الميراث وقطيعة الارحام
يعاني عالمنا العربي والاسلامي من تمزق أسري أكاد أجزم انه قد نزع البركة والمحبة من القلوب والتراحم بين أبناء الجسد الواحد، بسبب الميراث، فسجلات القضايا امام ساحة القضاء تجزم بأن ما يقارب من سبعين بالمئة من القضايا المنظورة سببها النزاع على الميراث.
ونسوا ان الإرث الحقيقي الذي يتركه الأبوين هو حسن التربية والتعليم والمساواة بين أبنائهم وبناتهم فالإرث الحقيقي ارث اخلاقي متمثل بحسن الخلق والسلوك والسمعة الحسنة.
وكما يقال في الاثر الشعبي : الدم تحول الى مياه ، ومعادن الاخوان تظهر في الميراث ، فهذه حقيقة اثبتتها الوقائع اليومية في معظم بلادنا التي ترتب عليها قطيعة الأرحام لسنوات طوال والتآمر والسرقة والنهب والتزوير وصولا لقتل النفس التي حرم الله الا بالحق.
فالرحم الواحد الذي خرج منه ذكورا واناثا تربوا معها وطعموا طعاما واحدا وتلوا القرآن في شهر رمضان، وتلقوا قسطا من التعاليم الدينية بالمدارس والجامعات كان ذلك كفيلا بمعرفة الحقوق الأسرية والحقوق الشرعية بالميراث ، مع ذلك فان الاخوة المتحابون الذي يظهرون امام المجتمع كلحمة واحدة سرعان ما يتحولون الي اعداء عقب والدهم او والدتهم بسبب تقسيم الميراث .
فجأة تناسوا رابطة الدم والاخوة ووقفوا امام القاضي خصوما تحكم قلوبهم العداوة والبغضاء ، فلا يتزاورون ولا يكلم بعضهم بعضا ، بل يكيد بعضهم المكائد للآخر من أجل مال زائل وضلال عن شريعة العدل التي شرعها الله لعباده . والنتيجة خسارة الاسرة لأبنائها .
ساحات القضاء في عالمنا الاسلامي تشهد على جرائم سلب حقوق الميراث للأخوات الشقيقات ، وزوجة الأب واليتامى ، وسلب الأخ الاكبر لحقوق باقي اخواته ذكورا واناثا ، وتضيع حقوق الورثة بأساليب مختلفة منها موروثات اجتماعية جاهلية تنتصر للقوي على الضعيف وللذكر على الأنثى ، ويلجأ سالبوا الحقوق الى السب والشتم والضرب وحتى القتل لنهب ما ليس من حقهم من الميراث .
وزوجة الأب قد تكون أكثر الفئات ضحايا الميراث ، فقد يرفض الأولاد الذكور للمتوفي مقاسمة الارث مع امرأة يرونها غريبة عنهم ، خاصة اذا انجبت أولادا ، وبمجرد وفاة والدهم يكيدون لزوجة الاب المكائد الشيطانية ليخرجونها صفر اليدين عن التركة .
وقد يستحوذ الابن الاكبر على الميراث كما في بعض مناطق البادية والأرياف بدعوى انه شريك الأب في جمع ثروته ، ونتيجة تربية أمه له تربية أنانية وافراطها في منحه المزايا الأسرية على حساب باقي أشقائه .
ورغم ان قوانين الميراث في دولنا العربية تستمد موادها من الشريعة الاسلامية ، وتحدد أنصبة كل فئة من الميراث وهو تحديد الهي قد فصلت جميعا في سورة النساء ، كما في قوله تعالى :“وللرجال نصيب مما ترك الوالدان وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا” النساء، وهدف الخالق العظيم من هذا التحديد اقامة العدل وتحقيق السلام النفسي والاجتماعي بين أفراد الأسرة ، ولكن الثقافات المورثة قبل الاسلام والأنانية والاطماع البشرية ترفض الانصياع لأمر الله واحكامه وحدوده في شريعته الغراء ، فالشريعة عندما جعلت للأنثى حصة في الميراث مقابل حصتين للذكر لأنه يتحمل مسئولية الانفاق عليها ، لكن الثقافة الجاهلية الموروثة حرمت المرأة من حقها في الميراث وتعتبره حقا للذكر دون الأنثى كما ان لو حسبناها جيدا سنجد ان في القوانين الشرعية الاسلامية للتركة البنات حصتها اكبر
. فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك..."
والقوانين المعمول في بلادنا العربية تقر بحقوق الأنثى كاملة وفقا للشرع ، وتحصل عليها اذا طالبت بها بساحات القضاء ، ولكنها قد تحرم من هذه الحقوق لأسباب عديدة منها التزوير والتلاعب أو اجبارها على التنازل حتى لا تخسر أسرتها او بالتخجيل او الابتزاز و التهديد.
الغريب في الأمر، وبحسب استقصاء الدارسين المتخصصين لجلسات المحاكم ، فان معظم الأشقاء المسئولين عن ميراث شقيقاتهم مثقفين ويشغلون مناصب رفيعة في مجتمعاتهم ، وبعضهم يمتع بالثراء ، ولكنهم عند تقاسم الميراث سرعان ما يتحولون الى وحوش ضارية يخططون وينصبون شراك المكائد لشقيقاتهم لمنعهم من الحصول على حقوقهم الشرعية بالميراث بزعم ان أموال والدهم لا يجب ان يتمتع بها زوج الأخت .
ومه ذلك قد يسمحون ببعض التركة للإناث من الذهب والأموال كما في بعض الحالات في الجزائر ، في مقابل حرمانها من الاراضي والعقارات ، بدعوى ان الرجال هم من تولوا رعاية الاراضي الزراعية والعقارات مع والدهم ولا يجب ان يشاركهم الاصهار وهم أزواج الشقيقات فيها ، حتى ولو تسبب ذلك في لجوئهم لتزوير الأوراق الرسمية والقتل ، والاستعانة بالمشايخ لإقناع المرأة بالتنازل عن حقها في الميراث حفاظا على تماسك الأسرة وصلة الأرحام .
أشكال التحايل على القانون والشرع الخاص بالميراث لا حصر لها ، ومنها ما يقع في بعض مناطق الأرياف والمناطق النائية بالجزائر ما يعرف بعقد الحبوس ” الذي يمنح للذكور حق الانتفاع بالأرض ويحرم الاناث .
حيث يحرر الأب هذا العقد في حياته ويوصي بما لديه من أراض لأبنائه الذكور في شكل “حبس” أي يحق له الانتفاع من خيرات هذه الأرض، ولا يبيعها وبهذا تحافظ العائلة على أرضها والتي تبقى ملكا للأبناء، ولا تذهب لغيرهم بحكم أنها لا تباع ، ولا تذكر الاناث في عقد الحبوس ، فهو موكول للأبناء الذكور دون البنات وإذا انقرض نسلهم من الذكور تذهب الأرض لملكية الأوقاف.
والذكورية الغالبة التي يكرسها بعض الاباء في صعيد مصر وغيرها من دولنا العربية قد يدفع ثمنها الأب نفسه غاليا ولا يعرف انه اضاع حقوق الله في عباده الا بعد فوات الاوان وحيث لا يبقى الا الندم .
في احدى القصص المتكررة ، ومنها ما وقع بإحدى قرى الصعيد بوهب احد أعيان القرية ثروته لأبنائه الذكور وحرم بناته منها ، ليتحول البيت إلى جحيم لا يطاق بين ابناؤه الذكور فترك الاب المنزل، والحت عليه بناته للإقامة معهن ، لكنه رفض بشدة لشعوره بالذنب والحرج بعد حرمانهن من الميراث ، ليستقر به المقام في دار المسنين .
وأحيانا يقوم الأب والأبناء الذكور بترضية الاناث بجزء من الميراث مقابل مبالغ مالية فيما يسمى بـ "رضوة" حتى لا يكون لأزواج البنات مكان في أراضي وعقارات الأب.و قد يجبر الأب بناته على التنازل أو البيع لحقوقهن على الورق كشرط لتزويجهم بمن يرغبن ، حتى يقبل زوجها من البداية بأن زوجته خالية من الميراث، وقد يبرر الأب فعلته هذه بأن ذلك اختبار حقيقي لمن يرغب فى الزواج من بناته لذاتهن وليس طمعا في ميراثهن .
فتارة ضعف الإيمان يجعل اما الاخ الاكبر فقد يعتدي على أنصبة وحقوق أخواته البنات لجهله بالشرع ونتيجة الموروث الجاهلي وقولهم إنا وجدنا آباءنا وأجدادنا لا يورثون النساء ، ولا شك ان سلب حقوق الميراث وعدم توزيعها وفق الانصبة الشرعية ينتج عنها تفتت المجتمع وقطع لصلة الأرحام واشتعال الفتن بين الاسرة الواحدة التي قد تصل إلى القتل والثأر .
ومن يتوقع ان بلدا حضاريا مثل لبنان لا يعاني من هذا الأمر مخطيء فما عانت منه الجدات سابقا يعاد ويتكرر من الخلافات بين الورثه على توزيع التركة ليس فقط حرمان المرأة من حقوقها فقط بل وأخذها بالكلمة الحلوة والتخجيل كي تتنازل لأخوتها الذكور
أما في العراق فيحدث هذا اضافة على تشابك الارث بين الاولاد والأحفاد وأولاد الاحفاد المشتركين في ارث واحد لتبقى قيد المحاكم سنوات طويلة دون حلول وذلك بسبب عدم اتفاق الأطراف كلها على التقسيم او البيع او كيفية التصرف بالأموال ناهيك عن المهاجرين الغير عابئين والذين بغيابهم لا يستطيع باقي الورثة التصرف بالتركة مثل البيع او استثمار الأموال بالعمل.
وفي الأردن عادة يتم اعطاء بيت الاهل للولد وفي حالة طلاق البنت المتزوجة تواجه مشاكل في السكن خاصة اذا كان معها اطفال وفي حالة عدم توفير الزوج سكن للام الحاضنة فتضطر الاخت للعيش مع زوجة اخيها و تتلقى حظها اما ان تكون طيبة او شريرة
فالأجدر تأمين بيت او مصدر مال للبنت قبل الولد وذلك حفاظا على كرامتها و صونا لها من كل مكروه .
اما في سوريا فيختلف الأمر بين المدينة والريف فالمرأة في المدينة غالبا تأخذ حقها ولكن في الأرياف والأراضي الزراعية يدفعون النساء إلى التنازل عنها سواء ترغيبا او ترهيبا. حيث انهم يتشابهون مع باقي دول المنطقة العربية خاصة العراق ومصر بأن الأرض الزراعية يجب ان تمتدّ من جيلٍ إلى جيل بنفس العائلة ولا تخرج عنهم أبدا ومن هنا ظهرت فكرت تزويج البنات من اولاد عمها.
فمشاكل الارث ليست محصورة فقط في مشاكل ارث الإناث وإنما بمشاكل لا حصر لها بين الاخوة الذكور فيما بينهم بعيدا عن البنات وكل هذا لانه من البداية البيت لم يكن قائم على الحب والتعاضد والتكافل بين الاخوة في البيت الواحد منذ الصغر ولم يتعلموا ان الانسان قيمة لا تعوض وان الدم اغلى من الذهب وان الانسان هو من يصنع المال ولو ذهب المال نستطيع تعويضه انما الاخوة لا بديل لهم فالإنسان عندما يصرخ من الألم يقول آخ
وطالما كانت الاخت هي الام الثانية لأخيها ولكن غابت المحبة والرحمة فغاب معها ميزان الأمور فاصبحت الناس توزن الأمور بقناطير الذهب و سبائك الفضة.
حتى هذا العالم الاستهلاكي المروج للسلع طوال الوقت جعل الناس اكثر مادية وانتزعت العواطف من داخلهم رويدا رويدا في هذا العالم الرأسمالي الذي يقيم الاشخاص بأرصدتهم البنكية.
سوء التربية
المتهم الاول في هدم الاسرة وتحطيم روابطها وضياع حقوق الميراث هم سوء التربية والاخطاء التي يقع فيها الاباء في تربية ابناءهم، وأهمها التفرقة بين الأبناء بتفضيل أحدهم على الآخر أو تمييز الولد على البنت، وهنا تتشكل بذرة الكره الأولى التي يبذرها الوالدان أو أحدهما في نفوس أبنائهما، وهو ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم - من التفرقة في المعاملة بين الابناء .
فبعض العوائل في بعض بلدان الخليج العربي على سبيل المثال وكما رصد خبراء مستشارين تربويين واجتماعيين ، ينتشر تفضيل الولد عن البنت أو تفضيل الابن البكر، حتى لو مات الوالدان،يصبح الابن هو صاحب التصرف وصاحب السلطة ، وهذه السلطة الموحشة للابن البكر قد اكتسبها من تدليل الابوين له منذ الصغر وعندما يكبر تعطي له الوكالة الشرعية عن الوالدين ، وهو مايساعده في التصرف بالميراث ، ويعطيه الحق في حرمان إخوانه وأخواته من الحق الشرعي لهم ، ولذلك تندلع الصراعات بين الاخوة التي تفضي بهم الي ساحات القضاء فور موت الوالدين بسبب الميراث.
لاشك ان غياب تطبيق الشريعة الاسلامية في الميراث والقوانين الملزمة بتنفيذها عبر التحايل واطماع النفس البشرية والاحتكام إلى الموروثات الجاهلية المتعصبة للذكر دون حق الأنثى أو الضعفاء اليتامى ، قد أضر كثيرا بصورة العدالة في الشريعة الاسلامية ، وأضر كثيرا بالسلام الاجتماعي والتماسك الأسري .
العدالة
وبينما نحن نعيش في عصر السموات المفتوحة ووسائط الميديا المختلفة ، فلابد من استثمار هذه النوافذ ومنها مواقع التواصل الاجتماعي في تغذية الوازع الديني بالحقوق والواجبات وفي مقدمتها حقوق الميراث ، ونشر الوعي داخل الاسرة بنظم التربية الصحيحة والصحية التي لا تفرق بين الأنثى والذكر في الحقوق والواجبات ، وتدريس مادة المواريث في المدارس والجامعات حتى يتشكل وعي الأجيال بعلم الشرع الالهي في توزيع المواريث .
وتنظيم حملات توعوية مكثفة بالمساجد لمنع الآباء من منح الابن البكري تركة ابويه على حساب حقوق اخواته دون وجه حق ، وشرح أهمية الاحتكام لشريعة الله وأحكامه في التوريث .
وتوظيف خطباء المساجد قدراتهم على الاقناع في توعية الاب والام مهم في دعم الأخوات وترسيخ الحب والتسامح بينهم والتقريب بينهم وعدم التفرقة في المعاملة لخلق مناخ الود والإخاء بين الاشقاء ، وبيان اثر التمييز بين الاخوة في المعاملة في خلق الكراهية والأنانية وحب الذات .
يعاني عالمنا العربي والاسلامي من تمزق أسري أكاد أجزم انه قد نزع البركة والمحبة من القلوب والتراحم بين أبناء الجسد الواحد، بسبب الميراث، فسجلات القضايا امام ساحة القضاء تجزم بأن ما يقارب من سبعين بالمئة من القضايا المنظورة سببها النزاع على الميراث.
ونسوا ان الإرث الحقيقي الذي يتركه الأبوين هو حسن التربية والتعليم والمساواة بين أبنائهم وبناتهم فالإرث الحقيقي ارث اخلاقي متمثل بحسن الخلق والسلوك والسمعة الحسنة.
وكما يقال في الاثر الشعبي : الدم تحول الى مياه ، ومعادن الاخوان تظهر في الميراث ، فهذه حقيقة اثبتتها الوقائع اليومية في معظم بلادنا التي ترتب عليها قطيعة الأرحام لسنوات طوال والتآمر والسرقة والنهب والتزوير وصولا لقتل النفس التي حرم الله الا بالحق.
فالرحم الواحد الذي خرج منه ذكورا واناثا تربوا معها وطعموا طعاما واحدا وتلوا القرآن في شهر رمضان، وتلقوا قسطا من التعاليم الدينية بالمدارس والجامعات كان ذلك كفيلا بمعرفة الحقوق الأسرية والحقوق الشرعية بالميراث ، مع ذلك فان الاخوة المتحابون الذي يظهرون امام المجتمع كلحمة واحدة سرعان ما يتحولون الي اعداء عقب والدهم او والدتهم بسبب تقسيم الميراث .
فجأة تناسوا رابطة الدم والاخوة ووقفوا امام القاضي خصوما تحكم قلوبهم العداوة والبغضاء ، فلا يتزاورون ولا يكلم بعضهم بعضا ، بل يكيد بعضهم المكائد للآخر من أجل مال زائل وضلال عن شريعة العدل التي شرعها الله لعباده . والنتيجة خسارة الاسرة لأبنائها .
ساحات القضاء في عالمنا الاسلامي تشهد على جرائم سلب حقوق الميراث للأخوات الشقيقات ، وزوجة الأب واليتامى ، وسلب الأخ الاكبر لحقوق باقي اخواته ذكورا واناثا ، وتضيع حقوق الورثة بأساليب مختلفة منها موروثات اجتماعية جاهلية تنتصر للقوي على الضعيف وللذكر على الأنثى ، ويلجأ سالبوا الحقوق الى السب والشتم والضرب وحتى القتل لنهب ما ليس من حقهم من الميراث .
وزوجة الأب قد تكون أكثر الفئات ضحايا الميراث ، فقد يرفض الأولاد الذكور للمتوفي مقاسمة الارث مع امرأة يرونها غريبة عنهم ، خاصة اذا انجبت أولادا ، وبمجرد وفاة والدهم يكيدون لزوجة الاب المكائد الشيطانية ليخرجونها صفر اليدين عن التركة .
وقد يستحوذ الابن الاكبر على الميراث كما في بعض مناطق البادية والأرياف بدعوى انه شريك الأب في جمع ثروته ، ونتيجة تربية أمه له تربية أنانية وافراطها في منحه المزايا الأسرية على حساب باقي أشقائه .
ورغم ان قوانين الميراث في دولنا العربية تستمد موادها من الشريعة الاسلامية ، وتحدد أنصبة كل فئة من الميراث وهو تحديد الهي قد فصلت جميعا في سورة النساء ، كما في قوله تعالى :“وللرجال نصيب مما ترك الوالدان وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا” النساء، وهدف الخالق العظيم من هذا التحديد اقامة العدل وتحقيق السلام النفسي والاجتماعي بين أفراد الأسرة ، ولكن الثقافات المورثة قبل الاسلام والأنانية والاطماع البشرية ترفض الانصياع لأمر الله واحكامه وحدوده في شريعته الغراء ، فالشريعة عندما جعلت للأنثى حصة في الميراث مقابل حصتين للذكر لأنه يتحمل مسئولية الانفاق عليها ، لكن الثقافة الجاهلية الموروثة حرمت المرأة من حقها في الميراث وتعتبره حقا للذكر دون الأنثى كما ان لو حسبناها جيدا سنجد ان في القوانين الشرعية الاسلامية للتركة البنات حصتها اكبر
. فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك..."
والقوانين المعمول في بلادنا العربية تقر بحقوق الأنثى كاملة وفقا للشرع ، وتحصل عليها اذا طالبت بها بساحات القضاء ، ولكنها قد تحرم من هذه الحقوق لأسباب عديدة منها التزوير والتلاعب أو اجبارها على التنازل حتى لا تخسر أسرتها او بالتخجيل او الابتزاز و التهديد.
الغريب في الأمر، وبحسب استقصاء الدارسين المتخصصين لجلسات المحاكم ، فان معظم الأشقاء المسئولين عن ميراث شقيقاتهم مثقفين ويشغلون مناصب رفيعة في مجتمعاتهم ، وبعضهم يمتع بالثراء ، ولكنهم عند تقاسم الميراث سرعان ما يتحولون الى وحوش ضارية يخططون وينصبون شراك المكائد لشقيقاتهم لمنعهم من الحصول على حقوقهم الشرعية بالميراث بزعم ان أموال والدهم لا يجب ان يتمتع بها زوج الأخت .
ومه ذلك قد يسمحون ببعض التركة للإناث من الذهب والأموال كما في بعض الحالات في الجزائر ، في مقابل حرمانها من الاراضي والعقارات ، بدعوى ان الرجال هم من تولوا رعاية الاراضي الزراعية والعقارات مع والدهم ولا يجب ان يشاركهم الاصهار وهم أزواج الشقيقات فيها ، حتى ولو تسبب ذلك في لجوئهم لتزوير الأوراق الرسمية والقتل ، والاستعانة بالمشايخ لإقناع المرأة بالتنازل عن حقها في الميراث حفاظا على تماسك الأسرة وصلة الأرحام .
أشكال التحايل على القانون والشرع الخاص بالميراث لا حصر لها ، ومنها ما يقع في بعض مناطق الأرياف والمناطق النائية بالجزائر ما يعرف بعقد الحبوس ” الذي يمنح للذكور حق الانتفاع بالأرض ويحرم الاناث .
حيث يحرر الأب هذا العقد في حياته ويوصي بما لديه من أراض لأبنائه الذكور في شكل “حبس” أي يحق له الانتفاع من خيرات هذه الأرض، ولا يبيعها وبهذا تحافظ العائلة على أرضها والتي تبقى ملكا للأبناء، ولا تذهب لغيرهم بحكم أنها لا تباع ، ولا تذكر الاناث في عقد الحبوس ، فهو موكول للأبناء الذكور دون البنات وإذا انقرض نسلهم من الذكور تذهب الأرض لملكية الأوقاف.
والذكورية الغالبة التي يكرسها بعض الاباء في صعيد مصر وغيرها من دولنا العربية قد يدفع ثمنها الأب نفسه غاليا ولا يعرف انه اضاع حقوق الله في عباده الا بعد فوات الاوان وحيث لا يبقى الا الندم .
في احدى القصص المتكررة ، ومنها ما وقع بإحدى قرى الصعيد بوهب احد أعيان القرية ثروته لأبنائه الذكور وحرم بناته منها ، ليتحول البيت إلى جحيم لا يطاق بين ابناؤه الذكور فترك الاب المنزل، والحت عليه بناته للإقامة معهن ، لكنه رفض بشدة لشعوره بالذنب والحرج بعد حرمانهن من الميراث ، ليستقر به المقام في دار المسنين .
وأحيانا يقوم الأب والأبناء الذكور بترضية الاناث بجزء من الميراث مقابل مبالغ مالية فيما يسمى بـ "رضوة" حتى لا يكون لأزواج البنات مكان في أراضي وعقارات الأب.و قد يجبر الأب بناته على التنازل أو البيع لحقوقهن على الورق كشرط لتزويجهم بمن يرغبن ، حتى يقبل زوجها من البداية بأن زوجته خالية من الميراث، وقد يبرر الأب فعلته هذه بأن ذلك اختبار حقيقي لمن يرغب فى الزواج من بناته لذاتهن وليس طمعا في ميراثهن .
فتارة ضعف الإيمان يجعل اما الاخ الاكبر فقد يعتدي على أنصبة وحقوق أخواته البنات لجهله بالشرع ونتيجة الموروث الجاهلي وقولهم إنا وجدنا آباءنا وأجدادنا لا يورثون النساء ، ولا شك ان سلب حقوق الميراث وعدم توزيعها وفق الانصبة الشرعية ينتج عنها تفتت المجتمع وقطع لصلة الأرحام واشتعال الفتن بين الاسرة الواحدة التي قد تصل إلى القتل والثأر .
ومن يتوقع ان بلدا حضاريا مثل لبنان لا يعاني من هذا الأمر مخطيء فما عانت منه الجدات سابقا يعاد ويتكرر من الخلافات بين الورثه على توزيع التركة ليس فقط حرمان المرأة من حقوقها فقط بل وأخذها بالكلمة الحلوة والتخجيل كي تتنازل لأخوتها الذكور
أما في العراق فيحدث هذا اضافة على تشابك الارث بين الاولاد والأحفاد وأولاد الاحفاد المشتركين في ارث واحد لتبقى قيد المحاكم سنوات طويلة دون حلول وذلك بسبب عدم اتفاق الأطراف كلها على التقسيم او البيع او كيفية التصرف بالأموال ناهيك عن المهاجرين الغير عابئين والذين بغيابهم لا يستطيع باقي الورثة التصرف بالتركة مثل البيع او استثمار الأموال بالعمل.
وفي الأردن عادة يتم اعطاء بيت الاهل للولد وفي حالة طلاق البنت المتزوجة تواجه مشاكل في السكن خاصة اذا كان معها اطفال وفي حالة عدم توفير الزوج سكن للام الحاضنة فتضطر الاخت للعيش مع زوجة اخيها و تتلقى حظها اما ان تكون طيبة او شريرة
فالأجدر تأمين بيت او مصدر مال للبنت قبل الولد وذلك حفاظا على كرامتها و صونا لها من كل مكروه .
اما في سوريا فيختلف الأمر بين المدينة والريف فالمرأة في المدينة غالبا تأخذ حقها ولكن في الأرياف والأراضي الزراعية يدفعون النساء إلى التنازل عنها سواء ترغيبا او ترهيبا. حيث انهم يتشابهون مع باقي دول المنطقة العربية خاصة العراق ومصر بأن الأرض الزراعية يجب ان تمتدّ من جيلٍ إلى جيل بنفس العائلة ولا تخرج عنهم أبدا ومن هنا ظهرت فكرت تزويج البنات من اولاد عمها.
فمشاكل الارث ليست محصورة فقط في مشاكل ارث الإناث وإنما بمشاكل لا حصر لها بين الاخوة الذكور فيما بينهم بعيدا عن البنات وكل هذا لانه من البداية البيت لم يكن قائم على الحب والتعاضد والتكافل بين الاخوة في البيت الواحد منذ الصغر ولم يتعلموا ان الانسان قيمة لا تعوض وان الدم اغلى من الذهب وان الانسان هو من يصنع المال ولو ذهب المال نستطيع تعويضه انما الاخوة لا بديل لهم فالإنسان عندما يصرخ من الألم يقول آخ
وطالما كانت الاخت هي الام الثانية لأخيها ولكن غابت المحبة والرحمة فغاب معها ميزان الأمور فاصبحت الناس توزن الأمور بقناطير الذهب و سبائك الفضة.
حتى هذا العالم الاستهلاكي المروج للسلع طوال الوقت جعل الناس اكثر مادية وانتزعت العواطف من داخلهم رويدا رويدا في هذا العالم الرأسمالي الذي يقيم الاشخاص بأرصدتهم البنكية.
سوء التربية
المتهم الاول في هدم الاسرة وتحطيم روابطها وضياع حقوق الميراث هم سوء التربية والاخطاء التي يقع فيها الاباء في تربية ابناءهم، وأهمها التفرقة بين الأبناء بتفضيل أحدهم على الآخر أو تمييز الولد على البنت، وهنا تتشكل بذرة الكره الأولى التي يبذرها الوالدان أو أحدهما في نفوس أبنائهما، وهو ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم - من التفرقة في المعاملة بين الابناء .
فبعض العوائل في بعض بلدان الخليج العربي على سبيل المثال وكما رصد خبراء مستشارين تربويين واجتماعيين ، ينتشر تفضيل الولد عن البنت أو تفضيل الابن البكر، حتى لو مات الوالدان،يصبح الابن هو صاحب التصرف وصاحب السلطة ، وهذه السلطة الموحشة للابن البكر قد اكتسبها من تدليل الابوين له منذ الصغر وعندما يكبر تعطي له الوكالة الشرعية عن الوالدين ، وهو مايساعده في التصرف بالميراث ، ويعطيه الحق في حرمان إخوانه وأخواته من الحق الشرعي لهم ، ولذلك تندلع الصراعات بين الاخوة التي تفضي بهم الي ساحات القضاء فور موت الوالدين بسبب الميراث.
لاشك ان غياب تطبيق الشريعة الاسلامية في الميراث والقوانين الملزمة بتنفيذها عبر التحايل واطماع النفس البشرية والاحتكام إلى الموروثات الجاهلية المتعصبة للذكر دون حق الأنثى أو الضعفاء اليتامى ، قد أضر كثيرا بصورة العدالة في الشريعة الاسلامية ، وأضر كثيرا بالسلام الاجتماعي والتماسك الأسري .
العدالة
وبينما نحن نعيش في عصر السموات المفتوحة ووسائط الميديا المختلفة ، فلابد من استثمار هذه النوافذ ومنها مواقع التواصل الاجتماعي في تغذية الوازع الديني بالحقوق والواجبات وفي مقدمتها حقوق الميراث ، ونشر الوعي داخل الاسرة بنظم التربية الصحيحة والصحية التي لا تفرق بين الأنثى والذكر في الحقوق والواجبات ، وتدريس مادة المواريث في المدارس والجامعات حتى يتشكل وعي الأجيال بعلم الشرع الالهي في توزيع المواريث .
وتنظيم حملات توعوية مكثفة بالمساجد لمنع الآباء من منح الابن البكري تركة ابويه على حساب حقوق اخواته دون وجه حق ، وشرح أهمية الاحتكام لشريعة الله وأحكامه في التوريث .
وتوظيف خطباء المساجد قدراتهم على الاقناع في توعية الاب والام مهم في دعم الأخوات وترسيخ الحب والتسامح بينهم والتقريب بينهم وعدم التفرقة في المعاملة لخلق مناخ الود والإخاء بين الاشقاء ، وبيان اثر التمييز بين الاخوة في المعاملة في خلق الكراهية والأنانية وحب الذات .