السبت، 26 ديسمبر 2015

عمالة الأطفال وتسولهم تصنع قنابل اجتماعية موقوتة بقلم الكاتبة والاديبة سارة السهيل

عمالة الأطفال وتسولهم تصنع قنابل اجتماعية موقوتة
بقلم الكاتبة والاديبة سارة السهيل
 
            
سارة السهيل


تعد عمالة الاطفال وتحولهم إلى حرفة التسول من أشد الجرائم التي تنتهك حرمة الطفولة في العالم وتدنس براءتها، خاصة وان أطفال التسول سرعان ما يتحولون مع مرور الوقت لقنابل موقوتة تنفجر في وجه المجتمع عندما يتحولون إلى مجرمين يحاولون الإنتقام من المجتمع الذي أهدر كرامتهم الإنسانية ولم يدافع عن حقهم، في حياة انسانية كريمة.

تتعدد اشكال الجرائم في حق هؤلاء الأطفال، فمنهم من يضطر للعمل في  السباكة أو النجارة أو الحدادة أو لدى كهربائي، أو في ورشة ميكانيك، أو في بيع المناديل الورقية عند اشارات المرور، او يمسح زجاج السيارات ثم يطلب المقابل لعمل لم يطلبه منه أحد .

وكثيرا ما يتحول هؤلاء الأطفال إلى التسول عندما يتعرضون شتى صنوف اهدار الكرامة والقسوة العنف من جانب من يعملون لديهم، فأصحاب الأعمال يعاملون هؤلاء الأطفال بمنتهى القسوة والعنف، فيهربون منهم إلى الشارع ليمارسوا مهنة التسول، وبعض هؤلاء يكونون من أطفال الشوارع الذين لا أهل لهم و يباتون في الشوارع، أو يتبعون تنظيم عصابي، يأخذون منهم مايجمعونه من أموال.

ولايختلف التسول في المدينة عن القرى، ففي المدينة يجوب اطفال التسول الميادين الأسواق ويقفون أمام المساجد، وعند مواقف السيارات والحافلات، وأمام الأماكن السياحية، وهناك مواسم مفضلة لديهم مثل شهر رمضان حيث يكثر إخراج الصدقات، وكذلك في الأرياف نجدهم يجوبون القرى في مواسم الحصاد، ويكون معهم أشولة ويشترطون أن يأخذوا أرز أو دقيق، وإذا جمعوا كمية كبيرة يبيعونها أحياناً داخل نفس القرية التي جمعوا منها المحصول.

الدراسات الاجتماعية العديدة المتخصصة في هذا الشأن، ارجعت عمالة الاطفال وتسولهم الى المشاكل الاجتماعية المترتبة على الطلاق او تخلي الوالدين أو الإهمال أو غياب أو وفاة الوالدين وسوء المعاملة والاعتداء الجسدي، بالاضافة الى عوامل ثقافية تتمثل في التعود على التسول او الانتماء الى عائلة تحترف التسول.

يقول الطفل هادي، أنا عمري 8 سنوات، تركت المدرسة من أجل أن  اعمل وأساعد امي بعد ما طلقها والدي، ولكن أتمنى أن أعود إلى المدرسة، لأن التسول شيء سيء  والناس  تعاملنا بصورة سيئة واشعر أنني  لست من البشر.

‪وقال الطفل "أ-أ "، أنا عمري 10 سنوات، تركت المدرسة بعد طلاق والدي وأمي وكل واحد منهما تزوج وتركونا لجدتي، ونزلت أنا وكل اخواتي نبحث عن عمل لكن لم نجد أحدا  يقبل بأن نعمل عنده، فبدأنا نتسول ، والتسول عمل  سهل وبلا تعب ويمكننا الحصول على الكثيرمن المال.

‪ويقول الطفل "ع-ع "، أنا عمري10 سنوات، لا اعرف أبي ولا أمي، هربت من الملجأ لأنني تعبت من الفقر، وقلت سأعمل واصرف على نفسي وأبيع مناديل، وبقيت أتسول، مع بيع المناديل لكي أعيش، فالمعيشة صعبة جدا.

وتعد عمالة الاطفال وتسولهم، بحسب ما ذهب اليه علماء الاجتماع نتاج طبيعي لتدهور الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها المجتمعات، ويترتب على سوء هذه الأوضاع زيادة نسب التسرب من التعليم.

ويترتب على هروب الأطفال وتسولهم ‪مآسي إنسانية لا حصر لها، خاصة وان غالبيتهم أطفال شوارع بلا أهل أو أن أهلهم تركوهم في الشارع إما لانفصال والديهم أو لضيق ذات اليد، فهم ينامون تحت الأشجار أو في الانفاق وتحت الجسور أو الخيام  ويتعرضون لكل أشكال المعاملة السيئة والنظرة الدونية من الناس، فضلا عن انها حضانة لاخراج مجرمين ساخطين علي المجتمع الذي ظلمهم .

ويظل اطفال الشوارع اكثر الفئات الاجتماعية تعرضا للخطف من جانب بعض العصابات التي تخطف الأطفال ويعمل الأطفال لحسابهم، كما تكشف عن ذلك الجهود الامنية في ضبط العصابات في مصر والعالم العربيـ وقد تمكنت اجهزة الامن في 6 اغسطس 2015 من القبض على تشكيل عصابي متخصص في استقطاب الاطفال واستغلالهم فى اعمال التسول، واعترف اثنين من الاطفال أن المتهمين قد اجبروهما على التسول فى شوارع العاصمة تحت تهديد الأسلحة.


استغلال جسدي  فى مصر 
كما تمكنت قوة من مباحث قسم بلاق، من ضبط  تشكيل عصابي وبصحبتهم المجني عليهما "فارس.ص.ك" 14عاما، ومقيم بمحافظة سوهاج، و"إسلام.م. أ" 14 عاما، ومقيم محافظة بنى سويف، وعندسؤال الطفلين أقرا بأن المتهمين الأول والثاني قد اجبروهم على الانحراف و الرذيلة تحت تهديد الأسلحة البيضاء وإجبارهما على التسول بالشوارع مقابل تسكينهما في احدى المنازل.

وحبست نيابة عابدين، عاطلين، لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات لاتهامهما باستغلال الأطفال في أعمال التسول، والتعدي عليهم .

وكشفت التحقيقات التي أجرتها النيابة، أن المتهم الأول زين العابدين السعيد عبد العال (47 سنة - عاطل) يقوم باستدراج الأطفال من الشوارع ويعدهم بمسكن نظيف ويهيئ لهم الأمان وبعد ذلك يجعلهم يتعاطون المواد المخدرة ليتمكن من السيطرة عليهم.

وأضافت التحقيقات أن المتهم يقوم بتسريح الأطفال في أعمال التسول نهارا، ويتعدى عليهم بالاشتراك مع صديقه، المتهم الثاني "محمد إبراهيم السيد حسن" (19 سنة - عاطل)، الذي يتولى مهمة مراقبة الأطفال في الشوارع وتحديد الأماكن التي يقفون بها وتأمينهم من البلطجية وقطاع الطرق أثناء قيامهم بأعمال التسول.

وأدلى المتهمان باعترافات تفصيلية عن جريمتهما بالتعدي كما أكدا استخدام المواد المخدرة في إعطائها للأطفال لجعلهم مدمنين وتحت تصرفهما.

المآساة في العراق 
وقد استفحلت هذه الظاهرة بالعراق، حيث ينتشر المتسولون بالشوارع وعلى أبواب دورالعبادة نتيجة زيادة نسب البطالة وفقدان فرص العمل.فهذا " احمد " طفل في الثامنة فقط، يقترب من احد المارة متباكيا وهو يوحي للجميع انه يتضور جوعا ليحصل منهم على ثمن الطعام. وعن تجربته يقول " اعيش مع والدي بعد ان توفيت والدتي وتركتني مع شقيقتي ووالدي هو الذي يجبرنا على التسول ويطلب منا ان نجمع له مبلغا لا يقل عن 20 الف دينار يوميا، حيث نعمل جاهدين لتوفير ذلك المبلغ خوفا من العقاب.

وتنتشر هذه الظاهرة بالعراق فلا يوجد مكان إلا وفيه المتسولون وأصبحت مهنة لها محترفوها ويصاحبها العديد من الصعاب التي تحيط هؤلاء الاطفال من اجل جعلهم في مكان الاستغلال والاستثمار المادي والاقتصادي، بحيث نلاحظ ان هنالك عوائل بأكملها تتسول هي واطفالها، هذه العوائل تقودها النساء في اكثر الاحيان عند اشارات المرور وداخل الاسواق العامة، اضافة لوجود الكثيرمن الاطفال المتسربين من العوائل المفككة والتي تعاني من ضعف اسري وتربوي وخصوصا في المناطق الشعبية في المدن، كل ذلك يحرك واقع التسول لدى الاطفال.

المعروف أن العراق يعاني من ظاهرة التسول واطفال الشوارع هؤلاء الاطفال المنتهكة حقوقهم، أعداد غفيرة من الاطفال تعاني بشدة من الحرمان الشامل لكل اوجه الرعاية الصحية والتربوية والاجتماعية، الامر الذي يدفع الاطفال الى الوقوع فريسة التشرد والتسول والانحراف السلوكي .

الحروب والأحداث التى عاشها العراق والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التنموية افرزت فئات محرومة أو تعيش في ظروف صعبة، تحولت من مشكلة على نطاق ضيق نسبياً الى ظاهرة واسعة جدا تتضمن المخاطر المصاحبة لها، وتكشف عن قصور السياسات للحد منها .

كما أن ارتفاع عدد الأيتام والأرامل لدرجة مخيفه أدى إلى ازدياد الحالة سوء خاصة بعد احتلال العراق و من بعدها الحروب الطائفية و الإرهاب وصولا إلى داعش وما ترتب على وجودهه في العراق .

كما أن استغلال الأطفال في أعمال ارهابيه  و سرقتهم إلى المنظمات المسلحة و غسل ادمغتهم حيث أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال أخذوهم من الشوارع من المتسولين أو الأطفال العمالة.

 
زيادة ظاهرة التسول فى الأردن 
الاطفال المتسولين فى الأردن يجوبون الشوارع بحثا عن رزقهم او قوت يومهم، فمنهم من يبيع "العلكة" او سلع اخرى على الاشارات الضوئية، ومنهم يقوم بمسح زجاج السيارات، ومنهم من يصطف امام المساجد طالباً العون من الناس، ومنهم من يعمل في بعض الحرف الصناعية بحثاً عن رزقه، ومع ازدياد اعداد البرامج لمكافحة تسول الاطفال وتشردهم فان الظاهرة اخذة بالازدياد والسبب الرئيسي هو الوافدين و النازحين القدماء أو الجدد حيث أن معظمهم من خارج البلاد .
تزايد المتسللين سبب ظاهرة التسول فى السعودية
أما في السعودية فظاهرة التسول تشهد زيادة مستمرة وارتفاعا مضطردا خلال الأعوام الأخيرة، مرجعها تزايد المتسللين عبر الحدود، والتخلف بعد أداء الحج والعمرة، وهذا له آثاره السلبية على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وللحد من الظاهرة، شددت الأجهزة المختصة من إجراءاتها بهدف تجفيف منابع التسول في المنطقة والأطفال المعوقين الراغبين في القدوم لأداء العمرة، مشددة على عدم ممارستهم التسول بعد قدومهم إلى البلاد.
علاج الظاهرة 
يتطلب علاج ظاهرة العمالة وتسول الأطفال توفير مناخ سياسي عربي مستقر وامن يتيح الفرص لتنشيط حركة الاقتصاد وتنمية الموارد بما يتيح جذب الاستثمارات التي توفر فرص العمل وتحد من البطالة كأحد وسائل تجفيف منابع التسول، بجانب نشر الوعي الديني للحض على العمل، حيث أنه في مواضع كثيرة من القرآن الكريم يأمرنا الله عز وجل بالعمل، منها قوله عز وجل.. بسم الله الرحمن الرحيم "وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" صدق الله العظيم. (التوبة 105) ، وكذلك في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك أحاديث كثيرة تحثنا على العمل، وكما قال سيدنا المسيح عليه السلام أيضا في الكثير من أقواله المباركة عن العمل و العطاء و التعفف.

كما يتطلب الأمر إجبار الاهل قانونيا و رقابيا برعاية أطفالهم ماديا و صحيا و إيجاد وظائف للأهل حتى يتمكنوا من رعاية أطفالهم أو أخذ الأطفال لمؤسسات ترعاهم إلى أن يشتد عودهم و يعتمدوا على أنفسهم، كما يجب وضع إلزام التعليم الإجباري، و من لا يذهب للمدرسة يتعرض أهله للملاحقه القانونية و بهذه الحالة يجب تأمين تعليم مجاني و شبه مجاني للطلبة مع وجبات غذائية وهذا ليس صعب على دول النفط و المصادر التي تسرق أموالها ليل نهار و يشحذ أبنائها.
أين الضمائر؟ ألم نتعض، فعقاب الله شملنا جميعا بسبب هذه الأفعال المشينه.  

كما يتطلب العلاج تفعيل دورالعبادة والمجتمع المدني من جميعات خيرية وغيرها لكي تصل المساعدات المالية لمستحقيها من أموال الزكاة والصدقات عبرالجمعيات الأهلية، وعبر أجهزة الدولة المختلفة، ويكون إنفاق الزكاة والصدقات في مصارفها الشرعية، وأن تكفل الدولة والمؤسسات الأهلية الغير قادرين على العمل وتكفل علاج المرضى الذين لا يملكون ثمن علاجهم.

ويأتي دور المجتمع المدني ايضا مهما في إعادة تأهيل المتسولين بإعداد وتنفيذ برامج مناسبة لتعليمهم حرف يدوية مناسبة لقدراتهم، أو مساعداتهم لعمل مشاريع تجارية صغيرة كأكشاك وخلافه. ولايخفي في هذا الامر أيضا تغليظ العقوبة ضد عصابات خطف الاطفال وعصابات التسول.

وتظل عمالة الاطفال وتسولهم جريمة نكراء يندي لها جبين المجتمع وتتطلب ان يتبرأ من هذا العار بانقاذ الاطفال في العالم كله من جريمة التسول التي تحولهم مع الوقت الى قنابل موقوتة تنفجر في وجه المجتعات في اي وقت ويحولهم من ضحايا الي مجرمين .