الجمعة، 30 أبريل 2021

وقائع حياتنا وتفشي كورونا الانانية والتحقير من الاخرين

 ما نعيش من كارثة كورنا بكل آلامها وصعابها ومخاض خوفنا على أنفسنا وأحبتنا ، الا ان هذا الوباء الشرس للأسف الشديد لم يغير في نظرتنا لانفسنا وللآخرين الا  ما رحم ربي ، في أن  يراجع بعضنا سلوكه اليومي ولم يراجع اخلاقه ، باعتباره هو والاخرين في الانسانية في مركب حياة واحد لا يفرق فيه بين غني وفقير متعلم او أمي ، وقد تغرق المركب بنا جميعا ـ لا قدر الله ـ ما لم نتراحم ونعلي من انسانيتنا ويفهم بعضنا بعضا ويلتمس بعضنا للبعض سبعين عذرا .


هذه اخلاق سماحة اسلامنا الحنيف وكل الاديان السماوية التي حضت على اخلاق التراحم والحفاظ على كرامة الاخرين وصون حقوقهم من الاهانة او التجريح ، ولكن أين نحن من هذه الاخلاق ؟!

تابعت على موقع النجوم عدة فيديوهات تعكس ما يستشعره اصحاب القلوب البيضاء من مرارة الحلق عندما يقع ظلم على انسان ضعيف ، او يتعرض احد الاشخاص للاهانة والنقد والتجريح والقهر دونما ذنب اقترفه ، ومرجع هذا الظلم كله هو الشعور المتضخم لدى الكثيرين بالأنا وبأنهم اعلى مكانة او قدرة او سطوة اجتماعية  أوفكرية تسول لهم تجريح الاخرين بسهولة دون وجع ضمير .

هذه الفيديوهات ، تعكس واقع مرير نشاهده جميعا في حياتنا اليومية في سلوك الناس الذين لا يرحمون غيرهم علما بأن من لا يرحم لن يرحم ، فها هو سائق التاكسي يطالب بأجره وفق حساب العداد بينما الزبونة ترفض اعطائه كامل حقه وتنقص منه وتكيل له السباب والشتائم ، بل وتهدده باحضار شرطة المرور  ، ولما طال به الوقفة جاءه رجل المرور ليحرر له مخالفة ، بينما سائق التاكسي فقير مغلوب على أمره ولا يدري ماذا يفعل .

الفيديو الثاني لبائع بيض ينادي عبر الميكرفون على بضاعته ليجلب الزبائن ، بينما يقوم احد كتاب الدراما بتوبيخه واحتقاره واهانته ،لان صوت البائع يزعجه ، وتناسى مؤلف المسلسلات حق البائع في الترويج لبضاعته لانها مصدر دخله ، وتناسى ايضا حقيقة ان ما يكتبه من مسلسلات قد تخرب البيوت بافكار مسمومة وتزعج كثير من الاسر .

قرر بائع البيض ان يلقن هذا المؤلف درسا في الحياة فذهب إلى بيته ليحطم اصنام الافكار البالية لدى المؤلف ويحطم الأنا المتضخمة لديه ،والتي تجعله لايرى في الدنيا الا نفسه ولا يسمع الا صوته ، ولا يفكر لحظة في سماع صوت الاخرين او التفاهم معهم او التماس الاعذار لهم .

وها هو بائع البيض يعري مؤلف المسلسلات وهو يقدم أبطاله من المجرمين والخونة والفسدة  ، دون ان يقدم شخصيات سوية مكافحة وشريفة وهي ايضا كثيرة في الحياة ، فمن اذن يزعج من ؟ بائع البيض هو ينادي على بضاعته ، أم مؤلف المسلسلات التي تدمر اخلاق الناس وتعلي من شأن الأنا الامارة بالسوء ؟ !!!

أظن ان كل البشر بحاجة الى مراجعة أنفسهم وتصحيح نظرتهم للحياة وللاخرين ، فالاخرين ليسوا عبيدا لنا ، بل عباد لله وحده ، وكل من يظن في نفسه قدره على التحكم في الاخرين واهانتهم وقهرهم ، فاني أذكرهم بقدرة الله عليهم ، فبلحظة يتحول العزير الى ذليل بقدرة قادر .

فالدرس الذي لقنه بائع البيض لكاتب الدراما الذي تلقى تعلميه من الكتب ، كشف عن بائع البيض الاكثر خبرة بالحياة والاكثر ثقافة بالنفس البشرية ، بل وانه أكثر اخلاقا حتى لو كان أميا  أو نصف متعلم.

نحن بحاجة لثقافة الاخلاق قبل اي شيء ، فالاخلاق هي ميزان الرحمة والعدل والعلاج النفسي لكل امراض النفس الامارة بالسوء ، وعندما نحققها في سلوكنا اليومي سنقضي على كل الامراض وفي مقدمتها كورونا .

الاثنين، 5 أبريل 2021

الرفق والصبر والحنان طرق فاعلة في علاج طفل التوحد

 في الثاني من شهر أبريل يحتفل العالم سنويا باليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد، وهو جهد انساني مشكور، يتطلب من جميع الشعوب التوعية به والعمل على انقاذ ضحاياه وتطوير قدراتهم الانسانية والعقلية والنفسية والاجتماعية، خاصة في ظل تزايد اعداد المصابين بالتوحد في العالم.


يعرف هذا المرض بأنّه اضطراب عصبيّ يبدأ مبكراً في مرحلة الطفولة، ويستمر طوال حياة الإنسان ويؤثّر على مهارات التواصل والتعلّم وكيفيّة التصرّف والتفاعل مع الآخرين، وتتجلى مظاهره في عدم قدرة الطفل على الاستجابة والرد على اسمه في السنة الأولى من عمره، وعدم الاهتمام باللعب مع الآخرين أو التحدث معهم، ورفض الاتصال. يتسم طفل التوحد بعدة خصائص منها: العجز عن بناء علاقات اجتماعية نتيجة اهتمامه بالاشياء اكثر من اهتمامه بالناس
كذلك التأخر في اكتساب اللغة مقارنة بالأطفال العاديين، كما انهم يستخدمون اللغة المنطوقة بطريقة غير تواصلية بعد تطورها، ويتصفون ايضا بتكرار الكلام غير الطبيعي من كلمات وجمل، ويعكسون الضمائر .اما لعبهم فيتم بطريقة نمطية تكرارية ويخفقون في اكتساب مهارات اللعب التخيلي ، وكذلك ينزعجون من التغيير في حياتهم اليومية.

والضرورة فالعلم لا يقف عاجزا عن ايجاد مخرج لطفل التوحد لكي يكتسب مهارات الحياة ويندمج ولو بشكل جزئي مع المجتمع ، وان كانت العقاقير الطبية قد تقف عاجزة عن علاجهم، فالفنون والآدب وايضا مخلوقات الطبيعة قدمت حلولا عملية مقبولة في دعم طفل التوحد ، بل والاهم من ذلك كله  وعي الاسرة وحنانها ورفقها وصبرها على هذا الطفل وتعليمه برفق مكتسبات الحياة العلمية والعملية.

فالفن يلعب دورا هاما ومؤثرا في تنمية وإثراء وعلاج عملية الاتصال لدى الأطفال الذين يعانون من اضطرابات في النمو أو اضطرابات في مهارات الاتصال . حيث تتيج لغة الفن فرصة للاطفال المصابين بالتوحد ، للتعبير عما بداخلهم والاتصال بالآخرين.

فالأنشطة الفنية تقدم للأطفال التوحديين فرصة تنمية إدراكهم الحسي من خلال تنمية إدراكهم البصري عن طريق الإحساس باللون والخط والمسافة والبعد والحجم والإدراك باللمس. لذلك يعد الفن التشكيلي واحدا من الأساليب العلاجية المعترف بها عالميا.

قد يستخدم طفل التوحد فن الرسم بالوانه وادواته كلغة بديلة عن اللغة المنطوقة وكوسيلة للتواصل وللتعبير عن أحاسيسهم و مشاعرهم و تخيلاتهم ، حيث يعود فن الرسم طفل التوحد على التفكير عن طريق اللعب بالألوان و التعبير بالرسم . واثبتت الدراسات العلمية الحديثة على دور العــلاج بالفــن في تنميــة الاتصــال لــدى الأطفــال التوحدييـن، حيث يطلق الفن الشعور التعبيري والانفعالي لدى الطفل عبر تطور التفاعل الإنساني بينه وبين العمل الفني والمعالجة.

كما يعمل على تنمية وعي الطفل بنفسه، وأنه قادر على إخراج عمل جميل،وأيضاً في بداية إحساس الطفل بنفسه هي بداية منظمة لإحساسه بالبيئة من حوله.

أما العلاج بالموسيقى فيعمل على تحسين مهارات التواصل الاجتماعي لدى الأطفال المصابين بالتوحد وحياتهم الأسرية ويحسن من شبكات الدماغ الرئيسية . وأفادت الدراسات الطبية ، ان الطفل المصاب بالتوحد عندما يتمكن من العزف على البيانو أو يغني أغنية فإن هذا يفيد وظائف المخ بصورة كبيرة. وقال الباحثون إن العلاج بالموسيقى زاد من التواصل في شبكات الدماغ الرئيسية. وايضا تحسنت مهارات التواصل الاجتماعي، ونوعية الحياة لأسرة المريض. وكشفت فحوص الدماغ أن الأطفال في المجموعة الموسيقية زادوا من الاتصال بين المناطق السمعية والحركية في الدماغ.

وتعد القصص الاجتماعية، طريقة لتعليم المهارات الاجتماعية لأطفال التوحد، من خلال تقديم معلومات دقيقة عن المواقف الاجتماعية التي يجدها صعبة ومشتتة، وبما يفيده في حياته اليومية.

يمكن أيضا لاطفال التوحد معايشة الحيوانات الاليفة من قطة او كلب او عصافير الزينة في البيت ، أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة ، أن الحيوانات الأليفة أثبتت فعاليتها ونجاحها في علاج اضطرابات السلوك لدى طفل التوحد شرط ان يكون اختيار نوع حيوان مناسب لحالة الطفل.

ففي برنامج علاجى بمساعدة الكلاب في مركز إيسكولا إيريس فى  برشلونة بإسبانيا، تم استخدام الكلاب الأليفة وتطبيق التجربة بين الطب النفسى وأخصائى التربية والطب البيطرى، وحققت نجاحا كبيرا ، واستطاعت الكلاب  تخليص الأطفال مصابى التوحد من حالة الانطواء بسبب مرضهم، وأثبتت ان مساعدة الكلب للطفل المريض كان أدق من الأجهزة.

في تجربة عملية عاشتها احدى صديقاتي مع ابنها الذي كان يعاني من مرض التوحد دون ان تدرك انه مريض او سبب فرط حركته وعدم استجاباته وعدوانيته في المنزل والحضانة الى درجة انه كان يحطم اي شئ معه وغير قادر علي التعلم ، حيث جلبت له اكبر المدرسين دون جدوى ، لكنها كانت كثير ما تقابل عدوانيته بعنف من جانبها مما زاد الطين بلة ، وعندما يئست من حالته ادركت انه لا مفر امامها سوى ان تتعامل مع ابنها على انه حالة مرضية تتطلب الحنان والرفق  والصبر الجميل ، وسرعان ما غيرت من طريقة تعاملها معه ، وضعت لنفسها خطة عمل وهي ان تعمل على تعليمه بنفسها دون مساعدة احد وبنفس طويل وارتضت بنسب نجاح عشرة بالمئة فقط ، وبالفعل نفذت خطتها  التعيليمة ، مع جلب عصافير زينة في البيت كانت تطلب من صغيرها ان يضع بنفسه الطعام والماء لهم . كما اخذت تصطحبه معها في زيارات لمساجد آل البيت ليستمع الى الابتهالات الدينية وبموسيقاها العذبة والمدائح النبوية التي تلقى على ايقاعات الدفوف الموسيقية . وفي طريقها اخذت تعلمه عمليا اسماء الكائنات  والطبيعة من سماء وارض وشجر وبحر وحيوانات وازهار ومساجد وكنائس وغيرها من حلولها وباللغات العربية والاجنبية ، وفي غضون عام من هذه التجربة تقلصت عدوانية الطفل بنسبة كبيرة جدا واخذ يحصل مع امه الدروس  صحيح في وقت أطول لكنه كان يستوعبها ولم يمض عامان اصبحت قدرة الطفل على التعلم والكلام مقاربة للطفل العادي . وعندما شعرت الام بأن الطفل يحتاج الي مزيد من الثقة بالنفس فالحقته بتدريبات الكاراتيه.

هذا الطفل اليوم تجاوز بحكمة أم وصبرها وفهمها ووعيها كثيرا من ازمات التوحد ، وان كانت قدراته على اقامة علاقات مع الناس اقل كثيرا من غيره لكنه لا ينزعج من الناس وهذا تقدم كبيرا جدا ، ويكفي انه يتلقى تعليما عاديا وسط أقرانه الاصحاء ،فالتجربة أصدق من الكتب .