الخميس، 28 سبتمبر 2017

الأطفال ضحايا مافيا الرقيق الأبيض وتجارة الأعضاء

افتقر بنو البشر في ألفيتنا الثالثة من عواطفهم وتجردوا من انسانيتهم، فحولوا العالم الى ساحات للخراب والدمار عبر افتعال الأزمات والحروب ولم يعد يكفيهم تجارة السلاح المدمرة وتجارة المخدرات التي تذهب العقول، والتجارة بالرذيلة المحرمة الرخيصة، بل تعداه الى الاتجار بالبشر في سوق نخاسة جديد يعيد البشرية الى جاهليتها الأولى، بعد ان تحرر الانسان من الرق.

في سوق النخاسة العصري كل شيء مباح ومتاح جملة ومفرق، فإن رغبت في شراء بشر كامل الأهلية فهو متاح، وان أردت جزءا من جسده ( قرنيته ـ كليته ) فيمكنك ذلك عبر ما عرف بالاتجار بالأعضاء البشرية ، الذي بات ظاهرة كارثية يندي له الجبين العالمي دون ان يحرك ساكنا بمنظماته الدولية والحقوقية.
والأنكى من ذلك ان سوق النخاسة العالمي لم يرحم الأطفال الصغار وحتى الرضع من تجارته الشيطانية الخبيثة، فاستغل مناطق النزاعات والحروب والمناطق الفقيرة في العالم ، لتجارة الرقيق من الاطفال الابرياء، وبعضهم يجلب اما بالبيع والشراء من الأهل العاجزين عن توفير المأوى والطعام لصغارهم، او بالخطف لهم من الاسواق والشوارع، بينما يتم خطف الاطفال الرضع من المستشفيات.

وهذه الطفولة البريئة تتولاها مافيا الاتجار بالبشر فيبيعونهم للأثرياء في العالم المحرومين من الانجاب، او استخدامهم قطع غيار بشرية لمن يدفع أكثر في جريمة شيطانية تبشر بزوال العالم ، ما لم يفيق على خطورة جرائمه ويحاربها كما يحارب الارهاب.

أرقام مفزعة
تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن تجارة البشر من الأطفال تتعدى ثلاثة ملايين حالة سنويا، يشكلون مادة تجارة الرقيق ، سواء باستخدامهم للتبني أو في أعمال السخرة والاستغلال الجسدي، وتجارة الأعضاء البشرية.
وتشير الإحصائيات أن شبكات التجارة بالأعضاء البشرية تقضي سنويا على أرواح آلاف الأطفال سواء بالقتل العمد أو العمليات الجراحية لنزع بعض أعضائهم في ظروف غادرة.
وتؤكد المنظمات الدولية ان وراء هذه الجريمة عصابات مافيا دولية تحقق مكاسب باهظة تقدر سنوياً بمليارات الدولارات، حيث تستخدم الاعضاء البشرية للأطفال المخطوفين بعمليات نقل الاعضاء المختلفة، أما البقايا وبعض الأعضاء الاخرى فإنها تباع الى شركات الادوية التي تستخدمها في تصنيع بعض مستحضرات التجميل والمستحضرات الدوائية مرتفعة الثمن.
كما أكدت المؤشرات الدولية عن وجود اكثر من 150 دولة متورطة في تجارة البشر ويبلغ ضحاياها 27 مليون نسمة في العالم ، وأن هذه التجارة التي يقدر حجمها بما بين 152 مليون دولار الى 228 مليونا تشهد تدفقا سنويا.
بينما تؤكد دراسة لجمعية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، بيع 20 مليون طفل على مستوى العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، ليعيشوا طفولتهم في ظروف معيشية قاسية، كما فقد 12 ألف طفل من البوسنة أثناء الحرب، نتيجة تعرض أهاليهم للخداع من جانب عصابات الجريمة المنظمة وخدعت الأهالي أثناء الحصار بأنها تريد توفير أماكن آمنة للأطفال خارج البوسنة، وأنها ستعيدهم إلى ذويهم بعد ذلك، ولكن تم بيعهم لعائلات في أوروبا.

كارثة عربية
ورغم اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل في عام 1959 ، واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989، وتحدد الاتفاقية وهي المعاهدة الدولية التي صدق عليها كأحد اتفاقيات حقوق الإنسان، عددًا من حقوق الطفل، ومنها حقوق الحياة والصحة والتعليم واللعب، وكذلك الحق في حياة أسرية، والحماية من العنف، وعدم التمييز.
فإن الطفل العربي يعيش في مجتمعات تمر بظروف سياسية واقتصادية غير آمنة وغير آدمية؛ فهناك أكثر من 15 مليون طفل عربي يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، ويواجهون أخطارًا عدة بسبب الحروب والكوارث وصار معظمهم عرضة للاتجار بالبشر.

عصابات دولية
انتقلت الجريمة المنظمة وعصابات المافيا المتخصصة من تجارة المخدرات والسلاح الى تجارة البشر، خاصة تجارة الاطفال عن طريق عصابات منظمة محلية وعالمية ويتخذها البعض اما للاتجار بالأطفال بالبيع والشراء أو استخدامهم الطرق الغير مشروعة مثل التسول والتحرش والسرقة، وتتخذ بعض العصابات قتل الاطفال والتجارة في اعضائهم البشرية او عن طريق التبني الغير القانوني حيث يتم استخدامهم بما يهدر قيمتهم الانسانية.
ووثقت الصحف العربية العديد من الجرائم الخطيرة لخطف الاطفال والاتجار بهم في العالم العربي، كاشفة عن النشاط الواسع لعصابات اختطاف الاطفال في مناطق النزاع في العراق وباكستان والسودان، ويورد مقال بصحيفة الجمهورية القاهرية عام 2007 محاولة اختطاف 130 طفل سوداني من منطقة دارفور لاجئين في تشاد ونقلهم الى فرنسا عن طريق منظمة إنسانية فرنسيه لاستخدامهم كقطع غيار بشرية.
وقد أوردت مجلة الحرس الوطني السعودية عدد يونيو ويوليو 1996 مقالاً معنونا ب ' أغرب تجارة في التاريخ ' حول تقدير المنظمات الدولية لحجم تجارة الاطفال بأنها وصلت الى ثلاثة مليارات من الدولارات عام 1993 وان عدد الوكالات التي تخصصت في شراء الاطفال لاستعمالهم كقطع غيار بشرية وصل الى اكثر من 75 وكالة.
كما تقدم بعض شركات الأدوية دعما لتجارة قتل الاطفال من خلال شرائها للأعضاء والأجزاء الزائدة وكذلك شراء الأجنة المجهضة لاستخدامها في بعض المستحضرات الطبية.

سوق اليكتروني
تفتق ذهن شيطان العصر إلى استخدام الانترنت في بيع الاطفال، فالراغبون في تبني طفل عليهم اختيار صورة الطفل المطلوب من بين الأطفال المعروضين حول العالم، عقب المرور بعدة خيارات مثل جنس الجنين ولونه وبلده الأصلي، لتظهر صورة أقرب طفل للمواصفات المطلوبة، وبجانبه المبلغ المطلوب ثمنا له.
وفي مصر تم اكتشاف، شبكة لبيع الأطفال الرضع عبر الإنترنت مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 15 و50 ألف جنيه (1500 و5000 دولار)، من خلال موقع “سوق العرب”، بما دفع المجلس القومي للأمومة والطفولة الى تقديم بلاغ إلى النائب العام قبل أن تتحول إلى ظاهرة.

اليمن منشأ للاتجار
أما في اليمن الذي يعاني الانقسام والحروب وتداعياته من فقر مدقع ومجاعة، فإن بعض الأسر تضطر لدخول صغارها ( 14 ـ 15 عاما ) مجال التجنيد بميدان القتال لعجزها عن توفير متطلبات الحياة مقابل راتب يعينهم على توفير مستلزمات المعيشة. والبعض منهم تحت سن الثماني سنوات يتم استغلاله من جانب عصابات منظمة في عمليات تهريب عبر الحدود اليمنية السعودية لتهريب القات إلى المملكة.
وصنفت منظمات متخصصة ' اليمن ' كمنشأ للإتجار بالبشر وممرا له إلى دول الجوار. وفي تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر أوضح أن اليمن لا تزال تحتفظ بتصنيفها ضمن ' الفئة الخاصة' التي لم تبذل فيها الحكومة أية جهود لمكافحة الاتجار بالبشر خصوصا في تجنيد الاطفال وسياحة الرذيلة.
وكشف التقرير الامريكي عن تورّط سعوديين وإماراتيين بـتجارة الرذيلة والعمالة القسرية، وأن أطفال يمنيين تعرّضوا للإتجار الجسدي داخل البلد وفي السعودية. ناهيك عن استغلال الفئات المتنازعة للأطفال وتجنيدهم.
ويجري اصطياد الضحايا من اليمن وتصديرها لدول الجوار كمصر والسعودية ، وكذلك الاتجار بالأطفال الى السعودية ودول الخليج باعتبارها دول مستوردة واليمن بلد مرور ومصدر.
واشتهرت منطقة حرض الحدودية مع المملكة السعودية كمنطقة تستوطنها عصابات التهريب خلال الفترة الماضية- ما قبل الحرب- على مرئ ومسمع من السلطات الرسمية نفسها التي اتهمت حينها بالتواطؤ مع عصابات التهريب والاتجار بالبشر.
غير أن تجنيد الاطفال كنوع من أنواع الاتجار بالبشر ازدهر خلال الحرب بنسبة تتجاوز 800% حسبما ذكر رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة ارتباطا بتزايد معدلات الفقر والنزوح والبطالة غير مسبوقة، وتركيز الاهتمام الدولي والاقليمي والمحلي على توفير المساعدات المنقذة للحياة كالغذاء والمياه والدواء والمأوى مقابل تدني كبير في خدمات الحماية الوقائية.

ضحايا سوريا
وتنعش تجارة الاعضاء بين السوريين الفارين من مناطق النزاع كلاجئين مشردين يضطرون لبيع اعضائهم، بينما قام تنظيم داعش ببيع أطفال سوريا الرضع بعد تهريبهم الى تركيا الى مافيا إسرائيلية تتولى بيعهم للأسر المحرومة من الانجاب.
ولفتت مصادر اعلامية عن تورط جهات عديدة في إنعاش سوق بيع الأعضاء والتجارة بالأطفال
كما يجري بيع الأطفال عن طريق نقل نساء حوامل إلى لبنان وتوفير ظروف ولادة مريحة لهن، وأخذ الأطفال بعد الولادة لبيعهم لعائلات أخرى. وقد تم تداول عدة قصص بتقارير صحفية سابقة تتحدث عن وجود مسلحين داخل المستشفيات والمراكز الطبية تتجول بحثاً عن مرشحين مناسبين لبيع أعضائهم.
وبفعل الحرب بسوريا فقد زادت حوادث اغتصاب النساء والحمل غير الشرعي، في السنوات الأخيرة، ودفعت الجهات المتورطة لاستهداف هؤلاء النسوة لدفعهن لإجهاض الجنين بعد مرور شهور على الحمل من أجل استخدام أعضائه وبيعها.

أطفال العراق
رغم اعلان لجنة المرأة والاسرة والطفولة البرلمانية بالعراق، في سبتمبر الجاري (2017) عن إن بيع الأطفال في العراق يقع ضمن الحالات الفردية وليست ظاهرة عامة، نتيجة الوضع الاقتصادي السيء لتلك العوائل، فإن الواقع العراقي يشي بالكثير من الجرائم التي تقع بحق الطفولة والتي تتعرض للبيع تحت وطأة ظروف أمنية وسياسية واقتصادية قاسية.
ففي 2013 حذرت منظمات حقوقية دولية من نتائج التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية عن أن 150 طفلاً على الأقل يُباعون كل عام في العراق بثمن يتراوح بين (نحو 286 دولارا أميركيا) إلى 4000 جنيه استرليني (نحو 5720 دولارا) لكل واحد منهم إلى عصابات الاتجار بالبشر التي تستغل العوائل الفقيرة وانتشار الفساد في دوائر الحكومة العراقية.
وكشفت الصحيفة عن أن الدول الرئيسية التي يتم على أراضيها بيع الأطفال العراقيين هي، تركيا وسورية ودول أوروبية من بينها سويسرا وإيرلندا وبريطانيا والسويد. ونسبت إلى العقيد فراس عبد الله من قسم التحقيق في الشرطة العراقية قوله “إن عصابات الاتجار بالأطفال تستخدم وسطاء يتظاهرون بأنهم يعملون لصالح منظمات اغاثة غير حكومية، ويتفاوض هؤلاء الوسطاء مع عائلات الأطفال بإعداد الوثائق المطلوبة مثل شهادات الولادة وتغيير اسماء الأطفال واضافتهم إلى جوازات سفر الوسطاء أو أي شخص آخر دفعت له أموالاً لنقل الأطفال خارج العراق إلى سورية من ثم يتم نقلهم إلى أوروبا أو دول أخرى في الشرق الأوسط.
ونقلت الغارديان عن أحد المتورطين في تجارة تهريب الأطفال العراقيين قوله “إن تهريب الأطفال من العراق هو أرخص وأسهل من أي مكان آخر بسبب استعداد موظفي الحكومة للمساعدة على تزوير الوثائق مقابل المال بسبب قلة رواتبهم، وتقوم بدراسة الظروف المعيشية لأي عائلة قبل أن نتفاوض معها وحين نشعر أنها تعاني من البطالة ولا تقوى على إطعام أطفالها نتصل بها على أساس أننا عمال اغاثة ونعرض عليها شراء أطفالها بعد أن نحوز على ثقتها ونقدم لها بعض الطعام والملابس.
وسجل مواطنون عراقيون لبعض الصحف حالات عديدة اضطرت فيها بعض العوائل النازحة الى بيع أطفالهم لسد الفقر الشديد والجوع ، وان الكثير منهم لم يجدوا ثمن الحليب لأطفالهم الرضع، وان بعض هذه العوائل لجأت الى بيع أطفالهم رغبة منهم بأن يجدوا عائلات ترعى أطفالهم في أجواء ملائمة بعد أن وصل بهم الحال إلى أعلى مستويات الفقر على خلفية تهجيرهم من مناطقهم.
ورصدت حالات عديدة في مخيمات اللجوء مات أطفالهم بسبب الجوع والعطش وتفشي الأمراض مما دفع بعض العوائل لبيع الاطفال حماية لأرواحهم من الموت.
بينما كشفت دوائر من المجتمع المدني عن أن بعض النساء وخاصة المدمنات ينجبن أطفالاً لبيعهم على الوسيط بهدف الحصول على مبالغ قليلة جداً بين 500 إلى 750 دولاراً رغم أنهن يعانين من الإرهاق والضعف الجسمي الحاد لأسباب كثيرة وهو ضعف الحالة المادية أو تعاطي المخدرات.
ورصدت البحوث الاجتماعية، وجود وسطاء في سوق بيع الأطفال بين فئات العائلات الفقيرة والنازحة أو المنحرفة أخلاقياً وتحضهم على إنجاب الأطفال ويتفقون معهم على السعر مسبقاً الذي يتراوح بين 500 إلى 700 دولار، لكنهم يحصلون على مبالغ ضخمة من هذه التجارة.
وبحسب وكالة الانباء الالمانية، فإن الوسيط يجني أرباحاً تتراوح بين 3000 إلى 5000 دولار لكل طفل يتم بيعه، حيث يختار الوسيط ضحاياه من العائلات التي هربت بالنزوح خوفاً من المسلحين أو العمليات العسكرية، وكذلك من النساء اللائي يعانين من مشاكل عائلية كبيرة ويردن التخلص من الجنين، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

ثغرة قانونية
والطامة الكبرى بحسب ما يؤكد خبراء القانون، ان قانون العقوبات العراقي لا يشمل عقوبات لمن يعلن بيع أطفاله، بينما يمكن تسجيل الأطفال الذين يباعون، بأسماء المشترين بعد الادعاء بأنهم بلا دين.

جهود في الهواء
ورغم بعض الجهود الامنية لمنع خطف الاطفال والاتجار بهم في عالمنا العربي وجهود بعض المنظمات العربية كالجامعة العربية ومؤسسات المجتمع المدني في فضح هذه الجريمة الانسانية، فإن الجهود تتبعثر في الهواء دون ان يجمعها رابط واحد لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة والمشينة بحق الانسانية.
فقد دعت جامعة الدول العربية، المنظمات العربية والاقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني الى ضرورة وجود رؤية وتعاون مشترك للعمل على حماية الأطفال والفتيات والسيدات والشباب خاصة في مناطق الصراعات والحروب لأنها عامل رئيسي لانتشارها.
وأكدت الجامعة على وضع استراتيجية عربية و شرق أوسطية موحدة تنفذ من خلال الدول الأعضاء لمكافحة تلك الظواهر بكل الطرق ، وضرورة التعريف بخطورتها على جميع المستويات وتأثيرها على السلم والأمن.
ولكن تبقى هذه التوصيات حبرا على ورق ما لم تجد لها تفعيلا على أرض الواقع.
ويبدو ان تجار البشر باتوا أقوي في تأثير مصالحهم الاقتصادية من أية منظمة دولية من شأنها ان تجرم الاتجار بالبشر وبالطفولة البريئة.
وأمام سطوة مافيا تجارة الأعضاء البشرية، لابد من اطلاق حملات ثقافية واعلامية ودينية مؤثرة توقظ الضمير العالمي لينهض في مكافحة هذه الجريمة.

أما أقطارنا العربية فهي في أشد الحاجة الى وضع تشريعات قانونية مشددة بحق كل من يثبت تورطه في هذه الجرائم بالمستشفيات والاسواق. أما الأجهزة الشرطية فهي مطالبة بجمع المعلومات والتحريات المستمرة بحق من يباشر هذا الجريمة وشن حملات مداهمة مستمرة ايضا في ملاحقتهم.
ويبقي دور رئيسي في اقامة جسور التعاون الامني بين الأجهزة الأمنية بالعالم العربي و الشرق الأوسط لتبادل المعلومات بشأن مافيا هذه التجارة خاصة وان من يعملون بها يمثلون جنسيات متعددة، والتعاون فيما بينهم يشكل أرضية مهمة للإجهاز عليهم.

وبرأيي ، فإن الحكومات العربية لابد وان تبذل جهودها للقضاء على أسباب ازدهار هذه التجارة، بتوفير الأمن والاستقرار بالبلاد وتوفير فرص العمل التي تؤمن القوت والرعاية الصحية لمو اطنيها حتى لا يضطرون لبيع فلذات أكبادهم

الأحد، 3 سبتمبر 2017

المفرقعات والالعاب النارية تهدي الموت والعجز للصغار في الأعياد !!!

بقدر ما ننتظر أعيادنا ومناسباتنا الاجتماعية بفارغ الصبر لنشارك أحبابنا وأصدقاءنا لحظات الفرح والمرح والسعادة، ونستعد لذلك بالملابس الجديدة والهدايا والألعاب، فإننا نقلب الاحتفال بالأعياد إلى أوقات من الفرح الصاخب بل والمميت في بعض الأحيان!

ففي الأعياد يزداد اقبال الأطفال والشباب على شراء الألعاب النارية والمفرقعات المنتشرة في الأسواق العربية رغم حظر معظم السلطات الأمنية العربية استخدامها بسبب خطورتها الصحية والاجتماعية.

وللأسف أصبح شراء الألعاب النارية في الاعياد وحفلات عيد الميلاد طقسا ملازما للفرح واللعب واللهو، لكنها تحمل في طياتها انواعا من المواد المتفجرة، وبالتالي تؤدي الى وقوع اصابات خطرة مدمرة وحروق صعبة للصغار والكبار معا، ولكن جمهورها لا يبالون بهذه المخاطر!

وكشفت الاحصائيات والدراسات، عن أن أغلب الإصابات الناتجة عن الألعاب النارية تقع في الحفلات العائلية أو الخاصة والأعياد، وأن نصف الإصابات تلحق بالأطفال دون سن 17عاما، وأغلبها تصيب اليدين، والعينين ثم الوجه.

فهذه الألعاب النارية تحمل شرارات خطيرة ويظن مستخدموها أنها آمنة ولا تنفجر، ولكنها في الحقيقة تحمل في تكوينها مظاهر الخطورة، حيث أن سخونة رؤوسها قد تصل إلى 2000 درجة فهرنهايت، وفقاً للجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية (CPSC).
وتتسبب الألعاب النارية في اصابة 40 في المائة للأطفال دون سن الخامسة عشر، وفقاً لتقديرات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال فرع ولاية ويسكونسن، وان مخاطر الألعاب النارية المنزلية تشمل الحروق والإصابات من القطع المتناثرة واستنشاق الدخان الذي قد يؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي مثل الربو.
ورصد الخبراء المتخصصون في هذا المجال القدرات الخاصة للألعاب النارية في الاشتعال والحرق، موضحين عدة حقائق خطيرة منها، أن الألعاب النارية تصبح ذات الشرر أسخن بخمس مرات من زيت الطبخ، كما يمكن أن تصل سرعة أحد صواريخ الألعاب النارية إلى 150 م/س ، يمكن أن تنطلق قذيفة الألعاب النارية إلى ارتفاع يصل إلى 200 متر.
وثبت أيضا انه يولد اشتعال ثلاث أعواد من الألعاب النارية ذات الشرر معاً الحرارة نفسها التي يولدها موقد لحام المعادن.
وهذه الحقائق العلمية تؤكد خطورة الألعاب النارية على مستخدميها وعلى الآخرين المتواجدين في محيط استخدامها ايضا، وذلك نظرا لما تسببه من حروق وتشوهات مختلفة تؤدي إلى عاهات مستديمة أو مؤقتة، كما تحدث أضرارا في الممتلكات جراء ما تسببه من حرائق.
ويذهب الاطباء المتخصصون في مجال طب الأطفال، إلى تأكيد ان الألعاب النارية تؤدي إلى التلوث الضوضائي الذي يؤثر على طبلة الأذن وبالتالي يسبب خللا وظيفيا في عمل المخ قد يستمر لمدة شهر أو شهرين.
كما رصد أطباء الاطفال، أن الشرر أو الضوء والحرارة الناجمة عن استخدام المفرقعات، يضر بالجسم، خاصة منطقة العين الحساسة، والرماد الناتج عن عملية الاحتراق يضر بالجلد والعين إذا ما تعرض له الطفل بشكل مباشر، حيث تصاب العين بحروق في الجفن والملتحمة وتمزق في الجفن أو دخول أجسام غريبة في العين أو انفصال في الشبكية وقد يؤدي الأمر إلى فقدان كلي للعين.
كما تعتبر الألعاب النارية من أسباب التلوث الكيميائي والفيزيائي وكلاهما أخطر من الآخر، فالرائحة المنبعثة من احتراق هذه الألعاب تؤدي إلى العديد من الأضرار الجسيمة، هذا بالإضافة إلى الأضرار الكارثية التي قد تنتج عن انفجار الألعاب النارية إذا كانت مخزنة بطريقة خاطئة.
ففي دراسة إحصائية أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، أظهرت أن ثلاثة وخمسين في المائة من حوادث الإصابة الناجمة عن استخدام المفرقعات والألعاب النارية تكون في الأطراف، بينما شكلت إصابات الرأس والوجه ما يقارب من %42 من حالات الإصابة، أما الإصابات في العين فقد بلغت %21، وانتهت في العديد من الحالات إلى فقدان البصر. كما بلغت نسبة إصابات الحروق نحو %60 من مجموع الحالات.
ويؤكد الخبراء من المجلس الوطني للسلامة في مجال الألعاب النارية في الولايات المتحدة الأمريكية، أن مخاطر الألعاب النارية تشمل الحروق والإصابات معظمها في اليدين والعين والوجه، ووفقاً لتقرير أعدته الجمعية الأمريكية للجراحة التجميلية والترميمية، فإن الأطراف تعد أكثر المناطق تعرضاً للأذى.

وتستقبل المستشفيات العراقية عشرات الاطفال المصابين بحروق شديدة من جراء انفجار الألعاب النارية الحارقة العاصمة ومنها ما يتخذ شكل اسلحة بلاستيكية (الصجم) والنارية الحارقة وغیرھا التي تؤدي أحيانا إلى الى العمى بجانب تأثیرھا النفسي وإشاعتھا للعنف .
ورغم جهود الجهات الرقابية لمنع استيرادها ، ومنع اصحاب المحال التجارية من بیع المفرقعات والالعاب النارية للأطفال، الا انها توجد في الاسواق في الأعياد عبر التهريب .

مركبات كيميائية
وخطورة هذه العيارات النارية تأتي من انه يدخل في تكوينها العديد من المركبات الكيميائية خاصة البارود الأسود، وهي مادة تمزج الفحم والسولفر ونترات البوتاسيوم المعروف أحيانا بملح البارود.
ومن أبرز مكونات تلك الألعاب أيضا الليثيوم والكربون والأكسجين، الصوديوم، المغنيسيوم، الألمونيوم، الفوسفور، الكبريت، الكلور، البوتاسيوم، الكالسيوم، التيتانيوم، النحاس، الخارصين، الأنتيمون، الباريوم، السيزيوم، الحديد والروبيديوم.
ولذلك تعتبرها الداخلية المصرية في (حكم المفرقعات) وهى: البارود الأسود (الذى هو أساس صناعة الألعاب النارية)، والقطن الأسود، وثالث كلوريد النيتروجين، وغيرها من المواد.

فقد الاطراف
ففي مصر المحروسة تزينت السماء بالألعاب نارية بألوانها الزاهية، وسط صيحات الاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية، ولم يدرك فداحة التعبير عن الفرح بليلة الميلاد سوي الاطباء الساهرون في 'نبطشياتهم' الليلية والصباحية وهم يستقبلون هذا الاحتفال على صرخات الأهالي وندبهم على أطفالهم الصغار والمراهقين منهم بعد أن فقدوا أطرافهم ' اصابع ايديهم ' وبذلك يستقبل هؤلاء المصابين العام الجديد بفقد اطرافهم بسبب الألعاب النارية .
وبسبب البحث عن لحظات فرح وقتية، فقدت ياسمين ابنة التسعة عشر ربيعا في مصر أصابع يدها اليسرى. ياسمين كانت اشترت صاروخا ناريا بخمسة جينها ولم يتعد طوله 10 سنتيمترات لحضور فرح احدي صديقاتها، ولم يخبرها البائع بطريقة استخدامه فانفجر الصاروخ الناري، وتفاجئ ياسمين بأصابع يدها تتطاير أمام عينيها.
كما تسجل صفحت الحوادث مصر مأسي الاطفال الذين تبتر ايديهم نتيجة جمعهم أموال العيدية وشرائهم بها ألعابا نارية، وتتحول فرحتهم بالعيد إلى مأتم بعد ان أصبحوا أطفالا عاجزين طوال عمرهم بعد بتر أطرافهم، وذلك رغم جهود مصلحة الجمارك بمصادرة آلاف الآلاف من هذه الالعاب الا ان المسئولين يؤكدون ان هذه الألعاب تدخل مصر عبر بوابة التهريب.

ضحايا بالمئات
وفي كل من ليبيا والجزائر يقع المئات من ضحايا الألعاب النارية خلال الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، وتنتشر بين المحتفلين اصابات الحروق باليد او العين، وبتر أصابع البعض منهم.
وتزايدت معدلات الاصابات بسبب الألعاب النارية بليبيا خلال السنتين الاخيرتين بسبب قوة الالعاب النارية التي لا يخضع استيرادها من دول اسيوية لرقابة السلطات الانتقالية.
وتخلف الالعاب النارية عشرات الجرحى كل سنة في الجزائر ايضا، بينما تستقبل المستشفيات الجزائرية عشرات الضحايا الذين منهم من تصاب في عيونه جراء انفجار مفرقعة أو بتر أحد أصابعه، حيث ينتشر باعة الألعاب النارية عبر المدن الجزائرية يعرضون أخطر أنواع المفرقعات، ورغم مطالبة الكثيرين للسلطات بمنع إدخال هذه المواد، لكنها لم تفلح في مكافحتها.
وتتنوع أحجام المفرقعات وأسماؤها في كل سنة، ومن أخطر وأشهر الأنواع 'دوبل بومب' و'دوبل بومب روايال' و'الوردة' و'الشيطانة' و'الفولكن/ البركان' و 'البوق' و'القادوس' و'السفينة'، وهذه الأخيرة تعتبر من أغلى المفرقعات حيث وصل سعرها إلى 30 ألف دينار جزائري (300 دولار) وتُطلق أزيد من 500 نوع من الأضواء النارية عند تفجيرها.
وفي كل سنة تصادر مصالح الجمارك حاويات مملوءة بالمفرقعات في الموانئ، وقد تفطن مستوردو هذه المواد إلى حيل كثيرة للإفلات من مصادرة سلعهم، فاختاروا التهريب عبر الحدود الشرقية والغربية للجزائر لإدخالها.
أما أسواق العاصمة اليمنية صنعاء فتستعد لاستقبال عيدي الفطر و الأضحى بالمفرقعات والألعاب النارية، والنماذج البلاستيكية المقلدة لأنواع الكلاشينكوفات والمسدسات والقنابل، التي باتت تلقى رواجا لدى الأطفال. 
ولعل من اخطرها باليمن المفرقعات المسماة محليا 'الطماش' وهي مصنوعة من لفائف ورقية سميكة ومحكمة ومحشوة بكميات من البارود الموصول بـ'فتيلة ' يتم إشعالها بحيث تحدث صوتا مدويا وانفجارا يلحق الأذى بالطفل المتسبب أو صديقه المستهدف.
بينما كانت تنتشر المفرقعات في البقالات خاصة التي تقع بالقرب من المساجد بالأردن، وتمتاز برخص اثمانها وأشهرها انواع “القنبلة”، و“الصاروخ”،” الفتاشة” والتجار يبيعونها متجاهلين خطورتها مما يؤدي لوقوع عشرات الاصابات.
من هؤلاء الضحايا نائل الأسمر (29 عاما)، فقد إصبعين من يده اليمنى العام الماضي خلال محاولته إشعال (الفتاش) أثناء اللهو مع أطفال في منطقة حي نزال، حيث امتدت النار إلى كف يده، ما أدى إلى احتراق إصبعيه وبالتالي بترهما.
وفي سياق محاربتها، فقد أصدرت دائرة الإفتاء العام فتوى بتحريم الألعاب النارية، لأن بيعها ممنوع وتؤدي إلى ترويع وترهيب المسلمين.
كما نشرت الجريدة الرسمية بالأردن على موقعها الرسمي، نظام تنظيم الألعاب النارية صادر بمقتضى المادة (٣٠) من قانون الدفاع المدني رقم (١٨) لسنة ١٩٩٩، ويمنع الاتجار بالألعاب النارية أو استيرادها او حيازتها او التعامل بها إلا من قبل المؤسسات او الشركات المرخصة.

كلمة اخيرة
بعد استعراض مظاهر المخاطر الصحية الناجمة عن استخدام المفرقعات والألعاب النارية، فإنها ظلت طقسا شديد الخطورة على صغارنا فلذات أكبادنا يحول فرحتهم بالأعياد إلى ألم وحزن وعجز وعمي وبتر أطراف.
ناهيك عن أثارها الخاصة من ازعاج وتلوث سمعي وتقويض راحة الناس وأمنهم بما تثيره من الرعب والفوضى في الشوارع والأسواق، خاصة في الأماكن المزدحمة، كما تؤدي إلى ترهيب الأطفال النائمين الذين يستيقظون على أصوات هذه المفرقعات التي تسبب لهم الفزع والخوف.
وفي تقديري، ان الحكومات العربية لابد وأن تتعاون فيما بينها لمنع تهريب الالعاب النارية عبر الحدود، وان تسعى جاهدة لسن تشريعات رادعة لكل من يقوم بعمليات التهريب، بجانب ضرورة تشديد الرقابة على أصحاب المحال التي تبيع الموت والأذى لصغارنا.

بينما اذا ما اقرت بعض الدول تداول بعض هذه الألعاب، فينبغي ان تكون مصحوبة بمعايير للسلامة والأمان من حيث تاريخ صلاحياتها وطرق استخدامها بأمان. بينما ينبغي على المؤسسات الثقافية والتربوية والدينية والاعلامية إطلاق حملات تثقيفية للأسر في دور العبادة والنوادي والمحطات التليفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، لشرح مخاطر هذه الألعاب ودفعهم لمنع اطفالهم من استخدامها وتشديد الرقابة الاسرية على الصغار بما يردعهم عن شرائها لحمايتهم وحماية الامن الاجتماعي العربي كله.