السبت، 4 أغسطس 2018

إعمار العراق وتأهيل النازحين مسؤوليتان دوليتان

لا يغفل عاقل في العالم عن حجم الكوارث التي خلفتها حروب العراق منذ سقوط النظام السابق ان أردنا الا نفتح الدفاتر القديمة لما قبل التغيير، وحجم الأهوال والمصائب التي حلت على هذا البلد المنكوب صاحب التاريخ
والحضارة.
فتوالي أزمات الحروب ولعل اخرها الإرهاب الذي اجتاح البلاد على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية داعش، قد حول ارض الرافدين الى ارض محروقة ومنكوبة وتحتاج لعشرات السنين لإعادة الحياة الكاملة اليها.
ولكن العراق الجريح الصامد يظل بلدا غنيا  بموارده، ولطالما ارسل المعونات للدول المحتاجة ولكن اليوم قد انهكته الحروب والحصار والاحتلال وانواع العذاب والمؤامرات وايضا الفساد، كما ان العراق قد حارب نيابة عن العالم ليدحر الإرهاب الداعشي ودفع من دماء أبنائه البسلاء ما يغني التذكير به، غير ان أبناء العراق النازحين والفارين من جحيم هذه الأرض المحروقة لا يزالون يدفعون ثمن هذا الإرهاب بحرمانهم حتى اليوم من حقوق الانسان  الطبيعية من مأكل وملبس وصحة وتعليم ومسكن يأوي أجسادهم الضعيفة ويحتضنهم من مآسي التشرد والضياع الذي عانوا من ويلاته بجانب حاجتهم الى علاج نفسي يضمد جروح التهجير والفقد والحرمان لأكثر من سبعة ملايين شخص يحتاجون الحصول على المساعدات اللازمة
للحياة.
 بلد الخيرات و النفط و الماء و الارض الخصبة و المعادن و الذهب، بل ارض العلماء والمفكرين و الأدباء، الارض التي أخذت أهميتها من الحضارات السبع و الموقع الجيو سياسي المميز، فهل اصابتنا اللعنة و غضب الله، ام انها عين اصابت ام ان دروس الوطنية ماعادت تدرس في البيوت و المدارس ام ان الياس تملكنا، فلم نعد نكترث نبايل، ام انها مؤامرات امتزجت بالفساد؟ انا لا افهم بالسياسة ولن اجزم بشيء و إنما ما يهمنا حال الناس و ان عدنا للمستقرين في مدنهم فهم امهات الشهداء او ايتام تركهم ابطال حاربوا من اجل الوطن و ان مررنا بالنازحين و المهجرين من ديارهم فنرى ظلما و بؤسا لمن فر من ظلم الاٍرهاب  فكل هؤلاء متربصون ينتظر ما سيحل بهم و بوطنهم  لست أؤمن بأن المال كل شيء ربما أتكلم بلغة يوتوبيّة الا انني رأيت نماذج من النجاح 
اعتمدت على الإصرار و الانتماء و الذكاء الذي كان احيانا فطريا، فالإنسان الاول عندما بنى الارض بناها بالسواعد و الابتكار  وان تركت الابحار اليوتوبي قليلا و عدت الى الأموال المطلوبة لاعمار العراق اذا تناسينا موارد الطاقة و النفط و غيرها وأحببنا ان نعتمد على الاخرين او مشاركتهم مثلا بمؤتمر اعادة اعمار العراق فبالرغم من نظرة التفاؤل النسبية بالجهود التي بذلتها الكويت الشقيقة في حشد الطاقات الدولية في مؤتمر إعادة اعمار العراق ونجاحه في تعهدات بمساهمات دولية تقدر بنحو 30 مليار دولار، فان اجمالي هذه المساهمات الدولية لا تفي حتى بنصف الاحتياجات المالية الأساسية لعلميات إعادة الاعمار والتي تقدر بنحو88.2 مليار دولار  وفقا لما أعلنته وزارة التخطيط العراقية بالاستناد الى دارسة أجراها خبراء عراقيون ودوليون، وقياسا على حجم الدمار الذي خلفته عمليات الحرب ضد
داعش.
فاذا كانت تكلفة اعمار المدن العراقية المدمرة نتيجة العمليات العسكرية تزيد عن 88 مليار دولار فان حصيلة 30 مليار دولار لا تسد الرمق الرئيس من احتياجات العراق الأساسية في عمليات الاعمار، ولذلك فان من أولىي ان تسد الولايات المتحدة الأمريكية هذا النقص الكبير من الدعم لأنها هي من قاد عمليات تدمير العراق مباشرة او غير مباشرة، فمن جاء لإنقاذ الشعب وإصلاح  احواله لا يجدر به استخدام الأساليب التدميرية من فتن و دمار يعلمه الحميع ، فكان لزاما عليها ان تتحمل العبء الأكبر من جهود اعمار هذا الوطن
المنكوب.
بل ان حجم الـ 88 مليار دولار نفسه يبقى صغيرا قياسا على ما شهدته الموصل من تدمير على ايدي الذين احتلوها ودمروها تدمير يعجز وصفه لذلك فلا غرابة ان نجد ان بعض المختصين العراقيين يرون ان الموصل لوحدها تحتاج الى مئة مليار دولار لإعادة اعمار مساكنها الصالحة لإعادة توطين النازحين منها 
والفارين.
وفي تصوري أيضا ان بقدر ما يحتاج العراق لدعم مالي لجهود إعادة تعمير مدنه المدمرة فانه يحتاج أيضا الى تعاون دولي في مجالات تطهير المساكن والأرض من الألغام والمتفجرات التي زرعها تنظيم الدولة الإسلامية في الشوارع
والمنازل.

 ضرورات إنسانية
في تقديري ان الازمات النفسية العصيبة التي عصفت بالنازحين والمآسي التي عاشوها ولايزال بقاياها قائما يحتاج أيضا الى تضافر دولي من متخصصين دوليين في علوم النفس وإعادة التأهيل لحياة سلمية نفسيا وجسديا 
ومعنويا.
ولذلك، فان عمليات إعادة الاعمار لابد  من أن تضع  في أولوياتها البعد الإنساني خلال عمليات إعادة الاعمار لتعويض ما عاناه النازحون من مآس تقشعر لها الابدان وتدمى لها القلوب، فالمؤسسات التمويلية لا ينبغي ان تركز في عملها على إعادة اعمار المناطق المتضررة من الحرب فحسب، بل ينبغي ان تراعي ضرورة مساعدة النازحين في توفير حياة آمنة وكريمة لهم من تعليم وصحة وإيجاد فرص عمل لمواجهة كوارث البطالة في صفوفهم .
ولعله من اهم الجوانب الإنسانية التي ينبغي لجهات التمويل الدولية مراعاتها هي الإسراع في طرح مبادرات لقروض صغيرة تمكن النازحين من العمل بسرعة في مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر يكون عائدها الاقتصادي سريعا ويلبي احتياجات الانسان الضرورية والاساسية.

 إعادة التأهيل
بالطبع فان هناك حاجات ضرورية في اعادة اعمار المناطق المنكوبة بالعراق وتعويض من خسر بيته ولا مأوى ولا مال له من المظلومين الذين  لم ينتموا او يستقبلوا او يشجعوا داعش والارهابيين، غير ان إعادة الاعمار لابد من ان تكون منظومة شاملة تغطي اعمار المدارس والزراعة والصناعة والمباني الحكومية والمستشفيات وهيئات الموظفين والمهن، ولكن لا تخرج عن الضروريات أيضا اعادة اعمار نفسية الناس من الداخل وعلاج مشكلاتهم النفسية الناتجة عن الكوراث التي عاشوها.
فهناك اكثر من 2.6 مليون مشرد عراقي لا يزالون في المخيمات بسبب تدمير منازلهم، ومخاطر الألغام، والبطالة، والمشكلات المحلية.
ورغم عودة اكثر من  3 ملايين عراقي الى منازلهم  فانه كما يرصد المختصون نحو 70 في المئة من أولاد المدارس لم يلحقوا بالدراسة عاماً دراسياً واحداً على الأقل وما زالوا ينتظرون إعادة دمجهم في النظام التعليمي، بينما قد أجبر  نحو مليون منهم على دراسة المناهج التعليمية لـتنظيم داعش خلال فترة الاحتلال، ويحتاجون الى إعادة التأهيل خاص
جدا.
ولاننسى أبناء الطائفة الأيزيدية التي تكبدت من المخاسر و الآلام النفسية ما لا يمكن وصفه، افكر دوما كيف يمكننا الاعتذار من كل أبناء الوطن، لا سيما المسيحية الذين اضطروا للهجرة، فكيف نعيدهم لأراضيهم المنكوبة و منازلهم المنهوبة فبدون نسيجنا المتكامل، لا يكون  العراق عراقنا، فخروج مكون من مكوناتنا سيهدم الفسيفساء الوطنية المترابطة. 

أولويات الحياة  
المسكن الصالح للعيش و فرص عمل تدر الدخل و مدارس و مراكز تأهيل نفسي
لا سيما ان بعض الاهالي ممن هدمت منازلهم مازالوا يعيشون مهجرين 
ومع شدة الحاجة لإعادة الاعمار والتأهيل للنازحين الذين يفوق تعدادهم 7 ملايين نسمة ، وان التعهدات الدولية بالمساعدات خلال مؤتمر المانحين بالكويت لم تزد عن 30 مليار دولار، فان هناك تخوفات لدى المانحين من سوء إدارة هذه التدفقات المالية ووضعها في نصابها الصحيح، مما قلص نسبة التعهدات المالية الي هذا القدر غير الكافي لإعادة الاعمار بسبب مشكلات الفساد في العراق، وفشل المؤسسات الحكومية حتى الآن في علاجها والقضاء 
عليه.
أتصور ان مبررات الجهات المانحة لها كل الحق في مخاوفها من مشكلات الفساد المستشري بالعراق والذي يجب ان يوليه كبار القادة في البلاد أهمية قصوى لاقتلاعه من جذوره مع ضرورة اقتلاع الفتن الطائفية التي تزال تلقي بظلالها من آن لاخر على هذا الوطن
الجريح.
فمحاربة الفساد تسهم بشكل كبير في اقناع واستقطاب الجهات المانحة بما يعود بالنفع علي البلاد، في زيادة التدفقات المالية التي من شأنها انعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل ومكافحة
البطالة.
وفي تقديري ان التحدي الرئيس الآن امام المسؤولين الشرفاء في البلاد يكمن في دقة ونزاهة اختيار الكفاءات الإدارية ذات المواصفات العالمية لتولي الاشراف على عمليات إعادة الاعمار وذلك للحفاظ علي هذه المنح الدولية من تؤول الى أهل الفساد ويخسرها الشعب العراقي الأكثر احتياجا اليها اكثر من أي وقت مضى ..
واعتقد اذا تمت عملية الاشراف بنزاهة على هذه المنح الدولية وصرفها في أوجهها المشروعة وفق انضباط اداري سيؤدي اكتساب ثقة المانحين بما يحفزهم الحقا الى تقديم المزيد من الدعم في عمليات إعادة 
الاعمار.