الاثنين، 14 أغسطس 2017

أطفال الروضة بين المخاطر والإهمال مقال للكاتبة سارة السهيل



 http://arabi.ahram.org.eg/News/120972.aspx

يتعرض أطفالنا قرة أعيننا ودرة قلوبنا،  في مرحلة الروضة بعالمنا العربي  لمخاطر جسيمة، نتيجة انتشار رياض الأطفال بشكل عشوائي وغير مرخص، ما يجلعها غائبة عن الرقابة وعرضة للكثير من التجاوزات بحق صغارنا الأبرياء.
فغالبا يتم إنشاء هذه الحضانات أو رياض الأطفال في مناطق عشوائية وغير صحية ما يتعارض مع حاجة الصغار لمناخ صحي من هواء نقي والعاب أمنة ورقابة ورعاية ، وربما يلعب قصور الأجهزة المختصة بمراقبة ومتابعة هذه الحضانات دورا في تعرض الاطفال للمخاطر الصحية والنفسية معا.
فقد يعرقل المسئولون سرعة إنجاز الحصول علي التصاريح الرسمية لإنشاء دورالحضانة، وقد يتسم فرص الحصول علي التصاريح اللازمة لإقامة دور الحضانة الكثير من الجهد والإجراءات والوقت الذي من شأنه أن يدفع أصحاب هذه الدور لإلغاء فكرة الحصول علي التراخيص الرسمية اللازمة لإنشائها رسميا، واللجوء للعمل دون تصريح بعيدا عن أية مظلة قانونية ومن ثم النجاة من الرقابة ، بينما يدفع الصغار ثمن تقاعس المسئولين وإهمال أصحاب الروضات في رعاية الأطفال بعدم إدراكهم غياب الدور الرقابي.

وحتي الحضانات التي حصلت علي تراخيص بالمزوالة والعمل، فإنها أيضا لا تجد من يمارس عليها الدور الرقابي ويخضعها للمحاسبة إلا فيما ندر نتيجة قلة الموظفين والنقص الحاد في المرشدين  التربويين علي مستوي العالم العربي  .
 ففي تونس تنتشر حاضنات الأطفال المخالفة في مناطق عديدة، سواء كانت أحياء شعبية أو راقية، حيث بلغت  التجاوزات والانتهاكات المرصودة ضد الأطفال أكثر من ثمانية آلاف اعتداء في العام  الواحد، و جزء كبير منها تم داخل رياض أطفال عشوائية ، و أغلب  التجاوزات تقع  نتيجة أخطاء يرتكبها موظفون بدون علم مديري الحضانات وبسبب استمرار ظاهرة الحضانات العشوائية، وغرفة أصحاب رياض الأطفال غائبة عن اللجنة الخاصة بمتابعة هذه المؤسسات غير المرخصة، نتيجة إقصائها من قبل المندوبية المحلية لحماية الطفولة في تونس.
وأمام هذه الأزمة تعالت الصيحات المطالبة من الجهات المعنية شن حملة ضد الحضانات غير القانونية، على غرار حملات مكافحة التجارة العشوائية، وسن قانون  يجرم رياض الأطفال العشوائية ويشدد العقوبات على المخالفين.
وفي مصر تنتشر دور رياض الاطفال غير المرخصة بسبب صعوبة الحصول علي التراخيص من ناحية، ولطول إجراءتها  كثيرا تارة أخري، والادهي من ذلك كله ان الكثير من أصحاب دور الأطفال غير المرخصة ينظرون إليها باعتبارها مشروعا تجاريا مربحا ضاربين عرض الحائط بالشروط الواجب توافرها ،  من عناصر أمان وصحة وترفية وأدوات تنمي مهارات الطفل العقلية والنفسية.
ما يجعل الكثير من هذه الدور تشبه السجن بالنسبة للطفل  كمكان احتجاز يتم وضع الطفل فيه لبعض الوقت لحين وصول أهله لاستلامه، خاصة في ظل غياب الوعي الاسري بمخاطر هذه الحضانات، والنتيجة تدمير طاقات هؤلاء الصغار وغلق الباب أمام تنمية مهاراتهم، بل وتعرضهم للأمراض المعدية نتيجة عدم توافر شروط الأمان الصحي بهذه المنشآت، بجانب اكتساب عادات سلوكية خاطئة نتيجة غياب الرقابة .
ومعظم العاملات في دور حضانات الأطفال غير المرخصة غير مؤهلات، ولا يمتلكون خبرة التعامل مع الأطفال وسبل رعايتهم صحيا ونفسيا مما يعرض الصغار لمشكلات كبيرة.
وبقدر ما تنتشر في مصر الحضانات الرسمية الخاضعة لرقابة أجهزة وزارة التضامن الاجتماعي، فإن الأجهزة توالي غلق الدور التي يثبت تجاوزها للشروط أو التي يتم تقديم شكاوي بشأنها في التقصير برعاية الصغار.
ومع ذلك فإن الحضانات غير المرخصة تنتشر في مدن وقري مصر دون رقابة أو سلطة، وهى حضانات لم تراع اشتراطات الدفاع المدني والإسكان للتأكد من سلامة المبنى، فضلا عن تأمين المقرات ضد الحرائق. وحتي وإن توافرت بهذه الحضانات شروط الأمان  هذه فإن هذا لا توفر للطفل احتياجاته في سني عمره الأولي من اللهو واللعب والترفيه وتهتم فقط بتأهيله للقراءة والكتاب قبل دخول المدرسة وسط ترحيب من الأهالي!
الأزمة نفسها يعيشها أطفال فلسطين حيث يزيد عدد الحضانات غير المرخصة، بجانب حضانات البيوت باعتبارها الأرخص سعرا والأقرب للمنزل، ولا يتم إغلاق أي من هذه الحضانات إلا بعد تقديم المواطنين شكاوي بحقها من ثم مراقبتها وغلاقها.
وتعاني الأجهزة المختصة من النقص الحاد في إعداد المشرفين الذين يتولون الرقابة على هذه الدور والـتأكد من سلامة الحضانات وصلاحيتها لرعاية الأطفال من سن يوم حتى أربع سنوات.
وليس الحضانات في لبنان بأسعد حالا، فهناك المئات من  الحضانات الغير مرخصة والغير مستوفية لشروط الترخيص لكنها تعمل. فوفق إحصاءات وزارة الصحة لعام 2015، هناك 304 حضانات منها 205 غير مرخصة، لذا أطلقت الوزارة حملة لإقفال هذه الحضانات، خاصة  بعد وفاة ستة أطفال بين عامي 2006 و2015، خمسة منهم في حضانات غير مرخصة والسادس في حضانة كانت في طور استكمال الترخيص.

كلمة أخيرة
في ظني أن الأجهزة الحكومية  المعنية بالرقابة علي الحضانات لن تستطيع بمفردها تحمل هذا العبء الرقابي، ولذلك فإن أجهزة الإعلام العربية عليها القيام بدور رئيسي في نشر الوعي بمخاطر إيداع أطفالهم في حضانات غير مرخصة، وبيان حقيقة أن وضع الطفل في مثل هذه الدور يعرضهم للمشكلات الصحية والنفسية والعقلية التي لا يمكن تجنبها.
ومن ناحية أخري فإنني أتصور أن مؤسسات المجتمع المدني عليها دور كبير في مشاركة الأجهزة الرسمية في القيام بالدور الرقابي والاجتماعي مثل السماح لها للقيام بدور في اكتشاف الحضانات غير المرخصة والإبلاغ عنها للأجهزة المختصة.
كما  يمكن لمؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال العرب القيام بدورهم في التبرع لانشاء دور حضانات رسمية تكون خاضعة لإشراف المؤسسات المختصة بما يحمي صغارنا فلذات اكبادنا من التعرض للتهلكة في الحضانات غير المرخصة.
كما اعتقد أن الأجهزة الاجتماعية المسئولة رسميا عن دور رياض الأطفال، لابد وأن تزيد عدد العاملين في مجال الاشراف والرقابة علي الحضانات الرسمية بشكل دوري ومنتظم، وسن قوانين رادعة ضد من ينتهك شروط الامان في هذه الدور.