الأحد، 29 مايو 2016

سارة السهيل تكتب .. الحب الأول ظنون مراهقة

سارة السهيل تكتب .. الحب الأول ظنون مراهقة


يعاني الفتيات والفتيان من لوعات الحب وهم يخطون سن المراهقة المعروف بجيشان العواطف والأشواق الملتهبة للقاء الحبيب والإنشغال به تحت ما يطلق عليه "الحب الأول " ولكنه في حقيقته مجرد إكتشاف للذات الإنسانية في الداخل وهي تحاول أن تتواصل مع الآخر لأول مرة عبر مرآة الحب ومحاولة تأكيد " الأنا الرجل " أو تأكيد " الأنا الأنثي " خلال حالات التمرد وإثبات الذات المصاحبة للمراهقة الحرجة . ففي سن المراهقة المشهورة بفقدان الثبات الإنفعالي في مواجهة أي موقف قد يولد الحب من رحم الحاجة اليه لإثبات الذات ، لكنه يحمل في طياته عوامل فشله سريعاً لأنه قائم علي إنفعالات غير محسوبة لم تتعمقها العاطفة الحقيقية ولم تحوطها القدرة علي آية مسئولية أو إتخاذ قرار . وقد تتوهم الفتاة المراهقة أن حبيبها فتى مثالياً وتبالغ في وصف محاسنه أو تفكيره العصري. كما قد يصاب الشاب المراهق بالهوس بمحبوبته ويدمن إنشغاله بها ظناً منه أنها توأم روحه وعندما يغلف حياتهما روتين الحياة اليومي يدركان أنهما مختلفين تماماً في رؤيتهما للحياة وأن هذا الإختلاف لا يستطيعان تقبله ، فتسقط عنهما أوراق توت الإعجاب عند أول إختبار حقيقي للحياة ولو افترقا لسبب خارج إرادتهم قبل أن يصل لمرحلة القناعة بعدم التوافق أو الاختيار الخاطيء سيصبح وهم الحب الأول يلاحقه رغم أنه لو اكمل مشواره قليلاً بهذا الحب لكان هو نفسه رفض الإستمرار على سبيل المثال عندما يولد حب المراهقة بين إثنين و أحد عوائلهم ترفض هذا الإرتباط أو تهاجر البنت مع أهلها لبلد بعيد أو يذهب هو لخدمة الجيش فيشعر كلاهما بالظلم لأنهم إبتعدوا ليس بقرار منهم و لكن من وجهة نظري أن أغلب هذه الحالات هي من باب العند و التحدي وأنه لو ترك القرار له لإنفصل هو عن هذا الحب بعد قليل من الوقت الذي يسمح له بإعادة حساباته بل بإختبار صدق مشاعره . أما الحب الحقيقي فهو لا يستقيم له عود ويطرح إزهاراً ورياحيين الا بقبول الإختلاف بين الطرفين المحبين، وحتى لو كان احدهما مستقلاً بفكره عن الآخران التراث العربي قد عبر عن أن الحب الأول هو مجرد تجربة قد مضت بحلوها ومرها, وان المرء قادر على أن يحيا تجربة جديدة من الحب الحقيقي كما قال العلوي الأصبهاني : دع حب أول من كلفت بحبه .... ما الحب إلا للحبيب الآخر أما التراث العالمي فقد تناول تجارب الحب الأول بإعتبارها حالات إنسانية قائمة وحقيقة وجودية , وليست فقط تجربة فردية محدودة كما في رواية " كبرياء وتحامل " لجين أوستين, ورائعة الأدب الروسي " أنا كارنينا " لليو تولستوي وغيرهما وتناول الفلاسفة والشعراء والأدباء العالميين الحب بإعتباره حاجة إنسانية وطاقة داخلية فياضة , دون الجزم بالحب الأول . ففكرة الحب الاول من أول نظره بين المراهقين ما هي في حقيقتها الا إحساس بإنجذاب الفتاة الصغيرة نحو شخص لم تلتقيه من قبل ، وتظن وهي تحت طائلة الانجذاب إنها عثرت على فتى أحلامها حتى ولو لم يبادلها نفس الإعجابوقد يتولد الإنجذاب في سن المراهقة من ولع الطرفين بفكرة الحب ذاتها فيحاول أحدهما تجسيد صورة أو صفات المحبوب الموجودة في الخيال لدي الآخر، حتي يكتشف أن هذه الصورة الخيالية مخالفة للواقع و أن الإعجاب بالشكل الخارجي لم يتوافق مع الجوهر الداخلي الذي يبحث عنه المحب فيشعر بأنه خدع نفسه . يذهب علماء النفس والاجتماع إلى القول بأن مشاعر الاعجاب التي تتولد لدي المراهقين ترتبط بعملية تشكيل الهوية الشخصية للمراهق , ومحاولته تأكيد " أنا ", حيث يشعر المراهق بثقل البيت والعلاقات الأسرية فتنشأ حالات التمرد وعدم الإستجابة للضغوط الأسرية. ويندفع المراهق للإرتباط العاطفي بالطرف الآخر تعبيراً عن الإستقلالية والتمرد على البيئة ، فيتوالد حباً بانا لظروف بيولوجية لا يكتب له النجاح الا نادراأما الحب الحقيقي- فهو الذي يقوم علي الإقتناع الكامل بشخصية الشريك وطريقة تفكيره والعواطف المتبادلة ، وان يكون التفاهم والأمان والتضحية وقبول الإختلاف بينهما أساساً لتواصل الحب وإستمراره وتوهجه . كما أن الإنسان الناضج قد تصادفه مشاعر حب حقيقية في أي مرحلة عمرية من مراحل نضجه ، وعلي ذلك فإن الحب الأول هو وهم مرحلة عمرية محدده بفترة المراهقه ، واذا إستجاب لها الشاب وتزوج بمن أعجب بها في مراهقتهما فإنه سرعان ما يكتشف الرجل أن اختياره كان خاطئا لأنه إختيار مبدئي جرى في سن غير ثابت عقلياً وعاطفياً وينقصه النضج وصقل التجارب . هنا يشعر من تزوج وفقاً لمسمي الحب الأول بالندم ، لأنه نفسه قد تغير اليوم ثقافياً عما كان بالأمس فهل إختيار الأمس يناسبه اليوم؟لذلك فان التعجل بالزواج وفقا لمرآة الحب الأول من أكبر الاخطاء التي يرتكبها الانسان في حق نفسه، الأجدر بكل امرأة أو رجل الآ يتعجل في اختيار شريك حياته حتى تكتمل رؤيته و تنضج شخصيته وتتزن عواطفه ويثبت على رأي ومبدأ و يسلك طريق معين يعرف أوله ويسعى لتحقيق آخره كما أن الحب الحقيقي هو الحب الذي لا يمكن أن يأتي بعده حب فطالما إستطعت أن تحب من جديد فمعنى هذا أن ما سبق كان تجربة إعجاب فقط أو مجرد تعلق بشخص غير مناسب لم يستطع الحفاظ على مكانته في قلبك فأي حب يستعوضه حب آخر لم يكن حبا من الأساس ، فالحب الحقيقي بعد إكتمال النمو العقلي والوجداني للإنسان حيث تتبلور شخصيته تراكمياً وبفعل إختلاطه بالناس ومروره بالعديد من التجارب الحياتية المؤثرة في نظرته للمرأة والمجتمع والكون كله فالتجارب في حياة الإنسان تشكل وعيه العاطفي والعقلي ويرتقي ذوقه وتتسع آفاق فكره ولا يستطيع أحد خداعه بسهولة ، مما يجعل إختياره لشريك حياته ومحبوبه أكثر نضجاً ونجاحاًأما من يتبوأ عرش القلب بجدارة فهو مسك الختام ، حين يجد الإنسان بحق نصفه الثاني ليكمله ويملأ فراغه الروحي والوجداني ، حيث لا يمكن لأحد غيره القيام بهذا الدور الخالد في الحب الحقيقي .