تشكل ليبيا لاعبا كبيرا في أسواق النفط الدولية، فقد كانت من اكبر الدول المصدرة للنفط قبل عام 2011، ولذلك فهي تظل هدفا لمختلف الاطماع الدولية ومن ثم فلن تكف المحاولات عن التهام خيراتها عبر اغراقها في الفوضي منذ اسقاط نظام العقيد معمر القذافي.
المشهد الليبي يبدو لكل مراقب شديد التعقيد، ففي ظاهره الواضح للعيان يتجلى الانقسام بين سيطرة قوات خليفة حفتر المدعومة من مجلس النواب على الشرق الليبي، وسيطرة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا على غرب البلاد، ويدخل على الخط بقوة سيف الاسلامي القذافي الذي برز في المشهد الليبي مؤخرا بدعم روسي.
في الظاهر أيضا، فان القوى الدولية اللاعبة في ليبيا تبدي دعمها للاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي والحكومة، غير ان باطن مواقف اللاعبيين الدوليين يكشف عن تباين شديد بحسب المصالح الخاصة لكل طرف منها. فكل طرف من القوى الدولية يرى في ليبيا صيدا جيدا لابد من اغتنامه والفوز بالنصيب الاكبر منه تحت غطاء محاربة الارهاب، وذلك على حساب استقرار وامان وسلامة الشعب الليبي.
وفيما تتداخل مصالح القوى الاقليمية في ليبيا ما بين محاولات احكام السيطرة على البحر المتوسط والحفاظ على الحدود المتشابكة اقليمية، والاستفادة من الثروات الليبية دوليا، يأتي دخول الدب الروسي على الخط ربما ليحدث بعض التغيير في مسارات اللعب الدولي في ليبيا.
فقد جاء دخول الدب الروسي في المشهد الليبي بناء على عدة اعتبارات منها انها كانت مورد رئيسي للسلاح الليبي في عهد القذافي الأب، ومن ثم تحاول الاحتفاظ بحصتها في توريد السلاح لليبيا. واعتبار اخر يتجلي في استفادة روسيا من تجربتها في سوريا وقدرتها على احكام السيطرة على الدواعش والحفاظ على سوريا حتى الآن من الانهيار نسبيا، ويتجلى الاعتبار الثالث في سعي الدب الروسي للتوغل الي قلب القارة السمراء عبر البوابة الليبية.
وهنا يراهن بعض المراقبين على قدرة روسيا على نقل تجربتها في سوريا الى ليبيا باعتمادها على سيف الاسلام القذافي ، ورغم ذلك فان نقل هذه التجربة يصعب اتمامها في ليبيا، وذلك لأن التواجد الروسي في سوريا تم بغطاء شرعي ممثلا في الرئيس بشار نفسه وحكومته مما أسبغ على التواجد الروسي شرعية في سوريا لدحر الدواعش والتنظيمات الارهابية الاخرى.
أما الوضع في ليبيا يبدو مختلفا بالنظر الى غياب هذه الشرعية التي يمكن لروسيا ان تستخدمها للعب دور رئيسي في ليبيا، وهو ألمح اليه وزير الخارجية الروسي سيرخي لافروف قائلا: " انه من الخطأ الحديث عن احتمال نقل تجربة بلاده في سوريا الي ليبيا نظرا لغياب المسوغ الشرعي ".
ورغم هذا الاعتبار المهم، فان الكثير من القياديين الليبين وعلى رأسهم خليفة حفتر الذي يتواصل مع المسئوليين الروس موسكو العسكريين والسياسيين. رغم علاقته بالغرب وامريكا، فان حفتر قد وعد الروس بتعزيز وضعهم في ليبيا، ومن جانبها دعمت روسيا حفتر وقدمت قطع غيار عسكرية خارج دائرة حظر التسليح المفروض على ليبيا، كما اتفقت معه على صفقات تسليح، وبأسلحة قادمة من بيلاروسيا أو دول أخرى قريبة من موسكو.
ورغم الجهود الذي يبذلها خليفة حفتر للاحتفاظ بالعلاقات مع روسيا لصالحه، فان روسيا باتت تنظر للاعب ليبي جديد يمكنها الاستفادة منه في تحقيق اهدافها في استعادة استقرار ليبيا وفي بسط نفوذها بالمنطقة الافريفية والمتوسطية وهو سيف الاسلام القذافي.
وقد تجلى هذا الموقف الروسي بزيارة مبعوث نجل الراحل معمر القذافي، إلى موسكو، وتسليمه رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما استتبعه من تصريحات لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بقوله: إنه "ينبغي أن يلعب سيف الإسلام القذافي، دورا في المشهد السياسي الليبي".
وقد طرح هذا المواقف الروسي من نجل القذافي العديد من التساؤلات بشأن مدى قدرة روسيا على انهاء حالة الانسداد السياسي في الازمة الليبية، وهل تعني هذه الزيارة والتصريح برهان موسكو على سيف الاسلام القذافي وحده في جمع شتات الليبين رغم وجود منافسين أشداء مثل خليفة حفتر وفايز السراج رئيس الحكومة، أم انها تستخدمه كورقة ضمن اوراق اللعبة الليبية في يدها؟
وبرغم اجماع المراقبيين السياسيين على ان اعلان روسيا دعمها لسيف الاسلام القذافي وانها ورقة قد تغير قواعد اللعبة في ليبيا من عدمه بشامل مستقبل الاوضاع الليبية، فان نجل الرئيس القذافي صار متصدرا للمشهد منذ ان بعث برسالة للدب الروسي يطلب فيها دعمها لحل أزمة بلاده.
والمراقب لخطوات نجل القذافي يجد انه يتحرك بخطوات هادئة لاكتساب ثقة الليبيين، وذلك من خلال الدور الذي يقوم به مناصريه الذين نظموا حملة مؤخرا اطلقوا عليها حملة " حراك مانديلا ليبيا " استفتوا فيها الليبيين على اختيار سيف الاسلام لرئاسة البلاد وكشفت نتائج الاستفتاء الذي جرى على نحو 71 ألف ليبي عن تصويت 91 % منهم بالموافقة على ترشيح نجل القذافي للرئاسة.
في هذا السياق فان أنصار نجل القذافي يراهنون على فشل الجهود التي بذلت طيلة السنوات السبع الماضية في احتواء الازمة الليبية سواء كانت جهودا سياسية او عسكرية، ومن ثم فان جهود سيف الاسلام قد تكون ورقة التوت التي تغطي عري الانقسام في ليبيا، بينما يرو الدب الروسي ان نجل القذافي يجب ان يكون جزءا من العملية السياسية الشاملة في ليبيا ودون نسيان العقوبات المفروضة على نجل القذافي من جانب المحكمة الجنائية الدولية، رغم اعلانه أيضا انه سيدعم حق الجميع في الانتخابات الليبية المنتظرة.
وفي كل الاحوال فان رد الدب الروسي على رسالة نجل القذافي تمثل اعلانا روسيا صريحا بدعمه، وذلك رغم نفي عضو الفريق السياسي لسيف الإسلام القذافي، محمد القيلوشي، أن يكون ملف ترشح سيف الإسلام لرئاسة ليبيا، قد تم التطرق له خلال زيارة الوفد إلى موسكو، لافتا الى أن الترشح للرئاسة أمر سابق لأوانه. والمنطقي ان ينفي " القيلوشي " فكرة ترشح نجل القذافي لرئاسة ليبيا، خاصة وان القانون الذي ينظم الانتخابات لم يصدر حتى الآن.
ومع رفضنا البديهي لاي تدخل اجنبي لانهاء الازمة الليبية، غير ان الواقع الدولي يفرض هذا التدخل الذي عمل تمزيق ليبيا، فاذا كانت لروسيا القدرة على انقاذ البلاد وشعبها من التمزق، فان هذا التدخل قد يكون سبيلا لجمع شتات الفرقاء الليبين والحفاظ على وحدة الاراضي الليبية من الانقسام وفقا للمخطط الامريكي.
وفي تقديري ان دعم الدب الروسي لواحد من ابناء الشعب الليبي نفسه مثل المهندس سيف الاسلام القذافي وانصاره ضمن اطار الامساك باوراق اللعبة الليبية لاتمام العملية السياسية قد ينقذ ليبيا من مصير التفكك والتشظي، شريطة الايفرض حل تسوية الازمة الليبية روسيا او دوليا دون قبول الشعب الليبي نفسه، وشريطة ايضا ان يتوافق الشعب الليبي نفسه ونخبته على شخص نجل القذافي لقيادة البلاد وينحون جانبا اية مصالح شخصية وينتصرون فقط لوحدة الوطن بما يحد من المطامع الدولية في خيرات الارض الليبية الغنية بالثروات.