وشاح أمي
تراثنا غني بآداب تتناول الأم، وتؤكد مكانتها السامية، وان لم اضف في هذا المضمار، لكنني أكتشف جديدًا يربطني بأمي . فعندما رأيت دموعها؛ كأنني أسافر لأول مرة؛ نادتني بعدما غادرتها بخطوات لتعطيني "شالًا" خفيفًا سَحَبَته للتو من على رقبتها، لفته حول رقبتي تلقائيا فأحسست بدفءٍ غير مسبوق لا يتناسب أبدًا مع نوع وحجم الشال الرقيق ؛ ولنسمه وشاحا.
من يملك أُمًا مثل أمي؛ هكذا حدثت نفسي، وطوال طريقي من المنزل لم تفارقني أمي؛ فبينما ظل جسدها في المنزل لازمتني بوشاحها, بسمو روحها وعطر رائحتها ودفء حنانها.
وفي المطار المزدحم بالبشر لم أحس بهم؛ لربما رأتهم عيناي لكن ظلت أحاسيسي بكليتها مع هذا الوشاح السحري، لم لا؟ وهو جاء لتوه من عنق أمي إلَيَّ، لطالما تعلقت فيه طلبًا للأمن والأمان، وسعيًا للدفء والسمو الروحي؛ كان ذلك في سنواتي الأولى، وها هو الوشاح يعيديني إليها بقوة واندفاع .لكم حلمت في صغري بشعر كشعرها المنسدل على كتفيها .و عيونًا في صفاء وعمق عيونها .
ولكني لم اتوقع ابدا أن نتطابق في السمات والصفات، فإذا ما شهد أحد بصلابتي عدت إلى صلابة أمي في مواجهة أعقد الصعاب واقساها، وإذا ما وجدتني أتعامل بحزم وثقة تذكرت أمي كيف تواجه المواقف بعدما استُشهد والدي تاركًا سبع بنات يطلبن حزم الأب .
واذا ما لمس شخص ما تواضعًا في أحد أفعالي وجدتها غرست فينا تواضعًا ظَلَّ راسخًا خاصة مع الأضعف والأقل شأنا .
وإذا حاولت استرجاع معلومة، أو بيت من الشعر، أو آية حضر أمامي وجهها المشع بنور الإيمان الحق، مسترجعة تشجيعها الدائم للتزود بالعلم وإرشادي إلى منهل الثقافة .
وها هو الوشاح يحيط بي يُذكِّرني أنني ورثت دفء المشاعر، وفيضًا من الحساسية والرومانسية، عندما أتذكر أنني فعلت ما فَعلته معي أمي قبل أسبوع من هذا الموقف، وقد كنت وقتها أبحث عن جذور تصرفي التلقائي هذا، فلا عجب؛ إنها أمي أعطتني من روحها حين ولدتني، فكيف لا وأنا أحاكي الطيور مثلها؟ وأغني للأزهار، وأكتب الشعر عن الأرض، وأسعد بالطبيعة، وأزرع الأشجار؟
في صالة الانتظار بينما أفتح شنطة يدي وجدت شوكولاته أحبها، يا الله .. متى؟ وكيف وضعتها؟!.. تذكرت شنطتي المدرسية التي كانت تملأها أمي بطيبات من يديها، وهي تلاحقني بكوب الحليب الساخن الذي كان بمثابة العقاب لي قبل أن أصعد السيارة، وأذهب للمدرسة.
ربتت على كتفي موظفة الصالة لتخرجني من دموعي ، الطائرة على وشك الإقلاع، وبحركة لا إرادية وجدتني أتلمس الوشاح؛ ربما لأستمد منه قوة تحملني الى الطائرة، وطاقة روحية تعينني على ألم الفراق . ساعة هي المدة التي تستغرقها الطائرة؛ لكنها مرت في لحظة هي ذكرى رحلتي الأولى في صحبة أمي .
منقوشة في ذاكرتي صوتًا وصورة؛ كل الرحلات التي صاحبتها إلى العواصم التي أضحت خواتم في إصبعي؛ لكنها تفقد الكثير من أَلَقِها وبهجتها دون صحبة أمي .
هل كان أبو القاسم الشابي يصِفُك:
عذبةٌ أنتِ كالطفولة كالأحلام كاللحنِ كالصباح الجديدِ
كالسماء الضحوكِ كالليلةِ القمراءِ كالوردِ كابتسامِ الوليدِ
يا لها من وداعـةٍ وجَمالٍ وشبابٍ منعّمٍ أملودِ
يا لَهَا من طهارةٍ تبعثُ التقديسَ
في مهجة الشقيّ العنيد
من يملك أُمًا مثل أمي؛ هكذا حدثت نفسي، وطوال طريقي من المنزل لم تفارقني أمي؛ فبينما ظل جسدها في المنزل لازمتني بوشاحها, بسمو روحها وعطر رائحتها ودفء حنانها.
وفي المطار المزدحم بالبشر لم أحس بهم؛ لربما رأتهم عيناي لكن ظلت أحاسيسي بكليتها مع هذا الوشاح السحري، لم لا؟ وهو جاء لتوه من عنق أمي إلَيَّ، لطالما تعلقت فيه طلبًا للأمن والأمان، وسعيًا للدفء والسمو الروحي؛ كان ذلك في سنواتي الأولى، وها هو الوشاح يعيديني إليها بقوة واندفاع .لكم حلمت في صغري بشعر كشعرها المنسدل على كتفيها .و عيونًا في صفاء وعمق عيونها .
ولكني لم اتوقع ابدا أن نتطابق في السمات والصفات، فإذا ما شهد أحد بصلابتي عدت إلى صلابة أمي في مواجهة أعقد الصعاب واقساها، وإذا ما وجدتني أتعامل بحزم وثقة تذكرت أمي كيف تواجه المواقف بعدما استُشهد والدي تاركًا سبع بنات يطلبن حزم الأب .
واذا ما لمس شخص ما تواضعًا في أحد أفعالي وجدتها غرست فينا تواضعًا ظَلَّ راسخًا خاصة مع الأضعف والأقل شأنا .
وإذا حاولت استرجاع معلومة، أو بيت من الشعر، أو آية حضر أمامي وجهها المشع بنور الإيمان الحق، مسترجعة تشجيعها الدائم للتزود بالعلم وإرشادي إلى منهل الثقافة .
وها هو الوشاح يحيط بي يُذكِّرني أنني ورثت دفء المشاعر، وفيضًا من الحساسية والرومانسية، عندما أتذكر أنني فعلت ما فَعلته معي أمي قبل أسبوع من هذا الموقف، وقد كنت وقتها أبحث عن جذور تصرفي التلقائي هذا، فلا عجب؛ إنها أمي أعطتني من روحها حين ولدتني، فكيف لا وأنا أحاكي الطيور مثلها؟ وأغني للأزهار، وأكتب الشعر عن الأرض، وأسعد بالطبيعة، وأزرع الأشجار؟
في صالة الانتظار بينما أفتح شنطة يدي وجدت شوكولاته أحبها، يا الله .. متى؟ وكيف وضعتها؟!.. تذكرت شنطتي المدرسية التي كانت تملأها أمي بطيبات من يديها، وهي تلاحقني بكوب الحليب الساخن الذي كان بمثابة العقاب لي قبل أن أصعد السيارة، وأذهب للمدرسة.
ربتت على كتفي موظفة الصالة لتخرجني من دموعي ، الطائرة على وشك الإقلاع، وبحركة لا إرادية وجدتني أتلمس الوشاح؛ ربما لأستمد منه قوة تحملني الى الطائرة، وطاقة روحية تعينني على ألم الفراق . ساعة هي المدة التي تستغرقها الطائرة؛ لكنها مرت في لحظة هي ذكرى رحلتي الأولى في صحبة أمي .
منقوشة في ذاكرتي صوتًا وصورة؛ كل الرحلات التي صاحبتها إلى العواصم التي أضحت خواتم في إصبعي؛ لكنها تفقد الكثير من أَلَقِها وبهجتها دون صحبة أمي .
هل كان أبو القاسم الشابي يصِفُك:
عذبةٌ أنتِ كالطفولة كالأحلام كاللحنِ كالصباح الجديدِ
كالسماء الضحوكِ كالليلةِ القمراءِ كالوردِ كابتسامِ الوليدِ
يا لها من وداعـةٍ وجَمالٍ وشبابٍ منعّمٍ أملودِ
يا لَهَا من طهارةٍ تبعثُ التقديسَ
في مهجة الشقيّ العنيد