه سوف يكرر سلوكه العدواني هذا مرة أخرى لكي يحقق هدفا جديدا.

فالسلوك العدواني متعلم اجتماعيا عن طريق ملاحظة الاطفال نماذج العدوان عند والديهم ومدرسيهم واصدقائهم وافلام التلفزيون وفي القصص التي يقرؤونها كما ان لاساليب التنشئة الاجتماعية دورا كبيرا كما في توجيهات الوالدين نحو عدوانية اطفالهم، ومشاهدة الاطفال للنماذج العدوانية في وسائل الاعلام، بجانب نزعة التقليد لدى الطفل تنمي لديه العدوان المكتسب.

ثم يقومون بتقليدها، وتزيد احتمالية ممارستهم للعدوان اذا توفرت لهم الفرص لذلك. فاذا عوقب الطفل على السلوك المقلد فانه لا يميل الى تقليده في المرات اللاحقة، أما اذا كوفئ عليه فسوف يزداد عدد مرات تقليده لهذا السلوك العدواني.

أما نظرية الاحباط والعدوان، فعتقد أن الاحباط ينتج دافعا عدوانيا يستثير سلوك ايذاء الاخرين وأن هذا الدافع ينخفض تدريجيا بعد الحاق الأذى بالشخص الاخر حيث تسمى هذه العملية بالتنفيس أو التفريغ لأن الاحباط يسبب الغضب والشعور بالظلم ما يجعل الفرد مهيأ للقيام بالعدوان.

بينما تركز النظرية الانسانية، فترجع سلوك التنمرالى عدم اشباع الطفل او المراهق للحاجات البيولوجيه من مأكل ومشرب وحاجات أساسية أخرى، قد ينجم عن ذلك عدم شعور بالأمن، وعدم الشعور بالامن يؤدي الى ضعف الانتماء الى جماعة الأقران والرفاق، ما قد يؤدي الى تدن في تقدير الذات، مما يؤدي الى التعبير عن ذلك بأساليب عدوانية، مثل سلوك التنمر.

ولكن الدراسات الحديثة، التي أجريت على آلاف الأشخاص المتنمّرين، كدراسات المركز الوطني للوقاية من التنمّر في الولايات المتحدة، ومركز مكافحة التنمر في بريطانيا، تشير إلى أن الأطفال والمراهقين المتنمرين هم أشخاص لديهم خلل في فهم القوة والسلطة، أنهم يتعرّضون للتخويف والإهانة في المنزل أو في المدرسة، ولدى معظمهم تقدير ذات مرتفع، ورفض شديد لأن يتعرّضوا للاعتداء، وعادة ما يكون لديهم شعور بالاستحقاق والتفوّق على الآخرين، ويفتقرون إلى التعاطف، ولديهم رغبة شديدة في السيطرة على الأمور والآخرين، كما أن لديهم نقصاً في المهارات الاجتماعية.

وقد لاحظت بنفسي ان احد الطلاب في المدرسة عادة يحاول لفت نظر اقرانه بانه قوي و مسيطر و يتعامل مع باقي الطلاب و كأنه فتوة المدرسة على غرار الأفلام او شيخ الحارة و يحاول كسر شوكة زملائه للخضوع له حتى يتسيد (الصف ) (الفصل) او حتى (الشلة) و يكون بنظر نفسه القائد العظيم ظنا منه ان القيادة بهذه الطريقة تجلب له السلطة و التميز و يصبح الجميع تحت أمره و هذا من وجهة نظري عبارة عن تراكم مفاهيم مغلوطة عن الحق والعدالة ومواصفات القائد والقدوة الحسنة

كنّا ان السياسة لعبت دورا في إقناع الاطفال بشخصية البطل فكلما كان اكثر قسوة و اجراما تنعته الصحافة المغرضة بالبطل و العظيم

من هنا يقع على عاتق وسائل الإعلام تصحيح مقاييسها للشخص الذي يستحق التمجيد ليكون نوموذجا يحتذى به بدلا من البلطجة الظالمة القاسية

ويجب ان لا ننسى دور افلام الكرتون الرسوم المتحركة في ترسيخ بعض القيم الباطلة

نقاط مشتركة
هناك نقاط مشتركة تجمع الجاني والضحية كما اكتشفها الباحثون ابرزها كلا من المتنمرين وضحايا التنمّر، يعانون من ضعف في مهارات التواصل الاجتماعي، ويتعرّضون للتخويف في المنزل أو عدم الاحترام في منازلهم، وهذا يعني مسئولية الأسرة عن نشأة الاضطرابات السلوكية والنفسية لدى الأبناء.

وان سلم الطفل من التخويف داخل الاسرة، فانه يتعرض له داخل المدرسة وهنا يلتقى الجاني والضحية في القصور التربوي والنفسي الصحي داخل المدارس، وفشل سياسيات تقويم السلوك المتبعة ، وهو وقد يدفع بعض ضحايا التنمّر الى التسرب من المدرسة خوفا لما يتعرّضون له، كما يعاني الضحايا من فقدان الثقة بالنفس، ما قد يجعلهم ضحايا للتنمّر والعنف، فيتقبلون دوره طيلة حياتهم بالمدراس .

الوقاية خير من العلاج
من السهل جدا تجنب كوراث تعرض الاطفال للتنمر ، عملا بمبدأ الوقاية خير من العلاج
أولا بنشر الوعي داخل مؤسسة الاسرة سواء عبر برامج اعلامية بالتنمر ومظاهره ومخاطره والاسباب المؤدية ناه كما يمكن نشر الوعي بهذه الظاهرة في خطبة الجمعة بالمساجد ، وفي مواعظ الاحد بالكنائس، بجانب نشر الوعي بها في المدارس عير تخصيص حصص لها يلقى فيها بعض المختصين محاضرات مبسطة وميسرة للطلاب للتعريف بالظاهرة ومخاطرة وكيفية تجنبها وحماية الافراد والمجتمع منها . و برأيي ان اهم نقطة هي محاولة الام و الاب تعليم الطفل مراعاة شعور الآخرين و تنيمة الانسانية بداخله و حب الناس و حب الخير و ان الله بنتظر الى الضمير الذي بداخلنا فكيف نؤذي الناس بجرح مشاعرهم و النقطة الأهم هي تقبل الاخر كما هو عليه و ان يعلم الطفل و البالغ ان الناس مختلفة الاشكال مختلفة الطباع انا ليس انت و انت ليس انا و هذا لا يعني اني أفضل منك او انت أفضل مني يجب ام افتخر بنفسي و ان احبك كما انت لانك اخي بالإنسانية و لأنك شخص مختلف و الاختلاف لا يعني انه عيب او نقص و يجب ان نعلم الاطفال ان الله لا يعطي كل شيء فمن حرمه نعمه أعطاه مقابلها نعمة اخرى ربما انت لا تملكها . الثقة بالنفس و خب الناس و تقبلهم مفتاح وقف التنمر و من ثم العقاب فمن امن العقاب اساء الادب

اللبنة الاولي والتعاون
لاشك ان اللبنة في سلامة الافراد والمجتمع من التنمر تبدأ من الاسرة التي يجب ان تكون واعية تماما بضرورة طفولة آمنة للصغار ، وان يتبادل الابوان أدوار القوة داخل البيت ، مع حرصهما على تطبيق العدل بين الابناء وتوزيع مشاعر الحب والتواصل والحوار معهم بدرجات متكافئة ، وان توفر الاسرة للطفل حاضنة من الامان النفسي بما يتيح له ان يبدي رأيه في اي شئ داخل مملكته الاسرية دون خوف او رهبة .
ان يتوقف الابوان عن تعنيف الصغار تعنيفا قاسيا يقهرهم من الداخل ، وان يسعيان الى تربيتهم باللين والحنان وعدم الاسراف في العقاب اللفظي او البدني على الطفل ، وان يكون العقاب متناسبا مع حجم الخطأ الذي ارتكبه حتى لا يكرره بعنف او ينفس عنه بعنف موازي
فالابوان يجب ان يكتسبا فن مهارة التعامل مع الصغار بشكل صحي يشعرهم بالحب والقبول والرحمة وان مشاعرهم محل تقدير واهتمام وهو ما يعزز ثقة الطفل في نفسه خاصة مع حرص الابوان علي تنمية مهارات الطفل الاجتماعية بالانشطة الرياضة والادبية والفنية .
مع وعي ضرورة وعي الابوين بمنع صغارهم من مشاهدة العنف عبر التلفاز وافلام الكارتون العنيفة ، مع أهمية تدريب الأطفال على رياضات الدفاع عن النفس وتعزيز قدرتهم في مواجهة العدوانية اذا ما تعرضوا للتنمر باعتباره ذلك وسيلة للدفاع ول يس للاعتداء على الاخرين.
و ان يكون الأبوين قدوة حسنة فلا يتنمر الاب على زوجته و ينتقدنا و يجرح مشاعرها معايرا لها بوزنها او شكلها او اَهلها و يتوقع من اطفاله ان يكونوا أصحاء فلا يمكن ان تقوم سلوك طفل او حتى بالغ الا بالأفعال فمهما تكلمت فلن يؤخذ الا بأفعالك

ويأتي دور المدرسة في تعزيز قيم الاحترام المتبادل بين الطلاب وتكريس الانشطة الفنية والرياضية الجماعية التي تحبب في العمل الجماعي ، بجانب منع التمييز بين الطلاب في قاعات الدرس الا للمتفوق ليكون حافزا لغيره علي المنافسة العلمية الشريفة
يظل على الاخصائية الاجتماعية دور مهم جدا في احتواء مشكلات الطلاب بذكاء وتحويل سلوك كل من المتنمر والضحية الى سلوك صحي بحوافز دراسية كالرحلات وخلق صحبة أمنة داخل المدرسة.
ويجب على المؤسسات الاجتماعية والنفسية والاعلامية والثقافية ان تشترك معا في وضع خطط لبرامج عملية لتوعية الأولاد من مخاطر التنمّر وخطورته وسبل الحماية منه، وبرامج أخرى لتوعية االضحايا ومساعدتهم على مواجهة التنمر وتشجيعهم على الخروج من حالات الانهزامية وتقوية ثقتهم بأنفسهم ودفعم لاستشعار مناطق قوتهم الداخلية واستنفارها كسلاح في مواجهة حالات التنمر .


الثلاثاء، 2 يوليو 2019

تداخل الفنون والاداب يخلق تكاملا جماليا يرقي بالانسان ويسعده

 خلق الله الانسان وحمله في البر والبحر وكرمه على جميع مخلوقاته، ووهبه منحا عديدة من العقل والتدبر والتأمل والتفكر والقدرة على المحاكاة وصولا للابتكار.


‎ورغم قدرة الانسان على ابتكار اشياء عديدة مدهشة الا ان ابتكاره ينطلق اولا من القدرة عل محاكاة الطبيعة، فالفنان ال

‎تشكيلي بما وهبه من حس جمالي وتدفقات شعورية يستنطق جمال الطبيعة في مختلف الوانها وتشكيلاتها الفنية ويحاكيها ثم تتشكل لديه بصمة فنية خاصة به تشكل رؤيته لنفسه وللكون من حوله.

كما تحتضن اذن الموسيقي صوت خرير المياه وصهيل الخيل وتغريد البلابل واصوات البرق والرعد وتراتيل الكروان فيخزن في ذاكرته السمعية هذه الانغام ويحاكيها ثم يضفي عليها من ورحه الخاصة ما يشكل ابداعا خاصا به.

هكذا الانسان يتفاعل مع الطبيعة والكون والمجتمع ثم يشكل تجربته الفنية الخاصة به في مجالات الفنون والاداب، وكما يتفاعل الانسان مع محيطه الانساني ومع مفردات الطبيعة، يأخذ منها ويعطيها أثرا وتأثيرا، فان الفنون والاداب تتفاعل هي الاخرى مع بعضها وتتبادل التأثير والتأثر في سياق التكامل الفني والابداعي.

وفي خضم حياتنا اليومية وصراعاتها السياسية والاقتصادية والامنية ومادياتها الخانقة للارواح والانفس، فان انسان هذا العصر يجتاحه الحنين للجمال كوسيلة لتفريغ الشحنات السالبة في عالمه اليومي، وهذا الجمال نجده في كل ما هو طبيعي من مناظر طبيعية والوان زاهية وصفاء بحار وسماء وزقزقة عصافير، كما يجده في كل ما هو مبتكر وخلاق من الابداعات الفنية والادبية التي تغذي روحه وتحقق له الاشباع الفني.

من هنا تأتي اهمية الآداب والفنون في حياتنا لتسكب ماءا مثلجا بردا وسلاما علي عقولنا وارواحنا ومشاعرنا المتلهبة، فتطفيء لهيب الحياة وتمنحنا الاستقرار والهدوء النفسي، ونتشرب كئوس العلم والتذوق والجمال والمحبة بصفاء ذهني وقلبي وروحي معا.

فالاداب والفنون لاشك انها تسهم في تنمية مواهب الانسان و توسيع خياله بما يكتسبه من مهارات وخبرات. كما انها تؤدي ادوارا رئيسية في تهذيب الذوق انطلاقا من رؤيتها الجمالية التي تسمو بالانسان.

وهذا مما نجده من معاني الادب في " المعجم الوسيط " وحيث يعبر عن ثلاثة معان للفظ “أدب”:
المعنى الأول: رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي.
المعنى الثاني: الجميل من النظم والشعر.
المعنى الثالث: كل ما أنتجه الإنسان من ضروب المعرفة.

ولاشك ايضا ان تشرب الافراد والمجتمعات للأداب والفنون يغذي عقولها وينمي افكارها وثقافتها ومن يمنحها ملكات التمييز بين الجمال والقبح ويخلق ملكات النقد الموضوعي لديها بما تكتسبه هذه المجتمعات من قيم اخلاقية وحضارية تحافظ بها على رقيها الانساني وتحقق به الاستقرار النفسي والسياسي ايضا، خاصة وان متذوقي الفنون والاداب اكثر تحضرا وتوازنا نفسيا وسلوكيا ويميلون كما تؤكد الدراسات العلمية الى الالتزام بالقانون ورفض العنف.

المرآة العاكسة
وبقدر ما تشكل الفنون والاداب عقولنا ووجداننا، فانها في نفس الوقت تمثل مرأة تعكس واقعنا في افراحه واتراحه وانتصاراته وانكساراته وترديه وتطوره، فتوقظ ضمائرنا لنعرف عيبوبنا فنبادر الى اصلاحها، غير ان خيال المبدعين أيضا قادر على التحليق بنا الى اعلى درجات و ايضا إبراز القيم و زرع الاخلاق الفضيلة و غرس القيم والطموح بلا سقف مما يقود المجتمع للتطور والنهضة والأمان.

ولطالما كان الابداع الادبي والفني حافزا للشعوب على مقاومة المستعمر وحشد همة الشعوب نحو القضايا الوطنية والالتفاف لاعادة بناء الاوطان والحفاظ عليها.

ولان الاوطان العربية في معظمها مستهدفة التشظي الفكري والانقسام الفكري والمذهبي، فان الحكومات العربية كلها مطالبة بحشد طاقاتها في دعم الفنون والاداب لاعادة تشكيل المجتمعات ضد مخاطر الاعداء وعلى رأسهم الارهاب وتسميم عقول الشباب بفكر الموت.
فالاداب والفنون يمثلان الحياة وشاطئ الامان لكل المجتمعات يحفظ عليها امنها الروحي والعقدي والانساني.

حاجتنا للتنوع والتغيير

ولأن الانسان بطبعه ملول، فهو قد لا يشبعه لونا واحدا من الفنون او الاداب، فهو بحاجة دائمة للتجديد والترفيه والمتعة العقلية والنفسية، فيقبل على لون اخر من الفنون طمعا في اشباع حاجته للتتغير والتنوع وما ويوفره من ثراء جمالي متعدد المستويات.
فاننا، قد لا نندهش عندما نجد العبقرية البشرية قد اهتدت الى ما يسعد الانسان ويحقق له هذا التعدد الفني والجمالي، من خلال اهتداء الانسان الى توليفات فنية تجمع بين اكثر من فن داخل عمل فني واحد، حيث نجد قدرة بعض المبدعين على الجمع من جماليات الفن التشكيلي ادخل قصة قصيرة او رواية، وقد نجد قدرة شاعرعلى رسم الوان تعبيرية وتصوير ابدع بالكلمات عن تدفقات شعرية عميقة، وهو ما يعرف بتداخل الاجناس الادبية او الفنية.

وهذا يعني ان الفن والاداب قد تتبادل التاثير والتأثر الفني فيما بينها تحقيقا للتكامل الابداعي الذي يحقق الجمال، وهذا التاثير المتبادل يبدو موضوعيا تماما ويتسق مع عالم الطبيعة وزماننا المعاصرالذي تداخلت فيه العلوم مع الفنون والاداب، واذا كان بعض الاطباء النفسيين يستخدمون الموسيقى في علاج بعض الحالات المرضية، فانه من باب أولى ان تتأثر الاجناس الادبية والفنية ببعضها دون ان تلغي احداهما الاخرى.

هذه الطبيعة قائمة منذ تأثر الانسان بالطبيعة وتفاعل معها وعبر عن ارتباطه بها فالشعر الجاهلي رسم بالكلمات لوحات فنية عديدة في وصف الشمس والقمر والنجوم والزهور والبحار وتصوير جمال المرأة، وعزفت موسيقى الشعر أعذب الالحان وعبرت مضامين القصائد عن دفقات شعورية انسانية تعكس معاناة الانسان واحلامه وكانها مشاهد درامية وسينمائية.

وعندما ظهرالفن الروائي والقصصي في عالمنا العربي ابتكر مبدعو الفن التشكيلي رسومات على اغلفة القصص كانت مثابة نصا تعبيرا بالاشكال والصور موازيا في جمالياته ابداع النص الروائي.

وعندما انطلق المسرح اعتمد بشكل أساسي على نص روائي مبدع وخيال موسيقي وشعري وسينوغرافيا الاضاءة واللوجات التعبيرية الى جانب اداء الممثلين، ولكل واحد منهم ادوار رئيسية في نجاح العمل المسرحي، وابدع امير الشعراء أحمد شوقي مبكرا في المسرح الشعري.

وهكذا، فانه رغم تمتع الاجناس الادبية من شعر ونثر قصصي وروائي بخصوصية ادواتها وتفردها واستقلالها، الا انها في مجملها تتفاعل مع الالوان الفنية الاخرى من مسرح وموسيقى وسينما ودراما وتشكيل فني، وهو تفاعل عبر عنه فضاء فنون الآداب في عالمنا المعاصر بحيث كل منه يغذي الاخر وينميه دون ان يفقده تفرده واستقلاله.

هذه الحقيقة التي يدركها كل فاحص، قد اكدها الناقد جوزيف شتريلكا في كتابه «مناهج علم الأدب» موضحا ان التفاعل المتبادل بين مختلف أنواع الإبداع الفني لا يُنقص من استقلال كل نوع استقلالا ذاتيا.

وفي تقديري ايضا ان التفاعل الطبيعي بين الفنون والاداب مرتبط بالقيم الجمالية في كل لون منها، فالجمال يقود الى الجمال ويعانقه في اي بقعة في الكون، ولذلك غالبا نجد مبدع الادب ومتذوقه عاشقا للموسيقى او العكس.

فهكذا كان الشاعر شارل بودلير، الذي يقول إن «الموسيقى لتحملني كما يحملني البحر».

وكذلك الأديب رومان رولان، الذي يقول: «إذا كانت الموسيقى بالنسبة لنا شيئا غاليا، فلأنها كلمة الروح الأكثر عمقا».
أما الأديب الفرنسي فكتور هوغو فيعتبر أن «الموسيقى تعبر عما لا يمكنك قوله ولا تستطيع السكوت عنه».
وفي عالمنا العربي والاسلامي نجد كبار الادباء كتبوا عن الموسيقى، مثل ابن سينا والفارابي وأبو حامد الغزالي وطه حسين وفؤاد زكريا،. والكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد كان عازفا بارعا لآلة البيانو، وكان يستعمل مصطلحات الفن الموسيقي في الدراسات الأدبية، ويعتبر الموسيقى فنا إبداعيا يحفز الإبداع الأدبي.

كما ارتبطت الموسيقى بالشعر عبر القصائد الغنائية، وعبر انماط عديدة من الفنون الشعرية مثل الأهزوجة والطقطوقة والمونولوج والأوبريت، فنجد كلاهما لايستغني عن الاخر فهو قائم به ويحقق الكمال الفني من خلاله.

وخلق هذا الارتباط الوطيد بين الشعر الموسيقي والغناء حالات عبقرية من الثنائيات الفنية الخالدة باعمالها في عالمنا العربي منها ثنائيّة الرحابنة وفيروز، ثنائيّة روائع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مع أمير الشعراء، وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، في المغرب نجد ثنائيّة الموسيقار عبد السلام عامر والشاعر عبد الرفيع الجواهري، التي خلّدت أروع الأغاني، في فلسطين ثنائيّة محمود درويش ومارسيل خليفة وغيرها. و في العراق كريم العراقي و كاظم الساهر
ولاشك ان عبقرية الحناجر العربية مثل ام كلثوم وفيروز وفريد الاطرش ووديع الصافي ونجاح سلام وليلى مراد وفايزة أحمد كانت معبرا لتجليات الشعر والموسيقى لدى العباقرة امثال محمد عبد الوهاب وأحمد شوقي وأحمد رامي والقصبجي وزكريا أحمد والرحابنة وغيرهم.

الشعر والفن التشكيلي
يبدو ارتباط الشعر بالفن التشكيلي ارتباطا عضويا عبر عنه كبار الفنانين مثل خوان ميرو،الذي يقول: " أنا لا أميز أبدا بين الرسم و الشعر. أحيانا أوضح لوحاتي بعبارات شعرية و أحيانا العكس" .
أما بيكاسو فإنه يعتبر نفسه رساما وشاعرا : " بعد كل شيء، والفنون كلها واحدة. يمكن أن نكتب لوحة بالكلمات كما يمكن أن نرسم المشاعر في قصيدة ".
وقد رصد الباحثون المتخصصون عددا من النقط المشتركة بين التشكيل والشعر جعلتهما يتبادلات التأثير فيما بينهما، ومن أولى هذه النقاط ، ان الشعر ينتمي إلى الشعور، والحدس وإلى العاطفة، وأن أشكاله متعددة وتتغير، كما ان الشعر في جوهره متعدد المعاني ويركز على تحفيز مخيّلة القارئ الذي ينظر أو المتلقي الذي يسمع ويجعلها تمتدّ. وحين يكون التطابق أو التزامن بينهما كاملا لا نعرف إذا كنا نقرأ(أو نسمع) أم ننظر.

دلائل خالدة
ولذلك فقد لا نجد غرابة في ان يسجل تاريخ الإبداع العالمي عبقريات جمعت بين الفن التشكيلي والكتابة الأدبية من أهمها الفرنسي جان كوكتو (1889-1963م) الذي جمع بين كتابة الرواية والشعر والمسرح والرسم والتصميم، وكانت تربطه علاقات ودية مع أحد أعظم التشكيليين في التاريخ الرسام والنحات الإسباني بابلو بيكاسو (1881-1973م) الذي كتب الشعر هو أيضا.

ويظهر الموقع الرسمي لكوكتو والذي يتخذ من وصفه بالفنان المتكامل شعارا له، كيف أن تمازج الأدب والفن التشكيلي لديه، أنتج أحد أعظم العبقريات الفنية في التاريخ المعاصر وأحد أكثرها غزارة وانتاجا.

وكشفت البحوث العلمية ان العلاقة بين الأدب والفن التشكيلي إلى القرن الخامس قبل الميلاد، في جزيرة كيوس اليونانية، من خلال أقدم نص في تاريخ الأدب والنقد الغربي عن هذه العلاقة الساحرة بين الشعر والفنون التشكيلية هي العبارة المنسوبة إلى سيمونيدس الكيوسي(556-468م) الذي يقول فيه: إن الشعر صورة ناطقة أو رسم ناطق، وإن الرسم أو التصوير شعر صامت”.

* ويربط الشاعر الكبير صلاح جاهين بين الرسام والشاعر- في تأكيده على براعة الشاعر الكبير فؤاد حداد فى رسم الصورة الأدبية وتجسيدها داخل النص الشعرى بما يتوازى ولوحة تشكيلية محتشدة بكل تفصيلات الحياة.

وصلاح جاهين نفسه جمع بين الرسم والشعر، وبرع في رسم صورة أدبية مبدعة تتوازى تماما مع اللوحة التشكيلية من خلال رباعياته.
يتجلي ذلك في قصيدة "إبريق ذهب" لصلاح جاهين:
أبريق دهب
ومخّده من ريش النعام...
تشرب سيادتك، تنجِعص آخر غرام
ترفع عينيك تلاقى منجه مدلدله
و فاكهه ياما متلتله
أصناف من اللى الكيلو مش عارف بكام
منجه، وفراوله، وموز، وتفاح يا وله
وخوخ و برقوق م التمام...
ياللعجب،
البرتقان ويا العنب،
فى غصن واحد... يا سلام

الفلاسفة المسلمون
وعندما ننتقل الي الفلاسفة المسلمين نجد انهم ربطوا بين الشعر والرسم، انطلاقا من الفكرة الأرسطوطاليسية في محاكاة الطبيعة مثل ابن سينا وعبد القادر الجرجاني والفارابي حيث ربطوا كلا من الرسم والشعر من خلال المحاكاة والتشبيه والتخييل كنقاط التقاء بينهما.

فالتماثل بين الأجناس الإبداعية جعلت واحد منها يتفاعل مع الاخر ويتناص معه رغم اختلاف ادوات كل منها، خاصة الشعر والتشكيل وهو ما دفع نقاد عصر النهضة (القرن الخامس عشر) إلى قراءتها بشكل آخر، كما يقول هوارس: "كما يكون الشعر يكون الرسم".
وفي اواخر القرن التاسع عشر وحتى زماننا الراهن، تنامى الإحساس بشاعرية الرسوم، وبنزعة الشعر إلى الرسم والتشكيل، وهو ما تجلي السمات القصصية في أعمال الفنانين السورياليين منهم: جورجيو دوشيريكو - ماك إرنست.

وهناك العديد من القراءات التي ارتبطت بلوحة الجيوكاندا (الموناليزا) التي رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي بين عامى 1500 و1504، والتي كانت مصدرا لالهام الشعراء وخروج العديد من القصائد من قصيدة "جيوكاندا " لتوماس مكجرفي، بجانب الروايات العالمية التي تأثرت بالجيوكندا.

وكذلك قصيدة "الموناليزا" التي كتبها الشاعر الألماني كورت توخولسكي عام 1929، والتي قال عنها الناقد الادبي "هانز ما ير" هذه القصيدة المشهورة من الموناليزا قصيدة متشائمة على طريقة الفيلسوف شوبنهاور ".
وتقول القصيدة:
الموناليزا
لا أملك أن أحول نظراتى عنك
لأنك معلقة فوق الرجل الموكل بحراستك
وقد شبكت يديك الناعمتين
ورحت تبتسمين في سخرية
أنت مشهورة شهرة ذلك البرج في بيزا
وابتسامتك تؤخذ مأخذ الدعابة
أجل .. لما ذا تضحك الموناليزا؟
هل تضحك علينا بسببنا
على الرغم منا، معنا
ضدنا - أم ماذا ؟
أنت تعلميننا في هدوء ما ينبغي أن يحدث
لأن صورتك، يا ليزا الصغيرة تقول:
من خبر هذا العالم خبرة كافية
فلا بد أن يبتسم وأن يضع يديه على بطنه ويسكت

التشكيل والسرد الروائي

تجلت مظاهر الارتباط والتأثير والتـأثر بين الفن التشكيلي الروائي من خلال رواية "شيفرة دافنشي" للكاتب دان براون، حيث تعد اللوحة الفنية وهي "العشاء الاخير" للفنان دافنشي مفتاحا الى احداث الرواية.

وهذه الرواية تعتبر علامة فى تاريخ الأدب الحديث، حيث جسدت التأثير المباشر للفن التشكيلي على الأدب من خلال الحدث الدرامى الذى اتبعه الكاتب من خلال تحليل روز دافنشي.

* وفي السرد العربى نجد ملامح تأثر الابداع لتشكيل دافنشي كما في رواية "ذاكرة الجسد" للكاتبة أحلام مستغانمى: ففى احد مقاطعها تستدعى الكاتبة شخصية دافنشى، وتؤكد على براعته وعظمته فى تخليد اسمه على لوحة الموناليزا كما يبرز في هذا لمقطع من الرواية :
"أتذكر وسط ارتباكي " ليوناردو دافنشي", ذلك الرسام العجيب الذي كان قادرا على أن يرسم بيده اليمنى و يده اليسرى بالإتقان نفسه، بأي يد تراه رسم " الجو كندا " ليمنحها الخلود والشهرة؟ و بأي يد يجب أن أرسمك أنا.
ماذا لو كنت المرأة التي لا ترسم إلا باليد اليسرى, تلك التي لم تعد يدي؟
خطر ببالي مرة أن أرسمك بالمقلوب، و أجلس لأتفرج عليك ِ, عساني أكتشف أخيرًا سرك.
فربما كانت هذه الطريقة الوحيدة لفهمك.

الألوان في الرسم والادب

كما يبرع الرسام في استخدام الالوان ورموزها في التعبير من مشاعر الفرح او الحزن او الامل والصفاء او القبض، كذلك استخدم االشعراء هذه الألوان للتعبير عن مشاعرهم في القصيدة ، ويحفل الشعر العربي بالعديد من النماذج اللونية المعبرة منها اللون الأحمر لدلالته على الحرب وبشاعتها، واللون الأسود كما في قول امرؤ القيس يربط بين اللون الأسود والضيق والاختناق والقبح:
وليل كموج البحر أرخى سدوله على بأنواع الهموم ليبتلي
وتتجلي الالوان ورمزيتها في عالم نجيب محفوظ الروائى بصحبة ريشة الفنان حسين فوزى ورسوماته التي بلغت مائة رسما لفصول رواية " رواية أولاد حارتنا" خلال نشرها بصحيفة الأهرام على مدى عام كامل، وقد حفلت اللوحات بالعديد من النغمات بالأبيض والأسود .. تنوعت فيها الإيقاعات مع التحليل المعمارى الذى يعطى الإحساس بالكتلة ويحفل بالتنوع والثراء".
ولأن عالم نجيب محفوظ الروائى يزخر بفنيات التشكيل والرؤية، فقد جذب معه فنانين كثر ليلتقيا الأدب مع التشكيل " ولا شك أن من أهم الأعمال الفنية التى تقابلت مع عالم نجيب محفوظ ما قدمه الفنان سيف وانلى من ترجمة تعبيرية لشخوص المرايا، التى صاحبت الرواية حينما كانت تنشر بمجلة الإذاعة والتليفزيون عام 1971.
ومن أعمال نجيب محفوظ الكثيرة التى التقت فيها الكلمة والصورة كان من خلال "أحلام فترة النقاهة" التى كتبها بعدما توقف عن الكتابة لفترة طويلة، تجلت خلالها رمزية الألوان والتشكيل البصرى على النحو التالى:
أفق داكن وسحابات خضراء، بساط أخضر، قط فرعوني يسير هادئا بثبات، أرجله القصيرة تتحرك فوق البساط الأخضر.
طيور بيضاء تجتمع فوق البساط الأخضر هي طيور ممتلئة سمينة أقرب شكلا إلي النغمات منها للطيور.
جسد أخضر لفتاة في حالة تجانس مع البساط، جسد شاب وشعر أسود كالليل يطير، ويد تحتضن زهرة حمراء تضفي بهاء ورونقا علي وجه برتقالي مجرد الملامح والتفاصيل، قمر مضيء بالأصفر والأحمر يحتل موقعا يربط الفضاء الداكن بزرقته بخضرة البساط، وشذرات من الأبيض المشوب بالبني تحيط جسد الفتاة وتحول البصر إلي شجرات أربع في الأفق تؤكد العلاقة بين فضاء وبساط.
وتتعدد مظاهر التشكيل البصرى ورمزية الألوان فى العديد من السرد العربى كما فى رواية "الضوء الأزرق" للروائى حسين البرغوثي فى تحليله لعناصر اللون ودلالتها عندما يقول:
عندي، الأزرق لون الغربة، والغيب، وسماء الطفولة. وربما أن لنواياي السيئة لوناً أزرق.. مرّة تعلّمت العزف على البيانو، و"ألفت" لحناً ساحراً قصيراً، وعزفته لمدّة طويلة جداً، يوماً بعد يوم. ولم أنتبه لسيّر حبي له حتى قرأت كتاباً لموسيقار أسود، يزعم فيه أن لكل "نوتة" موسيقية لوناً خاصّاً بها.
وعند السود في الولايات المتحدة، الأزرق لون المعاناة، "لماذا أنا حزين وأزرق؟"

علاقة الأدب بالسينما
يعد الابداع الادبي رافدا اساسيا في تغذية السينما، حيث اهتم كبار صناع السينما العالمية بتحويل الرويات الى افلام صنعت مجدا موازيا للمؤلف النص ولمبدعي الفن السينمائي معا بل وكانت ركيزة في حصد جوائز الاوسكار والعوائد المالية بالمليارات، كما في سلسلة هاري بوتر للكاتبة البريطانية ج.ك رولينغ، فهذه الرواية تصدرت لائحة أكثر الكتب مبيعا في التاريخ وتحولت بأجزائها السبعة إلى سلسلة أفلام حصدت إعجاب النقاد والجمهور معا عبر العالم.
كما جري تحويل روايتين من أكثر الروايات الكلاسيكية شهرة ونجاحا إلى فيلمين، الأولى هو البؤساء للفرنسي فيكتور هوجو، والثانية هي “آنا كارنينا” للروسي ليو تولستوي والتي تعتر الرواية الأفضل في تاريخ للأدب.
وفي عالمناالعربي اكتسبت روايات نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل شهرتها وذيعها بين عامة الجماهير من خلال تحويلها لاعمال سينمائية مثل الثلاثية، وكذلك اعمال احسان عبد القدوس وغيرهما.
وهذا مايؤكده "ايزينشتاين "بقوله " أن الأدب كان له السبق في توظيف بعض التقنيات السينمائية حتى قبل ولادة السينما. ويعطي كمثال على ذلك الروائي تشارلز ديكنز الذي يوظف بشكل منهجي في بعض من رواياته تقنية المونتاج المتوازي (رواية غوستاف فلوبير مثلا) وهي التقنية نفسها التي يوظفها الروائي الفرنسي على مستوى الحوار في روايته الشهيرة «مدام بوفاري».
وتأتي العلاقة القوية بين السينما والنص الروائي من تقاسمهما مجموعة من الخصائص واهمها السرد.
حيث يتشرك الفيلم والرواية في الحكي وإعادة تركيب الأحداث بشكل أكثر واقعية. وتعد الموضوعية في الوصف من بين التقنيات الجديدة في السرد التي ميزت الرواية الحديثة التي يعود الفضل الكبير فيها إلى السينما.
يعتبر الكتاب الأمريكيون الجيل الرائد الذين وظفوا بشكل منهجي تقنية الوصف الموضوعي في رواياتهم. ومن وجهة نظر سلوكية، ترتكز هذه التقنية على الوصف الخارجي لسلوكات الشخصيات بدون إبداء أي تعليق، شرح أو تأويل للراوي لما يجري داخل سيكولوجية هذه الشخصيات. وتهدف هذه التقنية إلى إشراك القارئ ذهنيا وعاطفيا في عملية السرد متحررا بذلك من السلطة المطلقة للراوي.
لدينا نماذج مبهرة لهذا التأثير والتأثر بين الادب السينما كما فيلم «الحب في زمن الكوليرا» المأخوذ عن رواية غابرييل غارسيا ماركيز الأشهر بعد «مائة عام من العزلة».
وحققت السينما انتصارات مهمة باقتباساتها الروائية وحقتت شهر لمخرجيها وممثليها كما حدث مع «ذهب مع الريح»، «دكتور زيفاجو»، «زوربا»، وغيرها.
ورغم هذه التأثر والتاثير حافظت السينما علي خصوصيتها وجمهوها كما حافظت الرواية منجزها المقروء والتأثيري في المتلقي.

تماوجات الاداب والفنون في الاْردن
لايمكن ان نعزل حركة تطور المجتمع الاردني في ارتباطاته العصرية بما يجري في العالم الذي يشهد سيولة في الفكر والابداع والتمازج بين الفنون والاداب والعلوم والثقافات.
* ومن امثلة ذلك رواية "دمعة ذئب" للكاتبة ميمونة الشيشاني التي تعكس هذا التماوج بين الفنون والاداب، وهي ( بالمناسبة أول رواية تتحدث عن هجرة الشيشان إلى الأردن خاصة، وبلاد الشام بشكل عام في أوائل القرن العشرين، وتصف الهجرة، وحال المهاجرين والمآسي والأهوال التي عاشوها )
هذه الرواية تعد أكثر تعبيرا عن التداخل بين الأجناس الأدبية والفنية، وفصولها تحظي بالعديد من اللوحات التشكيلية البصرية و المشاهد السينمائية والحوار المسرحي والموسيقى والرقص والغناء، والنحت والتراث الشعبي.
* أيضا ، تأتي تجربة الشاعر والفنان التشكيلي محمد العامري الذي تعكس تجربته الادبية تشكيلا يجمع بين الكلمة واللون والصوت والحركة في تمازج بين الفنون والاداب بديع وتمكن من ادواته كما نجد ذلك في معظم اعماله ومنها ديوانه الصادر عام 2016 وهو " ممحاة العطر " الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر, ينفتح هذا الديوان علي فضاءات البيئة الريفية والبدوية بكل تشكيلاته اللونية والحركية والصوتية مستلهما منهما مفرداته المدهشة ليعبر من خلالها ثنائية الموت والحياة في اشكالها المختلفة واقعنا المعاش، كما عبر عن ذلك في قوله: " «كأنّي الرّحى وهي تطحن أحلامَنا/ لنقدّم قُربانَها المُشتهى/ ونعودَ إلى خضرة الأرض كسلى/ كمن يترنّح في غبطة الخمر.../ كيف سأمحو سفرجلةً سقطت في كتاب».
وكان مبدعو الاردن ايضا من اوائل الادباء في العالم العربي الذين تواكبوا مع معطيات العصر الرقمي بكتابة الرواية التفاعيلية، حيث تتحقق فيها بعمق هذا التداخل بين الاجناس الادبية والفنون من خلال تجربة الروائي محمد سناجلة، في روايته المعنونة ب «ظلال الواحد»، 2001، و«شات»، 2005، ورواية أخرى بعنوان «صقيع».
هذا النموذج من الرواية التفاعيلية يستثمر خصائص البرمجيَّات الالكترونيَّة لانتاج نصٍّ سرديٍّ ، يسمح بالربط بين النصوص، والأعمال الفنِّيَّة، عبر وصلات وايقونات، ترتبط بنصوص، أو بصور ثابتة أو متحرّكة، أو بأصوات حيَّة، أو بموسيقى، أو بأنماط جرافيكيَّة، أو بخرائط، أو برسوم ايضاحيَّة.
هذه التجارب الادردنية وغيرها في العالم تخاطب الحواس البشرية من سمع وبصرمباشرة وتعالج ازمة تراجع القراءة عبر الصفحات الورقية التي قد لا يقبل عليها الاجيال الجديدة من مستخدمي الانترنت والعالم الافتراضي