الأحد، 24 يناير 2016

المرأة العربية .. ما زالت الصورة نمطية ومقلقة بقلم الكاتبة سارة السهيل

المرأة العربية .. ما زالت الصورة نمطية ومقلقة
 بقلم الكاتبة سارة السهيل



ان اوضاع المرأة العربية شهدت تحسنا في السنوات العشر الاخيرة في بعض المجالات وتراجعت في بعضها الاخر.

التحسن ظهرت نتائجه فيما يتصل بنسب التعليم المرتفعة قياسا على عقود سابقة، وفيما يتصل بالرعاية الصحية التي تتلقاها المرأة لتوافر برامج الصحة العامة والصحة الإنجابية ما قلل عدد وفيات الأمهات، الى جانب بروز المرأة في بعض مواقع قيادية عبر المهن المختلفة.

وهناك سيدات عربيات حققن نجاحات كبرى في ادارة المشروعات الاقتصادية وعمليات التنمية في بلادهن، وما عكسته مجلة «فوربس- الشرق الأوسط»، من قائمة تضم أقوى 50 سيدة عربية.

ولكن تظل المرأة العربية تعاني من التمييز في الأجور مقارنة بالرجال في مجال الأعمال الحكومية والخاصة، وأيضا في تولي المناصب القيادية، بجانب ظهور ازمة المرأة المعيلة في الدول العربية التي تعاني ظروف اقتصادية صعبة، او تعاني حروبا وصراعات داخلية مثل العراق وسوريا وفلسطين.

كما لاتزال المرأة العربية اكثر الفئات تعرضا للعنف من أبيها وزوجها وأبنها كل حسب ظروفه الاجتماعية، بجانب تعرض الكثير منهن للعنف في الطرقات العامة وفي بعض أماكن العمل.

وبينما لاتزال نسب الأمية مرتفعة في أوساط النساء العربيات ويواجهن الاستغلال الجسدي، فإن المجتمع العربي يتجاهل ازمة مخيفة تهدد امن واستقرار المرأة العربية وحقوقها بسبب ظاهرة تعدد الزوجات التي مازالت واحدة من مظاهر التمييز بين الجنسين في العالم العربي خاصة وان هذه الظاهرة ارتبطت بمبررات شرعية الا انها في حقيقة الامر باتت ترتبط بقيم اجتماعية مثل القضاء على الملل الزوجي او لأسباب تتعلق بالمال والسلطة 

ان المرأة العربية والشرق أوسطية تحتاج إلى الإلمام بالكثير من القضايا والتسلح بالمعرفة والإطلاع على اشكال العلوم والمعارف دون الاقتصار على نوع معرفي محدد، فيجب فتح الباب امام المرأة للتسلح بعلوم العصر التكنولوجية، وان تكرس الدول العربية جهودها في تطوير منظومة التعليم التي لا تميز بين الفتاة والولد، على ان تكون مخرجات التعليم العصري للفتاة العربية مناسبا لاحتياجات سوق العمل، خصوصاً واننا نعيش في منطقة صراعات سياسية وحروب، وكثيرا ما تفقد المرأة أبوها او زوجها فتصبح هي العائل الوحيد للأسرة ولذلك لابد من ان تسلح المرأة بالعلم الذي يؤهلها لسوق العمل.

وفي تصوري ايضا ان المرأة بحاجة لأن تتسلح بمنظومة الثقافة القانونية التي توفر لها حصانة امنية واجتماعية عند اي محاولة لهضم حقوقها بجانب بالطبع تنمية وعيها بثقافتها الاسلامية والعربية كركيزة في بناء الشخصية ذات الاصول والمحافظة على مبادئها. وتتعدد اشكال الوعي الثقافي العربي من ثقافة مكتوبة كالتراث او الابداع المعاصر او ثقافة سمعية كالموسيقى والغناء وغيرها من ادوات الثقافة.

لكن يظل تطور المرأة العربية وتسلحها بالعلم والثقافة والاخلاق ايضا مرهون بالمخططات والسياسات التي تضعها الدول العربية للنهوض بالمرأة وتمكينها في سوق العمل بجانب دور مؤسسات المجتمع المدني في تمكين المرأة وتوعيتها وتثقيفها.

ان تحقيق العدل بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات هو اهم قضية تشغل فكري واسعى في كل كتاباتي لتحقيقها، لكن العدل لا يعني دائما المساواة لأن في بعض المساواة ظلم والمقصود ان الواجبات تقسم حسب الاحتياجات وحسب القدرة على التنفيذ سواء من الناحية الجسدية أو المادية أو النفسية الا ان العدل بين الرجل والمرأة في الشرق الأوسط جزء كبير منه مفقود وان بدا ظاهريا انه في تحسن الا انه ليس تحسناً بالمستوى المطلوب فالمطالبات بحقوق المرأة اصبحت شعارات تشبه القوانين غير المنفذة فالتمييز المجتمعي آفة خطيرة وتولد مآسي يصعب علاجها، المرأة العربية للأسف تعاني من التمييز في الحقوق مع الرجل الذي يسيطر على اتخاذ القرار في شؤون تجمعهما وتخصهما معا فكيف يصح هذا يا للعجب فالحياة المشتركة تعني قرارات مشتركة ونقاش وحوار واتفاق، اما ان يسيطر طرف من الاطراف على مركز القوى والقرار اجحاف للطرف الثاني وقد قام المدافعون عن الحقوق بالتصدي لهذا الامر الا ان التصدي بالقانون غير كاف لمحاربة هذه الظاهرة.

فلا تزال المرأة تعاني من هدر حقوقها في الميراث الشرعي في بعض البلدان، وتواجه تحدي الطلاق والعنف وغيرها. كما لا تزال المرأة في مجتمعاتنا تعاني من مشكلة الزواج المبكر المعروف اصطلاحا بزواج القاصرات وغيرها.

ان قضية العنف شائكة وتحتاج الى تضافر جهود المؤسسات الحكومية الاجتماعية والتعليمية والثقافية والاعلامية مع نظيراتها المدنية لنشر الوعي بأخطارها ونشر ثقافة محاربتها عبر كل وسيلة ثقافية او اعلامية.

وهناك تواصل بين المؤسسات والمنظمات المدنية وتعاون كبير بين المنظمات والجمعيات الاهلية العربية المعنية بحقوق المرأة ونظيراتها في الغرب، ويأخذ هذا التعاون أشكال مختلفة من اقامة ندوات مشتركة ومؤتمرات وتواصل بالحوار ودراسات متخصصة بشأن قضايا المرأة وتمكينها. وتلعب منظمة المرأة العربية دورا مهما في التواصل مع مثيلاتها في اوروبا والغرب عموما في وضع برامج لتميكن المرأة وتطوير اوضاعها. كما يفيد التواصل بين الجانبين في التعرف علي احدث اساليب تنمية المرأة وتحقيق مفهوم المواطنة، وسبل اندماج المرأة في عمليات التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

كما أن هناك تتمييز واضح ضد المرأة في الحياة السياسة العربية تعكسه قلة عدد النواب النساء البرلمانيات مقارنة بالغرب، وان كان ذلك مرتبط بالثقافة الاجتماعية التي لم تنضج بعد حتى تصوت المرأة في الانتخابات النيابية وغيرها، المرأة أحيانا لا تثق ببنات جنسها فما بالك بالرجل كما أن المنافسة والغيرة تلعب دورها. 

فالمجتمعات العربية تحول دون وصول المرأة لمؤسسات صنع القرار، وهو ما يفسر تدني مشاركة المرأة في العمل السياسي، فالمرأة علي سبيل المثال جاهدت من ان اجل تولي منصب القاضي وقد نالت ذلك بنسب لا تذكر وهو ما يعني ان المجتمع يحرمها من حقها في العمل بمجال السلطة القضائية، ناهيك عن العمل في السلطة التشريعية عبر البرلمان.

ولاشك ان ثقافة المجتمع الذكوري لا تقبل تعاطي المرأة مع السياسة. كما أن وسائل الإعلام التقليدية لا تدعم قضية وجود المرأة في البرلمان ومشاركتها في الحياة السياسية.

ورغم كل هذه المعوقات امام التمثيل السياسي للمرأة في البرلمانات العربية، فان طفرة قد تحققت في الامارات تفتح باب الامل في باقي الدول العربية، حيث استطاعت المرأة الاماراتية المشاركة في البرلمان عبر الانتخابات بنسبة تمثيل 22,3%.

وتظل ازمة المرأة في اختيارها للبرلمان موجودة في كل مكان في العالم، وليس عالمنا العربي فقط، والدليل على ذلك ما ورد في التقرير عام 2015 عن أحوال النساء في العالم والصادر أخيرا عن إدارة الأمم المتحدة للشؤون الإقتصادية والاجتماعية، من ان المرأة لا تمثل سوى 22 في المئة من البرلمانيين و18في المئة من الوزراء المعينين.

الايمان بأهمية عمل المرأة قضية كبري تحتاج جهد مخلص من باحثين متخصصين في الثقافة والاجتماع والإعلام والتعليم والشؤون الدينية، بحيث يعملون دراسات ناجحة لكيفية تغيير الثقافة السائدة والمناهضة لعمل المرأة، على ان يقوم الاعلام بكل ادواته في تكريس اهمية عمل المرأة مستخدما ادوات الاقناع العقلي والاستمالة العاطفية.

فالمجتمعات العربية بحاجة ماسة للتحرر من تقاليد وموروثات ثقافية قلصت من مكانة المرأة وعملها الحيوي في بناء المجتمع، ويأتي دور التشريعات القانونية وضرورة تغيرها بحيث تتيح للمرأة حرية العمل والتنقل، وتوفير حصة لها في البرلمان .

ويبقي فتح الباب العمل السياسي أمام المرأة مسألة مهمة لتأصيل وجودها في الشارع العربي وتفعيل جهودها في الاطار السياسي ولعل نجاحها في هذا المضمار قد يوفر لها ارضية خصبة في تغيير التشريعات القانونية التي تحد من قدرات المرأة في سوق العمل.

ولعل توقيع معظم الدول العربية علي اتفاقية «سيداو« يجب معه تفعيل عدم جواز التمييز المبني على أساس الجنس، ومن ثم فان الدول العربية مطالبة بمواءمة تشريعاتها الوطنية القانونية مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.

ونرى أن أهم خطوة للمرأة تبدأ في بيتها فقبل أن تنطلق للمجتمع يجب أن تعدل حال بيتها وتصلحه

ورغم كل هذه الصعاب الا انه في بعض المدن في العالم العربي تطورت النظرة بالنجاحات التي حققتها المرأة في التعليم والمناصب التي تولتها، لكن المجتمع العربي بغالبيته لايزال يحتفظ في وجدانه وعقله كميراث جاهلي بآفة ذكورية ترسخ أفضلية الرجال على النساء، ما جعل المجتمعات العربية في ورطة خاصة عند تعلم الفتاة وادراكها لقيمة عقلها وعلمها ومن ثم ترفض الخنوع والخضوع وتدخل في صراع مع الثقافة الذكورية التي تنظر للمرأة نظر دونية ترفضها كل فتاة او امرأة مثقفة، بل تدفعها هذه الثقافة للتمرد ويتجه سلوكها للعدوان في محاولة اثبات قدراتها العقلية والعلمية التي وهبها الله لها واكتسبتها بالجهد والعمل.

واذا كان هذا حال المرأة المثقفة فما بالنا بالمرأة التي نالت قسطا قليلا من التعليم او شبه الأمية فهي تعاني الأمرين في الألفية الثالثة، بل ان المكتسبات التي حققتها المرأة العربية قبل مئة عام قد تراجعت في بعض البلدان، أن المرأة يجب أن تنجح وهي بالصورة التي خلقها الله عليها ولا داعي بأن تتشبه بالرجال حتى تظهر أو تنجح أو تتفوق عليهم بل أن المعادلة الصعبة هي أن تبقى أنثى بروحها وشكلها وحنانها وأن تتفوق وتنجح من دون التنكر لجنسها وخلق الله لها.

بالعودة الى تقرير مؤسسة طومسون رويترز لاستطلاعات الرأي عام 2013 بشأن وضعية المرأة العربية، استند هذا التقرير على مسح شامل لأوضاع المرأة العربية في 22 دولة عربية، شارك فيه 336 خبيرا، وجاءت النتائج مذهلة وهي ان ثورات الربيع العربي فتحت الباب لانتشار الخطاب الذي يكرس صورة نمطية للمرأة وهي أن تختفي من المشهد وتقعد في البيت !

والمفاجأة في هذا التقرير ان مصر التي قادت ثورة تحرير المرأة العربية احتلت المركز الأول في تدني اوضاع المرأة بها، تليها العراق في المرتبة. بينما كانت اوضاع المرأة الافضل حالا في جزر القمر ثم عمان فالكويت فالأردن فقطر.

فالمرأة العربية كما اوضح هذا التقرير المخيف يكشف عورات المجتمع في مصر والعراق وسوريا وفلسطين وتونس بوصفها اكثر البلدان التي تواجه فيه المرأة ازمة العنف، وما تعنيه هذه الازمة من حقيقة ان المرأة العربية لم تعد آمنة على نفسها ومالها ومستقبلها ودراستها.

مازال أمام المرأة في الشرق الأوسط الكثير من الحروب تخوضها لتصل لنصف طموحاتها وأزعم أن من لا ينصف في بيته ليس مؤكدا أنه سيستطيع أخذ حقوقه خارج البيت إلا لو كان من النخبة المناضله فلنبدأ من الأسرة..