الجمعة، 31 أغسطس 2018

رحلة الحج قديما و حديثا


رحلة الحج قديما و حديثا

سارة طالب السهيل

استيقظت صباح الْيَوْمَ على أصوات الطبل والزمر، وكما يقال باللهجة المصرية الزيطة والزنبليطة، فخالجتني مشاعر الغبطة والسرور ودب في أوصالي النشاط والحيوية، فانا بطبعي محبة للبهجة، وان اجد المكان يعم بالفرح والناس سعيدة، فركضت مسرعة نحو النافذة لأرى العروس كما كنت اظن و أردد معهم أهازيج الاعراس المبهجة من مدح للعروس ووصايا للعريس خاصة في المجتمع الاردني و في عمان تحديدا حيث أعيش الا انني لم اجد شيئا مما ظننت، فقلت في نفسي لعل العرس في الجهة الاخرى من الطريق، و لكن الصوت بدأ يزداد وضوحا شيئا فشيئا وبدأت اركز في كلمات الزافيين يا الله انها زفة حجاج عائدين من اداء فريضة الحج.
زادت فرحتي، وكيف لا، فمازالت الطقوس الدينية مستمرة و ان الدين مصدر بهجة وفرح وحياة وامل، وليس موت و إرهاب كما يصوره البعض.
جلست مع والدتي تحت (العريشة) في الحديقة وكانت سعيدة جدا بزفة الحجاج هي الأخرى، حيث أهاجت بداخلها ذكريات الطفولة عندما كانت في سن الثامنة و بدأت تروي لي قصة الحاجة ياسمين أم حسن السيدة الكبيرة في السن التي تسكن في الحي المجاور لمنزل والدتي وذهبت للحج بعدما ودعت اَهلها وجيرانها بسعادة بالغة وتركت منزلها في عهدة الأهل والجيران كما كان امرا مشاعا سابقا.
فالأصدقاء والجيران كانوا هم الأهل والأمان والثقة وكان أهل الحي يرعون بيت السيدة ياسمين في غيابها حتى تعود ولكن ذهب الحجيج وعاد الحجيج و أم حسن ما عادت يوما بعد ويوم الناس تنتظر عودتها ولا خبر ولا جفية لا حامض حلو لا شربت على قولة الاغنية العراقية الشهيرة.
عاد الحجاج جميعهم الا أم حسن، ومن شدة قلق أهل المدينة عليها أصبحوا يتجمهرون كل يوم امام بيتها ينتظرونها ويقيمون الصلوات والدعوات ومعهم اطفالهم واطفال المدينة كلها ومن بينهم والدتي التي ذهبت مع صديقة العائلة وقد كانت طفلة آنذاك تلعب مع الأطفال وتمرح في بستان أم حسن بينما يعيش الكبار في مهرجان يومي بانتظار الحاجة الغائبة.
وبعد ايّام ليست قلية أُشيع الخبر بان الحاجة ياسمين أم حسن على مشارف المدينة فعم الفرح وضج الخبر واتجهت الأهالي لاستقبال الغائبة التي ظنوا ان اصابها مكروه ولن تعود واستقبلوها بزفة ومزامير وتراتيل حتى وصلوا بيتها فصرخت أم حسن صرخة مدوية وصمت الجميع !
ياريتني ما رجعت من الحج وشفت بيتي خرابة، احباب الله ما قصروا لا خلوا بالبيت زرع ولا شجر الا ما دمروه وهم يلعبوا بانتظار الحجة تعود بالسلامة.
قصة جميلة تبين لنا كم كانت الناس تعظم الشعائر الدينية وكيف كان للحج قيمة كبيرة روحية في المجتمع وكيف كان الذهاب والاياب من الحج أمرا ليس بالسهل أو اليسير بين طول المسافة وصعوبة الطريق وترجي السلامة وكيف تغير الحال الان بكل التسهيلات المهيئة للحجيج.
فتذكرت المثل الشعبي (يطعمك الحج والناس راجعه) لم يكن هذا المثل وليد الصدفة وإنما ضرب حتما من حادثه أو احداث وقعت في زمنه فلا بد انه كان هناك حجاج يصلون الحج بعد انتهاء المراسم ومن الممكن بعد ما الناس عيدت أصلا، قبل عصر التكنولوجيا بل قبل اختراع الطائرات.
وبالطبع ام حسن العكس رجعت الناس من الحج و أم حسن بعدها بالطريق، انه طريق الانابة الي الله ليس سهلا كله مشقة وتعب لكن كل هذا التعب يهون من اجل قصد باب رحمة الله وغفرانه وان يعود الحاج بعد وقوفه بعرفة كما ولدته امه طاهرا نقيا من الذنوب والمعاصي. يعود الحاج بعد الفريضة كما طفل برئ من ادناس الدنيا الفانية واطماعها، هنا يفرح المجتمع بالفطرة ويعبرون عن فرحتهم بهذا الطهر والتطهر بما نعيشه من زغاريد واغاني وربما اقامة الولائم، وكأن المجتمع يشارك الحاج طهره وتوبته وانابته الي الله بهذه الأغاني .
فالنفس البشرية مجبولة بطبعها علي الخير، ولا خير اكثر من قبول توبة تائب عن الذنب وعند العبد، فالحج قبل ان يكون مناسك شاقة وهي ضرورية لانها توبة من القلب الى الخالق وبراء ذمة من النفس والولد والعمل اخلاص لوجه الله الكريم، علي ذلك فان المشاق التي يصادفها الحاج في رحلته وادائه مناسكه وخوف قلبه وجوراحه من الله يمثل في جوهره اعلى الرياضات الروحية التي ترتقي بالنفس البشرية وتربيها علي طاعة الله والخوف منه والتماس الرجاء في غفرانه وقربه وحبه وأيضا عشقه والهيام به، فالله هو المحبوب والمعشوق في قلوب موحدينه.
وهذه المعاني قد توجد في قلوب العباد دونما ان يدركوا فنون التعبيرعنها الا بكلمات بسيطة واغاني واهازيج ورموز ومنها الرسوم التي يرسمها الأهل علي بيت الحاج في قريىمصر تخليدا لهذه الذكري حيث يرسمون الكعبة المشرفة والنخيل والجمال وغيرها وكأنهم يوثقون بعقلهم الباطن رحلة الحج ويعكسون ما بداخلهم من تقديس لهذه الرحلة الى الله عز وجل.
وقد عكست الأفلام القديمة رحلة الحج وظهرت العديد من الأغاني الخالدة لهذه الذكري، لعل من أشهرها أغنية " يا رايحين للنبى الغالى" للفنانة الراحلة ليلى مراد، ضمن أحداث فيلم "ليلى بنت الأكابر" والتي عندما يتم عرضها علي الشاشات فهذا يعني اننا دخلنا موسم الحج الأكبر، خاصة وانها تعكس بالتفصيل مناسك الحج كما في كلماتها:
يا رايحين للنبى الغالى.. هنيالكم وعقبالى
يا ريتنى كنت وياكم.. وأروح للهدى وأزوره
وأبوس من شوقى شباكه.. وقلبى يتملى بنوره
أحج وأطوف سبع مرات.. وألبى وأشوف منى وعرفات
وأقول ربى كتبها لى.. يا رايحين للنبى الغالى
أمانة الفاتحة يا مسافر لمكة.. تأدى فرض الله
حترجع والإله غافر ذنوبك.. لما نلت رضاه
يا ريتنى معاك في بيت الله.. وأزور وياك حبيب الله
هنيالك وعقبالى.. يا رايحين للنبى الغالى
كما المطربة اللبنانية نور الهدى هي أول من قدمت أغنية عن الحج في فيلمها "أفراح" عام 1950 "مبروك يا حاج وعقبالنا"، وبعدها عام 1951 غنى محمد الكحلاوى أغنية " الصبر جميل" عن الحج من تلحينه.

مشاق الرحلة
كان الاستعداد للحج قديما على ظهور الجمال يبدأ بعد انتهاء عيد الفطر المبارك حيث يجهز الراغبون في الحج قافلة تشمل الجمال والإبل ومأكلهم ومشربهم وحتى أكفانهم وكانت الرحلة تستغرق أربعة شهور والطريق كان وعر ومحفوف بالمخاطر وقطاع الطرق، كما تذكر مصادر التاريخ الإسلامي.
فقد كان السفر الى مكة لاداء الفريضة "قطعة من العذاب" يمنع المسافر طعامه وشرابه ونومه، كما وصفه بذلك رسول الله صل الله عليه وسلم، من كثرة ما كانت تكتسي رحلة الحج من صعوبات سواء كانت بالسفن والبواخر والإبل أو السير على الأقدام.
فالرحلة كانت طويلة والسفر شاقا والطريق غير مألوف وكان أهل الحجاج يودعونهم وهم غير واثقين تماماً من عودتهم المخاطر التي كانوا يتعرضون لها خاصة في عهود بداية الفتن في الدولة الاسلامية واختلال الامن بسبب الحروب وتعديات القبائل على الطرق وأعمال النهب والسلب والقتل وقطع الطرق منذ نهاية القرن الثالث الهجري الأمر الذي ادى الى انقطاع الحج لسنوات متصلة.
كما الحجاج يواجهون مخاطر الجوع والعطش في سفرهم ويتعرضون لبعض الكوارث الطبيعية ومن ذلك العواصف والبرد القارس والامطار الغزيرة والسيول الجارفة.. ويذكر ابن الجوزي صاحب كتاب "مرآة الزمان " في حوادث سنة 692 هـ تعرض قافلة الحجاج الشامية الى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، واشتغل كل امرىء بنفسه، وحصلت لهم مشقة عظيمة، وكثيراً ما كانت السيول تداهم قوافل الحج، ففي سنة 1196هـ اجتاحت قافلة الحج المصرية أثناء سيرها في الطريق بين مكة والمدينة سيل أتى على نصف الحجاج المصريين، وكان الحجاج اليمنيون ايضاً يفضلون الحج عن طريق البحر، على الرغم من مخاطره، حتى لا يتعرضوا لمهاجمة العربان وقطاع الطرق البرية."
وعلى طرق الحج أقيمت منشآت كثيرة مثل المحطات والمنازل والمرافق الاساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات( فنادق) ومساجد وأسواق كما اقيمت علي هذه الطرق الأعلام لإرشاد الحجاج إلى الطرق الواجب اتباعها.
وكان من يقود الحملة يحسب شهر للذهاب وشهر آخر للإياب وشهر يتم قضاؤه في الأقطار الحجازية المقدسة ويأخذ الحجاج معهم المئونة والماء بكميات بسيطة وخلال رحلة الذهاب وأثناء مرورهم على مدن في بلاد نجد يتزودون بالمياه من الآبار في طريقهم.
بينما النساء كن يركبن الهودج وهو عبارة عن مقصورة صغيرة يتم وضعها على ظهر الذلول والظعينة أو المطية وتسمى أيضا الكواجة وتوضع فوق السرج وتكون مغطاة بغطاء مزركش مع وجود شال صوفي أحمر لامع وتستطيع المرأة أن تجلس مع طفلها داخلها بأمان.
ويتقدم حملة الحج شخص كانوا يسمونه (دليلة) وهو الذي يدل الحملة ويقودها إلى أماكن التزود بالمياه والزاد كما يحدد المسافات من مدينة إلى أخرى ويعين للحملة أوقات الراحة واستكمال المسير وكان الحجاج من الكويت يزورون المدينة المنورة أولا ومع اقتراب موسم الحج يذهبون إلى مكة بينما الحجاج من باقي الأقطار العربية يزورون مكة أولا وبعد ذلك يذهبون إلى المدينة المنورة .
أما المسعى بين الصفا والمروى، فكان عبارة عن سوق وليس كما هو الآن وكان الحجاج في سعيهم ذهابا وإيابا يشترون من المحال على جانبي المسعى، توافر ماء زمزم فقط في زقاق البخارية، وكان عبارة عن شارع ضيق بجوار الحرم فيه روس مسلمون يصنعون من مادة تشبه القصدير حافظة للمياه يسمونها زمزمية ويملئونها بماء زمزم ويشتريها الحجاج منهم.
ورغم ما كان يتعرض له الحجاج من مصاعب، فإنهم طالما واصلوا على السفر إلى الحج، ولم ينقطعوا عنه تلبية لنداء الله تعالى في محكم كتابه بقوله تعالي: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق | ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير | ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق | ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه..)
وفي عصرنا الحديث حتى يسر الله الرحمن الرحيم على خلقه السفر بالوسائل الحديثة من الطائرات، والعبارات البحرية والحافلات والسيارات على أنواعها المختلفة، فتمكن كبار السن والعجزة من أداء المناسك. فما يقدمه القائمون على الحج من رعاية للحجاج و تنظيم منقطع للنظير شمل المأكل و المشرب و الامن و الأمان و توفير كافة المرافق التي يحتاجها الحاج في رحلته و تهيئة الحرم المكي من حيث المكيفات و السجاد و المرافق الصحية و العيادات الطبية وخدمة ضيوف الرحمن حتى اصبح الحج فريضه سهله و ممتعه من الممكن ان تفضى باربعة ايام فقط حتى انه لفت نظري خبر امراة وضعت مولودها اثناء اداء فريضة الحج وسط رعاية الهيئات المشرفةعلى خدمة الحجاج في المملكة العربية السعودية من حكومة و شعب وأمن
ولاحظت في وسائل التواصل الاجتماعي الكم الهائل من المتطوعين السعوديين لخدمة بيت الله الحرام و ضيوفه

فرحة
ان المجتمع الإسلامي المجبول على الخير والفطرة يفرح برزق الجنة التي سيرزقها الله للحاج بعد قبول حجته كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم " الحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ قيل : وما بِرُّهُ ؟ قال : إطعامُ الطَّعامِ وطِيبُ الكلامِ ".
ولذلك فقد ارتبطت مظاهر الاحتفال الإسلامي بعودة الحاج بإقامة الولائم يسمونها " ذبيحة للحجاج " أو " فرحة بالحجاج " أو " سلامة الحجاج "، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي، أو لحوم ذبائح جديدة. فهنيئا للحجاج وعقبالنا جميعا و لا يسعني في هذه الفرصه الا ان اتذكر اهلي و اخوتي و أصدقائي المسيحيين اتباع يسوع المسيح الذي ولد في فلسطين كم يتوقون للحج في الناصرة و كنيسة المهد وكنيسة القيامة و تمنعهم الجسور و الحدود و المعابر اطعمنا الله و اياهم زيارة هذه الاماكن المقدسة في فلسطين

الاثنين، 20 أغسطس 2018

تنوع المناخ من معجزات الله في تلون خلقه


تنوع المناخ من معجزات الله في تلون خلقه

تعيش شعوب العالم في السنوات الاخيرة تداعيات تقلبات جوية تتباين فيه درجات الحرارة من الارتفاع المفاجئ او الانخفاض المفاجئ . وعانى الكثير من سكان الكرة الارضية من سيول اغرقت المدن والعواصم و القرى وخلفت ورائها خسائر مادية فادحة في الاوراح والممتلكات وعطلت حركة الحياة فيها لدرجة قصوى، بينما أصيبت مناطق أخرى بعواصف ترابية خانقة أصابت الناس بالكآبة ومنعتهم من الخروج من المنزل وقضاء مصالحهم او الترفيه عن أنفسهم واجتاحت الاعاصير مناطق ثالثة من العالم مخلفة ورائها االعديد من الحرائق في الغابات المختلفة.
وهذا المشهد اليومي الذي نعيشه حاليا مع المناخ المتقلب نتيجة تتابع الفصول، كانه يبعث لنا برسالة حقيقة مفادها، اذا نطقت الطبيعة فعلى الانسان ان يصمت حتى تنهي كلمتها لانها اولا واخيرا تنفذ مشيئة الله في كونه الواسع والذي لا يلم بكامل أسراره أحد من البشرحتى العلماء عرفوا شيئا و غابت عنهم اشياء
فخسوف الشمس وكسوف القمر، وزوابع الريح وزخات المطر ولمعان البرق وصوت الرعد ونيران الصواعق كلها جنود من جنود الله،، لانها تؤثر في حياة الانسان سلبا وايجابا.

وبما لا يدع مجالا للشك ان البيئة المناخية تؤثر تأثيرا مباشرا في حياة الانسان وسلوك البشر حسبما البيئة التي يعيشون فيها. وقد أثبتت الدراسات العالمية ان سلوك الانسان
الحضري وتفكيره يختلف عن نظيره في الريف وعنه في المناطق الجبلية او الساحلية او الزراعية وغيره
فالطبيعة المكانية والجغرافية تلقي بظلالها على ثقافة وعادات وتقاليد وفنون قاطينيها، وهو الأمر الذي يكشف لنا حقيقة لماذا تتمايز الفنون من شعب إلى شعب ومن جنس إلى جنس وفقا لهذا الاختلاف البيئي والمناخي، فالفنون والثقافات الاسيوية تختلف عن نظيرتها الافريقية او اللاتينية وغيرها.

آيات دالة
حفل النص القرآني بالعديد من الآيات والمعجزات التي تناولت الظواهر المناخية وتوظيفها من لدن الخالق العظيم بوصفها اما رزقاً من الله أو عقوبة أو تخويفاً. ومن ذلك انواع الريح فتارة تكون نسيم ريح خفيف تجلب الخير كما في قوله تعالى: "فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ"، وكذلك قوله تعالي "حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ"
وهناك الريح المبشرات كما في قوله تعالي "وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ"، وهناك الريح اللواقح كما في قوله تعالى: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ".
وفي المقابل ، فاهناك ريح للعذاب كما في قوله تعالى: "جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ"،و اخرى للهلاك والتدمير تتلف المباني كما في قوله تعالى "وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىَ كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ". وهناك الاعصار التي تزيد سرعته عن 119 كم/ساعة ويسبب دمار متباين الشدة تبعا لسرعته وربما حرائق، وعبر عنه القرآن الكريم بقوله: "فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت"،وهناك الآيات المعبرة عن المطر وما يصاحبه من ظواهر خاصة بالبرق والسحاب والصواعق، كما في قوله تعالي : " ومن اياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لايات لقوم يعقلون ". وكذلك قوله " والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور " ومنها أيضا قوله تعالي " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ".

المناخ والملامح الشكلية
يعد تاثير المناخ في الاجواء الحارة او الاصقاع الباردة أيات عظيمةعلى قدرة الله تعالى نظرا لتأثيره الشديد في تحديد ملامح سكانها واختلاف ألوانهم وتباين ملامحهم وصفاتهم الجسدية، فمن حيث تأثيره في الصفات الجسدية نجد أن سكان أوروبا وهم يعشون في صقيع وبرودة قاسية نجد بشرتهم بيضاء وشعرهم أشقر و أنوفهم رفيعة تساعدهم على تسخين الهواء قبل استنشاقه، بينما سكان أواسط إفريقيا يرتبطون بالطقس الحار، فجلودهم سوداء كي تحميهم من حرق الشمس، وسود الشعر، فطس الأنوف واسعة لا تأبه لسخونة الهواء.

المناخ والحالة المزاجية
فقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن تغيرات المناخ لها تأثير قوي ومباشر على الحالة المزاجية للإنسان وعلى تصرفاته، فالحرارة المرتفعة تجعل الشخص أكثر عصبية وتوترا يؤدي به الى ارتكاب الجرائم، أو السلوك العنيف كارتفاع معدلات الطلاق في هذه الأوقات وخاصة إذا كان مفتقدا للوازع الأخلاقي او التوازن النفسي السوي نتيجة ارتفاع افرازات الادرينالين. فيما يساعد البرد على هدوء الأعصاب؛ فتكثر جرائم السرقة والسطو والاحتيال.
وقد يصاب بعض الأشخاص ذوي المزاج الحساس في فصول الشتاء والخريف وفترة مابين الفصول بالاكتئاب والرغبة في الانعزال عن الآخرين أو الرغبة غير المبررة للبكاء، ويرجع بعض المتخصصين هذه الانعكاسات الى ما يسببه طول الليل وقصر النهار في فصل الشتاء من شعور بالغموض أو الوحدة وعدم النشاط. كما تؤدي فترة العواصف والرياح؛ الى تشتت المزاج لدى البشر الذين تميل شخصيتهم إلى الصفاء والتركيز والنظام وهذا مايشعرون بعكسه في فترة إثارة الأتربة والعواصف، ما يؤدي بهم إلى الشعور بعدم التركيز وتشويش الأفكار وردود أفعالهم الغاضبة بشكل مفاجئ ولاشك أيضا ان الطقس والظواهر المناخية تؤثر بشكل كبير على بيئة العمل والإنتاج، وأكثر تلك الأعمال تأثراً هي الأعمال الزراعية في الحقول، وكثافة الضوء وحركة الهواء والحرارة، تؤثر كثيراً في النشاط الإنساني، خاصة عند إنجاز الأعمال التي تجري داخل المباني. كما يؤكد الباحثون المتخصصون، فضلا عن تأثيرات الطقس المتباينة على الملبس والمسكن والحالات المعيشية، وفي الثقافة، خاصة الشعر والفنون.

المناخ طبائع الشعوب
مبكرا جدا، ربط العلماء بين المناخ وتأثيراته الجغرافية على طبائع الشعوب وسولكها النفسي والاجتماعي، ومنهم أرسطو طاليس (384-322 ق.م) في كتابه "السياسة" حيث ربط بين المناخ والجغرافيا من جهة وبين طبائع الشعوب. وكذلك أشار ابن خلدون (1332-1406م) في مقدمة كتابه المعروف" العبر وديوان المبتدأ والخبر "، الي أثر المناخ في طبائع الشعوب. وكذلك فعل جان بودان (1530-1596م) بين طبائع الناس والمناخ، حيث اعتبر أنّ أهل الأقاليم الشمالية الباردة قساة مخاطرون، بينما يتّصف أهل الأقاليم الجنوبية الحارّة بالمكر والأخذ بالثأر، أمّا أهل الأقاليم المعتدلة فهم أكثر فطنة ونشاطاً ولديهم القدرة على القيادة.
وعبر شارل مونتسكيو في كتابه: "روح القوانين"، عن هذا الاتجاه أيضا حيث اعتبر سكان المناطق الباردة أكثر قوة وشجاعة وأقل ريبة ومكراً من سكان المناطق الحارة الذين يتّصفون بالوهن الجسمانيّ والسلبية.
وقال " مونتسكيو " فكما نستطيع تمييز أنواع المناخ بخطوط العرض نستطيع بواسطتها أيضا تمييز طبائع الشعوب (وأمزجتها)؛ فالمناخ له تأثير مادي مباشر على الأعصاب والعضلات ومن ثم على تصرفات الناس وأخلاقهم العامة فحيوية الناس تكون أكبر في المناطق الباردة مما يؤدي لنتائج جيدة حيث ينجزون اكثر وتكون لديهم ثقة بإمكاناتهم وشعورا أكبر بتفوقهم وإحساسا أقل بالغيرة والشك والرياء السياسي، أما في المناطق الحارة فتبلغ الحرارة من الارتفاع حدا يصبح الجسم معه بلا حول ولا قوة فينتقل ذلك إلى العقل نفسه فينتج عنه سلبية الأفراد فلا حب للعمل ولا الاطلاع ولا قدرة على إكمال المشروعات الجبارة مع عدم التأثر بالعقاب وميل للاستعباد والخضوع السياسي. والكسل المسيطر على شعوب المناطق الحارة يجعلها تتخذ مواقف سلبية ينتج عنها روح المحافظة والخوف من التجديد في حين يسود حب التغيير والتجديد المناطق الباردة.

المسعودي
كذلك تناول علماء المسلمين هذا التأثير للمناخ على طبائع الشعوب ومنهم أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في كتابه " التنبيه والإشراف" وتناول فيه بابا عن الرياح الأربع ومهابها وأفعالها وتأثيراتها وما اتصل بذلك من تقريظ مصر والتنبيه على فضلها وما شرفت به على غيرها يرى المسعودي أن الربع الشرقي للأرض يتميز بـ: «طول الأعمار، وطول مدد الملك والتذكير وعزة الأنفس وقلة كتمان السر وإظهار الأمور والمباهاة بها، وما لحق بذلك، وذلك لطباع الشمس وعلمهم الأخبار والتواريخ والسير والسياسات والنجوم. وأما أهل الربع الغربي، فـأهله أهل كتمان للسر وتدين وتأله، وكثرة انقياد إلى الآراء والنحل، وما لحق بهذه المعاني إذ كان من قسم القمر.
أما أهل الربع الشمالي الذي تقل فيه الشمس ويغلب عليه البرد فطباعهم وأمزجتهم وأحوالهم تتأثر بذلك. والأكثر من هذا فعملية الفهم والإدراك وطريقة الكلام هي نتيجة حتمية لغلبة مناخ معين في هذه المناطق: «قل مزاج الحرارة فيهم فعظمت أجسامهم وجفت طبائعهم وتوعرت أخلاقهم وتبلدت أفهامهم وثقلت ألسنتهم، وابيضت ألوانهم حتى أفرطت فخرجت من البياض إلى الزرقة ورقت جلودهم وغلظت لحومهم، وازرقت أعينهم أيضاً، فلم تخرج من طبع ألوانهم وسبطت شعورهم، وصارت صهباً لغلبة البخار الرطب ولم يكن في مذاهبهم متانة. وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة ومن كان منهم أوغل في الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاء والبهايمة وتزايد ذلك فيهم في الأبعد فالأبعد إلى الشمال».
وفي ما يتعلق بأهل الربع الجنوبي ويقصد بهم المسعودي اصحاب البشرة الغامقة وسائر الأحابش فإن نوعية الرياح والهواء الموجودين عندهم تؤثر في بشرتهم وطباعهم ونفوسهم: «فاسودت ألوانهم واحمرت أعينهم وتوحشت نفوسهم وذلك لالتهاب هوائهم وإفراط الأرحام في نضجهم حتى احترقت ألوانهم وتفلفلت شعورهم لغلبة البخار الحار اليابس.
ناقل الكفر ليس بكافر هذا رأيه و ان اختلفنا معه
ابن خلدون
قسم ابن خلدون في نظرياته " المقدمة " الأقاليم إلى أقاليم معتدلة وأقاليم منحرفة ويربط بين المناخ كالهواء وأخلاق البشر مدللا على ذلك بسكان السودان، وقال «: "ولما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار واستولى الحر على أمزجتهم وفي أصل تكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم وإقليمهم فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرابع أشد حراً فتكون أكثر تفشياً فتكون أسرع فرحاً وسروراً وأكثر انبساطاً ويجيء الطيش على أثر هذه وكذلك يلحق بهم قليلاً أهل البلاد البحرية لما كان هواؤها متضاعف الحرارة بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر وأشعته كانت حصتهم من توابع الحرارة في الفرح والخفة موجودة أكثر من بلاد التلول والجبال الباردة".
ويقارن ابن خلدون بين سكان السودان وسكان مدينة فاس المغربية. فبينما يميل سكان السودان إلى الطرب فإن سكان فاس يجتهدون في الادخار بسبب الجو البارد الذي يسود في المنطقة: «ولما كانت فاس من بلاد المغرب بالعكس منها في التوغل في التلول الباردة كيف ترى أهلها مطرقين إطراق الحزن وكيف أفرطوا في نظر العواقب حتى أن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة ويباكر الأسواق لشراء قوته ليومه مخافة أن يرزأ شيئاً من مدخره".
ويرى ابن خلدون أن الأقاليم ذات المناخ المعتدل يكون فيها كل شيء معتدلاً بما في ذلك الفكر والتدين وتعج أرضها بالخيرات.

المناخ والشعر
اهتم المفكرين المسلمين بتاثير البيئة المناخية والجغرافية على الانسان في البيئة الصحراوية الحارة وعلى تكوينه الثقافي وكيف انها دفعتهم الى ابداع الخيال الشعري أبو إسحاق الزجّاج وهو ما أورده الجاحظ في كتابه "الحيوان"، حيث نظر أبو إسحاق الزجّاج إلى الظاهرة الشعرية كنتاج للبيئة الوحشية والخلاء التي أدخلت الوسواس إلى عقول ساكني هذه المناطق ودفعتهم إلى إلقاء شعر مليء بالاستعارات والصور الشعرية والخيال واختلاق الأحداث والقصص. ويضيف أبو إسحاق الزجّاج أن تلك الظاهرة يتم توارثها من جيل إلى آخر بين سكان تلك البيئة. لكن أبناء تلك البيئة يحبذون اختلاق القصص ويقدرون من كان خياله/ كذبه أوسع : «ونشأ عليه الناشئ، وربى به الطفل، فصار أحدهم حين يتوسط الفيافي، وتشتمل عليه الغيطان في الليالي الحنادس- فعند أول وحشة وفزعة، وعند صياح بوم ومجاوبة صدى، وقد رأى كل باطل، وتوهم كل زور، وربما كان في أصل الخلق والطبيعة كذاباً نفاجاً، وصاحب تشنيع وتهويل، فيقول في ذلك من الشعر على حسب هذه الصفة… وما زادهم في هذا الباب، وأغراهم به، ومد لهم فيه، أنهم ليس يلقون بهذه الأشعار وبهذه الأخبار إلا أعرابياً مثلهم، وإلا عامياً لم يأخذ نفسه قط بتمييز ما يستوجب التكذيب والتصديق، أو الشك، ولم يسلك سبيل التوقف والتثبت في هذه الأجناس قط، وإما أن يلقوا راوية شعر، أو صاحب خبر.
فالبيئة الصحراوية تختلف عن البيئة الساحلية أو الجبلية والبيئة الريفية تختلف عن الحضرية فعن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: ﴿من سكن البادية جفا﴾ ما يدل على أن أهل البادية أو البدو يمتازون بالجفاء عكس ساكني المدن الذين نجدهم ألطف من الأعراب لما بطباع الأعراب من جفاء أيضا المناطق الجبلية معروف عنها قسوة المناخ نجد سكانهم يتصفون بالذات القوية القادرة على الصبر والمقاومة والاعتماد على النفس، وغيرها أما سكان المدن نجدهم يميلون إلى الانفرادية وسرعة الانفعال وبالتالي ينتج عنها اختلاف العقليات بسبب اختلاف البيئات.
وفي عصرنا الحديث لاحظ العلماء شيوع روح المحافظة والكسل لدى شعوب الجنوب الذين يمارسون لعبة الشطرنج في المنازل والاماكن المكيفة، في مقابل شيوع روح المبادرة والتمرد والنشاط البدني لدى شعوب أوروبا وشمال أمريكا الذين يميلون الى ممارسة الالعاب الرياضة في الهواء الطلق.
ويرجع المتخصصون ذلك الى تأثير الطقس، حيث يدفع الطقس البارد في الدول الغربية الانسان على الخروج والحركة من أجل الدفء والاستمتاع بضوء الشمس، أما في الشرق، فإن حرارة المناخ تدعو الناس إلى الاسترخاء وممارسة أعمالهم وهم جلوس لأن ارتفاع درجات الحرارة قد تمنع الانسان من الحركة المتزايدة حتى لا يفقد الجسم قوته وحيويته ويصاب بالاجهاد الحراري والإرهاق..
و يبقى الجو المعتدل دائما هو الأفضل و ان كان من نظرية خير الامور أوسطها

الأحد، 5 أغسطس 2018

وسائط الاعلام و فطرة المجتمع الاخلاقية

وسائط الاعلام و فطرة المجتمع الاخلاقية
سارة السهيل
 #الاعلام #اعلام #صحف #صحافة #قناة #تلفزيون #برنامج #برامج #سينما #سوشيال_ميديا #فاشيونيستا


الفساد الاخلاقي بأشكاله يتم تمريره في بعض الأعمال الفنية والاعلامية بأشكال مختلفة ليعتاد عليها المجتمع الذي طالما اعتاد الوسطية في أعرافه وعاداته وتقاليده واخلاقياته العامة، وهذه الوسطية جعلته منفتح فكريا وعمليا كما تعودنا بأفلام زمن الجدات والأمهات زمن افلام الأبيض والأسود.
فلم يكن المجتمع في الماضي منغلقا إلى حد التخلف، بل كان مجتمعا منفتحا بحدود أخلاقياته لا تقبل الإفراط والتفريط، ولكننا الان نرى فرقا موسيقية تدعو للرذيلة ومسلسلات درامية ومسرحيات وتحاول تبسيط أي جريمة اجتماعية وغير أخلاقية ويجري تمريرها كأنها شيء عادي وواقعي متجاهلين في ذلك ما تتركه من آثار سلبية تتمثل في زعزعة الاسرة العربية بقيم واخلاقيات سيئة ، لأن هذه الاشكال من الفنون تخالف الطبيعة البشرية والفطرة السليمة.
والمؤسف، اننا قد نجد بعض البرامج الإعلامية تستضيف شخصيات اشتهرت بالأكثر فسادا واجراما، وكأن هذه البرامج تعمل بطرق غير مباشرة على تعزيز هذه الفئة وتحاول ان تجعلها مقبولة لدى المجتمع.
ويتملكني الاحراج من ذكر التفاصيل الا ان الجميع يدرك ما اقصده، ولكننا لا يمكننا بأي حال من الأحوال ان نقف موقف المتفرج الصامت الذي يشاهد الأخطاء ولا يصرخ في مواجهتها ويناهض في إيقاف مدها او استمرارها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس وعلينا ان ننصر الحق  والعدل والفضيلة عبر هذه القنوات والأبواق التي تدخل البيوت ويشاهدها الصغار، خاصة ان الأمم تنهض بالأخلاق كما قال الشاعر:
" انما الأمم الاخلاق ما بقيت ... فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا "
ورغم ايماني بالحب الشريف واهميتة كقاعدة أساسية في حياتنا تهون علينا الصعاب وتحقق وجودنا الإنساني، ولكن قيمة هذا الحب تنجلي في طهره وعفافه وشرفه وقيمه الروحية السامية، وان من قيم الحب أيضا ان نعلمه لصغارنا دون ابتذال ، ومن الحب أيضا ان نربي الولد على كونه رجل المستقبل ولا يمكن ان نقبل ان يتشبه بالنساء او ان تتشبه البنت بالأولاد  في الملبس او طريقة الكلام  حتى لا تضيع ملامح شخصيتهما و خصوصية أدوراهما في الحياة.
وكم هالني ما يتعرض له الأطفال من انتهاك لأدميتهم وخصوصية براءتهم عبر بعض أفلام الكرتون، فقد تابعت على احدى البرامج  على اليوتيوب عملا يمرر بعض المشاهد المخلة في بعض رسومات افلام الكرتون، ومنها مشهد لصبي وهو يضع مستحضرات التجميل ويرتدي فستان إناث، وهذا أمر غير مقبول  خاصة وأن الطفل الطبيعي ، سيعتقد ان هذا الامر طبيعي  وربما يقدم على تقليده ، وكذلك البنت التي ستشاهد مسلسلا للكبار البطلة تتعاطى المخدرات وتمارس تعدد العلاقات  تعتقد ان هذا طبيعي. و السرقة و الكذب و خيانة الوطن و خيانة الصديق و الفتنه و الوقيعه بين الناس و قطع الارزاق و أخذ مال اليتيم و الاستقواء على الضعيف و إظهار المراة انها شر مطلق كل هذا يتم تمريره . 
السؤال .. هل الاعلام يعكس الحالة التي وصل اليها المجتمع من تردي أخلاقي أم ان المجتمع جرى تغيير مفاهيمه الأخلاقية تأثرا بما تبثه وسائط الاعلام من أفلام وبرامج؟
وان كان جواب هذا التساؤل ان الاعلام يجسد المتغيرات الطارئة بالمجتمع وينقل واقعها باعتباره مرآة للمجتمع، ومن ثم فان الاعلام بريئ من جريمة تغيير المفاهيم الاجتماعية الوسطية للأسوأ، فان الاعلام تقع عليه مسئولية اجتماعية واخلاقية بالقيام بدور رئيسي وفعال في معالجة هذه الانحرافات الأخلاقية، بل هو مسئول مسئولية كبرى بقدرته على احداث التأثير والتغيير في المجتمع  من خلال معالجة هذه القضايا واهمية ابراز الفرق بين الرذيلة والتنفير منها والانفتاح بحكمة وتعقل ووسطية محترمة.
وأثناء متابعتي أحد البرامج سمعت ضيفه تقول انها تسعى  الى ان نشر بعض الافكار الغريبة على المجتمع بجعلها فكاهية و مضحكه فتبسط بعين الناس تدريجيا و يستقبلونها  بقبول حسن دون رفض.
السؤال هنا هو :لماذا تريد ان يتقبلها الناس اذا كانت هذه الامور غير فطرية وغير سوية وما هي دوافعها والنتائج التي تتحق من القيام بمثل هذا الدور الذي يغير من فطرة الناس التي تقوم على الحب والتفاهم والتعاون والاخلاق الحميدة؟
ان الاعلام يقتحمنا في البيت والشارع وعلى وسائل التواصل ويبث الأفكار والاطروحات والتي من بينها  المخالف للفطرة الإنسانية السوية والتي تقدم في قوالب جذابة ومفعمة بانسانية كاذبة دون ان تعمل بعض الوسائل الإعلامية  على  فرز الغث من السمين مما نتلقاه . فبعض  هذه المواد الإعلامية السامة قد تلدغ أبنائنا كالثعبان في لحظة غير مواتيه وتشربه سمها ببطء دون ان يدري  فيصبح من الهالكين.
سلم الله مجتمعاتنا من هذه السموم، وانني لأدعو كل صاحب ضمير يقظ ان يقوم بدوره التوعوي للتحذير من مخاطر هذه البرامج وان تفعل التشريعات القانونية التي تجرم وتحاسب منتج أي عمل اعلامي يدمر فطرة الانسان ووسطية المجتمع وقيمه وأخلاقه.

    السبت، 4 أغسطس 2018

    إعمار العراق وتأهيل النازحين مسؤوليتان دوليتان

    لا يغفل عاقل في العالم عن حجم الكوارث التي خلفتها حروب العراق منذ سقوط النظام السابق ان أردنا الا نفتح الدفاتر القديمة لما قبل التغيير، وحجم الأهوال والمصائب التي حلت على هذا البلد المنكوب صاحب التاريخ
    والحضارة.
    فتوالي أزمات الحروب ولعل اخرها الإرهاب الذي اجتاح البلاد على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية داعش، قد حول ارض الرافدين الى ارض محروقة ومنكوبة وتحتاج لعشرات السنين لإعادة الحياة الكاملة اليها.
    ولكن العراق الجريح الصامد يظل بلدا غنيا  بموارده، ولطالما ارسل المعونات للدول المحتاجة ولكن اليوم قد انهكته الحروب والحصار والاحتلال وانواع العذاب والمؤامرات وايضا الفساد، كما ان العراق قد حارب نيابة عن العالم ليدحر الإرهاب الداعشي ودفع من دماء أبنائه البسلاء ما يغني التذكير به، غير ان أبناء العراق النازحين والفارين من جحيم هذه الأرض المحروقة لا يزالون يدفعون ثمن هذا الإرهاب بحرمانهم حتى اليوم من حقوق الانسان  الطبيعية من مأكل وملبس وصحة وتعليم ومسكن يأوي أجسادهم الضعيفة ويحتضنهم من مآسي التشرد والضياع الذي عانوا من ويلاته بجانب حاجتهم الى علاج نفسي يضمد جروح التهجير والفقد والحرمان لأكثر من سبعة ملايين شخص يحتاجون الحصول على المساعدات اللازمة
    للحياة.
     بلد الخيرات و النفط و الماء و الارض الخصبة و المعادن و الذهب، بل ارض العلماء والمفكرين و الأدباء، الارض التي أخذت أهميتها من الحضارات السبع و الموقع الجيو سياسي المميز، فهل اصابتنا اللعنة و غضب الله، ام انها عين اصابت ام ان دروس الوطنية ماعادت تدرس في البيوت و المدارس ام ان الياس تملكنا، فلم نعد نكترث نبايل، ام انها مؤامرات امتزجت بالفساد؟ انا لا افهم بالسياسة ولن اجزم بشيء و إنما ما يهمنا حال الناس و ان عدنا للمستقرين في مدنهم فهم امهات الشهداء او ايتام تركهم ابطال حاربوا من اجل الوطن و ان مررنا بالنازحين و المهجرين من ديارهم فنرى ظلما و بؤسا لمن فر من ظلم الاٍرهاب  فكل هؤلاء متربصون ينتظر ما سيحل بهم و بوطنهم  لست أؤمن بأن المال كل شيء ربما أتكلم بلغة يوتوبيّة الا انني رأيت نماذج من النجاح 
    اعتمدت على الإصرار و الانتماء و الذكاء الذي كان احيانا فطريا، فالإنسان الاول عندما بنى الارض بناها بالسواعد و الابتكار  وان تركت الابحار اليوتوبي قليلا و عدت الى الأموال المطلوبة لاعمار العراق اذا تناسينا موارد الطاقة و النفط و غيرها وأحببنا ان نعتمد على الاخرين او مشاركتهم مثلا بمؤتمر اعادة اعمار العراق فبالرغم من نظرة التفاؤل النسبية بالجهود التي بذلتها الكويت الشقيقة في حشد الطاقات الدولية في مؤتمر إعادة اعمار العراق ونجاحه في تعهدات بمساهمات دولية تقدر بنحو 30 مليار دولار، فان اجمالي هذه المساهمات الدولية لا تفي حتى بنصف الاحتياجات المالية الأساسية لعلميات إعادة الاعمار والتي تقدر بنحو88.2 مليار دولار  وفقا لما أعلنته وزارة التخطيط العراقية بالاستناد الى دارسة أجراها خبراء عراقيون ودوليون، وقياسا على حجم الدمار الذي خلفته عمليات الحرب ضد
    داعش.
    فاذا كانت تكلفة اعمار المدن العراقية المدمرة نتيجة العمليات العسكرية تزيد عن 88 مليار دولار فان حصيلة 30 مليار دولار لا تسد الرمق الرئيس من احتياجات العراق الأساسية في عمليات الاعمار، ولذلك فان من أولىي ان تسد الولايات المتحدة الأمريكية هذا النقص الكبير من الدعم لأنها هي من قاد عمليات تدمير العراق مباشرة او غير مباشرة، فمن جاء لإنقاذ الشعب وإصلاح  احواله لا يجدر به استخدام الأساليب التدميرية من فتن و دمار يعلمه الحميع ، فكان لزاما عليها ان تتحمل العبء الأكبر من جهود اعمار هذا الوطن
    المنكوب.
    بل ان حجم الـ 88 مليار دولار نفسه يبقى صغيرا قياسا على ما شهدته الموصل من تدمير على ايدي الذين احتلوها ودمروها تدمير يعجز وصفه لذلك فلا غرابة ان نجد ان بعض المختصين العراقيين يرون ان الموصل لوحدها تحتاج الى مئة مليار دولار لإعادة اعمار مساكنها الصالحة لإعادة توطين النازحين منها 
    والفارين.
    وفي تصوري أيضا ان بقدر ما يحتاج العراق لدعم مالي لجهود إعادة تعمير مدنه المدمرة فانه يحتاج أيضا الى تعاون دولي في مجالات تطهير المساكن والأرض من الألغام والمتفجرات التي زرعها تنظيم الدولة الإسلامية في الشوارع
    والمنازل.

     ضرورات إنسانية
    في تقديري ان الازمات النفسية العصيبة التي عصفت بالنازحين والمآسي التي عاشوها ولايزال بقاياها قائما يحتاج أيضا الى تضافر دولي من متخصصين دوليين في علوم النفس وإعادة التأهيل لحياة سلمية نفسيا وجسديا 
    ومعنويا.
    ولذلك، فان عمليات إعادة الاعمار لابد  من أن تضع  في أولوياتها البعد الإنساني خلال عمليات إعادة الاعمار لتعويض ما عاناه النازحون من مآس تقشعر لها الابدان وتدمى لها القلوب، فالمؤسسات التمويلية لا ينبغي ان تركز في عملها على إعادة اعمار المناطق المتضررة من الحرب فحسب، بل ينبغي ان تراعي ضرورة مساعدة النازحين في توفير حياة آمنة وكريمة لهم من تعليم وصحة وإيجاد فرص عمل لمواجهة كوارث البطالة في صفوفهم .
    ولعله من اهم الجوانب الإنسانية التي ينبغي لجهات التمويل الدولية مراعاتها هي الإسراع في طرح مبادرات لقروض صغيرة تمكن النازحين من العمل بسرعة في مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر يكون عائدها الاقتصادي سريعا ويلبي احتياجات الانسان الضرورية والاساسية.

     إعادة التأهيل
    بالطبع فان هناك حاجات ضرورية في اعادة اعمار المناطق المنكوبة بالعراق وتعويض من خسر بيته ولا مأوى ولا مال له من المظلومين الذين  لم ينتموا او يستقبلوا او يشجعوا داعش والارهابيين، غير ان إعادة الاعمار لابد من ان تكون منظومة شاملة تغطي اعمار المدارس والزراعة والصناعة والمباني الحكومية والمستشفيات وهيئات الموظفين والمهن، ولكن لا تخرج عن الضروريات أيضا اعادة اعمار نفسية الناس من الداخل وعلاج مشكلاتهم النفسية الناتجة عن الكوراث التي عاشوها.
    فهناك اكثر من 2.6 مليون مشرد عراقي لا يزالون في المخيمات بسبب تدمير منازلهم، ومخاطر الألغام، والبطالة، والمشكلات المحلية.
    ورغم عودة اكثر من  3 ملايين عراقي الى منازلهم  فانه كما يرصد المختصون نحو 70 في المئة من أولاد المدارس لم يلحقوا بالدراسة عاماً دراسياً واحداً على الأقل وما زالوا ينتظرون إعادة دمجهم في النظام التعليمي، بينما قد أجبر  نحو مليون منهم على دراسة المناهج التعليمية لـتنظيم داعش خلال فترة الاحتلال، ويحتاجون الى إعادة التأهيل خاص
    جدا.
    ولاننسى أبناء الطائفة الأيزيدية التي تكبدت من المخاسر و الآلام النفسية ما لا يمكن وصفه، افكر دوما كيف يمكننا الاعتذار من كل أبناء الوطن، لا سيما المسيحية الذين اضطروا للهجرة، فكيف نعيدهم لأراضيهم المنكوبة و منازلهم المنهوبة فبدون نسيجنا المتكامل، لا يكون  العراق عراقنا، فخروج مكون من مكوناتنا سيهدم الفسيفساء الوطنية المترابطة. 

    أولويات الحياة  
    المسكن الصالح للعيش و فرص عمل تدر الدخل و مدارس و مراكز تأهيل نفسي
    لا سيما ان بعض الاهالي ممن هدمت منازلهم مازالوا يعيشون مهجرين 
    ومع شدة الحاجة لإعادة الاعمار والتأهيل للنازحين الذين يفوق تعدادهم 7 ملايين نسمة ، وان التعهدات الدولية بالمساعدات خلال مؤتمر المانحين بالكويت لم تزد عن 30 مليار دولار، فان هناك تخوفات لدى المانحين من سوء إدارة هذه التدفقات المالية ووضعها في نصابها الصحيح، مما قلص نسبة التعهدات المالية الي هذا القدر غير الكافي لإعادة الاعمار بسبب مشكلات الفساد في العراق، وفشل المؤسسات الحكومية حتى الآن في علاجها والقضاء 
    عليه.
    أتصور ان مبررات الجهات المانحة لها كل الحق في مخاوفها من مشكلات الفساد المستشري بالعراق والذي يجب ان يوليه كبار القادة في البلاد أهمية قصوى لاقتلاعه من جذوره مع ضرورة اقتلاع الفتن الطائفية التي تزال تلقي بظلالها من آن لاخر على هذا الوطن
    الجريح.
    فمحاربة الفساد تسهم بشكل كبير في اقناع واستقطاب الجهات المانحة بما يعود بالنفع علي البلاد، في زيادة التدفقات المالية التي من شأنها انعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل ومكافحة
    البطالة.
    وفي تقديري ان التحدي الرئيس الآن امام المسؤولين الشرفاء في البلاد يكمن في دقة ونزاهة اختيار الكفاءات الإدارية ذات المواصفات العالمية لتولي الاشراف على عمليات إعادة الاعمار وذلك للحفاظ علي هذه المنح الدولية من تؤول الى أهل الفساد ويخسرها الشعب العراقي الأكثر احتياجا اليها اكثر من أي وقت مضى ..
    واعتقد اذا تمت عملية الاشراف بنزاهة على هذه المنح الدولية وصرفها في أوجهها المشروعة وفق انضباط اداري سيؤدي اكتساب ثقة المانحين بما يحفزهم الحقا الى تقديم المزيد من الدعم في عمليات إعادة 
    الاعمار.