أثار احتفاء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة " اليونسكو" مؤخرا باليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي لعام 2019، العديد من الشجون في قلبي وقلب كل من يتألم بألم الإنسانية.
فرغم أهمية هذا الاحتفاء الدولي بهذه الذكرى قبل مدة و تحديدا يوم 25 مارس وبشكل سنوي للتوعية بمخاطر الرق والعنصرية والوحشية التي تعرض لها ملايين الأفارقة طوال أربعمئة عام ودفع ثمن جريمتها قرابة 17 مليون إنسان، فضلا عن الذين ماتوا خلال نقلهم من موطنهم إلى المستعمرات الأمريكية والأوربية، إلا أن هذه العبودية والاسترقاق لم ينته بعد، فنحن لا نزال نعيشه في شكله القديم وأيضا في أشكاله الحديثة.
ورغم إلغاء العبودية قبل قرنين من الزمان إلا أنها عادت في ثياب جديدة وعبرت عن نفسها في ظاهرة الاتجار بالبشر، وبالأعضاء البشرية وبالتجارة بالنساء عبر بوابة تجارة الجسد وعبر سوق الإعلان لجلب مستهلكين للسلع والمنتوجات واستغلال الأحرار في عمل دون إعطائهم أية حقوق مادية وهو آفة منشترة في مناطق مختلفة من العالم.
واقع صادم
ونحن نعيش الألفية الثالثة للميلاد وما تعيشه البشرية من تطور حضاري تقدمت فيه القوانين الدولية التي تحفظ حقوق الإنسان في الحرية، فإن الواقع الدولي يؤكد أنه لا يزال هناك نحو 45 مليون إنسان تشملهم ظاهرة الاتجار بالبشر.
وبفعل انتشار النزعات والحروب الأهلية وما ارتبط بذلك من ظواهر إرهابية وعنف وهجرات ونزوح قسري... وغيره ، فإن النساء والأطفال كانوا أكثر الفئات الإنسانية تعرضا للانتهاك والاغتصاب وتجارة الجسد والأعضاء.
فالحروب الأهلية والنزاعات الداخلية في منطقتنا العربية أفرزت ظهور جماعات الإسلام السياسي المتشددة والإرهابية كالقاعدة ومن بعدها داعش وأغرقت المنطقة في بحور الدم فدفعت الملايين للفرار والهروب الجماعي والنزوح القسري، والذين تعرضوا في حالة فرارهم للابتزاز الإنساني بكل أشكاله فوقعوا تحت طائلة الاستعباد.
أما الذين ظلوا على الأرض في سوريا والعراق و ليبيا فقد دفعوا ثمن تمسكهم بالأرض خاصة النساء والأطفال فقد سبيت النساء وبيعت مجددا في سوق النخاسة واستخدم الأطفال إما في الحرب أو لتجارة الأعضاء على مسمع ومرأى شعوب العالم.
فقد اكتظت شبكات التواصل الاجتماعى بفديوهات وصور لمشاهد تنظيم داعش الإرهابي وهو يبيع فيه النساء الأسيرات، ويبدأ سعر المرأة من 100 دولار إلى 150 دولارا وخلال فترة قصيرة ارتفع ثمن الجارية من 150- 1000 دولار.
حقائق
لاشك أن التشظي والتفتت الذي تعرضت له بعض الدول العربية عقب ثورات الربيع العربي، وما تبعه من زيادة عدد المهجرين من أوطانهم وغياب مفهوم الدولة المستقرة قد استثمره تجار البشر المستغلين أبشع استغلال، يؤكد ذلك عمليات بيع المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى خلال محاولتم الوصول إلى أوروبا في أسواق عبودية في ليبيا.
وهذا ما كشفه فيديو بثته شبكة "سى إن إن" الأمريكية فى نوفمبر الماضى، حيث يظهر الفيديو شبابا من النيجر وبلاد أخرى فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى يباعون بسعر 400 دولار أو 300 جنيه إسترلينى فى أماكن لم يتم الكشف عنها فى الدول العربية.
كما يظهر الفيديومجموعة من المهاجرين الأفارقة يقفون متراصين وينادي عليهم السمسار فى مزاد علني من أجل بيعهم للعمل فى مزارع. فقد احتجز المهربون هؤلاء المهاجرين وأجبروهم على العمل مقابل رواتب قليلة أو عدم تقاضي أي رواتب.
ووفقا لتقرير أوردته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن الشأن ذاته، تقول إن منظمة الهجرة الدولية بليبيا في أبريل 2017 كانت قد جمعت أدلة عن العبودية فى ليبيا قبل نشر هذه الواقعة، موضحة أنه كانت هناك تصريحات سابقة لمدير المنظمة الليبية يتحدث فيها عن أن تحديد أسعار المهاجرين يخضع للمهارات التى يمتلكونها.
مؤشرات العبودية
وتقر مؤسسة "ووك فري" في بيان لها نشرته شبكة "سى إن إن" بان :"العبودية ليست شيئاً من الماضي، وعلينا أن ندرك ذلك إن طبيعة العبودية الحديثة تجعلها سرية ومخفية عن الأنظار، ولكن هذا لا يعني أنها لا تحدث فى كل مكان، وأن كل بلد فى العالم يتأثر بها"، وعرفت العبودية على أنها "حالات استغلال، حيث لا يمكن للشخص الذى يعانى من العبودية أن يرفض عمله أو يتركه بسبب تهديدات أو عنف أو إكراه أو إساءة استخدام للسلطة أو الخداع"، مشيرة إلى أن حوالي 45.8 مليون شخصاً من حول العالم اليوم يعيشون فى ظل هذا النوع من العبودية.
وطبقا لمؤشر العبودية فى هذه المؤسسة الدولية فإن نسبة الأشخاص الذين يعيشون فى ظل العبودية الحديثة فى موريتانيا انخفض بنسبة 4% عام 2014 إلى 1% عام 2016، فيما جاءت كوريا الشمالية بالمرتبة الأسوأ فى المؤشر، بعدما أظهرت الدراسة أن بين 20 شخصا هناك ضحية واحدة للعبودية.
فيما جاءت أوزبكستان بالمرتبة الثانية على صعيد عدد السكان فيما يخص انتشار العبودية الحديثة وذلك على رغم من اتباع بعض الخطوات لمعالجة العمل الإجباري فى صناعة القطن لكن الحكومة الأوزبكية مازالت تخضع مواطنيها للعمل القسري فى حصاد القطن كل عام.
عبودية حديثة
اتخذت العبودية في عصرنا الحديث أشكالا جديدة تتمثل في إجبار الأشخاص على العمل وتهديدهم حال تركه وعدم إعطائهم حقوقهم نهائيًا، والمثير في الأمر أن بعض الدول الكبرى وممن ترفع رايات الحريات لا زالت تسترق إنسان القرن الحادي والعشرين مثل بريطانيا، والأكثر غرابة أن ظاهرة الرق آخذة في التنامي بسرعة في هذا البلد الحضاري المتقدم، وذلك بحسب ما كشف النقاب عنه تحقيق أجرته بعض المنظمات الخيرية حيث رصدت زيادة كبيرة في جرائم العبودية في بريطانيا.
فقد أوضحت منظمة هوب فور جوستس "أمل من أجل العدالة" المتخصصة في حملات مناهضة للاتجار بالبشر، أن مشكلة العمالة القسرية والاستعباد المنزلي والاستغلال غير الأخلاقي تعد مشكلة كبيرة للغاية في بريطانيا.
وكشفت مصادر التحقيق البريطانية، عن أنه خلال السنوات الثلاث الماضية وقعت ثلاثمئة وست وثلاثون جريمة عبودية، وأوضحت المنظمة الخيرية أن التقديرات الحالية لعدد من حالات الاتجار بالبشر تقدر بنحو مائة ضعف ذلك الرقم، معتبرة أن 90 في المائة من الضحايا لا تعلم عنهم السلطات أو المنظمات الخيرية لأنها جرائم خفية.
وقال الرئيس التنفيذي لمنظمة أمل من أجل العدالة، أن الاتجار بهم يحقق ربحا شهرياً للمتورطين يقدر بنحو خمسة عشر ألف جنيه إسترليني.
وأمام هذه الحقائق، فإن المجتمع الدولي والإنساني يجب أن يقف صفا واحدا في مواجهة ظاهرة الرق والعبودية في أشكالها القديمة والحديثة على حد سواء تحقيقا لحق الإنسان في الكرامة والحرية والعدالة. متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرار !!!