أزمات الكتاب بين التلقي والنشر
سارة طالب السهيل
سيظل الابداع والفكر والثقافة هو سبيل السعادة للأمم والشعوب، فلا نهوض لأية امة بمعزل عن الفكر وتعاطيه كتعاطي الماء والهواء غذاء للجسد، بينما الثقافة هي غذاء ارواحنا وتنمية عقولنا تسري بداخلنا كنسيم صيف بارد في نهار صيف حارق، نسيم يواجه بسلاح الكلمة المبدعة الشفافة فكر الإرهاب والتطرف الذي ابتليت به امتنا العربية.
غير ان الكتاب في بلادنا العربية، وأنا بينهم، يعانون من أزمات طاحنة بالنشر والتوزيع في ظل تحديات كثيرة فرضتها علينا جميعا حضور الكتاب الرقمي، بجانب ازمة التلقي العربي بفعل انخفاض المقروئية بفعل تأثيرات ثورات الربيع العربي وما تبعها من صراعات طائفية ومذهبية وسياسية ومحاولات تقسيم وتجويع الشعوب، وهو ما أدي بالطبع الي تراجع التلقي الإبداعي والفكري لصالح الصراعات السياسية والحروب في المنطقة التي تبحث شعوبها عن الأمان وتوفير رغيف الخبز.
واقع مرير
للأسف فان المشهد الثقافي العربي اليوم يعد في أدنى مستوياته نتيجة غياب الاهتمام بالثقافة والابداع، وذلك مقارنة بما كانت عليه في الازمنة القديمة. ففي العصور القديمة أنجزت منطقتنا العربية حضارات لا تزال أثارها خالدة باقية حتى اليوم، فعرفت صناعة النشر بمصر القديمة وفي العراق والشام، بينما عرف المسلمون صناعة النشر المعروفة باسم "الوراقة" منتصف القرن الثاني الهجري في الدولة العباسية واستمرت لمدة خمسة قرون معتمدة على أسس ثلاث هي ، التدوين والترجمة والتأليف.
ومما يدل على ازدهار صناعة النشر (الوراقة) ان عدد المجلدات التي نشرت في الفترة بين القرن الثاني والثالث عشر الهجري بنحو خمسين مليون نسخة، إلا أنه لم يصلنا منها إلا نحو خمسة ملايين فقط، وانهارت صناعة النشر عند المسلمين باجتياح المغول والتتار، لشرقي العالم الإسلامي وسقوط بغداد سنة 656 هجرية.
تجربة ومعاناة
شاءت الاقدار الإلهية ان أكون ممن يشتغلون بالكتاب والتأليف الادبي، ومن ثم فإنني قد مررت بظروف شديدة الصعوبة في بداياتى ككاتبة بدات في سن صغيرة جدا وغير معروفة في اوساط الناشرين، وكلنا يعرف ان العالم العربي عامة يعاني من غياب تبني المواهب الأدبية، لكن اصراري على نشر اعمالي من أجل ن ترى اعمالي النور بما يحفزني على مواصلة رحلة الابداع ادخلني وقتها في دوامات لازلت اذكر تفاصيلها بحرقه حيث كنت اعمل بشكل انفرادي بلا شللية ولا اَي دعم مؤسسي او حكومي وهذا صعب جدا خاصة فيما يخص اعمال الاطفال و اعتقد الكتاب يفهمون ما اعزي اليه ، ناهيك عن أزمات سبل توزيع الكتب بشكل يحقق للكاتب ما يستحقه من مكانة أدبية تقديرا لجهده وفكره على الأقل و كلنا يعلم ان بعض الكتاب يشترون نسخ كتبهم ليقال انها باعت ٣٠٠ الف نسخة اما الكاتب الصادق فستأخذه الصعوبات للوصول الى ذلك في عالمنا العربي الذي لم يعد يقرأ كما كان في السابق .
الكتابة للطفل
لا ادري لماذا اخترت الطريق الصعب وهو الكتابة للأطفال ام ان الطريق هو الذي اختارني؟، لكن المحصلة النهائية هي ان شرعت للكتابة للاطفال دونما وجود رعاية من دور النشر ظللت اكافح لأثبت وجودي في هذا المجال لإيماني بدوره في تنمية النشء الصغير بأهمية القراءة وتنمية خياله وذوقه ووجدانه، وللأسف فان كاتب الأطفال يصطدم في عالمنا العربي بقلة المقروئية، فبحسب منظمة اليونيسكو فإن الطفل العربي يقرأ بمعدل سبع دقائق سنويا، خارج المنهج الدراسي، فيما يقرأ الطفل الأميركي ست دقائق يوميا.
فكتاب الأطفال لا يجدون من يروج لأعمالهم من ناحية كما انهم يفتقرون الى وجود نقاد متخصصين ينيرون الطريق ويعملون على تنميته واثرائه، بجانب ان الساحة الثقافية تتعامل مع كتاب الأطفال على انهم كتاب من الدرجة الثانية.
ولعله مما ساهم في تعقد الكتاب للأطفال وعزوف الأطفال عن قراءة كتبهم القصص المخصصة لهم رغم احتوائها على كافة عناصر الاثارة والتشويق والألوان والاسطورة والألعاب وغيرها، هو تأثرهم بالثقافة الإلكترونية والألعاب الاليكترونية المختلفة على الشبكة العنكبوتية وعلى أجهزة الهواتف المحمولة. اضافة الى ان الكثير من الاطفال في عالمنا العربي ودعوا طفولتهم و قفزوا الى عالم الكبار عبر مشاهدة برامج الكبار او حتى قراءة كتب الكبار و بعض الاطفال فقدوا طفولتهم بسبب الحروب و النزوح والظروف السيئة و لا ننسى ان بعض اطفال العائلات من الطبقة (العليا من الناحية المادية )فقدوا طفولتهم لأسباب تربوية و بيئية و كل هذا يصب في خانة تردي أدب الطفل بعلاقة طردية
وهنا لا سبيل للنهوض بثقافة الطفل والكتابة اليه بدون دعم المؤسسات الثقافية الإعلامية المتخصصة على توفر له أيضا حضورا كبيرا في المكتبات اسوة بكتب الكبار.
أزمات دور النشر
ورغم معناة الكتاب في نشر أعمالهم الا ان دور النشر نفسها باتت تعاني هي الأخرى من أزمات مالية طاحنة جعلتها غير قادرة على القيام بدورها الرئيسي في نشر الابداع مقارنة بالماضي بسبب عمليات قرصنة الكتب مما يؤثر على إيرادات دور النشر.
ولعلي أدعو في هذا الصدد الى ضرورة التوصل الى آلية قانونية عربية توفر سبلا عملية لملاحقة قراصنة الكتب وتغليظ العقوبات القانونية بحقهم، وانني لأدعو الحكومات العربية ورجال الاعمال بتخصيص جزء مهم من استثماراتهم في بناء الانسان العربي عبر دعم مشروعات الابداع والفكر بما يساعد المؤلف على مواصلة رحلته في الابداع.
فرغم اتساع حقول النشر، الا ان المبدع العربي يواجه تحديات مستمرة، خاصة بين الجيل الجديد من الشباب المهتم بالمعرفة عبر البحث على الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعله يعزف عن الكتب المطبوعة، الامر الذي أصاب المبدعين وكل العاملين في حقل النشر بخسائر فادحة.
وفي تقديري ان الحكومات العربية مطالبة بالاهتمام بأصحاب العلم والفكر والادب مثلما كان يفعل الخليفة المأمون، حين يعطي قيمة الكتاب ذهبا فكثر عدد المبدعين في تلك الأيام، أما الآن فالاهتمام منصب على محترفي كرة القدم والمواهب الغنائية والتمثيلية فقط.
كما ان المؤسسات الثقافية الرسمية في بلادنا العربية تعاني من النقص الحاد في تمويل المشروعات الثقافية ودعم الكتاب والمساهمة في نشر ابداعهم مقارنة بنظيراتها في العالم المتقدم.