بعضها قنابل موقوتة في بيوتا
حكايات الجدات المليئة بالخيال والمتعة والمغامرة لعبت دورا محوريا في تنشئة الطفل العربي والشرقي بشكل أوسع قديما، وغرست في نفسه كل القيم الأخلاقية التي يتوجب غرسها في هذه السن الصغيرة. والجميل في الأمر أن هذه الحكايات قدمتها الجدات بعناصر جذب مسلية ومتعة للأطفال لأنها كانت تحكي شبه مغناة.
ومع تطور العصور اختفت حكايات الجدات وحلت مكانها برامج وعرائس متحركة وسينما الأطفال التي كانت تقدم في بداياتها كفن راقٍ وجذاب للأطفال لتحل الثقافة البصرية المشاهدة محل نظيرتها الشفهية للجدات .
وبرزت برامج راقية عملت على تعليم الأطفال منظومة القيم الأخلاقية والدينية ورفعت مستوى التلقي للفنون والثقافة للطفل العربي في بدايات الاذاعة العربية وبابا شارو و" أبلة فضيلة" في مصر، ثم البرامج التليفزيونية الناجحة مثل "افتح يا سمسم" في الخليج والمناهل في الأردن وبرنامج كيف وليش وغيرها كلها تجارب ناجحة .
ومن يفتش في التاريخ المعاصر ويرجع الزمن للوارء في ثلاثنيات القرن الماضي وتحديدا عام 1936، حيث شهدت مصر ولادة أول فيلم للرسوم المتحركة وهو "مفيش فايدة " للإخوة فرانكلين، واللذين انتجا 30 فيلما للرسوم المتحركة فى مصر واخترعوا شخصية "مشمش أفندي"، وهاجروا لفرنسا وحرفوا اسم مشمش وجعلوه "مميش" في الأفلام الفرنسية .
وكذلك كانت تجربة تلفزيون بغداد في تقديم تجارب رائدة في فنون الطفل عبرالعديد من البرامج الشيقة التي تربت عليها أجيال مختلفة بدءا من اول برنامج "عمو زكي" في خمسينيات وستنيات القرن الماضي ثم تطورها بالعديد من البرامج في العقود اللاحقة مثل برنامج "افتح ياسمسم " وبرنامج " حكايات الجمعة " الذي كان يقدم قصص شيقة تربوية وجمالية للاطفال ومسلسلات الكرتون مثل "سينان" و"بسمة وعبده" و"سينما الاطفال" بجانب شخصية "قراقوز" تلك اللعبة التي تمسك بالاصابع ويقدم من خلالها نقدا اجتماعيا للسلوك الانساني .. وغيرها .
فلماذا لم يبنِ العرب على شخصية (مشمش) او"قراقوز" أو يطورهما منذ ذلك التاريخ؟، ولماذا انتظرنا كل هذه السنوات حتى تغزونا امريكا واوربا والمترجمة عن الكورية بافلامهم التي بعضها رائع وبعضها دمرت اخلاق اطفالنا؟، خاصة وان معظم شركات انتاج الكرتون لا تعتني بالقيم والمفاهيم الشرقية سواء الإسلامية أو المسيحية لأن أكثر من 90% من أصحابها من أصحاب الأجندات العدائية، ولا تهتم إلا بالربح المادي.
محاولة المجلس العربي للطفولة
انتبه المجلس العربي للطفولة والتنمية لخطورة الافلام الكرتونية والمدبلجة الغربية على قيم الطفولة العربية، فنظم في التسعينات مسابقة لابتكار وتصميم شخصية كرتونية للطفل العربي تستمد مقوماتها من البيئة العربية والشرق اوسطية ويجد فيها الطفل ما يشبع متعته النفسية وتلبي حاجاته الإجتماعية يكتسب من أبطالها المثل العليا والمعاني الإنسانية وتكون بديلا عن الشخصيات الكرتونية الأجنبية بما تحمله من قيم مغايرة للمجتمع العربي الإسلامي والعربي المسيحي، ولكن للأسف فإن التجربة لم يكتب لها الاستمرار والنجاح، ورغم كثرة الفنانيين والفنانات والمخرجين المتخصصين في افلام التحريك والكرتون الا انهم يقفون عاجزين عن تقديم أعمال فنية تشبع احتياجات الطفل العربي، والسبب ـ كما يقول المتخصصون في الصناعة ـ هو قلة الانتاج العربي نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب التمويل اللازم لتطوير صناعته وفشلنا في ابتكار وسائل تسويقه .
اليونسكو يحذر
أما الدرسات التي أجرتها منظمة اليونسكو العالمية علي تأثير التليفزيون على عقلية الطفل فقد اكدت نتائجها على أن الكرتون إذا زادت مدة مشاهدته عن الحد المعقول قد يمنع الأطفال من ممارسة الأنشطة الحركية والثقافية الأخرى وتحرمهم من التفاعل والتواصل الاجتماعي وتزداد احتمالات إصابتهم بالبدانة وبالانطواء النفسي، إلا أنني أضيف من وجهة نظري أنها بالمقابل تقوي اللغة وتضيف بعدا إنسانيا للطفل كما تزيد من معلوماته وايضا حسه الفني والموسيقي وايضا تعرفه على الفنيات والجماليات بالرسوم والألوان والديكور فكل شيء حسب استخدامه.
وبالدفة الثانية اثبتت الدراسات أن الطفل يتأثر بالشخصيات التي تعرض أمامه الى حد الإدمان والتعلق الشديد به ولهذا يجب اختيار الشخصيات بحرص كقدوة ونموذج يحتذى به؛ لأن قضاء الطفل أطول فترة أمامه يجعله يتقمص هذه الشخصيات ومن ثم احتمال التمرد على أوامر الوالدين التي قد تحرمهم من متابعته، والانفصال عن الواقع والقيم والتقاليد .. نتيجة العيش في عالم مبهر بعيد عن الواقع وتسارع التقنية الحديثه والإعلام الحديث، كما أثبتت معظم الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة أن الإدمان على مشاهدة الرسوم المتحركة يؤدي -حتما- إلى انحراف الطفل فكريا وسلوكيا. وقد يتجاوز ذلك إلى تمييع أخلاقه وصرفه عن عادات مجتمعه وتقاليده الاجتماعية .
ومن هنا أقول انه يجب انتقاء ما يشاهده طفلك على شاشة التلفزيون وتحديد مدة الجلوس أمام هذه الشاشة.
تخريب اخلاقي
يذكر د. عبد العزيز الاحمد وهو أحد المتخصصين في هذاالمجال، أنه بعد دراسة 500 فيلم طويل وجد أن 73% من الأفلام تكون في الغالب رعب وجريمة وعلاقات غير سوية، وانها تقدم في قالب برئ وجذاب ويكمن بداخله الشر كله .
فهذه الافلام الكرتونية تعمل على زعزعة عقيدة الطفل في الله وكدارسة في علم النفس أؤكد على ضرورة شعور الطفل بالأمان والاطمئنان النفسي من خلال ارتباطه الوجداني والروحاني بفكرة الإيمان وان الله هو الحامي ولهذا ليس فقط من مفهوم ديني، بل ونفسي أيضا يحتاج الطفل إلى الإيمان، للأسف في بعض افلام الكرتون مثل (البوكيمون) تنشر الأفكار الباطلة مثل النشوء والتطور التي تزعم بأن الانسان خلق في بدايته قردا ثم تطور لصورته الانسانية الراهنة، حيث يتحد البوكيمون مع الحيونات لينتج كائنا جديدا، وهو فكر يخالف تكريم البارئ جل شأنه لبني آدم .
كما نجد مثلا في فيلم (سندريلا) والتي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة تساعد سندريلا على حضور حفلة الملك، شخصية السندريلا المبهرة التي قدمت بها وما قدم من خلالها قصة حب راقية بين السندريلا والأمير بشكل رومانسي جذاب في قالب محترم لعلاقة عاطفية صادقة تتفق مع تقاليدنا الشرقية وعاداتنا أيضا تزرع الخير في القلوب وتؤكد أن الله ينصف المظلوم ولو بعد حين، فسندريلا ابنة رجل من النبلاء كريمة الأصل جميلة الشكل والقلب تعذبت كثيرا في حياتها لكنها لم تفقد طيبتها وبرائتها مع الناس والحيوانات ولهذا اكرمها الله بالنهاية، لكن بعض افلام الكرتون الأخرى الحديثة تروج للأطفال قصص حب لا تتناسب مع عاداتنا وقيمنا واخلاقياتنا عكس قصة السندريلا.
وتحفل برامج وافلام الكرتون الغربية بالعديد من عناصر نشر الرعب والخوف في نفوس الصغار من خلال مادة درامية مليئة بالاجرام والعنف لكنها تقدم في قالب مشوق جذاب يستمتع بها الطفل العربي وتغرس في تنشئته وتكوينه النفسي فيما بعد، كل هذا لا يعني رفض لأفلام الكرتون والأعمال والبرامج التي تقدم من خلالها ولكن يجب علينا ان نركز فيما يقدم، احيانا يقدم السم في العسل علينا ان ندقق ونعرف كل ما يقدم لأطفالنا وهل هو متفق مع عاداتنا وتقاليدنا الشرق اوسطية ويتفق مع ما جاء في كافة الشرائع السماوية والكتب المتفق عليها كمراجع اخلاقية ومناهج حياة سوية يتفق مع مجتمعاتنا الشرق اوسطية، وعلينا ان نعترف ان الكرتون عمل فني جميل يبهر ويجذب الطفل وممكن من خلاله ان نوصل رسائلنا وما نريد ان نعلمه لأجيال المستقبل من اطفالنا وان ننشأهم النشئة السليمة بثقافة مستنيرة لنخلق اجيال تستطيع ان تتحمل وتتسلم الراية من بعدنا لتواصل البناء .
ورفضي لبعض افلام الكرتون التي تعمل على تحريف القدوة، عبر جعل الأبطال الأسطوريين رمز القدوة، بدلا من أبطال واقعين، فبعد الشخصية الكرتونية عن الواقع يجعل الطفل يستبعد أن يصل لهذه الشخصية فيفقد فكرة القدوة، فالأطفال صاروا يقلدون الرجل الخارق Super man، والرجل الوطواط Batman والرجل العنكبوت Spider man، وغيرها من الشخصيات الوهمية ، فتضيع القدوة في عالم القوة الخيالية.
أنا مع الخيال وهو مطلوب فنحن ننادي ان نطلق لأطفال آفاق اوسع للتخيل وقد قدمت الخيال في عدد من اعمالي الأدبية مثل "المكعب الأسود" والذي سيطبع قريبا من خلاله اوجدت شخصية خيالية تسرد الأحداث من خلالها كوسيلة جذب لتوصيل رسالتي وهدفي من العمل الأدبي، فأنا اطالب بالخيال ولكن يجب ان نعرف العمر الذي يقدم له العمل الذي يعتمد على الخيال فكل عمل لا بد ان يكون لفئة عمرية مختلفة فمثلا لو قدمت شخصية باتمان لطفل عمره 5 سنوات فهي غير مناسبة له وخطرا عليه لأنه ممكن ان يقوم بتقليدها مما يعرض حياته للخطر، ولكن لو قدت العمل الفني "باتمان" للفئة العمرية اكبر من 13عاما ستكون مناسبة له ولن يقوم بتقليدها لإدراكه ومعرفته بانها شخصية خيالية غير قابلة للتقليد .
أغلب القوانين بالدول الغربية تطالب ان يكتب على العمل الأدبي المرحلة العمرية التي يوجه لها العمل وانا اتفق مع ذلك، ولكني أرى انه من باب اولى أن يكتب على العمل الفني من الأفلام والبرامج والأعمال الكرتونية المرحلة العمرية التي يخاطبها العمل للخطورة الكبيرة لأنه يوجد اعمال يمكن ان تكون مناسبة لأعمار ولا تناسب أعمار اخرى وهذا مهم بدرجة كبيرة فى رأيي .
فأبطال بعض الافلام يوقفون الزمن، ويذهبون إلى المستقبل، جريا وراء أفكار غريبة فيُحاول الطِّفل تقليدهم، ويفشل فيضغط على أعصابه ليصاب بالفشل، أو يُصِر على تقليدِهم فيلجأ للعنف فيعرض حياته للخطر؛ لأنه قد يطير أو يقفز مِن النافذة دون وعْيٍ بما يفعله .
وخلصت نتائج الدرسات الاجتماعية التي اجريت على الاطفال الذين يشهدون أفلام الكرتون، الى ان هذه الافلام والبرامج تُنَمِّي لدى الطفل نزعات عنفٍ وعدوانية؛ والانفصال عن الواقع؛ نتيجة العيش في عالم مبهر جذَّاب غير واقعي، وان الأطفال دون سن الـ ٨ سنوات لا يفرقون بين الخيال والواقع فيشاهدون الكرتون ليقتدوا به، ويقلدوه وهو ما ذكرته انه يوجد اعمالا تناسب الاعمار الصغيرة التي تقل عن 8 سنوات مثل الرجل العنكبوت والرجل الخارق .
وتسبب كثرة مشاهدة العنف في هذه الافلام الى اصابة الاطفال باضطراباتٍ كثيرةً في النوم؛ وتعرضهم لكوابيس، قلق فيفقدون النشاط بجانب تعرضهم لمخاطر العزلة وتقليل الاحتكاك بالأسرة، وتكوين علاقات خارجيَّة يتعلم من خلالها الكذب، ويتعوَّد على الكسل لجلوسه لفترات طويلة أمام التلفاز بدون حركة، ممايصيبه بالسمنة أو النحافة .
سلاح الكارتون .. درس أمريكي!
في المقابل نجد امريكا رغم انها صانعة لأغلب أفلام الكرتون قد حددت عدد الساعات المسموح بها لمشاهدة الكرتون للاطفال وهي ساعتين اسبوعيا فقط.
لا يغفل عاقل حقيقة أن فن الكرتون حقيقة فنية لا يمكن تجاوزها او منع الاطفال من مشاهدتها خاصة وان لها ايضا فوائد مهمة في التنشئة اذا ما نجحنا في استثمارها، ومنها: انها توسع أفق التفكير لدي الأطفال وتكرس بعض القيم الإيجابية في نفوس الأطفال مثل التعاون، والصداقة، والأمانة والأخوة وتوضيح بعض المفاهيم التي يركز عليها الطفل في هذه المرحلة، مثل: الخير والشر، والصدق والكذب، وأيضا تنمية المعرفة والقدرة على الابتكار والتفكير، كما تساعد بعض الرسوم المتحركة الحديثة الطفل على اكتساب الصفات الإنسانية الجيدة وتنمي شخصيته، ومن سلبيات الكثير من أفلام الكرتون أن يكتسب الطفل بعض الصفات ولكنها تتحول ايضا لسلاح قاتل اذا ما شاهد الطفل في افلامها الجريمة والعنف والاقتتال .
الأمل..
لا أمل لدينا في الحفاظ على الطفولة العربية الشرقية من المحو الحضاري الذي تبثه افلام الكرتون الغربية سوى بذل الجهود الحكومية والاجتماعية على مستوى المجتمع والافراد والمؤسسات في تبني مشروعات فنية عربية شرقية لانتاج افلام كرتون تستطيع المنافسة عالميا وهو ما يمكن تحقيقه باعطاء حوافز لمنتجي افلام الكبار لتشجيعهم على دخول هذه الصناعة مثل الاعفاء من الضرائب وحفز دور العرض لتقديم كرتون عربي للاطفال يقبل رياض الاطفال طلاب المدراس الصغار عبر تنظيم رحلات اسبوعية او شهرية لهم وتشجيع الفضائيات العربية على انتاج هذا اللون الفني وحفز الرعاة والمعلنين بخفض نسبة الاعلان في برامج الاطفال وغيرها من الوسائل التي تسهم في انتاج كرتون عربي يحمل قيم تراثنا العربي والاسلامي وتشجيع الكتاب والمبدعين على كتابة اعمال ادبية بها شخصيات تكون قدوة نقدم من خلالها رسالة التى نريد ان نعلمها لأطفالنا بعيدا عن الأعمال المدبلجة والمترجمة البعيدة عن قيمنا واخلاقياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وان نحدد المرحلة العمرية لكل عمل فني نقدمه مثلما نحدد على كتاب الطفل تماما .
وكما ينصح المتخصصون فان الاسرة مطالبة بتحديد ساعات مشاهدة الطفل للتلفاز الى ساعتين متقطعين في اليوم، على ان تتابع الأم ما يشاهده الطفل من أفلام، والتحاور معه لتصحح له لافكار المغلوطة وتبرز له الفرق بين الخيال والواقع وتجيب عن كل ما يدور في عقل الطفل من اسئلة تحتاج لإجابات شافية بصورة مبسطة وسليمة .
أما المؤسسات التربوية والاجتماعية المحتلفة، فهي مطالبة بتحفيز الطفل لاكتساب الهوايات والمهارات الحياتية مع تشجيع الطفل على اللعب مع اقرانه داخل رياض الاطفال ومع ابناء الجيران وفي النوادي وفي المدراس لتكوين علاقات انسانية اكثر تفاعلا، لا سيما في القراءة والمطالعة
حكايات الجدات المليئة بالخيال والمتعة والمغامرة لعبت دورا محوريا في تنشئة الطفل العربي والشرقي بشكل أوسع قديما، وغرست في نفسه كل القيم الأخلاقية التي يتوجب غرسها في هذه السن الصغيرة. والجميل في الأمر أن هذه الحكايات قدمتها الجدات بعناصر جذب مسلية ومتعة للأطفال لأنها كانت تحكي شبه مغناة.
ومع تطور العصور اختفت حكايات الجدات وحلت مكانها برامج وعرائس متحركة وسينما الأطفال التي كانت تقدم في بداياتها كفن راقٍ وجذاب للأطفال لتحل الثقافة البصرية المشاهدة محل نظيرتها الشفهية للجدات .
وبرزت برامج راقية عملت على تعليم الأطفال منظومة القيم الأخلاقية والدينية ورفعت مستوى التلقي للفنون والثقافة للطفل العربي في بدايات الاذاعة العربية وبابا شارو و" أبلة فضيلة" في مصر، ثم البرامج التليفزيونية الناجحة مثل "افتح يا سمسم" في الخليج والمناهل في الأردن وبرنامج كيف وليش وغيرها كلها تجارب ناجحة .
ومن يفتش في التاريخ المعاصر ويرجع الزمن للوارء في ثلاثنيات القرن الماضي وتحديدا عام 1936، حيث شهدت مصر ولادة أول فيلم للرسوم المتحركة وهو "مفيش فايدة " للإخوة فرانكلين، واللذين انتجا 30 فيلما للرسوم المتحركة فى مصر واخترعوا شخصية "مشمش أفندي"، وهاجروا لفرنسا وحرفوا اسم مشمش وجعلوه "مميش" في الأفلام الفرنسية .
وكذلك كانت تجربة تلفزيون بغداد في تقديم تجارب رائدة في فنون الطفل عبرالعديد من البرامج الشيقة التي تربت عليها أجيال مختلفة بدءا من اول برنامج "عمو زكي" في خمسينيات وستنيات القرن الماضي ثم تطورها بالعديد من البرامج في العقود اللاحقة مثل برنامج "افتح ياسمسم " وبرنامج " حكايات الجمعة " الذي كان يقدم قصص شيقة تربوية وجمالية للاطفال ومسلسلات الكرتون مثل "سينان" و"بسمة وعبده" و"سينما الاطفال" بجانب شخصية "قراقوز" تلك اللعبة التي تمسك بالاصابع ويقدم من خلالها نقدا اجتماعيا للسلوك الانساني .. وغيرها .
فلماذا لم يبنِ العرب على شخصية (مشمش) او"قراقوز" أو يطورهما منذ ذلك التاريخ؟، ولماذا انتظرنا كل هذه السنوات حتى تغزونا امريكا واوربا والمترجمة عن الكورية بافلامهم التي بعضها رائع وبعضها دمرت اخلاق اطفالنا؟، خاصة وان معظم شركات انتاج الكرتون لا تعتني بالقيم والمفاهيم الشرقية سواء الإسلامية أو المسيحية لأن أكثر من 90% من أصحابها من أصحاب الأجندات العدائية، ولا تهتم إلا بالربح المادي.
محاولة المجلس العربي للطفولة
انتبه المجلس العربي للطفولة والتنمية لخطورة الافلام الكرتونية والمدبلجة الغربية على قيم الطفولة العربية، فنظم في التسعينات مسابقة لابتكار وتصميم شخصية كرتونية للطفل العربي تستمد مقوماتها من البيئة العربية والشرق اوسطية ويجد فيها الطفل ما يشبع متعته النفسية وتلبي حاجاته الإجتماعية يكتسب من أبطالها المثل العليا والمعاني الإنسانية وتكون بديلا عن الشخصيات الكرتونية الأجنبية بما تحمله من قيم مغايرة للمجتمع العربي الإسلامي والعربي المسيحي، ولكن للأسف فإن التجربة لم يكتب لها الاستمرار والنجاح، ورغم كثرة الفنانيين والفنانات والمخرجين المتخصصين في افلام التحريك والكرتون الا انهم يقفون عاجزين عن تقديم أعمال فنية تشبع احتياجات الطفل العربي، والسبب ـ كما يقول المتخصصون في الصناعة ـ هو قلة الانتاج العربي نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب التمويل اللازم لتطوير صناعته وفشلنا في ابتكار وسائل تسويقه .
اليونسكو يحذر
أما الدرسات التي أجرتها منظمة اليونسكو العالمية علي تأثير التليفزيون على عقلية الطفل فقد اكدت نتائجها على أن الكرتون إذا زادت مدة مشاهدته عن الحد المعقول قد يمنع الأطفال من ممارسة الأنشطة الحركية والثقافية الأخرى وتحرمهم من التفاعل والتواصل الاجتماعي وتزداد احتمالات إصابتهم بالبدانة وبالانطواء النفسي، إلا أنني أضيف من وجهة نظري أنها بالمقابل تقوي اللغة وتضيف بعدا إنسانيا للطفل كما تزيد من معلوماته وايضا حسه الفني والموسيقي وايضا تعرفه على الفنيات والجماليات بالرسوم والألوان والديكور فكل شيء حسب استخدامه.
وبالدفة الثانية اثبتت الدراسات أن الطفل يتأثر بالشخصيات التي تعرض أمامه الى حد الإدمان والتعلق الشديد به ولهذا يجب اختيار الشخصيات بحرص كقدوة ونموذج يحتذى به؛ لأن قضاء الطفل أطول فترة أمامه يجعله يتقمص هذه الشخصيات ومن ثم احتمال التمرد على أوامر الوالدين التي قد تحرمهم من متابعته، والانفصال عن الواقع والقيم والتقاليد .. نتيجة العيش في عالم مبهر بعيد عن الواقع وتسارع التقنية الحديثه والإعلام الحديث، كما أثبتت معظم الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة أن الإدمان على مشاهدة الرسوم المتحركة يؤدي -حتما- إلى انحراف الطفل فكريا وسلوكيا. وقد يتجاوز ذلك إلى تمييع أخلاقه وصرفه عن عادات مجتمعه وتقاليده الاجتماعية .
ومن هنا أقول انه يجب انتقاء ما يشاهده طفلك على شاشة التلفزيون وتحديد مدة الجلوس أمام هذه الشاشة.
تخريب اخلاقي
يذكر د. عبد العزيز الاحمد وهو أحد المتخصصين في هذاالمجال، أنه بعد دراسة 500 فيلم طويل وجد أن 73% من الأفلام تكون في الغالب رعب وجريمة وعلاقات غير سوية، وانها تقدم في قالب برئ وجذاب ويكمن بداخله الشر كله .
فهذه الافلام الكرتونية تعمل على زعزعة عقيدة الطفل في الله وكدارسة في علم النفس أؤكد على ضرورة شعور الطفل بالأمان والاطمئنان النفسي من خلال ارتباطه الوجداني والروحاني بفكرة الإيمان وان الله هو الحامي ولهذا ليس فقط من مفهوم ديني، بل ونفسي أيضا يحتاج الطفل إلى الإيمان، للأسف في بعض افلام الكرتون مثل (البوكيمون) تنشر الأفكار الباطلة مثل النشوء والتطور التي تزعم بأن الانسان خلق في بدايته قردا ثم تطور لصورته الانسانية الراهنة، حيث يتحد البوكيمون مع الحيونات لينتج كائنا جديدا، وهو فكر يخالف تكريم البارئ جل شأنه لبني آدم .
كما نجد مثلا في فيلم (سندريلا) والتي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة تساعد سندريلا على حضور حفلة الملك، شخصية السندريلا المبهرة التي قدمت بها وما قدم من خلالها قصة حب راقية بين السندريلا والأمير بشكل رومانسي جذاب في قالب محترم لعلاقة عاطفية صادقة تتفق مع تقاليدنا الشرقية وعاداتنا أيضا تزرع الخير في القلوب وتؤكد أن الله ينصف المظلوم ولو بعد حين، فسندريلا ابنة رجل من النبلاء كريمة الأصل جميلة الشكل والقلب تعذبت كثيرا في حياتها لكنها لم تفقد طيبتها وبرائتها مع الناس والحيوانات ولهذا اكرمها الله بالنهاية، لكن بعض افلام الكرتون الأخرى الحديثة تروج للأطفال قصص حب لا تتناسب مع عاداتنا وقيمنا واخلاقياتنا عكس قصة السندريلا.
وتحفل برامج وافلام الكرتون الغربية بالعديد من عناصر نشر الرعب والخوف في نفوس الصغار من خلال مادة درامية مليئة بالاجرام والعنف لكنها تقدم في قالب مشوق جذاب يستمتع بها الطفل العربي وتغرس في تنشئته وتكوينه النفسي فيما بعد، كل هذا لا يعني رفض لأفلام الكرتون والأعمال والبرامج التي تقدم من خلالها ولكن يجب علينا ان نركز فيما يقدم، احيانا يقدم السم في العسل علينا ان ندقق ونعرف كل ما يقدم لأطفالنا وهل هو متفق مع عاداتنا وتقاليدنا الشرق اوسطية ويتفق مع ما جاء في كافة الشرائع السماوية والكتب المتفق عليها كمراجع اخلاقية ومناهج حياة سوية يتفق مع مجتمعاتنا الشرق اوسطية، وعلينا ان نعترف ان الكرتون عمل فني جميل يبهر ويجذب الطفل وممكن من خلاله ان نوصل رسائلنا وما نريد ان نعلمه لأجيال المستقبل من اطفالنا وان ننشأهم النشئة السليمة بثقافة مستنيرة لنخلق اجيال تستطيع ان تتحمل وتتسلم الراية من بعدنا لتواصل البناء .
ورفضي لبعض افلام الكرتون التي تعمل على تحريف القدوة، عبر جعل الأبطال الأسطوريين رمز القدوة، بدلا من أبطال واقعين، فبعد الشخصية الكرتونية عن الواقع يجعل الطفل يستبعد أن يصل لهذه الشخصية فيفقد فكرة القدوة، فالأطفال صاروا يقلدون الرجل الخارق Super man، والرجل الوطواط Batman والرجل العنكبوت Spider man، وغيرها من الشخصيات الوهمية ، فتضيع القدوة في عالم القوة الخيالية.
أنا مع الخيال وهو مطلوب فنحن ننادي ان نطلق لأطفال آفاق اوسع للتخيل وقد قدمت الخيال في عدد من اعمالي الأدبية مثل "المكعب الأسود" والذي سيطبع قريبا من خلاله اوجدت شخصية خيالية تسرد الأحداث من خلالها كوسيلة جذب لتوصيل رسالتي وهدفي من العمل الأدبي، فأنا اطالب بالخيال ولكن يجب ان نعرف العمر الذي يقدم له العمل الذي يعتمد على الخيال فكل عمل لا بد ان يكون لفئة عمرية مختلفة فمثلا لو قدمت شخصية باتمان لطفل عمره 5 سنوات فهي غير مناسبة له وخطرا عليه لأنه ممكن ان يقوم بتقليدها مما يعرض حياته للخطر، ولكن لو قدت العمل الفني "باتمان" للفئة العمرية اكبر من 13عاما ستكون مناسبة له ولن يقوم بتقليدها لإدراكه ومعرفته بانها شخصية خيالية غير قابلة للتقليد .
أغلب القوانين بالدول الغربية تطالب ان يكتب على العمل الأدبي المرحلة العمرية التي يوجه لها العمل وانا اتفق مع ذلك، ولكني أرى انه من باب اولى أن يكتب على العمل الفني من الأفلام والبرامج والأعمال الكرتونية المرحلة العمرية التي يخاطبها العمل للخطورة الكبيرة لأنه يوجد اعمال يمكن ان تكون مناسبة لأعمار ولا تناسب أعمار اخرى وهذا مهم بدرجة كبيرة فى رأيي .
فأبطال بعض الافلام يوقفون الزمن، ويذهبون إلى المستقبل، جريا وراء أفكار غريبة فيُحاول الطِّفل تقليدهم، ويفشل فيضغط على أعصابه ليصاب بالفشل، أو يُصِر على تقليدِهم فيلجأ للعنف فيعرض حياته للخطر؛ لأنه قد يطير أو يقفز مِن النافذة دون وعْيٍ بما يفعله .
وخلصت نتائج الدرسات الاجتماعية التي اجريت على الاطفال الذين يشهدون أفلام الكرتون، الى ان هذه الافلام والبرامج تُنَمِّي لدى الطفل نزعات عنفٍ وعدوانية؛ والانفصال عن الواقع؛ نتيجة العيش في عالم مبهر جذَّاب غير واقعي، وان الأطفال دون سن الـ ٨ سنوات لا يفرقون بين الخيال والواقع فيشاهدون الكرتون ليقتدوا به، ويقلدوه وهو ما ذكرته انه يوجد اعمالا تناسب الاعمار الصغيرة التي تقل عن 8 سنوات مثل الرجل العنكبوت والرجل الخارق .
وتسبب كثرة مشاهدة العنف في هذه الافلام الى اصابة الاطفال باضطراباتٍ كثيرةً في النوم؛ وتعرضهم لكوابيس، قلق فيفقدون النشاط بجانب تعرضهم لمخاطر العزلة وتقليل الاحتكاك بالأسرة، وتكوين علاقات خارجيَّة يتعلم من خلالها الكذب، ويتعوَّد على الكسل لجلوسه لفترات طويلة أمام التلفاز بدون حركة، ممايصيبه بالسمنة أو النحافة .
سلاح الكارتون .. درس أمريكي!
في المقابل نجد امريكا رغم انها صانعة لأغلب أفلام الكرتون قد حددت عدد الساعات المسموح بها لمشاهدة الكرتون للاطفال وهي ساعتين اسبوعيا فقط.
لا يغفل عاقل حقيقة أن فن الكرتون حقيقة فنية لا يمكن تجاوزها او منع الاطفال من مشاهدتها خاصة وان لها ايضا فوائد مهمة في التنشئة اذا ما نجحنا في استثمارها، ومنها: انها توسع أفق التفكير لدي الأطفال وتكرس بعض القيم الإيجابية في نفوس الأطفال مثل التعاون، والصداقة، والأمانة والأخوة وتوضيح بعض المفاهيم التي يركز عليها الطفل في هذه المرحلة، مثل: الخير والشر، والصدق والكذب، وأيضا تنمية المعرفة والقدرة على الابتكار والتفكير، كما تساعد بعض الرسوم المتحركة الحديثة الطفل على اكتساب الصفات الإنسانية الجيدة وتنمي شخصيته، ومن سلبيات الكثير من أفلام الكرتون أن يكتسب الطفل بعض الصفات ولكنها تتحول ايضا لسلاح قاتل اذا ما شاهد الطفل في افلامها الجريمة والعنف والاقتتال .
الأمل..
لا أمل لدينا في الحفاظ على الطفولة العربية الشرقية من المحو الحضاري الذي تبثه افلام الكرتون الغربية سوى بذل الجهود الحكومية والاجتماعية على مستوى المجتمع والافراد والمؤسسات في تبني مشروعات فنية عربية شرقية لانتاج افلام كرتون تستطيع المنافسة عالميا وهو ما يمكن تحقيقه باعطاء حوافز لمنتجي افلام الكبار لتشجيعهم على دخول هذه الصناعة مثل الاعفاء من الضرائب وحفز دور العرض لتقديم كرتون عربي للاطفال يقبل رياض الاطفال طلاب المدراس الصغار عبر تنظيم رحلات اسبوعية او شهرية لهم وتشجيع الفضائيات العربية على انتاج هذا اللون الفني وحفز الرعاة والمعلنين بخفض نسبة الاعلان في برامج الاطفال وغيرها من الوسائل التي تسهم في انتاج كرتون عربي يحمل قيم تراثنا العربي والاسلامي وتشجيع الكتاب والمبدعين على كتابة اعمال ادبية بها شخصيات تكون قدوة نقدم من خلالها رسالة التى نريد ان نعلمها لأطفالنا بعيدا عن الأعمال المدبلجة والمترجمة البعيدة عن قيمنا واخلاقياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وان نحدد المرحلة العمرية لكل عمل فني نقدمه مثلما نحدد على كتاب الطفل تماما .
وكما ينصح المتخصصون فان الاسرة مطالبة بتحديد ساعات مشاهدة الطفل للتلفاز الى ساعتين متقطعين في اليوم، على ان تتابع الأم ما يشاهده الطفل من أفلام، والتحاور معه لتصحح له لافكار المغلوطة وتبرز له الفرق بين الخيال والواقع وتجيب عن كل ما يدور في عقل الطفل من اسئلة تحتاج لإجابات شافية بصورة مبسطة وسليمة .
أما المؤسسات التربوية والاجتماعية المحتلفة، فهي مطالبة بتحفيز الطفل لاكتساب الهوايات والمهارات الحياتية مع تشجيع الطفل على اللعب مع اقرانه داخل رياض الاطفال ومع ابناء الجيران وفي النوادي وفي المدراس لتكوين علاقات انسانية اكثر تفاعلا، لا سيما في القراءة والمطالعة