الجمعة، 18 مايو 2018

الأزمة السورية بين الانقسام الداخلي والإطماع الخارجية

منح الخالق العظيم الارض العربية السورية كل مقومات الخير والنماء بدءا من توافر الامطار التي وفرت لها سبل الزراعة الممتازة  وما يقوم على الزارعة من صناعات غذائية، ونسيجية نشيطة وثروة حيوانية تفي باحتياجات سكانها.
كما أنعم الله على هذه الارض وأهلها بكافة عناصر الاعمار في الارض والطاقة من نفط  يزيد عن الاستهلاك المحلي، ومعادن كالفوسفات وغيرها، وكذا شواطئ خلابة على البحرالمتوسط وأنماط سياحية متنوعة بين التراث الثقافي والطبيعة الخلابة، وشعب مبدع يعشق العمل والفنون والثقافة ومقبل على الحياة.
وكل هذه النعم جعلت من سوريا جنة الله في ارضه وشعبها يحقق الاكتفاء الذاتي من طعامه وشرابه وملبسه دونما أية مديونية خارجية، وهذه الميزات الاقتصادية جعلت من سوريا بلدا عربيا صادما في مواجهة الصلف والاطماع الاسرائيلية و الخارجية بشكل عام
 
ساحة للاشتعال
غير الاطماع الخارجية في هذا البلد العربي سرعان ما استغلت ثورات الربيع العربي لتزكي حاجات الناس لتداول السلطة وحاجاتهم للتمتع بالديمقراطية والاستفادة من خيرات بلادهم و
حاجات الناس الفطرية في العيش الآمن والعدالة الاجتماعية والحرية، أطلقت حماسة الشباب للانطلاق فوقع المحظور ونجحت المؤامرات الخارجية في تفكيك وتقسيم الشعب السوري بين مؤيد للرئيس بشار الأسد ومعارض سياسي وثالث يرفع السلاح مدعوما بجهات تمويل عربية واجنبية، وألأنكى ان تحولت الارض السورية الى ساحة لاستعراض عضلات القوى الكبرى ومصالحها وتحقيق أطماعها في ثروات هذا البلد فأدخلوا سموم التطرف والانقسام ..
أما الشباب الذين رفعوا في البداية أصواتهم طلبا للإصلاح السياسي، صاروا اما في ذمة الله بعد ان قضى عليهم الموت أو معتقلين أو مشردين أو محبطين ونادمين على كل لحظة رفع فيها راية التمرد على نظامهم السياسي، فهم لم يكونوا يتوقعون أبدا هذا المصير البائس لوطن غني بثرواته وثقافته وحضارته.
فقد تدخلت أطراف خارجية  اقليمية ودولية تعد الأكبر من نوعها في أي ساحة قتال، وظهر تنظيم ' داعش ' ليمثل مسوغا لتدخل دولي لاجتثاثه.
فدخلت سوريا في حلقة مفرغة من التكالب التركي للقضاء على الدواعش وحماية حدودها مع سوريا والحيلولة دون استثمار اكراد سوريا لفرصة اقامة وطن ودولة لهم على الحدود مع تركيا، ودخلت ايران للحفاظ على الدولة السورية من السقوط  في براثن داعش، ودعما للنظام ودخلت روسيا لحماية مصالحها على البحر المتوسط عبر الشواطئ السورية، ودخلت أمريكا وبريطانيا وفرنسا بحملة لعدوان ثلاثي على سوريا تحت ذريعة حماية الانسان السوري من الاسلحة الكيماوية للرئيس بشار، ولكن هذا العدوان الثلاثي في حقيقته ليس سوى محاولة أمريكية لمسح ماء وجهها من عار الهزيمة التي منيت بها عبر مسلحين  القاعدة الذين تدعمهم في الغوطة الشرقية، بينما نجحت قوات  الجيش السوري في حسم المعركة هناك وسحقهم.
و تدخلت السعودية و بعض الدول العربية تحت ذريعة حماية الوجود «السني» في مواجهة الوجود « الشيعي » الذي تمثله ايران، ولوي ذراع النفوذ الايراني داخل الاراضي السورية و ايران تساهم مع القوات السورية النظامية في محاربة داعش.
 
دمار ومذابح يومية
وبعد  دخول سوريا العام الثامن على اندلاع ما يسمى ثورتها، فانها قد تحولت من جنة الله على الارض بخيراتها الزراعية والصناعية الى ارض مآتم لجنازات ومذابح يومية، تملأ سمواتها اصوات قذائف الصواريخ والقنابل المفزعة، ولا تكف سيول الدماء الطاهرة عن الجريان، بينما تبدو الجثث المتفحمة من نيران الحرب مشاهد مكررة في أفلام الاشباح والشياطين، كما لا تتوقف عمليات خراب البيوت وتهدمها وتهجير اهلها مشهد يومي يذبح كل صاحب ضمير انساني حي، والكل يدفع ثمن الاطماع الخارجية والانقسامات الداخلية.
تعرض المواطن السوري لأشد أنواع الانتهاكات لحقوق الانسان، فقد خسر بيته واهله بالموت وهدم بيته وفقد عمله وذاق مرارة التشرد والحرمان، ولجأ فارا اذا ما كتبت له الحياة من نيران المدافع والصواريخ الى المخيمات وهناك يجد حربا اخرى في انتظاره وهي حرب التجويع، فان وصل للمخيم فانه لا يجد الخبز الحاف الذي يقتاته ليسد جوعه، بسبب أن المتحاربين من كافة الاطياف السياسية والعسكرية يقطعون إمدادات الغذاء والماء والدواء لسكان المخيمات تحقيقا لنفوذهم على الارض السورية.
 
النهضة قبل الأزمة
وقد رصد تقرير لوكالة فاس نشرته شبكة “سي إن بي سي” المتخصصة بالأخبار الاقتصادية نهايات عام 2016 حول القطاعات السورية قبل اندلاع الثورة فيها، أن سورية كانت مصنفة  بين الدول الأكثر أمانآ، و تخطو بثقة نحو تحقيق تنمية شاملة في مختلف قطاعاتها، خاصة الاقتصادية، وذلك قبل ان تنفجر الاوضاع وتقود الاقتصاد السوري إلى مرحلة الانهيار.
يوضح التقرير، انه قبل آذار من عام 2011 كان قطاع الأدوية السوري يغطي 90٪ من الحاجة المحلية ويصدر الى 54 دولة حول العالم، كما ان نسبة الأمية اقتصرت على 5٪ قبل ان تهدم الحرب اكثر من 7000 مدرسة، كما جاءت محافظة حلب في الترتيب الأول من حيث تشغيل القوى العاملة ووصول هذه النسبة الى 94٪، في بعض الإحصاءات التي نشرتها الشبكة الاقتصادية.
بينما تخطى الناتج المحلي في سورية، عام 2010، ال 64 مليار دولار، مساهمة الحكومة من الناتج الإجمالي وصلت إلى 22٪، فيما حل القطاع النفطي السوري في المرتبة27 عالميا من حيث الإنتاج، الذي تجاوز ال 400 ألف برميل يوميا، فيما بلغت الإيرادات النفطية 7 ٪ من الناتج الإجمالي.
أما الإنتاج الكهربائي في سورية بلغ الـ 46 مليار كيلو واط ، كان في عام 2010 يغطي الحاجة المحلية، والفائض يتم تصديره الى لبنان.
 
واقع مرير

ان الاطماع الدولية لن تترك سوريا الا وهي بلد منهك تطحنه الحروب كما سبق و ان فعلوا بالعراق، ولكن للأسف فان الشعب السوري لم يستفد من تجربة العراق، وتتجاذب بعض أطيافه السياسية الارتباط بقوى دولية لها اجندتها ومصالحها الخاصة، ربما يكون أقلها تحويل سوريا الي ساحة حرب دائمة لتنشيط تجارة السلاح وتحقيق ثروات مالية طائلة على حساب الدم السوري .
 فهل سوريا حقل تجارب و هل من اطلق الثورة جاهل بما سيحدث فكيف لغير المتمرسين و غير ذي اصحاب الرؤى السياسية البعيدة الأمد التدخل بتجارب لا يعرفون مصيرها و هل كانت سوريا خراب يريدون انقاذه ام كانت دولة مستقره مكتفية ذاتيا و اقتصاديا و حاليا تم خرابها و تدميرها الا تثير النتائج لهذه الحرب المؤامرة هذه التساؤلات فهل تفاجأوا بالنتائج فهم غير مؤهلين سياسيا ام مخطط لها مسبقا فهم عملاء دمروا بلدهم ام بدأت نضيفه و أندس بينهم من اندس مستغلا حالة الفوضى نحن لا نعرف النوايا فوحده الله يعرفها و إنما نعرف النتائج و ما آلت اليه هذه الحرب التي قضت على الأخضر و اليابس 
لست من مؤيدين اي حكومه ولا اعرف احد منهم معرفه شخصيه كفرد من أفراد الشعب العربي او ككاتبة او من ضمن شريحة المثقفين المهتمين بأحوال الناس الا ان كل ما اعرفه انني لا املك من التطرّف او الطائفيه او العنصرية ما يجعلني أبرر دمار بلد و شعب

التسوية السلمية
لاشك ان دوامة الدم المراق على الارض السورية وتشابك مصالح القوى الدولية عليها قد يطلق منها شرارة الحرب العالمية الثالثة ما لم يخرج عقلاء العالم وحكمائه لوقف نزيف هذه الحرب الكونية، وهذا لن يتأتى بمعزل توافق الداخل السوري أولا على ضرورة الحفاظ على أرضه وسيادته والحيلولة دون تقسيمه وتفتيته، كذلك التوافق على ضرورة اطفاء نيران هذه الحرب المشتعلة التي أتت على الاخضر واليابس في هذا البلد العربي الاصيل.
واطفاء هذه  النيران مرهون اولا بتوصل المعارضة السورية فيما بينها الى ان استمرار هذه الحرب الى ما لا نهاية امر لا يقبله عقل وانه يمثل تدميرا ممنهجا للشعب السوري في حاضره ومستقبله، ومن ثم فان المعارضة السورية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى ببذل أكبر جهد من أجل التوصل الى تسوية سلمية مع النظام السوري الذي هو الاخر مطالب بالتخلي عن عصبيته وتشدده مع المطالب المشروعة للمعارضة السورية 
وفي تقديري، انه لا مخرج للأزمة السورية دون التوصل الى حل سلمي يوقف شئم هذه الحرب ويطهر البلاد من اي تواجد أجنبي، ويفتح الباب لانتخابات رئاسية ونيابية تسبقها جهود العفو اسوة بتجربة جنوب افريقيا.
وأظن ان أي مواطن مخلص وعاقل، لابد وان ينظر اولا واخيرا الى سلامة الشعب السوري وحمايته من هلاك هذه الحرب وهذا لن يتحقق الا باعلاء مسار التفاوض السلمي والخروج بحلول عملية لوقف الصراع والدمار .
غير ان هذه الجهود الداخلية بين المعارضة والنظام الحاكم في سوريا لن تؤتي ثمارها الا ببذل المجتمع الدولي جهود مخلصة لانجاح هذا التفاوض، وهو ما يعني تخلي القوى الكبرى عن اطماعها في سوريا اعمالا لحقوق الانسان في العيش الامن كما يتشدقون ليل نهار بحقوق الانسان.

الاثنين، 14 مايو 2018

الحكمة والقضاء سبيلنا لانهاء الخلافات العشائرية

ظل الشعب الاردني بكل اطيافه السياسية والعشائرية والقبلية مصطفا خلف قيادته الهاشمية طوال قرن من الزمان ادراكا منهم بأهمية وحدة الصف في مواجهة التحديات التي تواجه أمنه الداخلي وحفاظا علي مكتسبات الدولة الاردنية الحديثة في تحقيق الامن والسلام لمواطنيها.

ومعروف ان شعب الاردن من أكثر الشعوب العربية تعليما وثقافة ووعيا وادراكا للتحديات التي تواجه استقرار المنطقة العربية ومؤامرات تفتيته وتمزيقه الي دويلات كما يجري بسوريا الشقيق واليمن ومن قبلهما العراق الذي يحاول جاهدا استعادة سلامته وامنه القومي والاقليمي.

ولذلك فان شعب الاردن ملتف جدا حول القيادة الهاشميه ثقتة بها من ناحية، وادراكا منه لخطورة اي مؤامراة قد تعرض لمخاطر ما حدث في بعض دول الجوار العربي  من جانب أخر.

فقد ورث الشعب الاردني حب الملك عبدالله من حبهم للمغفور له الملك الحسين، وأثبت الملك عبد الله انه شبل الأسد يقف صامدا امام تحديات اسرائيل وابتلاعها للأراضي العربية بفلسطين واستمرارها كتحدي أمني يهدد أمن الاردن، كما وقف الملك عبد الله صامد في مواجهة الضغوط الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الاردن وكل الدول العربية رغم قلة موارد البلاد.

واليوم، فان الاحداث الدامية التي جرت بين قبيلتين من أعرق القبائل الاردنية وما صاحبها من وقوع اعمال شغب وعنف يخالف طبيعة الشعب الاردني المسالم والمحافظ  بفطرته علي قيمه العربية الأصيلة ووحدته وترابطه.

لا بد من وقفة ثناء على العشائر الاردنية لما تتمتع بِه من حكمة و تروي في ردود الأفعال اتجاه بعض القضايا المندسة لتعكير صفو الجو الاردني ومواقفه الموحدة اتجاه حماية الارض و الشعب و الوطن فما مر به المجتمع الاردني من ايام لقضية اثارتها احدى السيدات ما زاد الوطن الا تضامنا و ما زاد العشائر الا توحدا و التفافا حول قيادته الهاشميه 
 
تباين الرؤي
وقد تباينت وجهات النظر الاجتماعي لهذه الاحداث المؤسفة التي جرت فمنهم من أخدها من باب الأحاديث السطحيه و النميمه، وبعضهم  تلقاها كقضية عشائرية، والبعض نظر اليها باعتبارها قضية اجتماعية تمس شباب وعلاقات فاسدة، وأخرين رأها مجرد زوبعة أدت لي بلبلة الافكار، ولكني احببت ان اساهم بالقلم في زيادة توعية الناس في درء الفتن و تصور ماذا لو كان خلف هذه الاحداث من باب التخيل مؤامرة خارجية تستهدف الامن والاستقرار بالاردن واضعاف تماسكه الاجتماعي داخليا.

وان كنت اتمنى كأردنية أفدي وطني وكل ذرة من ترابه بدمي، أن ألا تكون ورائها مؤامرة خارجية، ورغم علمي بأننا وطن قوي وجشينا أقوى، لكني أضع هذه الفرضية، من باب الاحتياط والحذر ومن ثم فاننا مطالبون جميعا الحذر من الآن فصاعدا من وقوع أحداث مشابهة اجتماعيه أو عائليه أو رياضيه قد تستخدم ويتم استغلالها لخلق بلبله وفوضى يتمكن من خلالها اعدائنا بتدمير حياتنا ومستقبلنا.

فلا أحد يمكنه مصادرة حق ابناء المجتمع في مواجهة أي شكل من أشكال الفساد، ولكن ليس باعمال العنف والتدمير والحرق وتضييع هيبة الدولة والقانون الذي توافق عليه ابناء الشعب الاردني ليفصل في أي نزاع، واذا لم نحتكم للقانون، فان المجتمع بأسره سيتحول الي غابة.

من ناحية أخرى، فان هناك الكثير من الشواهد على ان الحكومة الأردينة لا تألوا جهدا في اعمال القانون ومحاسبة المخطئ أيا كانت وظيفته، وقد أثبت الشعب ثقته بالحكومه التي لا يمكن ان تأوي أي مواطن خار ج عن القانون بدليل قصة اقالة احد الحرس العام الماضي فقط لتجاوزه اثناء قيادته سيارته، فالمعروف لدى الجميع هذا الامر فلم ينجح المتآمرون بلعبتهم السخيفة.

في تقديري ان هذه القضية قد اتسعت رقعتها من مستصغر شرر بين قبيلتين، نتيجة اخطاء فردية  فلا يجب ان دفع المجتمع الاردني ثمنها غاليا، خاصة بعد تطبيق الدخاله في القوانين العشائرية، ورغم انه تم ألغاؤه عام 1976، غير انه لا يزال ساري المفعول كعرف سائد  في مجتمع القبائل، ويقصد به أن يستجير المعتدي، أو طالب الحق أحيانا، بأحد الشيوخ أو بوجهاء العشائر، فإذا كان المستجير طالب حق، فإن استجارته أو دخالته تأتي لطلب تحقيق العدل والمساواة في أمر يشعر أنه غُبن فيه.

ورغم انني لا أبرئ المعتدين بالضرب على الشاب 'الفايز ' لكن هذه الجريمة لا يمكن لأي عاقل ان يتصور تطورها الي شكل إشعال الحروب بين القبائل الاردنية خاصة وان الازمة اندلعت بين أكبر قبيلتين لهما من التاريخ والعراقة ما يحول دون التهور والجنوح بالشكل الذي شاهدناه.و هذا فعلا ما عملت بِه القبيلتين التان تجاوزتان الفتنه لما يربطهما من علاقات اخوية تجمعهم في وطن واحد ومصير مشترك

ولو افترضنا ان هذه الاحداث المؤسفة التي جرت بين القبيلتين العريقتين وقعت بتأثير المؤامرة الخارجيه ضد الاردن  وشعبه من الأعداء ضد المملكة بلد الامن والأمان، فمن الممكن ان الاعداء استخدموا حيلهم والأعيبهم الدنيئة لاثارة الفتنة والوقيعه بين العشائر وبين الشعب والحرس، ومن يدرس المجتمع الاردني يعلم معنى كلمة الفزعة وخاصة للنساء وخاصة الأردنيات ويعلم معنى الدخاله، ويعلم أيضا ان كل المؤامرات المحاكة للأردن لم تنجح لخلق بلبلة وزعزعه وبقى التلاحم بين الشعب والحكومه والارض، فلجأوا الى حيلة تجريب استخدام النساء لجر العشائر لحروب شوارع وتناحر أهلي.
لكن حتى في هذه المرة لم ينجحوا فأثبتت العشائر الاردنيه ولائها للوطن ولملك البلاد، سواء الفايز اكبر عشيرة اردنيه بني صخر وأهمها، أو الشوابكة من اكبر عائلات الاردن وأهمها كذلك.
 
القضاء مربط الفرس
بوصول هذه الازمة الي ساحة القضاء فعلينا، ان نترك الامر للأجهزة المعنية لتفصل في هذا الخلاف عملا بقيم دولة القانون، وأن المتهمين سينالون العقوبة الرادعة عن جرائمهم القضاء، خاصة بعد سلمت قبيلة الشوابكة المتهمين الثمانية المطلوبين، الذين ظهروا في الفيديو، وطلبت عشيرة الشوابكة الوساطة من القضاء الأردني، ووجهاء عشائر، مؤكدة استعدادها التام لتقديم أبنائها للمحاكمة.

وهنا يتجلي دور احكام العقل وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن البلاد واستقرارها، عبر حكماء  ووجهاء القبائل الذين ينبغي لهم الاسراع في  اقتلاع جذور النزاع بين القبليتين.

وهو ما فعلته عشائر بني حميدة و العجارمة وغيرها من التجمعات العشائرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حين دعت في عدد من البيانات، إلى الاحتكام للعقل والحكمة في معالجة هذه القضية، وضرورة توخي الحذر من البيانات المشبوهة والدخلاء، الذين يستهدفون زعزعة امن واستقرار الوطن'.
 
تفويت الفرصة
علينا نفعل مقولة الأثر الشعبي  ' رب ضارة نافعة ' وان نستفيد من هذه الاحداث المؤسفة لنعمل معا على تحقيق وحدة نسيجنا الاجتماعي، وان نتعاون قبائل وعشائر في نبذ الخلافات ووئد الفتن التي يشعلها أعداء الوطن، وهذا لن يتحقق بمعزل ضبط النفس عند حدوث نازلة، والاحتكام الى  الحوار المجتمعي العاقل والى الحكمة في ادارة أية أزمة اجتماعية، والتصدي لأي خلاف عشائري او قبلي او طائفي واجتثاثه قبل ان يستعر بالنار المحرقة.

وأظن ان روابطنا العربية الاصيلة  وديننا الاسلامي و الدين المسيحي السمح يحثاننا على هذا التعاضد الاجتماعي، والى التعايش في ظل مجتمع آمن للجميع بعيدا عن تشرذم اية عصبية.

وكما قال الله تعالي في محكم كتابه بسورة المائدة ' وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ' . 

وانني لادعو شيوخ وحكماء قبيلتي بني صخر والشوابكة الذين أكن لهم كل تقدير واحترام ان يتعاونا معا علي تجاوز هذه الازمة سريعا، وتهدئة شبابها في كلا الطرفين، وحصرالخلاف في ساحة القضاء ليفصل في الأمر.

ولكن هذه الازمة مدعاة للتعاون بينهما وبني كل العشائر الأردنية في الانتصار للحق ضد كل أشكال الظلم والعدوان على الأخرين والوقوف بحزم ضد من يفكر في الاعتداء على الآمنين وارواحهم وممتلكاتهم.

الخميس، 10 مايو 2018

المرأة العراقية منهلا للابداع الغنائي الموسيقي

شكلت المرأة العراقية عنصرا فاعلا ومؤثرا في الاغنية العراقية الشعبية والتراثية والحديثة والمعاصرة، وبفعل ما هضمته من معطيات حضارية بابلية وأشورية وعباسية وما خلفته هذه العصور من كنوز معرفية وثقافية وفنية جعلت من الفن الغنائي الموسيقي العراقي نهرا خالدا متعدد الروافد والمقامات والمذاقات.
فقد أبدعت المرأة العراقية شعرا غنائيا في المحبوب والطبيعة، كما ابدعت تلحينا بمختلف المقامات، وابدعت شدوا وغناءا وأبحرت مع الشعر الصوفي تلحينا وغناءا، ناهيك عن انها كانت ولاتزال ملهمة لخيال مبدعي فن القريض ومبدعي بحور النغم فصدحوا بأعذب الانغام والكلمات في محياها وجمالها وعشقها.
وتميَّز الغناء العراقي بالتنوع فقد غنى مطربوه المقام العراقي باختلاف أنواعه وغناء (البستات) القديمة والحديثة، و(الأبوذيات) و(المربعات) و(العتابة) و(النايل) و(الركباني) و(المنولوجات) و(الموشحات) وأغاني الزفة، الزورخانة، الجوبي (الدبكة)، وأغاني رمضان، وأغاني الأطفال، والكسلات وأغاني الأعياد وغيرها، وكان للمرأة العراقية اسهامات كبيرة فيه.
فقد حفل التراث الشعري الشفهي العراقي بخصوصية الشعر الدارمي الذي ابدعته المرأة العراقية، ويتألف هذا الشعر الدارمي من بيت او بيتين تعبر بهما المرأة عن لحظات فرحها او حزنها في سياق شعر الغزل وما يرتبط به من تفريعات، ومن أنماذجه التي سجلها التراث العراقي، قصة اعياء الفتاة ومرضها لغياب المحبوب وكيف ان أهلها يسقونها الماء قطرة قطرة ويسألون الله سرعة موتها رحمة بحالها، لكنها لن تموت الا اذا حضر محبوبها، وهو ما عبرت عنه هذه الابيات:
ديرولي ميه راس   ... نكطولي ألف ماي
أتعبكم وما موت .... لمن يجي أهواي
وهناك أنموذج أخر لفتاة تلوم الباكيات وتدعوهن لخفض أصواتهم حتى لا يسمع الحبيب صوت البكاء فيصيبه مكروه، كما في انشودتها:
كل مرض مايباش .... خاله استريحن
يرعب كلبي هواى ... لمن اتصيحن
ميحانه ناظم
وتتعدد روافد الشعر الشعبي النسوي وغنائه بالعراق من محافظة الى اخرى ومن قرية الى اخرى ايضا، فقد حفظ التراث الشعبي أغنية ميحانه التي شدا بها العبقري الراحل ناظم الغزالي، وتعبر عن قصة حب عذبة ورقيقةلامرأة من الكوفة تدعي "وشله بنت اجريو" التي احبت رجلا من اهالي الحله يمكن كان اسمه عبدالله وكان يمتلك مركبا شراعيا ينقل فيه الحبوب والحيوانات.
كان الرجل يمتلك حول الحديث جميل المعشر عذب الصوت يجذب الناس اليه، و نشأت قصة حب شديده بينه وبين " وشله ".
كان غرامهما سرا أول الأمر ولم يعرفها الى" ميحانه صديقة وشلة، بينما كانت ميحانه تشجع وشله على الافصاح بحبها...ولكن وشله رغم انها تعلم ان الرجل يبادلها الحب فانها خشيت ان يفتضح أمر عشقها.
تعرض المحبوب لحادث اودى بحياته، فحزنت عليه وشله حزنا شديدا، وفي أحد الايام كانت وشله جالسه مع صديقتها ميحانه على شاطىء النهر وهي تغسل الاواني .. فمر المركب الذي كان يشتغل عليه حبيبها مرورا صامتا احزنها وهيج ذكرياتها .. فألتفتت الى صديقتها ميحانه وكانت الشمس تميل نحو الغروب وقالت ... ولج ميحانه تغرب شمسنه والحلو ماجانه، فبكت ميحانه لبكائها وقصت قصة وشله على والدتها..التي سمع بها أخ ميحانه فجاء هذا الاخ الى وشله بعد ايام متوددأ.. مقتربا.. منها .. وقال ,, ميحانه ..ميحانه .. غابت شمسنه الحلو ماجانه
التفتت اليه وشله وصدته..عندها قرر أن يثأر على اهانتها فتقدم لخطبتها من أهلها ولكنها رفضته.. فأقسم على الانتقام منها,, فكان ينقل عنها كلاما سيئا وقد اصبح كلاهما .. مدارا لحديث الناس لسنوات طويله ..
من أبيات هذه الاغنية:
غابت شمسنه الحلو ماجانه
هذوله العذبوني هذوله المرمروني على جسر المسيب سيبوني...
واليكم كلمات الاغنية كاملة والفديو الخاص بها للمطرب ناظم الغزالي رحمه الله ..
ميحانه ميحانه
ميحانه ميحانه... ميحانه ميحانه
غابت الشمس وللحين ما جانه
حيك.. حيك بابه حيك .. الف رحمه على بيك
هذوله العذبوني .. هذوله المرمروني
وعلى جسر المسيب سيبوني
عافت عيوني النوم .. عافت عيوني النوم
بعدك حبيبي العين ذبلانه
بلوح القدر مكتوب .. بلوح القدر مكتوب
بهجرك حبيبي الروح ضمآنه
وعلى جسر المسيب سيبوني
ضليت انا سهران .. ضليت انا سهران
وارعى نجومي ليش ماجانه
واتسامر ويا الليل .. واتسامر ويا الليل
واجمع همومي وروحي تلفانه
حيك.. حيك بابه حيك .. الف رحمه على بيك
هذوله العذبوني .. هذوله المرمروني
وعلى جسر المسيب سيبوني
خلى الدموع اتسيل .. خلى الدموع تسيل
من عيني دمه الروح ضمانه
واللي فديته الروح .. واللي فديته الروح
روحي ظلمه بسكَم خلاّنه
عمق وجدان
عكست أغاني المرأة العراقية عمقا ملتهبا في المشاعر يقود الالم والابتلاء في الهوى جسدته لغة عنيفة، كما في أغنية المطربة الساحرة عفيفة اسكندر متوعدة حبيبها " الله لو تسمع هلي / شلون بغرامك مبتلي "، و تنبه فيها، حبيبها من خطر ان يعرفوا أهلها بما سببه من ألم لها.
والمطربة "زهور حسين" تشتكي من الهوى، و تقدم شكوتها لأهل الهوى نفسهم، وهي ترتجي أن يعينوها، تقول " انه عدكم دخيل / من عذاب الخليل " .
وللشعر النسائي الجنوبي مذاق خاص في تذوق الحب والتلذذ بعذاباته، فتقول المرأة الجنوبية وهي تدير رحاها
" ما تنسمع رحاي بس ايدي اتدير / اطحن بقايا الروح موش اطحن شعير".
خصوصية
احتفظت كل مدينة عراقية بخصائص غنائية وموسيقية تميزها عن غيرها، وكان للمرأة الدور الاكبر في الحفاظ علي هذه الخصوصية، فيبنما اشتهرت مدينة الموصل بالأغاني السويحلي والليالي والمقامات الخفيف.
فان غرب العراق اشتهرغناء النايل والعتابة والهوسات والأهازيج الشعبية الأخرى.
بينما تنوع الغناء في كركوك تلونا ب الطيف القومي والعرقي الأنثي الذي يسكنها ومن ذلك نجد الأغاني الكوردية بمقاماتها الأصلية التي تأثرت بها المقامات العراقية و البغدادية و الألحان الشجية التي تحكي انكسارات الحب بغياب الحبيب او موته او قصص الحب التي تفشل بسبب عدم موافقة اهل البنت او الشاب و الألحان الفرائحية بالأعراس و الأعياد مثل النوروز و اعياد الربيع وايضاً الأغاني التركمانية والمقامات الخفيفة مثل مقام (القوريات) والمخالف كركوك..
فان جنوب العراق عرف الغناء الريفي العربي الأصيل، من أبوذيات ومربعات وموشحات وأغاني الرقص الشعبي العربي. ومن أعذب ما في هذا الغناء ما نجده في مدن الناصرية والديوانية والكوت والعمارة وفي البصرة الفيحاء نجد غناء المنكَّر وغناء الهيوة والخشابة والأغاني الريفية وبعض المقامات العراقية بنمط البحارة...
وتميز تراث الغناء العراقي بأسماء رائدات نسوية عديدة منذ عشرينات القرن الماضي سواء من العراقيات او من العربيات اللواتي سكنّ العراق تركن تراثا فنيا زاخرا ومن هؤلاء :
صديقة الملاية، وهي صوت رنان عميق قوي يعتبر كنزا من الكنوز اجادت غناء بعض المقامات العراقية السهلة و الأغاني العراقية القديمة واشتهرت بعدة أغان منها "ياكهوتك عزاوي بيها المدلل زعلان" وهي مقهى معروفة في منطقة الميدان.
وسليمة مراد، مطربة العراق الأولى، وهي الفنانة الوحيدة التي نالت الباشويه، وكانت تعقد في قصرها صالوناً ادبياً وسياسياً وموسيقيا، وتقيم الحفلات الغنائية وتشرك معها بعض المطربات المعروفات والمطربين المعروفين منهم ناظم الغزالي الذي نشأت بينه وبينها علاقة حب سريعة تزوجا على أثرها ويلقبها المقربون منها سليمة باشا.
ومن اشهر أغانيها "قلبك صخر جلمود"، وهي أغنية أثارت شغف أم كلثوم، التي طلبت من "سليمة" أن تغنيها، عندما كانت في زيارة للعراق عام 1935، ويُقالُ بأن أم كلثوم سجلتها بصوتها على إسطوانة نادرة.
وزهور حسين، التي اشتهرت بالصوت الرخيم العذب في الخسمينيات وغطت أغانيها سماحات كبيرة من البث الاذاعي العراقي، وانتشرت صورها على جدران المقاهي خلال بث أغنيتها الرائعة "لو للغرام حاكم" أو "غريبة من بعد عينك يتيمه" بصوتها الشجي الشاكي الباكي.
وكذلك أميرة الغناء الريفي "مريم عبد الله جمعه" بنت ألبصره الفيحاء التي لقبت نفسها في ما بعد وحيدة خليل واشتهرت بهذا اللقب، وأجادت أطوار الابوذيه ببراعة الحياوي والمستطيل..الغافلي..الدشت..العنيسي، كما أجادت أيضا في ألوان أخرى مثل السويحلي والنايل والبسته. واشتهرت بأغاينها الرائعة مثل " من وصلك من دلاك" و " عين بعين ..جا وين أهلنه.. " وغيرها.
ويخلد تاريخ الغناء العراقي اسم " عفيفة اسكندر " نجمة الغناء العراقي طوال نصف قرن قدمت فيها كل ألوان الغناء بجمال وإثارة مستفدية في ذلك من تذوقها الموسيقي المبكر وثقافتها الواسعة وحبها للشعر والأدب عبر مجلسها في منطقة المسبح في الكرادة، وكان يضم ابرز رجالات السياسة والأدب والفن والثقافة في البلاد.
وعكست التجربة الغنائية للمطربة "أنوار عبد الوهاب " تأثير الم التجربة السياسية وجراحها في اغانيها، فهي من مواليد الناصرية جنوب العراق وابنة احد أشهر الكتاب السياسيين في عهد الجمهورية 1958، وهو عبد الجبار وهبي الذي استشهد في انقلاب (8 شباط 1963).
وامتلكت " أمل خضير " تجربة عميقة في الطرب الاصيل ربما تأثرا لأسرتها الفنية نشأتها، حيث تأثرت مبكرا بالغناء ومطربات الزمن الجميل؛ وحيدة خليل، سليمة مراد، وسلطانة يوسف، وبدرية أنور، ومنيرة الهوزوز وزكية جورج. تربعت" أمل خضير " على عرش الغناء الرومانسي ذو الطابع الحزين مع محافظتها على الأصالة.
ومن اشهر أغانيها : "يا ألف وسفه ويا حيف - وفدوه فدوه- وتعال" و" واتوبه امن المحبة"، و" يا يمه آثاري هواي".
وتعد " فريدة محمد علي " من أشهر النساء اللواتي سجلن حضورا متميزا في أداء المقام و الأغنية العراقية مستفيدة في ذلك من دراستها الأكاديمية المتخصصة في علم الغناء فأبدعت من خلال هذه الملكات في أداء مجموعة كبيرة من المقامات العراقية قاربت العشرون مقاما.
ولاغرابة ان تلقب " فريدة محمد " بسيدة المقام العراقي لأدائها المتميز لهذه المقامات وكونها الأمرأة الوحيدة التي تمكنت من أداء هذه المجموعة من المقامات وتقديرا لدورها المتميز في نشر هذا الموروث الغنائي العراقي الى العالم لقبت بصوت الرافدين خلا ل مشاركتها في الملتقى الثقافي العراقي الأول الذي أقيم في العاصمة البريطانية لندن، كما لقبت ب " قيثارة دجلة".
مقام التصوف
ويحفل السجل الغنائي العراقي بالعديد من المبدعات العراقيات شعرا وغناءا وتلحينا جيلا بعد جيل ومنهن " سحر طه" التي تبحر بانغامها مع الشعر النسوي الصوفي ايمانا منها بخصوبة وثراء الشعر الصوفي وما يحتويه من شجن انساني عالي المذاق، وجاءت تجربتها في هذا المجال بعد ماجذبتها تجارب النساء العاشاقات لله وفيضهن بالشعر الصوفي في تجليات وثمرة هذا العشق الالهي.
ورغم انها قدمت اكثر من اربعين عملا فنيا بين غناء وتلحين لكنها تري نفسها اقرب الي تلحين الاغاني الصوفية رغم من صعوبتها. فهي تري ان المقام العراقي يتضمن الكثير من القصائد الصوفية ومن اللحن الصوفي.
كلمة اخيرة
المرأة العراقية كانت منبعا للخصوبة الابداعية شعرا ولحنا وغناء كما كانت ولا تزال ملهمة للابداع في كل جوانبه الموسيقي والشعري، ولعل تجربة سحر طه واقتحام مجال شديد الجدية والصعوبة انما يؤكد ما تتمتع به المرأة العراقية من ثراء حضاري وثقافي وروحي يشع في ظلمات ايامنا، وستظل المرأة العراقية مشعلا للنور والفن والابداع يضئ سمواتنا ويغذي ارواحنا وعقولنا معا ويحافظ على موروثنا الثقافي للأجيال المتعاقبة.

الأحد، 6 مايو 2018

الالعاب الالكترونية القاتلة أزمة دولية

يشكل اللعب أهمية كبيرة في تنشئة الأطفال واسعادهم باللهو والمرح، بجانب انه يخلصهم من الطاقة الزائدة، وتنمية ادراكهم عبر عمليات التخيل والتذكر والتفكر التي يمارسها الطفل خلال لعبه. ومن ثم فان اللعب يؤدي لتنمية نشاطه النفسي وبناء شخصيته.

وكشفت الكثير من الدراسات العلمية عن العلاقة الايجابية بين ارتفاع الذكاء واللعب، وسبق لابن سينا الكشف عن أهمية لعب الاطفال بقوله : ' وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة ،ثم يطعم شيئاً يسيراً ، ثم يطلق له اللعب الأطول.”

واللعب هنا حركي وجماعي مثل الالعاب الرياضية الشعبية المختلفة التي تربت عليها الاجيال بشكل تفاعلي مع الطبيعة، بعيدا عما نعرفه في عالمنا المعاصر من كابوس الالعاب الاليكترونية التي رغم أنها تحفز الذكاء لدى الأطفال وتنمي ذاكراتهم وسرعة تفكيرهم، ومهارتهم الإدراكية، الا انها اغتالت براءة الصغار ودفعتم للانحراف السلوكي والدخول في علاقات مشبوهة وانتهت الى جرائم الانتحار والقتل خلال تنفيذهم تعليمات اليكترونية افتراضية قضت علي حياتهم ، كما تفعل لعبة ' الحوت الازرق'. 

إن والدتي كانت تخفي عني هذه الألعاب الالكترونية في مرحلة طفولتي « نينتندو بلاي ستيشن» كلما أهداني إياها احد الاقارب ، وكانت تحثني بدلا عنها باللعب في فضاءات الطبيعه و مع الحيوانات ، و عندما كبرت أدركت سبب تخوفها من تلك الألعاب التي تؤدي إلى نتائج ضارة خاصة إذا ما وصل اللعب بها حد الإدمان ، ولا ننكر أن بعضها مفيد خاصة من يعمل على تنمية الذكاء.

لكننا نحذر من بعضها الذي يحث على العنف و الاكتئاب ناهيك عن بعض الالعاب الالكترونية التي تحتوي على مشاهد غير اخلاقيه والفاظ نابية وسلوكيات منحرفة تغير من عادات الصغار الاجتماعية والاخلاقية المتعارف عليها في بيئتنا الشرقية.

أما على الصعيد الصحي، فانه وفقا للمتخصصين فإن الأطفال وحتى المراهقين المتعاطين مع تطبيقات الألعاب الإلكترونية سرعان ما يقعوا فريسة للاضطرابات السلوكية والعضوية والنفسية، من بينها ما يعرف بالتوحد الإلكتروني، وما يترتب عليه من إنطواء وعزلة ، ما يجعل من امراض الاكتئاب نتيحة حتمية لاندماجهم في عالم افتراضي يغيبوا فيه عن التواصل مع الواقع ، وفي ظل غياب رقابة أسرية واجتماعية تحميهم من الحوت القاتل.

الطامة الكبرى أن الأسر باتت تريح نفسها من مسئولية رعاية الصغار وازعاجهم والانشغال بهم فترمي بهم في أحضان فيديوهات الألعاب والرسوم المتحركة في سنين عمرهم الأولى ، فما أن يصل الطفل عمر الثلاث سنوات حتى يشاهد الرسوم المتحركة، وهو ما يعرضهم في سن مبكرة كما يؤكد الأطباءالمتخصصون ، لاضطرابات في نشاط المخ والأعصاب والنطق والكلام وقصر النظر .

ما يستوجب على الأهل اتباع الحكمة في إختيار النوع وما يتناسب مع العمر اي الجودة و السن المناسب ويشب الصغار على الالعاب الاليكترونية المسلية، لكن معظمها يحتوي على مضامين تحفز على الاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم ظلما وعدوانا، كما أنَّها تُعلِّمهم طرق ارتكاب الجريمة وتنمِّي لديهم مشاعر العنف والاعتداء على الآخرين.

إن الألعاب الإلكترونية صارت صناعه كبيرة وبات تأثيرها على الاقتصاد العالمي واضحا وهو ما تؤكده ارقام حجم صناعتها الذي يقدر حالياً بنحو 110 مليارات دولار، ومن المتوقع وصوله إلى 200 مليار دولار بحلول 2020.

ألعاب مدمرة
في السنوات الأخيرة انتشرت عدة ألعاب اليكترونية مرعبة شغلت عقل ووجدان الصغار والمراهقين بما احتوته من اثارة وتشويق وغموض لكنها أصابت الاهالي بالذعر خوفا على فلذات أكبادهم، مثل ' لعبة مريم ' التي انتشرت خاصة في دول الخليج ، بعد ان حرضت الأطفال والمراهقين على الانتحار، لأنها تحمل في طياتها تهديدا لهم بانه إذا لم يتم الاستجابة لها ستؤذي أهاليهم.

وكذلك' لعبة جنيّة النار' التي تشجع الأطفال على اللعب بالنار، حيث توهمهم بتحولهم إلى مخلوقات نارية باستخدام غاز مواقد الطبخ، وتدعوهم إلى التواجد منفردين في الغرفة حتى لا يزول مفعول كلمات سحرية يرددونها، ومن ثم حرق أنفسهم بالغاز، ليتحولوا إلى 'جنية نار'، وقد تسببّت في موت العديد من الأطفال حرقاً، أو اختناقاً بالغاز.

كما أدت ' لعبة تحدّي شارلي' الى وقوع حالات اغماء وانتحار لأطفال خلال مشاركتهم في هذه اللعبة المنتشرة عبر مجموعة فيديوهات على شبكة الإنترنت، وساهم في انتشارها استهدافها لأطفال المدارس، من حيث اعتمادها على الأدوات المدرسية ، خاصة الورقة وأقلام الرصاص لدعوة شخصية أسطورية مزعومة ميتة تدعى 'تشارلي' ثم تصوير حركة قلم الرصاص مع الركض والصراخ.

بينما سيطرت لعبة «البوكيمون» غو، منذ ظهورها قبل عامين، على عقول الملايين عبر العالم، ورغم ما حققته لمستخدميها من متع وتسلية الا انها تسببت في وقوع الحوادث القاتلة بسبب انشغال اللاعبين بمطاردة والتقاط شخصيات « البوكيمون» المختلفة خلال سيرهم في الشوارع. و لا أنكر انني تفاعلت معها عندما كنت في زيارة لامريكا قبل عامين ثم حذفتها لانها كانت تأخذ من وقتي دون فائدة فما بالك بالصغار 

الحوت القاتل
وما كاد صغار ومراهقي العالم يفرغون من مخاطر «البوكيمون»، حتى ظهرت لعبة 'الحوت الأزرق' التي سلبت عقول مستخدميها من المراهقين والاطفال ودفعتهم للانتحار وكان آخرهم 'خالد' نجل المهندس حمدي الفخراني البرلماني المصري السابق، حيث قالت شقيقته ياسمين، عبر حسابها الشخصي على مو قع 'فيس بوك'، إنه انتحر شنقا وأن 'الحوت الأزرق' قد تكون سببا دفع شقيقها للانتحار.

هذه اللعبة القاتلة ظهرت في روسيا وعبرت حدودها الى باقي دول العالم، و تعرف رواجا عبر تطبيقات الهواتف النقالة ومواقع التواصل الاجتماعي، ان ' الحوت الأزرق' يعتمد علي غسل عقول المستخدمين الصغار والمراهقين طوال 50 يوما، فيأمرهم بأداء مهمات معينة مثل مشاهدة أفلام رعب، والاستيقاظ في ساعات غريبة من الليل، وإيذاء النفس، حتى انه يأمرهم في نهاية الأمر بالانتحار وسط تشجيع وثناء من القائمين على اللعبة الذين يوهمونه أنه بطل.

استغلال المأزومين
ووفقا لاعتراف الروسي فيليب بوديكين بالجرائم التي تسبب بوقوعها، فانه اعتمد على جذب الأطفال الذي يمكن استغلالهم فكريا ونفسيا والذين يعانون من مشاكل عائلية أو اجتماعية وبعتبر دخولهم في اللعبة حتى النهاية بالانتحار محاولة منه لتنظيف المجتمع من أسماهم ب'النفايات البيولوجية' معتبرا انهم سعداء بالموت.

أما وسيلته في جذب هؤلاء الضحايا الصغار، فتعمد على الايهام بأن هذه اللعبة تؤمن لهم مكاناً إفتراضياً يحاولون إثبات أنفسهم فيه، خاصة الأطفال غير المندمجين مع محيطهم، وبعد أن تشعرهم هذه اللعبة بالانتماء وبأنهم أشخاص مهمون وأصحاب سلطة، تدفعهم نحوالهاوية.

خطورة المعلومات
تسهتدف لعبة 'الحوت_الأزرق ' كتطبيق يجري تحميله مجانا على الموبايلات وتتكون من 50 مهمة، فئة المراهقين بين 12 و16 عاماً، وبعد أن يقوم المراهق بالتسجيل لخوض التحدي، يُطلب منه نقش الرمز التالي “F57” أو رسم الحوت الأزرق على الذراع بأداة حادة، و إرسال صورة للمسؤول للتأكد من أن الشخص قد دخل في اللعبة فعلاً.

بعد ذلك يُعطى الشخص أمراً بالاستيقاظ في وقت مبكر جداً، عند 4:20 فجراً مثلاً، ليصل إليه مقطع فيديو مصحوب بموسيقى غريبة تضعه في حالة نفسية كئيبة. وتستمر المهمات التي تشمل مشاهدة أفلام رعب والصعود إلى سطح المنزل أو الجسر بهدف التغلب على الخوف.

وفي منتصف المهمات، على الشخص محادثة أحد المسؤولين عن اللعبة لكسب الثقة والتحول إلى 'حوت أزرق'، وبعد كسب الثقة يُطلب من الشخص ألا يكلم أحداً بعد ذلك، ويستمر في التسبب بجروح لنفسه مع مشاهدة أفلام الرعب، إلى أن يصل اليوم الخمسين، فيٌطلب منه الانتحار إما بالقفز من النافذة أو الطعن بسكين.

بينما لا يُسمح للمشتركين بالانسحاب من هذه اللعبة، وإن حاول أحدهم الانسحاب، فإن المسؤولين عن اللعبة يهددونه ويبتزونه بالمعلومات التي أعطاهم إياها لمحاولة اكتساب الثقة. ويهدد القائمون على اللعبة المشاركين الذين يفكرون في الانسحاب بقتلهم مع أفراد عائلاتهم .

إن مخترع هذه اللعبة يقض عقوبة السجن، ورغم أن اغلاق المجموعات الخاصة بهذه اللعبة في صفحات التواصل الإجتماعي من قبل إدارة الموقع، فانه لا يزال هناك ناس يعطون الأوامر من هذه اللعبة لتوفرها على الانترنت بشكل كبير حتى بعد إزالتها من متجر جوجل وابل، ولا تزال هذه اللعبة المجانية تنتشر بصوره كبيرة بين الأطفال ، وليظل ارهاب الحوت الازرق يهدد حياة الصغار وهو أشد خطورة من ارهاب داعش والقاعدة، ومن ثم فانني أتصور هذ النوع من الارهاب يحتاج لموقف دولي حازم ينطلق اولا من مؤسسة اليونسيف المعنية بالطفولة لقيادة حملات دولية لحجب أي مواقع اليكترونية تتيح هذا التطبيق القاتل، وكذلك فان منظمة اليونسكو يقع علي عاتقها دور مهم في قيادة رأي عام ثقافي دولي يناهض اي فكر عدواني اليكتروني. و ان حذفنا لعبه الخوف من انشاء لعبه جديدة لمحاربة هذه النماذج بالقانون الإليكتروني الصارم و بالرقابة المطلوبة من الدوله اولا و الاهل ثانيا و التوعية في المدارس 

مكافحة متصلة
ولاشك ان هذ اللعبة الكارثية بكل المقاييس تنتهك حق الانسان في الحياة وتخالف كل الشرائع السماوية والارضية، ومن ثم فان كل اصحاب الديانات مطالبون بتوحيد موقفهم في مكافحة هذا الشيطان العصري وأمثاله المستقبلية عبر خطط توعية بمخاطرها على امن وسلام الاجيال الناشئة.

و أشيد هنا بموقف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في تحذيره من هذه اللعبة لانه تستخدِم أساليبَ نفسيةً معقَّدةً تحرض على إزهاق الروح من خلال الانتحار، وانها انطلقت من روسيا مسجلة 130 حالة انتحار، فانها انتشرت حتى وصلت إلى عالمنا العربي والإسلاميِّ ، وقد نهانا الله سبحانه عن ارتكاب أي شيء يهدد حياتنا وسلامة أجسامنا فقال : {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} .

ودعا مرصد الازهر الشريف الي ضرورة متابعة الطفل بصفة مستمرة، ومراقبة تطبيقات هواتفهم، وعدم ترك الهواتف بين أيديهم لفترات طويلة، مع شغل أوقات فراغ الأطفال بما ينفعهم من تحصيل العلوم النافعة والأنشطة الرياضية المختلفة.

وفي تصوري، ان مخاطر هذه اللعبة تستدعي سن تشريعات قانونية تجرم صناعة وانتاج مثل الالعاب وتقييد حرية المراهقين في استخدامها. اوعلي الصعيد الاجتماعي فان الاسرة والمؤسسة العليمية مطالبين بنشر الوعي بخاطر هذه الالعاب، أما المؤسسات الثقافية والفنية فينغي عليها ان تنتج العابا اليكترونية للصغار والمراهقين تحفزهم علىقيم الحب والسلام واعمال الخير وغيرها. كما تعلمهم التفكير السليم و الاختراعات العلمية المفيدة وكيفية تطوير النفس للافضل بكافة الاصعدة