الأحد، 17 يناير 2016

تجاهل مأساة العراق بقلم الاديبة سارة طالب السهيل

تجاهل مأساة العراق


سارة السهيل
لم يكن غرق الطفل آلان السوري وقذفه الموج بقوة عاتية علي رمال شاطئ بودروم وتباكي العالم كله عليه الا أول طرف من خيط مآساة انسانية شاملة تودي بحياة اطفالنا العرب هربا من جحيم الدواعش والاقتتال في بلاد الرافدين وسوريا  .

ففي غمرة تباكي العالم أمام مشهد الطفل آلان ملقي علي ظهره علي الشاطئ، لم ينتبه العالم نفسه للطفليين العراقيين زينب وحيدر غرقا مع آﻻن في وقت واحد رغم وجود صورهما ميتان على الشاطيء !

ولا تفسير منطقي لهذا التجاهل الانساني العالمي لهذين الطفلين العراقيين سوى ان شعوب العالم المتحضر بأجهزة اعلامها الحديثة والفائقة السرعة لم يحتمل قلوبها التشظي والتمزق اكثر من ذلك فاكتفى بتداول صورة للطفل السوري، بينما لا تحتمل  قلوبها ان تدمي ثانية لمشهد الطفليين العراقيين !!!

والحقيقة المرة، ان تجاهل طفلي العراق الشهيدين، هو جزء من تجاهل العالم لمأساة العراق بعد تمزقه وتفرقه بايدي الغرب نفسه، فهو تجاهل يبدو منطقيا في ظل تدمير الغرب خاصة والولايات المتحدة الامريكية للعراق وشعبه حتي كاد ان يلفظ انفاسه، وما تبقى له من امل في أطفاله الصغار يلقون حتفهم غرقا خلال هروبهم من غياب الأمن والسلام الذي أضاعته " ماما امريكا " !

وتم دفنهما في النجف هذان الطفلان  للأسف لم يعير لهما أحد أي أهمية رغم وجود صورهما ميتان على الشاطيء.

في مشهد شديد المأسوية كعادة مدينة كربلاء حيث موطن استشهاد السبط  الحسين ، استقبلت جثتي الطفلين الشهيدين زينب(12 عاما)  وشقيقها الأصغر حيدر (8 أعوام) في نعشيهما ليدفنا في كربلاء .

غرق زينب وحيدر هو نتاج لبزنس وتجارة العصر، تجارة تدمير وطن عربي وضياعه واستغلال الدواعش انهياره لينقضوا علي اجزاء من الوطن الجريح ،

 فيهرب من يستطيع بحثا عن فردوس الامان المفقود في بلادهم بأية وسيلة ومن ثم يتلقفهم مافيا تهريب البشر  في مراكب غير آمنة ولا تتحملهم الأمواج الغاضبة فتصرعهم حتى الموت .

 ولعل ما سردته أم الطفلين " زينب وحيدر " ما يؤكد هذه الحقيقة، حيث ذكرت انها غادرت مع زوجها وأولادهما الثلاثة (بنتان وولد) العراق جوا نحو اسطنبول، لينتقلوا بعدها إلى مدينة بودروم الساحلية حيث امضوا نحو أسبوعين محاولين الاتفاق قبل العثور على مهرب لنقلهم إلى اليونان، عبر مغامرة بحرية انتهت بمأساة انقلاب المركب وغرق طفليهما.

أم الطفلين لم تتمالك انفاسها حيت رأت نعشي فلذة كبدها فأجهشت بالبكاء وهي تقول : "انا السبب،  تمنيت لكما حياة كريمة وسعيدة، وها انا اليوم استقبلكما في نعشين" .

مافيا التهريب

 وتكشف هجرة العراقيبن ونزوحهم بطرق غير آمنة بواسطة مافيا التهريب من شعور العراقيين بالاحباط واليأس في توفير الامن والحياة الكريمة لصغارهم،  فتردي الاوضاع الامنية والخدمات العامة والفساد والظروف الاقتصادية القاسية كلها عوامل دفعت ولا تزال تدفع العراقيين للهجرة غير الشرعية .

وبحسب منظمة الهجرة الدولية، فان اكثر من تسعة آلاف عراقي عبروا الى اوروبا من اليونان ما بين كانون الثاني/يناير وآب/اغسطس 2015، ما يجعل منهم خامس اكبر مجموعة بحسب الجنسية .

ويقع الفارين من جحيم بلادهم في قبضة مافيا التهريب الذين يتقاضون عشرات الالاف من الدولارات مقابل تهريبهم الي اوربا، ولا يعنيهم توفير وسيلة انتقال آمنة بقدر ما يهمهم في المقام الاول عدد ما يحصلون عليه من اموال، فيملئون المراكب باعداد اكبر من قدرتها علي تحمل المهاجرين كما انهم لا يوفرون سترات نجاة كافية للاعداد الموجودة بالمركب، ما حدث بالمركب الذي كان يستقله الغرقى آلان السوري وزينب وحيدر العراقيين  وغيرهم ممن يلقون حتفهم غرقا بالبحر المتوسط .

الجاني والمجني عليه

مأساة النازحين من العراق وسوريا وغيرها من مناطق الصراع في منطقتنا العربية، بات يتساوي فيها الجاني مع المجني عليه، وهذه النتيجة كشفها ركاب القارب الذي غرق فيه الطفل السوري آلان الكردي، وزميلاه في الغرق الطفلين العراقيين، حين أكدوا أن والد آلان هو المسؤول عن غرق ولده وغيره من أطفال القارب المنكوب.

وامام المأساة بات الكل يتهرب من جريمته، فوالد الطفل آلان ألقى باللوم على مهرب تركي، قائلاً أن التركي هو من كان يقود القارب، خلال محاولة الوصول إلى اليونان .

غير ان والدا  الطفلين الغرقى زينب وحيدر، أكدا  أن عبد الله كردي والد آلان كان يعمل مع المهربين وهو من قاد القارب من البداية وحتى الغرق .

واذا كان عبد الله والد آلان الغريق مدان في هذه الجريمة، فان والدا زينب وحيدر مدانان ايضا لانهما فرا من وطنهما بطرق غير مشروعة أودت بحياة طفليهما . واذا كان المهربين يبحثون عن لقمة عيش فانهم لم يجدوا عملا شريفا يوفر لهم حياة كريما فلجأوا الي التحايل على الحياة على حساب حياة الأبرياء من الفارين والنازحين فتحولوا الي  مجرمين .

ولكن من هو المجرم الحقيقي الذي اصاب دفع المهاجرين الي الفرار من اوطانهم؟ واين دور المجتمع الدولي في حماية اللاجئين؟ والحقيقة ان الجتمع الدولي بكل قوانين حقوق الإنسان لم تستطع حتي الان ان توقف نزيف دم المهاجرين خاصة من منطقتنا العربية؟ ولم تحفظ لهم ارواحهم ولا كرامتهم الانسانية .

والمأساة كل المأساة ان ازمة اللاجئين والفارين من جحيم شبه الاقتتال الداخلي في سوريا والعراق بخاصة والمنطقة العربية عامة، ان هو ان استمرار الاسباب التي ادت للنزوح ما تزال قائمة ومتسمرة، بما يعني استمرار النزوح الجماعي من الاقطار العربية الي اروبا .

ويدفع الاطفال العرب الثمن الاكبر في هذا النزوح، فحسب ما أكده  مؤخرا رئيس وزراء إقليم كوردستان نيجيرفان البارزاني، فان 50٪ من إجمالي مجموع النازحين واللاجئين في مدن كوردستان هم من الأطفال، مشيرا إلى الحكومة العراقية لم تقم بتقديم المساعدة لهم بالشكل المطلوب.

وكشفت منظمة الهجرة الدولية عن أن عدد النازحين قد تخطى جراء اعمال العنف في العراق عتبة ثلاثة ملايين شخص منذ مطلع العام 2014، غالبيتهم من محافظتي نينوى والانبار حيث السيطرة الواسعة لتنظيم  (داعش) .

واشارت المنظمة في أحدث بيانها، الي ان عدد النازحين بلغ ثلاثة ملايين و87 الفا و372 شخصا، بين كانون الثاني/يناير 2014 وحتى الرابع من حزيران / يونيو 2015 .

واشارت المنظمة الى ان قرابة 2,6 مليوني شخص من النازحين هم من محافظات نينوى وصلاح الدين (شمال) والانبار (غرب)، وهي المحافظات التي شهدت اقوى المعارك ضد التنظيمات المسلحة منذ أكثر من عام .

كارثة عالمية

في 26 يونيه الماضي، وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رسالة بمناسبة اليوم العالمي للاجئين ، كشف فيها عن حقائق انسانية مفجعة، حين ذكر ان عدد اللاجئين في العالم بلغ العام الجاري 59.5 مليون نسمة، 86% منهم في الدول النامية، مؤكدا أن القيام بأعبائهم يتطلب "تضامنا دوليا" .

وأضاف أن "الأزمات الحالية في العراق، وأوكرانيا، وجنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، وأجزاء من باكستان، أدت إلى زيادة مذهلة ومتسارعة في أعداد المشردين قسرًا على مستوى العالم" .

أما  ممثل المفوضية العليا للاجئين في العراق برونو جيدو، فقد أكد  في كلمة له أن تعاون المجتمع الدولي للتخفيف من معاناة اللاجئين والنازحين في العراق، هو واجب أخلاقي" .

وحذر المسؤول الأممي في بيان من تداعيات التمدد الإقليمي للأزمة في سوريا، قائلاً إن "الأزمات التي عصفت بسوريا والعراق، خلفت أكثر من 14 مليون نازح، ففي العام 2014 وحده، تحول مليون و55 ألف سوري إلى لاجئين، بينهم نحو 250 ألفا لجؤوا إلى العراق، ويوجد 97% منهم في إقليم كردستان ، فيما يستضيف العراق أكثر من 40 ألف لاجئ قدموا إليه من بلدان مجاورة".

 وقالت المفوضية إن "هذه الأرقام مروعة، ومن المؤسف أنها في تزايد يوما بعد يوم"، مشيرة إلى أن نصف مجموع الأسر النازحة تفتقر إلى المأوى المناسب، والاحتياجات الأساسية الأخرى .

فضيحة وتجاهل

ولعل تداول النشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي تؤكد هذه الحقيقة حين بثت مقطعا لمواطنين وشرطيين من المجر وهم يضربون باقدامهم أبا لاجئا سوريا يحمل طفله ، فيركل الاب والطفل معا بالقدم !

هذا المشهد " الفضيحة " استفز إياد مدنى الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي فعبر عن  صدمته واستيائه من الطريقة القاسية وغير المقبولة التي تعاملت بها الشرطة المجرية مع اللاجئين السوريين المحتجين الذين سعوا لدخول البلاد عبر الحدود الصربية . حيث استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم . ودعا الحكومة المجرية إلى احترام القانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان الخاصة باللاجئين .

كما استفز هذا  المشهد  القاسي كل نشطاء التواصل الاجتماعي، وكل من تبقي عنده ذرة من انسانية، فمتي يفيق  العالم من شيطنته وينتصر لانسانيته الرحبة بعيدا عن البزنس وتجارة تمزيق الاوطان والبلدان وهدر الطفولة البريئة ودونما ذنب اقترفته ؟ !!!

إلى متى ستبقى بلداننا تصدر الشباب والطاقات البشرية وتشتت الشمل وتطرد المواطنين طردا غير مباشرا إلى متى يدفع الشعب ثمن أخطاء أصحاب القرار والى متى تبقى الشعوب سلع تباع وتشترى و يقبض الأرباح المسؤولين ويدفع الضريبة الأطفال والنساء والشيوخ ويتحمل الخسائر شبابنا ؟

متى يطبق الدستور ويحترم القانون ؟

متى يحب الساسة أوطانهم نصف حبهم للمال والسلطة ؟

متى تقوم الدولة بكيان صلب غير مبني على تقسيم الغنائم بين الأحزاب وتوزيع المناصب بينهم وكأنها عصابات ليست دول ؟

انا اعرف حق المعرفة أن بينهم شرفاء وطيبون وقد لمست هذا بالبعض انا وانتم نعرفهم كما يقال المثل الحياة لا تخلو من الخير وكذلك الحكومات رغم وجود الفاسدين بينهم إلا أن هناك رجال تحب الوطن وتعمل من أجله .

يامن تعرفون أنفسكم اناشدكم أن تبداوا من الصفر بإقصاء الفساد وسن القانون وبناء الدولة بمقومات العدالة و المساواة وحقوق الإنسان .