الثلاثاء، 3 مايو 2016

الشبك مسلمون عراقيون تبطش بهم داعش بقلم / سارة السهيل

الشبك مسلمون عراقيون تبطش بهم داعش

بقلم / سارة السهيل
12742712_745590832209863_4201550663983195033_n
لم تسلم طائفة الشبك الاثنية من الجرائم الوحشية التى يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش ” ضمن جرائمها بحق كل الاقليات العرقية والاثنية بالعراق، حيث تعرضت ولا تزال لعمليات تطهيرعرقي سواء بالقتل أوالتعذيب أواختطافهم أوتهديدهم، في مدينة الموصل بشمال العراق وما حولها .
واضطر بضعة آلاف من عائلات الشبك إلى الفرار من تجمعاتهم السكنية قرب الموصل نتيجة لمداهمات داعش التي يقوم المقاتلون فيها بأسر رجال المنطقة ونهب المنازل ودور العبادة. وبحسب ممثلون عن الشبك، فان تنظيم داعش قتل العديد من الرجال الذين تم اعتقالهم واعدم الأسرى ميدانياً في العراق .
ومن أكبر الادلة علي جهل الدواعش بالاديان، ما يرتكبونه بحق طائفة الشبك، خاصة وانهم مسلمون عراقيون يعيشون ضمن محافظة الموصل منذ مئات السنين، وهو ما تؤكده الموسوعة الحرة، الشبك بأنهم جماعة قومية في العراق تدين بالدين الإسلامي، تنتشر قراهم ومناطقهم حول مدينة الموصل وداخلها وفي سهل نينوى حيث أنهم ينتشرون في حوالي 72 قرية وبلدة في سهل نينوى وما جاورها، ولها لغة وعادات خاصة تشترك في بعض منها مع السكان الآخرين.
أصول قديمة
ولم يتفق الباحثين حتي اليوم حول أصل الشبك، فمنهم يري ان أصلهم كوردي، واخر يري انهم تركمان، واخرون يرونهم فارسيين، او عرب، والحقيقة ان الشبك هم من الاقوام التي استوطنت الجانب الشرقي من مدينة الموصل في عهد الدولة الساسانية والعهود التي تلتها واختلطت وتصاهرت مع بعض العشائر العربية والكردية والفارسية، وانصهروا جميعاً في بوتقة الشبك، ويشير الي ذلك كتاب (الكامل في التاريخ لأبن الاثير) حيث يقول “عندما استولى الساسانيون على البلاد واعادوا تعمير قلعة الموصل واسكنوا فيها جنودهم، شيدوا حولها القرى والدور” .
وعلي مدار السنين انصهرت عشائر من العرب والكورد في بوتقة الشبك، وهو ما يؤكده الشيخ محمد حسن بك، رئيس رابطة شيوخ عشائر الشبك قائلا ” انا في الأصل من قبيلة زبيد العربية المعروفة وتحديداً من عشيرة جحيش وكنا نسكن الحسكة في سوريا ونزحنا الى العراق وانصهرنا في القومية الشبكي ومازال اولاد عمومتنا يعترفون باصلنا العربي، لكننا الان نعترف ونؤكد هويتنا الشبكية “.
غير ان الدكتور حنين القدو، وهو من الشبك، وأستاذ جامعي في الموصل، يقول ان الشبك هوية مميزة عراقية أصيلة، استوطنوا في هذه المنطقة منذ مئات السنين واغنوا الثقافة العراقية وأثروا التراث الموصلي وكان لهم الدور الكبير في اقتصاد الموصل.
ويرجع د. حنين القدو، اختلاف الباحثين حول أصل الشبك الي انهم قومية عرقية اهتمت بالرعي ولم تسجل تاريخها وأصولها لانهم اهتموا بالزراعة وتربية الحيوانات، وتولوا عمليات المقايضة مع أبناء مدينة الموصل كتبادل السلع وبالتالي لم يبرز من بينهم علماء ومفكرين قبل أكثر من 150 و200 سنة، لكن خلال الستينيات والسبعينيات برزت شخصيات كثيرة من أبناء الشبك كمثقفين وأساتذة جامعات وقيادات عسكرية، ومن أفراد هذه القيادات العسكرية الشهيد اللواء الركن محمد صالح والقائد العسكري الحالي في الحكومة العراقية العميد وعد زينل وقيادات كثيرة أخرى وأطباء وعلماء .
ولعل الخصوصية المستقلة للشبك كجماعة اثنية مستقلة قد أكدتها احدى المذكرات الخاصة بتفتيش منطقة الحمدانية ذات الاغلبية الشبكية التي اعتمدتها واصدرتها الحكومة العراقية انذاك (المذكرة رقم 541 في عام 1952) والتي تنص على ان منطقة الحمدانية تتكون من عدة قوميات اكثرها عددا (القومية الشبكية) تليها القومية العربية فالكوردية فالتركمان فالمسيحيون، وهذا اعتراف صريح من الحكومة الملكية العراقية باستقلالية الشبك.
اماكن تمركزهم
يتوزع الشبك في أكثر من ستين قرية متفرقة خاصة في الجانب الشرقي من الموصل، وينتشرون في دراويش، قره تبه، باجربوغ، بازواية، طوبرق زياره، خزنة تيه، منارة شبك، طيراوه ،علي رش، طوبراوه، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ امير وبعويزه
وبحسب الاحصاء السكاني الرسمي في العراق عام1977 فإن عدد الشبك بلغ 80 الف نسمة، وهو ما يعني ان تعدادهم قد تضاعف الان لاكثر من 150 الف نسمة، ينتمي معظمهم للمذهب الشيعي الجعفري وبعضهم منتمي للمذهب السني، غير انهم يحتفظون بلغتهم الخاصة من الذوبان .
كما يطلق علي قومية الشبك اسم ” الكمبيين “، ومفردها الكمبة، وتعني اصحاب القباب، وذلك انتسابا لطريقتهم في بناء دورهم ومنازلهم ذات الشكل المخروطي .
ورغم معاناة الشبك وتجاربهم المريرة مع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق ومحاولاتها طمس هويتهم الا انهم عاشوا في سلام مع القوميات الاخري بالعراق، واستطاعوا الحفاظ علي هويتهم ولغتهم التي تنتمي لمجموعة اللغات الآرية الهندوأوربية.
عقيدة الشبك
تدين طائفة الشبك بالدين الاسلامي وينتمي (70%) منهم للمذهب الجعفري والباقون من السنة. وقد تأثر بعضهم بالطرق الصوفية المختلفة ومنها الطريقة (البكتاشية) نسبة الى الحاج بكتاش بن السيد محمد والملقب بابراهيم الثاني وهو من احفاد السيد ابراهيم المجاب بن الامام موسى الكاظم (ع)، وقد ولد في خراسان وانتقل الى الاناضول وانشأ الطريقة البكتاشية التي كان لها دور سياسي واجتماعي كبير بين القرنين 15و 18م وقد اثرت في المجتمع الشبكي تأثيراً كبيراً، واكسبتهم خصوصية مجتمعهم القائم على التسامح والتعاون ونبذ الفرقة واحترام الآخرين والتحلي بالقيم والاخلاق الاسلامية الحميدة، فلم يكن من بينهم السارق او الزاني أو قاطع الطريق ولم تسر بينهم عادة نهب النساء او الغزو .
أما في عباداتهم، فهم من الشيعة الاثني عشرية متمسكون بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف على وفق المذهب الجعفري، ويؤدون طقوس العشرة الحزينة من محرم الحرام مستذكرين مأساة كربلاء ومقتل الامام الحسين (ع) وسبي أبنائه، وهم يدفعون الخمس من اموالهم وورداتهم الى سادتهم الذين يعترفون بصحة انتسابهم الى آل البيت، ويؤدون فريضة الحج الى مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما يزورون العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء وبغداد وكل اضرحة الأئمة واولياء ال البيت على امتداد العراق ويفعل الشيء نفسه السنة منهم كل حسب مذهبه .
كتبهم المقدسة
من ابرز كتبهم المقدسة كتاب ” بويورق ـ الأوامر ” وهو مخطوط اللغة التركية أي ما يتفضل به. ويشتمل علي حوار بين الشيخ صدر الدين والشيخ صفي الدين في آداب الطريقة القزلباشيه (من التركي وتعني ذوي الرؤوس الحمر) وهم من غلاة الشيعة في آذربيجان وتركيا، ويتضمن هذا الكتاب الاستغاثة في اذكارهم واورادهم باعداد لا تتجاوز السبعة، ويرمز العدد سبعة الي درجات ومراتب اهل الطرق الصوفية .
وكذلك كتاب (الكلبنك) والكلمة مركبة من كلمتين (كل) اي زهر و (بنك) صوت من الفارسية، وتعني القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم باللغة التركمانية الجفكائية في مدح آل البيت، الشبكي لا يري مولوده مباركا ما لم يبارك له البابا ويدع له بالخير ويقرأ له (الكلبنك)، وعن مراسيم الزواج فان البابا ايضا هو الذي يتولي العقد ويحضر الافراح في بيت العروس حيث تضرب الدفوف ويرقص المجتمعون علي شكل حلقة وتسمي محليا رقصة الجوبي او الدبكة ويندر ان يطلق الشبكي زوجته حتي لو ابتليت بمرض عضال لا يرجي شفاؤه ويظل الشبكي ملازما لزوجته .
ليالي مقدسة
يحتفي الشبك ببعض الليالي المقدسة التي صات جزءا من عاداتهم وتقاليدهم ومنها :
الاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية، وهي من الليالي المقدسة، وكذلك الاحتفال بليلة التعاذر او ليلة التغافر، وهي الليلة التي يعقد الشبك فيها اجتماعات خاصة في ليالي الجمعة لازالة الاحقاد والبغضاء من قلوب الشبك تجاه بعضهم البعض وتجاه الاخرين واحلال الحب والسكينة والسلام محلهما، وفيها يغفر المتباغضون لبعضهم البعض ويصطلحون، ومراسيم الصلح والتعاذر .
أما ليلة الاعتراف، فهي التي يتقدم بها الشبكي الى البابا فيعترف له بخطاياه وذنوبه، وفيها ينشد البابا (الكلنيك) الخاص بالاعتراف . وقد اقتبس الشبك عادة الاعتراف بالذنوب من البكتاشية فصارت جزءاً من تعبدهم، وهذه العادات في جذرها الحقيقي طقوس مسيحية، لكنها اخذت روحاً وطابعاً اسلامياً بعد ان جردت من ثوبها المسيحي والبست قدسية خاصة صوفية الطابع .
ومن طقوسهم ايضا زيارة مراقد الائمة الائمة الاثني عشر ويعدونهم أئمتهم المكرمين فينذرون لهم النذور ويقدمون باسمائهم التبرعات ويتغنون بالقصائد (كلنبك) بمآثرهم وكراماتهم ومعجزاتهم تقرباً الى الله وطلباً لشفاعتهم .
ويقيم الشبك المناحات والمآتم في العشرة الأولى من محرم الحرام، في مراسم عاشوراء حزناً على الامام الحسين بن علي (ع) ويرتدي عموم الشبك ولا سيما الاطفال والنساء الملابس السود حداداً ويصومون الايام التسعة الاولى من عاشوراء، وبعد انتهاء اليوم العاشر يحرمون اكل اللحم على أنفسهم مدة ثلاثين يوماً اخرى .
وقد تعرض أبناء الشبك إلى اضطهاد كبير عبر التاريخ بسبب الانتماء الديني والانتماء المذهبي ومع سقوط النظام السابق في الواقع أستبشروا الشبك خيرا، لكنهم سرعان ما اصطدموا بمحاولات طمس هويتهم وادماجهم في المجتمع وهم يستبسلون حافظا علي هويتهم القومية .