هجمات إرهابية هنا وهناك، رعب وهلع ودمار يجتاح
المكان، وضحايا كثيرون لا ذنب لهم، خلفوا ورائهم زوجات ويتامي، أطفال
أبرياء صاروا بلا عائل ولا معين.
وكلما
تزايدت الهجمات، تزايدت أعداد الأيتام في العراق، ما ينذر بعواقب اجتماعية
وصحية واقتصادية وخيمة، وزارة حقوق الانسان علي لسان وزيرها دعت إلي أن
تلافي مثل تلك المأساة التي سوف يتعرض لها الأطفال، وقالت إنه يحتاج إلى
جهود استثنائية من الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
الواقع
إذن ونتائج الدراسات والمتابعة أشارت إلي أن الاعداد تتزايد في ظل الهجمات
الارهابية وما يخلفة من اعداد هائلة من الايتام. وهو ما يتستدعي بذل
المزيد من الجهود وابداء نوع من الرعاية الى هذه الشريحة المهمة في
المجتمع، المهمة كبيرة حسب،السوداني، وزير حقوق الإنسان، وتستدعي بذل
الجهود من الجميع.
مؤسسات رعاية الايتام في
العراق من جانبها، طالبت الحكومة العراقية ومجلس النواب بالاسراع في تشريع
قانون لحماية حقوق هذه الشريحة، وسد احتياجاتها المادية، وتوفير الدعم
الصحي والتربوي لها، فما حدث في العراق بعد عام 2003 ، ولد ايتاما كثيرين،
وهم بحاجة الى دعم صحي ونفسي وتربوي.
وناشدت
منظمات حقوق الإنسان الجهات الرسمية والمنظمات العالمية باحتضان هؤلاء
الايتام وسد احتياجاتهم المادية، دعت مجلس النواب والحكومة للقيام بدورها
لرعاية هذه الشريحة.
المهمة جسيمة، وعلينا
فقط أن نذكر أن تقارير دولية تشير الى ان العراق بات يضم النسبة الأكبر من
الأيتام في العالم العربي لاسيما بعد الاحصاءات الاخيرة لوزارة العمل
والشؤون الاجتماعية التي اشارت الى ان عدد الايتام في العراق بلغ نحو خمسة
ملايين طفل او ما نسبته 16 بالمئة، أغلبهم يعاني من تهميش المجتمع
والحكومة، ما دفع عدد كبير منهم التحول إلى التسول أو الجريمة.
منظمة
اليونيسف تشير إلي ما يزيد عن ذلك، ووصل عددهم ايتام العراق في احصاءاتها
إلي 5,4 مليون يتيم اكثر من نصفهم ابتلعهم الطريق، صاروا نتيجة لعدم
الرعاية وغياب اليد التي تمتد لترعي وتحمي، تحولوا نتيجة لكل ذلك إلي أولاد
شوارع.
ولنا أن نتخيل حجم المأساة حين نعرف
أن في البصرة وحدها حوالي نصف مليون يتيم يعيشون في الشوارع ينامون على
الارصفة وفي الحدائق، ويعمل بعضهم ويعيش على عملية جمع القوارير، يعملون
ليجدوا قوت يومهم، وبدلا من أن تسعي الحكومة بجهودها لاحتواء هذه الشريحة
البريئة، وهي واحدة من مهماتها الأساسية بالتأكيد، تقوم باغلاق دور
الايتام، ورغم أننا تعلمنا من ثقافتنا الموروثة احترام الارملة ورعاية
وحماية الطفل اليتيم ولا يزال الشعب يحمل في روحه هذا المفهوم الانساني،
لكن بعض الجهات قامت باعمال وحشية ضد الأيتام، كما حصل قبل ثلاثة سنوات. زد
علي ذلك أن دور الايتام في العراق محرومة من دعم الدولة للتعليم, وهذا
يعني حرمان هذه الشريحة الاجتماعية الكبيرة من المستقبل, ويمنعها من
المساهمة في بناء المجتمع , اما أولاد الشواورع فسوف يكونون علي أقل تقدير،
وهذا ليس تعبيرا مجازيا، قنابل موقوتة، لا نعرف متى تنفجر وتقتل المئات من
الابرياء؟.
الشوارع حضانة للارهاب والجريمة
وتفشي الامراض العصرية والادمان على المخدرات وممارسة المحرمات .وترك
الأطفال واليتامي في عرائها سوف يقودنا إلي كثير من المآسي في القريب،
العراق عانى شعبه من الحروب والفقر، والعوز المادي خلف أثارا سلبية سوف
تزداد لو أهملنا الجانب الانساني وتركناه بدون توجيه ومراقبة ليصبح اليتيم
مواطنا صالحا يخدم الانسانية والوطن. ولن نستطيع بناء مجتمع عراقي سليم من
الامراض الاجتماعية الا بعد معالجة ما يتعرض له هؤلاء الأبرياء من إهمال
وتقديم كل أنواع الدعم لهم.
وفي اللحظة التي
يسأل فيها اليتيم نفسه لما قتلوا أبي ولا يجد ردا سوي الإرهاب والظلام
والضلال، سوف يتحول بالتأكيد إلي رغبة محمومة للقصاص ممن قتل أو سمح
بالقتل، أو من لم يستطع حمايته, سوف تكون الأسئلة كثيرة وغضب الأطفال
اليتامي بحجمها، وربما يزيد فلا نستطيع التحكم في عوااقبه.
سوف ينتقم من المجتمع الذي اهمله والحكومة التي تركته فريسة سهلة لمن هب ودب.
ولنا
أن نعرف أن الخلل يأتي ابتداءا من قانون الاحوال الشخصية العراقي، وهو
مزيج من القوانين الموروثة من الدولة العثمانية والشريعة الاسلامية التي في
غالبها تستند على التفسير الحنفي في الشريعة. كما أن العادات والتقاليد
العشائرية تتدخل بدور كبير في صياغة القوانين العراقية، وهو ما انعكس بشكل
صارخ في عملية كتابة الدستور، لم يهتم اي طرف من الأحزاب والقوي السياسية
في العراق بتعيين خبراء معروفين في مجال القانون بل كل الذي فكروا به كيف
يمررون افكارهم وتوجهاتهم الذكورية، مستندة على الشريعة، وقد فُرضتْ تلك
الأفكار على الدستور العراقي دون التفكير بكلمة المساواة وتطبيقها على
الحياة اليومية للمواطن العراقي، تجاهلوا معايير تطور الحياة الاجتماعية
والتكنولوجية في العالم والتبدلات الجذرية في نمط العيش. قد اهتم غالبية
اعضاء الجمعية الوطنية، وخاصة القوائم التي لايعنيها حقوق الانسان بتمرير
افكارها المستوردة من الدول الجارة المتخلفة التي لاتحظى باي احترام لحقوق
الانسان، هو هو ما انعكس بشكل مباشر على المراة ومن ثم الطفل الذي يكون
الضحية الاولى.
في قانون الاحوال الشخصية
المادة 102 تنص على ( ولي الصغير ابوه ثم وصي ابيه ثم جده الصحيح ثم وصي
الجد ثم المحكمة او الوصي الذي نصبته المحكمة . ) هذه المادة تبين كم من
غبن يتلقاه هذا الطفل الصغير الذي لايستطيع ان يدافع عن حقه وليس هناك من
يدافع عنه. القانون والدولة والمجتمع ضده , فلمن يلجأ هذا الصغير الاخرس
لنصرته من القانون المتخلف ؟، هذه المادة تعبر عن اكبر اضطهاد واجحاف بحقوق
هذا الكائن الصغير!، الشخص الثاني المغبون في هذا القانون هو الام التي"
لاحول لها ولا قوة".
ما هذه التناقضات التي
يحملها المجتمع العراقي . في الاربعينات تغنى الشعراء العراقون بالام
العراقية، بينما في قانون الحضانة تبقى الام آخر شخص يحظى بحضانة صغيرها .
كثرت هذه الحالات ايام الحرب مع ايران، وزادت نسبة الايتام الذين اصبحوا
متنقلين بين اصحاب الوصايا بين فترة واخرى يؤخذ هذا الصغيرالى البيت الجديد
الذي لايعرفه . يبقى هذا الضحية كلقيط محروم من الحنان والعواطف التي
تمنحها الام لطفلها, اذن هذاالطفل محتاج الى والدته لترعاه وتزوده بحنانها .
لذا ينشأ هذا الطفل مليئ بالعقد النفسية التي فرضها عليه القانون، وغالبا
ما نلاحظه يميل الى الانزواء والعزلة عن المجتمع . وبنفس الوقت تبقى الام
تعيش آلام فراق ابنها، وقد تحاول مرات كثيرة ان تستخدم انواع الحيل والكذب
واساليب كثيرة للوصول الى اولادها. وتبقي المشاهد مؤلمة لابعد ما يمكن أن
يتصور أحد.
هذا المشهد لايتامنا يستدعي وجود
دراسات من قبل الجامعات العراقية لتبيان عدد الشباب الذين يلتحقون
بالارهابين من هؤلاء الضحايا، كما يستدعي تغيير قانون الحضانة الذي يريد
قسم من المتخلفين في لجنة تعديل الدستور الابقاء عليه، وتخريج الالاف من
المشردين والمجرمين في العراق، ليكون قاعدة جيدة لتصدير الارهابين الى
العالم .
نحن لسنا بدعا في العالم فايتامنا،
كما في البلدان المتخلفة الاخرى، هم أضعف شريحة في المجتمع، يعانون من
الجوع والفقر والجهل والمرض ومعرضون للاستغلال من قبل فئات كثيرة في
المجتمع، الأسباب كثيرة ويأتي علي رأسها انعدام الرقابة الحكومية الكافية
لمساعدتهم وصد العدوان والاستغلال الذي ابتلوا به.
لكن كيف يمكن معالجة هذا الوضع المسئ والمزري, وحماية أطفالنا من الضياع,
يجب
أولا تقسيم الايتام الى نوعين الطفل الذي فقد والديه يجب ان يوضع في دار
الايتام . أما الطفل الذي فقد أحد والديه فيجب الاهتمام بالعائلة باكملها.
هذه العملية تشمل الريف والمدينة، والطفل الذي تبنته العوائل العراقية يصرف
له راتب شهري للجهات التي تبنته.
كما أن
هناك ضرورة لارجاع وزارة شؤون المراة الى وزارة ذو حقيبة تخصص لها ميزانية
مالية سنوية من وزارة التخطيط وفق ما يخصص مع الوزارات الاخرى، وتنسق
الوزارة مع الدولة والمنظمات العراقية والعالمية لاعداد بحوث واجراءات
قانونية لدراسة هذه المعضلة واعادة تأهيل هذه الشريحة بعد احتوائهم.
يجب
أيضاعلى الحكومة ان تقوم بانشاء دور للايتام وتخصص لها المبالغ الكافية
شريطة ان تكون تحت ادارة أشخاص معروفين بحسن السيرة والسلوك وتخضع لرقابة
شديدة ولجان نزاهة متخصصة في التربية الاجتماعية.
كما
يجب تصحيح نص قانون الاحوال الشخصية بضمان الام حقها بالحضانة في جميع
الحالات أو الوصي الذي تنصبه المحكمة، وهناك واجب على الجامعات العراقية أن
تقوم بعمل دراسات لهذه الحالات بالتفصيل وتقديم تقارير الي وزارة شؤون
المراة للنظر بمعالجة القضية، بعد ذلك مهم جدا قيام الحكومة برصد ميزانية
كافية لفتح دار للايتام ويعين في هذه المؤسسات باحثات اجتماعيات ممن لهن
خبرة بالتعامل مع هذه الشريحة في المجتمع
المجتمع
العراقي بأمس الحاجة للاهتمام باوضاع الايتام المشردين في العراق، وتوفير
ملاجئ صحية لهم مزودة بكافة الاساليب الحديثة للتربية والتدريس وتشجيع
المتفوقين بمنحهم بعض الزمالات الدراسية ليصبحوا مثلا يحتذي للاخرين.
وهناك
ما لا تقل أهمية عما سبق من واجبات حكومية، فعليها مهمة ارجاع الارامل
والايتام الموجودين في البلدان المجاورة، والذين لا يحظون بأية رعاية
اجتماعية أو مادية. الاهتمام بقضية تسكينهم من خلال توفير سكن صحي مستقل
للام وايتامها.
كما يجب ان يكون هناك نوع من
الضمان الاجتماعي لهؤلاء الايتام لانقاذهم من ويلات الشارع القاسية في هذه
الايام حتى لو كانوا يعيشون مع العوائل الاخرى مما يعطي شعورا عندهم ،ان
الدولة تصرف عليهم فيكونون جزءامنها ، ولهم حقوق في ذلك البيت الذي يعيشون
فيه وليس طفل يعيش بصدقة العائلة التي احتوته.
الاهتمام
بالارامل جزء من الاهتمام باليتيم . الارامل بحاجة الى تقسيمهم الى أصناف
منهن من لها مهارات فنية أو شهادات يجب زجها في العمل فورا. القسم الذي
لايملك مهارات ممكن الاستعانة بخبراء من دول اخرى لفتح دورات تدريبية حسب
ظروف وجغرافية المنطقة ثم دعمها بمنح مالية أو قروض من الدولة لفتح بزنس
صغير تتولى ادارته ويجلب لها مورد مالي لتعيل اطفالها وتصبح هي المستثمر
لاتعتمد على الدولة ولا تعتمد على صدقة الاهل والاقارب .هناك بعض المؤسسات
الدينية مثل الجوامع والاديرة والكنائس تستقبل هؤلاء الايتام وتربيهم وفق
اجتهادات خاصة بالمسؤولين على هذه المؤسسات. هذه المؤسسات يجب ان تشكر من
قبل الحكومة العراقية وتدعم ببرامج مادية وتفرض على المؤسسات دراسات أصولية
وفق المنهج الدراسي العراقي وكم من هذه المؤسسات في العالم أخرجت كوادر
علمية وادبية عالمية .هناك ضرورة للاستعانة بخبراء في هذا المجال من الدول
التي عانت من الحروب مثل روسيا والمانيا ويوغسلافيا.
ولا
يجب التوقف عند هذا الحد، فيجب الإستمرار في الاهتمام بدراستهم حتى بعد
تخرجهم من الثانوية وتصرف مصايف دراسته الجامعية من قبل الدولة.
هذه
الأعباء يجب أن يعي الجميع أنها سوف تتزايد طالما لم يتم القضاء علي
الإرهاب وبواعثه ومواجهة الأفكار التي تقوم بتغذيته, وهو ما تتوقعه عضو
لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب سميرة الموسوي مع استمرار
الأعمال الإرهابية.
بقلم:سارة السهيل و سرمد الهميم