الأحد، 27 ديسمبر 2015

تقرير عن مدينة حديثه العراقية - سارة السهيل

تقرير عن مدينة حديثه العراقية 

 سارة السهيل

sara-sohail.jpg

مدينة حديثة

نتطلع دوما للوقوف على حيثيات مدننا العراقية، وكأننا نقطع الطرف على التاريخ الحجري بنوعيه القديم والحديث، ليس انكارا منا لحقيقته الناصعة، ولكن باتت هذه الحقيقة واضحة المعالم في أذهان الأعداء قبل الأصدقاء

حديثة عروس الفرات
لا تختلف مدينة حديثة في نهجها عن أخواتها المدن العراقية الاخرى كالبصرة والكوفة والموصل وتكريت وغيرها من المدن العراقية العريقة ذات الجذور الضاربة عمقا في التاريخ العربي والاسلامي، والتي أشار اليها المؤرخون العرب في أسفارهم ومعاجمهم البلداني.

حديثة الثورة الياقوتية
يقول ياقوت الحموي في معجمه (ص50)، وتعرف بحديثة (الثورة) واعتقد ان الذين يطلقون عليها اليوم اسم _(حديثة الثورة) هو تحريف عن حديثة الثورة الياقوتية، فهي القضاء الجميل الراكب على كتفي الفرات اليمنى واليسرى والذي يتبع بتراكيبه الادارية محافظة الأنبار العتيدة (يخترقها نهر الفرات الخالد فيقسمها الى جانبين هما الجانب الشام لانفتاحه على بادية الشام والجانب الجزري لانفتاحه على الجزيرة العربية).

موقعها الجغرافي المهم 
مابين مدينة (عنه) جنوباً بمسافة 75 كيلومتراً، ومدينة الرمادي شمالاً بمسافة 130كم وعلى مبعدة 250كيلومتراً عن بغداد، تسترخي مدينة حديثة على ضفاف النهر مباشرة كونها على المستوى الجغرافي واحدة من مدن أعالي الفرات، وواقع الامر فأن هذه المدينة إن لم تكن عروسة الفرات فهي واحدة من أحلى عرائسه وتسكن حديثة عشائر كثيرة منها القره قاش وال جعفر وال خليفة والعبيد والمعاضيد والراويين والعانيين والبونمر والبوغانم والموالى والبومفرج والجواعنة والطرابلة والحديثيين والبوحيات والبومحل والغرير والكرابلة والبوصگر والمحامدة. وغيرها من العشائر العربية حديثه مدينة زاخرة بمناظرها الخلابة. التي نسجتها أيدي زمان وشاّها بالخضرة والأسرار فجعلها جنّة باذخة الجمال والروعة. حين يزورها الربيع يحيلها الى لوحة زيتية تخطف بسحرها الأبصار وتملأ بتموجاتها القلوب بهجة.. وعندما تدور فيها الوجوه ذات اليمين وذات الشمال تصطدم في كل زاوية من زواياها.. بقطع أثرية عريقة وبقايا قلاع صاغتها يد ماهرة.. وحين تدنوا من الوجوه أرضها تلفحها روائح أكاليل الورد وهي تتغنج بروعتها.. حديثة.. المدينة التي يعود تأريخها الى العصر الآشوري القديم والعهد البابلي الحديث. أدهشت الرحالة الاجانب والعرب بتشكيلاتها الجميلة الناتجة من تداخل الصخور فوق سفوحها المستوية حيث أصبحت الأماكن المفضلة التي يقيم عليها سكان المدينة منازلهم..
وتكتسب مدينه حديثة أهميتها من مسألتين،أولهما أنها تقع بالقرب من واحد من أكبر سدود العراق على نهر الفرات هو "سد حديثة" وثانيهما،أنها بالقرب من أكبر قاعدة عسكرية جوية في غربي العراق،هي "قاعدة عين الاسد" التي تتواجد فيها القوات العراقية إضافة إلى جنود وضباط أميركيين.
السكان
يبلغ عدد سكانها مئة ألف نسمة، وتسكنها عشائر وقبائل عربية مختلفة من أهل مدينة حديثة، والرمادي وعنة وراوة،كقبيلةالمعاضيد والراويين،و العانيين والبونمر والبوغانم،والجواعنة والطرابلة والبوحيات والبومحل،والمحامدة،وغيرها من القبائل،وتتميز المدينة بقوة علاقات المصاهرة بين عشائرها والتمسك بالتقاليد.
عرف أهلها تاريخيا بالاهتمام بالثقافة والأدب والعلوم، تنبئ بذلك مكتباتها، وشخصياتها الفكرية والدينية والأدبية كعبدالله بن محمد بن أبي طاهر الحديثي، وأبي محمد الهروي الحدثاني، والشاعر علي بن سالم بن محمد الحديثي، والعالم مالك بن أنس الحدثاني وأبي عثمان سعيد بن عبد،وغيرهم كثير.


المعالم
تضم مدينة حديثة قرابة 35 معلما أثريا من المآثر التاريخية منها مساجد وقباب ومآذن وجوامع، كجامع الفاروق الذي بني عام 16 هجرية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب،ومراقد،كمرقد وقبة ضريح الشيخ عبدالقادر الآلوسي الطيار (يرجع نسبه إلى الشيخ الكيلاني)،فضلا عن آثار تعود لأكثر من 3000 سنة قبل الميلاد.
ومن معالمها كذلك النواعير على ضفاف السواقي، وسد حديثة أو سد القادسية الذي يساهم في توليد الكهرباء بطاقة إنتاج قصوى تصل 1050 ميجاواتا.
تتميز حديثة بجمال طبيعتها وتنوع تضاريسها بالإضافة إلى مغاراتها.
 محاصرة حديثة
ظلت مدينة “حديثة”، 140 كيلومترًا إلى الغرب من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، محط اهتمام مختلف الأطراف؛ ففي العام 1991، ذكر الجنرال الأمريكي شوارسكوف، قائد عملية عاصفة الصحراء التي أدت إلى تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أن أهم منطقة للإنزال الجوي كانت غرب الأنبار في مناطق أعالي الفرات بين مدينتي حديثة والقائم، على الحدود العراقية السورية.
بعد تشكيل التحالف الدولي في آب/ أغسطس 2014،في أوائل أيلول/ سبتمبر 2014وبدء الضربات الجوية ضد مواقع داعش؛ كان لمنطقة حديثة نصيبٌ من أولى تلك الضربات، لإسناد القوات الأمنية، والحشد الشعبي، والقرى والمناطق المحيطة بسد حديثة، ثاني أكبر سد في العراق؛ لمنع أي تهديد محتمل نتيجة سقوط سد حديثة بيد التنظيم.
قضاء حديثة، هو القضاء الوحيد الذي لا تزال القوات الأمنية تفرض سيطرتها عليه من بين 8 أقضية أخرى يسيطر عليها تنظيم الدولة، ويعزو الكثير من المهتمين بالشأن العسكري أن عدم سقوط المدينة يعود لما صرحت به الإدارة الأمريكية أن سد القادسية التابع لمدينة حديثة سيكشل خطرًا حال وقع تحت سيطرة التنظيم؛ الأمر الذي ينقضه سقوط مدن أخرى فيها ما هو أهم من حديثة.
مضت سنة على مُحاصرة تنظيم " داعش " لمدينة "حديثة" العراقية التى يعيش فيها حوالى مائة الف نسمة برغم أن أهلها تعيش اوضاعًا سيئة ونقصًا في الغذاء،ويرفعون استغاثاتهم ويطالبون بفك الحصار عنها.
مازالت مدينة حديثة بمحافظة الانبار الغربية الصامدة منسية ،فشبابها يقفون على السواتر يقاتلون الدواعش منذ شهور،وقد منعوا التنظيم المتطرف من دخلوها، لكن أهلها يعانون الجوع والكثير من العذابات، يبقون بلا طعام ولاغاز ولانفط ولاحليب أطفال ولادواء.
فالمدينة محاصرة من كل الجهات  وصواريخ (داعش)  تدكها، كما أن الأسعار في المدينة مرتفعة جداً، فللأسف ان بعض الأهالي الصابرين أخذوا يستخدمون نبات البرسيم (الجت) ويعطونه للأطفال!، الاستغاثة تضمنت مخاطبة تقول (مروء تكميا أهلال مروءة شوفو اله محلا).
ولأجل ذلك تم إطلاق مبادرات تضامن معأهل المدينة،للصيام والدعاء لأهلها بأن يفرج الله عنهم "لان دعاء الصائم مستجاب باذن الله تعالى.. نسأل الله تعالى ان يعين اهلنا ويفرج عنهم وان يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه تعالى وسببا للتخفيف عن المستضعفين وتفريجا لكربتهم .. وذلك أضعف الايمان".

حديثة تعيش واقعا مأساويا أليماً
يعيش أهالي مدينة حديثة واقعاً مأساويا واليما فهي محاصرة منذ سنة منذ احتلال المدينة الى الان وعدم الاهتمام الحكومي بمعاناه الاهالي هناك فالطرق من جميع النواحي مغلقة فالطريق الغربي الذي يربطها بسورية مغلق،وطريق الجزيرة الذي يربط حديثة ببيجي .. مغلق أيضًا،وكذلك طريق حديثة –هيتال مؤدي إلى الرمادي مغلق.
وصعوبة وصول المواد الغذائية لاهالي المدينة تجعل حياتهم.... فالمواد الغذائية التي يسمح بمرورها داعش هي فقط التي تأتي عن طريق بيجي، وتباع بأسعار فاحشة جداً،فالطحين يباع بـ 150 الف دينار عراقي (نحو 120 دولارا)  للكيس الواحد،والسكر والرز بسعر 200 الف دينار (نحو 170 دولارا)،وكذلك بقيةالمواد غالية جدا ..،فيما أصبح لتر البنزين يباع بـ 6 آﻻف دينار (نحو 4 دولارات)".
ولم تلتفت الحكومة لما يعانيه اهل المدينة من نقص في الغذاء والدواء وكأنها مسألة إبادة جماعية مقصودة، مينة تعيش تحت حصار دام سنة، فماذا تتوقع الحكومة من أهالي المدينة بعد العيش تحت حصار دام سنة، ومن مخزون الغذاء هل تتوقع ان يبقى من غذاء مخزون.

معانات اهلها
ماذا تفرق مدينة حديثة الان عن المدن التي تحوي مجاعات مثل الصومال والافارقة، فهي الان لا تفرق عنهم شيء لأنها فقدت الكثير من ابنائها واهلها،لاغذاء ولادواء ولاوقود واستمرار معاناتهم حتى بالكهرباء فوصلت ساعات انقطاع الكهرباء الى 15 ساعة،والماءالذي يفتقد أي نوع من انواع التصفيه (الكلور) يأتي الى البيوت ملوث، مما يؤدي الى انتشار الامراض وخاصة الجلدية ضمن صفوف الاطفال، وتدهو الحالة الصحية بشكل كبير لدى كبار السن من الرجال والنساء بسبب غياب الدواء ايضاً.
استمرار معانات اهالي المدينة ويأسهم فهم يفقدون اطفالهم رويداً رويداً، فالاطفال الرضع يعانون من الجوع فلا يجدون ما يسد جوعهم، فيصبرهم اهلهم بالماء تارة ويجبروهم على النوم تارة اخرى لينسوهم الجوع، وكبار السن يدعون على انفسهم بالموت لقلةالغذاء، فماذا نحن فاعلين لحديثة.

مقبرة حديثة
فيها من الحياة مايفوق المدينة التي تحتضنها ..اصبحت وامست المدينه على فراق الاحبه والاصدقاء وحتى الاهل، فالأب يودع أهله وابناءه ليعيشوا خارج حديثة لما تمر به حديثه من وضع صعب جداً، ويبقى هو للحفاظ على وظيفته وبيته لكي لا يحرم منها اذا تركها ويضيع تعب السنين، ورغم الالم بفقدان كل مستلزمات الحياة يعيش تحت التهديد.
والأم أيضاً تودع أبناءها وتبقى حائرة بين بيتها وزوجها وابناءها وحياتهم الصعبة بعيداً عنها، فتبقى تترقب اي خبر عنهم لترتاح وتهدأ، ولكن بعد ابناءها عنها لن يجعلها تعيش براحة ابداً وستبقى تعيش تحت جرمان ابناءها منها.


مدينة الصمود
حديثة مدينة صابرة مرابطة صامدة بوجه الشر وترفض ان يدخلها الغرباء، أهلها يدافعون عنها منذ شهور صغارها وكبارها، على الرغم من الواقع المأساوي الاليم الذي يعيشونه والذي يجعل المدينة تتعرض للهلاك.
مدينة حديثة أهلها عرفوا بصبرهم وشجاعتهم للتصدي للاعداء بمنع عناصر داعش من دخولها غير مهتمين للجوع والمصاعب التي قد تواجههم، لانهم لا يريدون ان تنتهي على يد داعش ولكن للاسف لا أحد يهتم لا حكومة ولا اعلام ليتحدث عن صبر اهلها وشجاعتهم وانتصاراتهم.