السبت، 6 أغسطس 2016

ملكة وقاضية وتعاني تمييزاً صارخاً في سوق العمل بقلم الكاتبة والاديبة سارة السهيل

ملكة وقاضية وتعاني تمييزاً صارخاً في سوق العمل
بقلم الكاتبة والاديبة سارة السهيل

شكلت حواء عموداً رئيسياً في إعمار الأرض وتنميتها وتطويرها منذ بدء الخليقة حتى اليوم عبر العديد من الأدوار التي قامت بها، بدءاً من كونها زوجة وأماً، وصولاً للمهن العديدة التي شغلتها كحاكمة ومربية ومعلمة وطبيبة وقاضية وغيرها، ورغم ذلك لم تحظ  بالحقوق التي ينالها الرجل عند إنجاز عملها، وتعاني حتى ونحن في الألفية الثالثة للميلاد من الإساءة في العمل والاضطهاد وعدم المساواة في الحقوق والأجور، رغم المواثيق الدولية التي تساوي بين الرجل والمرأة في العمل.
العجيب عند دراسة أوضاع المرأة عبر التاريخ، هو أننا نتفاجئ بأن المجتمعات البدائية قد ميزت المرأة واعتبرتها رأس الجماعة، تخطط وتشرف عليها وتحافظ على نظامها الاجتماعي والاقتصادي، كما كانت مسؤولة عن إحلال السلام ومنع النزاع، في حين للرجل دور يقتصر على الصيد والدفاع والحماية.

ومع تطور المجتمعات نسبياً تم تقسيم العمل بين سلطة الرجل وسلطة المرأة بما خلق نوعاً من تقسيم العمل لصالح الرجل، بسبب، كما يقول الدارسون، ظهور الملكية الخاصة للأرض التي أسست لسلطة الرجل وقوامته من حيث أن الملكية الخاصة تحتاج إلى من يحميها أو يسلبها.

وقد تباينت الحضارات القديمة في سلب المرأة حق العمل وإعمار الأرض بين من همشها ونظر إليها ولأدوارها نظرة دونية حقرت من إنسانيتها وأفقدتها الأهلية لأي عمل أو مهنة، وبين من عظم أدوار المرأة في العمل والحياة الاجتماعية خاصة في الحضارات الفرعونية وبلاد الرافدين.

فقد كان للمرأة دور كبير في المجتمع العراقي القديم، وظهرت في حضارة بلاد الرافدين القديمة أول الشرائع المكتوبة، مثل شريعة أورنامو وشريعة أشنونا، حيث أعطتا للمرأة أهمية كبيرة في نصوصها، وعظمت من الوزن الكبير للمرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث عززت شريعة بيت عشتار حقوق الزوجة المريضة والعاملة والعاقر، حسب المواد 22و 27 و 28، وكفلت شريعة حمورابي المتكاملة حقوق المرأة في العمل والطلاق والزواج والتملك.

وعملت النساء في الدولة البابلية والآشورية في مهن كثيرة، قاضيات وتاجرات وكهنة ومالكات أراضي زراعية، كما استطاعت المرأة العراقية أن تصل إلى منصب الملك لتصبح أول ملكة في التاريخ، وهي الملكة سميرأميس، وكانت خلال مدة حكمها تلك واحدة من أقوى ملوك العراق القديم، بمشروعاتها العمرانية والحضارية، وحملاتها العسكرية لتوسيع كيان الدولة الآشورية.

وكانت النساء  في الطبقة الحاكمة مساندات لأزواجهن من الأمراء والملوك، مثل الأميرات "أورنانا" زوجة الأمير "أورنانشة" مؤسس سلالة لكش الأولى، و"برانامترا" زوجة الأمير "لوكَالندا" حيث كانت تناط بهن مهمة الإشراف على المعابد ومجريات الطقوس الدينية فيها.

وأباح لها المجتمع السومري امتهان الكثير من الأعمال كالعمل في الحقول والمزارع، وكاهنة لخدمة المعابد وإدارتها، وطاهية وساقية في القصور ومغنية في الأفراح والمناسبات السعيدة، وندابة للمآتم والأحزان، وعازفة موسيقية.

كما امتهنت العديد من الحرف كالنسيج وخياطة الملابس، والصناعات الغذائية والبيتية وتحضير العطور، وأيضاً إدارة المحال والحوانيت التجارية والحانات، وعملت في الطب كمختصات بالقبالة وعمليات التوليد، وصناعة وتركيب الأدوية وباقي المعدات والمستحضرات الطبية.

وامتهنت المرأة العراقية مهنة التعليم، كما عكسته الإلهة "نيسابا" التي منحت للمرأة دوراً رئيسياً في انتشار التعليم، فالفتيات التحقن بالمدارس أسوة بالفتيان ليتخرجن بصفة كاتبات في المعابد والقصور والمدارس والمراكز التجارية ومراكز الأرشفة والتوثيق.

في مصر.. الفرعونية قائدة وسيدة أعمال
تجمع كل دراسات الأثريين والتاريخين على أن الحضارة الفرعونية تكاد تكون الوحيدة التي منحت المرأة فيها حق العمل وقيادة المناصب الكبرى وإعمار الأرض تقديراً لإنسانيتها وإيماناً بقدراتها العقلية والنفسية على الإدارة والإنجاز كآلهة وملكة وقاضية وسيدة أعمال وطبيبة وقابلة وكوافيرة وفنانة وفلاحة وعاملة في الصناعات اليديوية والحرفية، كصناعة الملابس والنسيج وغيرها .

شاركت المرأة الفراعنة في العديد من المواقع العسكرية، وانطلقت الحملة العسكرية على الصومال بأمر من " حتشبسوت" التي أرسلت إلى ملك البلاد رسالة توضح فيها بأن هدف الحملة ليس عسكرياً ولكنه هدف تجاري.

وشغلت المرأة منصب مستشارة الفرعون وكاتبة، كما كانت السيدة "بيشيشت" رئيسة الأطباء، لتسجل أول طبيبة في التاريخ المدون."

كما زاولت المرأة مهنة "تجارة الأعمال" الفعلية مثل "ني نفر" صاحبة الأراضي الشاسعة، وأملاك وعقارات مهمة في عهد الدولة الحديثة، وكانت توكل لوكلائها التجاريين بمهمة ترويج المنتجات التي ترغب في بيعها وتصدرها للقطر السوري.

نظرة دونية
أما المرأة في العصر الروماني فلم يكن لها دور يذكر سوى كونها زوجة وأم كسيدة حرة، أما الجواري فكن يعانين معاملة سيئة كإنسانة فاقدة للأهلية، وكان الفقهاء الرومان القدامى يعللون فرض الحجرعلى النساء بقولهم: لطيش عقولهن.

وظهرت في القرن الثاني الميلادي، وثائق تشير إلى اشتغال المرأة التجارة وإدارة الأعمال وإدارة "الضيعات" الضخمة، مثل "بودنتالا" زوجة الكاتب " أبوليوس"، وأخريات امتلكن أموالاً طائلة دعمن بها نفوذهن ومراكزهن الاجتماعية، بإنفاقها على تشييد مباني عمومية تحقيقاً لأغراض سياسية، وتوجد وثائق تتكلم عن وجود طبيبات نساء متدربات ومتعلمات، إضافة الى وجود كاهنات نساء لممارسة الطقوس الدينية في المعابد ومع الأباطرة.

بينما شغلت نساء العصور الوسطى في أوروبا عدد من المهن، مثل الفلاحة والحرفية والراهبة، وكذلك شغلت بعض الأدوار القيادية الهامة مثل رئيسة دير أو ملكة حاكمة.

المرأة العربية
المجتمع الجاهلي رغم وأده للمرأة إلا أنه منح للأحرار منهن فرصاً للتجارة، فعملت السيدة خديجة بنت خويلد زوجة الرسول بالتجارة في الشام، كما كانت المرأة في العصور الإسلامية الأولى فقيهة مثل السيدة عائشة، وقاضية حسبة مثل الشفاء بنت عبد الله المخزومية، ومعلمة مثل السيدة نفيسة التي كانت تعلم الأئمة وتتلمذ الإمام الشافعي على يديها، السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما كانت تنقد الشعر، بينما كانت السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب مرجعاً أساسياً لشرعية مشاركة المرأة في العمل السياسي .

وفي القرن الثالث عشر الميلادي أسست "شجرة الدر" بعد الانتصار على لويس التاسع في المنصورة، دولة المماليك، ووضعت سياسات الدولة وسيرت الجيوش ووضعت الخطط الحربية والإشراف على تنفيذها ومراقبة المعارك.

نضال العصر الحديث
وقد ناضلت المرأة في العصر الحديث لتحظى بشرف العمل في كل الميادين الحيايتة، بدءاً من الثورة الفرنسية 1789، فطالبت بحقها في توسيع فرص التعليم والمساواة القانونية في العمل، وتولي الوظائف الحكومية، ورفعت عدة شعارات منها: "إذا كان يحق للمرأة أن ترتقي منصة الإعدام، فمن حقها أيضاً أن ترتقي منبر المرأة ".

وبمثل هذه الشعارات التي اجتاحت دول أوروبا وأمريكا في القرن الثامن عشر، انطلقت الحركة النسائية في أوروبا تطالب بعد أن نزلت إلى ميدان العمل وما صاحبه من تغيرات بتوفير دور للحضانة ورعاية الأطفال والحق في الأجر المتساوي، وفي تشريعات تحمي النساء العاملات، وحق الملكية، والطلاق، وحق التعليم العالي وممارسة المهن الطبية، وحق الانتخاب والترشح.

وفي أمريكا عام 1848 عقد في "سينيكا فولز" أول مؤتمر للنساء لتحسين أوضاعهن، غير أنهن صادفن تعنت الأنظمة الحكومية في الرد على حقوقهن العادلة.

في بداية القرن العشرين خرجت مواثيق الأمم المتحدة التي تحث المجتمع الدولي على مساواة المرأة بالرجل دون أي تمييز، وتطور الاعتراف بدور المرأة وعملها دون تمييز، خاصة في "المؤتمر العالمي الأول للمرأة في المكسيك 1975"، وأعلنت الأمم المتحدة في السبعينيات عقداً للمرأة وصدرت في هذه المرحلة الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة، كما أنشئ الصندوق الإنمائي للمرأة، وأيضاً مركز تدريب ودراسات المرأة التابعين للأمم المتحدة، وصولاً لإعلان فيينا 1993 الذي ناهض التمييز ضد عمل المرأة.

وبالرغم من أن كل هذه المؤشرات والجهود الدولية تشير إلى بعض مظاهر الإنصاف للمرأة خاصة من خلال التشريعات والدساتير، إلا أن حوادث العنف زادت وانتشرت في المجتمعات ضد عملها.

ومع فرص التعليم التي أتيحت للمرأة العربية، فقد عملت في العصر الحديث في معظم المهن، كمعلمة وطبيبة ومهندسة وفنانة وصحفية، وبرلمانية ومناضلة سياسية وضابط شرطة، وانتزعت حقها مؤخراً في العمل كقاضية ومأذون شرعي، وهما مهنتان كانتا محرمتين على المرأة في معظم الأقطار العربية .

ورغم أن المواثيق الدولية كفلت حق المرأة في العمل على أساس المساواة الكاملة مع الرجل، مثل المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن النساء في الشرق والغرب يعانين من التمييز في الأجور وفي تقلد المناصب، كما يتعرضن للمضايقات والتحرش، مما قد يدفع بعضهن للتضحية بعملها.

والحقيقة أن النساء في العالم يسيطرن على مهن مثل التمريض والخدمة الاجتماعية، وفي القطاعات الحكومية يتركز عملهن في المهن الكتابية وأعمال السكرتارية، ونادراً ما يشغلن وظائف إشرافية، فضلاً عن محدودية فرص الترقي وتبوؤ مناصب عليا، وفي مقابل ذلك يتضاءل نصيب المرأة العربية في قطاع التصنيع، ويكاد ينعدم في المجال العسكري.

وتنص قوانين العمل في العالم العربي على حماية المرأة من الأعمال الشاقة، وتوفير سبل الراحة إذا قامت بمثل هذه الأعمال، مثل إيجاد وسيلة للتنقل، وتأمين حضانة لأطفالها تكون قريبة من مقر عملها وعلى نفقة جهة العمل، وحقها في إجازة الأمومة، غير أن هذه القوانين عادة ما يتم تجاهلها.

مناهضة التمييز
‏إن قضية التمييز ضد المرأة في سوق العمل تتطلب قيام المجتمع الدولي برسم سياسات فاعلة وعملية لتطبيق القوانين والتشريعات التي تكفل عدم التمييز ضد المرأة في العمل، بما في ذلك من نشر حقوق المرأة في العمل بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات في المجتمعات الشرقية والغربية، واستحداث أدوات قانونية لمحاسبة من يقصر في منح المرأة حق العمل وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، بما في ذلك مقترحات تعميم وحدات تكافؤ الفرص لمكافحة التمييز ضد المرأة في جميع الوزارات وتفعيلها‏.‏

استثمار مؤسسات الدول الدينية والثقافية والإعلامية والقانونية في خلق بيئة من المساواة القانونية تشمل القانون العرفي أيضاً، في وضع مبادئ وقواعد قانونية عامة لمناهضة التمييز.

وفي تقديري، فإن إشراك المرأة في صنع القوانين قد يسهم في معالجة تقييم الوظائف والتمييز الصارخ، مثل التفاوت في الأجور والفصل المهني، بجانب ضرورة إنشاء هياكل إدارية وقضائية تختص بتطبيق بقانون العمل، ودعم إدارات تفتيش العمل المسؤولة عن تطبيق أحكام المساواة .

وتبقى الحاجة ماسة لإنشاء هيئة متخصصة لمساعدة ضحايا التمييز من النساء في كل دول العالم، ومعالجة شكواهن والفصل فيها، على أن تضم هذه الهيئة أعضاء من المنظمات النسوية المهتمة بعمل المرأة ونقابات العمل وأصحاب العمل ووزارة العمل ووزارة شؤون المرأة، وتقوم هذه الهيئة بجمع المعلومات ونشرها وتحليل التشريعات والسياسات وتنفيذ خطط العمل وتقديم المواد وتوفير التدريب للنساء، وتكون لهذه الهيئة صلاحيات شبه قانونية للنظر في شكاوى المرأة العاملة والتمييز ضدها.

وللإعلام دور حيوي في نشر ثقافة مناهضة التمييز ضد المرأة في العمل عبر تحسين صورة المرأة، وإبراز نجاحاتها العملية وخدمة قضاياها وحل مشكلاتها‏.‏