الخميس، 25 يونيو 2020

ازمة معلمي الاردن بين الحق واصحاب النوايا غير الطيبة

 أبدع أمير الشعراء أحمد شوقي بيته الخالد في الذاكرة الشعرية العربية :

 قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا                   كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا              
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي        يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا                
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ                عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى                   
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ        وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا           
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً                 صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا
فالمعلم صاحب رسالة عملية حقيقية يبني بها بالعقول والأوطان ويصنع بها الحضارات والامجاد، وحقه ان يأخذ ما يستحقه من تقدير واحترام وعيش كريم له ولأسرته ورفع مستوى معيشتهم كي يؤدوا رسالتهم على الوجه الاكمل.
وفي تقديري ان الحكومة والقيادة السياسية بالاردن تدرك ذلك تماما، ولكن مع الازمات الخانقة التي تمر بها البلاد منذ عدة سنوات وقلة المنح الخارجية وتداعيات ازمة اللاجئين في البلاد، ناهيك عن تداعيات جائحة كورونا فرص الارتقاء بالمستوى المعيشي للمعلمين صعبة التحقيق حاليا.
وقد آثار المعلمون مؤخرا أزمة كبري من خلال مطالبتهم بعلاوة 50 بالمئة من الراتب الاساسي، في وقت اصابت جائحة كورونا النشاط الاقتصادي بالاردن وغيرها من بلادنا العربية الاقتصاد الوطني في مقتل بفعل توقف معظم الانشطة الاقتصادية.
صحيح ان هذه الازمة تعود الي العام الماضي، بينما يصر المعلمون ونقابتهم بالعلاوة المالية التي جرى اقرارها مطلع العام الجاري في ظل ازمة خانقة بالبلاد جعلت الحكومة عاجزة عن الوفاء بمطالبهم هم وغيرهم من الفئات العاملة في الوطن سواء المدنية أو العسكرية نتيجة تداعيات كورونا.
فقد أصدرت الحكومة الاردنية اول مايو الماضي قرارا بوقف العمل بالزيادة المالية المقررة لموظفي الجهازين الحكومي والعسكري لعام 2020، وحتى نهاية 2020، لمواجهة تداعيات أزمة "كورونا".
وهذا يعني ان الحكومة حققت المساواة والعدل بين جميع موظفي المملكة مدنيين وعسكريين، وعندما يصر المعلمون علي الحصول على علاوتهم في هذه فانهم يضعون الحكومة في خندق الاستجابة تحت الضغط، وان استجابت الحكومة ولا ادري كيف؟، فان ذلك يعد اجحافا بحقوق باقي الفئات الوظيفية المدنية والعسكرية التي تقبلت اوضاع البلاد الاقتصادية وقبلت بالقرار الحكومي القاضي بوقف الزيادة المالية للموظفيين حتى نهاية العام الجاري.
أظن اننا جميعا بالاردن  في سفينة واحدة وان جائحة كورونا أغرقت الكثير من بلاد العالم في ظلمات الازمات الاقتصادية، ولابد لنا جميعا مدنيين وعسكرين ومعلمين  بالاردن ان نبذل قصاري جهدنا في الحفاظ على سفينتنا من الغرق، وهذا لن يتحقق دون التعاون والتنازل عن مطالبنا وحقوقنا ولوبعض الوقت حتى نخرج بسلام من هذه الجائحة.
ولعله من الأجدر بالمعلمين الشرفاء بالاردن ان ترجئ طلب الحصول على هذه العلاوة  لحين الانتهاء من هذه الجائحة، و ان يتعاونوا مع  الحكومه، لان المعلمين هم من ينشيء المجتمع و الاطفال و يرسخ الهوية الوطنية و الانتماء.
واخيرا، فانني لست ضد متطلباتهم، بل العكس أنا مع المعلم لأنه أساس بنيان المجتمع، ولذلك فان الدول المتقدمة تعامل المعلم كأفضل مهنة وخاصة في اليابان وكندا و استراليا و المانيا، ولكني ضد من يحرك النقابات أحيانا بافتراض سوء النية من أجل تاجيج الازمات في توقيت خاطئ تماما.

الاثنين، 22 يونيو 2020

متى تعود كلمة يا هلا يا هلا / مقال للكاتبة سارة السهيل

 تناولت في عدة مقالات سابقة جوانب مختلفة من تأثيرات جائحة كورونا على البشرية تطرقت الى الاثار الصحية والترتيبات اللازمة لمكافحة هذا الفايروس و القضاء عليه و تناولت تارة ابعاد كورونا السياسية و في تارة اخرى تحدثت عن الظروف الاقتصادية اثناء الجائحة وبعدها و تناولت ايضا كورونا و الرومانسية الحالمة و لكن بقي جانب مهم لم اتحدث عنه رغم خطورته اذا ما استمرت الجائحة و امتدت زمنيا لفترة اطول لتسرق من اعمارنا اشياء كثيرة

اهمها الوقت وقيمة العمل و الاداء و لا يقل عنها اهمية الحالة النفسية الناتجة عن الخوف و القلق سواء المحجورين او المرضى او الاصحاء فالجميع يعيش في خوف و قلق ناهيك عن الشعور بالعيب و العار لدى المصاب الذي يذكرنا بالشعور الذي ينتاب مرضى الايدز الذي اشيع انه ينتقل بسبب الافعال المشينة و الممارسات المنحلة و رغم انه سبب لبعض الاصابات الا ان البعض الاخر اصيب بسبب نقل الدم او اي طريقة بريئة اخرى فنجد ان مصابي كورونا يشعرون بذات العار رغم اختلاف اسباب العدوى لهذا الفايروس الذي يتفشى لاقل و ابسط سبب.

ربما تضخيم وسائل الاعلام و المنشورات في وسائل الاتصال الاجتماعي ادت لهذا الشعور السيء لدى المصاب الذي نتج عنه اخفاء الكثير من المصابين للاعراض و انكار المرض خوفا من ردود افعال الاهل و الجيران و المعارف
رغم كل هذه المآسي التي لحقت بالناس من موت احباب واصحاب الا ان الخطر الاكبر هو تأثر الحياة الاجتماعية بعد كورونا بعادات التباعد الذي نبذ التلاحم و التراحم و التزاور و صلة الرحم احيانا و عيادة المريض (بغير كورونا) او بغير الامراض المعدية.

فهل تصبح هذه الحياة الخالية من الاصدقاء و الاقارب و التجمعات العائلية وجلسات السمر في الحدائق مع الجيران هي الدارجة حتى بعد كورونا، وخاصة في حياتنا نحن العرب او الشرق اوسطيين الذي يميزنا هو دفء المشاعر و صلة الارحام و العلاقات المتلاحمة والمترابطة بين افراد المجتمع من اهل و عشيرة و جيران و احباب،ماذا عن الحب و الاحباب و لو تجنبنا المتزوجين لانهم في بيت واحد ماذا عن المخطوبين فبحكم دراستي لعلم النفس و الارشاد الاسري و العلاقات الاسرية اجد ان هذه الجائحة تشكل خطر كبير على هذه العلاقات كافة، بما فيها تاثيرها على روابط الازواج والمخطوبين الذي يمنعهم كورونا من التواصل و يفرض عليهم التباعد و قد تحدثنا كباحثين عن نسب الطلاق المتزايدة في العالم العربي و التي تبلغ على سبيل المثال في الاردن نسبة ٧٠٪؜ الى ٧٦٪؜ حيث كانت 85% نسبة الطلاق في الفئة (20-40) عاما.. والمتعلمات 588% إلى الأميات، بواقع 60 حالة طلاق تقع يوميا في الأردن، اما في الكويت 62.7% نسبة حالات الطلاق من إجمالي حالات الزواج، اما في مصر حالة طلاق واحدة كل 4 دقائق 40% من حالات الزواج تنتهي في غضون 5 سنوات، اما في السعودية هناك 7 حالات طلاق كل ساعة، اما في العراق ف 10 حالات طلاق كل ساعة حيث وقعت أكثر من ثماني حالات طلاق في البلاد بكل ساعة خلال العام الماضي بـ 79 ألف و569 حالة.

فكيف ستؤثر جائحة كورونا في نسب الطلاق خاصة بين المحجورين من الازواج معا رغم عدم التفاهم و التلاقي ؟
وبما ان الجميع مهتم بالازواج و لا احد ينظر لحال المخطوبين او العاقدين قبل اتمام مراسم انتقال العيش في بيت واحد فهل نتصور كم عقد او دبلة خطوبة سوف تنزع من ايدي المحبين بعد هذا الحصار النفسي و الاجتماعي الذي حرمهم من اللقاءات بغرض التفاهم و التقارب وسط الاجواء الاسرية بما شرع الله من لقاء لهم او التحضيرات للزواج من مستلزمات البيت والمفروشات وخلافها او حتى من الناحية الاقتصادية فالكثير من الشباب المقبل على الزواج يعيش قوت يوم بيوم من العمل اليومي او حتى الوظائف التي تأثرت بخصم الرواتب الى النصف فكيف سيتمكن من اكمال مصروفات الزواج.

و ان عدنا الى تضرر العلاقات الاسرية بين الاخوان و الاخوات و الابناء مع اهاليهم الذين يعيشون في بيوت منفصلة او مناطق اخرى، يشتاقون لبعضهم البعض و يتوقون لاستعادة الايام التي مضت من جلسات سمر و حب و موائد الطعام الشهي من ايدي المحبين.

ازاح الله عن الامة هذه الغمة و اعاد المياه الى مجاريها بين الاسر و الاحباب و الأصدقاء، وحتى نعود لهذه الحياة التي عرفنا قيمتها حين فقدناها اتمنى من الجميع الالتزام و تحمل هذا البعد حتى تنتهي الجائحة على خير الا ان هذا المقال للفت النظر حتى لا تصبح هذه الاحتياطيات الوقائية عادة و نعتاد البعد و الجفاء و نكتفي بالهواتف المحمولة و اللقاءات السريعة و الرسائل القصيرة و نتوحد مع انفسنا بعدما كنا متفتحين بقلوبنا المرحبة و ايدينا المصافحة و السنتنا المهللة المرددة يا هلا يا هلا.

الجمعة، 19 يونيو 2020

في زمن الكورونا .. الاطفال بين العمل والتسول

 مع الانحسار الجزئي للحظر المفروض على حركة الناس جراء جائحة كورونا، وعودة بعض الانشطة الاقتصادية للعمل، كان الأطفال العاملين والمتسولين أكثر ظهورا في المشهد خاصة عند الاشارات الضوئية وعلى محطات سيارات الأجرة ، ويتوزع نشاطهم بين التسول وبيع بعض المعقمات او المطهرات والمناديل الورقية.


ورغم ان وباء كورونا غير قاتل للاطفال او اقل ضررا عليهم حسبما ذكر بعض العلماء المتخصصين ، الا انهم لم يستبعدوا تأثيره السلبي ، وكونه يجعل منهم مصدرا لنقل الوباء لذويهم والمتعاملين معهم.

وقبل جائحة كورونا قدرت المنظمات الدولية عمالة الاطفال بالعالم بنحو 152 مليون طفل،والجائحة قد تدفع بالمزيد من الاطفال بالعالم الى سوق العمل او التسول ، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وتخفيض الرواتب وتسريح بعض من العمالة اليومية المؤقتة .

وفي دولنا العربية لجأت العشرات من الأسر الى دفع اطفالهم لممارسة التسول لتحصيل عائد مالي يلبي حاجاتهم الاساسية من الطعام خاصة بعد نفاذ مدخراتهم خلال الأشهر الماضية من اندلاع الجائحة.

وفي كثير من العواصم العربية والإقليمية ، تفشت ظاهرة التسول بين الصغار والكبار.

وفي مصر فان الازمة الاقتصادية الناتجة عن الجائحة عملت على ارتفاع معدلات الفقر،ومن ثم زيادة الأطفال المتسولين وبائعي المناديل المعطرة على إشارات المرور .

وفي الأردن فان ظاهرة عمالة الاطفال زادت بشكل ملحوظ ، و وفقا للمسح الوطني لعمل الأطفال والذي أجري عام 2016، يقدر عددهم بنحو 76 الف طفل، اضيف اليهم جراء جائحة كورونا المئات من الاطفال المتسولين .

فمع انحسار سوق العمل بات التسول خيارا وحيدا امام عشرات الاسر التي فقدت عائلها بالوفاة المفاجئة أو وقفه عن العمل ، فيصبح الطفل في ظل توقف النشاط الاقتصادي عائلا وحيدا لها عبر احتراف مهنة التسول مع تحول الاطفال العاملين الى متسولين بسبب توقف سوق العمل نفسه.

وفي ايران حيث تفشى الوباء يخشى من إصابة العديد من الأطفال العاملين، فحوالي 9 ملايين طفلا قد يتعرضون لمخاطر فيروس كورونا او يسهمون بنقله ونشره ، خاصة وأن نسبة كبيرة منهم يعمل في جمع القمامة من المنازل .

معظم الاطفال المتسولين بالدول العربية تتراوح أعمارهم بين ٣ سنوات و٩ سنوات،يبيعون مناديل ورقية ومنتجات قد يكون بعضها مغشوشا، ويتجمعون بصفة خاصة على الإشارات الضوئية بالمناطق الصناعية، ويستغلون توقف السيارات ليقتربوا من سائقيها لاستعطافهم وبيعهم ما يحملونه من بضاعة، ويطرقون بأيديهم بشكل متواصل على نوافذ المركبات حتى يتمكنوا من عرض بضاعتهم على قائدي المركبات.

و في العراق حسب احصائية منظمة الطفولة العالمية العام الماضي ان نسبة عمالة الاطفال, وصل اكثر من نصف مليون طفل دون 15 عام في العمل فما الذي جرى عليهم بعد كورونا فلا بد ان العدد ازداد.

ورغم ان معظم الدول العربية لا تسمح بعمالة الاطفال دون سن السادسة عشر، غير ان الواقع يؤكد استمرار عمل الاطفال دون هذه السن، بل وتحول الكثير منهم الي التسول جراء الحروب كما في اليمن وسوريا والعراق، واليوم جراء جائحة كورونا، والذي يتوقع معها زيادة نسب عمالة الاطفال والتسول في صفوف الأسر التي فقدت عائلها بالمرض او فقده لعمله.

نحن أمام مأساة حقيقية، بين حقوق الفقراء قي لقمة عيش، ونشر المرض، فالجائع لا يعبأ بالمرض ولا نقله للآخرين. وفي تقديري ان العالم كله مسؤول عن حماية الاطفال من المرض والتسول ومن الجوع والفقر، بينما يتمرغ العشرات من الاثرياء في نعيم ثروات هائلة وقد يتبرعون ببعض الأموال في دولهم الغنية لكنهم لا يقدموا مساعدات للدول الفقيرة.

ولا توجد تشريعات دولية تلزم هؤلاء الاثرياء بتقديم يد العون والمساعدة للشعوب الفقيرة في العالم وقت الأزمات، بينما القوانين الوطنية نفسها عاجزة عن القيام بالزامهم بالقيام بدور اجتماعي لمواجهة آثار الجائحة والتي مازالت قائمة .

أظن المؤسسات الاجتماعية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في دولنا العربية يقع عليها عبء رصد اوضاع المحتاجين والفقراء ومساعدتهم ماليا وتوفير فرص عمل منزلي،ووضع خطط تنموية لتدريب الاطفال المتسولين علي اعمال يدوية منزلية تدر دخلا يلبي احتياجات أسرهم اليومية

الاثنين، 15 يونيو 2020

كورونا والتفكير خارج الصندوق / مقال للكاتبة سارة السهيل

 كما عصفت جائحة كورونا بأماننا الصحي والنفسي والاجتماعي، فانها عصفت بأماننا الاقتصادي، وباتت حتى هذه اللحظة الجهود الدولية والاقليمية والوطنية عاجزة عند سقف محاصرة الوباء والتخفيف من وقع الازمات الاقتصادية المتسارعة الناجمة ، عبر تقديم مساعدات عاجلة لبعض الفئات المتضررة لا تفي بالغرض .

إن هذه الجهود لم تستطع وقف تدهور الاوضاع وزيادة معدلات الفقر في العالم شرقا وغربا والتي يتوقع ان تتسع رقعتها خاصة في الدول النامية ، ودولنا العربية التي تعاني من أوضاع اقتصادية متردية.
وقد أدت الجائحة الى بطالة المهنيين والحرفيين على مدار ثلاثة أشهر، ومع العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي العالمي مع اتخاد الاحترازات اللازمة ، لم تتقلص اعداد الفقراء بالعالم ولم تنقشع الازمات اقنصادية الطاحنة عن دولنا العربية، بل ان استمرار تفشي الوباء قد قلص من التدفقات الاستثمارية وادى الى سحب الاموال السائلة التي كانت تعتمد عليها بعض دولنا العربية في تنفيذ مشروعات تستوعب مزيد من العمالة وتحد من البطالة.
ومن المتوقع ان يدخل قطاع واسع من الفئات الاجتماعية في بلادنا العربية خط الفقر ، وغالبيتهم من الطبقة المتوسطة التي كانت تحاول على مدى العقد الأخير التشبث بموقعا على حافة الفقر ، وجاءت الجائحة لتشدها الى القاع ، بعدما انهكت خلال السنوات الماضية بفعل الارتفاعات جنونية لاسعار السلع الأساسية ، في ظل اعتماد دولنا على الاستيراد وغياب الخطط الاستراتيجية لتنمية وزيادة الانتاج المحلي الزراعي والصناعي والتكنولوجي والطبي بانواعه المختلفة.
تبدو مظاهر الفقر في المنطقة العربية مفجعة بعد أن وجهت  جائحة كورونا ضربة قاصمة  للاقتصاد العربي، ما ادى الى خسائر تصل نحو 1.2 تريليون دولار، مع توقعات بفقدان حوالي 7.1 مليون عامل وظائفهم بنهاية العام الجاري، بحسب تقرير لجامعة الدول العربية.
واذا كان تقرير منظمة أوكسفام العالمية الصادر في 8 أبريل الماضي قد حذر من أن  نصف سكان الأرض البالغ عددهم 7,8 مليار نسمة مهددون بالفقر عند انتهاء جائحة كورونا، وأن تداعيات وباء كوفيد-19 قد تجر نصف مليار شخص إضافي في العالم إلى تحت خط الفقر، فان مجموعة البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا توقعت في احدث تقرير صادر في30 مايو الماضي زيادة التراجع في اقتصاد دول المنطقة بسبب وباء كورونا، ليتجاوز الانكماش نسبة 5 % قابلة للارتفاع.
وأظهر التقرير نفسه ان ثماني دول تظهر فيها بشكل أكبر معدلات الفقر بين السكان هذا العام وهم الذين يعيشون على 1,9 دولارا في اليوم نتيجة التأثيرات السلبية لوباء كورونا؛ هي لبنان والعراق والجزائر وإيران والأردن والمغرب وتونس ومصر.
وتأتي لبنان في صدارة الدول المتوقع أن تشهد زيادة معدلات الفقر  بنسبة تصل 9.4 %، يليه العراق 8% بينما تأتي مصر في ذيل قائمة الدول الثماني 3.2 % إضافية في أعداد من يهبطون دون خط الفقر تسبقها تونس بنسبة زيادة 4.7 %.
واذا كان نسبة من يعانون من الفقر بالدول العربية قبل الجائحة بلغ 100 مليون شخص فان هذا الرقم قد أضيف اليه بعد الجائحة حوالي 8 مليون عربي، بفعل توقف النشاط الاقتصادي وتوقف الصادرات التحويلية وخسارتها عوائدها بكل من السعودية (40 مليون دولار)، وتونس (38 مليون دولار)، والإمارات (16 مليون دولار).
كذلك تأثرت الصادرات العربية بشكل كبير ومنها مصر حيث أوقفت تصدير البقوليات لمدة 3 أشهر؛ لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا ولتوفير احتياجات المواطن المصري، بينما حافظ الأردن على مخزون السلع الغذائية كاجراء احترازي للمحافظة على المخزون، وأوقفت وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية العمل بمنح رخص تصدير وإعادة تصدير المواد الغذائية.
أما الجزائر فقد فاجأت الجميع وتحولت الجزائر من دولة مستوردة إلى مصدّرة  للتمور والفاكهة والخضروات الى فرنسا ودول الخليج وروسيا وكندا، متجاوزةً صدمة انهيار أسعار النفط.
ولعل تجربة الجزائر وسط جائحة كورونا تفتح لنا الباب لاحياء المنتج المحلي العربي زراعي كان او صناعي، وان نحد من الاسراف في الانفاق الحكومي ، وان نتوسع في الانتاج الصناعي الوطني والقومي برؤوس اموال عربية وطنية ومخلصة تستقطب طاقات الشباب وتوظف طاقتهم في العمل لتقليص حجم البطالة في صفوفهم، ولمحاربة الفقر الذي نشب بمخالبه في اوطاننا بلا رحمة .
اعتقد ان العالم العربي في أمس الحاجة للتعاون والتكاتف ووضع روشتات علاج عاجلة لمواجهة الفقر ، وتشجيع ودعم المشروعات صغيرة ومتناهية الصغر التي تنتج في البيوت ، على غرار التجربة الصينية التي أسهمت في نهضتها الاقتصادية الهائلة .

الأربعاء، 10 يونيو 2020

هكذا يكون الشيخ مقال للكاتبة سارة السهيل

 فوضى الخطاب الديني التي تشهدها الفضائيات ، والإلتباس الذي تُحدثه الفتاوي المتباينة، أضحت ظاهرة خطيرة تسهم في اثارة النعرات الطائفية، والتي في اغلبها تتم لخدمة أهداف سياسية، مما أسهم في انصراف العديد عن الدين، وتنامي ظاهرة الإلحاد، فضلا عن تفشي الفكر المتشدد الذي يفضي الى تبني الإرهاب ، وجاء الدكتور علي جمعة ليعيد قدرا كبيرا من التوازن الى الخطاب الديني الذي ينزع الى الوسطية منهجا والاعتدال اسلوبا ، خطاب يجمع بين أمور الدين والدنيا دون افراط أو تفريط ، ويمكن اعتباره وبحق نموذجا لرجل الدين المتسامح مضمونا والرفيع خلقا والأنيق شكلا والسمح وجها.


واني لأؤكد اهمية المظهر في التأثير على القلوب والعقول وذلك من باب سيماهم في وجوههم فالوجه السمح والهندام الأنيق والنظافة التي تظهر حتى من خلف الشاشات ماهي الا قدوة ورسالة و نموذج ليرى العالم كيف يكون العالم المسلم الحقيقي.

ومن خلال متابعاتي للكثير من البرامج الدينية التي يكون ضيفها في عدد من القنوات ، لفتني تميز أداؤه ، وعمق فكره ، وغزارة معلوماته فضلا عن بساطة عرضه لصحيح الدين الحنيف بعيدا عن المغالاة والتشدد ، واثارة النعرات ، تأسيا بالرسول الأعظم والصحابة الأجلاء والسلف الصالح.

واستوقفتني حلقات برنامج " مصر أرض الأنبياء " التي بثت عبر قناة سي بي سي ، خلال شهر رمضان المعظم.

ووجدتها حلقات ممتعة ومثيرة بما تضمنته من معلومات حول الانبياء الذين ولدوا وعاشوا في مصر او مروا عليها.

ولقد مثلت تلك الحلقات اضافة نوعية وسياحة روحية ، وكشفت لنا نحن المتابعين عن كم كبير من الأنبياء والرسل عاشوا بمصر وبعضهم مر بها وآخرين تزوجوا منها ، كسيدنا إبراهيم خليل الرحمن الذي تزوج من السيدة هاجر وانجبت سيدنا إسماعيل ، وسيدنا محمد ( عليه السلام ) تزوج من ماريا القبطية ، ونبي الله نوح ترك ابنه في مصر  ووصفها بأنها أم البلاد وغوث العباد، وكذلك نبي الله يعقوب و يوسف وادريس وغيرهم.

من يستمع للدكتور علي جمعة يتميز عن الكثير من أقرانه الشيوخ بالمام الواسع باللغة الإنجليزية ، وموسوعية معرفته ، التي تبدأ من العلوم الدينية والفقهية ، مرورا بأنواع الطعام في البلدان المختلفة ، و ثقافة العيش و ليس انتهاء باسلوب الحياة المعاصر و غزارة المعلومات العامة ، فضلا عن قوة منطقه المستند الى براهين وأدلة قطعية من القرآن والسنة المشرفة ويقدمها بأسلوب سهل ممتنع ما يجعلها تصل الى جميع المتلقين من الفئات الاجتماعية المختلفة.

إن الدكتور علي جمعة يمثل النموذج الأمثل لرجل الدين القدوة الذي يسهم في تقريب الناس من الدين ونشر سماحة الاسلام ورقيه الإنساني ، والذي سبق كل الفكر الإنساني في رفع قيم المساواة والتعايش " كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربى على أعجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى والعمل الصالح ".

الدكتور علي جمعة مفتي مصر الاسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، أصدر العديد من الفتاوى الدينية التي  تدعم علاقة المسلم بدينه ودنياه وتجمع بين التراث الاسلامي والقضايا المعاصرة وتنم عن فهم عميق للقرآن وللسنة المشرفة، ناهيك عن استفادته من حب آل البيت وارتباطه بهم وتشربه تراث الصوفية مما قاده الى تبني منهج الاصلاح الديني لعلاج مشكلات العصر.

والله لا يضيع اجر المخلصين، فأسهم  الدكتور علي جمعة  بدور كبير لنشر الثقافة الدينية الوسطية أهلته  ليكون ضمن أكثر 50 شخصية مسلمة تأثيراً في العالم من عام 2009 حتى 2017 على التوالي باستثناء عام 2015، حسب تقييم المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية في عمان الأردن، وهو عضو لجنة تحكيم جائزة الملك عبدالله الثاني لأسبوع الوئام بين الأديان.

 كما منحه الملك عبدالله الثاني وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وتم تكريمه من قبل منظمة اليونسكو لجهوده في مكافحة الإرهاب.

أتمنى ان يكون نموذج د.علي جمعة القدوة التي يقتدي بها المفتين والدعاة وطلاب العلم الديني وطلاب معرفة فنون التعامل مع الدنيا والدين والمولى عز وجل كما افاض وشرحه بكل بساطة ويسر ووسطية مفتي مصر الاسبق نفعنا الله بعلمه وأصلح ما افسده المتشددون والجهلة بالدين.

الاثنين، 1 يونيو 2020

كورونا والرومانسية الحالمة.. الحب فى زمن «الوباء»

مقال .. كورونا والرومانسية الحالمة.. الحب فى زمن «الوباء»

على موقع المصرى اليوم 

https://www.almasryalyoum.com/news/details/1981819




سارة طالب السهيل

الإنسان لا يمكنه الحياة دون تأجج مشاعر الحب، فالحب ماء الحياة وإكسيره والإنسانية ترتبط عضويا بالحب ومنسوب الحب يتناسب طرديا مع السمو الإنسانى فى أرقى تجلياته وعكسيا مع الشر فى أدنى صوره والتاريخ الإنسانى حفل بالعديد من قصص الحب الخالدة، واكتسبت خلودها مما واجهه أبطالها من مآس وما أدت إليه من حروب، وشهدت البشرية فواجع وكوارث تحديا لصراعات الحب، وأصبحت مضربا للمثل فى الوفاء والإخلاص، وفى هذا الإطار تأتى ملاحم روميو وجولييت، وأنطونيو وكليوباترا، وقيس وليلى، وعنتر وعبلة، وجميل بثينة، وكثير وعزة، وقيس ولبنى وغيرهم من كامل جغرافيا المعمورة، ولكل ملحمة تفاصيلها التى تتفق والبيئة التى شهدت أحداثها، البعض كان يلتقى فى البوادى والبساتين وبئر الماء بعيدا عن أعين الناس، بينما كان روميو يقف لجولييت أسفل شرفة منزلها ليحظى بنظرة عشق تروى كيانه كله وتشعره أنه يعيش فى الجنة ونعيمها. الحب لا يختلف كثيرا من زمن لآخر ومن مكان لمكان،

وقد رصدت أغنية الفنان محمد عبدالمطلب وهو يروح ويغدو لحبيبته ماشيا على قدميه من منطقة السيدة زينب إلى حى الحسين بالقاهرة، تجربة خاصة عبر عنها الفنان القدير بأغنيته الشهيرة «ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين وعشان أنول كل الرضا يوماتى أروح له مرتين من السيدة لسيدنا الحسين»، كان المحب ينتظر إطلالة محبوبته من شرفة منزلها، بينما يقف أسفل المنزل بدراجته متعللا للجيران بأى سبب لوقوفه أسفل منزل المحبوبة، كما كانت أسطح المنازل من أشهر أماكن لقاء الأحبة بعيدا عن أعين الأهل والمتلصصين، وسط موجات حب كهربائية شديدة مغلفة بأشجان الحب العذرى الطاهر بينما تسبح الرومانسية فى بحار الأشواق ولهيبها بروحانيات شديدة التألق والوجد والنور، ولقد وثقت السينما حال المحبين فى ستينيات القرن الماضى قبيل التكنولوجيا فائقة السرعة التى نعيشها، كانوا عندما يلتقون يبدون كأنهم قد خرجوا من جحيم الأشواق وسعار أنينه إلى جنة فيها ماء السلسبيل الذى يروى عطشهم ويبرد نيران عواطفهم بمجرد الرؤية والكلام، وفى الألفية الثالثة كانت المنتزهات والكافيهات والسينمات أماكن لقاء الأحبة دون حظر أو عوائق، إلى أن جاءت جائحة كورونا فوضعت الحواجز بين المحبين وعزلتهم عن بعضهم، وانحسر التواصل، وأصبح حصرا عبر وسائل التواصل الاجتماعى وكما يقال فى الأثر الإنجليزى «الحاجة هى أم الاختراع»، وكذلك القول فى الأثر الشعبى العربى «الممنوع مرغوب»، فإن جائحة كورونا قد غذت مشاعر البشر بمعانى الفقد من الأحبة، وأشعرتهم بنعمة وأهمية انتماء الإنسان لبنى جنسه وأنه لا يستطيع الحياة بدون من يكمل نقصه ويعوض فقره ويحقق به كمال وجوده على الأرض ويشعره بنعمة الأمان والسلام النفسى والطمأنينة التى لا تتحقق إلا بلقاء الأحبة، لذلك قاوم المحبون العزل الإجبارى لكورونا وتحدوها بأساليب جميلة وشيقة، وهو تحد صحى جدا من أجل البقاء والسعادة، مثلما وجدنا الشاب اللبنانى محمد الصمد عبر اليوتيوب وهو يتسلق شرفة محبوبته ليقدم لها خاتم الزواج رافضا تأجيل الخطبة لحين انتهاء الجائحة، هو مقطع هاجمه الكثير واتهموه بأنه يقلد الغرب، وبرأيى أن هذا المقطع على اليوتيوب أكد أن المشاعر الإنسانية أقوى من أى أخطار للامرأض والأوبئة وظهر العديد من قصص الحب والغرام التى قاومت كورونا وتحدتها فى مختلف دول العالم،

فقد ألقى كيوبيد بسهامه بين «أحمد» المرشد السياحى المصرى و«تشو» الصينية قبل عام وتوجا حبهما بإعلان الخطبة الرسمية فى 22 يناير الماضى أثناء زيارته للصين، لتظهر بعدها أنباء عن فيروس كورونا ووسط مطالبة الأهل لابنهم بالعودة السريعة إلى مصر واضطر للعودة لوطنه لكنه عاد أدراجه للصين ليداوى قلبه بدفء محبوبته، الحب دائما هو مفتاح التحدى لأى أزمة حتى لو كانت وباء، ولم يكن هناك وباء لاخترعه الإنسان لكى يمرر من خلاله مفتاح التحدى مثلما فعل الكاتب العالمى جابرييل جارسيا ماركيز فى روايته «الحب فى زمن الكوليرا»، فالبطل المحبوب يطلق شائعة وباء الكوليرا على السفينة التى يركبها مع معشوقته ليتخلص من المسافرين، ولتتاح له فرصة التعبير عن عشقه لها رغم أن عمرها سبعون عاما واخترع ماركيز وباء الكوليرا على لسان بطل روايته الشهيرة، إنما أكد من خلاله حاجة الإنسان للحب الحقيقى والصادق فى كل مرحلة من مراحل عمره وحتى الشيخوخة، وربما يكون الله قد من علينا بجائحة كورونا لنتخلص من رتابة حياتنا المادية وهيكلتها الرأسمالية التى قتلت فينا أجمل المعانى، ولتحيى كورونا فينا زمن الرومانسية الجميل ونستعيد إنسانيتنا بالحب الصادق ولفتنى مؤخرا وأثناء الحظر تجلى معانى الحب فى أبهى وأجل صورها، فهناك من المحبين من تحمل المشى لعدة كيلومترات فى مناخ قاس ليحظى برؤية حبيبه، ومنهم من استقل دراجة هوائية لعدة كيلومترات فى سبيل أن يكحل عينيه برؤية الحبيب، فى مشهد يعيد للأذهان ملاحم الحب الخالدة.