الأربعاء، 12 يوليو 2023

قيادة السيارات ثقافة وذوق

قيادة السيارات ثقافة وذوق


سارة طالب السهيل
11-07-2023 03:53 PM

تعكس قيادة السيارة في دول العالم شرقا او غربا ثقافة شعوبها ومفاهيمهم التاريخية او تعكس مدى اهتمامهم بالأخرين وحمايتهم و أماتهم او أنانيتهم المفرطة.
وما بين قيادة السيارة في بريطانيا شمال الطريق، ويمينها في معظم بلدان العالم تختلف سيكولوجية القيادة بل ان قيادة المرأة للسيارة تختلف في ظروفها عن قيادة الرجل، ووفقا لدراسة إحصائية دولية في الولايات المتحدة أجريت مؤخرا، فان نسبة 70 بالمئة من نساء العالم تهوى قيادة السيارة داخل المدينة ، بينما الرجل يحب القيادة على الطرق السريع.

وانا احلل ذلك انه بسبب الشعور بالامان وقد أكد علماء النفس بأن المرأة تكون اكثر حرصا وخوفا من الدخول في مغامرات السرعة الكبيرة بالقيادة خلاف الرجل الذي يفضل السرعة بالقيادة، كما ان المرأة تشعر بأمان أكثر وهي تراعي قيادة السيارة ضمن سرعات أمان يحددها خبراء المرور في مختلف أنحاء العالم حفاظا على سلامتها وأمنها ، بينما الرجل يشعر بالملل والضيق من قيادة السيارة في المدن ويضيق من التقيد بالسرعات ومراعاة القوانين المرورية لذلك يهوى القيادة على الطرق السريعة، وتتباين ثقافات الشعوب في القيادة وسلوكياتها من بلد لاخر، ويرجع بعض البريطانين قيادة السيارة شمال الطريق الى نظرية منذ العصر الروماني حيث يستخدم المحاربون اليد اليمنى بينما يمتطون ظهور الجياد من اليسار .

كما ان الجيوش الرومانية كانت تسير إلى يسار عربات الحرب، وهو التقليد الذي توارثه البريطانيون حتى اليوم بالرغم من شدة صعوبة اختبارات قيادة السيارة والحصول على رخصة في بريطانيا تحقيقا لقيادة سلمية تحمي الاوراح وتحقق السلام ، وفي كثير من البلدان تستطيع ان تحكم على شعوبها من قيادتها و رغم ان بعض البلدان لديها قوانين مرورية صارمة الا ان ثقافة القيادة نفسها قد ترتبط بنوازع النفس البشرية من الانانية و المصلحة الشخصية على مصالح الاخرين ، فمثلا تجدهم لا يستخدمون الإشارات الضوئية و لا يلتزمون بها . والسير بالعكس في الشوارع الفرعية كذلك الوقوف أمام المحال التجارية حيث تقف السيارات عرضاً على بعد حوالي عشرة أمتار من الرصيف، فكل واحد يخاف أن تقف خلفه سيارة تمنعه من الخروج عندما ينتهي من التسوق.

المنظور الثقافي للالتزام بقواعد المرور ومستجدات أنظمة أمنها مثل أحزمة الامان وغيرها ، نجد النسبة تتفاوت من بلد لاخر ، الى حد دفع أربعة سائقين أمريكيين بعدم دستورية مثل هذا القانون استنادا الى استجابة محكمة النقض بولاية الينوي عام 1969برفض قانون الزام سائقي الدرجات النارية بارتداء الخوذات ورأت انه تقييد للحرية الشخصية ، ومع ذلك رفضت المحكمة اعتراض السائقين على احزمة الامان ورفضت المحكمة احتجاجات الأمريكيين الذين استجابوا لتطبيق هذا القانون بعد شهرين فقط من اطلاقه رغم رفضهم له بينما تم فرض غرامة 75 دولار على من لا يلتزم بأحزمة الامان في صربيا ، ورغم رفض السائقين لها الا انهم كانوا يتحايلون على القانون فيضعون الاحزمة على اكتافهم فقط ولا يربطونها وكذلك الحال مع السائقين في مصر يفعلون نفس الشيء تهربا من الغرامة و ظنا منهم انهم تحرروا من القيود رغم انها قيود نافعه لهم.
فهناك شعوب تحترم القوانين وقواعدها تحقيقا للمصلحة العامة او الخاصة وهناك دول فيها مستويات الالتزام بالقوانين منخفضة.

بلادنا العربية تعاني بشكل أساسي من زيادة حوادث السيارات والموت على الطرق السريعة نتيجة جنون السرعة وعدم الالتزام بالسرعات المقررة على الطرق السريع ، فالاردن يشهد حوادث سير مروعة يوميا ، ومعظم حوادث السير تحدث نتيجة التحدث في الموبايل اثناء القيادة .

ووفقا لاحصائيات عام 2021 فقد وقع 160 ألف حادثة سير نتج عنها 1800 إصابة بليغة.

بظني أزمات المرور ب العراق والاردن ومصر وبعض دول الخليج تعكس عدم الانضباط المروري، والاهمال في مراجعة السيارات وحالاتها قبل الشروع في قيادتها ، في حين حياة الانسان أهم من المركبة ومن الجوال ، فعلينا غرس ثقافة حماية أرواح الابرياء عبر قيادة سليمة قد تتطلب من السائق اكتساب مهارات الصبر للتعود على القوانين المرورية اللازمة وتغليظ عقوبة المخالفات لشروط السلامة المرورية حماية للأنفس البشرية اغلى ما خلق الخلاق على الكوكب الأرضي.

وفي ظني ان القيادة هي فن و ذوق و اخلاق و ان القيادة ما هي الا مرآة عاكسة لشخصية الانسان و هي أيضا مترجم لتربيته في بيته في طفولته و ايضا تعكس كيف استطاع هذا الشخص تطوير نفسه و العمل على تعديل سلوكه و اخلاقياته فالانسان يتربى في بيته على اخلاقيات و قيم و ربما ينسى الاهل بعضها تجاهلا او سهوا و ربما لا يملكون التمام و الكمال من القيم ليزرعونها كاملة في ابنائهم لكن الطفل نفسه كلما يكبر يضيف لنفسه مهارات و سلوكيات جيدة و يتعلم كيف يطور من نفسه و ذاته وكل هذا يظهر في تعاملاته اليومية و منها قيادته للسيارة او اي نوع مركبة فأنا كثيرا ما اصفن في الشارع مستخدمة دراستي لعلم النفس و فراستي التي ورثتها من القبيلة و اركز في تحليل اخلاقيات و شخصيات البشر فكم افرح عندما اجد من يراعي غيره و يعطي المجال للمركبات الاخرى بالمرور و كم اتفائل حين اجد من يترك لغيره مساحة كافية للاصطفاف بجانبه دون ان يأخذ المساحة كاملة و كم اشعر بالفخر كلما وجدت انسانا يقود عربته بصبر و ينتظر السيارات لتعبر او اذا كانت السيارة التي تسير امامه بطيئة ربما تقودها فتاة مازالت تتعلم او رجل كبير في السن او شخص يشعر بالخوف او المرض .

لماذا لا نشعر بالأخرين؟ لماذا لا نفكر بغيرنا

فالأنانية وقلة الذوق منفره للأفراد وتعطي انطباعا سيئا عن البلد بأكمله ان أصبحت ظاهرة كم تعيسا ذاك الشخص الذي يقود سيارته غير مباليًا بمن حوله.

فلفت نظري في بيروت سائقي الموتورسايكلات الدراجات النارية بأنواعها و شعرت بالحزن الشديد فلبنان بلد الجمال و الاناقة فكيف لهؤلاء ان يشوهوا جمال الطبيعة الخلابة ويعكروا مزاج المقيم وابن البلد والسائح، فكانت تجربتي بالقيادة مربكة بسبب هؤلاء الدراجات التي لا تراك (هم فعلا لا ينظرون اليك بالمعنى الفعلي و الضمني) و علمت ان القانون معهم مهما فعلوا فالحق على قائد السيارة ليس هم، فعلمت قيمة القيادة في الاردن. الا انه تبقى القيادة في بريطانيا هي الاسهل و الاجمل و اردد دوما ان الاعمى في بريطانيا اذا قاد مركبته سيصل سالما الى بيته

وخطر ببالي فكرة هل من الممكن ان تكون الدول المتأثرة في بريطانيا من حيث انها كانت تحت الاحتلال البريطاني سابقا اكثر التزاما في القانون و اكثر نظاما من الدول التي كانت خاضعه للاحتلال الفرنسي ؟ أتوقع ذلك ليس فقط فكرة الاحتلال البريطاني و الفرنسي و انما أيضا الأفكار القبلية التي ترسخ فكرة احترام الناس و التعامل بالأصول لها تأثير وأيضا الاعتبارات الدينية المسلمة و المسيحية و الديانات السماوية عامة التي تحرم التعدي على حقوق الاخرين و ازعاجهم بل تحث على مساعدة الناس و تفضيلهم عن النفس وفكرة العطاء فينعكس كل هذا على القيادة فالقبلية و التعاليم الدينية تعكس على سلوك المجتمع ولكن حل محلها في دول العالم الأول القوانين و العقوبات التي أصبحت مع الوقت عادة و جزء لا يتجزأ من حياة الفرد و الشعوب

أتساءل هنا اين القسوة في التعامل مع المخالفين في قوانين السير والمرور حتى تنضبط الأمور في مسارها الصحيح ؟ كتابة الرسائل على الواتس اب و متابعة الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها و الرد على الهاتف و اجراء المكالمات من اكثر مسببات الحوادث المرورية فمتى يفهم الناس هذا ؟ ومع انتشار المخدرات و الكحول نجد ان بعض الحوادث كانت بسبب التعاطي اثناء القيادة او تحت تأثير الكحول والأَمَرّ والاضل سبيلا الخناقات و المشاكسات و العناد بين الشبان اثناء القيادة و التحديات التي تؤدي أحيانا الى الموت او حدوث إعاقة جسدية وإصابات خطيرة، وبعض الحوادث تحصل بسبب التعب و مواصلة القيادة دون راحة وهذا خطر كبير على السائق ومن معه او السيارات الأخرى، ناهيك عن الشاحنات التي تقود باستهتار كبير رغم حجمها الضخم فهي لا تهتم لأنها ستدوس على جيرانها من السيارات وكأنها تدوس على نملة و تكمل طريقها بأمان او الحافلات التي تحمل اكثر مما يجب من اثقال و اوزان و بضائع و تنقلب على العربات المجاورة بسبب الحمل الثقيل و عدم التوازن ولن انسى ابدا الطعام و الشراب و الحفلات التي تعقد في السيارات اثناء القيادة و المضحك المبكي ذاك السائق الذي احرق مركبته بسبب صنعه للشاي داخل مركبته على وابور الكاز كما يقال له في اللهجة المحلية المصرية.

اما قيادة الأطفال للسيارات بصراحة مفجعه فعندما ترى في العراق أطفال بعمر ١٠ او ١٢ سنة وأهلهم فرحين و فخورين ( ابني ديسوق علمته السياقة) "يا فرحة قلبي" طفل صغير كيف لا تخاف عليه وهو مازال لا يدرك الحياة ومخاطرها فالقيادة هي مصغر لمخاطر الحياة و ما يمكن مواجهته في حياتك فهل هو جاهز نفسيا و جسديا و فكريا للتصدي لما يمكن ان يواجهه؟

ونعود ونقول ان القيادة فن والفن اصبح هابط والقيادة ذوق و الذوق اصبح في تدني والقيادة اخلاق والاخلاق في انهيار فلنصلح الذوق والفن والاخلاق لتصلح القيادة
وليس فقط القيادة واللبيب من الإشارة يفهم.