الاثنين، 3 سبتمبر 2018

السينما والدراما العراقية واشراقات الامل في استعادة نهضتهما


السينما والدراما العراقية واشراقات الامل في استعادة نهضتهما
سارة طالب السهيل

يمثل الفن السابع والدراما حلقتان مهمتان من حلقات تشكيل الوعي والوجدان والاستنارة في المجتمع العراقي، و قد انفتح العراق على فنون العصر الحديث ارتباطا بتطوير ثقافته وتنوع مصادر فنونه، ولا غرابة في ذلك خاصة وان العراق هو مهد الحضارات القديمة البابلية والسومرية والآشورية، وقد انفتح عصريا على الفضاء السينمائي مطلع القرن العشرين، وعلى الفضاء الدرامي منتصف القرن العشرين.
بل ان العراق شهد انشاء تلفزيون في بغداد عام 1956، ليكون اول تلفاز في العالم العربي والشرق الأوسط، واعتمد في خطواته الاولى على تقديم تمثيليات على الهواء مباشرة كانت تقدمها الفرق المسرحية الشهيرة في البلاد أنذاك.
ارتبط الإنتاج الدرامي بدعم الدولة التي وظفته بدورها لخدمة توجهاتها مما أدى الى غلبة الخطاب الفني المباشر في توجيه مشاهديه خاصة في أوقات الحروب، ورغم ذلك فقد عمل انجازات فنية كبيرة في حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي والتي لا تزال حاضرة في ذاكرة العراقيين حتي اليوم مثل مسلسل "الدهانة"، ومسلسل " ابو طبر"، بجانب مسلسلات:" سامكو "، "امطار النار" "عالم ست وهيبة"، " حب وحرب"، "وتحت موس الحلاق، " ، " النسر والذئب وعيون المدينة "، " حكايات المدن الثلاث "، "فتاة في العشرين "، " رائحة القهوة"، ... وغيرها ، بجانب بعض الاعمال الحديثة مثل : " فاتنة بغداد " و"أعماق الأزقة ".... وغيرها.
أما دراما العراق في الماضي القريب تعاني الكثير من تراجع الحضور في المشهد العربي، وربما كانت لسنوات الحروب الراهنة تأثير كبير على تطور حركة الدراما العراقية وعجزها عن المنافسة في الساحة المحلية والاقلمية.
وللأسف فانه بعد ان كانت الدراما العراقية اكثر تميزا وكانت تحتل المركز الثالث بعد مصر وسوريا خاصة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما كانت الدولة تمول إنتاجها، إلا أنه بعد أن رفعت الدولة يدها عن الإنتاج الدرامي فقد أخذت في التراجع والتدني خاصة خلال السنوات الأخيرة التي كان العراق يعاني من ويلات الاٍرهاب و داعش و الفتن المحلية الخارجية أصابها الشلل والجمود.
فقد لبست الدراما العراقية خلال السنوات الأخيرة (و لا نعمم )ثوب التهريج وافتعال الضحكة في مقابل اغفال أهمية تنمية الذوق والأخلاق وتحقيق المتعة الفنية والمعرفية فغاب عنها الابداع والمتعة معا

أمل جديد
وسط ضبابية المشهد الدرامي العراقي جاءت اشراقات أمل جديد بفتح الباب امام النهوض بالدراما العراقية واحيائها مجددا من خلال المبادرة التي اطلقت مؤخر لدعم الدراما العراقية تحت شعار " الدراما حياة " بدعم من رئيس الوزراء وبالتعاون مع رابطة المصارف العراقية الخاصة والبنك المركزي العراقي وشركتي زين وأسياسيل.


و قد تابعت هذه المبادرة عبر وسائل الاعلام و انا اتابع المثقف النشط و المنتمي الى بلده و ثقافته الشاعر مجاهد ابو الهيل رئيس شبكة الاعلام العراقي مما أسعدني بأننا بدأنا كما يقال بالأثر الشعبي نعطي الخبز الى خبازه فعندما يتملك المثقف و الكاتب زمام أمور الاعلام و الثقافة سنجد اثرا واضحا في التطور و الإنجازات بسبب صدق المسعى و الجهود المبذولة بأمانة بلا كلل للنهوض بالمشهد الثقافي العراقي .



فهذه المبادرة فتحت أبواب الامل امام الكتاب والمخرجين والممثلين في ضخ الدماء في شرايين الفن العراقي عبر صندوق دعم واسناد الدراما العراقية وهي خطوة من شأنها إعادة الاعتبار لدور الفنون في النهوض بالأمة وتعزيز مكانة الفنانين والفن في الارتقاء بالمواطن العراقي عبر تقديم اعمال فنية راقية تسمو به وتداوي جراحه وتنير طريقه وعقله وتنمي وجدانه.
ولعل الإسراع عمليا بإنتاج ثلاثة مسلسلات متنوعة وطنية وكوميدية واجتماعية دفعة واحدة وهي "جفن الردى "، والكوميدي "عائلة خارج التغطية " والمسلسل الاجتماعي "يسكن قلبي " يعني اننا نقف علي ارض صلبة من العمل الجاد لتجاوز محن الماضي وسلبياته.
أتمنى من كل قلبي ان تفتح هذه المبادرة الباب واسعا لاستعادة الدراما العراقية تألقها او يتم التوسع في انشاء الشركات الفنية المتخصصة في مجال الانتاج والتوزيع .

الشاشة الذهبية
اما السينما العراقية فلطالما حققت حضورها في المشهد العربي والعالمي المتميزة في العديد من الاعمال السينمائية منذ انطلاقها قبل ستين عاما، وهذا السنوات تعني انها تمتلك تاريخا وضعها في المركز الرابع في فن صناعة السينما العربية، ويعد فيلم " وعدّ عباس "عام 1946 البداية الحقيقية للسينما العراقية، لأنها سنة انتاج اول فيلم عراقي لعادل عبد الوهاب فيلم ( القاهرة بغداد ) الذي عرض عام 1947 وهو انتاج مشترك وحقق في وقته نجاحاً كبيرا.
غير ان النقاد المتخصصون يعتبرون ان التاريخ الحقيقي للسينما العراقية يبدأ بفيلم " عالية وعصام" باعتباره من انتاج ان الكوادر العراقية كاملا هو فيلم "عالية وعصام " وقد عرض في القاهرة، وعليه فقد تكونت شركة دنيا الفن لصاحبها ياس علي الناصر والتي انتجت فيلم "فتنة وحسن " الذي يتحدث عن الريف العراقي من قبل شركة عراقية مئة بالمئة وهو من انجح الافلام العراقية وقد حصد واردات وصلت الى خمسة اضعاف كلفة انتاجه.
ومع تأسيس مصلحة السينما والمسرح 1959، دخلت الدولة رسميا في الإنتاج لزيد حجم الإنتاج السينمائي العراقي، وانتجت فيلم " الجابي " الذي عرض في عام 1968 ثلاثة افلام كـ "شايف خير" و"جسر الاحرار ".
وحصد فيلم " الحارس " جائزة دولية حينذاك في مهرجان قرطاج وهو من بطولة زينب ومكي البدري، وفيلم "المنعطف " في عام 1975 والذي يعد من آخر افلام القطاع الخاص واهمها وقد عرض في موسكو.
وتوالت الأفلام العراقية المتميزة مثل : " المنعطف، الاسوار، القناص، الجابي، الظامئون، الرأس، المسألة الكبرى، كما حصدت العديد من الجوائز مثل الفيلم العراقي القصير " ميسي بغداد " على الجائزة الفضية في مهرجان بيروت السينمائي بدورته الـ13 وقبلها في اميركا كأفضل فيلم اجنبي قصير على هامش مهرجان الأوسكار، وكذلك الفيلم العراقي "ابن بابل" الذي حصد العديد من الجوائز.


و قد قال لي الفنان المصري سمير صبري عندما التقينا في مهرجان السينما الكاثوليكي المصري حيث كنا أعضاء في لجنة تحكيم الأفلام قبل عدة سنوات ان التعاون المصري العراقي الفني يعود لعام
١٩٤٦عند تأسيس شركة عراقية مصرية باسم شركة افلام الرشيد التي انتجت ابن الشرق الفيلم من اخراج المصري نيازي مصطفى و تمثيل مديحة يسري ونورهان وبشارة واكيم ومن العراق المطرب الريفي حضيري ابو عزيز وعزيز علي وعادل عبد الوهاب و قد حقق نجاحا رهيبا حيث عرض في سينما غازي




لم يكن اهتمام العراقيين بالسينما أمرا حديثا فقد كان والدي الشيخ طالب السهيل احد المساهمين في سينما النصر في بغداد في العهد الملكي رغم اصوله و انتمائاته العشائرية المحافظة الا ان الشعب العراقي بفطرته مجبول على حب الفنون و الثقافة و الآداب
وفي تقديري ان السينما العراقية بحاجة هي الأخرى الي تقديم الدعم المادي والفني لها لاستعادة تألقها ومنافساتها عربيا وعالميا، وذلك من خلال دعم القطاع السينمائي الخاص وتحفيزه على انتاج أفلام جديرة بالتقدير، مع الاستفادة من المخزن الروائي والقصصي العراقي وتحويله الى أفلام، ومن المعروف ان الاعمال السينمائية المأخوذة عن اعمال روائية تحقق نجاحات كبيرة عند تحويلها لسيناريو سينمائي وعرضها على الشاشة الذهبية.
وفي ظني اننا بحاجة ماسة الى التوسع في انشاء معاهد للتمثيل وورش لكتابة السيناريو بجانب الحاجة الى بناء المزيد من الاستديوهات السينمائية الحديثة، كذلك انشاء دور العرض السينمائية، مع نشر الثقافة السينمائية بالنوادي ومراكز الشباب حتى يتشكل لدينا جيلا واعيا بأهمية السينما لا سيما في المدارس و الكليات