الثلاثاء، 19 مارس 2019

اطفال العراق بعد داعش مسؤولية انسانية عالمية

 دفع الطفل العراقي  ولا يزال يدفع فاتورة الاطماع السياسية الدولية والفتن الدينية والعرقية دون وجود مؤشرات حقيقة على وقف نزيفها الدامي، وامام مشهد عالمي مخزي يقف العالم متفرجا على هذه المآساة الانسانية.


هذا الطفل البرئ اكتوى مبكرا باليتم، و ذاق مرارة الحرمان من منزله الآمن وتشرب كأس النزوح عن موطنه الى المخيمات، ناهيك عن تعرضه لانواع مختلفة من الأذى النفسي، بل والتعذيب او الاعتداء الجسدي وغيرها من مواجع لا نقدر نحن الكبار على تحمل جزء منها كأطفال اليزيديين و المسيحيين و اطفال الموصل و غيرهم .

ففرارهم من قراهم بعدما شاهدوا بأم أعينهم  الجثث تملأ الشوارع والدماء يكسي كل مكان، بينما تتساقط القنابل كزخات المطر فوق منازلهم، فأي خوف قد تملكهم بعد هذه الجرائم الوحشية؟ لاشك ان كل مشاعر الخوف والفزع قد أصابتهم في مقتل فصاروا نهبا لكل انواع الكوابيس المفزعة حتى بعد رحيل داعش.

ولا شك ان غياب البيئة الآمنةالمحتضنة لاطفال العراق، وتعرضهم لانتهاكات صارخة جعل منهم قنابل موقوتة قد تنفجر في وجه المجتمع العراقي والاقليمي، بل والدولي في أي وقت مالم تتضافر جهود الحكومة العراقية ومؤسساتها مع مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الدولية في وضع خارطة طريق عملية لاحتواء ضحايا العراق من الاطفال.

واليوم بعد دحر ارهاب داعش، فان معالجة اوضاع اطفال العراق يجب ان تكون لها أولوية لانها مرتبطة بمستقبل العراق القريب، وأي تجاهل لاوضاع هذه الطفولة البائسة يعني تدمير مستقبل العراق نفسه.

الواقع العراقي يعكس حقيقة وجود ملفات عديدة شائكة تخص الطفولة من بينها من يسمون بأشبال الخلافة، بعضهم تعلّم القتل والذبح والاغتصاب، بعضهم الآخر وُلد في مناطق الإرهاب، وغُسلت أدمغته، وهو ما يتطلب الاسراع في معالجتهم نفسياً وتأهيلهم للاندماج في المجتمع حتى لا يتحولوا الى  خلايا نائمة تهدد أمن  واستقرار العراق مجددا.

فاطفال داعش تم استغلالهم بوحشية بدفع الى ساحات القتال بتأثيراتٍ من ذويهم الذين خدعوا بشعارات  داعش، وبعضهم الآخر ولدوا في الجبهات من زيجات غريبة أو من عمليّات اجبارية وسبيٍ وغيرها.

هؤلاء الضحايا من الاطفال يعانون، كما تذكر المؤسسات الاقليمة المتخصصة من امراض نفسية خطيرة منها اضطراب الكرب الحاد، "اضطراب الشدة النفسية مما يدفع بعضهم الى تكرار مُحاولات الانتحار.

فالعنف الذين نشأ وتربى عليه هؤلاء الاطفال الابرياء سواء كان عنفا فكريا عبر غسل ادمغتهم او عمليا تسبب في  تشوه القيم الفطرية للسكينة والسلام  لديهم، فلذلك فانهم غالبا ما يلجأون الى العنف في  معاملتهم مع الاخرين بعد ان شاخت مشاعرهم قبل الآوان من هول ما تعرضوا له.

وفي تقديري، فان المؤسسات المتخصصة في العراق يجب ان تبدا بعمليات غسيل أدمغة موازية خلال معالجاتها لافكار هؤلاء الضحايا من الصغار، سواء من خلال مفكرين قادرين على اعادة صياغة فكر هؤلاء الصغار او رجال دين وسطيين بعيدين كل البعد عن مفاهيم المذهبية والطائفية، وكذلك معالجين نفسيين واجتماعيين وتربوين متخصصين في هذا المجال من العلاج النفسي واعادة التأهيل الاجتماعي.

ولأن أعداد هؤلاء الاطفال الضحايا كبيرة جدا، في مقابل قلة عدد الاخصائيين  النفسيين والاجتماعيين، فان العراق في أشد الحاجة الى المساعدة الدولية من كافة المؤسسات المتخصصة في حقل الطفولة، بجانب حاجة العراق ايضا الى ميزانية مادية للانفاق على برامج وعمليات معالجة هؤلاء الضحايا من اضطربات ما بعد الصدمة حتى لا تنتقل عدوى عنفهم واضطراباتهم السلوكية العدوانية الى باقي اطفال العراق.

وفي تقديري ان أزمات أطفال العراق تتطلب تعاون انساني دولي باعتبارها كوارث انسانية، ومن ثم فانه يجب إعادة تأهيل الأطفال والنساء بوصفهم ضحايا داعش، وهو ما يستدعي سرعة تحرك الجهات المختصة   لحل هذه الكارثة الانسانية، وان تتعاون مع الحكومة العراقية في وضع برنامج لاعادة تأهيل هؤلاء الضحايا وتتولى الاشراف عليه وتدعمه ماديا ومعنويا لحماية حقوق الاطفال التي جزء اصيل من حقوق الانسان في حياة أمنة.