انماط الزواج الفاشلة تهدر حقوق المرأة وتدمر المستقبل
سارة طالب السهيل
يعد الزواج علاقة مقدسة تربط بين الرجل والمرأة، وهي سنة كونية من سنن الله تعالي خلقه وكما قال في محكم التنزيل ” ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون”، غير ان الزواج البشري له قواعد وأسس تستقيم بها البشرية وتنعم بالسعادة والاستقرار عبر دعائم السكن المودة الرحمة، وذلك مصداقا لقوله تعالي : “وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.
وتعظم الاديان السماوية من شأن عقد الزواج خاصة الاسلام الذي يصفه بالميثاق الغليظ، فهو صلة يربط بها الخالق بين نفسي الزوجين، فيجمع قلبيهما في مؤسسة واحدة، وبيت واحد ليكونا معا اسرة مطمئنة آمنة ومجتمعا آمنا سعيدا، وقد حذرنا الله تعالي من عواقب الاخلال بهذا الميثاق الغليظ كما في قوله تعالي: “وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقا غليظا”.
والمـتـأمل في حياة المجتمعات والشعوب خاصة العربية ليجد انها انحرفت كثيرا عن الميثاق الغليظ الذي وضعه الخالق لسعادة مخلوقاته داخل المؤسسة الزوجية وغابت دعائم الاسس الذي تقوم عليها الحياة الزوجية الناجحة الا ما رحم ربي، حيث غابت دعائم السكن والمودة والرحمة امتلأت البيوت بالعنف نتيجة زيجات غير متكافئة ومنها زواج القاصرات، وزواج الاقارب وزواج التبادل، زواج المتعة وزواج النكاح، وكذلك تعدد الزوجات .. وغيرها .
وكل هذه الانواع من الزيجات قد واجهت فشلا ذريعا ودفعت المرأة ثمنا باهظا لها من استقرارها وأمنها، كما يدفع الاطفال الصغار الثمن الاكبر بغياب السكن والرحمة من الابوين وضياع الامن والاستقرار بينهما.
وما تشهده ساحات المحاكم من قضايا وما يشهده المجتمع من ارتفاع نسب الطلاق وزيادة اعداد اطفال الشوارع، لهو اكبر برهان علي ضياع الاسرة وتفككها وضياع مستقبل الاطفال نتيجة غياب الاركان الاساسية لمقصد الخالق العظيم من تشريع الزواج القائم علي السكن والمودة والرحمة.
فانتشار العنف داخل المؤسسة الزوجية والذي غالبا ما يقع اضراره علي الفئات الاضعف المرأة والطفل يعكس ان الزيجات القائمة حققت فشلا ذريعا في تكوين اسرة سليمة مستقرة، ومرجع ذلك كله ان الانماط الاجتماعية للزواج من زواج جهاد او متعة أو قاصرات أوتبادل وغيرها، قد افتقرت فقرا شديدا لوجود الرباط النفسي بين الزوجين والذي سماه القرآن الكريم بالسكن.
فالسكن بين الزوجين الذي يحمل دلالات سكن النفس وراحتها واطمئنانها بالركون إلى شريك الحياة، وسكن الروح والقلب بالمن والطمأنينة بين الزوجين والذي يقود لمشاعرالمودة بينهما، ثم الرحمة التي تنشأ بالتعاطف والحب، وتنمو فيسهل التعاون على تربية الابناء بالحب والحنان.
زواج القاصرات
وتنتشر في عالمنا العربي ظاهرة تزويج القاصرات خاصة في المناطق الفقيرة، مما يؤدي إلى إجبار الأهالي لتزويج بناتهم في عمرٍ صغير، للتخلص من مصروفهن، ونفقاتهنّ. بجانب تأثيرالعادات، والتقاليد التي ترى في زواج البنات سترة، و البنت لازم نجوزها قبل ما يفوتها قطار الزواج وتعنس، لتتحول عملية الزواج المقدسة الى عملية تجارية تباع فيها الفتاة لمن يدفع اكثر وهو ما يحول الزواج الى جريمة حقيقية تنتهك حقوق الفتاة الصغيرة.
ويجمع علماء النفس على أن لزواج القاصرات تأثيرات صحية متعددة ذات انعكاسات اجتماعية وسلبية نفسية للفتاة قبل الزواج وبعده ما يجعله مهددا بالفشل، وتنعكس هذه الاثار السلبية في صورة اضطرابات في علاقتها مع زوجها، وعدم قدرتها على التكيف، ومعاناة أطفالها لكونها غير مؤهلة للأمومة وتحمل مسئولياتها كربة منزل، الأمر نفسه قد يزداد ليصل لأمراض أعقد مثل الهستيريا والفصام، والاكتئاب.
فالفتاة القاصر تظل غير ناضجة فكريا ونفسيا وعاطفيا، مما يجعلها في حالة ارتباك شديد بعد الزواج تجعلها غير قادرة على التواصل الوجداني والعاطفي والفكري مع شريك حياتها، كما أن حداثة سنها يجعلها غير كفء لتحمل مسئولية أعباء الحياة الزوجية، وخاصة بعد إنجاب الأطفال فلن تكون على دراية أو الإدراك أو الثقافة للاهتمام بشئون ورعاية الطفل والزوج والأسرة ككل.
وتمتد التأثيرات السلبية لزواج الفتاة القاصر الى الطفل والزوج وهو ما يهدد استمرارية الزيجة أو نجاحها واستقرارها، وكذلك يعاني الطفل من قصور نفسي بسبب عدم الوفاء بمتطلباته من الرعاية والحماية والتوعية.
فالزوج نفسه يشعر بأنه غير متواصل مع زوجته وتكون هناك فجوة في التفكير، وان زوجته عاجزة عن إشباعه معنويا وعاطفيا ويواجه الزواج مصير الفشل أو الانتهاء بالطلاق.
مضاعفات صحية
أما اساتذة أمراض النساء فيعدون الزواج في السن المبكرة تحت 18 عاماً جريمة كبرى ترتكب في حق الانثى، نظراً لتعرض الأم والجنين لعديد من المشاكل الصحية التي قد تودي بحياة الأم أو الجنين أو كليهما، فبالنسبة للأم تتعرض لجميع مضاعفات الحمل والولادة والنفاس أثناء الحمل تزداد نسب الإصابة بتسممات الحمل وارتفاع ضغط الدم وتزداد نسب الإجهاض في الثلاثة شهور الأولي نظراً لزيادة معدلات تشوهات الأجنة وتسوء الحالة الصحية للأم، وفي الثلاثة شهور الأخيرة تزداد نسبة الولادة المبكرة وحاجة الأطفال لرعاية مركزة في الحضانات، كما تتعرض الأم لأمراض سوء التغذية نظراً لعدم قدرتها النفسية والبدنية على مواكبة الحمل وتزداد حالات الأنيميا ومعدلات النزيف المفاجئ أثناء الحمل وكذلك تزداد بعض المضاعفات مثل زيادة المياه حول الجنين، أو نقص الدم المتدفق خلال المشيمة، وباختصار تتعرض الأم لجميع المشاكل أثناء الحمل التي من الممكن التي تتعرض لها سيدة حامل.
تزداد المضاعفات بصغر سن الأم فتتعرض الأم إلي مشاكل عديدة أثناء الولادة وما يصاحبها من احتمالات انفجار الرحم، نظراً لعدم الاكتمال السليم لعظام الحوض التي لا يكتمل نموها إلا بعد سن 21 عاماً في الإناث، و قد تتعرض الأم لمضاعفات مثل تأخر نزول المشيمة أو النزيف الشديد بعد الولادة وغالباً ما يكون زواج القاصرات في مجتمعات ريفية وبدائية وفقيرة، ولذلك فعادة لا يوجد إشراف طبي صحيح على الحمل والولادة لأسباب اقتصادية واجتماعية، ونظراً للجهل في تلك البيئات البدائية، وفي مرحلة النفاس قد تتعرض الأم لمشاكل الرضاعة ومشاكل حمى النفاس لنفس الأسباب، وبالنسبة للأم في مرحلة النفاس يطلق عليها «الأم الطفلة» حيث تكون الأم في هذه المرحلة السنية المبكرة مسئولة عن طفل بالرغم من احتياجها هي أساساً إلى الرعاية.
كما يؤدي زواج القاصرات الى زيادة نسب التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية والجينية، ويزيد الإجهاض في الثلاثة شهور الأولى وقد يتعرض الجنين أثناء الحمل لمشاكل نقص النمو الناتج عن سوء التغذية أو اضطرابات في الدورة الدموية للمشيمة، وغالباً ما تحدث ولادات مبكرة تزيد من احتياج الطفل إلى الرعاية المركزة، التي نفتقدها في الدول النامية، نظراً للارتفاع الشديد في تكاليفها ويتعرض الأطفال كذلك لمضاعفات أطفال المبتسرين ومنها زيادة نسبة الصفراء بالدم واضطرابات في نسبة المعادن بالدم مثل الكالسيوم والماغنسيوم وسكر الجلوكوز، كما يتعرض الطفل في مراحل نموه الأولي إلي العديد من المضاعفات لجهل الأم أو لصغر سنها مما يجعلها غير قادرة علي رعاية أطفالها ويتعرض الطفل لالتهابات متكررة أو إلي أمراض سوء التغذية.
زواج الاقارب
ومن نماذج الزيجات الفاشلة أيضا زواج الأقارب، والذي يطلق عليه مسميات عديدة مثل: الزواج اللحمي، الزواج الداخلي، الاندوجامي أو الأندوغامي هو زواج بين أثنين تجمعهما رابطة الدم خاصة في الأرياف و البيئة القبلية و العشائرية .
وبالرغم من ان هذا النوع من الزواج يسعى للحفاظ على رابطة الدم الواحد وبقاء واستمرار الجماعة وعدم اختلاطها بغيرها والذي يحمل خطر الاندماج أو الذوبان في جماعات أخرى الا انه يكتنفه العديد من المشاكل ولزواج الاقارب اضرار اجتماعية خطيرة قد تؤدي الى تفكك الاسر الصغيرة والكبيرة وتشرد الابناء، بجانب الامراض الوراثية الخطيرة.
فالعادات والتقاليد التي لا تزال موجود في البيئة العربية تحتفظ بموروث زواج ابن العم لبنت العم او احدى القريبات ويتم الاتفاق على هذا الامر منذ صغرهم بدون ان يكون لهم يد في الموضوع. وتلجأ الاسر الى زواج الاقارب لحل مشاكل غلاء المهور، او الحفاظ على الإرث في العائلات الغنية او الحفاظ على الاسرار في العائلات السياسية ولدعم مفهوم الأسرة المركبة متجاهلين ما قد يحدث من عداء بين زوجين فيعم العداء على الأسرتين و تتفكك القبيلة وأيضًا ما قد يتحقق عندما تتأجج مشاعر الغيرة بين البدلاء فتشتعل الاسر بنيران الصراعات الاجتماعية التي تقود لتفكك الاسر.
وقد تقع خلافات عائلية قد تتطور الى عداوة بين الاسرتين اذا وقعت مشكلة بين الزوجين. وقد يتدخل الأهل في هذا الزواج سواء عن طريق اهل المرأه أو الرجل وبالتالي لا تكون هناك خصوصية أو حرية ويظل الكتمان موجود خوفا من مشاكل عائلية.
والطامة الكبرى لهذا الزواج تكمن في مخاطره الصحية على الابناء الذين يدفعون ثمنه غاليا عندما يصابون بالأمراض الوراثية المستعصية. وقد اثبت العالم الحديث ان زواج الاقارب يتسبب في وقوع ثلث حالات الاعاقة بفعل العوامل الوراثية، حيث يؤدي الي ضمور المخ، كما يؤدي الى انتشار أمراض الدم ومنها الأنيميا المنجلية والثلاسيميا وتكسير وتحليل كرات الدم الحمراء ما يؤدي إلى الأنيميا المزمنة وترسيب الحديد في انسجة القلب والكبد.
وتلعب الوراثة دورًا كبيرًا في انتشار مرض السكر وعمى الالوان والصمم الخلقي،
كما تؤثر على ذكاء الطفل وعلى قدرته الذهنية علاوة على تأثيرها على حركة أطرافه فلا يستطيع السيطرة عليها.
وقد أثبتت الاحاديث النبوية الشريفة لرسول الله صلي الله عليه وسلم على أهمية زواج الأباعد وانه يؤدي إلى انتاج نسل قوي ذكي.
قنابل تعدد الزوجات
وتفشي ظاهرة تعدد الزوجات كقضية اجتماعية في العالم العربي نتيجة ظروف اجتماعية قد تدفع المرأة لقبول فكرة ان تكون زوجة ثانية خشيةالفقر وبسبب مشكلات الاجتماعية والنفسية، لكنها فور قبولها لان تكون زوجة ثانية تواجه ايضا مشكلات اجتماعية جمة منها رؤية المجتمع لها كظالمة مغتصبة قد اقتحمت حياة امرأة أخرى لتشاركها زوجها وتهدم بيتاً زوجي لتبني بيتها وسعادتها على حساب الأخرين. كما ان قبول الزواج برجل متزوج يفقد المراة مشاعر إنسانية كثيرة و يسبب الشك و الغيرة وعدم الراحة طوال الوقت لارتباطها بنصف رجل
وقد تقبل الزوجة الاولى بفكرة وجود ” ضرة ” لها خشية تعرضها للطلاق، كما يدخل في ذلك ايضا تدخل الأهل والتركيز على الإغراءات المادية بالنسبةللبعض، او الحفاظ على الأبناء. وقد تكون المرأة عاقراً، أو لا تلد سوى البنات، والخوف من البقاء وحيدا .
وبمعزل هذه الدوافع وغيرها، فان لتعدد الزوجات مضارا اجتماعية على الاسرة حيث الكثير من نماذجه ينتهي بالطلاق الذي يدمر المرأة ويدمر ثمرته وهو الاطفال، وقد ينشئ عنه العداء والتحاسد والتنافس بين الزوجات مما يؤدي إلى تنغيص الحياة الزوجية، وقد ينتقل هذا العداء (غالباً) إلى أولاد الزوجات فينشأ الأخوة وبينهم العداء والبغضاء مما يؤدي إلى متاعب للأسرة و للأب خاصة مما يسبب عدم استقرار الحياة الزوجية رغم وجود حالات مختلفه من التواد والتآلف.
وبالطبع، فانه يغلب على الزوج عدم القدرة على العدل بين زوجاته في المحبة مهما حرص على العدل في النفقة والمعاشرة خاصة انه غالبًا في مجتمعنا الشرقي تكون الزوجة الاولى مغصوب عليها اما لانها من أقاربه او لمصالح شخصية بين العائلات فتجبر اولادها بالزواج
وترصد دراسات خبراء الاجتماع وعلم النفس العديد من التأثيرات السلبية الواقعة علي المرأة من جراء تعدد الزوجات منها، ان تعدد الزوجات يؤدي إلى اضطرابات نفسية عند المرأة في ظل الحياة الزوجية القائمة على المشاكل والخلافات والتوتر بما يساعد على الطلاق، ويضعف العلاقة العاطفية بين الزوج وزوجاته، كما انه يزيد من التوتر وسرعة الانفعال، ويضعف الإشباع العاطفي لكل الزوجات، ويضعف العلاقة بين الأبناء والآبـاء.
ويؤدي تفاقم المشكلات الاسرية والعجز عن حلها الى نشوء الاضطرابات والأمراض النفسية كالإحباط، القلق، الاكتئاب، الانفعالات الشديدة و مشكلات النوم والأرق والانطواء والانعزال والخوف.
ويحصد الأبناء نتائج هذه المشاكل النفسية والاجتماعية الناتجة عن تعدد الزوجات فيؤثر ذلك عليهم ويؤدي إلى عدم متابعة الأسرة لواجبات الأبناء ويضعف العلاقة بين الآباء والأبناء وشعور الأبناء بعدم تماسك الأسرة والتأثير السلبي على التحصيل الدراسي.
وتشير الدراسات النفسية اثارا سلبية على الابناء ينعكس في تغير سلبي في سلوكهم بسبب فقدان الاطمئنان النفسي مما يؤدي الغيرة والحسد بين الأبناء والى الكره الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على شخصية الطفل ويخلق له المشكلات في المستقبل، كما يضعف تعدد الزوجات العلاقة بين الآباء والأبناء ويقلل من الاهتمام بالأبناء وفهم احتياجاتهم من قبل آبائهم، ويعجز الأب عن السيطرة على خلافات الأبناء من أمهات مختلفة.
وتتجه سلوكيات الابناء إلى حركات عدوانية إن كان مع الاهل أو حتى مع أصدقائهم وذلك نتيجة الاضطراب النفسي الذي يعيشه الطفل.
زواج التبادل
تنتشر في الكثير من ارياف الدول العربية او القبائل ظاهرة زواج الشغار أو البدل الذي ينتهي نهاية تعيسة إذ إن الزوجتين، موضوع البدل، محكومتان بعيش الظروف نفسها، فما أن تواجه إحداهما مشاكل مع زوجها أو أسرته، ينطبق الأمر عينه على الأخرى، وإن كانت على وئام مع زوجها.
ويقوم هذا النوع، بان يزوج رجل رجلا ابنته أو أخته ونحوهما على أن يزوجه الآخر ابنته أو اخته ونحو ذلك، غير ان علماء الدين يجمعون على أن زواج الشغار ليس من الإسلام في شيء، ويلجأ الاسر لزواج البدل والشغار لمواجهة المغالاة في المهور، لانه قد يعفي بطريقة أو بأخرى من المهر وبذلك تحرم المرأة من حقها في المهر، وإذا انفصلت بديلتها لاقت هي المصير نفسه، وانهارت الأسرة.
ويعتبر علماء الدين الإسلامي على اختلاف المذاهب على أن زواج الشغار منهيٌّ عنه شرعاً، إلا أن بعضهم يحللونه في حال تسمية المهر. وقد اجمع العلماء على تحريمه لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق» – متفق عليه.
ويرى القضاة الشرعين أنه حين يرتبط طلاق إحدى الزوجتين بالأخرى، فهذا يعني أن هذا الزواج حرام لا لذات العقد ولا لأنه شغار، بل لما ينشأ عنه من مشاكل بين الأسرتين، ولأنه قد يؤدي إلى طلاق المرأة التي ليس بينها وبين زوجها سوء عِشرة، وقد يتسبب في ضياع الأطفال.
وهذه الكارثة الاجتماعية المسماة بزواج البدل ليس ظاهرة مستحدثة داخل مجتمعاتنا، بل هي عادة متوارثة سببها الظروف المعيشية الصعبة والحرص على التماسك الاجتماعي والأسري، غير ان التجربة الحياتية اثبتت فشل كثير من الزيجات التي تمت تحت هذا المسمى، ويصفه علماء الاجتماع بزواج (لغم) قد ينفجر في أي وقت ليطيح بعلاقات الزواج المتشابكة، وقد يدمر أسرة سعيدة هانئة ذنبها أنها أحد أطراف هذا الزواج.
ويظل زواج البدل كارثة تحل بالمرأة ويوقع عليها ظلما وهضما لحقوقها، فهو يمنعها من حقها الشرعي، حيث أعطاها الإسلام حقها كاملاً في اختيار الزوج المناسب لها وكذلك الحال بالنسبة للشباب.
ويرى علماء النفس والاجتماع زواج البدل عواقبه وخيمه على المجتمعات الريفية النائية لأنه عادة ما تتصدّع الأسرة وينشأ الأطفال في شقاقٍ ونكد يؤثر على التوازن النفسي لهم.
جهاد النكاح بدعة
وعرفت المجتمعات العربية مؤخرا مصطلح “جهاد النكاح ” عبر فتوى “جهاد النكاح” التي صدرت في آذار 2013، و نسبت إلى الداعية محمد العريفي إثر نشرها على صفحته على موقع “تويتر”، ورغم نفيه لها إلا أنه بات هذا المصطلح يتداول في شكل واسع في سوريا رغم انكار تطبيقه من المعارضة ، وفي الموصل.
وقد جاء في الفتوى التي نسبت إلى العريفي ” إن زواج المناكحة التي تقوم به المسلمة المحتشمة البالغة 14 عاماً فما فوق أو مطلّقة أو أرملة، جائز شرعاً مع المجاهدين في سوريا، وهو زواج محدود الأجل بساعات لكي يفسح المجال لمجاهدين آخرين بالزواج، وهو يشدّ عزيمة المجاهدين، وكذلك هو من الموجبات لدخول الجنَّة لمن تجاهد به .
والعلماء يؤكدون ان هذا المصطلح ليس معروفا في الفقه الاسلامي ، والاسلام منه برئ، وانه ظهر حديثاً لمصالح تهدف إلى تأمين رغبات الشباب والعمل على اغرائهم باطار “شرعي ومزور” .
واجمع العلماء على ان الإسلام يقر بتنفيس الرغبات لكنه يوجهها باتجاه صحيح ، فالنكاح له شروط لا تتغير أثناء الجهاد وخارجه، وأياً تكن الظروف، منها أن يكون العقد غير موقت ويرضي المرأة التي يجب أن تكون بالغة مع موافقتها وولي أمرها، أما شروط ما يسمونه “جهاد النكاح” فغير شرعية كالزواج من صغيرات واجبار النساء وارغامهن، وتحديد الزواج في وقت وانتقال المرأة من رجل إلى آخر “.
ومن المنظور الاجتماعي والنفسي، فان المرأة في هذا النوع من النكاح يتم استخدامها لتحقيق متع للرجال على حساب كرامتها ومشاعرها الانسانية وقد تواجه امراضا خطيرة اذا ما تم انتقالها من رجل لاخر، وقد تواجه صعوبات نفسية جمة اذا شعرت بأنها رخيصة فاقدة للاستقرار والاطئمنان النفسي. وتصبح المشكلة اكبر اذا ما حملت وانجبت طفلا فمن يتولاه بالرعاية والتربية اذا كان مفهوم هذا الزواج مؤقتا زمنيا ؟!
نكاح المتعة
“نكاح المتعة” وهو نوع من انواع الزواج لكنه ايضا يرتبط بمدة زمنية بما يقضي على معنى الاستقرار والسكن النفسي، ويقع عندما تتفق احدى النساء مع رجل على الزواج لمدة زمنية بصيغة معينة من خلال تحديد الشروط يكون الزواج شرعي لانه يقوم على وثيقة على ايدي الشيوخ.
ويظل هذا اللون من الزواج في نظرالعلماء، ومن عاشوا تجاربه واكتووا بنيرانه من النساء نوعا من الاستغلال لحاجة النساء في الزواج لانه يحرمها من حقوقها الأساسية في الزواج من سكن واستقرار وأمان نفسي، ولذلك فان قانون الأحوال الشخصية في المحاكم العراقية لا يعترف بمثل هذا الزواج حتى وان كان مثبتا بوثيقة على يد أحد شيوخ الدين، لانه بموجبه لا تملك المرأة أية حقوق قانونية مترتبه عليه و يترتب عليه الكثير من المشاكل الخاصة باثبات الزواج وإثبات نسب الطفل لاحقا مما يمثل هضما لحق المرأة والطفل وتماسك المجتمع.
مأزق الزواج بنية الطلاق
ويرى بعض العلماء أنه زواج صحيح، ولكنه يحرم لما فيه من الغش والخداع، لأن المرأة ووليها لو علموا أن الزوج إنما يتزوج بنية الطلاق بعد أيام أو شهر أو نحو ذلك لما وافقوا على ذلك. و يرى بعض العلماء أن الزواج بنية الطلاق زواج باطل، لأنه مؤقت مثل زواج المتعة .
واعتبرت قرارات المجمع الفقهي ان ” الزواج بنية الطلاق وهو : زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة؛ كتعليق الزواج على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله.
وهذا النوع من النكاح على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه؛ لاشتماله على الغش والتدليس. ويبقى الزواج بنية الطلاق محرم، وهو متردد بين أن يكون باطلاً من أصله كنكاح المتعة، أو يكون محرماً لأجل ما فيه من الغش والخداع.
فالزواج بنية الطلاق قد تعالج رغبة الرجل واحتياجاته الانسانية لكنه يهمل جانب المرأة، ويحمل في طياته إضرارا وغدرا بالمرأة التي قد تقبل بالزواج أملا في حياة زوجية مستقرة ومستمرة ومنتجة للبنين والبنات، وفيها الرحمة والمودة، ويترتب عليها تنازلات من قبل المرأة قد تكلفها خسائر كبرى في وقوع الطلاق.
ولأن هذا النوع من الزواج فيه عدم صدق وعدم أمانة ومبني على باطل، لأن فيه خديعة للمرأة فإن عليه الكثير من الملاحظات التي لا يقبل بها العاقل والحر مهما كانت الظروف، لأنه لو أعلن المتزوج نية الطلاق للمرأة لما قبلت بالزواج منه بل سوف تحتقره، ولو قبلت المرأة به فإنه يعد زواج متعة.
المسيار دمار
وزواج المسيار بحسب فتاوى الفقهاء والمفتين يعد زواجا شرعيا مكتمل الشروط، لكن تتخلى فيه الزوجة عن بعض حقوقها كالنفقة والاقامة الدائمة للزوج، وهذا حق لها تفعله بارادتها. ويغلب علي النوع من الزواج الخفاء النسبي، على الأقل بالنسبة للزوجة الأصلية.
وقد لجأت بعض المجتمعات للقبول بهذا الزواج باعتبار انه قد يحل بعض مشاكل الأرامل والمطلقات واللاتي تتطلب حياتهن بقاءهن عند اهلهن لرعايتهم مثلا والاهتمام بهم، أو لتحقيق مصالح أخرى، كما انه يحل بعض مشاكل الرجال كثيري الأسفار الطويلة، بحيث يجد له محطات للراحة هنا وهناك، لكنها محطات مريحة للطرفين ومشروعة في نفس الوقت. كما انه يحل إشكاليات العاجزين عن القيام باعباء الزواج لا سيما المادية.
وبالرغم من هذه المميزات الا انه يمثل عنفا موجها ضد المرأة بارادتها عندما تقبل به، لانه يدفع المرأة للتنازل عن حقوقها المادية، والانكى حقوقها الانسانية في الحرمان من الامومة وصلات القربى، وفي ذلك منتهى القسوة ضد المرأة التي باتت تشعر معه ان زواج المسيار هو نفسه الدمار الذي تعيشه انسانيا واجتماعيا
ويترتب علي زواج المسيار ايضا ازمة كبري تتمثل في امكانية ضياع حقوق الأبناء ثمرة هذا الزواج، خاصة وانه قد يجري التنازل عن هذه الحقوق ضمنياً بتنازل الزوجةعن حقوقها صراحة.
الزواج العرفي
ورغم الشرعية الدينية التي يضفيها الشرع علي الزواج العرفي بوصفه زواجا صحيح الأركان ولكنه لم يتم تسجيله في الوثائق الرسمية الخاصة بالدولة؛ فان اضراره على المرأة والطفل والمجتمع تبدو كارثية، خاصة في ظل انتشاره كالسرطان في المجتمعات العربية بين الشباب في عصرنا الحالي.
فهذا الزواج لايضمن أية حقوق للمرأة لأنه تمَّ دون توثيق حتى ولو كان بعلمٍ من ولي الزوجة؛ لذلك تضيع الحقوق وتضطرب أحوال الأسر في ظل الارتباط العرفي غير المعترف به قانونا. الزواج العرفي كما قلنا سابقا فإن الزواج العرفي قد يكون صحيحا ولكنه لم يسجل في الوثائق القانونية التي تضمن حقوق كلا الطرفين.
وينقسم الزواج العرفي إلى نوعين وهما: الزواج العرفي الصحيح وهو الأصل في الزواج الصحيح؛ حيث أنه يكون مكتمل الأركان بموافقة طرفي الزواج ويحضره ولي الزوجة والشهود ويكون معلنا على الملأ دون كتمان بل قد يكون موثقا بوثيقة عرفية ولكنها غير قانونية وغير ملزمة لأطراف الزواج أمام القانون، وهذا النوع لا تحرمه الأديان لاستيفاء جميع أركانه، ولكن مع الكثافة السكانية الهائلة وكثرة الخلافات والمشاكل الأسرية تم استحداث قوانين الزواج ووثائق رسمية لتسجيل هذا الزواج قانونا بحيث تضمن لكلا الطرفين جميع الحقوق المترتبة على هذا الزواج، وبالتالي يكون الارتباط العرفي صحيحا في نظر الشرع والعرف أما في نظر القانون فهو باطل غير معترف به وما يترتب عليه من حقوق للزوجة يعد مهدرا .
ويرتبط انتشار الزواج العرفي بعدد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية منها: تأخر سن الزواج لأسباب مختلفة، و انتشار بعض العادات والتقاليد غير السليمة مثل: المغالاة في المهور وتكاليف الزواج وعدم قبول الأهل بزواج الفقراء وأبناء العائلات البسيطة، فقدان التوجيه الأسري بسبب انشغال الوالدين أو السفر أو الجهل، وغياب التوعية والتثقيف بمخاطر هذا النوع من الارتباط العرفي غير القانوني و الرغبة في إشباع الغرائز الثائرة، وغياب دور وسائل الإعلام والمناهج التعليمية التي تم تهميش دورها الأساسي في تأصيل القيم السليمة ومحاربة العادات الباطلة والفاسدة. رغبة بعض الزوجات في استمرار صرف المعاش المستحق من وفاة زوجها السابق أو والدها.
نتائج مأسوية
وترتب على الزواج العرفي نتائج مأسوية لا حصر لها، منها: ضياع حقوق الزوجة وعدم اعتراف الزوج بها عند حدوث بعض الخلافات، كما أن الزوجة لا تجد قانونا ينصرها ويضمن لها حقوقها من هذا الزواج العرفي؛ لأنه غير مسجل أو موثق قانونيا، ومن هنا فلا يهتم القانون أو القضاء للدعاوى المرفوعة منها للمطالبة بحقوقها من هذا الزواج.
قد تتعرض المرأة لانتقام الزوج بتعليقها دون طلاق فعند حدوث خلاف أو مشاكل أسرية تحول دون الاستمرار في الزواج العرفي فيلجأ بعض الأزواج إلى الانتقام من الزوجة وتركها معلقة دون طلاق، ومثل ذلك يحدث عند سفر الزوج أو غيابه بدون عذر؛ وبالتالي لا تستطيع الزوجة أن تتزوج بآخر.
وكذلك ضياع حقوق الأولاد غالبا ما يتعرض الأبناء الناتجين عن الزواج العرفي للعديد من المشاكل التي تقود لتشردهم أو ضياع حقوقهم بل قد تصل في بعض الأحيان إلى إنكار النسب خاصة عندما يتم التحايل على القوانين.
كما يلجأ بعض الناس إلى الزواج العرفي للتحايل أو التلاعب بالقانون رغبة في الحصول على معاشات الآباء أو الإخوة أو الأزواج السابقين أو أموال ليست مستحقة لهم، وهذا يعد احتيالا يؤدي إلى نشر الفوضى والطمع بين الناس وأكل أموال الآخرين بالباطل. انتشار الفوضى والفواحش وأخيرا فان الزواج العرفي يهدم الكيان الاسري والمجتمعي.
كلمة اخيرة
واخيرا ، فانه باستعراض هذه الانماط من الزواج الفاشلة التي تهدر كرامة المرأة وانساينتها وحقها في حياة آمنة مستقرة، وتدمر حياةالاطفال الذين هم عماد المستقبل، ينجلي لكل ذي عقل أسباب ضياع المجتمعات، وعدم تماسكها وانهيارها الحضاري والاخلاقي والانساني.
فهذه الانماط من زواج الاقارب او تعدد الزوجات او البلاء او العرفي او المسيار او المتعة .. وغيره قد استباح حاجة المرأة للزواج لتحقيق ما شرعه الله تعالي من السكن والمودة والرحمة، وهو ما لم تتوافر أركانه في مثل هذه الزيجات فاهدر حقوق المرأة وانسانيتها واستغلها بأبشع صور الاستغلال والعنف الذي ادى الى انهيارالمجتمعات، خاصة وان المرأة هي نصف المجتمع، وهي المستأمنة على تنشئة الاجيال وصناعة المستقبل، فاذا اضيعت حقوق المرأة ضاعت الطفولة وضاع المستقبل معا.