ثقافة القطيع بمواقع التواصل مسخت هوية الانسان ودمرت حريته
بقلم / سارة السهيل
لعبت وسائل الاعلام التقليدية بدورها قديما في تشكيل وعي الفرد وتغيير اتجاهاته الفكرية والاجتماعية لتبني افكار الحداثة وما بعدها مع التكريس للحفاظ على الانظمة السياسية بشكل مقبول ، ومع تحول المجتمعات البشرية لعصر تكنولوجيا المعلومات وفضاء الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ، وجد انسان هذا العصر ضالته المنشودة في الحرية والتعبير عن نفسه والتحرر من كل القيود ، فلغي دور الوالدين ، والدين والاعراف الاجتماعية ، دون ان يعي انه قد دخل في نفق مظلم من تيه سيطرة سياسة القطيع ودوامة تلبس الافكار الموجهة من جهات لا يعلمها .
انسان هذا العصر رفض الثوابت كلها اعتراضا وتحديا للفطرة الانسانية ، وقبل طواعية ان يكون فردا في قطيع فضائي افتراضي موجه لا يعرف من يوجهه سوى من رسائل لأشخاص مجهولين يطلقون سمومهم بأسماء مستعارة لتغير الافكار والاتجاهات الاخلاقية والدينية والاجتماعية والسياسية ، حتى بتنا لا نعرف من زماننا سوى ثقافة القطيع حيث يحتشد الجماهير ليبدون رأيهم في مباراة ، وفي الدين بأوهام تغرر بأصحاب القلوب المؤمنة وتشبع فضولهم الديني ، كرسائل دعوة دينية معينة ، ويطلب المرسل من جمهوره ان يرسلها الى عشرة من أصحابه مقابل ان يرى سيدنا ونبينا محمد في المنام !
ملايين الهاشتاجات المثيرة التي تملأ الفضاء الالكتروني ويجري ورائها الشباب والصغار والكبار في لهاث يومي ودائم للتواصل الوهمي مع النجوم والفنانيين والسياسيين والمشهورين وتتبع أخبارهم لحظة بلحظة وتحليلها ومناقشتها ، كأنها مادة خام يتم تفصيلها لصنع احداث وهمية لا تغني ولا تسمن من جوع .
فالقطيع يتناقل الاخبار والهاشتجات ويسوقها بمحض اراداته ، دون ان يدري انه يحقق اهداف من سياسة القطيع و توظيفها باحتراف في نشر الاوهام والاشاعات وشغل الناس بها ، فضمنت بذلك الحكومات العالمية سيطرتها على شعوبها ، بعد ان جردتها من نعمة التفرد والتفكر المستقل الذاتي بعيدا عن اية تبعية لثقافة وسياسة القطيع .
البديع في الأمر ان سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم قد حذرنا قبل 1400 عاما من يساق الانسان فكريا كالبهائم عندما يلغي عقله وينساق لسياسة القطيع ويتبع ثقافة التقليد الاعمي في حديثه : ” لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَا تَظْلِمُوا “.
وللاسف فان سعي انسان هذا الانسان للتحرر قد جره دون وعي للانسياق وراء الاخرين ومحاكاتهم دون تفكير وتقلديهم في المأكل والملبس والمشرب ونمط الحياة ، والنتيجة الطبيعية ظهور شخصيات بشرية ممسوخة من الاخرين فاقدة للهوية والارداة.
وباتت مواقع التواصل الاجتماعي والترندات والبراندات والهاشتجات ادوات رئيسية لحكومات العالم الخفية والظاهرة لتنفيذ مخططات ومؤامرات لتحريك الشعوب وتركيعها على مستوى الفرد والجماعة وتقرير مصيرهم .
بظني ان مواقع التواصل الاجتماعي ليست وسائل للتواصل بقدر ما هي وسائل لاختطاف الانسان من آدميته واختراقه في كل نفس عبر ادوات اعلامية محكمة التأثير كالتي تستخدمها الامهات في التحايل على الاطفال لقبول اخذ الحقن .
هكذا تحقن أدوات التواصل الاجتماعي الشعوب لتخضعهم وتدربهم علي التأقلم مع اي وضع سياسي محلي او عالمي ، وكما ظهر وباء كورونا فعلينا اتباع مجموعة تعليمات واحدة كالجلوس بالبيت و قلة استهلاك المواد من اكل و شرب و كهرباء وغيره !!!
اما التيك توك ، فهو أداة فاعلة جدا في نشر ثقافة التسطيح وتفريغ الانسان من مضمونه العقلي والفكري والوجداني ، وهو فلاتر تغير ملامح الآنسان من الالف الى الياء اذا شفته بالطبيعه ما تعرفه ما لونه ؟ وما جنسه وهويته ؟ !!!
فقط لأجل مواكبة العصر نجري ونلهث وراء الترند، كأنه بحر بلا شطأن على كل البشر ان يعوم فيه دون ان تكون هناك سفينة نتعلق بها عندما نغرق . ولمجرد ان صنع البعض فيديو مثير او مشهد فني او أغنية حتى يجري الكل وراها دون تفكر أو تعقل ، فهذا بيع الوهم عبر سياسة القطيع للافراد والمجتمعات حتى تتعود التقليد الاعمى دون فكر ورؤية، ومن ثم تقرير مصائرها ، وهي بمعزل عن الواقع الحقيقي من ازمات مالية وصحية وسياسية ودينية واخلاقية
فهل آن الاوان لان نفيق لحجم كارثة ضياع فكر الشعوب؟ومن يقود معركة استعادة الوعي باخلاص ؟ وهل سيترك من يقود حملات الوعي ضد ثقافة القطيع دون محاربته ؟
انها قضية العصر نكون او لا نكون فمن يملك شجاعة الحرب الفكرية على جهالة الواقع الافتراضي فليتقدم صفوف الشرفاء والمناضلين .
سارة السهيل