الأحد، 26 يناير 2020

الحاجة لثورة فكرية ضرروة تفرضها تحديات الواقع العربي

https://alhadathcenter.net/views/50420-2020-01-23-15-36-01?fbclid=IwAR2KJCsxvAbUARNqZCRUKTqBoyyKnnXuAJMpZYH6UZwq7uMAPonskEkj0s8

رغم ان العالم صار قرية كونية واحدة بفضل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات العالم، غير ان هذه التكنولوجيا جاءت بثورة المعلومات ولم تأت بثورة فكريةتمحو ظلمات افكار التعصب المذهبي الديني والسياسي وسطوة الرأسماليةالمتوحشة.
جاءت ثورة المعلومات بتحقيق حلم البشر بالتواصل على شبكات التواصلالانساني، لكن هذا التواصل لم يحل مشكلات العالم الاساسية في الانتصارلحريات الفكر والعقيدة وتكافؤ الفرص حسب الكفاءة والاخلاص في العملوحرية الانتقال دون اي تمييز  بين الشعوب والثقافات والحضارات وتحقيقسلام اجتماعي يحقق نهضة الشعوب.
الثورة التكنولوجية أثبتت فشلها حتى الآن في تحقيق حلم التقدم والازدهارلبني البشر وتوافر العلم لكل ذي عقل والانفتاح على الاخر دون الوقوع فيمستنقعات ضلالته، بل العكس فقد قادت الثورة التكنولوجية لثورات سياسيةكما حدث في ثورات الربيع العربي التي أتت على الاخضر واليابس في بلادناالعربية وامتدت ظلالها المظلمة الى بلاد العالم عبر انتشار الارهاب وانتقاله الىاروبا، والاف اللاجئين الذين يعيشون بلا مأوى على الحدود وغيرهم ممنابتلعهم البحر هربا من مجازر الحروب، لأنها ببساطة كانت ثورة سياسيةوليست ثورة فكرية.
ويحمل التاريخ الحديث أنموذجا لتجربة ثورة السود وكانت أعظم الثورات منأجل التحرر وترك نظام العبودية وحققت هدفها في تحرير الانسان من الرقوالعبوديه ولكنها فشلت في المقابل في تحقيق التقدم الفكري والاجتماعيالمنشود لانها تعتمد على غياب الثورة الفكرية.
ومن هنا باتت الانسانية بحاجة الى ثورة فكرية تقود العالم للحلم في حياةكريمة تعمر الارض بالعلم وليس بالتنافس السياسي المأجوج او العنصريةوالمذهبية الدينية التي فرقت بين بني البشر، اوالحداثة التي تنتصر للعقل وتغفلحاجات الانسان الضرورية للجوانب الروحية التي توفرها الاديان وما تكرسهقيمها من السمو الاخلاقي في أعلى درجاته ومستوياته.
والمـتأمل في حضارات الشعوب  شرقا وغربا قديما وحديثا، أن الانبياء والعلماءوالمفكرين طالما حملوا على عاتقهم قيادة الثورات الفكرية بما أحدثه من تغييراتجذرية في بنيات المجتمع الفكرية ومن ثم السياسية والاجتماعية، قد دفعوا ثمناغاليا لافكارهم وتعرضوا لشتى  صنوف الاضطهاد والتعذيب والقتل، وعلىرأسهم نبي الرحمة محمد بن عبد الله، وأنبياء الله موسى وعيسى والحسينالشهيد وجاليليو ونيوتن وآينشتاين ومارتن لوثر.. وغيرهم.
ملك هؤلاء القادة والمفكرين والعلماء ادوات العزم الانساني على التغيير الفكريونظرت اليهم مجتمعاتهم كأنهم وبال يجب اتنزاعه والقضاء عليه فخسروا منهمواستهزأوا بافكارهم لانها جاءت على غير السائد والمعتاد، ولولا ثباتهموعزيمتهم القوية لما تغير التاريخ الانساني ولما تطور.
فقد قاد رسول الله  الثورة الفكرية في الجزيرة العربية ضد كل اشكال الجاهليةالفكرية من وأد البنات وظلمات العبودية الى تحرير العبيد وإطلاق قيم المساواةبين البشر في الحقوق والواجبات بأمور الدنيا والدين.
والثورة الفكرية التي اطلقها محمد (صل الله عليه وسلم) جاءت شاملة لتغطيمفاهيم الدولة والشعب والأمة والقومية والأخلاق والقيم والعقيدة والمساواةوالعدالة والحرية

السبت، 25 يناير 2020

من الدولة الوطنية إلى التخندق المذهبي والولاء العشائري.. العراق نموذجًا

شرع الإنسان قبل خمسة ملايين سنة إلى أن يتطور اجتماعياً، وطبقا لعلوم الأنثربولوجيا والأركيولوجيا البشرية، فإن الانسان بدأ هائما على وجهه في مختلف بقاع الأرض، إلى أن نزع للعيش ضمن جماعات انتظمت في صيغ عشائرية ومنها إلى القبلية فالقرى فالمدن حتى تشكلت الدولة.
وبالبحث في أسباب الاجتماع، يرى أرسطو أن للإنسان دافعا طبيعيا للاجتماع، وأن الناس يميلون طبيعيا إلى العيش داخل مجتمع. وكذلك الفارابي وابن خلدون لم تخرج تصوراتهما عن فرضية حاجة الإنسان إلى الآخر، من أجل تعويض النقص .
وبعيدا عن الدافع الطبيعي، هناك رؤيتان في إطار محاولة للتفكير في المجتمع؛ الأولى للفيلسوف الألماني فريديريك إنجلز، ضمنها كتابه «أصل العائلة والملكية والدولة»، الذي يبحث في السيرورة الإنتاجية والاقتصادية التي دعت الناس تاريخيا إلى الاجتماع، بينما عالم الاجتماع الفرنسي، إميل دوركهايم يرى أن أشكال التضامن الاجتماعي في تقسيم العمل الاجتماعي ينتقل بنا إلى المجتمع ذاته، ويبحث حول الأسباب والسبل التي تجعل الأفراد ينتظمون فيما بينهم، كاشفا عن الرابطة الاجتماعية. وكلا الرؤيتين، وإن كانتا مختلفتين، إلا أنهما قد تتكاملان فتقدمان لنا صورة جيدة حول المجتمع وتاريخه وجذوره ..
إن التعاون وتطور أشكال الإنتاج، قد لعب الدور الأهم في نشأة المجتمعات، وأعقبه تدخل القانون، والمعتقدات والقيم التي تجعل لهذا البناء هدفا ومعنى، فقامت المجتمعات عبر التاريخ بسن التشريعات والقواعد التي تنظم العلاقات القائمة فيما بينهم، وتجعلهم قادرين على العيش في أمن وأمان. فيتشكل الناس من حيث حاجياتهم اليومية والبيولوجية، وكذلك من خلال حاجياتهم النفسية والمعنوية.
فمن المثير حقاً، والمستهجن من قبل البعض، أن الإنسان العربي في بعض بلداننا في القرن الحادي والعشرين للميلاد وبعد خمسة ملايين سنة من بداية الوعي يرتد اجتماعيا إلى عصور ما قبل الدولة، وإذا ما راجعنا التاريخ القريب، فسنجد أن القوى الاستعمارية لعبت الدور الأبرز في هذا الارتداد، اعتمادا على أنه يسهم في إعادة إنتاج المنطق العصبوي الذي يؤدي إلى احتمالات التشظي؛ ما يسهل عملية السيطرة على بلداننا والتنعم بخيراتها الطبيعية،
والعراق مثل النموذج التطبيقي، فعقب غزو العراق من قبل الولايات المتحدة بجيش قوامه 130 ألف جندي مدجج بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة، شرع حاكم العراق الأمريكي في اتخاذ خطوات تمثل معالم على طريق تفكيك أوصال الدولة بدأت بحل تشكيلات الجيش العراقي وإلغاء الأجهزة الاستخباراتية والأمنية وحل وزارتي الدفاع والإعلام؛ ما أدى إلى إضافة أكثر من نصف مليون شخص إلى طابور البطالة وتدمير قدرات العراق الدفاعية والأمنية والإعلامية، وكذلك حل حزب البعث ( العلماني ) وتشكيل لجنة اجتثاث البعث، هذه القرارات أسهمت بإحداث تغيير تضاريس العراق الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والتشريعية واتبعهما بإرساء قواعد المحاصصة الطائفية، وإذكاء الروح القبلية والمذهبية على حساب وحدة كيان وقوة الدولة، عبر خطوات عديدة بدأت بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي على أسس دينية ومذهبية وعرقية، وأصبحت المواقع الرئاسية من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء إلى رئيس مجلس النواب توزع على أسس عرقية ومذهبية، ووصلت الآفة إلى توزيع الوظائف العليا منها
والسفلى.
فأصبح المواطن العراقي يجد نجاته في التخندق بالعشيرة والمذهب والأحزاب الدينية والعرقية، حتى إن الشيوعيين الأكراد انفصلوا عن الحزب الشيوعي العراقي، وأسسوا الحزب الشيوعي الكردستاني، ما يؤشر إلى أن الانتماء الإثني أصبح أقوى من الطبقي والسياسي، نفس الأمر ينسحب على من تخندقوا بالأحزاب الدينية .
إن قرارات ممثل الاحتلال الأمريكي عملت على تغييب الدولة الوطنية الحديثة في العراق لمصلحة نمط الدويلات الطائفية والإثنية والعشائرية، حيث جرى إعادة إنتاج للبنى التقليدية وتحويلها إلى شبكات طائفية وعرقية وعشائرية .
وعوضًا عن تنظيم علاقة الدولة بالمواطن على أساس مبدأ المواطنة، يجري تنظيمها على أساس ديني أو عرقي أو عشائري، ما يعني تكريسا لحالة الدويلات على حساب الدولة الوطنية .
إن النزاعات العنيفة التي تشهدها العراق نماذج حية للدور الذي يمكن أن تؤديه الطائفية في قطع الطريق على اكتمال تأسيس الدولة الوطنية وفي إفشال التحولات الديمقراطية. حيث ينزع الشعب العراقي بدرجة ما للفكر الطائفي معتبرا إياه سمة مرتبطة ببنية المجتمع، وتصبح علاقته بالطائفة على حساب علاقته بالوطن، ويؤدي هذا إلى تقوية ارتباط الشخص بنظرائه من ذات الطائفة خارج الوطن بدرجة أكبر من مواطنيه، ما يسهم في التدخلات الخارجية تحت ستار الطائفية، وإنه أمر لو تعلمون خطير على مستقبل الوطن والمجتمع.

الجمعة، 24 يناير 2020

من الدولة الوطنية إلى التخندق المذهبي والولاء العشائري.. العراق نموذجًا

https://www.almasryalyoum.com/news/details/1464556

شرع الإنسان قبل خمسة ملايين سنة إلى أن يتطور اجتماعياً، وطبقا لعلوم الأنثربولوجيا والأركيولوجيا البشرية، فإن الانسان بدأ هائما على وجهه في مختلف بقاع الأرض، إلى أن نزع للعيش ضمن جماعات انتظمت في صيغ عشائرية ومنها إلى القبلية فالقرى فالمدن حتى تشكلت الدولة.
وبالبحث في أسباب الاجتماع، يرى أرسطو أن للإنسان دافعا طبيعيا للاجتماع، وأن الناس يميلون طبيعيا إلى العيش داخل مجتمع. وكذلك الفارابي وابن خلدون لم تخرج تصوراتهما عن فرضية حاجة الإنسان إلى الآخر، من أجل تعويض النقص .
وبعيدا عن الدافع الطبيعي، هناك رؤيتان في إطار محاولة للتفكير في المجتمع؛ الأولى للفيلسوف الألماني فريديريك إنجلز، ضمنها كتابه «أصل العائلة والملكية والدولة»، الذي يبحث في السيرورة الإنتاجية والاقتصادية التي دعت الناس تاريخيا إلى الاجتماع، بينما عالم الاجتماع الفرنسي، إميل دوركهايم يرى أن أشكال التضامن الاجتماعي في تقسيم العمل الاجتماعي ينتقل بنا إلى المجتمع ذاته، ويبحث حول الأسباب والسبل التي تجعل الأفراد ينتظمون فيما بينهم، كاشفا عن الرابطة الاجتماعية. وكلا الرؤيتين، وإن كانتا مختلفتين، إلا أنهما قد تتكاملان فتقدمان لنا صورة جيدة حول المجتمع وتاريخه وجذوره ..
إن التعاون وتطور أشكال الإنتاج، قد لعب الدور الأهم في نشأة المجتمعات، وأعقبه تدخل القانون، والمعتقدات والقيم التي تجعل لهذا البناء هدفا ومعنى، فقامت المجتمعات عبر التاريخ بسن التشريعات والقواعد التي تنظم العلاقات القائمة فيما بينهم، وتجعلهم قادرين على العيش في أمن وأمان. فيتشكل الناس من حيث حاجياتهم اليومية والبيولوجية، وكذلك من خلال حاجياتهم النفسية والمعنوية.
فمن المثير حقاً، والمستهجن من قبل البعض، أن الإنسان العربي في بعض بلداننا في القرن الحادي والعشرين للميلاد وبعد خمسة ملايين سنة من بداية الوعي يرتد اجتماعيا إلى عصور ما قبل الدولة، وإذا ما راجعنا التاريخ القريب، فسنجد أن القوى الاستعمارية لعبت الدور الأبرز في هذا الارتداد، اعتمادا على أنه يسهم في إعادة إنتاج المنطق العصبوي الذي يؤدي إلى احتمالات التشظي؛ ما يسهل عملية السيطرة على بلداننا والتنعم بخيراتها الطبيعية،
والعراق مثل النموذج التطبيقي، فعقب غزو العراق من قبل الولايات المتحدة بجيش قوامه 130 ألف جندي مدجج بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة، شرع حاكم العراق الأمريكي في اتخاذ خطوات تمثل معالم على طريق تفكيك أوصال الدولة بدأت بحل تشكيلات الجيش العراقي وإلغاء الأجهزة الاستخباراتية والأمنية وحل وزارتي الدفاع والإعلام؛ ما أدى إلى إضافة أكثر من نصف مليون شخص إلى طابور البطالة وتدمير قدرات العراق الدفاعية والأمنية والإعلامية، وكذلك حل حزب البعث ( العلماني ) وتشكيل لجنة اجتثاث البعث، هذه القرارات أسهمت بإحداث تغيير تضاريس العراق الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والتشريعية واتبعهما بإرساء قواعد المحاصصة الطائفية، وإذكاء الروح القبلية والمذهبية على حساب وحدة كيان وقوة الدولة، عبر خطوات عديدة بدأت بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي على أسس دينية ومذهبية وعرقية، وأصبحت المواقع الرئاسية من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء إلى رئيس مجلس النواب توزع على أسس عرقية ومذهبية، ووصلت الآفة إلى توزيع الوظائف العليا منها
والسفلى.
فأصبح المواطن العراقي يجد نجاته في التخندق بالعشيرة والمذهب والأحزاب الدينية والعرقية، حتى إن الشيوعيين الأكراد انفصلوا عن الحزب الشيوعي العراقي، وأسسوا الحزب الشيوعي الكردستاني، ما يؤشر إلى أن الانتماء الإثني أصبح أقوى من الطبقي والسياسي، نفس الأمر ينسحب على من تخندقوا بالأحزاب الدينية .
إن قرارات ممثل الاحتلال الأمريكي عملت على تغييب الدولة الوطنية الحديثة في العراق لمصلحة نمط الدويلات الطائفية والإثنية والعشائرية، حيث جرى إعادة إنتاج للبنى التقليدية وتحويلها إلى شبكات طائفية وعرقية وعشائرية .
وعوضًا عن تنظيم علاقة الدولة بالمواطن على أساس مبدأ المواطنة، يجري تنظيمها على أساس ديني أو عرقي أو عشائري، ما يعني تكريسا لحالة الدويلات على حساب الدولة الوطنية .
إن النزاعات العنيفة التي تشهدها العراق نماذج حية للدور الذي يمكن أن تؤديه الطائفية في قطع الطريق على اكتمال تأسيس الدولة الوطنية وفي إفشال التحولات الديمقراطية. حيث ينزع الشعب العراقي بدرجة ما للفكر الطائفي معتبرا إياه سمة مرتبطة ببنية المجتمع، وتصبح علاقته بالطائفة على حساب علاقته بالوطن، ويؤدي هذا إلى تقوية ارتباط الشخص بنظرائه من ذات الطائفة خارج الوطن بدرجة أكبر من مواطنيه، ما يسهم في التدخلات الخارجية تحت ستار الطائفية، وإنه أمر لو تعلمون خطير على مستقبل الوطن والمجتمع.

الأربعاء، 22 يناير 2020

حريق استراليا استمرار لكوراث الخلل البيئي العالمي



 لم تمض عدة اشهر على اندلاع الحرائق في غابات الأمازون المطيرة في البرازيل شهر آب الماضي وتسببت في كوارث لم يسبق لها مثيلا قبل عقد من الزمان، حتى انتقلت الكارثة اوائل يناير الجاري الى غابات استراليا التي تعيش كارثة بيئية تحدث خللا في التوازن الطبيعي لكوكبنا الارضي. فموجات من البرد والصقيع الحاد في بعض مناطق العالم يقابلها ارتفاع حاد في درجة الحرارة  في مناطق أخرى، وزيادة نسب ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي بفعل الحرائق والتلوث وانقراض العديد من الفصائل الحيوانية والطيور التي يعد تواجدها في بيئتها حصنا وامانا للغطاء النباتي على الكرة الارضية. غير ان استمرار هذه الحرائق في مناطق الغطاء النباتي، تسبب في ذوبان مناطق مهمة من الجليد في منطقة نيوزلاند. وهذا يعني ان الكوكب الارضي معرض لمخاطر اكبر تتطلب السرعة  في حماية الانسان والحيوان والنبات معا، لانهم جميعا في تلازم بيئي واحد. فالحرائق التي اندلعت في غابات جزيرة الكنغر جنوبي أوستراليا، وتابعها ملايين البشر على الانترنت، وبحسب العالم كريس ديكمان من جامعة سيدني، فان الغابات المحترقة خسرت مليار حيوان، دون حصر أنواع الضفادع وأنواع الوطاويط واللافقريات والتي تقدر بالبلايين، بجانب خسارة منازل الحيوانات. تمتد خطورة هذه الحرائق الى نقل الرياح للرماد المشتعل الي نيوزلاند، فبدا الامر هناك وكأن السماء تمطر نيراناـ مما سرع نسبة ذوبان الجليد في نيوزيلاند بنحو 20 الي 30 بالمئة، وخطورة اندلاع حرائق في غابات نيوزيلاند أيضا لانها تضم حزاما من الغابات بمواجهة الساحل المقابل لاستراليا. كما يخشى العلماء من حدوث أمطار غزيرة على مناطق الغابات المحترقة، بما يؤدي الى جرف الرماد والسخام والنباتات المتفحمة الى مجاري المياه العذبة الطبيعية فتلوثها وتسدها     كما يمكن للامطار الغزيرة ان تجرف هذه المواد حتى الي السدود والترع المائية فتكون طحالب ضارة بالمياه يؤدي الى تسممها، وذلك مثل سد وارلجامبا خارج حدود سيدني، وهذا السد يوفر المياه لنحو 3.7 مليون شخص، فالخوف ليس من تكون البكتريا السطحية فقط ، فالجزئيات الصغيرة من الرماد ستخنق الحياة تحت المياه بما يسبب هلاكا للحياة البرية والبحرية في آن واحد، وتشتد الخطورة - وبحسب العلماء من تأثير ما بعد الحرائق واستمراره  لعقد كامل من الزمن، لان الغابات تأخذ أعواما لتنمو مجددا.   نعم هناك جهود بذلت في الاطفاء، وجهودا اخرى تبذل لانقاذ الحيوانات الناجية بالقاء الجزر والبطاطا اليها لانقاذها من هلاك الموت بعد احتراق مصدر غذائها النباتي، وبعض العلماء استخدموا موقع " جو فند مي " لطلب معونات مالية لتخصيص اماكن للعديد من الفصائل الحيوانية المهددة التي اصبحت مهددة بالانقراض بعد الحرائق  بعيدا مفترساتها.  ورغم كل ذلك تظل هذه الجهود  قاصرة عن منع اندلاع الحرائق مجددا، وان العلماء فشلوا حتى هذه اللحظة في ابتكار حلول عملية وعلمية تمنع تكرار هذه الحوادث. ولنضرب انموذج على ذلك بطائر الحدأة التي اكتشف العلماء انه  يتسبب في توسيع رقعة النيران حتى يخرج الحيوانات من جحورها مثل الجرذان وغيرها حتى تقتات عليها، وهو ما نبهنا اليه نبينا الكريم محمد صل الله عليه وسلم من خطورة الحدأة بحديثه بالبخارى ومسلم: "خمس من الدواب كلهن فاسق، : الغراب والْحِدَأَة والعقرب والفأْرة والكلب العقور". علماء جامعة سيدني يقولون ان طائر الحدأة  يتعمد نشر الحريق ما استطاع يخرج الحيوانات من جحورها ويقتات عليها،  وذلك عبر التقاطه ناراً مشتعلة في خشبة أو غصن صغير، ثم يطير به ليرميه في مكان آخر، محدثاً بؤرا جديدة من النار، وبذلك ينتشر الحريق أكثر في كل مكان، لأن عشرات الطيور من فصيلته تفعل الشيء نفسه. هذه الكارثة في استراليا وغيرها ناجمة عن الاحتباس الحراري الذي يجب ان تتعاون شعوب العالم وقادته من اجل وقف نزيفه والتهامه للحياة على الكوكب الارضي.

اقرأ المزيد على الرابط : https://iraqpalm.com/article/حريق-استراليا-استمرار-لكوراث-الخلل-البيئي-العالمي?fbclid=IwAR1Vg_7wGYK3jrYDea03LiIInG0hytfyAsmgIw9yyYwiVVk-ca5X2zqw0GQ

الثلاثاء، 21 يناير 2020

الصديق نموذج للرحمة الإنسانية والاقتداء بخير المرسلين * سارة السهيل

https://www.ammonnews.net/article/249378

أيام قلائل وتهل علينا الذكرى العطرة لهجرة الحبيب نبينا المصطفي صل الله عليه وسلم، فارا بدينه من مكة إلى المدينة. وفي هذه المناسبة نستعيد ذكرى من صحب الرسول في رحلته الشريفة ونتعلم قيم الوفاء للصاحب والصدق مع الصديق وقيم الايثار وانكار الذات. شخصية الصديق نموذج انساني فريد في اخلاقه من صدق وأمانة وشجاعة ورحمة وسبق إلى الخيرات، كما كان نموذجا فريدا في ايمانه ويقينه وخلافته، واعتقد انه اذا لم يكن فريدا، لما كان الله عز وجل قد شرفه بأن يكون ثاني اثنين في الغار، حيث اجتمعت فيه خصائل نادرا ما تجتمع في انسان تمنحه الشرف الدائم . وقد انعكس شرف نسب سيدنا أبو بكر علي اخلاقه التي عايشها المسلمون من لين ورقة وحنو، فاسمه عبد الله بن عثمان، وعثمان والده هو: أبو قُحافة، وهو من قبيلة التَيمْ. صفات المودة والرحمة التي ملئت قلب الصديق جعلته طيبا يألف الناس ويألفونه، وقد تلازمت رحمة قلبه بالتواضع والزهد في متاع الدنيا وزينتها، فطبع علی الكرم والتصدق بكل ما يمتلك للمسلمين وجيشه، وعتق العبيد من ماله الخاص لوجه الله، أولهم بلال بن أبي رباح . أطلق على أبي بكر لقبي الصديق، وعتيق النار، في الجاهلية وفي الإسلام، فقد كان يُلقَّب بالصديق، لأنه كان يحكم في أمر الديات التي كان القاتل يدفعها لأهل القتيل. حيث كانت قريش تنيبه في مسألة القتل أو المشاجرات التي يترتب عليها حدوث عاهة من قطع وبتر، وإذا تولى أمر الديات شخص آخر غير أبي بكر رفضوه ولم يصدقوه، ولذلك سُمِّي في الجاهلية بالصدِّيق؛ أي: شديد الصدق فيما يقضي ويحكم'. أمَّا في الإسلام فقد سُمِّي بالصديق، لإسراعه في تصديق النبي - صل الله عليه وسلم- في كل ما يقول، وبخاصة في حادث الإسراء والمعراج. أما لقبه بعتيق في الجاهلية فقد كني به لجمال وجهه، أما في الإسلام فقد لقب بالعتيق لأن النبي - صل الله عليه وسلم- بشَّره بالعتق من النار، كما لقب بالآواة لرأفته ورحمته وخشيته من الله . ومن مظاهر انسانية الصديق، انه قبل توليه مسؤولية الخلافة كان يقدم خدمات انسانية لجيرانًه اليتامى الصغار، ولعجوز طاعنة في السن، فكان يحلب لهم الشياه في الليل، يؤم هذه البيوت فيحلب لهم الشياه، ويؤم بيوتًا أخر فيطهو لهم الطعام، ولما صار خليفة، تناهى إلى سمعه حسرة العجائز، لأنهن سيحرمن من هذه الخدمة، وذات يوم قرع دارًا مِن تلك الديار، فسارعت فتاة صغيرة لتفتح الباب وإذا بها تصيح: جاء حالب الشاة، من هو حالب الشاة ؟ سيدنا الصديق، خليفة الرسول الله عليه الصلاة والسلام، وخليفة المسلمين. ولعل لين قلب ابو بكر الصديق وهو ما وصفه رسولنا الكريم بقوله : 'أرحم أمتي بأمتي أبو بكر' .، لم تتناف مع طبع عليه ابو بكر من شدة وحسم في مواقف تطلبت منه الحدة لنصرة الدين والحفاظ على سيرة المصطفي، وهو ما تجلي في بدء خلافتة في محنة ردة قبائل العرب عن الإسلام ومنع بعض القبائل زكاة أموالها، فجهز أبو بكر الجيش لمحاربتهم، ونجحت حدة وحسم ابو بكر في اطفاء نيران هذه الفتنة . ورغم كل هذه الخصال في شخصية الصديق، الا انها لا تغني شيئا في نظري من محبته لرسول الله، فهذه المحبة ألزمته باب نور حبيب الله فشرب من كأسه حقيقة الايمان . وعندما يمتلئ القلب بحب الرسول ، فالقلب اذن يزداد نورا ورقة ولين وسبق وحسم في الحق وبصيرة وثبات علي سنة الحبيب والعمل بها حتي لو أفضي الي حروب المرتدين عن دفع الزكاة بعد وفاة المصطفي . ويبقي سر الصديق كامنا في اقتدائه برسوله واتباع سنته في كل شؤون الدنيا والدين فجاءت فترة خلافته نموذج على هدي السنة النبوية المحمدية في السلم والحرب، في الأمن والخوف. وسيبقي الخليفة ابو بكر الصديق خالدا في التاريخ كأول خليفة عظيم تشرب الحكمة رافق النبي صل الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة وتشرب منه الحكمة وفن قيادة أمة و آل بيت رسول الله و خلفائنا الراشدين قدوتنا فيما وردنا عنهم من صادق الحديث و السير الصحيحه بعيدا عن ما يتم دسه مثل السم في العسل لهدف الفتن و لهدف تشويه صورة الدين بأحكام و قصص لم تحدث إنما دسها الأشرار كي يعتقد الناس أنه من الدين و هو ليس من الدين بشيء فلنقتدي دائما بخير الأخبار بما يليق بسماحة الرسول و أهله و صحبه .

الثلاثاء، 14 يناير 2020

العدل بين الحلم والتحقق

عالمنا اليوم أضحى يموج بصراعات بعضها تتوزع مابين السياسي والاقتصادي وحتى الدموي ما ينذر بكارثة قد تؤدي الى هلاك هذا الكون الذي يأوينا ويطعمنا من خيراته المتعددة .

وفي اعتقادي ان هذه الصراعات في اغلبها يرجع الى غياب العدل ، لانه اذا ما ساد العدل مجتمعاتنا فان المحبة ستعم بقاع الدنيا ويتراجع التناحر ومن ثم التباغض ليحل محلهما التعاون والحب ، ويصبح الرخاء بديلا للعوز والضنك .

وللاهمية القصوى للعدل في بناء المجتمعات واستقرارها ونهضتها فقد أعلت الكتب السماوية  من قيمة العدل واكدت على ضرورة التمسك بتلك القيمة ليكتمل ايمان الفرد ، كما اتفقت تلك الكتب على ان العدل احد صفات الخالق .

ويروى ان كونفوشيوس عاش في عصرٍ ساده الاستبداد والتمزق في الصين، وعُيِّن وزيرًا، وبدأ في تحقيق نجاح ساحق في دولته “لو”؛ فخشيت دولة “تشي” المجاورة والمنافسة من هذا النجاح؛ فأرسلت فرقة من الراقصات إلى حاكم “لو” فافتتن بهن وأهمل أمور رعيته، فخاب مسعى كونفوشيوس، واعتزل السياسة وبدأ التفكير في إصلاح هذه الأحوال .

وربما لهذا تميزت تعاليم كونفوشيوس بعدة أمور أبرزها: الحل يبدأ من إصلاح الفرد لا من السلطة، وينبغي أن يربى الفرد تربية أخلاقية تجعله قادرًا على فعل الفضائل وتبادلها مع الآخرين، فالأخلاق والفضائل هي الضمانة لثغرات القوانين، وينبغي أن يكون التعليم أمرًا عامًا وشائعًا لكل الناس، فكل الناس سواء وسواسية، وحين يحدث هذا ستنصلح أحوال الممالك بطبيعة الأحوال؛ لأن الشعب هو من سيفرز السلطة؛ بحيث يكون الحاكم متحليًا في نفسه بأسمى الأخلاق، وهو من سيستطيع تقويمها إن حادت عن الأخلاق ولم تعد تعمل في مصلحة الشعب، وحين تحدث عن السياسة كان أبرز ما في تعاليم كونفوشيوس إعطاء صلاحيات أوسع لمنصب الوزير، فكانت تعاليمه مجرد انعكاس لفساد واقعه.
وفي العام ٣٨٠ ق . م . كتب افلاطون “ الجمهورية “ الكتاب الاشهر عبر التاريخ الذي تناول على لسان سقراط قضايا تخص الدول والمجتمعات الشرقية والغربية  منذ فجر التاريخ الانساني وحتى يومنا هذا .

ناقش افلاطون في كتابه فكرة العدالة وكيفية بناء دوله عادله وافراد ينحازون الى العدالة ، ووصل الى ان الحاكم الفيلسوف هو الاقدر على تدبير الامور في ظل ما يتمتع به من حكمه وحرص على مصلحة البلاد .

بينما توماس مور صاحب لفظ “يوتوبيا” تخيل أن العلاقة بين الحاكم والرعية هي علاقة الأب بأبنائه، وأن هذا الحاكم هو أفضل الناس وصاحب أخلاق تجعله لا ينحرف تحت ضغط أي إغراء، وهو لا يتميز عن باقي الرعية برداء أو تاج، وأن النزاعات تخفت تمامًا بين الناس فإن حدثت اجتمع لها ثلاثة قضاة؛ فابتكروا عقوبة مناسبة تكون غايتها الإصلاح لا الردع، ويكون توجه الناس في هذه الأرض نحو نشر الفضيلة.
وبعيدا عن الاحلام والافكار المتخيله فإن التاريخ ينبئنا عن فترات زمنية سادها العدل فاختفت الجرائم كافة وأمن الرعية والحكام وفي هذا يروى أن المرزبان (رسول كسرى) قدم الى المدينة يريد مقابلة الخليفه عمر بن الخطاب فأخذ يبحث عن قصره ، فلم يجد في المدينه قصرا فسأل أين  عمر؟ فقيل له ، لعله ذاك النائم تحت الشجرة ، فذهب فإذا به عمر قد افترش الأرض والتحف السماء ، فوقف المرزبان مشدوها وقال مقولته المشهوره : ( حَكَمت . فعَدلت .فأمِنت . فنِمت . ياعمر ) .

ويذكر التاريخ ايضا نموذجا لحاكم نشر العدالة بين الرعية حتى انه لم يبقى جائع في عهده ولا عازب ولا مدين  ولا مظلوم ، ونشر الحبوب على أسطح المنازل لتأكل الطير، فلما سئل في ذلك قال: حتى لا يقال ان الطيور قد جاعت في عهد عمر بن عبد العزيز. وعدالة علي وال بيت رسول الله ولم يكن هناك شخص أكثر تسامحا  وعدلا من يسوع المسيح الذي لم يطمع في حكم بل طمع في تغير سلوك الإنسان عبر ترقية روحانياته.

التاريخ يؤكد من خلال وقائع حتى ولو كانت محدودة بان افكار الفلاسفة قابلة للتحقق اذا ما توفر حاكم يؤمن بقيم العدل وسعى جاهدا لاشاعة تلك القيمة بين الرعية .

الخميس، 9 يناير 2020

تنميةالصناعات ... وعبور الأزمات

https://iraqpalm.com/article/%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B9%D8%A8%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA?fbclid=IwAR2be0wulpyAtvfyU6qJWshbA6U54TZ9L8-_V0jus_NUTLGretgf1_NybKg


 الحروب والإرهاب في منطقتنا العربية أديا إلى أزمات اقتصادية طاحنة، دفعت الحكومات الى اتخاذ اجراءات اقتصادية إصلاحية بغية الخروج من تلك الأزمات ، لكن الإجراءات في الغالب كانت على حساب الطبقات الفقيرة والوسطى كما هو الحال في تونس ومصر وليبيا والمغرب واليمن والعراق ولبنان والجزائر ، بينما صمدت سوريا بدرجة ما طوال السنوات التسع المنصرمة ، التي شهدت حرب ضروس ودمار ، بفضل تحقيقها الاكتفاء الذاتي من الغذاء ودعمها لصناعتها الوطنية .
فسوريا نجحت في انتاج صناعات نافست المنتج المستورد مثل المواد الغذائية والملابس والدواء ومواد البناء فضلا عن المشغولات اليدوية والحرفية ، بينما تراجعت الزراعة والصناعات الوطنية في كل من مصر والعراق وغيرهم من الدول العربية التي انتهجت الاستيراد لأغلب احتياجاتها أسلوباً ، دونما تنمية الزراعة ، وتوظيف المواد الخام التي تزخر بها لتحقيق المواد الخام اللالنهضة الصناعية الضرورية لاحتياجات الانسان المعاصر.  
ان مصر المحروسة  تستورد 65 % من غذائها مما رفع اسعار السلع الغذائية بشكل جنوني عندما اتخذت الحكومة المصرية قرار تعويم الجنيه نزولا على رغبة صندوق النقد الدولي ، وحفاظا على احتياطات النقد الأجنبي من التآكل ، لجأت الحكومة الى قرارات حمائية منها حظر استيراد السلع الاستفزازية والكماليات واتجهت مؤخرا الى تنمية الصناعات الوطنية، وهو قرار ان جاء متأخرا فخير من ان لا يأت أبداً .
ومعلوم ان مصر كانت رائدة في صناعة عديدة من الحديد والصلب الى مواد البناء ومن النسيج الى الدواء ، بينما اليوم تواجه نقصا في تلك المنتجات وأصبحت تستوردها ما ادى الى ارتفاع اسعارها ، بالإضافة لتأكل الاحتياطي من العملات الأجنبية .
وكذلك انشغل العراق بالحروب العبثية عن تنمية انتاجه الغذائي والصناعي ، ما ادى الى زيادة معدلات البطالة وازدياد معدلات الفقر، رغم ما يتمتع به العراق من ثروات طبيعية هائلة من نفظ وغاز فضلا عن الأراضي الخصبة والأنهار والمواقع التاريخية الأثرية ما يجعله محط جذب لحركة السياحة العالمية.  
فالحضارات المصرية والاشورية والبابلية القديمة استثمرت ما تجود به الارض الطيبة من مواد خام وابتكروا الاساليب العلمية في الزراعة، وابتكروا الصناعات التي تلائم احتياجات عصرهم فحققوا بذلك اعظم الحضارات  في العالم.
ولأن " الحاجة هي أم الاختراع " فان الاجدر بكل من مصر والعراق ان يعملا جاهدين على تشجيع الصناعات المحلية وزيادة عدد المصانع التي تلبي احتياجات المواطنين بدلا من الاعتماد على الاستيراد من الخارج والذي قاد البلاد لهذه الازمات الاقتصادية الطاحنة وخلف الاف العاطلين عن العمل   .
ان البلدان العربية خاصة مصر والعراق غنيه بالغاز والبترول والذهب و التربة الخصبة ، فضلا عن الكم الكبير من العلماء المتخصصيين في المجالات الزراعية والصناعية والخبراء في ادارة الاعمال، مع وفرة الايدي العاملة الرخيصة.
إن توافر الثروات الطبيعية  وحسن ادارتها واستثمارها في تحقيق نهضة صناعية قادرة علي المنافسة العالمية كفيل بأن يقضي علي الازمة الاقتصادية، بل ويحقق وفرة غذائية وصناعية تدعم استقرار البلاد أمنيا واقتصاديا وسياسيا، فضلا عن الحضور القوي لبلداننا في المحافل الدولية دون الخضوع للابتزازات الدولية، لاننا في هذه الحالة نكون قد ملكنا قوتنا، ومن يملك قوته يملك قراره وسيادته الكاملة على أرضه ويحقق نهضته وتطوره .

الأحد، 5 يناير 2020

تنميةالصناعات ... وعبور الأزمات

تنميةالصناعات ... وعبور الأزمات 


الحروب والإرهاب في منطقتنا العربية أديا إلى أزمات اقتصادية طاحنة، دفعت الحكومات الى اتخاذ اجراءات اقتصادية إصلاحية بغية الخروج من تلك الأزمات ، لكن الإجراءات في الغالب كانت على حساب الطبقات الفقيرة والوسطى كما هو الحال في تونس ومصر وليبيا والمغرب واليمن والعراق ولبنان والجزائر ، بينما صمدت سوريا بدرجة ما طوال السنوات التسع المنصرمة ، التي شهدت حرب ضروس ودمار ، بفضل تحقيقها الاكتفاء الذاتي من الغذاء ودعمها لصناعتها الوطنية . فسوريا نجحت في انتاج صناعات نافست المنتج المستورد مثل المواد الغذائية والملابس والدواء ومواد البناء فضلا عن المشغولات اليدوية والحرفية ، بينما تراجعت الزراعة والصناعات الوطنية في كل من مصر والعراق وغيرهم من الدول العربية التي انتهجت الاستيراد لأغلب احتياجاتها أسلوباً ، دونما تنمية الزراعة ، وتوظيف المواد الخام التي تزخر بها لتحقيق المواد الخام اللالنهضة الصناعية الضرورية لاحتياجات الانسان المعاصر.   ان مصر المحروسة  تستورد 65 % من غذائها مما رفع اسعار السلع الغذائية بشكل جنوني عندما اتخذت الحكومة المصرية قرار تعويم الجنيه نزولا على رغبة صندوق النقد الدولي ، وحفاظا على احتياطات النقد الأجنبي من التآكل ، لجأت الحكومة الى قرارات حمائية منها حظر استيراد السلع الاستفزازية والكماليات واتجهت مؤخرا الى تنمية الصناعات الوطنية، وهو قرار ان جاء متأخرا فخير من ان لا يأت أبداً . ومعلوم ان مصر كانت رائدة في صناعة عديدة من الحديد والصلب الى مواد البناء ومن النسيج الى الدواء ، بينما اليوم تواجه نقصا في تلك المنتجات وأصبحت تستوردها ما ادى الى ارتفاع اسعارها ، بالإضافة لتأكل الاحتياطي من العملات الأجنبية . وكذلك انشغل العراق بالحروب العبثية عن تنمية انتاجه الغذائي والصناعي ، ما ادى الى زيادة معدلات البطالة وازدياد معدلات الفقر، رغم ما يتمتع به العراق من ثروات طبيعية هائلة من نفظ وغاز فضلا عن الأراضي الخصبة والأنهار والمواقع التاريخية الأثرية ما يجعله محط جذب لحركة السياحة العالمية.   فالحضارات المصرية والاشورية والبابلية القديمة استثمرت ما تجود به الارض الطيبة من مواد خام وابتكروا الاساليب العلمية في الزراعة، وابتكروا الصناعات التي تلائم احتياجات عصرهم فحققوا بذلك اعظم الحضارات  في العالم. ولأن " الحاجة هي أم الاختراع " فان الاجدر بكل من مصر والعراق ان يعملا جاهدين على تشجيع الصناعات المحلية وزيادة عدد المصانع التي تلبي احتياجات المواطنين بدلا من الاعتماد على الاستيراد من الخارج والذي قاد البلاد لهذه الازمات الاقتصادية الطاحنة وخلف الاف العاطلين عن العمل   . ان البلدان العربية خاصة مصر والعراق غنيه بالغاز والبترول والذهب و التربة الخصبة ، فضلا عن الكم الكبير من العلماء المتخصصيين في المجالات الزراعية والصناعية والخبراء في ادارة الاعمال، مع وفرة الايدي العاملة الرخيصة. إن توافر الثروات الطبيعية  وحسن ادارتها واستثمارها في تحقيق نهضة صناعية قادرة علي المنافسة العالمية كفيل بأن يقضي علي الازمة الاقتصادية، بل ويحقق وفرة غذائية وصناعية تدعم استقرار البلاد أمنيا واقتصاديا وسياسيا، فضلا عن الحضور القوي لبلداننا في المحافل الدولية دون الخضوع للابتزازات الدولية، لاننا في هذه الحالة نكون قد ملكنا قوتنا، ومن يملك قوته يملك قراره وسيادته الكاملة على أرضه ويحقق نهضته وتطوره .

اقرأ المزيد على الرابط : https://iraqpalm.com/article/تنميةالصناعات-وعبور-الأزمات?fbclid=IwAR2WdlhZ9m7g0t-mVP49wd6Sr7B2uVU0GvJ6lOFFwET3rpy017lOdCvwUjk

الأطفال والعنف في التاريخ العراقي

الأطفال والعنف في التاريخ العراقي

سارة طالب السهيل

الشعب العراقي يعيش في آتون عنف دموي شبه يومي، بدأ مع الاحتلال الأميركي وتفكيك تماسك وحدة نسيج المجتمع العراقي عبر ترسيخ الطائفية والمذهبية من قبل الحاكم الامريكي بول بريمر .

ان التاريخ الانساني يؤكد ان ظاهرة العنف في العراق ليست وليدة العصر الحالي، بل ان حضارات العراق القديمة شهدت العديد من مظاهر العنف والاقتتال، ولذلك فانه وللوهلة الاولى يبدو الشعب العراقي شعبا عنيفا وان العنف جزء اصيل في تركيبته الانسانية ويؤكد هذا التصور النظري ان التاريخ الانساني يسجل الارث الدامي في العراق عبر حضاراته المختلفة مما يجعله من أكثر الشعوب تطرفا.

غير ان علماء متخصصين في تاريخ العراق وشعبه عبر التاريخ درسوا سيكولوجية الشعب العراق وجدوه اكثر ميلا للزعامة، وانه متقلب المزاج بين البداوة والمدينة، وانه لا يرضى عن حاله وسرعان ما ينقلب عليه.

ويستدل البعض من هؤلاء الباحثين على صحة هذه الفرضية بما نقل عن ابن الأثير: " فلما مرض معاوية مرضه الذي مات فيه، دعا ابنه يزيد فقال: انظر أهل العراق، فان سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملا فأفعل، فان عزل عامل أيسر من أن تشهر عليك مائة الف سيف".

وهذه المقولة تعكس في تحليل بعض المتخصصين ادراك " معاوية " سرعة تقلب مزاج العراقيين وعدم رضاهم عن الحكام وميلهم للقيادة والزعامة.

وكما تذكر بعض الآثار التاريخية، أن الاسكندر المقدوني كتب إلى أستاذه الفيلسوف أرسطو، بعد فتحه العراق عام 331 قبل الميلاد: «لقد أعياني أهل العراق، ما أجريت عليهم حيلة إلا وجدتهم قد سبقوني إلى التخلص منها، فلا استطيع الإيقاع بهم، ولا حيلة لي معهم إلا أن اقتلهم عن آخرهم".

ووفقا لهذه التصورات، فان أهل العراق يوصفون بأنهم أهل فطنة وذكاء، وان هذا الذكاء يدفعهم إلى ممارسة الجدل والنقد و قلة الطاعة ومعصية حكامهم، ما يسهم في ظهور العنف .

إن رسالة الجاحظ (أحد كبار أئمة الأدب في العصر العباسي )، ارجعت احد أسباب عصيان أهل العراق على الأمراء إلى أنهم " أهل نظر وفطنة ثاقبة، ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤوساء وإظهار عيوب الأمراء. ويضيف.. وما زال العراق موصوفا بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة" .

ما يعني أن نزعة الجدل في الشخصية العراقية بجانب سماتها الشخصية من الأنفة والكبرياء والزهو والتمسك بالرأي قد جعل قيادتهم من أي حاكم أمرا شديد الصعوبة .

إن العنف هو الطابع الغالب في الحياة السياسية العراقية قديما وحديثا. ولهذا العنف جذوره التاريخية والاجتماعية والثقافية والطبيعية، ومن بينها تعرض العراق على مدار التاريخ الانساني لمذابح وانتهاكات كبرى اقترفها غزاة ومحتلون اجانب مثل هولاكو وتيمور لنك ومن قبلهما الحجاج والخلفاء الأمويين وما اقترفه السلطان مراد أوالصفويون ضد الشيعة أو السنة في العراق، والمذبحة التي نفذها الولاة العثمانيون بحق المماليك.

تلك الشواهد التاريخية تؤكد ان العراقيين لقرون طويلة ما زالوا ضحايا الاستبداد والعنف والقهر والقمع ما جعل العنف إرثا ملازما لهم، بدءاً من حكم نبوخذ نصر، مرورا بمأساة كربلاء وطغيان الحجاج واستبداد المنصور والسفاح وهجوم المغول واستباحتهم لبغداد،وكافة أشكال الاستبداد والقمع والحروب والحصار والمقابر الجماعية لنظام صدام حسين وانتهاء بالاحتلال الامريكي الغاشم وما افرز ويفرزه من فوضى ودمار وصراعات اثنية وعرقية ودينية وطائفية، و الأعمال الإرهابية ذات الآيديولوجية التكفيرية، التي أتت علي الاخضر واليابس ولم ترحم المدنيين العُزَّل من الأطفال والنساء والشيوخ .

ان المآسي التاريخية التي تعرض لها شعب العراق عبر الحضارات المختلفة قد أثرت سلبا على التكوين النفسي للإنسان العراقي، وجعلته شديد البأس في مواجهة أي خطر قد يستشعره بحسه التاريخي، و قلقاً ومتوتراً وغير مستقر على حال، يغلفه ميراث من الحزن والأسى عبرت عنها أساطيره وأشعاره وأغانيه.

إن العنف في العراق عبر التاريخ جاء دائما من جانب الجيوش الغازية من الشرق أو من القبائل البدوية من الغرب، كما حدث مؤخرا مع الغزو الامريكي للعراق الذي هدم مؤسسات الدول جيشا وشرطة واقتصاد وانتهك حرمات التاريخ وسلب الخزائن التاريخية في المتاحف العراقية ليطمس الذاكرة الحضارية للعراقيين.

ولعل المشهد اليومي للعنف واراقة الدماء في العراق يؤكد استمرار ميراث ثقيل من تاريخ العنف الدموي الذي دفع ثمنه ابناء العراق نتيجة غزو بلادهم، مما اورثه ثقافة العنف المكتسب كرد فعل على اعتداء الاخرين.

 إن العراق لم يهنأ بالاستقرار السياسي الا لفترات قصيرة، بسبب تواصل الصراع السياسي والعسكري العنيف، وما ترتب عليه من سجناء ومعتقلين واعدامات، مثلما حدث في الحرب العراقية الايرانية التي أسفرت عن مقتل وجرح ما يقرب من مليون عراقي، اضافة الى 100 الف قتيل في حرب الخليج الثانية، وانتفاضة اذار عام 1991 في الوسط والجنوب. ونجم عن هذه الحروب ضحايا واسر مشتتة واطفال يتامى بلا نهاية وصولا لما آل اليه حال العراق بعد الغزو العراقي وتداعياته حتى يومنا هذا.

وأدى انخراط مئات الاف الاباء في القوات المسلحة والاعمال المساندة الي انحسار في دور الأب في الاسرة وتراجعه، ما انتج مشاكل اسرية، انعكست على التربية الاجتماعية للاطفال، وفقدان الاطفال للثقة بالنفس وبالاخرين والامن والسلامة، والشعور بالتعرض للاذى، وقد اجبرت العديد من عوائل الاطفال على العمل، مما ادى لانتشار ظاهرة اطفال الشوارع بأعداد كبيرة وهي في تنامي مستمر.

 يتعرض ان الأمية تتفشى بين أطفال الشوارع الذين يتعرضون لمخاطر تسفر عن الكثير من المآسي، وتقودهم ظروفهم الاجتماعية الي الانحدار في مهاوي الرذيلة، حيث يصبحون فريسة للاستغلال الجسدي، مستغلين ضعفهم وصغر سنهم، وعدم قدرتهم على رد الاساءة، والاعتداء عليهم ذكورًا و اناثا.

كما تتفشى بين اطفال الشوراع ظاهرة الادمان على التدخين والمخدرات، حيث اكدت بعض الدراسات ان 90% من المتسولين والاطفال العاملين يتعاطون التدخين في محاولتهم تقليد الكبار والاخطر من ذلك الادمان على المخدرات المحلية المتوفرة في الاسواق .

إن حماية الاطفال العراقيين من ان التحول الى اطفال شوارع رهن بتغيير ثقافة العنف المنتشرة في المجتمع وبذل أقصى الجهود لنشر ثقافة التسامح، وهذا لن يتحقق بمعزل عن نبذ التطاحن السياسي والعمل على مواجهة الفتن الطائفية والمذهبية، والشروع في إعادة اعمار العراق وفق اجندة وطنية تلتزم بوحدة العراق واستقراره الامني والسياسي، ووضع برامج للتنمية الاقتصادية المستدامة ودعم المؤسسات المعنية برعاية أطفال الشوراع تربويا واجتماعيا واقتصاديا.

السبت، 4 يناير 2020

سارة السهيل: الأطفال والعنف في التاريخ العراقي

الشعب العراقي يعيش في آتون عنف دموي شبه يومي ، بدأ مع الاحتلال الأميركي وتفكيك تماسك وحدة نسيج المجتمع العراقي عبر ترسيخ  الطائفية والمذهبية من قبل الحاكم الامريكي بول بريمر .

ان التاريخ الانساني يؤكد ان ظاهرة العنف في العراق ليست وليدة العصر الحالي، بل ان حضارات العراق القديمة شهدت العديد من مظاهر العنف والاقتتال، ولذلك فانه وللوهلة الاولى يبدو الشعب العراقي شعبا عنيفا وان العنف جزء اصيل في تركيبته الانسانية ويؤكد هذا التصور النظري ان التاريخ الانساني يسجل الارث الدامي في العراق عبر حضاراته المختلفة مما يجعله من أكثر الشعوب تطرفا.

غير ان علماء متخصصين في تاريخ العراق وشعبه عبر التاريخ درسوا  سيكولوجية الشعب العراق وجدوه اكثر ميلا للزعامة ، وانه متقلب المزاج بين البداوة والمدينة، وانه لا يرضى عن حاله وسرعان ما ينقلب عليه.

ويستدل البعض من هؤلاء الباحثين على صحة هذه الفرضية بما نقل عن ابن الأثير : ” فلما مرض معاوية مرضه الذي مات فيه، دعا ابنه يزيد فقال: انظر أهل العراق، فان سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملا فأفعل، فان عزل عامل أيسر من أن تشهر عليك مائة الف سيف”.

وهذه المقولة تعكس في تحليل بعض المتخصصين ادراك ” معاوية ” سرعة تقلب مزاج العراقيين وعدم رضاهم عن الحكام وميلهم للقيادة والزعامة.

وكما تذكر بعض الآثار التاريخية، أن الاسكندر المقدوني كتب إلى أستاذه الفيلسوف أرسطو، بعد فتحه العراق عام 331 قبل الميلاد: «لقد أعياني أهل العراق، ما أجريت عليهم حيلة إلا وجدتهم قد سبقوني إلى التخلص منها، فلا استطيع الإيقاع بهم، ولا حيلة لي معهم إلا أن اقتلهم عن آخرهم”.

ووفقا لهذه التصورات، فان أهل العراق يوصفون بأنهم أهل فطنة وذكاء، وان هذا الذكاء يدفعهم إلى ممارسة الجدل والنقد و قلة الطاعة ومعصية حكامهم ، ما يسهم في ظهور العنف .

إن رسالة الجاحظ (أحد كبار أئمة الأدب في العصر العباسي ) ، ارجعت احد أسباب عصيان أهل العراق على الأمراء إلى أنهم ” أهل نظر وفطنة ثاقبة، ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤوساء وإظهار عيوب الأمراء. ويضيف.. وما زال العراق موصوفا بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة” .

ما يعني أن نزعة الجدل في الشخصية العراقية بجانب سماتها الشخصية من الأنفة والكبرياء والزهو والتمسك بالرأي قد جعل قيادتهم من أي حاكم أمرا شديد الصعوبة .

إن العنف هو الطابع الغالب في الحياة السياسية العراقية قديما وحديثا. ولهذا العنف جذوره التاريخية والاجتماعية والثقافية والطبيعية، ومن بينها تعرض العراق  على مدار التاريخ الانساني لمذابح وانتهاكات كبرى اقترفها غزاة ومحتلون اجانب مثل هولاكو وتيمور لنك ومن قبلهما الحجاج والخلفاء الأمويين  وما اقترفه السلطان مراد أوالصفويون ضد الشيعة أو السنة في العراق، والمذبحة التي نفذها الولاة العثمانيون بحق المماليك.

تلك الشواهد التاريخية تؤكد ان العراقيين لقرون طويلة ما زالوا ضحايا الاستبداد والعنف والقهر والقمع ما جعل العنف إرثا ملازما لهم، بدءاً  من حكم نبوخذ نصر، مرورا بمأساة كربلاء وطغيان الحجاج واستبداد المنصور والسفاح وهجوم المغول واستباحتهم لبغداد ،وكافة أشكال الاستبداد والقمع والحروب والحصار والمقابر الجماعية لنظام صدام حسين وانتهاء بالاحتلال الامريكي الغاشم وما افرز ويفرزه من فوضى ودمار وصراعات اثنية وعرقية ودينية وطائفية ، و الأعمال الإرهابية ذات الآيديولوجية التكفيرية، التي أتت علي الاخضر واليابس ولم ترحم المدنيين العُزَّل من الأطفال والنساء والشيوخ .

ان المآسي التاريخية التي تعرض لها شعب العراق عبر الحضارات المختلفة قد أثرت سلبا على التكوين النفسي للإنسان العراقي، وجعلته  شديد البأس في مواجهة أي خطر قد يستشعره بحسه التاريخي، و قلقاً ومتوتراً وغير مستقر على حال، يغلفه ميراث من الحزن  والأسى عبرت عنها  أساطيره وأشعاره وأغانيه.

إن العنف في العراق عبر التاريخ جاء دائما من جانب  الجيوش الغازية من الشرق أو من القبائل البدوية من الغرب، كما حدث مؤخرا مع الغزو الامريكي للعراق الذي هدم مؤسسات الدول جيشا وشرطة واقتصاد وانتهك حرمات التاريخ وسلب الخزائن التاريخية في المتاحف العراقية ليطمس الذاكرة الحضارية للعراقيين.

ولعل المشهد اليومي للعنف واراقة الدماء في العراق  يؤكد استمرار ميراث ثقيل من تاريخ  العنف الدموي الذي دفع ثمنه ابناء العراق نتيجة غزو بلادهم، مما اورثه  ثقافة العنف المكتسب كرد فعل على اعتداء الاخرين.

إن العراق لم يهنأ بالاستقرار السياسي الا لفترات قصيرة، بسبب تواصل الصراع السياسي  والعسكري العنيف، وما ترتب عليه من سجناء ومعتقلين واعدامات، مثلما حدث في الحرب العراقية الايرانية التي أسفرت عن مقتل وجرح ما يقرب من مليون عراقي ، اضافة الى 100 الف قتيل في حرب الخليج الثانية، وانتفاضة اذار عام 1991 في الوسط والجنوب. ونجم عن هذه الحروب ضحايا واسر مشتتة واطفال يتامى بلا نهاية وصولا لما آل اليه حال العراق بعد الغزو العراقي وتداعياته حتى يومنا هذا.

وأدى  انخراط مئات الاف الاباء في القوات المسلحة والاعمال المساندة الي انحسار في دور الأب في الاسرة وتراجعه، ما انتج مشاكل اسرية، انعكست على التربية الاجتماعية للاطفال، وفقدان الاطفال للثقة بالنفس وبالاخرين والامن والسلامة، والشعور بالتعرض للاذى، وقد اجبرت العديد من عوائل الاطفال على العمل، مما ادى لانتشار ظاهرة اطفال الشوارع بأعداد كبيرة وهي في تنامي مستمر.

 يتعرض ان الأمية تتفشى بين أطفال الشوارع الذين يتعرضون لمخاطر تسفر عن الكثير من المآسي ، وتقودهم ظروفهم الاجتماعية الي  الانحدار في مهاوي الرذيلة، حيث يصبحون فريسة للاستغلال الجسدي، مستغلين ضعفهم وصغر سنهم، وعدم قدرتهم على رد الاساءة، والاعتداء عليهم ذكورًا و اناثا.

كما تتفشى بين اطفال الشوراع ظاهرة الادمان على التدخين والمخدرات، حيث اكدت بعض الدراسات ان 90% من المتسولين والاطفال العاملين يتعاطون التدخين في محاولتهم تقليد الكبار والاخطر من ذلك الادمان على المخدرات المحلية المتوفرة في الاسواق .

إن حماية الاطفال العراقيين من ان التحول الى اطفال شوارع رهن بتغيير ثقافة العنف المنتشرة في المجتمع وبذل أقصى الجهود لنشر ثقافة التسامح، وهذا لن يتحقق بمعزل عن نبذ التطاحن السياسي والعمل على مواجهة الفتن الطائفية والمذهبية ، والشروع في إعادة اعمار العراق وفق اجندة وطنية تلتزم بوحدة العراق واستقراره الامني والسياسي ، ووضع برامج للتنمية الاقتصادية المستدامة ودعم المؤسسات المعنية برعاية أطفال الشوراع  تربويا واجتماعيا واقتصاديا  .