الجمعة، 26 فبراير 2021

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

 رغم التطور المعرفي والحضاري في المجمتعات الانسانية شرقا وغربا، فانها لم تفلح في ايجاد حلول ناجعة لكارثة العنف الأسري الذي يهدد مستقبل الصغار والناشئة ويخلق منهم بشرا معقدين فاقدي الثقة في أنفسهم وبالعالم من حولهم وعرضهم لشتى انواع الضياع الاجتماعي كالتشرد، وما ظاهرة أطفال الشوراع الا انعكاس لكوراث العنف الأسري.


والحقيقة انه لم يخل مجتمع معاصر من جريمة العنف الاسري، فهي برأيي جريمة بحق الانسانية، ولا تقل في خطورتها عن خطورة الارهاب الداعشي وغيره بالنظر الى ما تخلفه من آثر تدمر الأسر وتهدد استقرار وأمان المجتمع.

وجاءت جائحة كورونا العام الماضي لتعري شعوب العالم حينما أجبر الجميع على العزل المنزلي فانكشف المستور وزاد معدلات العنف الاسري بحق المرأة والطفل. أما في عالمنا العربي، فان هذه الكارثة لها امتداد أكبر واسبق من كورونا بفعل اشتعال الصراعات والحروب بالمنطقة والتي تسببت في أزمات اقتصادية طاحنة على عاتق عائل الاسرة، والذي بدوره لم يجد ملاذا ينفس فيه جماح غضبه الا على أسرته وصغاره ليتحول البيت الي جحيم لا يطاق وقد ينتهي بالطلاق او هروب الأبناء من المنزل او هروب الزوجة او تعرضها للاصابات والضرب المبرح والاهانات اللفظية التي تدمر انسانية الانسان.

يلعب العامل الثقافي والعادات والتقاليد في عالمنا العربي دور البطولة إزاء هذا العنف الاسري، حين تعطي عائل الاسرة رجل او أمراة الحق في تأديب الابناء بمعزل عن الرحمة والحكمة، وهو ما قد يتنافى مع القيم الاخلاقية والروحية والدينية التي جاءت بها الرسالات السماوية بالمنطقة، بينما تجبر العادات والتقاليد المرأة على مقاضاة زوجها بالقضاء خوفا على مستقبل ابنائها فقد يكسر زوجها يدها او يفقع عينها امام أبنائها ويسبها أمام اطفالها وقد تحتمل لانها ليس لها عائل سوى زوجها او ليس لديها عمل تكتسب منه ما يحررها من الحاجة لزوجها العنيف حين يضعها تحت طائلة قهره.

فكم أزهقت ارواح ابرياء من الاطفال او النساء نتيجة هذا العنف؟! وكم تشرد الآلاف من الأبناء في الشوارع بفعل غياب الأمان والتقدير داخل الاسرة؟ وكم طفل تعرض للعنف الأسري وتحول الى قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع.

تتصدر اليمن الدول العربية في قضايا العنف الأسري تليها المغرب فمصر وتختلف نسب العنف من قطر عربي لآخر وفقا لاحصائيات وبيانات صحيفة " وقائع" التي تظهر في استطلاع العام الماضي، ان العنف الأسري ينتشر بشكل كبير نسبياً في كل من اليمن (26 بالمائة) والمغرب (25 بالمئة) ومصر (23 بالمئة) والسودان (22 بالمئة) والجزائر (21 بالمئة).

وتكشف هذه الدراسة أن الذكور يتعرضون للعنف الأسري في أغلب الدول المشمولة بالدراسة، بينما الإناث يعتبرن ضحايا للعنف الأسري في كل من مصر ولبنان والمغرب. كما أن الإناث والذكور المقيمات والمقيمون بالمناطق الريفية في لبنان، جميعاً، يواجهون العنف الأسري.

وترى الدراسة ان العنف الأسري ظاهرة ريفية بشكل غالب، وان ضحاياه يلجأون إلى الأقارب لطلب الحماية والمساعدة، وذلك باعتبار الثقافة الاجتماعية التي ترى العنف الأسري مسألة عائلية خاصة، وذلك رغم بعض الأطفال يفقدون حياتهم على أيدي أبائهم نتيجة القسوة الشديدة أو إصابات خطيرة كالكسور.

ناهيك عن العنف الناتج عن الاهمال العاطفي، الإهمال الفكري بعدم تشجيع الاطفال، والتقليل من قدراتهم الفكرية، وعدم تشجيعهم على التعلم والحصول على الثقافة المطلوبة، كذلك العنف النفسي بحق الاطفال بترهيبهم وتهديدهم بالعقاب.

نماذج لواقع عربي
في العراق وبحسب مفوضية حقوق الإنسان فانه تم تسجيل 15000 قضية عنف أسري بالعراق خلال عام 2020، بشكل عام، وإصدار 4000 مذكرة إلقاء قبض. وغالبية هذا العنف موجه بحق النساء و‏الأطفال وكبار السن، والخطورة انه قد تحول مؤخرا إلى حد القتل وأيضا لجوء بعض المُعَنّفين الى الانتحار، بينما لم تفلح المؤسسات العراقية على التعامل الصحيح مع حالات العنف الأسري ربما لقصور مواردها المالية والفنية.

ولا يوجد ‏قانون خاص بالعنف الأسري ولا نصوص تحدد درجة القرابة”، الأمر الذي يستوجب ضرورة وضع قانون يحفظ لنا عاداتنا بقدر ما يوفر مصدر الرزق للمرأة، لانه في حال حبس الزوجة بعقوبة، فان الزوجة تفقد مصدرا للدخل والانفاق على صغارها، كما ينبغي أن يتبنى القانون توفير مأوى آمن للنساء المعنفات الهاربات من ‏عنف الزوج والأهل”.‏

وللأسف، فان العراق فشل لسنوات في إقرار قانون العنف الأسري في العراق ومؤخرا صار مشروع هذا القانون موضع خلاف بين القوى الإسلامية والتيارات المدنية اعتقادا ان بنوده تتعارض مع الدستور والفقه الإسلامي، في حين ان مشروع هذا القانون قد يكون فرصة مناسبة لدعم قوانين العقوبات الخاصة بحماية الاسرة والاحداث، ومع ذلك فان هذه المسودة تفتقر الى التعريف الدقيق لنص العنف ومسؤوليات أولياء الأمور تجاه الأبناء، وقد يسلب من الوالدين حق توبيخ أبنائهم حتى إذا لمسا منهم حالات تطرف سلوكي، ومن ثم فهو بحاجة الى المراجعة الدقيقة.

أما مصر، فان العنف الجسدي يتصدر قائمة عدد بلاغات الخط الساخن لنجدة الطفل، وهو عزاه المراقبون الى انحفاض المستوى المعيشي، والبطالة وتعرض الزوجين لأزمات اقتصادية، يترتب عليها قلة الدخل، ومسؤوليات الأبناء المادية فوق طاقتهم مما قد يدفعهم لممارسة العنف بحق صغارهم.

ورغم تعدد مشروعات قوانين تجريم ممارسات العنف ضد النساء، فان دراسة للمجلس القومي للمرأة كشفت مؤخرا أن 28 % من النساء يتعرضن للعنف الجسدي على أيدي أزواجهن، وأقر أن ما يقرب من أربعة من كل خمسة رجال وجهوا شكلا ما من أشكال العنف النفسي إلى زوجاتهم.

وتحمي المادة 60 من قانون العقوبات مرتكبي العنف ضد النساء وتمدهم بحصانة من العقوبة فى حالات العنف الأسري، حين يُمنح الجانى الرأفة إذا أثبت أن ما ارتكبه كان بنية سليمة، ويستخدم هذه المادة لتبرير العنف الأسري على أنه حق الزوج في تأديب زوجته ولتبرير جرائم الشرف.

وفي السعودية صدرت حزمة العقوبات بحق المعتدين على المرأة جسديا أو نفسيا أو شرفيا تصل للسجن مدة لا تقل عن شهر وتصل إلى سنة. وتشمل العقوبات أيضا غرامة لا تقل عن 5 آلاف ريال سعودي قد تصل إلى 50 ألف ريال سعودي، على أن تضاعف العقوبة بحال تكرار الفعل، كمحاولة لردع يستغل رابطته الأسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية للاعتداء على النساء.

والعام الماضي صدر بالكويت أول قانون للحماية من العنف الأسري، يوفر أحكامًا للخدمات القانونية والطبية وإعادة التأهيل للناجين من العنف المنزلي، ويوفر فرصة لإنشاء ملاجئ حيث يمكن للضحايا اللجوء لها وطلب المساعدة.

ورغم كل هذه التشريعات القانونية في بلادنا العربية فان جرائم العنف الأسري لاتزال مسلسلا مستمرا وتتفاقم الاوضاع يوما بعد يوما ليزيد من عدد الضحايا والتشرد والتمزق الاجتماعي، وهو ما يجعلها تشريعات أشبه بحبر علي ورق!

نقاط توعوية
وبتقديري ان العنف الاسري ناتج بالأساس عن قصور بتربية الأبوين بالحنان والرحمة، وناتج ايضا عن غياب الوعي الحقيقي بأهمية المؤسسة الأسرية والوعي بدور كلا من الزوج والزوجة. وهذا الوعي ايضا ناتج عن قصور في تشكيل وعي الانسان العربي خلال مراحل تعليمه بسنوات الدراسة المختلفة، وعدم قدرة المؤسسات الثقافية والدينية والاعلامية على تشكيل وعيه المعرفي والانساني والثقافي بما له وما عليه من حقوق وواجبات.

فنشر الوعي الأسري يبدأ من المدرسة وصولا للجامعة وداخل المؤسسات الدينية، حيث تغرس وتكرس في الناشئة وايضا في الكبار من خلال الرسائل العلامية المتكررة ضرورة التوافق والتفاهم بين أفراد الأسرة، والاتفاق على أسلوب لتربية الأبناء يجمع بين اللين والحزم بحسب المواقف، وخلق بيئة أسرية صحية تقوم على التشاور والحوار والاحترام المتبادل بين الزوجين والأبناء.

ولعلي ادعو المؤسسات العربية التوعوية والثقافية، وكذلك كبار العائلات (كبير كل عائلة)الى تثقيف أبنائهم مبكرا بماهية الزواج ومسئولياته، وحقيقة الحياة الزوجية وأنها لا تخلو من عثرات يتوجب على الزوجين الصبر عليها حتى يعبرانها بسلام.

ولعل من اهم القضايا توعية المجتمع كله بحماية الطفل داخل مؤسسة الأسرة الصغيرة أو الممتدة أو داخل المجتمع، لان حماية هذه الطفولة من العنف هي حماية مباشرة للمجتمع بأسره.

ومن المناسب جدا التوسع في قيام مؤسسات المجتمع المدني ودور الرعاية الاجتماعية بدورها في رعاية المعنفين والمعنفات وعلاجهم نفسيا من الضغوط المؤلمة التي ذبحت انسانيتهم واعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا.

أتمني ان تتعاون الدول العربية في اصدار قانون عربي موحد متقارب لمكافحة جرائم العنف الاسري، كما تتعاون فيما بينها في قضايا محاربة الارهاب، لان العنف الأسري لا يقل شراسة عن الارهاب.


الأحد، 14 فبراير 2021

شهداء الهوى حيارى في نعيم الوجد هائمين

 


بمناسبة مواسم الحب و اعياده

العواطف القلبية جزء أصيل في تركيبة بني البشر ، وبها تثمر أشجار التواد بينهم للتراحم واعمار الارض، ولكن في هذه المضغة القلبية لحظة فارقة تنتظر لحظة ميلاد شئ يبدو غامضا ساحرا قدريا، وهي لحظة ميلاد الحب وعندها تتغير التركيبة النفسية والعقلية والوجدانية للانسان 360 درجة حيث يسقط المحب في بحر الهوى والجوى والشوق، وكلما كان الشوق حارقا كانت اللذة اكبر واعمق !
ولا غرابة فالحب جنة للعاشق لا يعرفها الا من ذاق نعيمها، ولذلك فمهما كابد المحب من غرام وسهر وسهد وجوى وهيام وعشق واكتوى قلبه لوعة؛ظل أسيرا لحبه بمحض ارادته، وقد ينازل عن نفسه التي بين جنبيه لمحبوبه فداءا وتضحية حتى لو أصيب بالجنون، أو دفع عمره في عشق من يهوى .

فالمحب حين يقع في فخاخ الغرام يشعر انه فقد اي قدرة على الانفلات من هذه الشباك ويبدو وكأنه مستسلما لقدر محتوم في سفين العشاق دون ان يدري لأي مرفئ سيصل ؟!
ولذلك ربط الشعراء والعلماء على حد سواء بين حالة العشق والمرض فكلاهما قدر، وهو ما عبر عنه الشاعر ابن الفارض في قوله :
وضع الآســي بصدري كفه
قال مالــي حيلة في ذا الهوى

لم يكن الحب القاتل قاصرا على مجانين الهوى في العصورالقديمة كمجنون ليلى ، ولكن لا يزال يجد له أصداء في عالمنا المعاصر في قصص الهوى التي أبدعها الشعراء ومنهم نزار قباني في رائعته " قارئة الفنجان " ويقول فيها :
يا ولدي.. لا تَحزَن، فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب، يا ولدي، قد ماتَ شهيداً، من ماتَ فداءا للمحبوب .
وتبرز في القصيدة كينونة الحب كقدر كتب منذ الازل، ولا فكاك مما قدره الله على عباده، ولانه قدر فانه يبقى مقدسا، ولذلك فان من يموت فداء لمحبوبته يفنى شهيدا .
مكابدة العشاق لوعاتهم القلبية تظهر اثارها على اجسادهم وعقولهم، كما حللها العلماء المسلمين والعلماء في الغرب نتيجة المغالاة في الحب، حيث تظهر عليه اضطرابات جسمية مثل النحول فقدان الشهية وحب العزلة واضطراب النبض، بجانب اضطربات سلوكية قد تدفعه لارتكاب تصرفات غير عقلانية.
وأجمع الأطباء العرب المسلمون أن أفضل وأنجع علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق وذلك على نحو تبيحه الشريعة .
وأثبتت دراسة حديثة لعلماء جامعة امستردام وجامعة لايدن بهولندا حقيقة تحطم القلب على صخرة الفراق بين العشاق، مؤكدين ان تعرض قلب المحب لصدمة الانفصال يؤدي لتحطم القلب و يسبب توقفا مؤقتا لضربات القلب.
اوضحت الدراسة، ان التعرض للرفض العاطفي يؤدي لأذى ويؤثر على كامل جسمك. بما يدفع لعدم الرغبة في الاكل، والنوم وغيره وكلما كان شعورنا بالرفض أقوى كلما تراجعت دقات القلب .

ويحفل التراث العربي والعالمي بالعديد من قصص العشق الخالدة التي لم يكتب لها البقاء بسبب التفريق بين المحبين ونتاجه اما الاصابة بالجنون او الوفاء للمحبوب حتى الموت .
وقصة الفارس عنترة العبسي، وعشقه لعبلة وحال لونه الاسود دون زواجه بها في عنصرية قبلية، ولتتزوج عبلة من فارس عربي، وبينما يعيش عنترة في حزنه، يهيم به الوجد شعرا حتى وفاته.
ويظل جبل التوباد الملقب بجبل العاشقين" في الرياض شاهدا على أشهر قصة حب في التاريخ، ومغارته التي احتضنت قصة الحب العذري بين قيس بن الملوح ومحبوبته ليلى العامرية بعد أن زُوِّجت ليلى برجل آخر، هام قيس على وجهه في الفيافي، باكيا عشقه بشعر يعكس عذابات الفراق و يعتزل الناس هائما في الوديان، يزور آثار ديارها وينظم الشعر في حبها، حتى لقب بالمجنون.

من هؤلاء الشاعر المرقِّش الأكبر في العصر الاموي ، و قصة حبه لأسماء، وزواجها من رجل آخر، فيصاب العاشق بالهزال بحثا عنها حتى يموت.

ومأساة قصة عشق عمرو بن كعب بن النعمان الملك وابنة عمه عقيلة التي زوجها أبوها من رجل اخر فينهار كعب وانطلق للصحراء هائما باليمامة، وقد شد بصره إلى السماء، حتى أدركته منيته في تيه لم يعرف مكانه فيه. بينما الحبيبة عقيلة تعيش مع زوجها عذاب تدب في جسدها الاسقام حتى يضمها الموت وتلحق بحبيبها.

ومن شهداء الغرام علي بن أديم وحبيبته منهلة، حيث أحب أديم منهلة التي كانت جارية عند احدى النساء وكانت ترسلها إلى الكتاب لتتعلم فرآها علي وظل يراقبها حتى شبت وأراد خطبتها ولكن المرأة التي تمتلكها رفضت تزويجه لها وزوجتها لرجل آخر ولم يصبر على فقد منهلة فمات بعد ثلاثة أيام من زواجها .

بينما أحب عروة ابنه عمه عفراء، وعندما طلب من عمه تزويجها له، غالت أسرة عفراء في المهر، فراح يضرب في الارض ليعود بالمهر وعاد بعدما جمع مهرها ليجدها قد تزوجت بالشام ليفرق المال بين العاشقين ويمرض عروة بالسل ويموت فتتحسر عفراء وتندبه حتى تلحق به وتقبر في قبر بجواره .


ومن مأسي قصص العشق قصة الملكة غوينفير زوجة الملك آرثر، حين تقع في لانسيلوت، وتعلن عشقها وتهرب معه، ويحكم عليها بالموت حرقا بتهمة الزنا ويأتي لانسيلوت لانقاذها من الحرق، وينتهي الأمر بالعشيقين الى كنيسة بائسة.

كما سجل التايخ قصة عشق سليم ابن الامبراطور أكبر بفتاة تدعى اناركيل ورفض والده الامبراطور اقتران ابنه بها وبذل كل محاولة لتشويه صورتها فأعلن الابن لاعلان الحرب على والده، وهزم امام جيوش الامبراطورية وحكم عليه بالموت. وحين حاولت اناركيل انقاذه من الموت، قام جيش الامبراطورية بدفنها في الاسمنت المسلح امام ناظري حبيبها وهي حية، قبل ان يقتلوه.
وهكذا كان الحب مؤديا الى العشق الذي يقود الى الجنون او الفراق بالالام والسقام او الشهادة موتا في سبيل المحبوب .

الجمعة، 5 فبراير 2021

الطفولة في خطر ما لم نتدارك

 

الطفل العربي يمثل ركن أصيل في اهتماماتي الشخصية والعملية، لانه يمثل المستقبل كله، ورعايته هو رعاية وأمان وازدهار لمستقبل عالمنا العربي .

ولكن للاسف فان الطفل العربي في عالمنا المعاصر يواجه تحديات شديدة القسوة لا يتحملها قلبه الصغير نتيجة تعرضه لانواع فتاكة من العنف المنزلي والمدرسي والمجتمعي والفضائي منها فالمشكلات العائلية تؤثر سلبيا على الطفل، خاصة في حالات الزواج الفاشل حيث يشعر الطفل بالضياع، ويتعرض للتعنيف من جانب أمه أو أبيه.

كما يتعرض الاطفال لأنواع من العنف النفسي، مثل الصراخ، والقسوة اللفظية، والكلامية، والتهديد عند التعامل مع الطفل، كما يتعرض لاشكال عديدة من العنف الجسدي، مثل الضرب القاسٍ والمبرح، والتعذيب باستخدام أدواتٍ مختلفةٍ محدثةً له آلاماً وجروحاً أحياناً كما يجري في بعض دور رعاية الايتام

وشهدت منطقتنا العربية اشكلا جديدة من العنف منذ احتلال امريكا للعراق مرور بثورات الربيع العربي بحيث اضطر الطفل للخروج للعمل كما في حالة العراق فتعرض لاشكال عديدة من الاستغلال ، كما جرى تجنيد الاطفال في اعمال الارهاب مثلما فعلت داعش باطفال العراق وسوريا .

* انعكاسات العنف على الطفل

تتسبّب إساءة معاملة الأطفال في اصابتهم بمشكلات صحية ونفسية تكبر معهم في مراحل عمرهم المختلفة، حيث يؤدي تعرضهم للعنف في حدوث إجهاد يؤدي إلى عرقلة نماء الدماغ في المراحل الأولى. كما يمكن أن يؤدي الإجهاد الشديد إلى عرقلة نماء الجهازين العصبي والمناعي.

ونتيجة لذلك تزيد مخاطر تعرّض الأطفال الذين عانوا من إساءة المعاملة لمشاكل صحية سلوكية وجسدية ونفسية عند الكبر، ومنها اقتراف العنف أو الوقوع ضحيّة له؛ الاكتئاب؛ التدخين؛ السمنة؛ ويمكن أن تسهم إساءة معاملة الأطفال، من خلال تلك العواقب السلوكية والصحية النفسية، في التعرّض لأمراض القلب والسرطان والانتحار والعداوى المنقولة

ويواجه الطفل مشكلات عديدة من ضعف وسوء النظام التعليمي الذي يكرس للحفظ والتلقين دون ان يحرص على تنمية مهارات الطفل الفردية ويشجعه علي الابتكار، فالنظام التعلمي العربي يقدس حصول الطفل على اعلي الدرجات والحصول على الشهادة، دونما العناية بالجانب التربوي والمهاري والسلوكي الحضاري .

وتغفل النظم التعليمية في اوطاننا اهمية التربية الوجدانية وضرورة العناية بالجوانب العاطفية والشعورية التي تشكل الشخصية الإنسانية المتكاملة.

وتعتمد التربية الوجدانية علي محضن الاسرة الاساسي باعتبارها أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر في شخصية الكائن الانسانى، برعايته له في فترة الطفولة التي تشكل فترة بناء وتأسيس ورسم شخصيته ولذلك فان الباحثين المتخصصين يرجعون الانحراف السلوكي و بين نشأتهم في الأسرة المفككة.

وتأتي المدرسة في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في تنشئة الطفل، بتحملها تعليم الصغار بالتعاون مع الأسرة من أجل توسيع مدارك الطفل وجعله يحب المعرفة والتعليم، مما أدى إلى بروز المدرسة كمؤسسة اجتماعية مهمة، ، فيتعلم الطفل في المدرسة الحقوق والواجبات، وضبط الانفعالات، والتوفيق بين حاجته وحاجات الغير، ويتعلم التعاون، ويتعلم الانضباط السلوكي".

في اعتقادي ان النظام التعليمي لابد وان يشعرالطفل بالأمان والحب والجمال حتى يسهل علينا تعليمه القيم والمبادئ الخلقية في الاديان السماوية بأساليب غير مباشرة مثل: العدل، المساواة، الحرية، الحق، الإخاء. وتعليمه قيمة التسامح والانتماء الوطني ليشمل حبه واهتمامه أبناء وطنه كافة على اختلاف أديانهم, وتعليمه الانتماء الإنساني ليشعر بالأخوة الإنسانية تجاه أبناء آدم.

وتلعب حكاية القصص الخيالية لطفل ما قبل المدرسة دور مهم في اشباع رغبته في التخيل. مع ربط هذه القصص بالواقع الذي يعيشه من خلال الدراما الخلاقة والاجتماعية .

كما الطفل بحاجة شديدة الي مشاهدة ومعرفة نماذج مختلف من القدوة الحسنة للطفل ليقوم بملاحظتها وتقليدها .

ولعله من العوامل المهمة في تشكيل البناء الوجداني للاطفال هو تشجيعهم باستمرار فتشجيع الطفل يؤثر في نفسه تأثيراً طيباً, يحثه على بذل جهده لعمل التصرف المرغوب فيه, وتدل الدراسات أنه كلما كان ضبط سلوك الطفل وتوجيهه قائماً على أساس الحب والثواب أدى ذلك إلى اكتساب السلوك السوي بطريقة أفضل, ولا بد من مساعدة الطفل في تعلم حقه, ماله وما عليه, ما يصح علمه وما لا يصح, وذلك بصبر ودأب مع إشعار الأطفال بكرامتهم ومكانتهم, مقروناً بحسن الضبط والبعد عن التدليل.

ويدخل في تشكيل شخصية الطفل عنصر مهم هو تعليمهم وتعويدهم علي التعامل برفق ولين ، وذلك مصداقا لقول المصطفي ا صلى الله عليه وسلم: " إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف "

* أدب الطفل
ويعتبر أدب الأطفال، بما يحويه من قصص وأشعار وحكايات، في صيغة كتاب أو مجلة أو شريط مسموع أو مشاهد، ميدانا هاما لتنمية قدرة الطفل على الإبداع وتنمية القدرات الابتكارية عندهم.

كما يعتبر وسيطا مناسبا في الجانب التربوي للتعليم، وتنمية القدرات الذهنية، واستقرار الجوانب النفسية لدى الطفل، كما انه يتيح للطفل الشعور بالرضا، والثقة بالنفس، وحب الحياة، والطموح للمستقبل، ويؤهله لكي يكون إنسانا ايجابيا في المجتمع.

غير الادب الموجه للطفل العربي ـ للاسف ـ لا يقدم له ما يناسب عقله ، وتسيطر عليه الترجمة بجانب انتشار الخرافة والمبالغات والخيال فيه، وهو ما يتطلب من المجتمعات العربية تشجيع المبدعين في حقل الكتابة للاطفال ليبدع أدبا نابعا من مجتماعتهم ويعبر عن ثقافاتهم وقيمها الاصيلة

تأثير الإعلام علي الطفل
يتعرض الطفل العربي لمخاطر انفجار البث الفضائي تحمل ثقافات بعيدة عن ثقافة مجتمعنا العربي ، وكثير منها يمثل ثقافة نفعية انتهازية ، مثل كارتون الشهير(توم وجيري) يعرض للطفل كيف يمكن للفأر الصغير الضعيف الخبيث أن ينتصر على القط الضخم بالخداع والحيل واستسهال الإيذاء والتسبب في الألم الشديد له، وتنزل كلمة النهاية على وجه الفأر وهو يتلذذ بقهر القط بدهائه وخبثه.

الانترنت سلاح ذو حدين
يلعب الانترنت دورا رئيسا في عالمنا الكوني المعاصر، خاصة لدي الصغار الذين وجدوا فيها علما افتراضيا يتفاعلون معه بكل الصور سواء تعلمهم او تثقيفهم او العابهم ، لكنه أثر سلبيا علي النمو الفكري للصغار، حيث أفقدهم القدرة علي التمييز بين ماهو واقعي وماهو خيالي كما أنهم غير قادرين على تطبيق الواقع في العالم الافتراضي.

ويرى البروفيسور جيمس كولنز ـ وهو متخصص في الكتابة وطرق التدريس في جامعة نيويورك ـ أن العديد من المشكلات التعليمية تتمحور حول مدارس الأطفال التي تتيح الدخول للانترنت بشكل غير مقنن. فالطلاب الذين يعانون من مشاكل في مواد الكتابة يتخذون الغش وسيلة لعمل مشاريعهم البحثية. بجانب مشاكل الإملاء واستخدام عبارات عامية بسبب التعود على استخدامها في برامج التواصل. ولاتعد هذه التأثيرات السلبية تهديدا كبيرا على الأطفال فقط، بل على طلاب الجامعة أيضا.

كما يؤثر الانترنت علي النمو الاجتماعي للاطفال، فبرغم قد يدفع الصغار للتفاعل الإبداعي والثقافي مع الآخرين، غير ان سوء استخدامه يمنع الطفل من القيام بنشاطات اجتماعية، كالواجبات المدرسية والمنزلية ، وقضاء وقت مع الأسرة والأصدقاء.

كما انه قد ترعض لاشكال من العنف عند مشاهدته للمواقع العنيفة وقد يكتسب صفات سلبية عن نعرضه للانتنت مثل التحيز والكراهية والمواد الاباحية التي تعلم الصغار الجمس بطرق خاطئة وقد يتعرضون ايضا للتحرش .

وهذه القضية بالذات تتطلب رقابة اسرية ومجتمعية وحكومية لمنع مصادرالمواد الإباحية على شبكة الإنترنت، ووضع قوانين صارمة للحفاظ علي الطفولة من هذه الاعتداءات الغاشمة على براءتها ونموها العقلي والوجداني .

تأثير أزمات المنطقة على الاطفال
لا شك ان الازمات السياسية التي تمر بها العديد من دولنا العربية كما في العراق وسوريا واليمن وليبيا وما افرزته من حروب، دفع الاطفال العرب ثمنا باهظا لها من امانه النفسي نخاصة ممن انتقل منهم لمراكز الايواء او تم تهجيره لبلاد بعيدة مع اهله كلاجئين. وهي معاناة انسانية بكل المقاييس، لانها زرعت الخوف والقلق في نفوس الصغار .

وللاسف هذه الفئة من الاطفال ضحايا النزاع السياسي والعسكري يتأزمون كثيرا نتيجة هذه الكوراث ويمليون للعنف، ويتغير مزاجهم العام ويعانوني من فقدان للشهية، والشعور بعدم الاستقرار، واضطرابات النوم والقلق والكأبة والحزن والخوف، وعدم المبادرة والتردد، وتشتت الذهن وضعف الذاكرة والتذكر خاصة تلك الأمور المتعلقة بالدراسة والمدرسة، وتظهر لديهم أيضا مشاعر القلق والخوف ومشكلة التبول اللاإرادي.

واعتقد ان العالم العربي بحاجة شديدة لعلاج هؤلاء الصغارنفسيا واجتماعيا علي أيدي متخصصين بمعاونة الأسر لكي يعيدوا اليهم مشاعر الامان التي افتقدوها وعصفت بهم، والعمل علي زرع الافكار الايجابية في نفوسهم بشرح ان هذا العنف الدموي امر مؤقت وسيزول، مع شغل اوقات الصغار بالدراسة المحببة واللعب لتفريغ شحنات غضبهم وخوفهم بطرق مسلية.